أعظم قرار اتخذته في حياتي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

عزيزي الأستاذ مصطفى مدثر تحية مودة وتقدير، شكراً على المساهمة والتفاعل مع النص.
صحيح أنني صغت تجربتي الوجودية بلغة أدبية وإنه من الممكن أن تقرأ كنص أدبي، في هذه الحالة اتفق معك في أن :

فهي (المقالة) لا ترقى نقدياً للإشارة إليهادوناً عن غيرها من ما هو ملقى على قارعة الطريق من الأعمال الأدبية.

لكن إذ نحصر هذا النص في البعد الأدبي نكون كمن ألقي المولود في دورة المياه واحتفظ بحوض الغسيل. كان هدفي أن أقدم تجربة وجودية (وليس قصة أدبية) أرى أنها كانت هامة في تطوري النفسي والمعرفي، وفي واقع الأمر لم تكن تجربة وحيدة معزولة، بل هي نتيجة وسبب في سياق فضاء نفسي وجودي جعل فيما بعد وعي ما أسميه الفاعلية ممكناً. ليس من الصعب أن يرى المرء في هذه القصة بذرة للفاعلية ووعي التجاوز، كنقيض لوعي القصور. لعل هذا ألهم الأستاذ محمد حسبو لدرجة أن منحني أكثر مما استحق. إذ احسب أن الأستاذ محمد حسبو قد أغدق علي من فائض احساسه، أعلم أنه من أقذع عيوبنا كسودانيين إننا درجنا على تبخيس بعضنا البعض ، لا نميز بين العمل كلحظة تاريخية في حياة المبدع والمبدع نفسه. قد يكون العمل رديئاً لظرف ما، لكن في داخل كاتبه عبقري، فنحكم على الكاتب وليس العمل بالإعدام. قلما نشد أزر بعضنا البعض فننهض كفريق وكأمة قادرة على الإبداع.نعم لن نرتقي بالدهنسة وتملق بعضنا البعضن، بل بالتعاون والاحترام المتبادل والنقد البناء. بالمحبة.
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

الأستاذ الشيخ محمد الشيخ
تخية لك
هذا النص فيه فتح عجيب وفيه انعكاس لتجارب الكثير منا ممن لم تنحطم دواخلهم بسبب التجارب الأولى. لي تجارب مماثلة تماما وإحداها تكاد تتطابق مع تجربتك هذه.
مثل هذه الكتابة - إذا تراكمت - سيصير لدينا قدر كبير من الموجهات التربوية إذ لا يعقل أن ندع صغارنا بلا سلاح أمام جيوش الخزعبلات والمهوّسات (المهلوسات؟) التي غرست فيها مبكرا. وليست كلها خزعبلات, فقد بُذِر معها ترياقات مضادة يمكن صبها جميعا في خانة "الرجالة" والتحصن أيضا (وفيه كلام).
المهم ياسيدي أنت فتحت الباب وسددته أيضا: نريد أن نكتب في مثل هذا ولكن بأيّة طريقة؟ هذا تحدٍّ لنا, على العموم ستجدني في بوست لي قديم نسيت عنوانه.
نسيت يا أخي , لم أقرأ عنوانك بـ "أكبر اكتشاف في حياتي". أخالك اكتشفت فقررت, وليس العكس, وفي كلتا الحالتين "المعنى واضح , ومثله خرق الثوب المسمار أو خرق المسمار الثوب".
وأبو زبد والنهود. في الأولى هزمت الخوف وفي التانية اكتسبت جسارة الشياطين وسيأتي بيانه.

لا بد أن محمد حسبو نظر إلى الموضوع من ناحيتيْ وضوح الأسلوب ووضوح الهدف. ذلك أن محمدا كره الغموض الذي يبعد العمل الأدبي من جادة الالتزام وقوله مشروع إلا أنه ربما ضيّق على الجماعة واسعا في بوسته الأخير, وسآتي لذلك في موضعه وأخرّني عنه أني مكثت ثمانية أيام حسوما بالمستشفي (منذ صبيحة العيد الذي بلا طبل ولا نوبة.
شكرا لك أساذ الشيخ.
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
ãÈÑ ãÍãæÏ
مشاركات: 131
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 1:53 pm

مشاركة بواسطة ãÈÑ ãÍãæÏ »

تحيّاتي أستاذنا الشيخ

و"إن الإنسان خلق هلوعا" [سورة المعارج، الآية19].

جاء في تهذيب الحيوان للجاحظ كيف إن الأعراب كانوا يتخيّلون الغيلان والعفاريت "فإذا استوحش الانسان تمثل له الشيء الصّغير في صورة الكبير، وارتاب، وتفرق ذهنه… فرأى مالا يُرى، وسمع ما لا يُسمَع، وتوهّم على الشيء اليسير الحقير، إنّه عظيم جليل. ثمّ جعلوا ما تصوّر لهم من ذلك شِعراً تناشدوه، وأحاديث توارثوها فازدادوا بذلك إيماناً ونشأ عليه النّاشئ، وربّي به الطّفل، فصار أحدهم حين يتوسّط الفيافي، وتشتمل عليه الغيطان في الليالي الحنادس (المظلمة) فعند أوّل وحشة وفزعة، وعند صياح بوم ومجاوبة صدى، فقد رأى كلّ باطل وتوهم كل زور… فعند ذلك يقول: رأيت الغيلان! وكَلمْت السعلاة! ثم يتجاوز ذلك إلي أن يقول: قتلتها! ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول: رافقتها! ثم يتجاوز ذلك إلي أن يقول: تزوجتها"! [كتاب تهذيب الحيوان للجاحظ].

وهلع الإنسان وخوفه، يا عزيزي الشيخ، ليس كله شر مثلما يتراءى لنا، فالجنس البشري مدين لهلعه وخوفه هذين بالكثير، وإن أردت مني قولاً متطرفاً أكثر لقلت لكَ إن الحضارة الإنسانية، التي نرفل في نعيمها الآن، هي في مجملها ثمرة من ثمرات الخوف وليس الشجاعة! وما الشجاعة على كل حال؟ اليست هي سعينا الدؤوب في سبيل الإنتصار أو السيطرة على مخاوفنا! واليست هي بذلك مجرد سلوك إنساني تابع وليس أصيلاً وغريزياً مثل الخوف والهلع وحب الذات والطمع وهلم نفسيات؟! إنها ببساطة، وفي تجليها العميق الواضح، تشير إلى "خوفنا من خوفنا"! وهي ذاتها التي توسوس لنا بأن أستعينوا على العفريت بالحيل والمُرَوِضات النفسية، تلك الحيل النفسية التي يمكننا أن نكتب في بابها الكثير إبتداءً من آية الكرسي وإنتهاءً بآية الفاعلية! وهي -أي الحيل- قطعاً لا تقتل العفريت ولكنها تقتل فقط خوفنا منه.. بارك الله فيها وكتر من أمثالها.

والخواف -كما أشار حسن موسى- "ربّى عيالو" وسن لهم القوانين التي تحفظ حقهم وترعاه، وعمل ليهم تلفونات كمان، فعل كل هذا في ذات الوقت الذي كان صاحبنا "الشجاع" يحدث فيه عياله عن كيف قتل الغولة، وكيف رافقها، بل وكيف تزوجها!
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

نال هذا النص من الحاضرين والحاضرات اهتماماً لافتاً، يستحقه بكل تأكيد...
وقد مسّني كما فعل معهم هنا مساً خاصاً وشخصياً يا أستاذ الشيخ...

طبيعة كل انفعال (يتم التعبير عنها هنا) حسب زاوية نظر القاريء طبعاً، لكني سأزعم أن مصدر الانفعال المشترك هو واحد أو متقارب جداً.
هل هو أنَّ النص يلامس "لحظة راهنة" في تفكير سودانيي سودان الجميع؟
هل هي الحاجة لتعبير حقيقي (وعاطفي) و"حار" عن قضية عامة ، مثل محاربة "الخرافة" المستشرية في المشهد السياسي السوداني اليوم، ومواجهة التسلط الديني السياسي على العمل العام؟ أو هو ربما نزوع نحو أنسنة وشخصنة قيم وتعبيرات مثل التفكير العِلمـ()ـاني في ما يخص قضايانا العامة، سياسيةً كانت أم غير ذلك ...

منذ عنوانه المباشر (أعظم قرار اتخذته في حياتي) تجد لغة النص حارَّةً وشخصيةً وتفيض بعاطفة واضحة، مما أتاح لها ما لا يتاح إلا لـِ حاسة الأدب واستشرافات الكتابة الأدبية...
أما مثل هذه التعبيرات: "الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام"فهي من الشعر الخالص، وإن تدثرت بإزار الحكمة...


شكراً يا رجل...


ح.خ
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

عزيزي الأستاذ عادل عثمان أشكرك على المساهمة وخاصة الصورة الحديثة للنهود، وهي خالية من العفاريت والبعاعيت. حلت منازل الطوب في الأعم محل بيوت القصب، وظهرت العربات، وما زالت تهطل الأمطار. كان حينما تتلبد السماء بالسحب حتى تغمر الأفق ثم تهطل، نقول أن المطرة هطلت في كل الدنيا. كان من المهم أن نكبر ونسافر لنكتشف حقاً أن الدنيا كلها ما وراء الأفق. سألتني لماذا ذهبت إلى السينما وحيداً أليس بالحي صبيان؟ بالطبع يوجد صبيان، بيد أني لا أتذكر حالياً لماذا كنت وحيداً. لكن بالنظر إلى مسيرة حياتي بعد أكثر من نصف قرن من ذلك الحدث أجد أنني في معظم الأحيان كنت أسير وحيداً. لعل السبب هو كثيراً ما يتبدى لك خيار حدي إما أن تكون نفسك ومشروعك وإما أن تكون رقماً في القطيع، تتسربل بطمأنينته الزائفة. نعم ما زالت هناك جيوب للتفكير الخرافي في المجتمعات المتقدمة، لأن التفكير الخرافي مرحلة في تطور العقل البشري، لا يتم تجاوزها بين يوم وليلة. خاصة البديل العلمي ما زال يافعاً وقاصراً عن إيجاد إجابات لبعض الأسئلة التي استدعت الفكر الخرافي.
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

عزيزي الأستاذ الشيخ،

شكرا لك.. سأحاول إيجاد شخص في السودان يتواصل معك للتحصل على نسخة من الكتاب لي، فإن لم أنجح، فسأكتفي بالنسخة الالكترونية.. في كلتا الحالتين، توقع مني رسالة، عبر الرسائل الخاصة هنا في المنبر، قريبا بإذن الله.





وفي الحق، إن الخوف ( القهر) هو الذي استل المادة العضوية من المادة غير العضوية، فبرزت بذلك الحياة.. ثم إن الخوف هو السوط الذي حشد الأحياء في زحمة سباق التطور.. فالحياة مولودة في مهد الخوف.. ومكتنفة بالخوف في جميع مدارجها.. ولولا بوارق الأمان، الفينة بعد الفينة، ولولا لوائح اللطف، الفينة بعد الفينة، ولولا غواشي الغفلة، في أغلب الأحيان، لاجتاح الخوف الحياة، ولقطع نياطها.. ولا يزال الخوف، إلى الآن، هو الأصل في سوق الحياة إلى كمالها في جانب الله.. قال تعالى في ذلك: ((وإن من قرية إلا نحن مهلكوها، قبل يوم القيامة، أو معذبوها عذابا شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا * وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون.. وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا * وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس.. وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس.. والشجرة الملعونة في القرآن.. ونخوفهم، فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا)).. اعتبر قوله تعالى: ((وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)) وقوله تعالى: ((ونخوفهم)).. ثم اقرأ قوله تعالى: ((يأيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد)).. أو اقرأ قوله تعالى: ((فكيف تتقون، إن كفرتم، يوما يجعل الولدان شيبا، * السماء منفطر به؟ كان وعده مفعولا.))..
.....
فالعقل هو الروح الإلهي المنفوخ في الانسان، والخوف هو وسيط النفخ، وصراع العناصر المختلفة، التي تزخر بها البيئة الطبيعية، هو العامل المباشر، والله من وراء كل أولئك محيط.. وهذا النفخ مستمر، وهو سرمدي، ويأخذ في اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها، وكان لها السلطان.. وسيجيء يوم يبدل الله فيه الخوف أمناً، والحرب سلاماً، والعداوة محبة.. ((ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم، وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما؟)).
.....
وحين يتم الانتصار على الخوف، بفضل الله، ثم بفضل العقل، يصبح نفخ الروح الإلهي في القلب البشري بوسيلة اللطف، بالأمن، وبالسلام، وبالمحبة.. فما دام النفخ من الخارج فإنه بوسيلة الخوف الذي تسلطه العناصر الخارجية، وسيجيء وقت يصير فيه النفخ من الداخل، ويومئذ يكون الخوف قد انهزم، وإلى الأبد..

(محمود محمد طه - رسالة الصلاة)
Conventional is neither neutral nor convenient
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »


العزيز حافظ خير

سلام يوصل إليك يرجع إلينا او كما قال شاعر الاغنية.

فعلا تلك العبارة من الشعر الخالص ... وكذلك كلام استاذ محمود هنا ... أراه من حيث اقف شعراً خالصاً :

"وحين يتم الانتصار على الخوف، بفضل الله، ثم بفضل العقل، يصبح نفخ الروح الإلهي في القلب البشري بوسيلة اللطف، بالأمن، وبالسلام، وبالمحبة..
فما دام النفخ من الخارج فإنه بوسيلة الخوف الذي تسلطه العناصر الخارجية،
وسيجيء وقت يصير فيه النفخ من الداخل،
ويومئذ يكون الخوف قد انهزم،
وإلى الأبد.."
(محمود محمد طه - رسالة الصلاة)
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ناس تخاف و ما تختشيش !

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الناس تخاف و ما تختشيش !
ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí
مشاركات: 552
اشترك في: الأربعاء يناير 27, 2010 11:06 am

المنفلت..

مشاركة بواسطة ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí »

المنفلت‮..
حدباي‮: «دفع الله محمد عوض الكريم‮»‬،‮ ‬أين شقيق الحاجة حواء عوض الكريم‮، (‬والدتي‮). ‬شاب «حرَّات‮» ‬عاملاً‮ ‬بوصية جدنا فرح ودتكنوك،‮ ‬الذي‮ ‬لم يتعرف عليه إلا مشفاهة ومسامـعة،‮ و‬الوصيـة القائلة‮ «‬يا أيدي‮ اكلي‬‮ ‬بدري، ونومي بدري،‮ ‬وقومي‮ ‬بدري،‮ ‬شوفي‮ ‬كان تنقدري‮». ‬وعليه، كان حدباي‮ ‬في‮ ‬موسم البذر‮ ‬يصحو مبكراً،‮ ‬قبل صياح الديك،‮ ‬حتى‮ ‬يكون في‮ «‬بلادة المطرية‮» ‬قبل شروق الشمس‮. ‬وفي‮ ‬يوم ملبد بالسحب، وطبقات الظلام، ووعد بالمطر، كان حدباي‮ ‬في‮ ‬طريقه إلى‮ «‬بلاده‮» ‬التي‮ ‬تبعد عن‮ «ودسلمان»، ‬قريته، ما‮ ‬يقرب أو‮ ‬يزيد عن الـ‮ ‬35‮ ‬كلم،‮ ‬مسكوناً‮ ‬بأحلام الحصاد،‮ ‬وأحلام المشي.‮ ‬فجأة انتصب أمامه عفريت،‮ ‬كان‮ ‬يعرفه جيداً‮ ‬مما‮ ‬يدور عنه في‮ ‬تلك القرية الصغيرة،‮ ‬فقد سمع كثيراً‮ ‬عنه ممن التقوه؟ تجمد في‮ ‬مكانه،‮ ‬كان وقتها محصناً‮ ‬بالأدعية والمأثورات وبـ«تركاش»‬.‮ ‬ركز مجموعة حرابه ذات السنان المتعددة، ودعا وهو راكبٌ ظهر الخوف،‮ ‬وقيل الرعب،‮ ‬ولم‮ ‬يسعفه ذهنه إلا بقولة حكاها هو، وأصبحت ملحة والشعرية‮: «‬باني‮ ‬الواصلك،‮ ‬وياك الكاتلني‮». ‬ولكنه لم‮ ‬يصله،‮ ‬ولم‮ ‬يمت،‮ ‬حتى انقشع الظلام كاشفاً‮ ‬عن خرقة على شجرة‮ «‬كثر‮» ‬ذات الأشواك الصلبة والحادة،‮ ‬والتي‮ ‬كانت تقطن السهل الواقع بين‮ «‬ودسلمان‮» ‬وبين سهل الكتر الزراعي‮.‬
خرج حدباي‮ ‬من تلك التجربة‮: ‬جلابياً‮ ‬يبيع الوهم لأهلنا في‮ ‬الجنوب،‮ ‬وساعي‮ ‬ابقار في‮ ‬سهل الجزيرة وصاحب كنتين متواضع، قبل أن‮ ‬يرحل،‮ ‬وخرج الشيخ من‮ ‬تلك التجربة يـ «الفاعلية المتممة»، وإلى ما هو عليه الآن‮.‬
ومع أن الزقاق الضيق المظلم، ليس السهل الواسع المظلمالواسع،‮ ‬ومهارب السهل ليست مهارب الزقاق، وفارق العمر:‮ «‬حدباي» ‬كان بحدود الثلاثين عندما واجه العفريت؟ وأن سلحة حدباي‮ ‬كانت تفوق أسلحة الشيخ‮.‬
وهنا بالضبط تتضح المسافة، بين كائن‮ ‬يستبطن وعياً‮ ‬تناسبلاً،‮ ‬متوافقاً مع محيطه، كما وصفه الشيخ، لاحقاً‮، ‬وبين الكائن الفاعلي،‮ ‬وإن لم‮ ‬يستكمل أدوات الفاعلي‮ ‬بعد‮.‬
وأظن،‮ ‬غير آثم،‮ ‬أن الشيخ قد دخل ذلك‮ «‬الزقاق‮/ ‬النفق‮» ‬المظلم، أبكر من ذلك قليلاً‮.وذلك حين قال ، مدخل محكيته: «‬أذنت لي‮ ‬أمي..» ‬إن هذا‮ ‬يحيلك مباشرة إلى‮ ‬غياب الوالد‮. ‬أي‮ًّ ‬كانت أسباب‮ ‬غيابه، في‮ ‬فضاء‮ ‬يصفه الشيخ لاحقاً،‮ ‬بعد أن استكمل أدوات التصنيف بـ‮ «فضاء العقل التناسلي‮» ‬أو قبل ذلك بقليل‮.‬
في‮ ‬فضاء تكون القوامة فيه للرجال، بحسب بنيتهم البيولوجية والنفسية، وما يتيحه ذلك الفضاء من وعي‮. ‬وعلى الرغم من أن الفضاء الدارفوري‮ ‬يتجاوز هذا التصنيف،‮ ‬حيث المرأة مساهمة حقيقة في‮ ‬سبل كسب العيش‮. ‬إلا أن‮ ‬غياب الوالد‮ ‬يشكل عبئاً‮ ‬نفسياً‮ ‬واجتماعياً‮ ‬للأطفال في‮ ‬سني‮ ‬التكوين المبكرة،‮ ‬ويطرح كثيراً‮ ‬من الأسئلة الحرجة،‮ ‬حيث الأب كائن مؤثر في البناء‮ ‬النفسي للطفل ومبثوب بكثافة في‮ ‬ذلك الفضاء،‮ ‬في‮ ‬البيوت، وفي‮ ‬المدرسة، وفي‮ ‬الطرقات‮. ‬كيف خرج هذا الفتى الفالت من عفريت نفق‮ ‬غياب الوالد؟
الإجابة مخبأة بعناية في‮ ‬محكية الشيخ،‮ ‬شأن الحكائين الكبار، أنها الحاجة سلكة النور بلال، والدته‮. ‬والتي‮ ‬يصفها لاحقاً‮: «‬كانت الفقيدة عامرة بمحبة الآخرين،‮ ‬وعاشت من أجل هذا الهدف، بإخلاص وتفان مذهل‮. ‬وهو الزاد الذي‮ ‬تركته لي‮ ‬ما تبقى من أيام‮».‬
وفي‮ ‬تعزيته للصديق إيمان في‮ ‬وفاة والدتها‮ ‬يقول الشيخ‮ «‬حين فقدت ابى غمرني‮ ‬الأسى،‮ ‬وحين فقدت أمي‮ ‬شعرت بأن الحبل السري‮ ‬الذي‮ ‬يربطني‮ ‬بالحياة انقطع‮..».‬
إن هذه الجملة ذات المقطعين المتوترين الواصفين لـ «عفريت» الغياب - ‬المنقذ يضيء.
كيف واجه الشيخ‮ «‬عفريت‮» ‬غياب الوالد،‮ ‬ودور السيدة الجليلة سلكة في‮ ‬المساندة على مواجهة ذلك العفريت‮.‬
ففي‮ ‬وصف الشيخ‮ «كانت الفقيدة‮..« ‬أنه‮ ‬يمنحها صفات الكائن الفاعلي بامتياز،‮ ‬من أثره،‮ ‬وحب الخير،‮ ‬ومحبة الآخرين‮. ‬فردت جناحيها الخيرين عليه،‮ ‬وعلى النور،‮ ‬وعبدالرؤوف،‮ ‬وعلى كل عائلتها،‮ ‬وربما امتد ظل جناحيها إلى محيطها القريب‮. ‬وهذه أسلحة تخيف كل طبقات العفاريت، بما فيها عفريت‮ ‬غياب الوالد،‮ ‬وساعده استعداده الفطري‮، ‬لقهر عفريت‮ «‬غياب الوالد» ‬ومتد احسان هذه السيدة الجليلة إلينا، وإلى البشرية،‮ ‬دون اذهب جهة المغالاة،‮ ‬فوجود الشيخ بيننا هنا عضواً ‬في‮ «‬مبنر الحوار الديمقراطي‮»، ،‬والذي‮ ‬أرى بعض المداخلات هنا، في‮ ‬هذا البوست الأنيق تنحو بعيداً‮ ‬عن الديمقراطية وإحسانها إلى البشرية في‮ ‬شخص العالم الجليل الشيخ محمد الشيخ، والذي‮ ‬يسهم بفعالية وكفاءة في‮ ‬إثراء العلم، وتفعيل الحياة،‮ ‬بحثاً‮ ‬عن مخرج،‮ ‬أو مخارجة من‮ «‬عفريتها‮» من خلال نظريته التعميمية والتي‮ ‬تتجاوز قصور النظريات السابقة لها،‮ ‬سواء في‮ ‬الفيزياء،‮ ‬أو البيولوجيا،‮ ‬أو علم الإنسان باتجاه تفجيرة فاعلية البشر‮.‬
والشيخ كابن بار بأهله، وبوطنه،‮ ‬وبالإنسانية جميعاً‮ ‬في‮ ‬اجتراحه للفاعلية، لم‮ ‬يستبطن أي‮ ‬حقد،‮ ‬أو غبن تجاة‮ «‬عفريت‮» ‬غياب الوالد‮. ‬ولكنه ظلَّ‮ ‬يبحث عنه براً‮ ‬به،‮ ‬متناغماً‮ مع ‬رسالته وطبيعته الخلاقة والمتسامحة.‮ ‬وحين وجده ذات صيف في‮ ‬فضاء الحصاحيصا،‮ ‬سقطت من عين الشيخ (والده) دمعة كانت كافية لأن تصيب الشيخ (الابن) بأسى وأذى،‮ ‬وعاد‮: ‬أن العفريت لم‮ ‬يكن مخيفاً‮، ‬ولكنه كان مغلوباً‮. ‬وحين رحل‮ «شعرت بأسى». ‬وهو‮ ‬يعلم أن اساه موفر ووافر في‮ ‬مواجهة مآسي‮ ‬كل الوجود من حوله‮.‬
في‮ ‬مواجهة عفريت الظلام‮ «‬الزقاق»، ‬استعمل الشيخ ما هو متوافر على قارعة المشافهة والمسامعة من أسلحة‮. ‬هو لم‮ ‬يختبر كفاءتها وجدواها،‮ ‬بل إن فطرته،‮ ‬واستعادة للانفلات منعتاة من ‬امتحان تلك الأسلحة‮. ‬والشاهد، أنه لم‮ ‬يلجأ إليها في‮ ‬مواجهة العفاريت الأخرى والتي‮ ‬سنأتي‮ ‬على ذكرها لاحقاً،‮ ‬بل تركها في‮ ‬ذلك الزقاق المظلم،‮ ‬كما ترك وهن العفريت وذهب‮ «‬يغني‮» ‬الحياة والامل.‮ ‬مع أنني‮ ‬أعرف أن مؤهلاته صوته لا تجيزه للغناء،‮ ‬وعلى الرغم من كل ذلك، أطربنا وأطرب المهتمين في‮ ‬مجال بحثه،‮ ‬بذهن حاد وإنسانية فاعلة‮.‬
حين كان الشيخ‮ ‬يحاول كشف ملابسات‮ ‬غياب والده، كان‮ ‬يعيل عائلة من السيدة الجليلة فوزية عبدالرحيم،‮ ‬وخالد وخالدة الشيخ، الذين منحني‮ ‬شرف اختيار اسميهما،‮ ‬وأخويه النور،‮ ‬وعبدالرؤوف،‮ ‬وهو بوظيفة مدرس رياضيات بالمدارس الثانوية،‮ ‬وعلى الرغم من هذا المأزق الوجودي الباهظ المواجهة، إلا أن الشيخ كان‮ ‬يواصل حفرة المعرفي،‮ ‬و‮«‬يغني‮» ‬على طريقته،‮ ‬يَضْحَك، ويُضْحِك، ويجد فرصة للعب الشطرنج،‮ ‬سواء بنادي‮ ‬الخريجين بأم درمان أو نادي‮ ‬الخريجين بالخرطوم.‮ ‬كل ذلك وعفاريت الوجود تحيطه من كل جانب ويقهرها الواحد تلو الآخر‮.‬
في‮ ‬الطريق إلى ما هو عليه الآن، واجه الأستاذ الشيخ محمد الشيخ عفاريتاً وجودية‮ ‬أكثر قسوة وأشد لؤماً،‮ ‬كونها عفاريت وجودية بامتياز مدعومة بآلة إنتاج الجهل وتكريس الأمية‮.‬
تحت جناح الرحمة، الذي‮ ‬أفردته السيدة الجليلة والدته، وبذهن نقاد عالي‮ ‬الكفاءة، اجتاز الشيخ أو تجاوز‮ «‬عفريت» ‬امتحانات الانتساب للجامعة، والكل يعرف، أي‮ ‬عفريت جبار هو‮. ‬حيث‮ ‬يتنافس ما‮ ‬يقرب من الخمسة عشر ألفاً‮ ‬من الطلاب على مقاعد لا تتجاوز الثلاثة الاف ونصف، للجامعات والمعاهد العليا‮. ‬كان الشيخ من كريمة الحاصلين على مقعد في‮ ‬جامعة الخرطوم، الجامعة الأولى والوحيدة،‮ ‬وانضم إلى كلية العلوم قسم الرياضيات،‮ ‬وهي‮ ‬من الكليات التي‮ ‬تكون المنافسة عليها على درجة من الصعوبة‮.‬
أمضى الشيخ ‮٥ ‬سنوات، كانت ناجحة على المستوى الأكاديمي،‮ ‬وكان‮ ‬يمكن‮ ‬يتخرج منها أفندياً‮ «مرموقاً‮» ‬بمقياس الخدمة المدنية،‮ ‬كان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون الذخر الذي‮ ‬ترتجيه عائلته، ككل العائلات التي‮ ‬يلتحق أبناؤها بالجامعة‮. ‬وهنا واجه عفريتاً من صنعه‮. ‬لحظ الشيخ أن مواعين الكلية الأكاديمية ومناهج التعليم فيها أضيق من حاجته للمعرفة وللمساهمة في‮ ‬إنتاج حياة كريمة،‮ ‬بل وكانت مضادة تماماً‮ ‬لقناعاته برسالة ودورة في‮ ‬الحياة، خاصة وأن ملامح‮ «‬الأنسنة‮» ‬بدأت في‮ ‬التشكل،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن الجلوس على مقاعد الدرس لايبلي ملابسه فقط،‮ ‬ولكنها تهدد مشروع حياته‮. ‬وهنا واجه الأمر بعزم أصحاب الرسالات الكبرى،‮ ‬وكأني‮ ‬به يقسم أن لو وضعوا كل جامعات الدنيا في‮ ‬كلتا‮ ‬يديه على أن‮ «يترك هذا الأمر،‮ ‬ما تركه‮».‬
وهنا اتخذ قراراً‮ ‬خطراً‮ ‬آخر،‮ ‬استتباعاً‮ ‬لقرار‮ «‬الزقاق المظلم‮». ‬استقال من الجامعة‮. ‬أن من‮ ‬يرتكب من هذا الأمر مجنون‮. ‬ونحن نعرف أن كثيراً‮ ‬من أصحاب الرسالات الكبرى اتهموا بالجنون‮.‬
إن قهر هذا العفريت كان هو الطريق المودي‮ ‬إلى‮ «الفاعلية التميمية‮». ‬استقال الشيخ من الجامعة،‮ ‬أي‮ ‬أنه تخلى عن واحد من أهم اسلجة مواجهات مسائل الوجود‮ «‬المؤهل الورقي‮». ‬وعمل مدرسة للرياضيات بالمدارس الثانوية، وهي‮ ‬وظيفة تجعله في‮ ‬مواجهة‮ «‬عفريت‮» سلك ‬التعليم مباشرة،‮ ‬و«عفريت‮» ‬البيروقراطية الوظيفية،‮ ‬ولكنها تجعله قريباً‮ ‬من عشقه البحث،‮ ‬أو الحفر المعرفي،‮ ‬في‮ ‬مناخ عطل تماماً‮ ‬عن كل وسائط هذا البحث،‮ ‬ومن الاهتمام المؤسسي‮ ‬به،‮ ‬بل‮ ‬يمكن أن نلاحظ أن جامعة الخرطوم بكل تاريخها المجيد لم تخرج عالماً‮ ‬مميزاً‮، ‬ولكنها خرَّجت أفندية مميزين،‮ ‬سواء أساتذة في‮ ‬الجامعة،‮ ‬أو في‮ ‬ميادين أخرى‮.‬
وهنا واجه عفريت الإملاق العلمي،‮ ‬سواء على مستوى الجامعات أو مؤسسات البحث العلمي،‮ ‬بل إن البحث العلمي‮ ‬نفسه لم‮ ‬يكن من أوليات الأنظمة التي‮ ‬تعاقبت على حكم السودان‮. ‬وهنا تطور‮ «العفريت‮» ‬ليصبح‮ ‬غولاً‮ ‬بحق‮.‬
ولكن، ومنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي،‮ ‬لحظة استقالة الشيخ من الجامعة،‮ ‬وحتى مدخل الثمانينات منه،‮ ‬ظل الشيخ‮ ‬يعافر على مستوى الوجود ،ومستوى البحث‮. ‬وتطورت‮ «‬الأنسية‮» ‬إلى‮ «‬الفاعلية‮» و‬التي‮ ‬أنتجت‮ «‬التحليل الفاعلي‮» ‬وهو‮ «منهج ‬يحلل فاعلية الأفراد، والمجتمعات، والنصوص‮» ‬كل ذلك بعزم أسطوري‮. ‬في‮ ‬هذه الفترة كان‮ ‬يراسل العلماء من مختلف بقاع الأرض والمجلات العلمية،‮ ‬وأذكر جيداً‮ ‬كيف أن الخطابات الواردة إليه، سواء من العلماء،‮ ‬أو من المجلات العلمية كانت تروس
‮ ‬Dear professor.‬
هذا، وأذكر تعبيراً‮ ‬على القحط الذي‮ ‬يجتاح حقل البحث العلمي،‮ ‬كما‮ ‬يجتاح الوطن بكامله.‮ ‬أحد الطلبة الفرنسيين الزائرين لجامعة الخرطوم،‮ ‬لا أذكر بالضبط، إن كان طالباً‮ ‬أم أستاذاً،‮ ‬التقاه الشيخ في‮ ‬أحد الأنشطة العلمية والتي‮ ‬كان الشيخ‮ ‬يتابعها بشغف.‮ ‬التقاه الشيخ وأطلعه على عمله. لم‮ ‬يخف إعجابه بالعمل وبالجهد الخرافي‮ ‬المبذول فيه، كما لم‮ ‬يخف دهشتة من أن أحدث المراجع العلمية التي‮ ‬اعتمدها الشيخ‮ ‬يعود إلى العام‮ ‬1968؟
كل ذلك لم‮ ‬يقت في‮ ‬عضه،‮ ‬ولم‮ ‬يثبط همته‮. ‬ولكن أطل عفريت آخر لم‮ ‬ينتبه له الشيخ في‮ ‬غمرة انهماكه في‮ ‬كشوفاته‮.‬
أذكر أننا تناقشنا طويلاً‮ ‬حول هذا العفريت الجديد،‮ ‬وتدخل أستاذ الفيزيائي‮ ‬الأشهر في‮ ‬جامعة الخرطوم، وجامعات السعودية، الأستاذ محجوب عبيد، والذي‮ ‬رأى أن‮ «عفريت» المؤهلات الورقية لا‮ ‬يمكن قهره إلا باحتياز تلك الورقة‮.‬
للشيخ عزيمة معرفة وبحثه جبارة، كونه من اولي العزم.
مدخل الثمانينات،‮ ‬أعاد الشيخ مراجعة إحداثيات أن هذا‮ «‬العفريت الوجودي‮» ‬وجلس كممتحن خارجي،‮ ‬ونال‮ «‬ورقة‮» ‬البكالوريوس في‮ ‬الرياضيات بتفوق ملحوظ على كل الممتحنين‮.‬
قهر‮ »‬عفريت‮/ ‬غول‮« ‬ثم ماذا؟
متوازياً‮ ‬مع هذا الإنجاز،‮ ‬ومصاحبة مع إنجازاته الأخرى في‮ ‬حقل نظريته، أعدَّ كتاب التحليل الفاعلي،‮ ‬وشجعته حيازته للمؤهل‮ «‬الورقي‮» ‬الجامعي‮ ‬للتقدم خطوة إلى الأمام، في‮ ‬شأن المؤهلات الورقة‮. ‬فتقدم لرسالة الماجستير واختار حقل بحوثه «الفاعلية» لنيل هذه الدرجة العلمية‮.‬
وعند ركن معتم في‮ ‬هذا الزقاق ظهر عفريت آخر. ‬قرأت ملامح هذا العفريت في‮ ‬خطاب من البروفيسور محجوب عبيد،‮ ‬حيث كان الشيخ‮ ‬يراسله في‮ ‬شأن نظرية الفاعلية‮. ‬هذا‮ «‬العفريت‮» ‬أيضاً‮ ‬خلقه الشيخ. وقهره‮: ‬ملخص خطاب الدكتور محجوب أنه‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يفتي‮ ‬في‮ ‬الفيزياء، اي في‮ ‬الجانب الفيزيائي‮ ‬للنظرية‮. ‬ولكن العفريت كان‮ ‬يكمن في‮ ‬أن النظرية تعمل على قراءة حقلين متجاورين كحقل واحد، هما علم الفيزياء، وعلم البيولوجيا‮.‬
وكما أشار دكتور عبيد،‮ ‬فعندما تقدم الشيخ بمخطط رسالته للماجستير، وجد العفريت أمامه مباشرة‮: ‬لا أحد‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يشرف على هذه الرسالة،‮ ‬حيث لا‮ ‬يوجد مختصر فيزبويولوجي‮ ‬في‮ ‬آن‮.‬
قال الشيخ لعفريت‮: «‬هنا معك حق،‮ ‬وسأحول رسالتي‮ ‬إلى الرياضيات، حيث تنعدم عفرتتك‮. ‬أما يخصُّ ‬نظريتي،‮ ‬فأنت‮ ‬غريمي‮ ‬وأنا لك‮» ‬وفعلاً‮ ‬نال الشيخ درجة الماجستير في‮ ‬الرياضيات‮.‬
وبقيت النظرية، التي‮ ‬لم تتوقف مكابداته فيها‮. ‬وبدأ الصخر الذي‮ ‬ظل الشيخ‮ ينحته بعناد‮. ‬لا علاقة له بعناد البشر،‮ ‬بدأ‮ ‬يعطي‮ ‬ملامح نظرية شاملة لكل الحياة،‮ ‬بمعنى أنها نظرية في‮ ‬الوجود،‮ ‬تدرس تركيب العقل،‮ ‬والطبيعة الإنسانية،‮ ‬ونظرية معرفة الفاعلية‮ (‬المعرفة التتميمية‮) ‬ثم التحليل الفاعلي‮ ‬والذي‮ ‬أشرت إليه سابقاً‮.‬
ثم ماذا بعد من عفاريت؟
في‮ ‬هذه الفترة لم تتوقف محاولاته لقهر العفاريت الوجودية،‮ ‬فظل‮ ‬يراسل المجلات العلمية والعلماء‮. ‬ولكن التخصصية الضيقة،‮ ‬واستقلال الحقول التي‮ ‬تحاول النظر من دمجهما، عقبة، أو عفريت آخر‮. ‬ولكن الشيخ وعبر تجربة المنافحة، اكتسب خبرة عالية في‮ ‬مواجهة عفاريت الوجود، إلى أن قيضت الصدقة المحضة،‮ ‬وجود عالم من الأرجنتين منتصف ثمانينات القرن الماضي،‮ ‬قدم زائراً‮ ‬لجامعة الخرطوم فتعرف إليه الشيخ، وقدم له عمله، وفتن بما قرأه، ودعاه لمؤتمر علمي‮ ‬في‮ ‬الأرجنتين،‮ ‬حيث سيمضي‮ ‬فيها فترة ويقدم نظريتة والتي‮ ‬أجازها ذلك المؤتمر العلمي‮ ‬1987م‮.‬
وفي‮ ‬الطريق إلى الأرجنتين، واجه عفريت البيروقراطية العتيق فيما‮ ‬يختص بالمساهمة في‮ ‬تكلفة تلك الرحلة العلمية‮. ‬ودار على المجلس الأعلى للبحث العلمي،‮ ‬والوزارات ذات الاختصاص،‮ ‬وفي‮ ‬كل مرة‮ ‬يقترب العفريت من تحقيق نصر،‮ ‬يظهر الشيخ خطة مضادة لقهره، حتى وصل الأمر للسيد الصادق المهدي،‮ ‬والذي‮ ‬يحفظ له الشيخ جميلاً‮ ‬حيث ساهم في‮ ‬تلك الرحلة العلمية،‮ ‬والتي‮ ‬تكللت باعتبار‮ «‬الفاعلية‮» ‬نظرية علمية‮.‬
في هذه الظروف التي تطفح باليأس، تلقي الشخ عرضاً تسيل صخور الطموحات: كان العرض من دولة اوربية ـ ان ضاقت ثغوب الذاكرة ـ فهي بلغاريا، او إيطاليا. يتلخص العرض في استضافة الشخ، وتوفير طاقم من الباحثين للمساعدة في البحث، وكل ما يلزم البحث ، وربما جنسية اوربية وجواز سفر، وما يلحق ذلك من امتيازات؟ واذكر جيداً ردة فعله العنيفة. من ان هؤلاء الغربيين لايتصورون ان ان شخصاً غيرهم يمكن ان يكون عالماً، او مبرزاً، في ايِّ من حقول المعرفة. وكان قراره: ان هذا الانجاز لايمكن ان يخرج إلا باسم الوطن «السودان» حتي خيل اليَّ ان وطن الشيخ، لا علاقة له بالوطن الذي نتشارك ارضه وسماءه، ونعاني قهره وإذلاله لنا. وتخيلت ان وطن الشيخ يضمر له اسماً خاصاً «وطن سلكة»
ثم واجه عفريت الإنقاذ،‮ ‬والذي‮ ‬يبدو أنه مصفح بآية الكرسي‮ ‬والمعوذتين‮! ‬فـ«هاجر» بعلمه الى قحط الصحراء الليبية‮. وما ادراك ما قحط تلك الصحراء؟ . ‬ومن أظرف التعليقات المعبرة والتي‮ ‬سمعتها رواية على لسانه من أحد الأصدقاء، أنه قال في‮ ‬أحد اللقاءات الأدبية‮ «‬تركنا هذه البلد والناس تخاف الله،‮ ‬وعدنا فوجدنا أن الناس تخاف علي الله‮». ‬مثل هذا المناخ مَفْرَخٌ لعفاريت بلا حدود‮. ‬وعناد الشيخ أيضاً‮ ‬بلا ضفاف
أنا أسميه في‮ ‬سري‮، ‬شجرة الحياة‮ «‬التبلدي‮» ‬عاشت هذه الشجرة في‮ ‬غرب إفريقيا، وفي‮ ‬غرب السودان، قروناً‮ ‬عديدة،‮ ‬بيتاً‮ ‬للماء،‮ ‬وظلاً‮ ‬للاجتماع الإنساني‮ ‬والحيواني،‮ ‬وفوائد أخرى جمة، من ثمرها‮ «‬القنقليس‮» ‬وبعد كل هذه القرون أتى الغرب‮ «‬حيث سيادة بنية العقل البرجوازي» ‬مدجج بالعلم، ليكتشف أن ثمرة هذه التبلدية أكبر خانه عامة عالية الكفاءة، ويجري‮ ‬التكالب على استثمار هذه الخصيصة‮.‬
وهكذا الشيخ ،شجرة حياة بيننا،‮ ‬لا ندرك قيمتها الحقيقية‮. ‬وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يُدعي‮ فيه ‬من مختلف الجهات العلمية والبلدان لعرض نظريته،‮ ‬مازلنا نحن نلثغ في‮ ‬التعرف عليها وعليه‮. ‬وربما‮ ‬يمر وقت طويل قبل أن نعرفه ونوفيه حقه،‮ ‬ليس‮ ‬في‮ ‬ذلك ضير،‮ ‬فكثير من الأعمال الكبيرة في‮ ‬التاريخ قرئت بعد زمن انبثاقها،‮ ‬حتى قيل إن من كانوا‮ ‬يعرفون النسبية في‮ ‬زمن اينشتاين ‮٥ ‬أفراد‮. ‬واليوم‮ ‬يعرفها تلاميذ المدارس الابتدائية‮.‬
في‮ ‬الثلاثة أشهر الماضية وصلت للشخ دعوة مجمع علماء في‮ ‬باريس،‮ ‬وهناك دعوة أخرى من كندا وأخرى من بنغلاديش؟ وما زال الشيخ‮ ‬يصارع عفاريت الظلام، من أجل مشروعه الحياتي‮ ‬الكبير‮.‬
في‮ ‬هذا البوست الأدبي‮ ‬بامتياز،‮ ‬من حيث صياغته، ثمة اضاءت للجانب المضيئ‮ ‬الآخر،‮ ‬في‮ ‬حياة ونشاط هذا المفكر الإنسان‮ - ‬كوني‮ اعتبره كله مضيئاً‮. ‬أقول اضاء جانب الأديب، الذي‮ ‬يعرف‮ كيف ‬يدير كتايته الأدبية كما في ‬بعض كتابات المتمرسين في‮ ‬الكتابة‮ ،‬يخبئ هؤلاء الكتاب عناصر التشويق فيها داخل النص،‮ ‬حيث‮ ‬يشكل الوصول إليه متعة للقارئ‮. ‬غير أن الأديب الشيخ وضع عنصر الجذب في‮ ‬أول كلمة من مكتوبه،‮ ‬كما أن اختيار صيغة المبالغة‮ «‬أعظم» ‬تضع القارئ مباشرة،‮ ‬وقبل أن‮ ‬يدخل إلى النص، أمام سلسلة واسعة من الأخطرات،‮ ‬وتفتح مجال القراءة أمام مختلف طبقات القراءة،‮ ‬ومن لم‮ ‬يجد ضالته منهم وجد كتابة جميلة‮.‬ طعم علي الكفاءة؟
وكأني بهذا النص يشكل مفتاحاً‮ ‬لقراءة شخصيته وإبداعاته،‮ او كأنه مدخل لكتاية سيرة ذاتية لحياة هذا العالم‮.‬
آمل ان ينجو هذا «البوست» من حروب لكلام، المبيتة، والمتربصة!
ادرت لساني داخل فمي سبع مرات، وحين فتحته، «كان اللكان»
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

عزيزي الفنان والأديب النور كل عام وأنتم بخير، متمنياً أن تكون وجميع أفراد الأسرة على أتم صحة وأحسن حال.
ما هذه المفاجأة؟ إنت كدة نقلت ساحة الحوار من قصة العفريت إلى قصة الشيخ، وهو موضوع مغامرة حياتية متعددة الأبعاد كما تعلم. واضح من خلال الجهد المقدر الذي قمت به بحكم معايشتك ومؤازرتك وشهودك على معظم التجربة أن هناك قضايا تحتاج إلى المزيد من إلقاء الضوء. على سبيل المثال ما سبب اختفاء والدي المبهم من الأسرة ولم أبلغ الخامسة من العمر؟ ما علاقة غياب السلطة البطريركية بتطور شخصية الطفل سلباً أو إيجاباً؟ كيف صدر لي غياب الأب أزمة هوية؟ كيف صدر لي المأزق الذي عاشته الوالدة تلكة النور المتمثل في وعيها بأنها إمرأة تقوم بتربية طفل في مجتمع ذكوري، هل سيكون رجلاً صالحاً أم خائباً، نعم كيف صدر لي ذلك أيضاً أزمة هوية؟ كيف قادني ذلك إلى السؤال من أنا؟ ثم كيف تحول هذا السؤال إلى ما هو الإنسان؟ وكيف تحول سؤال الإنسان إلى ما هي الحياة؟ كيف قادني وعيي بشقاء الإنسان وضرورة أن يحل الإنسان مشكلات وجوده بنفسه إلى الإنضمام إلى عضوية الحزب الشيوعي سنة 62، ثم لماذا قررت الاستقالة من الحزب الشيوعي سنة 70 وكان الحزب في سطوة جبروته؟ لماذا الاستقالة من الجامعة وأنا في سنة التخرج؟ لماذا ظلت الاستقالة من المسكوت عنه طوال أربعة عقود؟ ما علاقة كل هذا بالفاعلية بوصفها إجابة للسؤال ما هو الإنسان والنظرية الفيزيائية المعممة كإجابة للسؤال ماهي الحياة؟ كيف كان علي أن أطور أبحاثي وأشق طريقي بين أصولية دينية مناهضة للعلم بحكم ثقافتها محلياً وأصولية علمية ترحب بالأبحاث العلمية التي تعزز سلطتها ورأسمالها وتدور في أفقها المعرفي عالمياً؟هل ما زلت أسير في النفق المظلم وحيداً والناس نيام؟
صديقي كما ترى أنها قضايا متعددة ولست واثقاً إذا كان سأتطرق لها في هذا البوست أم لا. ولكني متأكد أن ذلك ليس الآن، لأن بين يدي كتاب ينبغي أن أفرغ من كتابته بنهاية هذا العام. لذا أنني ممتن لما قدمته لي وللمتحاورين، و علي الآن أن أرجع إلى تعليقاتهم حسب الأسبقية كما سلف.
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

عزيزي الأستاذ صلاح النصري لك التحية والتقدير
أشكر لك اطلالتك ومساهمتك. اتفق معك لما كان للتعليم في ما مضى من مزايا جملت أهمها في كونه ديموقراطياً وعادلاً، يعني ليس طبقياً. وكان يتحلى بالدافعية لأنه يحقق للمتعلم وضعاً اقتصادياً واجتماعياً مجزياً. أخذت عليه أنه لم يكن يعنى بكشف وتنمية القدرات الإبداعية. بالطبع أن كشف وتطوير القدرات الإبداعية لا يكون برهنه لتشجيع بعض الأساتذة واستنكار البعض الآخر، وإنما من خلال برامج تربوية تعليمية ومقررات يكون هدفها هو تنمية القدرات الإبداعية. إن نظام التعليم القائم على معيار الذكاء بتركيزه على الفهم والاستدلال يهمش الإبداعية لما لها من قدرات تتعلق بالأصالة، والطلاقة الفكرية، والقدرة على تغيير الحالة الذهنية.. إلخ. وربما نجد العذر لنظامنا التعليمي في ذلك الوقت إذ أن ا لإهتمام بتطوير القدرات الإبداعية من خلال المناهج التربوية بدأ عالمياً بعد أن تفاجأ الإمركان بتفوق الاتحاد السوفيتي عليهم في مجال غزو الفضاء، في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.أما التعليم عندنا الآن فهو يفتقد الدافعية والديموقراطية والإبداعية.
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

عزيزي الأستاذ قصي تحية مودة وتقدير
أشكرك على الصورة وسآتي لموضوع الخوف عند أستاذنا الأستاذ محمود.
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

الأستاذ راشد تحية مودة وتقدير، وكل عام وأنتم بخير.
شرفت البوست بطلعتك البهية ومشاعرك الصدوقة.
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

يا أبو الحسن أنا عارفك من زمان بتاع مشاكل، يعني كيف أنا أجاوب ليك الأسئلة دي:

ترى هل عاد الله للمثول في " مبدأ الفعل الأعظم "؟ مندري! لكن الرعاة و الفلاحين الفقراء في ضواحي العالم الثالث الذين حملوا السلاح في وجه قوى العدوان و الإحتلال الرأسمالي المعولم، هؤلاء الناس لم يقرأوا ماركس أو ماو أو جيفارا لكنهم يتوكلون على الله و يقبلون الموت دفاعا عن حقوقهم المسلوبة.. أين يكون الطالبان من" مبدأ الفعل الأعظم"؟


لا شك أنه سؤال رائع يتعلق بالجذور، لهذا السبب يحتاج إلى مقدمات. دعنا في الوقت الراهن نتعرف على مبدأ الفعل الأعظم، ونترك الباقي إلى اشعار آخر. من أهم مبادئ الفيزياء المعاصرة والكلاسيكية ما يعرف بمبدأ الفعل الأصغر. فحوى هذا المبدأ أن المنظومة أو الجسيم يتخذ على نحو تلقائي المسار الذ يحقق أقل قدر للطاقة أو الفعل. الفعل مصطلح فيزيائي هو حاصل ضرب الطاقة في الزمن. جاء أخوك الشيخ وقال يا جماعة هذا المبدأ ينطبق على الجماد وليس على الكائنات الحية، وليس في هذا جديد.الجديد قام بتطوير مبدأ الفعل الأصغر لتشمل الصيغة الرياضية مبدأ الفعل الأعظم. في إطار مبدأ الفعل الأعظم يتخذ الكائن الحي بصورة تلقائية المسار الذي يحقق أكبر قدر للطاقة أو الفعل، وهذا بالطبع يفسر النمو التلقائي للكائنات الحية وتنظيمها الذاتي وتطورها. كما أثبت أن مبدأ الفعل الأصغر حالة خاصة يؤول إليها مبدأ الفعل الأعظم وذلك حين يموت الكائن الحي ويصير جماداً. الصيغة الرياضية لمبدأ الفعل الأعظم توضح العلاقة بين معدل تغير الفعل والحيوية ( معيار قدرة الجينوم على توليد النظام). بناء على مبدأ الفعل الأعظم تطور الكائنات الحية ليس ظاهرة عشوائية كما تذهب نظرية دارون، بل له إتجاه يتحدد على ضوء تعظيم الفعل. فيؤدي ذلك إلى زيادة عمر الكائن، أو الفعل الكلي، أو زيادة حصيلة الجينوم من معلومات وراثية.
Ashraf Elshoush
مشاركات: 163
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:23 pm

مشاركة بواسطة Ashraf Elshoush »

سلام...

يبدو و كأنه " كلنا في الخوف ... شرق".
أو كما قال حسن عادل موسي إمام: ناس تخاف ما تختشيش.
و فعلاً. بعد قراءتي لما كتبت، أستاذ الشيخ، لم أجد بداً غير الخوف بصوت عالي. فبعد أن كنت أخاف أن أخاف، بت أختشي ألا أخاف.
ليست "غلوتية" كما يبدو. و إنما علاقة نشأت في السر. خبرتها أنا وحدي، ملاءة، غطاء، و مسند. لم أجرؤ غير اليوم بالبوح بها. تماماً كإيمانٌ أحمد!
داخل قاعة سينما ما. بعيدة عن الإستنتاج. كنت أنزوي في "ضلمة" هي الأخري: ما. بعيدة عن مرأي العسس المتجولين. كان عليّ "تلفيق" أوضاعي. فها أنا "مخاط" بين إثنتين. كذكر تافه. لا يسوي حتي تمتمة نصِّه ،دعك عن تمامته. الأغرب من ذلك أنني كنت من المصابين بمرض ال perfection !!! سبحان خالق المنافقين.
فجأة و بلا مسوغ: إنتابني الهلع.
لم أعد أدري أين أنا. و لماذا أنا هنا، أصلاً؟
ما كل هذا الضجيج. المشاهد. كنت حتي أترجاها لتسعفني من الوقت ما أقدر لإستدراكها. خفوت و ظلام يزيدونني إنغماساً. تعرقت كما لم أفعل من ذي قبل. " هبوط حاد في الدورة الدموية " هذا كل ما جلبته المشرحة من الذاكرة!
كنت حينها أُسابق الجنون، بجنون، كيما يصل إلي عقلي، قبلي.
وقتها أدركت أن الخوف، أخوّف من الموت و الغياب.
لم تتجرأ تلك الحالة أن تستمر أكثر من ثلاث دقائق، أو أكثر قليلاً. حمدت الله علي إنتهاء العرض.، و الفتاتين. عدت بعدها و نقحت علي إثرها علي ما أذكر نص قصصي بعنوان:
الحلم ... في إبتعاده عن الزيًّ!
فحينها كان لديّ من الخوف ما يكفي، لضخ أكسير الحياة، فيه.
ظلّت تلك الحالة تنتابني، كبت إبليس. لا فكاك منها. إلا و أنت مرتخي، عديم الفائدة. كمتلقي لخبر وفاة، لا مناص له إلا النحيب. و ها أنا أنتحب والدي، و الحالة إياها تاجٌ علي رأسي.
بكيت كما لم أبكي. لم أخف. من البكاء ولا من ... إياها، سيئة الذكر. لم أحتمل، حينها الإثنين: خبر، و حالة. وكأن الله به، يعاقبني بحق الانثيين، و شيطانهما الثالث: ظلام السينما!!!
لم أكن بذلك العمق. كي أستقصي مآلات التحول، في علاقتي الأولي، و الخوف.
فكلما إنتابتني "الحالة"، كلما تقرفصت. ضاماً المسند، الملاءة، و الغطاء، مستعوزاً بالمعوزتين، و من الدعاء ما يكفي لتنويمي!
صرت هكذا، حتي علمت فيما بعد أنها حالة عادية من بنات الحلة تدعي:
نوبة قلق.
قد يكون الخوف "أخوف" من الموت و الغياب، ولكن ما هو أخوف من الخوف، هو أن ينتابك الخوف مرة، فيصبح الخوف من أن " تخاف" هو التخوف الأخوف. علي ما تظنه تجربتي.
"" الحقيقة تبدو ... ولا تكون ""
سالم موسي.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



رسالة محبة للكاتب القاص ومشاركوه


ليت العُمر يعود بنا إلى دفئ الذين اخترتهم ، لا الذين اختارتهم الحياة ليكونوا بقربك . ربما أحببتهم عُشرة ، وربما كان فيهم من وجدته كأنك في وعيك الكامل قد اخترته صديقاً .
ليت العمر يعود بنا يوم واحد في كل أسبوع ، كنا نلتقي الأحباء " محمد بيرق " و " الشيخ محمد الشيخ " و " محمد عبد المنعم " و " محمد عبد الحميد "..... وسلسلة من الذين جمعتهم اختيار بعضهم ليجلسوا لقراءة كتاب يتداولونه . يشرحون جسده ويفتحون اللحم والعصب والعظم ، ويعرفون المختبئ والمستتر والمجهول من كاتب السِفر ، ومقارنته بآخرين .... ، فرقتهم الحياة في أركان الكون ، لتجمعهم أقطار السماوات بحيلة عصرية من صناعة الإنسان : إن الأطياف يمكنها أن تلتقي .

تحياتي لك سيدي في منبرك قاصاً ، مثل ما كنت باحثاً ، ومنقباً في حوائط صلدة ، صنعت بصبرك منها مسامات تنفذ فيها ، واخترقتها أنت رغم الكثير الذي وقف امامك كي لا تكون كما تودُ ..
تحية للكريمة الفاضلة والأبناء والبنات ، لا أعرف ماذا فعل الدهر في الطين الأخضر .
فعلت في نفسي قصتك الأفاعيل ، لأعيد مخزون الطفولة من " سحَارَّة " تختزن الجدات في الزمان القديم فيها كل ما له قيمة . نفتح صندوق الدنيا ونكتب من تلك الأقمشة دُمى من شكل ولون آخر ، قبل أن نتدثر بالرحيل .
تقبلوا محبتي
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

ال tale جميلة*... والمداخلات كثيرها جميل برضو... I like them... و dislike ما حاجات كتيرة!.
فأنا كقارئ لم أدخل من باب الناقد بل باب المتذوقة... لا يتوجب علينا أن نكون نقادآ كل الوقت... أنا شخصيآ لا أستطيع... لا أرغب في ذلك. أنا أجئ كثيرآ من باب المتعة واللذة وحدهما... لا أظنه من الحكمة أن يتأمل الرجل عيوب جسد عشيقته حينما يهم بمضاجعتها بل يكون أعمى لمزيد من المتعة وينشدها كذلك. هو كذلك الأدب... وليس في ترميزي "قلة" أدب كون الأمر يجوز مع الفن والموسيقى والدين وكرة القدم بنفس القدر... وكل شي بلا إستثناء!.

فللناقد أدواته (الموضوعية: قل بها؟) وللمتذوق رقصاته على وقع الطبول في حرية مطلقة لا تحدها الحدود!. وكل نفس بما كسبت رهينة!.

شكرآ أستاذ الشيخ محمد الشيخ.

محمد جمال

---

لا أنشد نقد النقد!. فقط دعوة إلى التلذذ بالآيسكريم مرة واحدة دون التفكر في عجائنه.


--------------------
* Tale may refer to:
Cautionary tale, a traditional story told in folklore, to warn its hearer of a danger
Fairy tale, a fictional story that usually features folkloric characters (such as fairies, goblins, elves, trolls, witches, giants, and talking animals) and enchantments
Fable, a brief story, which illustrates a moral lesson and which features animals, plants, inanimate objects, or forces of nature which are anthropomorphised
Frame tale, whereby the main story is composed, at least in part, for the purpose of organizing a set of shorter stories.
https://en.wikipedia.org/wiki/Tale
Ashraf Elshoush
مشاركات: 163
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:23 pm

مشاركة بواسطة Ashraf Elshoush »

سلام...

التحية للمعوزتين.
إبداع إسلامي/ نفساني.
يؤكد درايتهم:
من أين تؤكل ... الكتف.
"" الحقيقة تبدو ... ولا تكون ""
سالم موسي.
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

عزيزي عبد الماجد محمد أولاً سلامتك وأتمنى أن تكون دوماً على أتم صحة وأحسن حال.
عزيزي كل الدروب مشرعة، أسرج خيولك وتخير وعر الدروب. لا يحتبل المستقبل لحظة مناسبة عبوراً إلى الذات أكثر من الآن... اللحظة المناسبة هي الآن. قرأت قبل عقود قصة حكاها أريك فروم في أحد كتبه - لا أذكر ربما "الإنسان لنفسه". قال: دخل رجل الجنة ووجد الباب الخاص به مفتوحا، فانتظراً أن يأذن له الحارس بالدخول. ظل منتظراً ومنتظراً حتى شاخ وهرم. عندها هم الحارس بقفل الباب، فقال له الرجل أما تأذن لي بالدخول. قال له الحارس لقد ظل هذا الباب مفتوحاً من أجلك طوال الوقت، ولم تدخل، أما الآن فقد حان قفله.
صورة العضو الرمزية
الشيخ محمد الشيخ
مشاركات: 153
اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am

مشاركة بواسطة الشيخ محمد الشيخ »

الأستاذ مبر محمود تحية وتقدير
نعم يقع الخوف في إطار غريزة حفظ البقاء. يدفعنا الخوف أن نحافظ ونحمي حياتنا من أسباب الفناء. الخوف في حد ذاته لا يحمينا من ويلات الدهر،، كان ذلك نتيجة لما نتعرض له من فقر ومرض وظلم وعدوان، أو نتيجة لما تمور به دواخلنا من ضعف وهوان. لا يحمينا الاستدبار من أن نكون فريسة سائغة لما يضج به الواقع من جلادين. الحفاظ على الحياة وتنميتها وترقيتها يقتضي أن نفعل، أن نواجه الواقع، أن نعمل ونتفانى ونضحي من أجل اجتثاث أسباب الفناء...هنا تكمن الشجاعة. الخوف سلاح ذو حدين: في غياب الشجاعة، كثيراً ما، يؤول الخوف على الحياة إلى خوف من الحياة، فيتكلس العقل وتأفل الحضارة.
أضف رد جديد