نوبل الآداب 2013 للكندية اليس مونرو

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

نوبل الآداب 2013 للكندية اليس مونرو

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

أليس مونرو أول كندية تفوز بنوبل... وتقرر التوقف عن الكتابة
بيروت - عبده وازن
الجمعة ١١ أكتوبر ٢٠١٣
حققت الأكاديمية السويدية، بمنحها أمس الكاتبة الكندية اليس مونرو جائزة نوبل للاداب للسنة 2013 إنجازين: الأول تكريم كندا للمرة الاولى بهذه اللفتة وادراج اسمها في اللائحة الادبية العالمية بعد طول انتظار، والثاني إعادة الاعتبار الى فنّ القصة القصيرة الذي تضاءل في الآونة الاخيرة أمام رواج الرواية واحتلالها الساحة الادبية العالمية. وكان على الأكاديمية أن تفاجئ الأوساط الادبية والاعلامية بإعلانها فوز هذه القاصة الكندية التي تبلغ الثانية والثمانين. وبدا بيان الجائزة واضحاً في وصفه مونرو بـ «سيدة فن القصة الحديثة في العالم». وركزت لجنة نوبل في البيان على خصائصها القصصية قائلة: «إن اليس مونرو معروفة بأنها كاتبة قصة إلا انها تمنح القصة عمقاً وحكمة ودقة، على غرار ما يفعل معظم الروائيين في اعمالهم». وأضافت: «ان قراءة عمل لمونرو يعلمنا شيئاً جديداً في كل مرة لم يخطر في بالنا من قبل».
ولئن كانت مونرو مشهورة في كندا وأميركا والعالم الأنكلوساكسوني فهي لا تتمتع بشهرة واسعة في البلدان الاخرى، وفي العالم العربي هي شبه مجهولة ولم يترجم لها أي كتاب الى لغة الضاد.
عُرفت اليس مونرو بجوها القصصي الطالع من الحياة الريفية الكندية وبنزعتها الواقعية النفسية ما دفع بعض النقاد الى تشبيهها بالكاتب الروسي انطون تشيخوف، رغم الاختلاف بينهما. فشخصيات مونرو هي نسائية غالباً، كتومة وشبه منطوية على نفسها، وتسعى الى إخفاء جمالها الجسدي وتعابيرها الحسية. وهذا ربما ما حملته الكاتبة معها من البيئة المحافظة والصارمة التي عاشت فيها طفولتها. ويقول الكاتب والناقد ديفيد هوميل عنها: «انها تكتب عن النساء ومن اجل النساء لكنها لا تحمّل الرجال وزر كل الشرور». ويضيف: «ليست مونرو امرأة مجتمع فهي نادراً ما تشارك في مناسبات عامة». إلا أن هذا الطبع لم يعن أن الكاتبة لم تحيَ حياة حرة وصاخبة في صباها لا سيما عندما جذبتها حركة التحرر الهبية.
ولدت الكاتبة في 1931 في وينغهام، غرب مقاطعة انتاريو وعرفت عن كثب المجتمع الريفي. فوالدها روبرت اريك ليدلو كان صاحب مزرعة ووالدتها مدرّسة. وما ان بلغت سن المراهقة حتى قررت ان تصبح كاتبة، ولم تخن قرارها هذا على رغم ما واجهت من صعاب في مطلع مسارها. وهي قالت قبل سنوات: «ليس لدي أي موهبة أخرى فأنا لست مثقفة ولا اتدبر اموري جيداً في ما يخص شؤون المنزل. لذا لا شيء يعكر ما اقوم به».
«رقصة الظلال السعيدة» هي القصة الاولى التي نشرت لها العام 1950 عندما كانت طالبة جامعية. وهي كانت أيضا عنوان مجموعتها القصصية الاولى التي صدرت العام 1968 وكانت في السابعة والثلاثين، وهذا عمر يعدّ متأخراً في عالم الكتابة. لكنّ المجموعة سرعان ما حازت «جائزة الحاكم العام» وهي من أرقى الجوائز الكندية. ومعروف أن مونرو عانت كثيراً مع الناشرين الذين طالما رفضوا نشر مخطوطاتها ما ترك فيها أثراً جارحاً وجعلها تعاود النظر في صنيعها نفسه وتنصرف الى كتابة القصص القصيرة والطويلة في احيان. ولم تلبث أن حصدت جوائز كثيرة محلية واجنبية، ومنها جائزة «مان بوكر» العريقة في 2009. وكانت قصصها الراسخة الجذور في الحياة البسيطة لقيت سبيلها الى مجلات عريقة مثل «ذي نيويوركر» و»ذي اتلانتيك مانثلي»، ما جعل اسمها يتكرس اميركياً ويحصد مديحاً من كتّاب أميركيين معروفين مثل جون ابدايك وجوناثان فرانزن.
في العام 2009 واجهت مونرو مرض السرطان بجرأة وانتصرت عليه، وهو المرض الذي يصيب إحدى بطلات قصة لها نشرت في مجلة «نيويوركر» قبل عام. وكانت مونرو اعلنت قبل أشهر انها ستتوقف عن الكتابة بعدما اصدرت العام الماضي مجموعة «دير لايف» التي تعتقد انها قد تكون مجموعتها الرابعة عشرة والاخيرة. لكنّ فوزها بجائزة نوبل قد يدفعها الى مواصلة الكتابة، ولو في الثانية والثمانين من عمرها.
alhayat.com
Printed from

أليس مونرو سيدة القصة القصيرة أول كندية تفوز بجائزة نوبل
هناء عليان
الجمعة ١١ أكتوبر ٢٠١٣
تربعت «سيدة القصة القصيرة» أليس مونرو على عرش نوبل للآداب 2013، لتكون بذلك الكاتبة الكندية الأولى، والمرأة الثالثة عشرة، التي تحصد هذه الجائزة الرفيعة منذ اطلاقها عام 1901.
قبل ستة عقود، دخلت مونرو عالم الرواية بصعوبة. أم لثلاث فتيات، لم يكن لديها قط الوقت الكافي للكتابة، فكانت تسترق «اللحظات الفضية»، كما تسميها، لتكتب بضعة سطور يومياً. حلمها بكتابة رواية طويلة لم يتحقق أبداً، لكنها مع الوقت أذعنت إلى أن القصة القصيرة هي ورقتها الرابحة. على مدى 15 عاماً بقيت مونرو ترسل رواياتها القصيرة إلى دور النشر وتتلقى رفضها واحدة تلو أخرى، إلى أن خرجت مجموعتها القصصية الأولى «رقصة الظلال السعيدة» إلى الضوء عام 1968 لتفاجئ الوسط الادبي بحصادها أرفع جائزة أدبية كندية في حينه «جائزة الحاكم العام». ونالت مونرو الجائزة عينها لاحقاً عن مجموعة «أقمار المشتري» (1982)، و «ارتقاء الحب» (1986)، وفي هذه تجاوزت أسلوب البناء التقليدي للقصة القصيرة، بحيث تبدأ قصتها من النهاية وتنتهي في الوسط. ولطالما وصفت مونرو بأنها تتمتع بمرونة عجيبة وبدفء وعمق كبيرين في نثرها، وقد استطاعت أن تحقق في ثلاثين صفحة من القصص ما يعجز بعض الكتاب عن إنجازه في روايات كاملة.
مونرو، 82 عاماً، تعتبر اليوم من أهم كتاب القصة القصيرة في العالم، حتى أنها تلقب بـ «تشيخوف كندا»، لما يجمعها مع القاص الروسي الشهير من نقاط مشتركة في الأسلوب. اشتهرت مونرو بكتاباتها العميقة عن العلاقات البشرية المتداخلة والمعقدة بين المرأة والرجل، لكنّ ثيمتها المفضلة تعلقت على الدوام بالحالات العصابية التي تواجهها الشابات اليافعات في مدنهن الصغيرة. وقد صنعت الكاتبة الخجولة شهرتها الأدبية كما تقول من خلال «حياة أفراد عاديين يعيشون أحداثاً غير عادية»، وهي ترى «أن الواقع ليس ما نعيشه فقط، بل يشمل أيضاً الفانتازيا التي تحيط بدواخل الفرد والأفكار التي تهيم في لا وعيه، وهو ما أحاول أن التقطه».
في قصصها القصيرة، غالباً ما تطرقت مونرو إلى المقارنة بين تجربتها الخاصة كفتاة ترعرعت في وينغهام، إحدى المدن الكندية المحافظة غرب تورونتو، ومن ثم انتقالها مع عائلتها للعيش في غيتو يضم عائلات من المهربين وبنات الهوى، وأخيراً حياتها اللاحقة في الستينات عقب الثورة الاجتماعية، وهي الحقبة التي تصفها بأنها كانت «الأروع والأكثر تأثيراً بشخصيتها». في تلك الفترة، تحررت مونرو من كل القيود التي أسرتها، ومن نمط حياتها التقليدية كفتاة مطيعة لوالديها ومن ثم كزوجة بسيطة تساعد زوجها في إدارة مكتبة، فارتدت التنورة القصيرة ثم تعاطت الماريجوانا وتركت زوجها لتتفرغ للكتابة أو لتصبح «أديبة بدوام كامل» على قولها. بعد سنوات من حياتها الهيبية، قررت مونرو الاستقرار من جديد، فتزوجت ثانية لتعيش مع زوجها في أونتاريو الكندية في منزل جميل محاط بأشجار الجوز. لا تنكر مونرو ان المحيط الجميل والهادئ الذي تقطن فيه ساعدها على الكتابة بغزارة. وسرعان ما ظهرت قصصها في «نيويوركر»، «باريس ريفيو»، «اتلانتك» وغيرها من الصحف الشهيرة قبل أن تترجم قصصها إلى لغات عالمية.
وكانت مونرو أعربت عن نيتها التقاعد واعتزال الكتابة، بعد كتابها الرابع عشر «عزيزتي الحياة»، وهي بالفعل لم تكتب شيئاً منذ عامين، ولعل ذلك ما جعل اسمها في صدارة الأسماء المرشحة لجائزة نوبل للآداب لهذا العام، بحيث كان اسمها الثاني على قمة لائحة «لادبروكس» للترشيحات والمراهنات بعد الكاتب الياباني هاروكي موراكامي.
وعلى رغم أن فوزها لم يكن له وقع المفاجأة في الأوساط الأدبية، إلا أنه شكل مفاجأة كبيرة لها شخصياً حيث لم تكن تتوقع الفوز، لا سيما أن اسمها كان يطرح لسنوات طويلة بين الأسماء المرشحة لنوبل ولم تحظ بالجائزة . واللافت أن الأكاديمية السويدية اعتادت أن تزف خبر الفوز بالجائزة عبر الهاتف، لكنها لم توفق بالاتصال بمونرو، المعروفة ببعدها عن الهاتف والإعلام، فاكتفت بترك رسالة صوتية مسجلة، ولعل ذلك ما ضاعف من دهشة الكاتبة الكندية. وكانت مونرو حازت جوائز عالمية وأدبية مرموقة متعددة، ففي عام 2009 فازت بجائزة مان بوكر العالمية للأدب المكتوب بالإنكليزية، تقديراً لمجمل أعمالها التي شكلت علامة فارقة في عالم القصة كندياً وعالمياً.
alhayat.com
Printed from
_________________________________________________________________





أليس مونرو تدخل محفل نوبل وترد الاعتبار لفن القصة القصيرة
لم يتوقع الكثيرون فوز الكاتبة الكندية أليس مونرو هذا العام بأكبر جائزة أدبية على الإطلاق، فقد ظل اسمها يزيِّن القائمة العام تلو الآخر باعتبارها سيدة القصة المعاصرة بلا منازع.
العرب هالة صلاح الدين [نُشر في 11/10/2013، العدد: 9347، ص(15)]



ما يجعل أليس مونرو أيقونة للقصة القصيرة هو ما ينطوي عليه أدبها من واقعية تحتمل الصدق أو الكذب

أخال أن ثمة نخبوية أدبية تستتر في عالم الأدب ذاته، تلك الرانية إلى القصة القصيرة باعتبارها سلالم يصعد عليها المبدع وعيناه ترتقيان إلى الرواية أو عملية إحماء تفضي إلى نوع أدبي زعموا أنه "أرقى"، ويدعى "الرواية".
لم تخضع صاحبة إثنتيّ عشرة مجموعة قصصية لهذا الابتزاز الأدبي لِما يربو على خمسين عاماً، ولم تكف عن استهجان نقاد استحسنوا قصصها بوصفها "تضمر سلطة الروايات العاطفية". بل إنها حين أصدرت بالفعل رواية "حيوات فتيات ونساء" (1971) بنَتها بنية أشبه بالمجموعة القصصية المتصلة! وظلت تجلب حكمة مشوبة بعين اجتماعية نافذة لكل قصة خطتها، فكل حدوتة هي عالَم بأكمله، ولا حد لطبقات من الحكي قد تدمجها – بسلاسة غير معهودة ودون اضطراب في الذاكرة – في حبكة مقتصدة دقيقة السرد.
وجدت في مستهل مشوارها الكتابة ملاذاً من حياة عائلية شقية. وحينما فازت لأول مرة بجائزة مرموقة وصفها أحد نقاد جريدة ذا جارديان بأنها "ربة منزل خجول"، ومنذ حينها ارتقت بخطوات واثقة محسوبة ليقارنها النقاد بالقاص الروسي تشيكوف وتحصل على عدد من الجوائز لا يتسع له هذا المقال.
وشأنها شأن كُتاب الجنوب الأميركي من أمثال جيمز لي بيرك وتيم جوترو ترتكن العديد من قصصها على دعامة إقليمية لا تشيح إلى أية مناطق غرائبية، إذ يمثل أسلوبها أكثر ما يمثل أسلوباً قوطياً خليقاً ببلدات جنوب أونتاريو بكل ما تحويه من مشاحنات طبقية ونزعات استعلاء أخلاقية. يتخلل أدبها راوٍ عليم يسعى إلى إسباغ المغزى على حياة ريفية لا تُقَدِّم الكثير وشخصيات نسائية تميل إلى التعقيد وإن لم تقع في فخ النسوية الجوفاء أو الرقي المصطنع.
الحق أنها كثيراً ما تقتدي برواد القصة الأوائل وتقص قصصاً لا تحتل فيها الحبكة الصدارة، فأقل القليل قد يَحدث في الظاهر، ليتبقى حضور لا يستهان به للقارئ حتى يسبر ويطلق خياله ويملأ الثغرات ويعتنق في النهاية صلة – مبهمة بالضرورة – بينه وبين الشخصيات. وهكذا بمقدور قصة واحدة أن "تَشغل كوناً" مثلما عبَّرت مونرو يوماً. إنها تلك اللحظة الموهمة بالكشف الوجودي والتنوير المباغت التي تجسد من قصصها عالَماً فسيح الأركان، ومع ذلك لو حاول ناقد حذف كلمة قد يظنها شاردة، سوف تختل الدراما، فلا فسحة للهدر في هذا الأدب.
لم تخلف مونرو ركناً في التجربة الإنسانية إلا وطرقته، ها هو الحب والعمل وفشل كلاهما: ورطة الأنثى حين ترتطم بحقيقة البلوغ وتوقها إلى الطموح، في مجموعتها القصصية "سعادة مفرطة" (2009) تقاسم الكاتبة الأميركية لويز إردريك هوسها بالزمن وعجزنا عن كبحه أو رد تبعاته؛ تحاذي آيات الفانتازيا النادرة في أدبها المعتاد المألوف، ويتشابك الإثنان على نحو يستدعي الحياة استدعاء عفوياً.
الحق أن ما يجعل مونرو أيقونة للقصة القصيرة هو ما ينطوي عليه أدبها من واقعية تحتمل الصدق أو الكذب. لن تجد بين سطورها محاكاة مبتذلة للواقع. وللمفارقة يتوازى المألوف والاستثنائي في مجموعتها القصصية "الكراهية، الصداقة، الغزل، الحب، الزواج" (2001) كي تسدد عيناً كاشفة إلى ظاهرة "واقعية الابتذال"، واقعية تنقلب في أدبها سحراً وأحياناً فانتازيا مبطنة.
وهكذا يرتاب القارئ في الواقعية ذاتها، لا بأسلوب يتعمد تذكير القارئ بأن ما يطالعه ما هو إلا خيالا محضا، وإنما من خلال استغلال مونرو "لأثر الواقعية" خير استغلال ثم تقويضه عبر طرح عدة احتمالات بديلة في الإطار الأدبي ذاته. وعليه تسبغ هذه الإستراتيجية المواربة وهذا المستوى الغائب للمعنى خطاباً يومئ دون كلل إلى فجوة بين الإبداع والواقع الممثِّل له.
تنزع مونرو في الأغلب إلى سرد يتمعج في طبقات ويتجول زمنياً إلى الماضي وإلى المستقبل، ومع ذلك لا يستهويها الصخب الأدبي أو الأساليب الشبيهة بالمتاهة. تستحضر في مجموعتها القصصية "المشهد من كاسل روك" (2006) تاريخاً عائلياً لا يَسلم من شطحات الخيال، ويتمحور حول موضوع أزلي إلى درجة البدائية – انهماك المراهَقة بالوعي بالذات – ومن هذه النقطة المحصورة حتماً في إطار اجتماعي ضيق، ترسم مورنو كوميديا إنسانية يتردد صداها عميقاً ليشمل ما يتخلل الحب والحياة والموت من عجب ونضارة.
ولَّت في مجموعتها القصصية "الهاربة" (2004) وجهها شطر كادحين في منتصف العمر، ونساء يكابدن الوحدة، وشيوخ يتطلعون بلهفة تارة وندم تارة إلى المنصرم.
تحسر المجموعة النقاب عن غموض يلف حياتنا: "ساخر وجاد في الوقت نفسه"، "شعارات الوَرَع والرعب والتعصب المتقد، معرفة متفردة لا جدوى منها، أطنان من الصراخ والغضب المغلف بالسعادة". وإن لا تفارقها الحدة حين تصور صراعات الطبقات الاجتماعية ولهاث القروي من أجل الفرار منها.
تبلغ في قصتها "الدب يصعد الجبل" (1999)، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي تحت عنوان "بعيداً عنها" (2006)، أوج رقتها الأدبية. ترنو إلى ما يفرضه الزواج من التزامات وما يرافقه من ألم حين ترحل زوجة روحياً وتقع فريسة مرض الزهايمر، بل وتقع – عجوزاً تقهقرت إلى سن طفلة – في حب مريض آخر بالزهايمر، تحت سمع وبصر زوج بالكاد تتذكره. قد يظن القارئ العربي أن حال القصة في العالم الغربي مختلف حتماً عنه في العالم العربي، فمنذ أعلن الناقد المصري جابر عصفور متجنِّياً أنه "عصر الرواية" همدت بشكل أو بآخر همم القاصين العرب متكلسة عند عتبة القص. المثير أن قاصي العالم الغربي يخضعون للواقع المشين نفسه. ولا ينقطع النقاد عن ترديد أن القصص ليست روايات قصيرة أو تمهيداً لها، وإنما نوع أدبي مستقل بذاته.
وفي وقت ما نسَت ثقافتنا الأدبية هذا الفارق وسلَّمت في إهمال أكاليل الغار إلى الروايات. وهذا الفوز المستحَق تذكِرة بما يمْكن أن تأتي به القصة القصيرة دون غيرها.
ها هي "قديسة القص" وفقاً لتعبير الكاتبة الكندية مارجريت أتوود تفرض أستاذيتها على مناهج ثقافية ولغوية تسود منطقة بعينها. في عالم مونرو تتألق شخصيات لا تعكس أية حنكة، يتبدون أمام أعيننا وكأننا التقينا بهم صدفة في السوق، إنهم كل فرد منا، يأخذون بأسباب حياة محدودة مهمشة ليمثلوا البشرية بأسرها بلغة تتراوح بين المكبوح والصريح، مسهبة حين تقرر مونرو أن تقود القارئ بلا حول ولا قوة إلى كثافة أخلاقية حرية بروايات القرن التاسع عشر الإنكليزية، ومقتضبة حين تتوخى السرية وتفرض بالاشتباك، ومن المغري هنا أن أستعير تعبير الروائية الأميركية جين سمايلي حين أعلنت أن كاتباً أياً كان "سوف يحدق ببلاهة حين يقرأ أدب مونرو".
--------------------------
الكاتبة التي انسحبت من المشهد الأدبي دون ضجة
الدب يصعد الجبل






طبــــاعة
عودة >>




الدب يصعد الجبل
أليس مونرو في قصتها 'الدب يصعد الجبل' (1999)، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي تحت عنوان 'بعيداً عنها' (2006)، تبلغ أوج رقتها الأدبية.
العرب [نُشر في 11/10/2013، العدد: 9347، ص(1




الكاتبة التي انسحبت من المشهد الأدبي دون ضجة
السرد القصصي للكاتبة الكندية أليس مونرو يعالج ما يطرأ على روح الإنسان، والمعضلة التي تواجهها الفتيات.
العرب [نُشر في 11/10/2013، العدد: 9347، ص(15)]



مونرو المرأة الثالثة عشرة التي تنال نوبل منذ عام 1901

عندما أعلنت اعتزال الكتابة في وقت سابق هذا العام، لم تتوقع هذه الكاتبة الكندية أن المجد سينهمر عليها لمكافأة سحر القص بين أناملها وخيالها. لتكون المرأة الثالثة عشرة التي تنال الجائزة منذ عام 1901.
هكذا نزلت على الكاتبة الكندية أليس مونرو أفخم الجوائز العالمية في الآداب لكونها "أفضل من كتب القصة القصيرة في العصر الحديث" وفق إعلان الأكاديمية الملكية السويدية.
ووصفت أكاديمية نوبل قصها بالدقيق والذي يتميز بالوضوح والواقعية النفسية.
ومونرو هي أول كاتبة وكاتب كندي يفوز بهذه الجائزة منذ أن نالها سول بيلو، عام 1976.
كانت تقول بالأمس وهي تعيد مسار حياتها بعيدا عن قلق الكتابة وسحرها "ما أريده شيء آخر، طبقة مختلفة من الكلام والفكر ونوع من الضوء على الجدران، ضوء برائحة، ألم وهم، نوع من العقد المشع مع الأبدية".
مونرو المولودة عام 1931 بولاية أونتاريو، لم تفقد تقاطيع وجهها الجمال مع كل تلك السنين، بدأت بكتابة القصص في سن المراهقة، غير أنها نشرت كتابها الأول عام 1968، بعنوان "رقص الظلال السعيدة"، والذي لاقى استحساناً كبيراً في كندا.
ومن قصصها أيضاً، "من تظن نفسك" (1978)، و"أقمار المشتري" (1982)، و"الهروب" (2004)، وآخرها "الحياة العزيزة" (2012) التي تحولت إلى فيلم سينمائي مثله جولي كريستي وجوردون بينسنت، قبل أن تعلن اعتزالها الكتابة مثلها مثل الأميركي فيليب روث الذي كان على قائمة المرشحين للمجد النوبلي. كانت أليس مونرو تدرس اللغة الإنكليزية في جامعة ويسترن أونتاريو عندما نشرت مجموعتها "رقص الظلال السعيدة" التي نالت أهم الجوائز الأدبية في بلدها. لكنها لم تقف عند هذه الجائزة المحلية، عندما نالت في العام 2009، جائزة مان بوكر الدولية على مجمل أعمالها القصصية. وفي عام 1980، كانت على القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية السنوية.
المحرر الأدبي في هيئة الإذاعة البريطانية ويل جومبرتز وصف أدب مونرو بـ"الجاد وهو يتحرك في أعلى مستويات اللعب منذ أن بدأت في الكتابة".
وقال جومبرتز إنها حصلت اليوم على لقب تستحقه تماما. لمساواتها مع كتاب آخرين ظفروا بهذه الجائزة المرموقة. واستبعد أن تكون لجنة نوبل منحت الجائزة لأي سبب سياسي، كما يعتقد مع غيرها من الفائزين.
مؤكدا أن ذلك سيبدو جليا عند عرض إنجازها القصصي في حس تاريخي على امتداد تجربتها.
وعبر عن سعادته أن تفوز هذه المرأة بالجائزة في حياتها، قائلا "إن الأمر سيكون رهيبا عندما تمنح لها بعد رحيلها".
ويعالج سردها القصصي ما يطرأ على روح الإنسان، والمعضلة التي تواجهها الفتيات، فهي تتذكر أن ولعها بالكتابة كان في زمن الفتيات اللواتي يسعدن بارتداء التنانير القصيرة والسير في البلدات الصغيرة والمتباعدة عن بعضها.
عندما صرحت هذا العام بأن كتابها الذي صدر عام 2012 "الحياة العزيزة" سيكون الأخير، وهي لا تحب أن تكتب بعد اليوم دون أن تثير ضجة.
واعترفت آنذاك بأنها لم تحب الكتابة وحدها كقدر لحياتها، لكنها بالتأكيد أعادت تفكيرها بطريقة مختلفة.
ووصفت الكتابة بأنها أشبه بنهاية خطأ ارتكب في الحياة، لكنها نوع من المؤانسة الحساسة للغاية. وقبلها كانت قد كشفت أنها تتلقى العلاج من مرض السرطان، وأنها أجرت عملية جراحية في القلب.




طبــــاعة
عودة >>
5)]


مونرو وجدت في مستهل مشوارها الكتابة ملاذاً من حياة عائلية شقية

ما استطاع أن يطوقها بذراعيه. داخَل صوتها وابتسامتها، على ألفتهما، شيء، داخَل طريقة حمَت بها اللاعبون منه – وكذا حمَته من استيائهم – شيء جعل عناقها مستحيلاً.
قال، "لقد أحضرتُ لك زهوراً. جال ببالي أنها ستبهج حجرتك. مضيت إلى غرفتك ولم أجدك." ردت، "لا، إنني هنا." ثم استردت المائدة ناظريها. قال جرانت، "لقد صادقتِ صديقاً جديداً"، أومأ إلى رجل تجلس بجواره. ارتقى بصر الرجل في هذه اللحظة إلى فيونا فالتفتت بسبب ما قاله جرانت أو لأنها استشعرت النظرة المسدَّدة إلى ظهرها.
"إنه أوبري. الغريبة أني أعرفه منذ سنوات طوال. اشتغل في متجر. متجر خردوات كان جدي يبتاع منه. كنت أنا وهو نتلاعب، وما أسعفته شجاعته أن يطلب مني الخروج معه. حتى آخر عطلة أسبوعية فقط لا غير، وقد أخذني إلى مباراة بيسبول. وحين انتهت، جاء جدي ليقودني إلى البيت. كنت أزورهما في الصيف. أزور جدي وجدتي – عاشا في مزرعة." "فيونا. إنني أعرف أين عاش جدك وجدتك. إنه محل إقامتنا. السابق."
"حقاً؟" نبست دون أن توليه كل انتباهها لأن لاعب الورق كان يحثها على التطلع، حثاً لا يضمر توسلاً، وإنما هو أمر. كان رجلاً في سن جرانت، أو أكبر قليلاً. سقط شعره الأبيض الكثيف الخشن على جبهته، وبدت بشرته أشبه بالجلدية، ولكن شاحبة ضاربة إلى الاصفرار مثله مثل قفاز قديم متجعد من جلد الجدي. اتسم وجهه الطويل بالجلال والسوداوية، وشابه جمال حصان قوي عجوز ثبطت همته.
"لا بد أن أعود" قالت فيونا والتورد يطبع نقاطاً على وجهها، وجه اكتسب مؤخراً قدراً من البدانة. "يظن أنه لا يستطيع أن يلعب دون أن أجلس هناك. إنها سخافة، لم أعد أفقه اللعبة. لو تركتُك الآن، تَقْدر أن تسلي نفسك؟ لا بد أن كل شيء يبدو غريباً لعينيك إلا أنك سوف تندهش من سرعة اعتيادك إياه. سوف تتعرف إلى الجميع. عدا أن بعضهم يغيبون، كما تَعلم، بين السحب في ملكوتهم."




طبــــاعة
عودة >>
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

في مقال بصحيفة الإنديبيندنت البريطانية، بتاريخ اليوم، 11. 10. 2013م، بقلم محرر الشؤون الأدبية بالصحيفة، بويد تونكن، وبعنوان "رصيفة تشيخوف الكنديّة تفوز بجائزة نوبل للآداب"، أوردَ الكاتبُ طرفاً من سيرة الكاتبة الكندية أليس مونرو، الفائزة بجائزة نوبل للآداب لهذا العام، 2013م. وقال الكاتب، في المقال، إن الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة وصفت، في حيثياتها، القاصّة الكنديّة، أليس مونرو (82 عاماً)، التي كانت هي الامرأة الثالثة عشر التي تفوز بجائزة نوبل للآداب، بأنها "سيّدة القصة القصيرة المعاصرة". واستشهد الكاتب، في مقاله، ببعض ما قيل عن أليس مونرو، من قبل كتاب آخرين، والذي كان منه وصف زميلتها الكاتبة الكنديّة، مارغريت آتوود، لها بأنها ما تفتأ "تكتُبُ عن صعاب يُواجهُها أناسٌ أكبر، أو أقل، مما يُظنُّ بهم أن يكونوا. وحين ينظر أبطال رواياتها للوراء يبقى الشيوخ اللذين هم تبَدَّلُوا إليهُم يحوزون، في داخل أنفسهم، على كلّ الأشخاص الذين كانُوا هم في الماضي. إنّها شديدة الحساسية تجاه ما يرتجيه الناس، كما وخيبات آمالهم."


[align=left]إبراهيم جعفر
أسامة الخواض
مشاركات: 962
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:15 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة أسامة الخواض »

شكرا عادل على هذه الاضاءات عن الفائزة بنوبل للآداب،
و الشكر موصول لابراهيم،

لكن لاحظا لا أحد سوى "حفنة" و "شرذمة" من القراء مثلي،
يهتم بأمر جلل مثل هذا.

لو كان هذا بوست تهنئة زواج،
و الغريبة لو "تعزية"،لرأيتما "جحافل" من الناقرين!

ربما أنها واحدة من علامات "البربرية" اللطيفة!

كونا بخير دائما
أسامة

أقسم بأن غبار منافيك نجوم

فهنيئاً لك،

وهنيئاً لي

لمعانك.

لك حبي.



16\3\2003

القاهرة.

**********************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4975
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

شكراً يا ابراهيم علي الإضافة . لا يهمك يا اسامة ، فكل ميسر لما خلق له ، و اليك المزيد من الأضواء علي الموضوع - عن صحف: القدس العربي / الحياة، :


انتصاراً للقصة القصيرة
عبده وازن
الإثنين ١٤ أكتوبر ٢٠١٣
بدت لافتة جداً بادرة الأكاديمية السويدية في إيلاء القصة القصيرة اهتماماً نادراً ما حظيت به في الآونة الأخيرة عالمياً. ولعل فوز الكاتبة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل هو فوز لفن القصة وفق ما نمّ به بيان الجائزة، وهذا ما لحظته الصحافة الثقافية الغربية في ما نشر فيها من مقالات تمّ التركيز فيها على الفن القصصي الذي تفرّدت به الكاتبة الفائزة. وتناقلت صحف عدة الكنية التي أطلقت عليها وهي «تشيخوف كندا» ترسيخاً لصنيعها القصصي، مع أن هذه الكنية لا يمكن أخذها إلا من باب المبالغة والحماسة الكندية خصوصاً، وهي تحتاج إلى مقاربة نقدية جادة قد لا تصب حصيلتها في مصلحة الكاتبة الكندية.
أليس مونرو قاصّة وليست روائية، حاولت جاهدة أن تنحاز إلى فن الرواية فلم تنجح، كتبت رواية واحدة ويتيمة لكنها لا تُعد بحسب نقادها ذات ثقل. وهي نفسها كتبت أكثر من مرة عن معاناتها هذه، مباشرة حيناً، وعلى لسان بعض شخصياتها القصصية حيناً. وكانت فعلاً جريئة في هذا الصدد. حسمت موقفها بسرعة وراحت تقاسي تجاهل الناشرين لها طوال أعوام. وبعد عقود عرفت خلالها شهرة في عالم القصة المكتوبة بالإنكليزية، حازت جائزة نوبل، التي لم تكن تتوقعها في الثمانين من عمرها.
ليس المهم استعادة السجال حول استحقاق أليس مونرو الجائزة الكبيرة أم عدم استحقاقها، المهم أن الأكاديمية السويدية كرمت هذه السنة القصة القصيرة وأعادت إليها حقاً طالما حرمت منه، أدبياً وإعلامياً و «نوعياً»، كما على صعيد الجوائز والنشر. وجائزة نوبل لم يفز بها مرة في عقودها «الحداثية»، قاص أو أديب لا يكتب إلا القصة القصيرة أو الأقصوصة، كما يحلو لبعض النقاد العرب أن يسموها. كل الذين فازوا بها هم روائيون يكتبون القصة على هامش مسارهم الروائي، أو هم شعراء ومسرحيون يكتبون القصة من باب التنويع والتجريب. القاص وقصته باتا اليوم على هامش «المتن» الكتابي، وهما يزدادان تهميشاً، على خلاف الرواية التي تحتل صدارة المشهد الأدبي العالمي، وتستأثر بما يتوافر اليوم لها من حماسة الناشرين وإقبال القراء ووفرة الجوائز والرواج الإعلامي...
كانت القصة تحتل مرتبة عالية في عالم الأدب منذ القرن التاسع عشر حتى الستينات من القرن العشرين، ثم راحت تشهد تراجعاً بطيئاً حتى كادت أن تمسي نوعاً من الأنواع «الهجينة و «المهجورة» وغير الرائجة شعبياً. وكانت الصحافة آزرت القصة وساعدتها على الانتشار في عصرها الذهبي وفتحت لها صفحاتها طمعاً في إغراء القراء. ومعروف أن هذه البادرة أضحت تقليداً مازال قائماً في الصحافة حتى اليوم على خلاف الروايات التي كانت تنشر متسلسلة. وعلى رغم تاريخها العريق لم تستطع القصة أن تواجه سطوة الرواية ورواجها الهائل والسحر الذي تمارسه على قرائها. واللافت أن طول الرواية لم يكن يوماً عائقاً أمام قدرتها على جذب القراء، ويكفي أن نتذكر مقولة «الرواية النهر» التي تتدفق مثل الماء الجارف مع روائيين مثل تولستوي، دوستويفسكي، مارسيل بروست، بلزاك، جويس، نجيب محفوظ... وهاروكي موراكامي أخيراً.
أعطت القصة كل الأنواع الأدبية وسخت عليها، أعطت الرواية والمسرحية والقصيدة والفيلم السينمائي والتلفزيوني، أمدتها بفنها وجمالياتها وتقنياتها، وبخاصة الإيجاز و «كثافة الأثر» والحركة السريعة والتجانس في عناصر السرد والخاتمة غير المتوقعة («السقطة غيرالمتوقعة» كما يقول الناقد روبير ديون)... تُرى أليست رواية «دون كيشوت» سلسلة من القصص المتواصلة والمتعاقبة؟ تُرى ألم تستفد قصيدة النثر كثيراً من تقنيات القصة حتى إن قصائد كثيرة بدت وكأنها قصص يمكن وصفها بـ «القصيرة جدا»؟ ترى ألم تمنح قصة خوليو كورتازار القصيرة «أبناء العذراء» فرصة سانحة للمخرج الإيطالي الكبير انطونيوني لينجز رائعته السينمائية «بلو أب»؟ ألم تعلم القصة الروائيين كيف يتركون الكثير من «البياض» والهوامش «البيضاء» في أعمالهم كي يملأها القارئ كما يحلو له؟ ألم تكسر القصة فكرة «النمذجة» في الكتابة السردية جاعلة من النص مغامرة إشكالية غير مضمونة العواقب؟
مُدحت القصة كثيراً وكُتبت عنها أبحاث لا تحصى، وكانت منطلق الكثير من الروائيين والشعراء وسواهم، فهي تمثل دوماً أول عهد الأدباء بالأدب قبل أن يكتشفوا دروبهم الأخرى. ومنهم من يبقى وفياً لهذا الفن فيمضي به إلى خواتمه، منتسباً إليه بصفته نوعاً راقياً. ويكفي أن نذكر القاص الأميركي الرهيب ريموند كارفر والأرجنتيني الأرهب بورخيس، ومن عالمنا العربي اللبناني فؤاد كنعان والمصري محمد البساطي على سبيل المثل. ولا يمكن تناسي القاصين الذين كتبوا الرواية القصيرة انطلاقا من معيار القصة، وكذلك الروائيين الذين كتبوا القصة بشغف كبير وغزارة.
كم أصابت نوبل في منحها الجائزة هذه السنة إلى أليس مونرو، الكاتبة التي اختارت القصة هوية وانتماء، ولا يهم أن تكون كندية أو إنكليزية اللغة. المهم أن القصة فازت أخيراً منفردة بجائزة نوبل.
alhayat.com
Printed from
_________________________________________________________________________

«بطولة» أليس مونرو المتعدّدة
جاد الحاج
الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠١٣
أليس مونرو سيدة الحكاية البسيطة بل رائدة القصة القصيرة في زمن الرواية التي سيطرت على سوق الكتاب الأدبي حتى لم يبق لغيرها مكان في واجهات المكتبات وملء رفوفها. «بطولة» أليس مونرو متنوعة المنابع. فريدة في أدباء كندا لأنها بقيت في بلدها عاصية على مغناطيس الولايات المتحدة بعكس معظم الكتّاب الكنديين. نشأتها الريفية الصلبة في الجنوب الغربي من مقاطعة أونتاريو (وينينغهام) ربطتها بالأرض قلباً وقالباً. الأرض وناسها، خصوصاً نساؤها، وفي نطاق جغرافي ضيّق أوسعه بلدة صغيرة. كان والدها يبيع جلود الحــيوانات البرية وأمها معلمة في مدرسة القرية.
وهي تعتبر محيطها كبسولة منمنمة عن العالم والبشر في كل مكان. حكاياته المنضوية في البعيد المنسيّ لا تقل أهمية وإنسانية ومصدراً للوحي عن حكايات أبناء المدن وبناتها. رابطت أليس في ذلك المحيط كتاباً بعد الآخر جاعلة من شخصياته نماذج نابضة بالحياة والمفاجآت والمآسي، محتفلة بأصغر وأتفه اللحظات. التفاصيل المروية بدقة وإسهاب تغمد قارئها في المسار الحكائي دافعة بمخيلته إلى احتلال المساحة المرسومة بالكلمات وبما بين السطور على حد سواء: كم عدد الغرف في المنزل الواحد، ما نوع أثاثه، ماذا يرتدي أبطال الحكاية، وفي السياق كيف تتجه بهم السنون نحو المرض أو الخرف أو الموت. ولطالما قورنت أعمالها بأعمال تشيخوف من باب قلة الأحداث في القصة والتقليل من دور الحبكة وكثافة التركيز على التفاصيل الموحية والإضاءات المباغتة.
تميزت قصص مونرو المبكرة بثيمة نموّ الأنثى ومعاناتها الجنسية في مجتمع ضيّق، طهراني، ملتبس، حافل بالشكوك. ومع أن تلك الثيمة تضاءلت على مرّ الزمن لكن آثارها استمرت في الظهور كلما عالجت الكاتبة مسألة الجنس. وهي تعترف بأن الجنس كان على الدوام مصدراً للشقاء على رغم لحظاته الجذابة: «هناك طريقة وحيدة لوصف فشلنا في التحدث عن الجنس وهي أن الكلمة بحد ذاتها كانت دوماً مغطاة بضبابة كالحة، مقززة» تقول مونرو. إلا أن ذلك لم يمنعها من وصف مواقف إباحية في بعض قصصها: «خلع كليفورد ثيابنا. لم نرتجف برداً لأن الموقد كان مشتعلاً والغرفة دافئة. وراح يوزع اهتمامه علينا بلطف ثم خلع ملابسه. شعرت روز بفضول كبير، غير مصدقة، مترددة، مستثارة قليلاً، ثم لم تعد مهتمة، مع أن كليفورد استمر في معادلة اهتمامه بينهما، لكنها أصبحت حزينة، إلى أن ناومها بسرعة على البساط...».
عندما نالت أليس جائزة بوكر العالمية عام 2009 قالت رئيسة لجنة التحكيم آنذاك جاين سمايلي: «ربما يبدو سطح أعمال مونرو هادئاً وبسيطاً وخارجياً، لكن تحت تلك البحيرة كنز معرفي، وكيان ثاقب، وعالم حكيم لا يستطيع القارئ أن يغادره بسهولة». لكن منذ ما قبل بوكر كان اسم أليس مونرو يرد تكراراً في ترشيحات نوبل للآداب. ولم ينتبه كثر إلى الترجيحات البريطانية هذه السنة عندما جاء اسمها في الموقع الثاني مباشرة بعد الياباني الكبير هاروكي موراكامي. لكن لعل لجنة نوبل أدركت أخيراً أن مونرو البالغة من العمر الثانية والثمانين والتي أصيبت بوعكة قلبية استدعت جراحة مستعجلة ثم تبين أنها أيضاً تعاني من السرطان قد لا تعيش سنة أخرى، وهي المستحقة بحق نيل الجائزة. وفي النتيجة إنها الكاتبة الأنثى الثالثة عشر ممن نلن نوبل للآداب، تقطفها عام 2013 وكأن المفارقات الباسمة والحزينة التي تملأ حكاياتها التقت في رقم واحد في النهاية.
تقول أ.س. بايات: «أليس مونرو تستثير الكاتب في نفسي، عباراتها البسيطة تحمل شيئاً جديداً كل مرة». ما الجديد إذاً لدى كاتبة مخضرمة بين قرنين لا ترى في الحداثة وما بعدها ما يستحق ولو قليلاً من الصداع كما تقول، حتى فولكنر لا يدهشها؟ لعله التمعن في تفكيك اللحظات العابرة التي تشبه البراغي الخفية في آلة الزمن. وهي إذ تفعل ذلك لا تتوخى التصعيد الفلسفي أو حتى التخييل الشعري بل مجرّد نقل الشرط الإنساني إلى القارئ كأنه نديمها أو حبيبها. مثلاً، في قصة «ووكر براذرز كاوبوي» تكتشف البنت أن والدها أحب امرأة غير أمها لكن التقاليد وقفت حائلاً بينهما: «أبي يقود السيارة وأخي يراقب درب الأرانب وأنا أشعر في تلك الأمسية أن حياة أبي تفيض من سيارتنا، تكفهرّ وتغترب مثل مشهد جدير بالتصوير».
من مواليد 1931 شابت طفولة أليس مونرو قسوة والدها الذي كان يعتبر القصاص البدني سبيلاً وحيداً إلى تنشئة أطفاله، فكان يضربها وكانت مخيلتها جناح الفرار من القصاص والعنف المنزلي. في الخامسة عشرة من عمرها نشرت أولى قصصها في مجلة محلية ونالت إعجاب كل من قرأها فتشددت وانطلقت تجمع العلم والعمل في سلة واحدة. اشتغلت نادلة في مطعم وعاملة في قطاف التبغ وموظفة في مكتبة عامة. وعام 1951 تركت دراسة اللغة الإنكليزية في الجامعة لتتزوج وتنتقل إلى فانكوفر حيث رزقت بثلاث بنات توفيت إحداهن بعد 15 ساعة على ولادتها. حزن أليس هدم زواجها فعادت إلى أونتاريو وما لبثت أن تزوجت مرة ثانية بعد طلاقها.
على مرّ السنين حصدت أليس مونرو جوائز كندية وبريطانية عن معظم مؤلفاتها، وجاءت جائزة نوبل خاتمة مطاف رافقها فيه ملايين القراء والقارئات في كل اللغات الحية. وتقول مونرو إنها كانت بالطبع على علم بورود اسمها في لائحة المرشحين لجائزة نوبل لكنها لم تتوقع النبأ السار. وتضيف: «أحب أن أن أروي حكاية على الطريقة القديمة، مع قليل من التقطيع والاستدارات والغرابة. أريد للقارئ أن يشعر بدهشة ليس بفعل ما يحدث في القصة بل بسبب ما يجعل الأمور تحدث أو لا تحدث بالمرّة».
alhayat.com
Printed from
__________________________________________________________________________________

- القدس العربي Alquds Newspaper - https://www.alquds.co.uk -
اليس مونرو: كاتبة الجنوب وموثقة التفاصيل اليومية الصغيرة
Posted By alquds On October 13, 2013 @ 9:02 pm In أدب و فن,اقرأ في عدد اليوم,جريدة | No Comments
[1]

في الاعلان عن الفائز بجائزة نوبل للاداب لعام 2013 اكتفى بيتر انغلاند، السكرتير الدائم للجائزة، بوصف حياة واعمال الفائزة الكندية اليس مونرو، وهي الاولى في تاريخ الادب الكندي بكلمات موجزة قائلا انها ‘استاذة فن القصة القصيرة المعاصرة’، وتعيد جائزة نوبل بهذا الاعتبار لفن القصة القصيرة الجميل.
وتعترف بجهود كاتبة احبت الظل وظلت تعيش فيه طوال حياتها الادبية التي بدأت قبل اكثر من خمسة عقود بنشر مجموعتها القصصية ‘اتجاهات الظل’ (1950) وتبعتها ‘رقصة الظلال الجميلة’ (1968) والتي نالت حفاوة ادبية وشعبية وثالثة وهي ‘حيوات النساء والبنات’ (1971). ومنذ تلك الفترة انتجت مونرو اكثر من 13 مجموعة قصصية، وحازت على جوائز واعترافات في بلادها والخارج.
وفي معظم هذه المجموعات تعمل مونرو على بناء حبكة متداخلة في القصص، او تركز عللى خيط/ خط روائي يجمع الابطال وحكاياتهم، بدا هذا واضحا في الاعمال الاولى وفي اخر اعمالها التي نشرتها العام الماضي ‘عزيزتي الحياة’ (2012) خاصة في القصص الاربع الاخيرة التي استعادت فيها حياتها الاولى في الريف وذكريات طفولتها، والدها ووالدتها، والمدرسة، الصداقات الاولى، البراءة في النظر الى الاشياء، امراض الشتاء، واحلام وقلق الليل، والاصوات القادمة من بعيد، وقالت في تقديمها لهذه القصص الاربع انها ربما المرة الاخيرة التي تكتب فيها عن طفولتها ذلك ان هذه القصص تحمل ملامح من حياتها او سيرتها الذاتية في ‘الحس′ لكن ليس ‘ في الحقيقة’.
صور الماضي
وتشي عناوين القصص هذه بحس البحث عن الزمن الماضي ‘عين’، ‘ليل’ ، ‘اصوات’ و’عزيزتي الحياة’، فمن خلال المشاهدة والمراقبة والليل وارقه والاصوات تتشكل رؤية وحياة مونرو- الساردة. وتقدم في هذه القصص كما هي عادتها صورا عن الحياة اليومية، والقضايا الخاصة التي تحتفل بالمحلي المرتبطة بالضرورة بالحياة في كندا في العقد الثالث من القرن العشرين، حيث ولدت في تلك الفترة، في فترة الكساد الاقتصادي الكبير الذي شهده العالم، وسنوات الحرب العالمية الثانية واثرها على بلدتها البعيدة، عن مسرحها، وقضايا الطعام والعلاقات العائلية الصغيرة والتافهة احيانا، والعلاقات المجتمعية، والقيل والقال واساليب اللباس، والدورة السنوية في تخزين المواد الغذائية واعدادها في الصيف كي تستهلك في الشتاء القاسي عادة في كندا. وما يميز هذه القصص استعادتها للزمن الماضي وبحثها في الحاضر عن بقايا القصص والحوادث التي لم تكن قادرة على فهمهما في الصغر. وتشير كما في قصة ‘عزيزتي الحياة’ الى وضع المرأة في المجتمع، فلانها استمرت طويلا في الدراسة ظن جارها انها ليست ناجحة في الدراسة وكانت تعيد السنة وراء السنة، ففي العادة كانت معظم الفتيات يخرجن من المدرسة بعد نهاية السنة التاسعة للعمل في المحلات او يتزوجن ويتفرغن لانجاب الاطفال. وفي ذكرياتها عن امها او الام في ‘عزيزتي الحياة’ التي اصيبت بمرض فقدان الذاكرة نلاحظ علاقة حب وتنافس ونقد لهذه الام التي كانت تعتقد انها تعيش في سياق غير سياقها، وكانت تحن لواقع غير الواقع الريفي الذي اضطرت للعيش فيه، ونعرف هذا من الاشياء الصغيرة التي تعلق راوية القصة عليها من مثل حقيبة ادوات الغولف، التي كانت موضوعة في زاوية في غرفة الضيوف، وتتساءل راوية الحكاية عن السبب الذي يدعو والدها او والدتها لشراء هذه الاودات لان هذه اللعبة عنوان على المستوى الاجتماعي و’حفلات الغولف’ او نواديها هي حكرعلى الطبقات الغنية وليست لابناء الطبقة العاملة او المتوسطة الدنيا التي نفهم ان والدها وعائلتها بالضرورة كانت تنتمي اليها.
زمن الاغاني
وتعليق مونرو- او الساردة للقصة على هذه الحقيبة فيه ذكاء لماح للدخول الى تفاصيل الحياة ومفهوم الطبقة التي كانت تميز العلاقات المجتمعية في ذلك الوقت، وبنفس السياق تطلعنا مونرو على مفهوم العيب في مجتمع بلدتها حيث تتعرف على طالبة من صفها وتذهب معها الى بيتها حيث كانت تعيش مع جديها كي تتعلم منها نوعا من الرقص، وعندما تأتي والدتها لتأخذها من البيت تأمرها وتطلب منها ان لا تذهب اليه مرة اخرى، وهو ما لم تفعله لان ديان وهذا اسم صديقتها هي ابنة امرأة سيئة السمعة او ‘داعرة’ ماتت بعد اصابتها بمرض من الامراض الشائعة في هذه المهنة القديمة. وقد التقينا بوالدة ديان في القصة التي سبقتها حيث وصفت لنا الكاتبة اصوات الزمن الماضي وتحدثت عن حفلات الرقص التي كانت تقام في قاعة معروفة في البلدة وهي مناسبة اجتماعية تحضر فيها العائلات الاطعمة والحلويات وتتشارك فيها. وتستعيد الساردة في هذه القصص الاربع التي تتداخل فيها الذكريات عن ام عملت مدرسة، ووالد كان يدير مزرعة للثعالب والمينك تقول انه جاء الى تجارة الفرو متأخرا فاضطر في فترة الكساد الاقتصادي الى بيع مواشيه ومزرعته والعمل في مسبك كان يصنع المدافىء التي كانت توزع وتباع في عموم كندا. ولعل اختيارهذه المهنة التي كانت تجعله يغيب عن البيت كانت هروبا من البيت والزوجة المريضة. ومن الوجوه التي تستعيدها مونرو قصة سادي المغنية المعروفة في اذاعة محلية حيث جاءت تساعد امها في مهام البيت وتعرفت عليها واحبتها، واحبت صوتها الجميل الذي كان يحمل مسحة من الحزن، حيث كانت تفتح الاذاعة المحلية باغنية ريفية عن التلال الجميلة، والشمس التي تسطع بضوئها على النهر والورود المزهرة بعد شتاء قارس. سادي التي كانت تذهب الى قاعات الرقص لوحدها، واحبتها مونرو- لم تعمر طويلا فقد دهستها سيارة عندما كانت خارجة من قاعة الرقص في الليل وقضت على صوتها وشبابها. وفي الحديث عن سادي تجلب الكاتبة او تستعيد اهتمامات السكان في تلك الاوقات حيث كانوا يفضلون الاستماع الى الاذاعة المحلية بدلا من الانصات الى الاخبار والسياسة. في الجزئيات التي تتحدث عنها مونرو عن الحياة فانها تبحث عن الاوقات الصعبة والجميلة وعن الوجوه التي تلاحقها، ونعرف ان من تسرد الحكاية هي مونرو لان الساردة في القصص ولدت عام 1931 وهو العام الذي ولدت فيه الكاتبة، فعندما تكتب مونرو ان قصصها الاخيرة في مجموعة ‘ عزيزتي الحياة’ تحمل بعضا من حياتها وليس كل الحياة تريد ان تخلق في ذهن القارىء وهم الفصل عن الواقع والحقيقة، ولكن القارىء بدلا من ان يتعامل مع الوجوه والاصوات والفضاء الذي تتجادل فيه القصص يذهب ابعد من هذا ويبحث عن مقاربات بينه وبين حياته، ويرى ان هناك شبها او تشابها فيما تحكيه الساردة عن نفسها وما مضى من حياته. تخلق مونرو من التفاصيل الصغيرة، او حكايات ‘ربة البيت’ كما وصف ناقد اعمالها عالما جميلا يفصح عن واقع كندا والاحداث التي تعرضت لها الكاتبة.
كفاح المرأة
ولعل وصف ربة البيت والمحلية المفرطة في كتابات مونرو نابع من الموقف الذي تعرضت له كامرأة وكاتبة في بداية حياتها، فكما تقول مواطنتها مارغريت اتوود، ‘بالعودة الى سنوات الخمسينات والستينات كان هناك شعور بأن المرأة كانت تتعدى وتتجاوز الحدود المرسومة لها وهذا يفسر موقف الكاتب الرجل لكتاباتها بانها ‘محلية ومملة’ في الوقت نفسه. وتقول اتوود ان كاتبا قال لها ‘انت تكتبين قصصا جميلة لكن لا اعتقد انني اود النوم معك’، وردت بنفس اللهجة مونرو ‘ لم يدعه احد لعمل هذا’. وهذا يشير الى ان الطريق الذي قطعته مونرو لم يكن سهلا، وقد حظيت اعمالها باعتراف في الولايات المتحدة وبشكل اقل في بريطانيا [2]، ففي عام 2009 حازت على جائزة بوكر العالمية لانجازها الادبي بشكل عام. وسيعطيها الفوز بجائزة نوبل مساحة كي توسع مجال قرائها ويتعرف العالم على اعمالها بشكل اوسع. ويمكن النظر الى انجاز مونرو البالغة من العمر 82 عاما اضافة لانجاز المرأة في المجال الادبي فهي الفائزة رقم 13 بها منذ بدء تقاليد نوبل عام 1901 وهو انجاز قليل مقارنة بالاسماء الذكورية التي فازت بها. وقالت مونرو للاعلام الكندي ‘كنت اعرف ان اسمي في قائمة المرشحين لكن لم لكن اعرف انني سأكون الفائزة’. وقالت ‘ امل ان يؤدي الفوز الى تعامل الناس مع القصة القصيرة باعتبارها فنا مهما’.
تشيخوف الزمن الحاضر
ودعا اهتمامها بالقصة القصيرة البعض مثل سنيثا اوزيك، اي اس بيات الى اطلاق اسم ‘تشيخوفنا’ عليها او تشيخوف الكندية. فقصصها ظلت وفية الى منطقتها التي جاءت منها ‘هورون كاونتي’ في جنوب- غرب اونتاريو، حيث استطاعت في قصصها السهلة والمؤثرة الدخول في تفاصيل الحياة الانسانية المعقدة، واستطاعت فعل هاه بطريقة سهلة وسلسة ‘السهل الممتنع′. وما ساعد مونرو على نقل التجربة الكندية واستحضار فضاء البلد على الاقل منطقتها في جنوب- غرب اونتاريو هي انها عاشت في الصغر الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية، وهي بهذه المثابة من الجيل الذي جاء يحمل ذكريات الثلاثينات والاربعينات المرة. ولانها ابنة البلدة التي عاشت على حافة المدينة، فقد حضرت قصص ويوميات البلد في اعمالها، ففي ثقافة البلدة يحضر القيل والقال والنفج والعنجهية والتقليل من الانجاز والطموح خاصة الفني منه، وكذا النزوع نحو العزلة والتمحور حول الذات كما يبدو في حيوات ابطال وقصص ‘عزيزتي الحياة’ التي هي بالضرورة قصتها وقصة عائلتها. وكما ترى اتوود فان القوى الاساسية التي تحرك قصصها قوتان ‘الخجل والعار’ اضافة الى الحبكة المحكمة في القصة، اي تقديمها بشكل صحيح وبارع من اجل الوصول الى اعلى درجات الكمال في التجربة الكتابية. وتقول اتوود ان مونرو وثقت اكثر في اعمالها لوضع الفشل اكثر من النجاح لان مهمة الكاتب هو البناء على الفشل. وبهذه المثابة فهي رومانسية في نظرتها للامور كما هي في الجوهر كندية ولهذا ستتعامل مع الجائزة بنوع من التواضع ولن ‘يكبر رأسها’. وكما تقول اي اس بيات ‘انتمي الى ناد من الاسماء الشهيرة المعجبة بمونرو، كلنا نعرف انها واحدة من اعظم الكتاب الاحياء، ومع ذلك ظلت سرا، وقد انكشف السر الان’. وكما اشارت اتوود فقد انحصرت اهتمامات الكاتبة في الريف ومنطقة نشأتها، وتدور قصصها عن الحب والخيبة او الفشل ووهج الاكتشاف لاحقا. وقورن عالمها بعالم القصص الامريكية التي نبعت من الجنوب. وفي اعمالها كما في قصص تشيخوف، لا تهتم بالحبكة كثيرا لانه يتم الكشف عنها في التفاصيل الصغيرة واحيانا العابرة، فهي تعبر بطريقة سلسة عن الحدث المعقد والفكرة التي ينتظر القارىء اكتشافها بعفوية. وتقوم الشخصية في قصصها بالبحث وتعيش لحظة اكتشاف تضيء الكثير على حياتها وتعطي معنى للرموز والاشارات التي مرت بها سابقا. ومن هنا فنص مونرو يكشف عن مستويين ‘ساخر وجدي في نفس الوقت’، وفي كتابتها تضع مونرو ‘الباهر الى جانب العادي’ وعلى الرغم من السهولة التي تنقل فيها مونرو التفاصيل اليومية الا ان شخوصها الانثوية تبدو اكثر تعقيدا، ومنها واحدة تفكر فيها امرأة بيومها كسلسلة من الواجبات او الاشياء التي يجب عليها انجازها وتقوم فعلا بانجازها، وفي داخل هذه الزحمة اليومية لا تعرف ماذا تريد ان تحققه من كل هذه الواجبات وماذا ستضيف الى رصيدها في الحياة، وفي هذا تقوم مونرو بتسجيل الرتابة اليومية والتفكير الذي يدور في عقل سيدة البيت هذه. ومن اهم الموضوعات التي اهتمت بها مونرو، وهذا واضح في قصصها الاولى هو بلوغ الفتاة سن النضج وعلاقة هذا بعائلتها ومجتمع بلدتها الذي تعيش فيه. وانتقلت في المرحلة الاخيرة من اعمالها للتركيز على موضوع اخر يتعلق بالمرأة وهو مواجهة تحديات منتصف العمر كما في ‘الكراهية، الصداقة، المغازلة (التودد)، الحب، الزواج’ (2001) و ‘الهروب’ (2004). وفي النهاية فأهم ما يميز اعمال وقصص مونرو في مجال التجربة هو الاتحاد والتواصل بين القارىء والنص، فهو ينجذب اليه ليس على انه نص يحاكي حياته او انه نص محتمل الوقوع بل لانه يتحدث عن الواقع والتجربة الانسانية، التي تعبر عنها الكاتبة عبر نص موجز يحمل في طياته عمق الرواية، وهو ما دعا البعض للتساؤل ان كانت مونرو تكتب قصة قصيرة ام رواية، وايا كان الحال فنص مونرو يحتوي على ما تحتويه الرواية او اكثر كما يقول اليكس كيغان.This is the latest accepted revision, accepted on 12 October 2013.

حياة
ولدت اليس آن ليدلو في وينغهام في مقاطعة اونتاريو، كان والدها روبرت اريك ليدلو مزارعا لديه مزرعة للذئاب وحيوانات المينك ويتاجر بفروها، اما والدتها فهي ان كلارك ليدلو التي عملت مدرسة. بدأت مونرو الكتابة القصصية في سن مبكرة حيث نشرت اول اعمالها في عام 1950 عندما كانت طالبة تدرس اللغة الانكليزية والصحافة في جامعة ويسترن اونتاريو. وعملت اثناء دراستها كنادلة في مطعم وكجامعة للتبغ، وكسكرتيرة في مكتبة عامة. في عام 1951 غادرت الجامعة حيث كانت تدرس الانكليزية كي تتزوج زميلا لها في الجامعة اسمه جيمس مونرو، وانتقلت معه الى دانداراف في غرب فانكوفر حيث كان يعمل في متجر. وانتقلا في عام 1963 الى فيكتوريا وفتحا مكتبة لا تزال تعمل حتى الان. ولم تبدأ مونرو بالكتابة والنشرعمليا الا في عام 1968 بإصدارمجموعتها الثانية ‘ رقصة الظلال السعيدة’ والتي حازت على جائزة ‘الحاكم العام’ والتي تعتبر من اعلى الجوائز الادبية في كندا. واتبعت هذه بمجموعتها ‘ حيوات النساء والبنات’ (1971) وهي مجموعة من القصص المتداخلة في احداثها لدرجة جعلت البعض يتعامل معها كعمل روائي وليست كقصص قصيرة. وبنفس التقليد اصدرت عام 1978 مجموعتها الرابعة ‘ الخادمة المتسولة: قصص فلو وروز′ ونالت على هذا الكتاب جائزة الحاكم العام مرة ثانية. في الفترة ما بين عام 1979 -1982 رحلت الكاتبة وزارت استراليا والدول الاسكندنافية والصين، وبنفس الفترة عينت كاتبة مقيمة في كل من جامعتي بريتيش كولومبيا وكوينزلاند. وفي الفترة ما بين 1980 -1990 نشرت اربع مجموعة قصصية. كما نشرت عددا من قصصها في المجلات الادبية والمتخصصة بشؤون الساعة في امريكا [3] وكندا منها ‘نيويوركر’ ، ‘اتلانتك مونثلي’، ‘ غارند ستريت’، ‘مادموزيل’، ‘باريس ريفيو’. وظلت مونرو تكتب في مجال القصة القصيرة على الرغم من قولها عام 2006 وهي توقع نسخا من مجموعتها ‘ المنظر من صخرة القلعة’ ستتوقف عن الكتابة ضمن هذا الجنس الادبي لكنها تراجعت واصدرت اعمالا اخرى مثل ‘سعادة غامرة’ (2009). وحظيت بعض اعمالها باهتمام الشاشة الكبيرة حيث عولجت قصتها ‘ الدب جاء الى الجبل’ في فيلم واخرجته سارة بوليز، وكذا قصتها ‘بعيدا عنها’ وقامت ببطولته جولي كريستي وغوردون بينسنت، الذي عرض في مهرجان تورنتو الدولي عام 2006، ورشح للاوسكار.

[4]
________________________________________
Article printed from القدس العربي Alquds Newspaper: https://www.alquds.co.uk
URL to article: https://www.alquds.co.uk/?p=93130
URLs in this post:
[1] Image: https://www.alquds.co.uk/wp-content/uplo ... qpt899.jpg
[2] بريطانيا: https://www.alquds.co.uk/?tag=oousoouuso
[3] امريكا: https://www.alquds.co.uk/?tag=ouousufo
[4] Image: #
Click here to print.
Copyright © 2013 القدس العربي Alquds Newspaper. All rights reserved.
_________________________________________________________

- القدس العربي Alquds Newspaper - https://www.alquds.co.uk -
مفاجأة مزدوجة
Posted By alquds On October 11, 2013 @ 9:04 pm In اقرأ في عدد اليوم,الأخيرة,جريدة | 2 Comments
[1]

للمرة الأولى صنعنا مفاجأة للجنة جائزة نوبل للأدب هذا العام بالكف عن طرح اسم أدونيس في بورصة التكهنات!
لم نعلن حيثيات التخلي، وتركنا اللجنة حائرة لا تعرف هل فعلنا ذلك يأسًا من زيارة ثانية للجائزة العجوز، أم تخليًا عن مرشحنا أم لأن من يصلى نار الحرب الحامية لا يفكر بالأدب؟
على أية حال، هي محض مفاجأة واحدة، بينما تفاجئنا اللجنة كل عام بفوز كاتب لم نتوقعه، وبالأحرى كاتب لا نعرفه. وبعد أن نرسم علامات الدهشة نتسابق للبحث عن نص ولو صغير يعرفنا بالمتوج المجهول، ثم نعبر الأمر دون أن نشعر بأن لدينا مشكلة ثقافية تتعلق بعشوائية الترجمة وقصورها، على الرغم من كثرة دور النشر وتعدد مؤسسات الترجمة العربية.
لو راجعنا أسماء الفائزين في العشرين سنة الماضية فلن نجد بينهم أكثر من أربعة أو خمسة كتاب قرأناهم بالعربية قبل فوزهم بنوبل؛ غونترغراس، هارولد بنتر، دوريس ليسنغ، لوكليزيو، وماريو بارغاس يوسا، وربما يورهان باموق، وغير هؤلاء كنا نفاجأ باسم الفائز، وأحيانًا نتسرع في الامتعاض: من هذه النمساوية يلينيك، أو من هذا الصيني مويان؟!
ولكننا نكتشف غالبًا أن نوبل لا تمزح، وأنها تستحق مكانتها العالية بين الجوائز الأدبية لأنها لم تصنع تلك المكانة بالعراقة أو بضخامة قيمتها المالية فحسب، بل بسبب تحريها العدالة. تخطىء أحيانًا وأحيانًا تميل ـ ومن منا لا يخطىء ومن لا يصيبه الهوى؟! ـ لكنها لا تختار من الرائج ولا تمشي وراء ذوق القراء الذين يجتمعون على الضلال غالبًا.
في العام الماضي، عندما فاز مويان، كانت دهشة العرب كبيرة، لكن القلة التي تقرأ بلغات أخرى كانت تعرف الرجل جيدًا، وتعرف أن اختياره جاء أكثر توفيقًا من اختيار المنشق جاو كينغيجيان عام 2000، لأن مويان الذي اختار البقاء في بلاده استطاع أن يصنع أدبًا عظيمًا يواجه القمع والفساد بفنية الموهبة الفذة.
هذا العام فاجأتنا الجائزة مجددًا باختيار القاصة الكندية أليس مونرو، وربما يكون زكريا تامر وسعيد الكفراوي أسعد عربيين بهذا الفوز، فقد سكبا حياتيهما في القصة القصيرة، الفن الرهيف الذي ضيعته ثقافتنا مع الشعر وأنصفته لجنة نوبل أخيرًا، بعض أن ضيعت مرشحنا العربي الجدير يوسف إدريس.
في تكهنات ما قبل الفوز كانت الأنظار تتجه بقوة نحو هاروكي موراكامي المترجم عربيًا بإفراط، بينما ورد اسم مونرو، الموصوفة بـ ‘تشيخوف كندا’ على استحياء لكنها فازت، لتضاف إلى قائمة طويلة من الفائزين المجهولين عربيًا.
ليس لمنرو في العربية سوى مجموعة قصصية واحدة صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، ومن يعرف أجر الترجمة في هذه الهيئة الحكومية يعرف أن هذه المصادفة الحسنة لم تأت إلا بسبب الولع الخاص للدكتور أحمد الشيمي مترجم المجموعة.
وسواء كانت الترجمة شبه مجانية، كما في هيئات النشر الحكومية أو شبه مدفوعة كما في دور النشر الخاصة أو مأجورة جيدًا كما في مؤسسات ومشروعات الترجمة الغنية؛ فمعرفتنا بالفكر والإبداع العالميين تتوقف على مصادفات اختيار المترجم الفرد ومدى قدرته الشخصية على الإحاطة بما يصدر في هذه اللغة الأجنبية أو تلك، ولذلك تسقط أسماء مهمة في الإبداع وتسقط موضوعات في الفكر، أو تتحول بعض الأسماء إلى موضة، لأن دور النشر تحب ما جربت رواجه من قبل ولا تريد المغامرة بطرح الجديد باستمرار.
وليس من اللائق بثقافة تبتغي الحياة أن تعلق اتصالها بثقافات العالم على المصادفات.
وإذا افترضنا أن التنسيق بين مؤسسات الترجمة العربية مستحيل ـ وهو ليس كذلك ـ فيكفي أن تتواضع مؤسسات الترجمة وتحدد مجال اهتماماتها في أحد حقول المعرفة، بحيث يمكنها الإحاطة جيدًا بأهم الأعمال المطلوبة ترجمتها في إطار تخصصها، لكن مؤسسات الترجمة العربية تفتح قوسًا واسعًا من الروايات الأكثر مبيعًا إلى الفلسفة، مرورًا بالشعر والخيال العلمي.
وسواء تعلقت هذه السياسة باتساع الطموح أو عشوائية الرؤية والتوجه، فإننا في النهاية لا نستطيع الاطمئنان إلى أن ما نترجمه هو أهم ما يجب أن نقرأه في هذا الحقل المعرفي أو ذاك.
وما يقال عن طموحات ورؤية المؤسسات ينسحب كذلك على طموحات ورؤية المترجمين الأفراد، إذ يتصور البعض أن إتقانه للغة أجنبية يكفيه لكي يكون مترجمًا، كما يتصدى بعض المترجمين لأنواع مختلفة من الكتب، فيكسبوننا إلى جانب القصور في الاختيار قصورًا في توصيل ما تم اختياره!
ربما تشذ عن هذه السنة غير الحسنة المنظمة العربية للترجمة التي تحصر اهتماماتها في الدراسات الإنسانية والفلسفة وتختار مترجمين من أهل الاختصاص، لكن مؤسسة واحدة لا تصنع ربيعًا ثقافيًا. وليست مفاجآت نوبل السنوية إلا دليلاً على عيب ثقافي لا نريد أن نراه.

[2]
________________________________________
Article printed from القدس العربي Alquds Newspaper: https://www.alquds.co.uk
URL to article: https://www.alquds.co.uk/?p=92726
URLs in this post:
[1] Image: https://www.alquds.co.uk/wp-content/uplo ... qpt998.jpg
[2] Image: #
Click here to print.
Copyright © 2013 القدس العربي Alquds Newspaper. All rights reserved.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

أليس مونرو وعالمها القصصي مودي بيطار
الثلاثاء ٨ أكتوبر ٢٠١٣
انطلقت من حياة البلدة الصغيرة لتحيط بالوضع البشري مثل الأميركيين وليم فوكنر وجون أبدايك. لا بالرواية الكبيرة التي حلمت بها، بل بقصص من اثنتين وعشرين صفحة، ثلاث وخمسين صفحة أو سبع وسبعين صفحة. اقتربت الكندية أليس مونرو (83 عاماً) من الرواية الصغيرة، لكنها لم تبلغها. ولم تستطع الكتابة إلا حين توقفت عن التفكير بالرواية الكبيرة. بقيت تكتب سراً وترسل المخطوطات إلى الناشرين لترفض وتعاد إليها. خمسة عشر عاماً تكتب وتُرفض لتكتب وترفض إلى أن جلست في السابعة والثلاثين في مكتبة زوجها. كتبت من دون هاجس هذه المرة، وأحسّت بأنها تقوم بمهمة في عالم حقيقي. حمل البريد ست نسخات من مجموعتها الأولى فذُعرت وخبأتها في الخزانة تحت الدرج. كان عليها الانتظار أسبوعاً لتجد الجرأة على قراءة كتابها وتنتهي راضية، وتصبح كاتبة رسمياً.

قال جوناثان فرانزن إنها أفضل كاتبة قصصية في شمال أميركا، وقارنها جون أبدايك والإنكليزية أ س بايات بتشيكوف وفلوبير. عاشت أسرتها في غيتو مع المهرّبين وبنات الهوى، لكن والدتها شاءت أن تتصرف أليس مثل ليدي، فنبذتها البنات لغرابتها. نفرت من الطبخ والكروشيه، واستعادت في الطريق الطويل إلى المدرسة القصص التي قرأتها، وغيّرتها. «حورية البحر الصغيرة» للكاتب الدنماركي هانز كريستيان أندرسن تتحوّل إنسانة لتحظى بحب الأمير لكنه لا يعشقها فتموت. رفضت أليس التضحية العبثية، وكافأت الحورية العاشقة بنهاية سعيدة. كان عليها في التاسعة أن تضحي وتهتم بالبيت والأم حين أصيبت هذه بمرض باركنسون، لكنها رفضت الشهادة المطلقة. غادرت البيت لتتابع تعلّمها عندما نالت منحة من جامعة وسترن أونتاريو، وتزوجت زميلاً رزقت منه أربع بنات، ثم انفصلا لتتزوج زميلاً آخر.

من أفضل كتّاب القصة «القصيرة» التي يتراجع قراؤها في الوقت الذي تزداد جوائزها. أصدرت أكثر من دزينة مجموعات في نصف قرن، وتراكمت الجوائز عليها. نالت مونرو جائزة مان بوكر الدولية في 2009، وعوّضت عن وصمة المحليّة الضيقة المرتبطة بالأدب النسائي. إحدى شخصيات «سعادة أكثر مما يجب» تقول إن القصة القصيرة «مخيّبة. تبدو كأنها تنقص سلطة الكتاب، وتظهر الكاتب شخصاً يتعلّق بأبواب الأدب بدلاً من أن يستقر داخله». لكن «الروائية» واضحة في كتابتها، فمونرو تبحث دائماً عن غاية ما وسط التشوّش والتشتّت في التفاصيل المعيشة من لحظة إلى أخرى، من يوم إلى يوم. يجب أن تكون هناك مرجعيّة ما لهذه الحياة العبثية سواء قصرت أو طالت. وكما كانت الكتابة الإطار الذي انتظمت حياتها به وسط الأسرة والواجبات التي ضاقت بها، ثمة شكل قاطع تبحث شخصياتها عنه ليعرّف حياتها ويحدّده. لكن، كثيراً ما تغيّر نظرة أو حركة يد هذه الحياة إلى الأبد، ومن دون كلمة واحدة توضح سبب الانفصال الأليم أو تخفّف من وقعه. تأتي الحياة الداخلية أولاً لدى مونرو، وتبقى ملكاً خاصاً من أسباب التكتّم حوله معارضة البوح «النسائي» البغيض. في «الهاربة» ثلاث قصص متّصلة تبدأ في الستينات عن مراحل مختلفة من حياة جولييت، ابنة الحادية والعشرين. في «صدفة» تعمل معلّمة لاتين موقتّة فيما تعدّ أطروحة الدكتوراه، وتتلقى رسالة على عنوان المدرسة كُتب عليها: «جولييت (معلّمة)». كانت من رجل متزوج تعرّفت إليه وجهل اسم أسرتها. يطلب لقاءها في بلدة ريجاينا حيث يقيم ابنه، ويكرّر القول في النهاية: «أفكر بك غالباً». تدرك أن الناس يقولون ذلك بدافع المواساة أو رغبة في إبقاء الآخرين معلّقين، لكنها تنوي تلبية طلبه. في القطار تقابل صياد سمك يخبرها أنه يعتني بزوجته المريضة وعلى علاقة بامرأة. تقصد إريك بعد مدة لتجده انتهى لتوّه من تقبّل العزاء بزوجته، فتتذكّر وهي تنتظره كيف قبّلها في القطار على وجهها وعنقها، وكيف خافت أن يكتشف أنها في «نزفها الشهري» فقالت إنها عذراء. يضحك ويتركها فجأة كأنهما التقيا بالصدفة، وتحنق من غبائها وهي تفكر أن عذريتها لم تقف في طريق الرغبة في ويليس بارك.

في «قريباً» التي تدور في 1969 تحمل جولييت طفلتها من إريك لتزور أهلها. يطلب منها والدها النزول في المحطة السابقة لمحطة البلدة المغلقة. تدرك أنه كذب عليها لدى وصولها خجلاً من إنجابها من دون زواج، فتُحبط وتغضب. تكتشف أن المعلّم بات يعمل في توزيع السلع على الحوانيت، وأنه استقال بعدما سمع ثرثرة عنها. تنام من دون أن تغلق الستارة، فيسقط ضوء الليل على وجهها. تتمنى لو شربت قليلاً من الويسكي («إذاً تشربين الآن؟» قال والدها). تفكر أنها لا تستطيع الانتظار لتعود إلى البيت، وتعرف أن المنزل الذي تنام فيه الآن ليس بيتها. تعود مونرو إلى جولييت في «صمت» بعد وفاة إريك وارتباطها بأكثر من علاقة. في السادسة والأربعين الآن، تقدّم برنامجاً تلفزيونياً يوفّر لها الشهرة. تلجأ ابنتها بينيلوبي، التي نشأت بلا دين وباتت في الحادية والعشرين، إلى مركز روحي من دون أن تعلم أمها. تحس جولييت بأن موقف ابنتها يضعفها، وبعدما كانت بينيلوبي ترسل لها في عيد ميلادها هي بطاقة بريدية تكتم فيها عنوانها تتوقف دفعة واحدة عن كل أنواع الاتصال. بعد أعوام تلتقي جولييت صديقة طفولتها هيذر التي تخبرها أنها رأت بينيلوبي مع اثنين من أطفالها الخمسة. تزوجت ابنتها إذاً أو ساكنت، ولم تمضِ حياتها في التأمل تعويضاً عن حرمانها الدين. استنتجت من كلام هيذر أن بينيلوبي ميسورة، ومهملة لمظهرها. تعترف بأنها عاشت كأم بلا روادع أو احتشام أو ضبط للنفس، وتفكر أنها فقدت ابنتها وإن كانت لا تزال تأمل في عودة الصلة بينهما من دون أن تنهك نفسها.

لم يأتِ العمر بالنقصان، واحتفظت مونرو برفعة الكتابة في سبعيناتها. هجست بالبدايات والفرص الثانية في «الهاربة» و «المشهد من كاسل روك» التي استرجعت فيها هجرة أجدادها الاسكتلنديين إلى شمال أميركا في أوائل القرن التاسع عشر. في 1818 يركب الأرمل جيمس لَدلو الباخرة مع ثلاثة من أولاده إلى نوفا سكوتيا، كندا، التي يبلغها بعد ستّة أسابيع. يكتب عن الرحلة إلى أحد أولاده الباقين في الوطن السابق، ويغضب حين ترد رسالته حرفياً في مجلة. استندت مونرو إلى وثائق عدة كانت بينها يوميات وليم، أصغر الأولاد، عن الرحلة.

أمضت أكثر من عقد تبحث في السجلات العامة الاسكتلندية، والأوراق الخاصة وواجهت تناقضات في الكتابة الوثائقية، لا لاختلاف الشهادات حول الأمر الواحد فحسب، بل أيضاً لحيرتها في تناول ما يخصّها وما لا يخصّها. قالت إن مجموعة «المشهد من كاسل روك» تهتم بالحقيقة أكثر مما يفعل القصّ عادة «لكن، ليس ما يكفي لكي أقسم على ذلك». بنى جدودها «حياة مترهّبة خالية من النعمة أو لحظات التسامي» واكتشفوا سريعاً أن أرض الأحلام أيضاً كدح وفقر ومرض وموت. كان هناك كاتب في كل جيل، منهم راعي غنم ووالدته التي حفظت الأغاني الشعبية واستعان السير وولتر سكوت بها حين جمع «أغاني حدود اسكتلندا»، فاستاءت لأن هذه كانت للغناء لا للطباعة. والد الكاتبة ألّف رواية عن حياة الروّاد، واقتنعت والدتها التي اعتقدت أن الكتابة هي الخط، بأنه أفضل من أليس. عمل حارساً ليلياً وأنشأ مزرعة ثعالب ليبيع فراءها. في مجموعة «منجرف» تبوح برأي الأب فيها: «استطعت أن أسمعه يقول «حسناً، لم أقرأ عنك شيئاً في ماكلينز». حتى لو قرأ كان سيقول: «حسناً، لم يعجبني ما قرأته كثيراً». كان سيقول ذلك بنبرة مرحة، متسامحة، لكنه كان سيترك لديّ وحشة الروح الأليفة. كانت رسالته واضحة: عليك أن تكافحي لتنالي الشهرة ثم تعتذري عنها، وستلقين اللوم سواء حصلت عليها أم لا».

تؤرّخ العلاقات للزمن النسائي قبل تحرّر الستينات وبعده. يرفض جيل الأمهات اقتراب الأزواج منهن بعد مرضهن أو تعاطي الرجال الكحول، لكن بناتهن يعتبرن المتعة في الفراش من واجبات الشريك. لا يتناول أدب مونرو «النسائي» حياة النساء والأطفال وإن كانوا أبطالها غالباً. لا نعرف ما إذا كانت رجلاً أو امرأة من نصّها، ويبقى هاجسها استبطان العمق الإنساني في ظلمته ونورانيته. تحضّر لحركة شخصياتها بمناخ روائي يتجنّب الحوار غالباً، على رغم براعتها فيه، ليمنح الأولوية للمونولوغ. في «حب امرأة طيبة» تعتني الممرضة إيند بزوجة زميل مدرسة سابق، وتقرّب رعاية طفلتيه وحلّ الكلمات المتقاطعة بينهما. تخبرها مسز كوين أن الطبيب تحرّش بها فقتلته مع زوجها. تنوي إيند إخبار الشرطة ثم تحلم بأنها تنام مع والدتها وأطفال ومرضى ممضّدين فتعيد التفكير. إذا كان لا وعي الأصحاء ينتج هذه الأحلام المثيرة للاشمئزاز، لا غرابة في أن تحلم مريضة أنها ارتكبت جريمة. تنتهي بعشق كوين، الذي نهرته في المدرسة، بعد وفاة زوجته.

في «حلم أمي» تتقاطع الحياتان الداخلية والخارجية، ويثير حب طفلة صراع الأمومة بين والدتها وعمّتيها. تعيش شابة إرلندية مع شقيقتي زوجها الوسيم بعد مقتله في آخر الحرب العالمية الثانية. ضحّت الشقيقتان بفرصة العلم وصحّة أسنانهما من أجله، وعوّضت إيونا، إحداهما، عن خسارته بالاستئثار بالاهتمام بطفلته التي تنفر من والدتها. تحلم أرملته بأنها تركت طفلتها في الثلج خارج البيت، وحين تزور الشقيقتان قريبة تسكن بعيداً من القرية يدفع صراخ الطفلة المستمر الأم إلى إعطائها حبّة للنوم بالخطأ، وتظنّها إيونا ميتة فتسكب غيرتها ظلماً وعدواناً. في «أتى الدب عبر الجبال» تصاب فيونا بالزهايمر بعد نصف قرن من الزواج. يتألم غرانت، زوجها، حين تصادق نزيلاً في المصح وتدعوه «قلبي العزيز»، ثم توجعه معاناتها حين يعود أوبري إلى بيته. يحاول غرانت إقناع زوجة أوبري باصطحابه إياه لزيارة فيونا في المصح، فترفض. ينام معها فتقبل لكن فيونا تكون قد نسيت أوبري عندما يصحبه زوجها لزيارتها.
alhayat.com
Printed from
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

[align=left]صورة

Munro is one of those writers who, no matter how popular her books are, is our writer. This may have to do with the frank intimacy of her tone, which is stripped of ornament and fuss, yet also, in its plainness, contains huge amounts of terrible, sublime, and contradictory feeling. It may have to do with the fact that she writes mostly about women who want to escape some kind of confinement, who are hungry for experience above all else, and who attain it at a dear price, so that we can read about it. They are elegant, wry, determined women. They are also subversives, and because they allow us into their lives, we’re dusted with their secret glamor.

https://www.newyorker.com/online/blogs/b ... nobel.html
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
محمد عبد الجليل الشفيع
مشاركات: 155
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 11:11 am

مشاركة بواسطة محمد عبد الجليل الشفيع »

كتب أسامة الخواض:

لكن لاحظا لا أحد سوى "حفنة" و "شرذمة" من القراء مثلي،
يهتم بأمر جلل مثل هذا
---------------------------------------------------
كيف يا اسامه الكلام ده .. (خيط جلل) وكتابة جليلة تمتع
وتضيف .. ياخي أنا مثلاً شاب في الثامنة والخمسين من عمري
(شهادة تسنين) ظللت مرابطاً طوال هذا العيد مع مونرو، ومرات أعمل
(برنت أوت) لزوم التعمق، وبفضل هذا الخيط أصبحت مونرو من
أصدقائي المقربين جداً، تجي تقول لي (يموت من الصد عشاقها)
ثم
كل ما ينقش على صدر هذا المنتدى سيظل باقياً ونحنا كان ما
جينا (بينتظر الصغيرين) ..

واصلوا بذر الكتابة الحقة حتى مطلع الفجر، فالحاجز الذي يحد
اللطافة يتقهقر باستمرار


والعيد مبارك عليكم وعلى كل اليكتبون ليقودوا السفينة نحو
الأعمق.
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

"واصلوا بذر الكتابة الحقة حتى مطلع الفجر، فالحاجز الذي يحد
اللطافة يتقهقر باستمرار"



محمد عبد الجليل الشفيع



هذا كلاٌمٌ من نفس مُطَمْئِنَة وفيه تشجيع كبير لليكتبون، عن روحٍ.



[align=left]إبراهيم جعفر
صورة العضو الرمزية
عدنان زاهر
مشاركات: 287
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:52 pm

رد

مشاركة بواسطة عدنان زاهر »

سلام عادل السنوسى و المتداخلين بالاضاءات و الاضافات على هذا البوست.عيدكم سعيد.

الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

عادل السنوسي كتب:

"فكل ميسر لما خلق له"

دي سلفية حتمية ولا تقدم للخلف ياعادل ؟؟؟

ياجماعة السلف دا ما كلو صالح ... انتقوا عباراتكم منه يرحمكم الله ... نصوص السلف فيها ألغام كفاية حتوديكم الآخرة وانتو احياء حتى لا تناضلون

The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

Re: رد

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

عدنان زاهر كتب:سلام عادل السنوسى و المتداخلين بالاضاءات و الاضافات على هذا البوست.عيدكم سعيد.


__________________

سلام يا عدنان يا زاهر . اسعدني مرورك وكل عام و انت بخير . قرأت لك ربما قصتين او أكثر، ولا ادري هل هذا تقصير مني ام انت مقل ؟ و هل يا تري نجحت في ضم مجموعة في كتاب ؟ يهمني ان اعرف ، فلدي اهتمام و شغف بالقصة القصيرة لا حد له .

سلام يا هاشمي وتيك ات ايزي ياخي ، بي ايزي . معقولة دي : بدوي سنوسي/ و سلفي ؟!!! هيهات !

ليتك يا هاشمي ترفد هذا الخيط ببعض اخبار مواطنتك صاحبة الجائزة ، وكيف كان وقع خبر نيلها للجائزة علي الأوساط الثقافية الكندية .

ابراهيم جعفر مر هنا، و لكن اين انت يا سيدي الحسن البكري ؟
أسامة الخواض
مشاركات: 962
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:15 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة أسامة الخواض »

كتب الصديق محمد عبد الجليل الشفيع الآتي:

كيف يا اسامه الكلام ده .. (خيط جلل) وكتابة جليلة تمتع
وتضيف .. ياخي أنا مثلاً شاب في الثامنة والخمسين من عمري
(شهادة تسنين) ظللت مرابطاً طوال هذا العيد مع مونرو، ومرات أعمل
(برنت أوت) لزوم التعمق، وبفضل هذا الخيط أصبحت مونرو من
أصدقائي المقربين جداً، تجي تقول لي (يموت من الصد عشاقها)

يا محمد،البلاد التي يموت فيها "من الصد عشاقها"،

أيضا يموت فيها "من الفقد كتّاب سيرتها"،

و هذا واقع مر، لكن يجب الاعتراف به.

المجتمع الذي لا يستطيع فيه "الكاتب"،في القرن الواحد و العشرين،أن يصدر "بطاقة شخصية"،مكتوب فيها تحت خانة "المهنة":كاتب،على الأقل لا يعطي للكتابة أهمية تليق بها،هذا إن لم يكن يزدريها،لأسباب تتنوع من مجتمع إلى آخر،و ليس هنا مجال الحديث عنها.

كن بخير دائما ،و كل عام و انت بخير.
أسامة

أقسم بأن غبار منافيك نجوم

فهنيئاً لك،

وهنيئاً لي

لمعانك.

لك حبي.



16\3\2003

القاهرة.

**********************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4975
محمد عبد الجليل الشفيع
مشاركات: 155
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 11:11 am

مشاركة بواسطة محمد عبد الجليل الشفيع »

ريثما يعود العاملون على هذا الخيط من سبأ بإحدى القصص
التي بوأت منرو هذا المقام العصي .. يتواصل التحريض


كتب أسامة الخواض:

المجتمع الذي لا يستطيع فيه "الكاتب"، في القرن الواحد
والعشرين،أن يصدر "بطاقة شخصية"،مكتوب فيها تحت خانة
"المهنة":كاتب،على الأقل لا يعطي للكتابة أهمية تليق بها،
هذا إن لم يكن يزدريها،لأسباب تتنوع من مجتمع إلى آخر،
وليس هنا مجال الحديث عنها.
------------------
كتب أحد أقاربي قصيدة مفعمة بالسخرية سقط غالبها من ذاكرتي
المثقوبة بالهزائم البلا ثمن ..أذكر منها قوله:

عشنا وشفنا
الكان عشا البايتات يجوع

وبالنسبة لي فقد عشت وشفت كتاباً ومبدعين أضطروا لقبول
أن يكتب في خانة المهنة: (عامل تربية مواشي) لزوم المخارجة
من الوطن (الحبيب) للعمل في الخليج .. والراحل حميد يتساءل:
بعد ده وطن؟!
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

خطأ انحرف بالصفحة ..
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

عثرت علي هذه القصة بين دفتي كتاب( The Best American Short Stories of The Century) المترجم عن الإنكليزية بواسطة المترجم الاردني فؤاد السروجي، والصادر عن دار الفارس للنشر والتوزيع/عمان ،ص.ب:9157 عمان/ الاردن-الطبعة الأولي 2003 ، الكتاب ضخم ، يكتمل علي 1007 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي علي 55 قصة قصيرة مرتبة حسب تاريخ صدورها بدءً من عام 1915 وحتي عام 1999 ، أي من بنجامين روزنبلاط ، مرورا ًب شيروود اندرسون ووليام فوكنر و ف .سكوت فيتزجيرالد و وفيليب روث و وليام سارويان وسوزان سونتاغ، وحتي تينسي وليامز واني برونكس واليس مونرو . يستهل الكتاب ب مقدمتين حررهما جون ابدايك و كاترينا كنيسون، مع ملحق في مؤخرة الكتاب يحتوي علي نبذة قصيرة عن كل كاتب .

توجد نبذة قصيرة كذلك عن العجوز صاحب السمكة الكبري ارنست همنجواي، ولكن لا يرد في الصفحات اي من قصصه القصيرة (!)

ما أدهشني أيضاً هو ان الكتاب لم يشتمل علي أي من قصص صاحب اللؤلؤة ( The Pearl) جون شتاينبك العظيم ،الأمر الذي ذكرني ما كان من الأديب الراحل علي المك ، حيث لم يضمن كتابة " مختارات من الأدب السوداني" لأي من قصص عثمان الحوري في الكتاب المذكور، رغم ان موقع عثمان في فضاء القصة القصيرة السودانية ،هو موقع جي دي موباسان في مثيلتها الفرنسية !

في قصة " نمر مينيستونغ" تلج اليس مونرو في حياة كاملة لإمرأة مهاجرة من كنغزتون، لتعيش في أونتاريو في العهد الفيكتوري. أعتقد ان كنغزتون هي عاصمة جمايكا .

في التعريف بالقاصة اورد مقدم الكتاب مجرد السطور التالية:

- أليس مونرو ( 1931 - ) ، من سكان أنتاريو نالت جائزة حاكم كندا العام، وقامت بتأليف العديد من المجموعات القصصية التي شملت " ماذا تظن نفسك " و " أقمار جوبيتر " و " رقصة الظلال السعيدة " و " أسرار مكشوفة " و " صديق شبابي " و " تقدم الحب " . و " خادمة الشحاذ " و " قصص فلو و روز " . وقد صدر لها حديثاً القصص المختارة لأليس مونرو .

ولكن المحرر وصف الكاتبة بأنها صاحبة رؤية شاملة .
________________________________

اليس مونرو
نمر مينيستونغ
1

كان اسم الكتاب مقدمات، وقد كتب بأحرف مذهبة علي غلافه الأزرق، وجاء اسم الكاتبة "الميدا جوينت روث". وهي التي تسميها جريدة فيديث المحلية "شاعرتنا". في اسفل الصفحة، فيما يبدو انه مزيج، من الإحترام والإزدراء سواء، لتسميتها او لجنسها. أو للوضع المتوقع من كلا الأمرين، في مقدمة الكتاب صورة، مع اسم المصور في زاوية واحدة، وتاريخ أخذ الصورة 1865 وتاريخ النشر 1873.
كان للشاعرة وجه طويل، وأنف طويل أيضاً وعينان داكنتان ممتلئتان تبدوان كأنهما ستسقطان علي خدها. مثل دمعتين عملاقتين، أما شعرها الأسود فيتدلي علي وجهها باسترخاء، وتتوسطه خصلة بيضاء، رغم أن عمرها لم يتجاوز الخامسة والعشرين. لم تكن جميلة، ولكنها كانت تبدو متناسقة وذات شباب مديد، كانت ترتدي ثوباً غامق اللون مزيناً، وكثير الثنيات تغلب عليه الحواشي البيضاء، علي شكل حرف (V ) عند الرقبة، إضافة الي قبعة مخملية داكنة، تتناسب مع لون الثياب. كانت تلك القبعة "البيريه" هي التي تجعلني ألمس نواياها الفنية، أو علي الأقل ذلك التطرف العنيد، والخجول في تلك الشابة. كما كانت رقبتها الطويلة، ووجهها المائل الي الأمام، مؤشرات تدل كلها علي نحولها وطولها وصعوبة مراسها. كانت تبدو من الخصر فما أعلي، كأنها شريف شاب من شرفاء القرون الأولي.
ربما كانت هذه هي الموضة السائدة، في تلك الأيام في عام 1854 كتبت في مقدمة كتابها : أحضرنا والدي أنا وأمي وأختي كاترين وأخي وليام إلي براري كندا الغربية. " كما كانت تظهر في ذلك الزمان". كان والدي يعمل في تجارة أطقم الأفراس. ولكنه كان رجلاً مهذباً، يحفظ الإنجيل عن ظهر قلب كذلك كتابات شكسبير وادموند بيرك.
وقد حالفه الحظ في تلك البلاد الجديدة، استطاع ان يؤسس دكاناً لبيع أطقم الأفراس، والبضائع الجلدية الأخري كما استطاع بعد عام أن يبني لنا البيت الذي أعيش فيه، أنا اليوم وحيدة. كان عمري 14 سنة، وكنت أكبر أخوتي عندما وصلنا الي هذه البلاد، قادمين من كنغزتون وهي البلدة التي لم أعد إليها أبداً، رغم أني ما أزال أتذكرها وأتذكر شوارعها الأنيقة.
كان عمر أختي 11 سنة وأخي 9 سنوات . في الصيف الثالث لنا في هذه البلاد، ضربت الحمي جسدي أخي وأختي، وماتا بفارق عدة أيام وقد أثرت هذه الضربة، التي ألمت بعائلتنا علي معنويات والدتي. وظلت صحتها تتدهور حتي قضت نحبها بعد ثلاث سنوات. أصبحت بعد ذلك أرعي شؤون البيت لوالدي، لمدة اثنتي عشرة سنة، حتي توفي صباح أحد الأيام داخل دكانه.
كنت مولعة بالشعر منذ سنيني الأولي. وقد كنت ألهي نفسي بنظم الشعر، وأريح أحزاني، التي لم تكن تختلف عن تلك التي يعانيها أيّ من ساكني هذه الأرض. رغم أني كنت أبذل جهداً شاقاً، في كتابتها. لم تكن أصابعي مصقولة بعد، علي تلك المنتجات الشعرية الباهرة التي نجدها اليوم.
كانت تلك الصور الشعرية العميقة، بعيدة عن قدراتي لذلك اكتفيت بكتابة بعض الأبيات الجافة والقصائد القصصية، وبعض الأشعار الغنائية و التأملات. وهذه هي عناوين بعض قصائدي: الأطفال وهم يلعبون، معرض الغجر، زيارة إلي عائلتي، ملائكة الثلج، شامبلين، في فم مينسيتونغ، رجل الغابة القديمة واللحن الجنائني.
كانت هناك بعض القصائد القصيرة، التي تحكي عن الطيور والأزهار البرية والعواصف الثلجية.إضافة إلي بعض الشعر الهزلي، حول الأفكار التي تخطر علي بال الناس، خلال استماعهم إلي خطبة كنائسية.
- " الأطفال وهم يلعبون"، كانت الكاتبة وهي طفلة، تلعب مع أختها وأخيها، إحدي الألعاب، التي يحاول فيها الأطفال القبض علي بعضهم البعض، كانت تلك الطفلة تلعب وقت الغروب، عند احمرار الشفق وتدرك بعد ذلك أنها كبرت في السن، وأصبحت وحيدة، وتسمع أصوات أخيها وأختها وهما يناديانها، تعالي تعالي، دعي ميدا تأتي ( ربما كانت الميدا تدعي ميدا، في العائلة وقد تم اختصار الاسم لتلائم القصيدة).
- "معرض الغجر" كان للغجر مخيم قرب البلدة، يتبادلون فيه بيع الثياب والحلي، كانت الكاتبة طفلة تخاف أن يسرقها الغجر من عائلتها، إلا أن عائلتها قد سرقت منها، لم تتمكن من معرفة مكان الغجر والتفاوض معهم.
- " زيارتي لعائلتي" هي زيارة للمقبرة وحوار في اتجاه واحد.
" ملائكة الثلج" قامت الكاتبة بتعليم أخيها وأختها، صناعة الملائكة من خلال الإستلقاء في الثلج، وتمرين أيديهم علي أشكال تشبه الأجنحة.
كان أخوها يقفز بدون انتباه، حتي أنه كسر جناح أحد الملائكة.
هل سيعاد تركيب جناح له في الجنة، أو إنه سيطير بشكل مؤقت في دوائر؟
"شامبلين علي مصب المينيستونغ" : تمجد هذه القصيدة، الإعتقاد الشعبي الزائف، بأن مكتشف النهر، أبحر عبر الشاطئ الشرقي لبحيرة هيرون، ونزل عند المصب الرئيسي للنهر.
"رحيل الغابة القديمة" : لائحة بجميع أنواع الأشجار بأسمائها ومظهرها، واستعمالاتها والتي تم قطعها من الغابة الأصلية مع وصف عام للدببة والذئاب و النسور والغزلان، وطيور الماء التي تعيش فيها.
"اللحن الجنائني": وقد خطط لهذه القصيدة، لتكون رفيقة لقصيدة الغابة، وهي عبارة عن قائمة بأسماء النباتات، التي جلبت من البلدان الأوربية، مع نبذة تاريخية وخلفية عن النباتات الكندية الحديثة التي نتجت منها. وقد كتبت القصائد بشكل ثنائيات ورباعيات. وكان هناك محاولتان علي شكل سوينتات، ولكن مع بساطة في نظم القوافي. أما القافية المستخدمة فتسمي قافية ذكرية رغم وجود بعض القوافي الأنثوية، بينها كما لم يكن، هناك قصيدة واحدة ليست مقفاة.

يستتبع ...
ياسر زمراوي
مشاركات: 1359
اشترك في: الاثنين فبراير 05, 2007 12:28 pm

مشاركة بواسطة ياسر زمراوي »

مقال من مجلة الكلمة عن اليس مونرو

https://www.alkalimah.net/article.aspx?aid=5886
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

نمر مينيستونغ / أليس مونرو

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

اليس مونرو
نمر مينيستونغ

1

كان اسم الكتاب مقدمات، وقد كتب بأحرف مذهبة علي غلافه الأزرق، وجاء اسم الكاتبة "الميدا جوينت روث". وهي التي تسميها جريدة فيديث المحلية "شاعرتنا". في أسفل الصفحة، فيما يبدو أنه مزيج من الإحترام والإزدراء سواء، لتسميتها أو لجنسها. أو للوضع المتوقع من كلا الأمرين، في مقدمة الكتاب صورة، مع اسم المصور في زاوية واحدة، وتاريخ أخذ الصورة 1865 وتاريخ النشر 1873.
كان للشاعرة وجه طويل، وأنف طويل أيضاً وعينان داكنتان ممتلئتان تبدوان كأنهما ستسقطان علي خدها. مثل دمعتين عملاقتين، أما شعرها الأسود فيتدلي علي وجهها باسترخاء، وتتوسطه خصلة بيضاء، رغم أن عمرها لم يتجاوز الخامسة والعشرين. لم تكن جميلة، ولكنها كانت تبدو متناسقة وذات شباب مديد، كانت ترتدي ثوباً غامق اللون مزيناً، وكثير الثنيات تغلب عليه الحواشي البيضاء، علي شكل حرف (V ) عند الرقبة، إضافة الي قبعة مخملية داكنة، تتناسب مع لون الثياب. كانت تلك القبعة "البيريه" هي التي تجعلني ألمس نواياها الفنية، أو علي الأقل ذلك التطرف العنيد، والخجول في تلك الشابة. كما كانت رقبتها الطويلة، ووجهها المائل الي الأمام، مؤشرات تدل كلها علي نحولها وطولها وصعوبة مراسها. كانت تبدو من الخصر فما أعلي، كأنها شريف شاب من شرفاء القرون الأولي.
ربما كانت هذه هي الموضة السائدة، في تلك الأيام في عام 1854 كتبت في مقدمة كتابها : أحضرنا والدي أنا وأمي وأختي كاترين وأخي وليام إلي براري كندا الغربية. " كما كانت تظهر في ذلك الزمان". كان والدي يعمل في تجارة أطقم الأفراس. ولكنه كان رجلاً مهذباً، يحفظ الإنجيل عن ظهر قلب كذلك كتابات شكسبير وادموند بيرك.
وقد حالفه الحظ في تلك البلاد الجديدة، استطاع ان يؤسس دكاناً لبيع أطقم الأفراس، والبضائع الجلدية الأخري كما استطاع بعد عام أن يبني لنا البيت الذي أعيش فيه، أنا اليوم وحيدة. كان عمري 14 سنة، وكنت أكبر أخوتي عندما وصلنا الي هذه البلاد، قادمين من كنغزتون وهي البلدة التي لم أعد إليها أبداً، رغم أني ما أزال أتذكرها وأتذكر شوارعها الأنيقة.
كان عمر أختي 11 سنة وأخي 9 سنوات . في الصيف الثالث لنا في هذه البلاد، ضربت الحمي جسدي أخي وأختي، وماتا بفارق عدة أيام وقد أثرت هذه الضربة، التي ألمت بعائلتنا علي معنويات والدتي. وظلت صحتها تتدهور حتي قضت نحبها بعد ثلاث سنوات. أصبحت بعد ذلك أرعي شؤون البيت لوالدي، لمدة اثنتي عشرة سنة، حتي توفي صباح أحد الأيام داخل دكانه.
كنت مولعة بالشعر منذ سنيني الأولي. وقد كنت ألهي نفسي بنظم الشعر، وأريح أحزاني، التي لم تكن تختلف عن تلك التي يعانيها أيّ من ساكني هذه الأرض. رغم أني كنت أبذل جهداً شاقاً، في كتابتها. لم تكن أصابعي مصقولة بعد، علي تلك المنتجات الشعرية الباهرة التي نجدها اليوم.
كانت تلك الصور الشعرية العميقة، بعيدة عن قدراتي لذلك اكتفيت بكتابة بعض الأبيات الجافة والقصائد القصصية، وبعض الأشعار الغنائية و التأملات. وهذه هي عناوين بعض قصائدي: الأطفال وهم يلعبون، معرض الغجر، زيارة إلي عائلتي، ملائكة الثلج، شامبلين، في فم مينسيتونغ، رجل الغابة القديمة واللحن الجنائني.
كانت هناك بعض القصائد القصيرة، التي تحكي عن الطيور والأزهار البرية والعواصف الثلجية.إضافة إلي بعض الشعر الهزلي، حول الأفكار التي تخطر علي بال الناس، خلال استماعهم إلي خطبة كنائسية.
- " الأطفال وهم يلعبون"، كانت الكاتبة وهي طفلة، تلعب مع أختها وأخيها، إحدي الألعاب، التي يحاول فيها الأطفال القبض علي بعضهم البعض، كانت تلك الطفلة تلعب وقت الغروب، عند احمرار الشفق وتدرك بعد ذلك أنها كبرت في السن، وأصبحت وحيدة، وتسمع أصوات أخيها وأختها وهما يناديانها، تعالي تعالي، دعي ميدا تأتي ( ربما كانت الميدا تدعي ميدا، في العائلة وقد تم اختصار الاسم لتلائم القصيدة).
- "معرض الغجر" كان للغجر مخيم قرب البلدة، يتبادلون فيه بيع الثياب والحلي، كانت الكاتبة طفلة تخاف أن يسرقها الغجر من عائلتها، إلا أن عائلتها قد سرقت منها، لم تتمكن من معرفة مكان الغجر والتفاوض معهم.
- " زيارتي لعائلتي" هي زيارة للمقبرة وحوار في اتجاه واحد.
" ملائكة الثلج" قامت الكاتبة بتعليم أخيها وأختها، صناعة الملائكة من خلال الإستلقاء في الثلج، وتمرين أيديهم علي أشكال تشبه الأجنحة.
كان أخوها يقفز بدون انتباه، حتي أنه كسر جناح أحد الملائكة.
هل سيعاد تركيب جناح له في الجنة، أو إنه سيطير بشكل مؤقت في دوائر؟
"شامبلين علي مصب المينيستونغ" : تمجد هذه القصيدة، الإعتقاد الشعبي الزائف، بأن مكتشف النهر، أبحر عبر الشاطئ الشرقي لبحيرة هيرون، ونزل عند المصب الرئيسي للنهر.
"رحيل الغابة القديمة": لائحة بجميع أنواع الأشجار بأسمائها ومظهرها، واستعمالاتها والتي تم قطعها من الغابة الأصلية مع وصف عام للدببة والذئاب و النسور والغزلان، وطيور الماء التي تعيش فيها.
"اللحن الجنائني": وقد خطط لهذه القصيدة، لتكون رفيقة لقصيدة الغابة، وهي عبارة عن قائمة بأسماء النباتات، التي جلبت من البلدان الأوربية، مع نبذة تاريخية وخلفية عن النباتات الكندية الحديثة التي نتجت منها. وقد كتبت القصائد بشكل ثنائيات ورباعيات. وكان هناك محاولتان علي شكل سوينتات، ولكن مع بساطة في نظم القوافي. أما القافية المستخدمة فتسمي قافية ذكرية رغم وجود بعض القوافي الأنثوية، بينها كما لم يكن، هناك قصيدة واحدة ليست مقفاة.[font=Arial] [b][b]
آخر تعديل بواسطة عادل السنوسي في الاثنين نوفمبر 25, 2013 9:58 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

11
ورود بيضاء باردة كالثلج
تزهر حيث تنام الملائكة
هل تستريح في الأسفل
أم تطير في جنات الله.

عام 1879 كانت الميدا روث، ماتزال تعيش في ذلك البيت، المقام علي ملتقي زاويتي شارع بيرل وشارع دوفرين. وهو البيت نفسه، الذي بناه والدها لعائلته. ما يزال البيت موجوداً حتي تاريخ اليوم، ويعيش فيه صاحب حانوت لبيع الخمرة، وقد غطي الألومنيوم جانبيه اليوم واستبدلت شرفته الواسعة، برواق داخلي كما اختفت بواباته وسياجه وسقيفة الحطب، والحظيرة والكنيف. وبقيت صورة للبيت أخذت عام 1888 تظهر كل هذه الملاحظات.
كان البيت والسياج يبدوان في حالة رثة، وبحاجة ماسة الي الطلاء، ولكن ربما كان ذلك بسبب نوعية تلك الكتب القديمة، التي تبدو بنية اللون وكالحة. وكانت برادي النوافذ تبدو معقودة بإحكام كأنها عيون بيضاء. ولم يكن هناك اي شجرة مظللة في الصورة، وفي الحقيقة، فقد هزلت أشجار الدردار الطويلة التي كانت تظلل البلدة، وحتي اليوم، وتم إحاطتها بأسيجة غليظة لحمايتها من الأبقار.
وقد أصبح المكان مكشوفاً بدون حماية هذه الأشجار، ما أصبحت الساحات الخلفية للمنازل، ومناشر الغسيل، وأماكن تجميع الحطب والسقائف والحظائر والمراحيض الخارجية، مكشوفة ومعرضة لأنظار المارة.
كما بقيت بعض المنازل محافظة، وعلي بقايا ساحات عشبية علي شكل بقع نباتية وكثبان صغيرة وجروف ترابية، أو ربما بعض أزهار البيتونيا الموضوعة في قوارير مستديرة، والتي تنمو بها أصول الأشجار المتبقية بعد قطعها.
وحده الشارع الرئيسي كان مفروشاً بالحصي، أما باقي الشوارع فكانت ترابية، قذرة تتحول الي طينية، أو مغبرة حسب الفصل من السنة. وكانت الساحات مسيجة لحمايتها من الحيوانات، أما الأبقار فكانت ترعي مقيدة في الأماكن المهجورة، أو تترك لترعي في الساحات الخلفية، وكان بعضها يفلت خارج تلك الساحات. وكذلك الخنازير. وظلت الكلاب تحوم حرة طليقة، تغفو بكبرياء علي الطرق والممرات الجانبية. أصبح للبلدة جذور، ولم يعد بالإمكان اقتلاعها رغم انها ظلت في بعض أوجهها محافظة علي طابع المخيم وخاصة مع تواصل الإزدحام فيها طوال الوقت. فقد كانت البلدة تضج بالبشر والحيوانات في كل اتجاه، وحتي ان السيدات كن يجبرن علي ثني اثوابهن لتفادي روث الأبقار والخنازير والكلاب المنتشر في كل مكان. كانت أصوات البناء و السائقين والقطارات التي تصل عدة مرات في اليوم تملأ المكان ضجيجاً وصخباً.
قرأت عن هذه الحياة في مجلة فيديت.
كانت أعمار السكان أصغر مما هي عليه الآن، أو ربما مما ستكون في المستقبل. ولم تكن تلك الاماكن الجديدة تجذب أشخاص فوق الخمسين. كانت الطيور قد بدأت تظهر في مقبرة البلدة، والتي كانت في معظمها لأشخاص ماتوا وهم في عمر الشباب. وكان العنصر الشبابي هو الغالب علي البلدة، فالأطفال والأولاد كانوا يجوبون الشوارع علي شكل عصابات، وكان التعليم إلزامياً لأربعة أشهر من السنة. إضافة الي العديد من الأعمال التي كان علي الأطفال من أعمار الثمانية او التسع أن يقوموا بها، مثل الإمساك بالخيول، أو سحب خيوط الكتان، أو تنظيف معابر الحوانيت. ولكن هؤلاء كانوا يقضون فترة طويلة من وقتهم في البحث عن مغامرات، فقد يقومون بمطاردة إمرأة عجوز سكيرة تكني بالملكة أجي. كانوا يضعونها في عربة ذات عجلات تجر باليد ويدورون بها حول المدينة، ثم يلقونها في حفرة حتي تصحو. وكانوا يقضون وقتاً كثيراً حول محطة سكة الحديد، ويقفزون علي العربات المتنقلة، أو يتحركون بينها متحدين بعضهم البعض في مغامرة او مخاطرة كانت تؤدي في بعض الأحيان الي مقتل بعضهم، أو اصاباتهم بعاهات مستديمة.
كانوا يراقبون الغرباء الذين يفدون الي البلدة ويلاحقونهم ويعرضون عليهم حمل حقائبهم وإرشادهم الي فندق قريب او مناسب، مقابل خمسة سنتات. أما الغرباء الذين لم يكن تظهر عليهم مظاهر الترف، فكانوا يتعرضون للسخرية والمهانة والتشكيك. يتجمعون حولهم كالذباب، يتساءلون هل جاءوا الي البلدة بقصد بدء عمل جديد، أو لإقناع الناس باستثمار اموالهم في خطة معينة، أو لبيع العلامات والألعاب السحرية، أو لإلقاء المواعظ علي زوايا الطرق. كل هذه الأحداث كانت تقع في اي يوم من أيام الإسبوع.
"كونوا علي حذر" كانت الفيديت تقول للناس. فهذه الأيام هي أيام الفرص، والأخطار والطرق التي تعج بالمتسولين والمحتالين و النشالين والمشبوهين واللصوص، وكذلك القطارات. وقد انتشرت السرقات وضاعت اموال كثيرة، مستثمرة بين ايدي المحتالين. وكم سرقت ملابس من مناشر الغسيل، او حطب من أماكن تجميع الحطب، أو بيض من بيوت الدجاج.
وكانت هذه الأحداث، ترتفع كلما ارتفعت حرارة الطقس.
فقد كان الطقس الحار يجلب الحوادث ايضاً، وترتفع نسبة الخيول الجامحة، وتزداد كمية الحشرات، لتنتشر الحوادث العارضة، مثل تلك التي تعلق فيها الأيدي في بالات عصر الغسيل، أو ان يبتر الرجال أيديهم في المناجر، أو يقتل أطفال بعد وقوع ألواح خشبية عليهم في مخازن الأخشاب. لم يكن أحد بيننا مرتاحاً، وكان يعلو بكاء الأطفال الرضع في الحر وتزداد صعوبة التنفس لدي البدينين، ويتم دفن الجثث بسرعة.

وفي أحد الأيام، مر رجل عبر الشوارع وهو يقرع جرساً وينادي: "استغفروا واندموا". لم يكن هذا الرجل غريباً عن البلدة، بل كان الشاب الذي يعمل في دكان بيع اللحوم. صاح الناس خذوه الي البيت وغطوه بثياب مبللة باردة، أو اسقوه بعض أدوية الأعصاب، وابقوه في السرير وصلوا لأجله، وإذا لم يستعد وعيه، فأرسلوه لمصح عقلي.
كان منزل الميداروث يواجه شارع دوفرين، وهو شارع يحظي باحترام كبير. فقد كان يسكنه بعض كبار التجار، إضافة إلي صاحب المطحنة ومدير آبار الملح، أما شارع بيرل الذي كان يواجه نوافذ المنازل الخلفية، فله قصة أخري، إذ يعيش بجوار المنزل أفراد من الطبقة العاملة، يسكنون في بيوت مصفوفة صغيرة ولكن أنيقة.
إلا أن البيوت في آخر الصف تصبح رثة، إلي ان يصبح المنظر موحشاً عند صف البيوت الأخيرة، ولا يعيش هناك إلا أفقر الناس، وأدناهم مستوي، حيث يوجد طرف مصرف قديم سمي المكان عل أثره بمستنقع بيرل. وتنمو هناك الأعشاب الضارة والشجيرات. تتكدس القاذورات ومخلفات البيوت، ويتجمع هناك بعض الأطفال الفقراء للبحث عن فضلات الطعام، أو أية أدوات تطرح خارج البيوت.
وحاولت البلدة إجبار هؤلاء الناس علي بناء مراحيض، ولكن سرعان ما تغمرها الأعشاب، ويصبح المكان غير جدير بالمغامرات لعصابات الأولاد، وقد أشيع أنه حتي رجل البوليس في البلدة ، لا يجرؤ علي دخول شارع بيرل السفلي ليل السبت. لم تمر الميداروث عبر الشارع أبداً حيث تعيش فتاة شابة تدعي آني، كانت تأتي لتساعدها في تنظيف المنزل. لكن هذه الفتاة الشابة التي تعيش هناك، لم تحاول أن تصل أبداً إلي الصف الأخير من الشارع أو المستنقع، ولا يجدر بأي امرأة محترمة أن تفعل ذلك.

ولكن هذا المستنقع نفسه، والواقع إلي الشرق من منزل الميداروث، كان يبدو جميلاً عند الفجر. كانت غرفة نوم الميدا تقع في الجهة الخلفية من المنزل، وتتشارك بها أختها كاترين.
لم تكن تفكر بالانتقال إلي غرفة النوم الكبيرة الواقعة عند واجهة المنزل، حيث كانت زمنها تنام طوال النهار، فمن نافذتها كانت تري شروق الشمس، وأشعتها التي تملأ المستنقع بالنور، حيث تتماوج أشجار البلوط والقبقب واللوز البري والطرفاء فوق المستنقع، وتحول المكان إلي مشهد شفاف خلاب للنظر.
_________________________________________
آخر تعديل بواسطة عادل السنوسي في الاثنين نوفمبر 25, 2013 10:00 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

111

"هنا حيث يلتقي النهر بالبحر الداخلي
حيث تتمتد أطرافه الزرقاء علي حافة الغابة الساكنة
أتخيل الطيور والوحوش والرجال الذين غابوا
والذين بقيت آثارهم باهتة علي تلك الرمال"

كان جارفز بولتر أحد الغرباء الذين وصلوا الي محطة القطارات منذ سنوات قليلة، ويسكن الآن في المنزل المجاور لبيت الميداروث، ويفصل منزله عن منزلها قطعة أرض فارغة، علي شارع دوفرين كان قد اشتراها حديثاً.
كان بيته أكثر بساطة من بيت روث، ولايوجد حوله أشجار فاكهة أو ورود، وقد كان من المتفق عليه أن سبب هذا كونه أرملاً ، يعيش وحيداً في المنزل، فقد يبقي الرجل منزله مزيناً، ولكنه لايفكر أبداً في تزيينه وزخرفته.
فالحياة الزوجية تجبره علي العيش بزخرفة أكثر ومشاعر أكبر، وتحميه من تطرف طبيعته، مثل شدة البخل أو شدة التبذير، أو من الفساد والإسراف في النوم، والشرب والتدخين، وتعطيه فرصة أكبر للتفكير الحر.
ولعل من صالح الإقتصاد، كما هو معتقد، أن يقدم شخص محترم له مركزه في البلدة، علي شرب الماء من الحنفيات العامة، أو التزود بالوقود من بقايا الفحم الملقاة علي خط سكة الحديد.
ولكن هل فكر جارفيس بتزويد مطافئ البلدة أو سكة الحديد بالملح مجاناً؟
هذه هي مجلة الفيديت تمتلئ بالنكات الخجولة، والاتهامات الصادقة والغمز واللمز والتلميحات المبطنة، التي لا يمكن لأي جريدة اليوم ان تتخلص منها. وعلي الرغم ان مقالات أخري كانت تذكره باحترام كقاض مدني وموظف ورجل كنيسة، إلا انه كان يعاني من التطرف في طباعه، وهذا ناتج كما يبدو عن وضعه كأرمل يعيش وحيداً.
حتي مسألة نقله الماء من الحنفيات العامة، والفحم من خطوط سكة الحديد، كانت مبررة، فهو مواطن محترم ميسور، طويل، وله كرش خفيف، يرتدي دائماً البذلات الداكنة، وأحذية قاتمة، أما ذقنه فكانت سوداء الشعر، تتخللها بعض الخيوط الرمادية، مع نتوء كبير وباهت اللون بين شعر أحد حاجبيه. وكان الناس يتحدثون عن زوجته الجميلة الشابة، التي توفيت خلال عملية الولادة، أو في حادث مروع ربما كان حريقاً منزلياً أو كارثة قطارات.
لم يكن هناك أي أساس للحقيقة، ولكنه كان موضوع اهتمام الناس. كل ما قاله لهم هو أن زوجته قد توفيت
جاء إلي هذا الجزء من البلاد بحثاً عن النفط، فقد كان أول بئر نفط يحفر في العالم، في مقاطعة لامبتون إلي الجنوب من هنا في الخمسينات من القرن الثامن عشر. وبينما كان" جازفز بولتر" ينقب عن النفط، إكتشف الملح وعمل ما استطاع ليحصل عن نتيجة طيبة منه.
وعندما يعود إلي منزله من الكنيسة مع الميداروث، يأخذ في الحديث عن آبار الملح التي يبلغ عمقها 1200 قدم. ويتم حقنها بالماء الساخن، الذي يقوم بدوره بإذابة الملح ثم يضخ المحلول الملحي إلي السطح، ثم يوضع في أوعية ضخمة للتبخير علي نار هادئة، حتي يتخلص من الماء، ويبقي الملح صافياً.
وهذا الملح يعتبر سلعة لا يخف الطلب عليها أبداً. ملح الأرض كما تقول الميدا. نعم يجيبها وهو عابس، ربما يظن انها تهزأ به، ولكنها لم تنو ذلك أبداً. يتكلم عن منافسين من بلدات أخري يحاولون إقتفاء أثرة، وأن يفرضوا أنفسهم في السوق، ولكن لحسن حظه، فإن آبارهم ليست بالعمق الكافي، وعمليات التبخير التي يقومون بها ليست كفؤة أيضاً. هناك الكثير من الملح في هذه البلاد، ولكن استخراجه ليس بالسهولة التي يظنها البعض.
تسأله الميدا: ألا يعني هذا أن هذا المكان كان في السابق بحراً عظيماً؟ هذا احتمال كبير ، يقول جارفز بولتر، ثم ينطلق ليحدثها عن مشاريه الأخري، مثل بناء معمل طوب، وكلاسة حجر، ويشرح لها كيف يعمل كل منهما؟ وأين يوجد الطين المناسب لذلك؟ ويمتلك جارفز مزرعتين تزودانه بالحطب لاستخدامه وقوداً لعملياته.
من بين الأشخاص الذين يعودون إلي بيوتهم، علي طريق الكنيسة أيم الأحاد المشمسة، لاحظنا اثنين، رجلاً يعمل في الملح، وسيدة تعمل في الأدب. لم يكونا في أول عمر الشباب، ولكن العمر لم يزل بهما بعد.
هل يمكن أن نسجل بعض الظنون هنا؟
مثل هذه الأخبار عادة ما تظهر في الفيديت.
هل يمكننا الظن بأن هناك مثال لغزل ما يدور بين الاثنين؟
كانت الميدا تمتلك بعض المال الذي ورثته عن أبيها، وتمتلك بيتاً، وكانت ما تزال في عمر تستطيع فيه إنجاب الأطفال.
وكانت تبدو ربة بيت خبيرة، وتبدي ميلاً لصنع أنواع الكعك المثلج والمزين، وهو أمر لا تراه إلا لدي ربات المنازل الخبيرات في المهنة. كان وجهها لائقاً، وتبدو في وضع أفضل من معظم السيدات المتزوجات في عمرها، فلم تكن مرهقة بالعمل وبتربية الأطفال.
ولكن لماذا لم يمر عليها قطار الزواج باكراً؟ وفي عمر كان يتطلب وجود نساء منتجات، وشريكات في الحياة. ربما كان السبب أنها كانت دائماً تبدو عابسة الوجه، فقد أثر عليها موت أخيها وأختها سابقاً ثم أمها التي فقدت عقلها سنة كاملة قبل ان تموت، وراحت تهذي كل الوقت.
كل هذا جعلها دقيقة، حزينة. كما أن انخراطها في كتابة الشعر والقراءة، وقف حاجزاً أمامها، إذ أظهرها بمظهر السيدة في مقتبل العمر، بدلاً من أن يظهر وضعها الحقيقي، كفتاة شابة تملأ وقت فراغها بتلك الأشياء. علي كل حال، فقد مرت خمس سنوات منذ نشر كتابها، وربما تكون قد تجاوزت هذا الأمر، أو لأن والدها الأديب الفخور قد بدأ يشجعها.
كان الجميع يسلم جدلاً أن الميدا تفكر بالزواج من جارفز بولتر، وأنها ستوافق لو جاء يطلبها، وأنها تفكر به جدياً. لم تكن تريد أن تسرح بآمالها بعيداً، أو أن تجعل نفسها عرضة للسخرية. كانت تنتظر إشارة منه، ربما كان حضوره إلي قداس الأحد المسائي، يشكل فرصة مناسبة لها في بعض أشهر السنة للتنزه معاً بعد حلول الظلام، وهو يحمل مصباحاً، حيث الشوارع لم تكن مضاءة بعد في البلدة.
كان يؤرجح مصباحه أمام أقدام السيدة، ويظهران معاً بشكلهما الأنيق، ربما يمسك بيديها عند اجتياز معبر في الطريق، ولكنه لم يكن يحضر إلي قداس المساء معها، ولم يكن يدعوها للسير معه إلي الكنيسة صباح الأحد، فقد كان هذا سيبدو إعلاناً صريحاً. كان فقط يسير معها ليوصلها إلي منزلها القريب من منزله، ثم يرفع قبعته تحية لها ويتركها وشأنها. أما هي فلم تكن تدعوه للدخول، فأي فتاة تعيش لوحدها، لم تكن لتفعل هذا، إذ أن وجود إمرأة ورجل لوحدهما وراء أربعة جدران مغلقة، يعني احتمال وقوع أي شئ،انفجار عاطفة مفاجئة أو ما أشبه، أو انطلاق للغرائز علي مصراعيها. ما هي الإحتمالات الموجودة أمام الرجل والمرأة- لتفادي هذه المخاطر؟. أو حتي لو آمنوا بهذه المخاطر، كم مرة يستطيعون التفكير في هذه الإحتمالات؟
عندما كانا يتمشيان معاً، كانت تشتم رائحة صابون حلاقته، رائحة زيت الشعر، وتبغ الغليون، ورائحة الصوف والكتان والجلد،في ملابسه الرجالية التي كانت تشبه الثياب التي كانت تغسلها وتكويها لأبيها الراحل. إنها تفتقد تلك الوظيفة، وتفتقد تقدير والدها لها، كما تفتقد سلطته الغامضة الحنونة.
إن رائحة جارفز، وحركاته تثير القشعريرة في جسدها.
هل هذه هي علامات الحب؟ كانت تتخيله دائماً قادماً إلي سريرها، بسرواله الداخلي الطويل وقبعته.
ورغم أنها تعلمت طريقته المثيرة للضحك، إلا أنها لم تكن مضحكة أبداً. في أحلامها، كانت تجده جسوراً وقوراً يدخل الي غرفة نومها ويستلقي علي السرير بجانبها ويستعد لأخذها بين ذراعيه. طبعاً كان يخلع قبعته. عند هذه النقطة كان كان يغمرها شعور بالخضوع والترحيب، وكأنها في قبضة خفية، وكأنه هو الزوج المناسب لها. كانت تلاحظ شيئاً واحداً في النساء المتزوجات، هو كيف أن العديد منهن يحاولن دائماً إعادة خلق أزواجهن فيأخذن بتحديد الخيار والآراء لهم بطريقة ديكتاتورية، فمثلاً تقول إحداهن ان زوجي هو شخص إستثنائي، فهو لا يمكن أن يلمس اللفت، ولا يأكل اللحمة المقلية( أو يأكل فقط اللحمة المقلية ). ويحب أن أرتدي اللون الأزرق( البني ) دائماً. ولا يستطيع تحمل موسيقي الأورغ، ويكره أن يري المرأة تسير وهي سافرة الرأس. وقد يقتلني لو قمت بالتدخين. بهذه الطريقة، يتم صنع الرجال المسحورين، وتحويلهم إلي أزواج وأرباب عائلات. لم تكن الميداروث تتخيل نفسها كذلك، فهي تريد رجلاً لا يحتاج إلي إعادة صنعه، رجلاً ثانياً غامضاً، شديد العزم بالنسبة لها. لم تكن ترغب في الرفقة فقط، فالرجال بالنسبة لها- عدا أبيها طبعاً يبدون محرومين بطريقة ما، وغير ميالين. بلا شك فإن هذا الأمر ضروري كي يقوموا بأداء الدور المطلوب منهم، فهي مثلاً حتي ولو علمت بوجود ملح في الأرض، فلا يحتمل أن تقوم بالتفكير في إكتشافه وبيعه. هي ربما تفكر بالبحر القديم، الذي كان موجوداً، مكان هذا الملح. ومثل هذه الأمور، لا يمكن لجارفز أن يفكر فيها، فليس لديه الوقت لذلك.
بدلاً من دعوتها للسير معه إلي الكنيسة، ربما يأخذ جارفز بولتر منحي أكثر مغامرة في إعلانه، فقد يستأجر حصاناً ويأخذها لجولة في الريف. إن فعل ذلك، فستكون مسرورة، ولكن نادمة في نفس الوقت. مسرورة لأنها استحوذت علي إهتمامه أمام الناس، ونادمة لأنه سوف ينزع منها فرصة الإحساس بالمناظر الريفية الجميلة، من خلال الحديث عن مشروعاته وأشغاله.
فالريف الجميل الذي وصفته في أشعارها، يتطلب كداً واجتهاداً لرؤيته علي حقيقته. وهناك أشياء يجب تجاهلها، مثل أكوام الزبل وأعقاب الأشجار المحروقة المنتشرة في سبخات وأكداس الأعشاب، التي تنتظر يوماً مناسباً لحرقها في الحقول، وبعض الأخاديد المتعرجة، التي تم تحويلها إلي خنادق طويلة ذات حواف طينية.
كما تم تسييج بعض المراعي بأعقاب الأشجار الضخمة، أو بأخشاب سكة الحديد المربوطة ببعضها البعض. وتم اقتلاع وجرف الأشجار الكبيرة لبيعها خشباً، وبقيت الشتلات الجديدة صغيرة، والطرق والزراعية بلا أشجار، عدا تلك المزروعة حديثاً، أو يعض الأشجار العشبية الصغيرة. الحظائر الخشبية القديمة الضخمة، التي غمرت الريف منذ مئات السنين، بدأت عملية إعادة بناءها الآن، فيما ظلت الحظائر الصغيرة الوضيعة، والبيوت الريفية منتشرة في محمعات رثة علي جانبي الطرق كل أربعة أو خمسة أميال. قد يبني فيها كنيسة ومدرسة، ومخزناً ومحلاً للحدادة. كانت الغابات حول الريف تعج بالناس، وقد بنيت مدرسة علي كل مائة فدان، وكل مزرعة فيها بيت ريفي، وعائلات مؤلفة من عشرة أو اثنتي عشر طفلاً. (فهذه البلاد ترسل أفواجاً من المستوطنين إلي أونتاريو الشمالية والغرب). حتي الأزهار البرية التي شرعت في جمعها من الحقول، تحتاج إلي جهود كبيرة عبر قطعان الأبقار التي ترعي في تلك الحقول.
أضف رد جديد