Story Lesson أو الحِصَّة قِصَّة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

محمد خلف
سلام
استمتع بهذا "السرد"، رغم أنه يحملني ما لا أطيق. ومالا أطيق هو الإحالات الهائلة والمتعددة لمراجع لا يتوفر لي الزمن أن أقرأها،
نعم فقد درجت منذ تعرفي على الانترنيت أن ارجع مباشرةٍ للمراجع أو المصادر المذكورة في النص، أيّاً كان ذلك النص، ووجدت متعة عظيمة
في ذلك، فإن أحالني نصٌ ما لأغنية مثلاً، ذهبت لليوتيوب واستمعت لها، وقد استعملت هذه الطريقة بمتعة واستمتاع مع نصوص التشكيلي تاج
السر الملك، فوجدت أن استمتاعي بالنص قد ازداد (أو هكذا شعرت).
في ردك لي حاولت أن أفعل نفس الشيء، وفي بقية مداخلاتك في هذا الخيط البديع، ولكني عجزت تماماً، لأن ما تقدمه لنا هنا مضغوطاً،
هو ما استغرقك سنيناً قراءةً (أو إطلاعاً ومشاهدةً وسماعاً)، فأني لي بهذه الطاقة الجبارة.

تذكرت كل هذا الخيط وأنا أشاهد فيلماً إسمه (لوسي)، اخترته على أساس أنه فلم (آكشن)، فأنا أتعامل مع السينما على أساس الترفيه
في أغلب الأوقات، وفي الفترة الأخيرة يبهرني استعمال التكنلوجيا فيها، قلت اخترت الفلم على أساس أنني سأستمتع بالفلم، كاستمتاعنا
السابقبـ(ساراتانا الذي لا يرحم وديجانقو بشملته وضف لهما دهر مندرا وإخوته)، ولكني تفاجأت بأن الفلم رغم (آكشنيته الظاهرة)،
أخفى وراءه سرداًعظيماً لمسيرة الكون أوصلنا بسهولة للحظة ميلاد(الكون)، [وهنا ساقف فجأة على خاطرة وردت للتو، وهي أن مفردة (الكون)
هي المصدر للفعل (كان) فإذن سؤالي عن لحظة ما فبل (كُن)، لا معنى له في المداخلة الأولى].
أعود للفلم (لوسي)، وهو يحاول أن يقول قصة الكون ولحظة التكون الأولى بطريقة سردية تؤكد ما ذهبت له أنت منذ البداية. وتنبهت أيضاً
أن السرد الكمن في قصتنا البشرية يختفي من العلوم بطبيعتها الرسمية، وقوالبها الجاهزة، بينما يظهر بوضوح في الأدب لطبيعته الشعبية،
وأنه يماثل إلى حدٍ ما لغة التخاطب، وهذا ما فعله "جوستين غاردر" في سرديته "عالم صوفي" والتي سرد فيها تاريخ الفلسفة بسهولة ويسر
جعل كتابه في قائمة أفضل الكتب مبيعاً.
آخر تعديل بواسطة الصادق إسماعيل في الأربعاء مارس 25, 2015 5:51 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

عفواً مكرر
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »


وهذه هي الحلقة الثانية من المداخلة السابقة لمحمد خلف:



من المعادلات الرِّياضية إلى المعادلات الشِّعرية

-الحلقة الثانية-

دورُ ’العالِم‘ و ’الصَّحفي‘


قلنا في الحلقةِ السَّابقة إن هدفنا بالمكشوف هو السَّعي إلى تنحيةِ ’الشَّاعرِ‘ (بوصفِه اسمَ جنس) من موقعه المتقدِّم كمروِّجٍ رسميٍّ للحداثة، وليس إلى إقصائه تماماً من مداراتها؛ وإحلالِ ’النَّحويِّ‘ (بوصفِه أيضاً اسمَ جنس) أو ’عالمِ اللُّغةِ الحديث‘ مكانه؛ ولكن قبل ذلك، يتعيَّن علينا أن نوضَّح لماذا استبعدنا ’العالِم‘ (بوصفه اسم جنسٍ أيضاً) من هذا الموقع المتقدِّم، مع أنه ظلَّ يلعب، وما زال يلعب، دوراً رائداً في تطوُّر الحداثة في موطنها الأوروبي المعاصر.
دعوني أسرد واقعةً صغيرة، لعلها تضئ عَتَمَة هذا السُّؤال المُحيِّر. في نهاية السَّبعينات، احْتَجْتُ لمراجعة أطروحتي للتَّخرُّج من قسم الفلسفة بجامعة الخرطوم، وكانت تحت عنوان: "حلُّ بوبر (كارل آر بوبر) المقترح لمشكلة هيوم (وهي مشكلة ’الاستقراء‘ التي دوَّخت‘ الفلاسفة والعلماء معاً)". ولكن خوجلي، أمين المكتبة، قد أضاع نسخته، أو أنها تسرَّبت خِلسةً من خزانته الفلسفية التي كان يسهر عليها بحرصٍ وإخلاصٍ شديدين. إلا أنه نصحني بالذَّهاب إلى كلية الدِّراسات العليا، فقد كانت شعبة الفلسفة تطلب من المُمتحَنين إعداد ثلاث نسخ من أطروحة التخرُّج لنَّيل درجة الشَّرف من القسم: نسخةٌ يتمُّ الاحتفاظ بها في مكتبة الفلسفة ليتمَّ الاستفادة منها من قبل المُمتحَنين اللَّاحقين، ونسخةٌ تُعطى للمُمتحِن الخارجي (وغالباً ما يأتي من الجامعات البريطانية العريقة)، ونسخةٌ ثالثة يتمُّ إيداعها بكلية الدِّراسات العليا.
وبالفعل، ذهبت إلى كلية الدِّراسات العليا وأخطرتهم بطلبي؛ فقابلني موظفٌ منهمكٌ كعادةِ الموطفين الصِّغار في ذلك الزَّمان بترتيبٍ أبديٍّ لملفاته المنتفخة يوماً على إثر يوم، فطلب منِّي بتهذيبٍ شديد أن أذهب بنفسي للبحث عن أطروحتي داخل مخزنٍ للكتب أُعد خِصِّيصاً لحفظ الأطروحات. وكانت المفاجأة أنني وجدت نفسي أمام غرفةٍ مُكتظَّةً بالمجلَّدات، التي وُضعت في رفوفٍ متراصفة من أسفلِ الغرفة الرَّطبة إلى سقفها العالي، فحار بي الدَّليل، إذ لا يوجد فهرسٌ أو قائمةٌ متسلسلة بالموجودات. وكانت معظمُ الأطروحات مكتوبةً بلغةٍ إنجليزية مكتنزةً بالمصطلحات والمسمَّيات التي "ما أنزلَ اللهُ بها من سُلطانٍ" (سورة "النَّجم"، الآية رقم "23")، فقد كانت في أغلبِها تخصُّ كلياتُ الطِّب والصَّيدلة والزِّراعة والبيطرة، أي تلك الكليات التي تنالُ قسطاً أكبرَ من ميزانية الجامعة لتَّمويل البحوث.
وقفتُ للحظاتٍ حائراً أمام ذلك المشهد العجيب؛ فقلتُ في نفسي أين ذهب أولئك العباقرةُ المجهولون، ولماذا لم تنعكس ثمارُ بحوثِهم تنميةً ورخاءً على أهلِ البلاد؟؛ وبدرجةٍ أقل، لماذا لم يسيطر فكرُهم الثَّاقب على أساليبِ وطرقِ القول، حتى يصيرَ ’عِلمُهم‘ نافعاً شأن كلِّ علم، أو يصبح سائراً على ألسنةِ النَّاس، وإنْ لم يفقهوا من قولهم شيئاً كثيراً؟ في تلك الآونة القصيرة، طرأت على بالي إجابةٌ قبلتُها على الفور، وعملت عليها، من غير رويَّةٍ وتمحيصٍ كافيين؛ وهي أن السَّببَ يكمن في لغةِ القول، فقد كُتبت البحوثُ بلغةٍ لا يفهمها معظمُ أهلِ البلاد، فلا غرو أن تصيرَ قابعةً في بطونِ الكتب أو تصبحَ نَسْياً منسياً. وبناءً على هذا الحدس، أوقفتُ جهداً بدأته مع مجلة "سوداناو"، فقد كانت منتجاتُها الفكرية والإبداعية، لا تصلُ إلا إلى قلةٍ من المثقفين الملمين باللُّغة الثَّانية، وربما يكونون هم أنفسهم، أو أغلبيةٌ منهم، كَتَبَةُ تلك البحوث الهاجعة في مكتبة الدِّراسات العليا.
إلا أنني أرى اليومَ أن تلك البحوث، حتى لو كُتبت باللُّغةِ الغالبة لأهلِ البلاد، فإنها ستظلُّ غريبةً، وبعيدةً عن ذائقةِ الإنسانِ العاديِّ السَّوي؛ فالنَّاسُ لا ينقصهم الذَّكاء أو تقعد بهم الحيلة العقلية عن التَّشابي إلى مناراتٍ للفكر هم أهلٌ لها بالفطرة السَّليمة التي طُبع بها غالبيةُ البشر، لكن ينقصهم مَنْ يُفصِّلُ القول، ويُحبِّبُ المعرفة، ويُدرِّجُ الحكمة في أفئدةِ السَّامعين؛ ومن هنا تأتي أهمية السِّرد كواحدةٍ من التَّقنيات المُتَّبعة في توصيل العلم إلى الجميع. من ناحيةٍ مثالية، فإن امتلاك العلم والتَّمكن من تقنيات السَّرد يجب أن يسيرا سوياً، ويجتمعانِ في جعبةِ شخصٍ واحد؛ ولكن الأمورَ، للأسف الشَّديد، لا تسير بهذه البساطة المطلوبة. وفي الغرب، غالباً ما يلجأ العالِمُ إلى صحفيٍّ أو مؤسَّسةٍ صحفية للقيام بهذه المهمة.
ولكن قبل أن ننتقل إلى الحديث عن تنحية ’الشَّاعر‘ من موقعه المتقدِّم كمروِّجٍ رسميٍّ للحداثة، أو إحلال ’النَّحويِّ‘ مكانه، يجدر أن ننبِّه إلى أن مصطلح ’صحفي‘ في الغرب، هو أوسعُ بما لايُقاس عن استخدامِه في بيئتنا الثَّقافية المحلية أو الإقليمية، فهو يشمل إضافةً إلى العاملين بالصحفِ اليومية والأسبوعية (من مراسلين ومحرِّرين وكُتَّاب أعمدة)، الصَّحافة المُذاعة (من مذيعين ومحرِّرين ومخرجين ومنفِّذي برامج)، والصَّحافة المرئية (من مذيعين تلفزيونيين ومذيعي ربط ومخرجين و منفِّذي برامج)، والمجلات الفصلية والدَّوريات المتخصِّصة؛ هذا كله إضافة إلى الكتابة الإبداعية التي تسهِّل استساغة المادَّة، وتلجأ إلى السَّرد في إنجازِ تلك المهمة على أكملِ وجه.
هذا وقد كثُر اعتمادُ العلماء على الصَّحفيين، بهذا المصطلح الموسَّع، إلى درجةٍ نبَّهت دكتور كرمبتون، الذي يعمل ضمن فريق الاتِّصالات العلمية بمتحف التَّاريخ الطَّبيعي بلندن، فكتب مقالاً بصحيفة "الجارديان" بتاريخ 11 مارس 2015 تحت عنوان: "لماذا يجب أن تتمتع المخطوطة العلمية بمزيَّةٍ أدبية". وتساءل قائلاً: "لماذا تتراكم الأوراقُ العلمية من غير طائل، إلى أن يأتي الصَّحفيُّ (بالمعنى الموسَّع) فيكتشفها؟". ويقرُّ الكاتب بأنه في عصر الشَّفافية وتوفُّر البحوث عبر الإنترنت، فإنه لا بدَّ أن تهاجر المعرفة من أبراجها العاجية إلى الجمهور قاطبةً؛ لذلك يرى الكاتب بأن "على العلماء أنفسهم أن يعيدوا النَّظر في خريطة قرائهم؛ ومن جانبنا (وما زال الحديثُ لدكتور كرمبتون)، علينا أن نكرِّم مَنْ لهم المقدرة على توجيه كتاباتهم بعيداً عن المشاكل المستعصية، في اتجاه الكلي والشَّامل والعالمي؛ ولنغتنم فرصة هذا التَّغيير، ونمنح جائزة الإبداع ضمن الرِّيبورتاج العلمي في جوهره الأصلي، الذي ينتجه العالمُ ذو التَّوجُّهِ الإبداعي".

سنواصلُ في حلقةٍ قادمة الحديثَ عن إغواء ’النَّحويِّ‘ التَّقليديِّ وجذبِه إلى مداراتِ الحداثة.


محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الخميس أكتوبر 01, 2015 9:43 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

أعود للفلم (لوسي)، وهو يحاول أن يقول قصة الكون ولحظة التكون الأولى بطريقة سردية تؤكد ما ذهبت له أنت منذ البداية. وتنبهت أيضاً
أن السرد الكامن في قصتنا البشرية يختفي من العلوم بطبيعتها الرسمية، وقوالبها الجاهزة، بينما يظهر بوضوح في الأدب لطبيعته الشعبية،
لأنه يماثل إلى حدٍ ما لغة التخاطب، وهذا ما فعله "جوستين غاردر" في سرديته "عالم صوفي" والتي سرد فيها تاريخ الفلسفة بسهولة ويسر
جعل كتابه في قائمة أفضل الكتب مبيعاً.

الجملة أعلاه حوت خطأ إملائي في نسختها الأصلية في كلمة (الكامن) في السطر الثاني، وفي كلمة (لأنه) في بداية السطر الثالث. ويبدو أنني ذهبت إلى نفس مذهب
محمد خلف في احتياجنا للعالم (السارِد)، والذي يستطيع أن (يحكي) لنا العلوم التطبيقية، أقول (يحكي) في مقابل (يُدَرَّس)، وإن شئت (يُحَاضِر).

في إنتظار خلف لينتهي من حفل تنصيبه للـ(نحويّ)، استبقه بسؤال:
هل نعتبر مُعدِّي برامج تلفزيونية وربما إذاعية مثل برامج العلوم وبرامج قناة (ساينس) و(دسكفري) وغيرها، من ضمن الصحفيين، ضِف لهم مخرجي ومؤلفي قصص الخيال العلمي، والتى تستند على حقائق علمية؟
آخر تعديل بواسطة الصادق إسماعيل في الأربعاء مارس 25, 2015 5:52 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الحلقة الثالثة من مداخلة محمد خلف:



من المعادلات الرِّياضية إلى المعادلات الشِّعرية

-الحلقة الثالثة-

سنضع طُعماً لإغواءِ ’النَّحويِّ‘، فلينتبه!




جاءت مساهمة الصَّادق إسماعيل الأخيرة كسابقاتِها حافلةً بالملاحظاتِ الذَّكية، إضافةً إلى إضفائها مزاجاً معتدلاً على الرُّكن نحن في أمسِّ الحاجةِ إليه؛ إلا أنني سأركِّز في هذه المشاركة على ملاحظةٍ واحدة ذات صلةٍ بما تعهَّدتُ بالإقدام عليه في هذه الحلقة، وهو السَّعي إلى تنحية ’الشَّاعر‘ من موقعه المتقدِّم كمروِّج للحداثة، وإحلال ’النَّحوي‘ مكانه؛ على أن يتمَّ التَّعليقُ على باقي ملاحظات الصَّادق، والإجابة على السُّؤالِ المطروح في نهاية مشاركته الأخيرة، حينما يسنحُ سياقٌ مناسبٌ بذلك.

في البدء، أودُّ أن أبادرَ بالقول إنني لم استخدم عبارةً تشير إلى "تنصيب ’النَّحوي‘"، ناهيك عن أن يتم ذلك في "حفلٍ"، أكان حفلاً بسيطاً أم مهيباً؛ بل أنني اختَرتُ استعمال كلمة "إحلال"، على وجه التَّحديد، واستخدمتها عن عمدٍ ثلاثَ مراتٍ لتفادي أيِّ دلالةٍ لنَصْرٍ زائف يُفادُ ضمنياً من كلمتي "حفلٍ" أو "تنصيب"؛ علاوةً على أن كلمة "تنصيب" تشير إلى تهيؤ الشَّخص واستعداده لشغلِ الوظيفة بمجرد إقصاء شاغلها، هذا إذا كان شاغلُها في الأساسِ راغباً في إخلائها أو قابلاً للإزاحة الميسَّرة.

في المقابل، نجد أن كلمة "إحلال" تقبل حدوثَ الشَّيءِ في زمنٍ وجيز أو مديد، على حدِّ السَّواء، وهذا النَّعتُ الأخير هو ما نتوقعه في الحالتين: تنحية ’الشَّاعر‘ أو إحلال ’النَّحوي‘ مكانه. فالشَّاعرُ الذي ظلَّ يضطلع بدور قيادة الحداثة منذ الأربعينات، قياساً على معادلة نزار قباني التي أشرنا إليها في حلقةٍ سابقة، لن يتخلَّى عن موقعه وفقاً لرغباتنا الذَّاتية، كما أن ’النَّحوي‘ الذي تمترس طويلاً بالرِّضا عن النَّفس الذي يوفره التَّقليد لن يخطو شبراً واحداً نحو الحداثة بدون مبررٍ كافٍ أو إغواءٍ لا يجدُ إلى دفعِه سبيلاً؛ وهو ما سنحاولُه هنا، وما سبق أن قلنا في حلقةٍ سابقة أننا سنعمل على تحقيقه، وهو تحديداً: "إغواء ’النَّحويِّ‘ التَّقليديِّ وجذبِه إلى مدارات الحداثة".

لكن لماذا التَّعويل على ’النَّحوي‘ دون غيره؟ يستند هذا التَّعويل على فرضيةٍ أساسية قابلة للتَّحاور، وهي أن الحداثة في البلدان العربية الإسلامية تكونُ ’حداثةً إسلامية‘ أو تقوم على ’مكوِّنٍ إسلاميٍّ‘ أو لا تكون. بالطَّبع، يمكن أن تُقامَ ’حداثةٌ‘ على جماجم البشر، كما حدث إبان التَّجربة الاستعمارية؛ ولكن إذا أُريد لها أن تكونَ سلميةً، فإن شعوب تلك البلدان ستختارُ الثَّقافة الإسلامية أساساً للحداثة أو التَّحديث، مع الفارق الشَّاسع بين المصطلحين. وإذا كان الأمرُ كذلك، فإن ’النَّحويَّ‘ هو أفضلُ الشَّخصياتِ النَّمُوذجية للاضطلاع بقيادة هذه المهمة؛ فهو على معرفةٍ بأسرار اللُّغةِ التي نزل بها القرءان: "إنَّا أنزلناهُ قُرءاناً عربيَّاً لعلكُمْ تعقلونَ" (سورة "يُوسُف"، الآية رقم "2")؛ "إنَّا جعلناهُ قُرءاناً عربيَّاً لعلكُمْ تعقلونَ" (سورة "الزُّخرُف"، الآية رقم "3").

يصحُّ القولُ بأن اللُّغة العربية هي المدخل لكلِّ علوم القرءان (من نحوٍ، وبلاغةٍ، وأدب، وسيرة، وحديث، ومغازٍ، وفقه)؛ كما كان نحوُها، على وجهِ التَّحديد، في طليعةِ العلوم العربية. وقد كان بعضُ الفقهاء (كأبي عمر الجرمي) في السَّابق يوجِّهون دروسهم الفقهية وفقاً لكتاب سيبويه، الذي كان يُطلق عليه "قرءان النَّحو" أو "الكتاب"، بِلامِ العهدِ الخارجي، مع أن صاحبه لم يسمِّه باسمٍ معيَّن؛ وكانوا يتعلَّمون منه "النَّظر والتَّفتيش". ولكن الحداثة لا تقفُ عند علوم القرءان، بل تستهدئ بها وتشارف كلَّ العلوم، طبيعيةً كانت أم اجتماعية؛ إلا أن تلك المعارف الواسعة التي ابتدعها البشر، لا يمكن مقاربتها بمعزلٍ عن معرفةٍ واسعةٍ كذلك بطبيعة اللُّغة المُستخدمة في مقاربة الظَّواهر، طبيعيةً كانت أم اجتماعية. ولا زالت المناظرة المحضورة التي جرت، في مجلسِ الوزير أبي الفتح جعفر بن الفرات سنة ستٍّ وعشرين وثلاثمائة، بين النَّحوي أبي سعيد السِّيرافي والمترجم والفيلسوف أبي بِشر متَّى بن يونس حول حديث المنطق، هي إحدى الوقائع المضيئة التي تشير إلى ما ينبغي أن يكون عليه الحال في التَّعامل مع اللُّغة الأم؛ ورحم الله البروفيسور عبد الله الطَّيب، فقد كان يعتبر كلية الآداب هي أهمُّ الكليات، إذ لا يمكن مقاربة علمٍ آخرَ بدون معرفة الأدب الذي تشتمل عليه اللُّغة المعبِّرة عن ذلك العلم.

من حسن الطَّالع أن علم اللُّغة الحديث، أو اللِّسانيات، هو من أنجحِ العلوم الاجتماعية منذ بداية القرن العشرين، وقد أصبح يشكِّل جسراً يربط بين العلوم الطَّبيعية والاجتماعية، وعبره برزت عدَّةُ حركاتٍ فكرية وفلسفية، كما أصبحت التَّخصصات المتداخلة لا تستغني عنه؛ فدخل في العلوم الإدراكية، والعلوم العصبية، وعلم الحاسب الآلي، والذَّكاء الاصطناعي، والمنطق؛ وأضحت معاهد البحث الكبرى لا تستغني عن خدماته. وهي كلُّها علومٌ قائمةٌ على مرمى حجرٍ من قوقعة ’النَّحوي‘ التَّقليدي، فما عليه إلا أن يتهادى إليها خِلسةً دون عون، إنْ لم يهدِه إليها هادٍ؛ ففي حين يشتغل ’الشَّاعرُ‘ على تخومِ اللُّغة، وقد ينجحُ في اختراقها وتحديثها، فإن ’النَّحوي‘ يعملُ في قلبِها، ولا مناصَ له، إنْ أراد البقاء، من التَّشرُّبِ بحداثتها.

لكننا نريد من وراء هذه المشاركة إغواءَ ’النَّحويِّ‘ وليس تخويفه، وما أقعدَنا عن هذه المهمة إلا مشاركةٌ استباقية تفضَّل بتقديمها الصَّادق إسماعيل، فشغل الرَّدُّ على إحدى ملاحظاته مساحةً كنَّا قد رصدناها بادئ الأمرِ لممارسةِ الإغواء. وكان جدي محمود سليمان كركساوي يقول لي دائماً في تقريظ الإمام المهدي إنه كان يصطادُ السَّمك من نهرِ النِّيل بسنَّارةٍ من غير طُعم؛ وهذا كما ترى مقامٌ لا سبيلَ لنا إلى الوصولِ إليه، ولكننا ننبِّه ’النَّحويَّ‘ التَّقليدي بأننا سنضعُ في الحلقةِ القادمة طُعماً لإغوائه، فلينتبه!

محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الخميس أكتوبر 01, 2015 9:44 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

خلف
سلام
أعدتُ قراءة ما كتبته، ووجدت أنه (احلال) وليس تنصيب
وقادني هذا لتأكيد عيبين لدي أحاول دائماً التغلب علي أولهما، وأُنكِر ثانيهما
الأول هو عيب القراءة المتعجلة، والثاني هو (غواية الاستعراض اللغوي)
اختياري لكلمة تنصيب جاء كغواية تعبرية ليس إلا، فأحياناً تفرض اللغة
تعابير تحاول أن تُعطي انطباعات للمتلقي حول مقدرات الكاتب اللغوية،
وأنا أمقت هذا الشئ واستنكره عند الآخر، ولكني ها أنذا اضبط نفسي متلبساً به.
كان يمكن للجملة أن تكون عادية (حتي يفرغ خلف من إكمال كتابته)،
ولكن الغواية كانت أكبر (أن تكتب فكرتك بجمال لغوي يناسب المقام)، فأتت
العبارة بشيء عكس المقصود.
وإذا ختمت هذه الكتابة كسابقتها ستكون العبارة (بغوايتها) كالآتي:
في إنتظار أن يرمي خلف سنارته لإصطياد النحوي.

أما إذا ختمتها بعيداً عن الغواية ستكون:
في انتظار محاولة خلف لإغواء النحوي التقليدي.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أما الآن، فإلى هذه الحلقة الرابعة من مداخلة محمد خلف، وهي التي يضمنها مقترحات نأمل أن تستثير تعليقات أو مناقشات تدفع بالتفاكر إلى الأمام:



من المعادلات الرِّياضية إلى المعادلات الشِّعرية

-الحلقة الرابعة-

معادلات الإعراب الثَّلاث: المعرب ووقفه والمبني



نبَّهْنا ’النَّحويَّ‘ التَّقليدي بأننا سنضعُ له طُعماً؛ فما أنسبَ أن يكون الطُّعمُ، في ختامِ حديثنا عن المعادلات، ثلاثَ معادلاتٍ تشمل، على هَدْي معادلة آينشتاين الشَّهيرة، كلَّ حالاتِ الإعراب الثَّلاث الأساسية، إضافةً إلى وقفِ حركتها عند دخول الجزم أو تقديرها بالبناء. وسبق أن قلنا إن معادلة آينشتاين ليست ترفاً ذهنياً، بل هي شعلةٌ تضيء أركان الكونِ بمجمله؛ وعلى نفس المنوال، نريد لهذه المعادلاتِ الثَّلاث أن تضيءَ أركانَ اللُّغةِ العربية؛ فهي ليست محاولةً لتبسيط اللُّغة، على طريقة ابن مضاء الأندلسي أو تيسيره على طريقة إبراهيم مصطفى، وإنْ استفادت من أخطائهما؛ فلا سعيَ إلى تخلُّصٍ من ’زوائدَ‘ متوهمة، أو اللجوء إلى التَّخلُّص من ’التَّقدير‘، أو العصف بنظرية ’العامل‘؛ ولكنها محاولهٌ لأجلِ إرشادِ المبتدئين، والمتعمِّقين في النَّحوِ على حدِّ السَّواء؛ مثلما هي أيضاً طُعمٌ لإغواءِ النَّحويين التَّقليديين، وجذبِهم إلى مداراتِ الحداثة؛ فهلَّا شارَكَنا ’النَّحويُّ‘ ذو الباعِ الأطول في إضاءةِ هذا العالم اللُّغوي؛ فنحنُ في هذا الأمرِ، بعد توكُّلنا على الله، عيالٌ عليه.

إلا أننا، قبل أخذه للطُعمِ كما نُريدُ له أن يفعل، نودُّ أن ننبَّه ’النحويَّ‘ التَّقليدى إلى نقطتين، فغرضُنا كما قلنا في مشاركةٍ سابقة هو إغواؤه، وليس تخويفه: النُّقطة الأولى، هي أن آينشتاين لم يكن مُحتاجاً إلى إلغاء نظرية نيوتن، بل أتى بصيغةٍ تستوعبها، وتظلُّ عاملةً في إطارها، وإنْ كانت، أقلَّ قدرةً على التَّفسير من نظريته الجديدة؛ وكذلك هدفنا من صياغة المعادلات الثَّلاث، ليس إلغاء النَّحو التَّقليدي بما اشتمل عليه من نظريةٍ للعوامل وإعرابٍ تقديري، وإنما تأكيدُ الإسناد باعتباره قُطبَ الرَّحى في العملية الإعرابية، بحيث تُرجعُ إليه، وليس إلى العامل المفرد وحده، وإنْ كان ذلك ممكناً ولكن بقدرةٍ تفسيريةٍ أقل، كلُّ علاقاتِ الإعراب الإضافية والإكمالية، حتى لو تمَّت على مستوى الإضمار أو التَّقدير أو منع الصَّرف.

النُّقطة الثَّانية، هي ما أشرتُ إليه بشأنِ الـ"سوبرفينينس"، فالفيزياء والكيمياء والأحياء، ليست سواء، لكن كلَّ واحدةٍ تُفسِّر الأخرى؛ وكذلك حال الإسناد مع الإضافة والإكمال؛ وهذا هو الجديد القادر على استيعاب القديم في إطاره، من غير أن يُلغيه، كما جاءت دعواتُ التَّجديد السَّافرة، التي قادها أبو مضاء الأندلسي، وتبعه كثيرٌ من روَّاد الحداثة العربية، مثلما تبعهم إبراهيم مصطفى، بتشجيعٍ من غير تشاركٍ من طه حسين، الذي كتب مقدِّمةً في غاية الرَّوعة لكتابه الأشهر "إحياء النَّحو"؛ أعتقد أنها من أجمل ما كتبه عميدُ الأدبِ العربي؛ بل هي أجملُ ما كتبه صديقٌ ورفيقُ صبا ودراسةٍ عن صديقٍ ورفيق.

بدمجِ هاتين النُّقطتين، يكون "الطُّعم" هو قبولُ المشاركة في صيغةٍ جديدة لا تُلغي الخبرات السَّابقة لـِ’النَّحويِّ‘ التَّقليدي، مع تثبيت الإسناد أساساً للعملية الإعرابية؛ وما التَّشفيرُ إلا وسيلةٌ للتَّسهيل، استدعاها مقامُ الحديث عن المعادلات، إضافةً إلى أنها صيغةٌ مقبولة لذوي المزاج العلمي، كما أنها تقرِّب ’النَّحويَّ‘ التَّقليدي إلى مجالِ العلوم والرِّياضيات، وهو الأساسُ الذي قامت عليه الحداثة الأوروبية؛ وهو المجالُ الذي لا مناصَ لأيِّ حداثةٍ من ارتياده.

قبل تقديمِ المعادلة الأولى الأساسية، هناك نقطةٌ أخيرة لا بدَّ من ذكرها، تتعلَّق بمجمَّع الأدلة -التي أشرنا إليها في مشاركةٍ سابقة- أو الـ"كونسيلينس"؛ فـ’النحويُّ‘ التَّقليديُّ الذي نقترحه، ونسعى بأيدينا وأرجلِنا إلى إغوائه، لن يقودَ الحداثة، كما الـ’الشَّاعرُ‘ الذي سبقه على هذا الموقع، وحدُه، ولكن ستتجمَّع في يديه خيوط الأدلة القادمة من كافَّة العلوم؛ فهي كلُّها، على أقلَّ تقدير، علومٌ توسَّلت لغةً، هو خيرُ مَنْ يفحص دروبَها المتقاطعة على السَّطح، علاوةً على سراديبِها المتشابكةِ في الأغوار.



المعادلة الأولى (للمعرب):

ع = س(˄) + ض(˅) + م(˃)

ع (الإعراب)؛ س (الإسناد)؛ ض (الإضافة)؛ م (الإكمال)؛ (˄) الرَّفع؛(˅) الخفض؛ (˃) النَّصب.

[الإعراب: يشمل الإسناد الأساسي، زائداً الإضافة المتعلِّقة به، علاوةً على كلِّ ما انتصب قائماً لإكماله]

الإسناد هو المحرِّك الأول لعملية الإعراب، ويشمل العلاقة الضرورية القائمة بين المُسنَد والمُسنَد إليه؛ وتضمُّ ’الاسم المبتدأ والمبني عليه‘ (الخبر)، والفعل والاسم (الفاعل ونائبه)، و’مما يكون بمنزلة الابتداء‘ (كان وأخواتها، وإنَّ وأخواتها).

الإضافة نقصد بها الإضافة الخارجية (أي خارج العملية الإسنادية)، وهي إما حرف جرٍ أو ظرف، وكلُّها أدواتٌ مبنيَّة لتحديداتٍ مكانية وزمانية؛ أمَّا الإضافة الداخلية، فهي إضافة اسم لاسم (المُضاف والمُضاف إليه)، ويمكن أن تكونَ جزءاً متمِّماً للعملية الإسنادية (المُسند إليه مضافاً)، أو جزءاً متمِّماً لما انتصب قائماً للإكمال، أو مسبوقاً بحرفِ جرٍّ أو ظرف؛ أما المضاف إليه وحده، فيلزمه الجر في كلِّ الأحوال.

الإكمال هو ما جاء، خلافاً للإضافة، لإتمام عملية الإسناد الأساسية.

الإسناد حقُّه الرَّفع؛ والإضافة حقُّها الخفض (أي الجر)؛ وما انتصب للإكمال حقُّه النَّصب.

الإسناد والإضافة والإكمال هي معانٍ في الذِّهن؛ أما الرَّفع والخفض والنَّصب، فهي آلاتٌ لتحقيق المعاني؛ وأما الضَّمَّة والكسرة والفتحة، فهي علاماتٌ لتأكيد ما تمَّ تحقيقه من معان.

الرَّفعُ علامته الضَّمَّة (والواو والنُّون، والألف والنُّون)؛

الخفضُ علامته الكسرة (والياء والنُّون)؛

النَّصبُ علامته الفتحة (والياء والنُّون).



المعادلة الثَّانية (للوقف):

و = ج(˂)ع

و (الوقف)؛ ج (الجزم)؛ وهذا الرَّمز (˂) للإضمار؛ ع (الإعراب) كما هو موضَّح أعلاه.

[الوقف: هو دخول الجزم على الإعراب]

الوقف حقُّه إبطال الحركة بالجزم؛

الوقف علامته السُّكون (وحذف حرف العلة).


المعادلة الثَّالثة (للبناء):

ب = ت(˂)ع

ب (البناء)؛ ت (التَّقدير)؛ وهذا الرَّمز (˂) للإضمار، كما هو موضَّح أعلاه؛ ع (الإعراب)، كما هو موضَّح أيضاً أعلاه.

[البناء: هو تقدير الحركة لدى الإعراب]

البناء حقُّه تقدير الحركة بالإضمار؛

البناء يتخذُ ما بُني عليه علامةً دائمةً له من ضمةٍ أو كسرةٍ أو فتحةٍ أو سكون.



في الختام، نحمد الله الذي هدانا إلى توفيقٍ "تقني"، فالأسهمُ الأربعة التي تشير إلى مُتَّجه الحركة، تغطي تماماً حركات الإعراب الثَّلاثة ووقفها: فالسَّهمُ الذي يتجه إلى أعلى للرَّفع، والذي يتجه إلى أسفل للخفض (وهو الجر)؛ وهما الحركتان الأساسيتان القائمتان على المحور الرَّأسي؛ الرَّفع للرِّفعة والسُّمو وقوةُ الحركة التي تأتي مع عملية ضمِّ الشَّفتين، لذلك فقد خُصِّصت للعملية الإسنادية؛ أما الخفضُ، فللانحدار والتَّسفيل وارتخاء الشَّفة السُّفلى، وهو مخصَّصٌ لما أُضيف للعملية الإسنادية. أما السَّهمُ الذي يتجه إلى الدَّاخل عبر المحور الأفقي، فهو للنَّصب، أو الاستواء، وهو فتحُ الفم بشكلٍ طبيعي، لا هو بمضمومِ الشَّفتين ولا هو مرتخٍ إلى أسفل عند النُّطقِ بالحركة، لذلك خُصِّصت أسهلُ الحركاتِ (وهي الفتحة) للنَّصب الذي يأتي لإكمال كافة العمليات المتمِّمة للإسناد (وقد جمعها الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب "الجُمَل [في النَّحو]" في أحدِ وخمسينَ وجهاً أو حالةً للنَّصب). وعلى نفسِ المحور الأفقي، نجد السَّهم المُتَّجه إلى الخارج لوقف الحركةِ جزماً، أو تقديرِها بناءً؛ واللهُ الموفِّق.

ربما تكون هذه آخرُ حلقة ضمن حلقاتِ المعادلات، علماً بأننا لم نقتدِ بعالم الفيزياء البريطاني، ستيفن هوكينغ، الذي عمل بنصيحة النَّاشر الذي قال له إن كلَّ معادلةٍ تُضاف إلى كتابه الأشهر "تاريخٌ موجزٌ للزَّمن" تقلِّل من عدد القراء، فخفَّض معادلاته إلى واحدةٍ فقط هي معادلة آينشتاين الشَّهيرة؛ ولكننا نظلُّ نحلمُ معه، كما قال لأستاذه في فيلمٍ عن سيرة حياته إنه سيعمل على البرهنة في معادلةٍ واحدة على أن للزَّمن بدايةً مع ’الانفجار العظيم‘، "ألن يكون ذلك رائعاً، يا أستاذي!"؛ وكذلك الحال، عزيزي القارئ، مع هذه المعادلات الإعرابية: ألن يكون ذلك أمراً رائعاً بأن ننجح، بالاستعانة بالنَّحوي التَّقليدي، بالتَّدليل على أن كلَّ عمليات الإعراب الأساسية يمكن دمجها في معادلةٍ واحدة.

وربما لن أتمكن كذلك من المشاركة في أركان النِّقاش حتى نهاية يونيو، بإذن الله، لانشغالي بقضايا تهمُّ صديقين عزيزين، علاوةً على أهمية عملهما وتقاطعه مع هموم الفضاء الفكري على وجه العموم.
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الخميس أكتوبر 01, 2015 9:47 am، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مكرر
منصور المفتاح
مشاركات: 239
اشترك في: الأحد مايو 07, 2006 10:27 am

مشاركة بواسطة منصور المفتاح »


الألفه أسامه الخواد فى الضحل، الخواف من بحر الدميره أبو لَيَّه، بحر التماسيح البتخطف كَفْ!! شهدنا لك نكران الأبوه المعرفية وإنزالك لتنقشخ
فى الأرض وكالذى تخبطه الشيطان ختفت محجان البغض والكراهية والكيد وأخذت تدور ما بشوف بخبط الصوف ضاربا الفراغ من حولك ولم تصب
أحداً بضرر. ملأ الكاتب الناقد عبدالمنعم عجب الفيا هذا المنبر معارفا فكرية ونقديه فأغاظك وتلبسك ما يتلبس المهبوش الذى رُفع عنه القلم حتى ترجل
عجب الفيا وترك لك المكان ورفعنا عنك نحن القلم عملا بالعرف ومارست أسوأ من ذلك مع الدكتور القاص والشاعر الفنان والناقد الأديب والأكاديمى
الفطحل والإنسان المملوء تهذيباً وإنسانيه بشرى الفاضل بلا وجه حقٍ معلوم ونحن شهودٌ على ذلك، فقط لأن له قبول وله مريدين ومعجبين وليس لديك
من ذلك نصيب وتناقضت عندما أشرت إليه فى مرافعتك ضد القصاص وهو الذى رفع القصاص مكاناً علياً فيا أيها الألفه لم يقف كيدك هناك بل ذهب
للشاعر الأديب والروائى الأكاديمى فضيلى جماع وحاولت أن تتطاول فوضعك فى علبك ولا أدرى أبداَ ما سر
تلك الفتوة المعرفيه التى تدعيها وما هو أساسها وما هو مصدرها فالقصاص إن كان ضعيفاَ فى القص فأتنا بقصه وقدم لنا نقدا علمياَ
يقومه ويقويه ويرفعك عندنا نحن جمهرة القراء أما التهجم عليه بتلك الطريقة لا يضره أبدا ولا يخدمك كذلك والقصاص يصعد فى سلالم
المعرفة الآن وسيكون كاتبا عالمياً بجهده وإجتهاده أما خلف فأنت أعرف من غيرك بقدرته وأعرف بأستاذيته وأعرف بعبقريته وذائقته
فإن كتب عن القصاص فذلك سمته وإن أخلص له فذلك هو فمتى منحك الله الحق فى أن تمنع الناس من فعل الخير للناس وأنا أشك
فى أنك قرأت كتاب خلف لأنك إن قرأته لتعرفت على مضامينه ومحتواه الذى هو أكبر من ما تظن ولكن وقف حصان الألفه عند
عقبة سرد القصاص وعماه ما يتلبسه من أثر نكران الأبوه ورفع محجانه ثانية ما بشوف بخبط الصوف ما بشوف بخبط الصوف
فيا أسامه إنك توقد نيران الحروب يمنة ويسرى ولكن سنطفيها بإذن الله وعونه ونحرق جنك بكواديكنا ألفةً كنت أو قطاع لطرق المعرفه.


منصور
آخر تعديل بواسطة منصور المفتاح في الأحد إبريل 19, 2015 7:14 am، تم التعديل مرة واحدة.
أسامة الخواض
مشاركات: 962
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:15 pm
اتصال:

الإخوانيات السردية و "النقد و إطلاق النعوت الثقافية وال

مشاركة بواسطة أسامة الخواض »


السيد ساعي البريد الاسفيري:

منصور المفتاح

خلف كاتب كبير ، لا شك في ذلك،

في ثقافة عربية، لا تحترم "الكاتب".

ولو كنت في مكانه، لكتبت بالانجليزية التي يجيدها،

ولما كتبت بهذه اللغة الملعونة.

كتب خلف في سياق "إخواني".

وتحت تأثير "الإخوانيات"،

صدرت عنه "ألقاب"،
و"تصانيف"،
هو المطالب بالدفاع عنها نقديا.

وهذا ما لم يفعله،
في إطار "سردياته الإخوانية".

وإنْ لم يفعل "نقدياً"،

ما يبرِّر "إطلاقه" النعوت الثقافية،

فهذا شأنه،

طالما أنه ارتضى "الإخوانيات"، كإطار لكتابته.

لكن ذلك لا يجعلنا "نؤمِّن" على "إخوانياته" النقدية.

أرقد عافية.
أسامة

أقسم بأن غبار منافيك نجوم

فهنيئاً لك،

وهنيئاً لي

لمعانك.

لك حبي.



16\3\2003

القاهرة.

**********************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4975
منصور المفتاح
مشاركات: 239
اشترك في: الأحد مايو 07, 2006 10:27 am

مشاركة بواسطة منصور المفتاح »

الألفه الخواد ما صنعته فيك الأخوانيات لا يستحق الغدر!!


منصور
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بعد اضطراره إلى الانقطاع عن هذا الخيط لبضعة أسابيع، ها هو محمد خلف يعود إلينا بهذه المساهمة:



السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة

1. وجهة نظر صحيفة "الجارديان" بشأنِ هزيمة حزب العمال


تعرَّض حزبُ العمال البريطاني لهزيمةٍ نكراءَ في الانتخاباتِ العامة التي جرت في 7 مايو 2015، حيث فقد كلَّ مقاعده في إسكتلندا، ما عدا مقعداً واحداً؛ كما لم يحقق مكاسبَ كانت متوقَّعةً في إنجلترا وويلز. وقد بدأ المحلِّلون وكبارُ السياسيين من حزب العمال بالإدلاءِ بآرائهم حول أسبابِ الهزيمة، وحول آفاقِ مستقبلِ الحزب. على سبيل المثال، دعا رئيسُ الوزراء الأسبق، توني بلير، إلى عودة الحزب إلى مركزِ الوسط حتى يتمكَّن من الفوز في المرَّةِ القادمة بنتيجةِ الانتخابات؛ بينما دعا بيتر ماندلسون إلى تبنِّي طموحات الطَّبقات المتوسطة. إلا أن صحيفة "الجارديان" انفردت برأيٍّ له علاقةٌ وثيقة بموضوع هذا الرُّكن، وهو السَّردُ، الذي حاولتْ رسالتي إلى الصَّديق القاص عادل القصَّاص توسيعَ مداه ليشملَ كافَّة العلوم البشرية، التي اصطلحنا على تسميتها بمجالِ الحقيقة، وذلك توطئةً للاقتراب منه عبر القصصِ القرآني، التَّعبيرِ الأسمى عن الحقِّ.

قالت صحيفة "الجارديان" في افتتاحيتها في أعقاب إعلان نتيجة الانتخابات إن حزب العمال قد اعتاد لفترةٍ طويلة أن يقفَ ضد التَّياراتِ المُنادية بتشتيتِ مراكز التَّصنيع (بتوزيعها حول العالم، وأينما تتوفَّرُ الموادُّ الخام، وحيثما تُوجدُ العمالةُ الرَّخيصة)، وتفكيك النِّقابات، وهيمنة النَّزعة الاستهلاكية؛ لكنه يواجه الآن أيضاً نزعةً انفصاليةً قومية تقشعِرُّ لها الأبدان، في إشارةٍ إلى الصُّعود الصَّاروخي للحزب القومي الإسكتلندي، تحت رئاسة السَّيِّدة نيكولا إستيرجن. وقالت الصَّحيفة أيضاً إن ما يحتاجه حزبُ العمال في الأشهر القليلة القادمة المُثقلة بصدمةِ الهزيمة، ليس وجهاً جديداً، بل وقتاً للتَّفكير؛ فعوضاً عن النِّقاشات التي تتكهَّن بشخصية الزَّعيم الجديد، كان الأجدى، في نظر الافتتاحية، التَّصدي لسردية التَّحالف (وهو التَّحالفُ السِّياسيُّ بين المحافظين والدِّيمقراطيين، الذي حكم بريطانيا طيلة الخمسِ سنواتٍ الماضية)، وهي السَّرديةُ التي تزعم بأن البلادَ تعرَّضت للإفلاس بسببِ الإنفاق المفرط على الخدمات الاجتماعية، بدلاً عن القول بأنها أفلست بسببِ ممارساتِ المصرفيين، في إشارةٍ إلى الأزمة المالية التي اندلعت في بداية 2007، واستمرَّت حتى نهاية 2008؛ كما ضاعف حزبُ العمالِ الخطأَ بفشلِه في تقديمِ رسالةٍ واضحة تحدِّد الكيفية التي تختطُّ بها بريطانيا طريقاً للنُّمو يُخرِجُها من وهدةِ الدِّيون.

وقالت افتتاحية "الجارديان" إن على حزب العمال أن يحذِقَ كيفية سَردِ القصصِ بصوتٍ –وربما بنبرةٍ- تُسمِعُ أذناً صاغيةً للفردِ الواحد، إنْ لم نقلْ للبلدِ ككل. على أن يتمَّ ذلك بالتَّخلُّصِ من المصطلحاتِ الغريبة، وإيجادِ وسيلةٍ جديدة لنشرِ الحججِ الأخلاقية، بدلاً من تفشي المعجم الكئيب الذي يبثُّه التكنوقراطيون؛ وعلى أن يتم ذلك أيضاً بطرحِ الأسئلة الصَّحيحة، ومن ثمَّ إيجادُ الإجاباتِ المقنعة. ورأتِ الافتتاحية أن زعيم حزب العمال، إد ميليباند، الذي قدَّم استقالته في أعقاب الهزيمة، كان مُحِقَّاً في طرحِ الأسئلة الصَّحيحة، لكن حزبَه كان حذِراً في تقديم الإجابات الواضحة.

وتخلُص افتتاحية "الجارديان" إلى القول بأن ما يحتاجه حزبُ العمال الآن، وبشكلٍ عاجل، ليس البحثَ عن الذَّاتِ أو الجريَ وراءِ المبادئ الأولية، وإنما كيف يمكن تحويل هذه المبادئ إلى سياساتٍ تلقى أُذناً صاغية لمستمعٍ للرَّاديو أو مشاهدٍ للتِّلفريون؛ وهي تلك المبادئ التي يمكن أن يستخدمها زعيمُ حزب العمال الجديد للكشفِ عن قصَّةٍ واضحة لم يكنِ الزَّعيمُ القديمُ قادراً على سردها.

محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:33 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

عقب فراغ الصديق محمد خلف من كتابة رسالته إليَّ/نا، وغالباً بعد أن قمنا بنشرها في هذا الخيط، اطَّلَع عليها أحد أصدقائه من المقيمين في لندن، ثُمَّ ما لبث هذا الصديق أن تَحَمَّسَ لنشرها في الملحق الثقافي لصحيفة "الشرق الأوسط". وبالفعل قام بتسلميها للمحرر الثقافي للصحيفة، الذي أُعْجِبَ بها بدوره، وقرَّرَ نشرها - أو بالأحرى نشر أجزاء منها يراها مهمة ومناسبة لصفحته - على حلقات. التالي هو الجزء الأوَّل مما نشره في الملحق الثقافي لـ"الشرق الأوسط"، بعد أن أجرى عليه تحريره:



أين مضى شعراء السودان وقصاصوه ؟
قسم اختطفته الدبلوماسية والحياة الأكاديمية.. والآخر الصحافة



صورة

الناقد أحمد الطيب عبد المكرم (يسار) يتلقى تكريما قبل رحيله - الروائي عيسى الحلو - الكاتب جمال محمد أحمد

لندن: محمد خلف الله

للراحل جمال محمد أحمد، أول رئيسٍ لاتحاد الكتَّاب السودانيين، رأي طريفٌ حول الرواية والتاريخ؛ وطرافته ليست نابعةً من السَعَةِ والتحرُّرِ الناشئين من الانتقال المدهش من حرفيَّةِ التاريخ إلى بلاغةِ الرواية، وإنما مصدرُها ناجمٌ عن رأيِّهِ حول التاريخِ ذاتِه، فقد كان يرى في التاريخ، ما كان يراه الفيلسوفُ الإيطالي غيامباتيستا فيكو، وهو أن هناك احتمالاً قويًا بأن الناسَ في فتراتٍ تاريخية مختلفة يمتلكون أنظمة متباينة للفكر، مما يعني أن حرفيَّةَ التاريخِ ذاتِها خاضعةٌ لأنماط التفكير المتنوِّعة، الأمر الذي يضاعف من حريَّةِ الانتقالِ في مجالِ التعبيرِ الروائي.
من الجائز أن يكون جمال محمد أحمد قد توقَّف في مشوارِ التماسِه لقبسِ الحداثةِ الأوروبية، بحُكمِ السنِّ، عند فيكو؛ ولكنَّ شبابَ الكتَّابِ، في منتدياتهم التي غصَّت بها دارُهم في حي المقرن بالخرطوم، كانوا ينشدون فكاكًا من إسارِ التقليد، فينتهجون بنيويةً لهم ثم تفكيكًا، فينتقلون في سلاسةٍ ويُسر من فيكو إلى فوكو؛ فيتعلَّمون من الأخير حِرفة التنقيب، وكيفية إجراء حفرياتٍ عميقة في حقل المعرفة.
إلا أن أول رئيسٍ لاتحاد الكتاب السودانيين كانت له أيضا حفرياتُه المتميِّزة؛ فبينما كان الشبابُ يهرعون للانضواءِ تحت أسلوبيَّةٍ معاصرة، ظلَّ أستاذنا الكبير ينقِّب بصبر في بنيةِ اللغة العاميَّة السودانية، ويجد لها وشائجَ وارتباطاتٍ وصلاتِ نَسَبٍ وقُربى باللغةِ العربيةِ الكلاسيكية، فيُرفِدُ كتاباتِه بدفقاتِ مشاعرَ حيَّةٍ، نابعةٍ من وصلِ اللغةِ الشعبيَّةِ الحميمة برَحِمِ أمِّها الفُصحى، فيكون له بين جمهرةِ الكتَّاب جميعهم، صغيرهم وكبيرهم، أسلوبه الأدبي الخاص، ذو النكهةِ الجماليَّةِ المحبَّبة.

* قصاصو الثمانينات
في عام 1985، كان الكتَّابُ الكبار، من أمثال جمال محمد أحمد، قليلي العدد في الخرطوم؛ أما الكتاب صغار السن، على كثرتهم، فينقسمون، من منظور تجربتي الخاصة، إلى شقين: كان بشرى الفاضل يقفُ على قمَّةِ مجموعةٍ من القصَّاصين السودانيين؛ بينما كان عادل القصَّاص، يقفُ على قمَّةِ مجموعةٍ أخرى. ويأتي في طليعةِ المجموعة الأولى القاصُّ الشاب ذو الإحساس المرهف والنبوغِ المبكِّر سامي يوسف غبريال، يليه شابٌ تتَّقد عيناه ذكاءً وتفتُّحًا مبكِّرًا، هو القاصُّ من الله الطاهر من الله؛ وقد رافقتُ كليهما خلال أيام الطلبِ الباكرة إبان المرحلةِ المتوسطة، وكانت تضمُّنا جمعيَّةٌ أدبيَّة يرعاها القاصُّ عيسى الحلو، وكانت باكورة إنتاجه «ريش الببغاء» قد خرجت لتوِّها من المطابع، وما زالت رائحةُ الحبرِ عالقةً بأغلفةِ النُسَخِ المعروضة في المكتبات؛ وكنتُ أقف على هامشِ الجمعيَّة الأدبيَّة تحت رعاية المعلِّم شيخ مصطفى عبد المولى، خزانة الأدب العربي: أشعارُه، وأمثالُه، وحِكَمُه، وأقوالُه المأثورة؛ وكان لا يطرأ طارئٌ أثناء اليوم الدراسي إلا وقابله بما يُطابِقُه من خزانته التي لا يفلت من مظلَّةِ تفسيرِها حدثٌ عارضٌ أو قولٌ يومي ممجوج.
ويأتي ضمن المجموعة الأولى القاصُّ، ذو الرهافةِ والشفافيةِ العالية، هاشم محجوب، وكان يقابله في معالجةِ الكتابة شعرًا، والبحثِ عن بدائلَ للأطرِ الأدبيَّة المستقرة، الشاعر محجوب كبلو. رافقت كليهما إبان المرحلة الثانوية، وكانا على طرفي نقيضٍ في صياغةِ أحلامهما، وفي تخيِّر توسُّلهما لأجناسِ الأدب؛ لكنهما كانا مُتَحِدَيْن في رؤيتهما لمستقبله، وفي مناهضتهما للتيارِ العام الذي يُرسِي التقليدَ أساسًا لتجميدِ محاورِ الكتابة. وينضمُّ إلى المجموعةِ الأولى أيضا رجلٌ ذو حواشٍ رقيقة، ومناقيرَ مُعَدَّةٍ لالتقاطِ ما استدقَّ من تفاصيلِ الحياةِ اليوميَّة؛ وهو الكاتبُ جعفر طه حمزة. كرَّس لرواية «المداري» وقتًا طويلاً، حتى أصبحنا وكأننا لا ندري: أيكتبُ «المداري» أم أن روايته «المداري» تكتبه؛ ففي حضرةِ حمزة، يختلط الواقعُ بالخيال، وتمتزج الرؤى بالرؤيا، ويفوحُ في المكانِ عطرٌ صادرٌ من أعماقِ روحِه القصيَّة.

* شواغل الحياة
للدبلوماسيَّةِ سحرُها الذي لا تُخطئه العينُ الفاحِصة، كما أن للحياةِ الأكاديميَّةِ بريقُها وغواياتُها؛ وقد تعاون السحرُ والغواية في اختطافِ حمزة من محيطِه الروائي الأثير ليغطيانه بضبابيَّةِ الحياة الدبلوماسيَّة؛ مثلما تعاونت مهنةُ المحاماةِ والسياسةُ اليومية في اختطافِ ساحرٍ آخرَ من فنون القصِّ، وهو القاصُّ الذكي، ذو الروحِ المتأجِّجة على الدوام، عبد السلام حسن عبد السلام.
وينضافُ إلى هذه المجموعة باستحقاقٍ وجدارة قاصٌّ شاب متعدِّد المواهب، اشتُهر بترجماته لأقصوصاتٍ لكافكا، كما اشتُهر أيضا بتأليفه لمسرحية «حكاية تحت الشمس السخنة»، ولاحقًا رواية «سن الغزال»؛ إلا أن مواهبه لا تقفُ عند هذا الحد، فقد كان يعزف الكلارنيت منذ تتلمذِه على يد الصول حسن؛ والعود برفقة هاشم حبيب الله ومحمد إسماعيل الأزهري؛ والمزمار والهارمونيكا ليُذهب عن نفسه، وعنَّا وحشةَ الانعزال ومرارةَ العهدِ الديكتاتوري الثاني، وذلكم هو القاصُّ المبدع صلاح حسن أحمد.
لم ينقطع صلاح عن الكتابة، ولكن حرفة الصحافة أخذت جُلَّ وقتِه، منذ مجلة «سوداناو» (Sudan Now) وإلى صحيفة «الشرق الأوسط» بلندن. وأثناء فترة عملِه في إدارة تحرير المجلة، تقدَّمتُ إليه بأولِ نصٍّ أكتبه باللغة الإنجليزية، فقامت إدارة «سوداناو» بنشرِه في عام 1980؛ وكان النصُّ تحت عنوانٍ: «تحليقٌ انسيابي فوق حَرَمِ الجامعة». ولأن النصَّ كان مفارقًا لما عُهِد الناسُ عليه، فقد كتبت تقييمًا نقديًا للطريقة التي استحدثتها في الكتابة، وهي عبارة عن أسلمةٍ عفوية لنمطٍ ألماني معروفٍ في الكتابة. أما المجموعة الثانية، فقد كانت تضمُّ مجموعة متميِّزة من النقاد والقصَّاصين؛ كان أبرزهم في مجال النقد، الناقد الراحل أحمد الطيِّب عبد المكرَّم؛ وكان من ضمنهم الكاتب المثقَّف محمد خلف الله سليمان؛ وكان عادل القصَّاص، رغم التفافِه حول كوكبةٍ من الكتَّابِ السودانيين، ألمعهم شهرةً، وأكثرهم - توسُّلاً بالتعبيرِ الرشيق والوصفِ الحميمِ - قدرةً على جذبِ القارئِ العادي إلى فضاءِ النصِّ، وإغوائه على معايشته، واشتهائه. وتكبُر هذه الميزات عشراتِ المرات، إذا عرفنا أن المجموعة تشمل أساتذةً كبارًا ذوي خِلالٍ لا تجرح خليلاً، وأَرُومةٍ إبراهيميةٍ كريمة لا تُخْطِئُها العينُ الناظرةُ إلى أسمائهم التقليديَّةِ المحبَّبة: عبد القادر محمد إبراهيم، وعبد الله محمد إبراهيم، وإبراهيم جعفر. ليس صعبًا على الباحثِ الذكي أن يجد عادل القصَّاص في نصوصِه، ولكن الباحثَ الأكثر ذكاءً سيلتمسُه في فضاءاتٍ اجتماعيةٍ أرحبَ سَعَةً وأعمقَ غورًا: سيجدُه في جلساتِ الاستماعِ، والمنتديات؛ وسيلحظُه في المجالسِ العفوية، والسهراتِ، والمناسباتِ الاجتماعيَّة؛ مثلما سيلقاه ناشطًا متجلِّيًا في الروابطِ، والجمعياتِ، والاتحاداتِ الأهلية. ولم يكن يتخذ تلك الأطر مطيَّةً للوجاهةِ الاجتماعيَّة، أو سُلَّمًا للمناصبِ السياسيَّة؛ بل كان ينفُذ إلى عِظامِ الكلمات، ويتخللُ أبنيتها الصرفية، ويتسللُ إلى جذورها، لإيقاظِ دلالاتِ الارتباطِ، والإجماع، والوحدةِ الهاجعةِ في أحشائها العميقة.



https://aawsat.com/home/article/358196/% ... %87-%D8%9F
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:35 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وهذه مساهمة من خلف تزور حقلاً مختلفاً:



خمسُ قصصٍ خارج الملعب تؤدي إلى هزيمة آرسنال في ملعبه بشمال لندن



ظللتُ منذ مدَّة طويلة أتابعُ أثرَ القصصِ التي تتناولها الصُّحفُ وأجهزةُ الإعلام المرئية والمسموعة على الأداء الفعلي للأفراد داخل ملاعب كرة القدم في لندن والعالم أجمع. على مستوى العالم، يمكن للمتابعين أن يراقبوا عن كثب أثر القصَّة الدَّائرة بين باتريس إفرا السِّنغالي (لاعب يوفينتوس حالياً، ومانشستر يونايتد سابقاً) ولويس سواريز الأوروغوياني (لاعب برشلونة حالياً، وليفربول سابقاً)، عندما يلتقي فريقاهما الحاليان في نهائي دوري أبطال أوروبا، وهي المنافسة التي ستُقام في الإستاد الأولمبي ببرلين في 6 يونيو 2015. كما يمكن للمتابعين أيضاً أن يسترجعوا قصَّة الهزيمة القاسية التي تلقَّاها مدرِّب فريق بايرن ميونيخ، بيب (جوسيب) غارديولا، على يد لاعبي فريقه السَّابق بارشلونة؛ أو أن يستذكروا تلك الإصابة الرَّأسية التي أحرزها دافيد لويز (لاعب باريس سان جيرمان، حالياً، وتشيلسي سابقاً)، فأخرج فريقه القديم من المنافسة الأوروبية الشَّهيرة.

على المستوى المحلي (وللأسف، أعني لندن وليس الخرطوم)، يمكن استرجاع القصَّة التي دارت بين جون تيري (لاعب تشيلسي) وليز فيردناند (لاعب مانشستر يونايتد سابقاً، وكوينز بارك رينجرز حالياً) وشقيقه أنطون فيرديناند (لاعب ريدينغ حالياً، وكوينز بارك رينجرز سابقاً)، والتي انتهت بمحاكمةٍ استمرت أربعة أيام، تمَّت فيها تبرئة تيري من تهمة العنصرية. كما يمكن تذكُّر الإصابة الوحيدة التي أحرزها داني ويلبيك (لاعب آرسنال حالياً، ومانشستر يونايتد منذ نعومة أظفاره)، أو ما يمكن أن يفعله في مباراة الأحد 17 مايو، عندما يلتقي الفريقان مجدَّداً، إذا خلي من إصابةٍ في ركبته، أو سمح له المدرِّب الفرنسي آرسين فينجر بمواجهة فريقه القديم مرَّةً أخرى.

إلا أن ما أود أن أسلِّط عليه الضُّوء في هذه المشاركة، هو مجموعةٌ من القصص، أختارُ منها خمساً، أدَّت إلى هزيمة فريق آرسنال اللَّندني في ملعبه يوم الاثنين 11 مايو من قبل فريق سوانزى الويلزي بهدفٍ وحيد، مع إن كلَّ التَّوقعات كانت تشير بقوة إلى فوزِ الآرسنال، إذ إنه الفريقُ الأكثر استعداداً، والأسطعُ نجوماً، هذا خلاف أنه ينافس لاحتلالِ المقعد الثَّاني في الدَّوري الإنجليزي، كما أنه لم يُهزم أبداً خلال هذا العام، ما عدا مباراة موناكو التي أخرجته وسط جمهوره من منافسات الدَّوري الأوروبي.

القصَّة الأولى تدور حول اللَّاعب البولندي لوكاش فابيانسكي (حارس مرمى فريق سوانزي حالياً، وآرسنال سابقاً) الذي انضم إلى الفريق اللَّندني في مايو 2007، وبدأ موسم 2010-2011 بوصفه خياراً ثانياً، بعد الإسباني مانويل ألمونيا. تعرَّض فابيانسكي لإصاباتٍ في موسم 2011-2012، فبدأ موسم 2012-2013 خياراً ثانياً، بعد البولندي فويتشيك تشيزني. لم يتحمَّل الأمرَ كثيراً، فانتقل إلى فريق سوانزي في مايو 2014. وكانت مباراة الاثنين 11 مايو مناسبةً لكي يثبت لمدرِّب فريقه القديم أنه حارسُ المرمي رقم واحد، وكان الأحرى أن يحتفظ به وفقاً لهذه الصِّفة، بدلاً عن بيعه بثمنٍ بخس إلى فريقٍ لا يضارعُ الآرسنال أو يقف معه كتفاً بكتف. وبالفعل، كان فابيانسكي نجم المباراة بلا منازع، حيث أنقذ فريقه الجديد من وابلٍ من الهجمات التي قادها عددٌ من مهاجمي فريقه القديم.

القصَّة الثَّانية تدور حول أرون (هارون) رمزي (لاعب وسط آرسنال حالياً، وسوانزي سابقاً). للذين لا يعرفون رمزي، هو لاعب وسط ممتاز، قاد فريق آرسنال والفريق القومي الويلزي إلى عدَّةِ انتصارات. وقد اشتُهر بسيطرته على الكرة، وتمريراته الذَّكية، وإحرازه لإصاباتٍ قاتلة في وقتٍ تمسُّ الحاجةُ إليها، وغالباً ما تكون هي الإصابةُ المرجِّحة بالفوز. وفي يوم الاثنين، تخلَّى رمزي عن تمريراته البديعة ومساعداته الشَّهيرة لزملائه بالملعب، إذ إنه كان متلهفاً لإحرازِ إصابةٍ ضد فريقه القديم، ربما لثأرٍ طال أمده أو لخلقِ انطباعٍ إيجابي لدى جمهور سوانزي أو لدى مدير الفريق القومي الويلزي، فضاعت محاولاته سُدًى، وكان من نتيجة ذلك أن تلقَّى فريقه الحالي هزيمةً موجعة، وإنْ كانت بهدفٍ يتيم.

أما القصَّة الثَّالثة، فإنها تدور حول اللَّاعب الفرنسي، أوليفيه جورو (رأس حربة فريق أرسنال منذ عام 2012، ومونبليه سابقاً). أصبح هدَّافاً رئيسياً لآرسنال في موسم 2013-2014، ويلي أليكسيس سانشيز في عدد الأهداف هذا الموسم، حيث أحرز حتى الآن 18 هدفاً (وسانشيز 24 هدفاً). ومع ذلك، فقد تعرَّض في الآونة الأخيرة لانتقادٍ شديد اللَّهجة من قبل اللَّاعب الفرنسي تييري أونري، هدَّاف آرسنال وبرشلونة السَّابق، وأسطورة كرة القدم العالمية، والمعلِّق الرِّياضي حالياً بقناة إسكاي الرِّياضية. تصدَّى جورو لانتقاداتِ أونري اللَّاذعة، وربما بإيعازٍ من وكيله الرَّسمي حتى لا تنخفض قيمته في الأسواق الكروية، إلا أنه لم يثبت شيئاً في مباراة الاثنين يمكن أن يغيِّر وجهة نظر أونري، وربما كان واقعاً تحت وطأتها أثناء اللَّعب، فاضطر مدير الفريق، الفرنسيُّ هو كذلك، إلى تغييره في الدَّقيقة الخامسة والسَّبعين من عمر المباراة، مما أفقد آرسنال فرصةً ذهبية للاستفادة من لعبه الجماعي وتمريراته الذَّكية.

وتدور القصَّة الرَّابعة حول اللَّاعب الفرنسي بافيتيمي غوميز (لاعب سوانزي حالياً، وليون الأولمبي سابقاً). ففي مرتين سابقتين، اتَّبع فريق سوانزي مع آرسنال نفس التَّكتيكات؛ وهي تتلخَّص في الدِّفاع بعشرةِ لاعبين، أو -على حدِّ التَّعبير الذي صاغه في الأصل مدرِّب تشيلسي جوزيه مورينيو- إيقافِ حافلةٍ على خطِّ الدِّفاع. وفي آخرِ عشرِ دقائق، يتمَّ إدخال غوميز للاستفادة من سرعته وطوله الفارع؛ ومن ثمَّ، يقوم أحدُ المدافعين بإرسالِ كرةٍ عالية وطويلةِ المدى خلف دفاع الآرسنال، فيقفز غوميز في الهواء بخفَّةِ الفهد، ويدفع الكرة دفعةً قوية برأسه محرزاً هدفاً تهتزُّ على إثرِه الشِّباك، مثلما تنفرطُ في أعقابِه قلوبُ المشجعين. وهذا على وجهِ التَّحديد هو ما حدث في الدَّقيقة الخامسة والثَّمانين في مباراة الاثنين.

أما القصَّة الأخيرة التي اخترناها ضمن هذه المشاركة، فهي قصَّة فريق آرسنال نفسه، فقد ظلَّ لعدَّةِ سنواتٍ يحتلُّ المركز الرَّابع في الدَّوري الإنجليزي، ويدخل في المنافسات الأوروبية عن طريق التَّأهيل، وليس بشكلٍ تلقائي مثلما يحدثُ للفرق الأوائل الثَّلاثة. وكان الأملُ معقوداً خلال أبريل وأول مايو من هذا العام أن يحرز آرسنال المركز الثَّاني، أو الثَّالث على أسوأ الفروض؛ ولكن نتيجة مباراة الاثنين تبدِّد هذه الآمال، وتضع آرسنال في مباراة الأحد 17 مايو ضد مانشستر يونايتد في موقف المدافع عن المركز الثَّالث أو الرُّجوع بالهزيمة إلى المركزِ الرَّابعِ المعهود، وكأننا يا بدرُ لا رحنا ولا جئنا؛ أو بالتَّعبير البلدي، فإن "حليمة" ستعود حتماً إلى "قديمها" أو سابق عهدها.

على ذكرِ العهد السَّابق، كان يوجد في الخرطوم في نهاية السَّبعينات وأوائل الثَّمانينات ركنا نقاشٍ سمح نظام جعفر نميري لهما، دون سواهما، بحرية التَّعبير. الأول، كان ركناً يديره أحمد مصطفى دالي تحت شجرةٍ وريفةِ الظِّلال على ساحةِ القصرِ الجمهوري، وسرعان ما انتقل هذا الرُّكن بشكلٍ منتظم إلى جامعة الخرطوم، بعد أن كان دالي يعقد في الجامعة أركاناً على نحوٍ متقطع؛ وسرعان ما أصبح ركنُ دالي ركناً رسمياً للحزبِ الجمهوري، ومثالاً يُحتذى لعدَّةِ أركانٍ لأحزابٍ مختلفة، كانت بمجملها – بجانبِ أنشطةٍ سياسيةٍ أخرى خارج الجامعة - بمثابةِ تمهيدٍ للانتفاضة التي أطاحت بنظام جعفر نميري نفسه في عام 1985. أما الرُّكن الثَّاني، فكان هو ركنُ الرِّياضيين، الذي يُعقد يومياً تحت شجرةٍ بين كشكين من الأكشاك القائمة على ميدان الأمم المتحدة في وسط سوق الخرطوم.

كنَّا نتعالى على مشجعي كرة القدم الذين يتقاطرون على الرُّكن كل صباح، وفي أيديهم صحفٌ ومجلاتٌ ملأى بالقصص الكروية، وكتيباتٌ وألبوماتٌ حافلةً بصورِ اللاعبين، كانت تُستخدم في دعمِ الحجج، وتدبيجِ القصص حول كوكبةٍ من اللَّاعبين عبر عدَّة حقبٍ للتَّدليل على عراقةِ نادٍ أو التَّبخيس من مقامِ آخر؛ وكنَّا ننسى في يفاعةِ الصِّبا أنهم كانوا يجدون لهم متنفساً عبر ذلك الانشغال الكروي، مثلما نجده نحن ساكني داخلية العرب في هارمونيكا صلاح حسن ومزماره الذي كان يُذهِبُ عنَّا مرارةَ العهدِ الدِّكتاتوري الثَّاني، كما جاء في صلبِ رسالتي لعادل القصَّاص. كما كنا ننسى أيضاً بأنهم مدفوعون بحسٍّ ودافعٍ بشريٍّ غريزي لإنتاجِ القصص التي تضيء ساحة رؤياهم وتعمٍّق مدارك فكرهم، بغضِّ النَّظرِ عن مادته، إن هي تخلَّصت تماماً من الحرجِ الأخلاقي.

في ختام هذه المشاركة، لا يفوتني أن أترحَّم على جدَّتي بتول بنت حسن، فقد كان حوش سليمان كركساوي ببيت المال يمتلئُ بالرُّواد، عندما تأتي إلينا من الجزيرة إسلانج، جزيرة الفكي الأمين، لتقضي بضعة أيامٍ يستمتع خلالها أطفالُ حي الكراكسة وأمهاتهم بحكاوٍ وأقاصيصَ لا تنتهي عن "ود النَّمير"، و"إبار في قزاز"، و"فاطمة السَّمحة"؛ وكانت أحاجيها تبدأ بعد صلاة العشاء مباشرةً، وتستمر إلى ما بعد منتصف اللَّيل؛ وفي الصَّباحِ الباكر، تأتي الأمهاتُ واحدةً تلو أخرى، وفي أعينهن بقايا من نُعاس، ليحملن أطفالهن الذين تداعوا اللَّيلة البارحة إلى النَّوم قبل اكتمالِ الحكاية.

محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:36 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

هنا يواصل محمد خلف سلسلة كتابته عن "السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة"، حيث عرض في الحلقة الأولى، "هزيمة حزب العمال البريطاني في الانتخابات الأخيرة كما رأتها صحيفة الغارديان":




السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة

2. بين التَّمديد التَّوافقي والتَّعميق القائم على الخلاف


للسِّياسةِ والثَّقافةِ معنيان، أحدُهما ضيٍّقٌ والآخرُ قائمٌ على التَّوسُّعِ في المصطلح؛ وكذلك هو الحالُ مع مفهومي الاقتصاد والاجتماع. فالسِّياسة بمعناها الضَّيِّق تشمل الممارسة الفردية والجماعية للأنشطة اليومية ذات الصِّلة بالمصلحة العامة، وتضمُّ بمعناها الواسع كلَّ ممارسةٍ ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية؛ فما من عملٍ وفق هذا المفهوم الموسَّع إلا وله صلةٌ، سلبية أو إيجابية، بالمصلحة العامة. والثَّقافة بمعناها الضَّيِّق تشير إلى التَّحصيل والتَّعميق المعرفي لحقلٍ من حقولِ التَّعلُّم، وتُقارِبُ بمعناها الواسع ما يشير إليه الباحثُ الأنثروبولوجي؛ فكلُّ ممارسةٍ في الحقل الذي يدرسه هي ذاتُ صلةٍ بثقافةِ ذلك المجتمع، مهما بعُدت في ظاهرها عن تكريس المعرفة. والاقتصاد، بالنِّسبة للباحثين والنَّاشطين ذوي النَّزعة الاقتصادوية، هو المفسِّر لمجمل الممارسات البشرية؛ فما من عملٍ يمارسه شخصٌ أو جماعةٌ في أيِّ مكانٍ أو في أيِّ حقبةٍ من الحقب إلا وله مردودٌ اقتصادي أو هو صادرٌ بسببٍ من نشاطٍ اقتصاديٍّ ظاهرٍ أو خفي. أما الاجتماعُ بمعناه الضَّيِّق فهو يمسُّ العلاقات المتداخلة القائمة بين الأفراد داخل مجتمعٍ بعينه؛ ويتَّسعُ المصطلح في معناه الآخر ليشمل الحقل الاجتماعي بمجمله؛ فما من ممارسةٍ سياسيةٍ أو ثقاقيةٍ أو اقتصادية إلا ولها صلةٌ وثيقة بالبنية الاجتماعية الشَّاملة، وهو المعنى الذي قصده المفكرُ الفرنسي لوي ألتوسير، وتبعه من العرب مهدي عامل، فلم يفقهِ النَّاسُ عنه شيئاً يُذكر.

عندما حرصنا على متابعة الأنشطة السَّردية في حقولٍ مختلفة، بدأت بعلم الأحياء إلى أن أوصلتنا إلى السِّياسة (والرِّياضة لاحقاً)، كنَّا ننظر لتلك الحقول بمعناها الضَّيِّق المُتعارف عليه، وكنَّا نقيِّدها أيضاً، ونشدُّها شدَّاً، بمداراتِ الحداثة؛ إلا أننا كنَّا ندرك في نفسِ الوقت أنَّ السَّردَ قد وُلد ولادةً جديدة مع تيارِ ما بعد الحداثة، الذي أخرج المفهوم من حقله المألوف وأوصله بالمجال الواسع للسِّياسة والثَّقافة والاقتصاد والاجتماع. وكانتِ البداية تقريرٌ كتبه المفكرُ الفرنسي جان-فرانسوا ليوتارد عن "وضعِ العلوم والتَّقنية، والفنون، وأهمية تحكُّم التِّكنوقراط (الفنيين)، والسَّبيل الذي يتمُّ عبره التَّحكُّم في تدقُّق المعلومات والمعرفة في العالم الغربي". وقد نظر للسَّرد باعتباره شكلاً من أشكال إضفاء الصِّبغة الشَّرعية على التَّعبيرات التي يتم إنتاجها من خلال تطوُّر المعرفة والثَّقافة؛ كما نظر أيضاً إلى العلوم وعددٍ من المذاهب المعروفة باعتبارها سردياتٍ أو محكياتٍ كبرى، ينقصها بردُ اليقين الذي ذهب أدراجَ الرِّياحِ في أعقابِ دخول المجتمعات في أحشاءِ العصر الما بعد صناعي، ونفاذِ الثَّقافات إلى باطن العهد الما بعد حداثي.

للاقتراب اللَّصيق من هذا الفهم الجديد لمصطلح السَّرد، لا بدَّ من وصله بمفهوم "الأزمة" عند توماس كن؛ و"الشَّرعنة" عند يورغن هبرماس؛ و"المزحة اللُّغوية" عند لودفيج فيتجنشتاين؛ و"الأدائية" عند جي إل أوستن؛ تمهيداً لفهمه ونقده في ذات الوقت؛ وهذا ما سنحاول فعله في حلقةٍ أو حلقاتٍ مكمِّلة لهذه المشاركة، بإذن الله.

محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:41 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الحلقة الثانية (الجزء الثاني) من مساهمة محمد خلف، عن السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة:



السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة

2. 2 بين التَّمديد التَّوافقي والتَّعميق القائم على الخلاف


قلنا في الحلقةِ السَّابقة من هذه المشاركة إن مفهوم السَّرد الذي انبثق مجدَّداً مع حركة ما بعد الحداثة يحتاجُ إلى إضاءةٍ ضرورية بوصلِه بمفاهيمَ ذات صلة، من بينها مفهوم "الأزمة" (توماس كن)، و"الشَّرعنة" (يورغن هبرماس)، و"اللَّعبة اللُّغوية" (لودفيج فيتجنشتاين)، و"الأدائية" (جي إل أوستن)؛ وذلك تمهيداً لنقده في ذات الوقت.

فلنبدأ بمفهوم "الأزمة" عند توماس كن، ولنمهِّد له كذلك بخلفيةٍ موجزة عن وضع العلوم في نهاية القرن التَّاسع عشر والثُّلُثِ الأول من القرن العشرين. شهدت السَّنوات 1896-1926 تطوَّراً عاصفاً في حقل العلوم الطَّبيعية، حيث بدأت تلك الفترة باكتشاف ظاهرة النَّشاط الإشعاعي (هنري بيكريل)، وانتهت بفصلِ الفوتونات عن الأشعة الضَّوئية (بعد أن كان يُنظر إلى الضُّوءِ باعتباره موجةً مندمجة غير قابلة للفصلِ إلى جزيئياتٍ متناهيةِ الصغر). كما شهدت تلك الفترة نشوء فكرة الكم (ماكس بلانك) التي تتلخَّص في أن الموجات الكهرومغنطيسية تتكوَّن من مقاديرَ صغرى من الطَّاقة تُسمَّى كمَّات، ومنها نشأت ميكانيكا الكم التي زلزلت أركان الفيزياء النِّيوتونية التَّقليدية.

شهدت هذه الفترة أيضاً مساهمة ألبرت آينشتاين الأولية في تطوير ميكانيكا الكم، كما شهدت مقاومته لنتائجها التي تبدو مخالفةً لما ألِف النَّاسُ عليه عند مقاربتهم للظَّواهر الطَّبيعية؛ وقد تخلَّلت هذه الفترة مساهماتُه الرَّئيسية في مجال الفيزياء؛ ففي عام 1905، نشر آينشتاين أربعَ أوراقٍ شهيرة، أرست إحداها أسس النَّظرية النِّسبية الخاصَّة، ونال عن أخرى جائزة نوبل للفيرياء في عام 1921؛ وفي عام 1915، أرسى أسس النَّظرية النِّسبية العامة بإضافة الجاذبية إلى نظريته الخاصة بالزَّمان والمكان. إلا أن آينشتاين لم يكن في السَّاحةِ وحده، فقد كان فارسُها الذي لا يُشقُّ له غُبار هو العالم الدنماركي نيلز بور، الذي تحلَّق حوله العلماءُ وأتوه من كلِّ حدبٍ وصوب، لإيجادِ تفسيرٍ مقنع للفيزياء الجديدة، التي عُرفت بميكانيكا الكم. فجاء إليه فيرنر هايزنبيرج (الذي أرسى مبدأ اللَّايقين)، وولفغانغ باولي (الذي وضع مبدأ الاستبعاد)، وبول ديراك (صاحب المعادلة الشَّهيرة التي تسمَّت باسمه)، وإيرفن شرودنغر (المعروف بتجربته الفكرية الشَّهيرة باسم "قطَّة شرودنغر"). هذا إضافة إلى آخرين ذوي شأنٍ كبير في مجال الفيزياء، لا يتسعُ المجالُ لذكرِهم.

عندما صاغ توماس كن مفهوم "الأزمة"، كان في باله هذه الفترة التي خلخت أسس الفيزياء التي أُرسيت فيما مضى. وقد أشار في كتابه الشَّهير "بنية الثَّورات العلمية" إلى هذه الحقبة، وإلى حقبٍ أخرى شهدت انتقالاتٍ شبيهة من النِّظام البطليموسي إلى النِّظام الكوبرنيكي، ومن الفيزياء الأرسطية إلى الفيزياء النِّيوتونية. وتتجلَّى سماتُ هذه "الأزمة" في أن العلماء يمارسون عملهم العلمي تحت إطارٍ نظريٍّ متفقاً عليه بين جمهرة العلماء. وعندما يظهر شذوذٌ أو مفارقاتٌ في عملهم اليومي، فإنهم لا يعزون ذلك إلى وجودِ خللٍ في الإطار النَّظري العام (البرادايم)، وإنما يظنون أنهم أخطأوا في تجاربهم المعلمية أو أنهم أخفقوا في مشاهداتهم أو تسجيل قياساتهم على وجه الدِّقة المطلوبة. ولكن عندما تتكاثر هذه المفارفات ويسود الشَّاذ أو يتغلَّب على النَّمط العادي، يضطرب عملُ الفيزيائين وتدخل الفيزياءُ نفسها في "أزمة"، تستدعي معها التخلِّي عن طريقة العمل الاعتيادية، واستبدالها بعملٍ استثنائيٍّ ثوري يقود في نهاية الأمر إلى الإطاحة بالإطار النَّظري القديم واستبداله بإطارٍ نظريٍ جديدٍ قادرٍ على تفسير المفارقات السَّابقة بما يشتمل عليه من توسيعٍ في مداه التَّفسيري، وبما ينطوي عليه من تحديثٍ لأدواتِ عمله. فهل كانت ما بعد الحداثة تطويراً أو توسيعاً للمدى التَّفسيري للحداثة؛ وهل كانت صياغتها لمفهوم السَّرد إضافةً أو استبدالاً لما اعتاد النَّاسُ عليه من سرد؟

سنقتربُ حثيثاً من إجابةٍ مُرضية، عندما نلملم أطراف "الشَّرعنة" عند هبرماس، و"اللَّعبة اللغوية" عند فيتجنشتاين، و"الأدائية" عند أوستن، ونرتقها بأوصال ما بعد الحداثة. وهذا هو الأفقُ المفتوح لعملنا في الحلقات التي خصَّصناها لمعالجة موضوع السَّرد ومقارنته في إطاره السِّياسي بين التَّمديد التَّوافقي والتَّعميق القائم على الخلاف.

محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:43 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الحلقة الثانية (الجزء الثالث) من مساهمة محمد خلف، عن السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة:



السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة

2. 3 بين التَّمديد التَّوافقي والتَّعميق القائم على الخلاف


يتمُّ الانتقالُ عند توماس كن من إطارٍ نظري أو صيغةٍ نموذجية (بارادايم) إلى أخرى عبر تحوُّلٍ في الصِّيغةِ النَّظريةِ نفسِها، يُحدِثه علماءُ يشتغلون داخل الصِّيغة القديمة في وقتِ أزمتها، ويتميَّزُ عملُهم هذا بشكلٍ نوعي عن عمل العلماء العاديين الذين رضوا بالصِّيغة القديمة، رغم دخولها في أزمتها الطَّاحنة. أمَّا يورغن هبرماس، فإنه ينظر إلى "أزمة الشَّرعنة" باعتبارها أزمةً تحيط بالنِّظام الاقتصادي السِّياسي الاجتماعي-الثقافي برمته؛ وتتجلَّى "الأزمة" في فقدان الثِّقة في المؤسَّسات الإدارية التي تدير المنظومات الفرعية (اقتصادية/سياسية/اجتماعية-ثقاقية) التي تشكِّل مجمل النِّظام. و"الأزمة" بإزاء النَّمط الغالب لهذه المنظومات الفرعية تتحدَّد بالنَّظر إلى التَّكوينات الاجتماعية السَّائدة في مجتمعٍ بعينه.

ففي التَّكوينات الاجتماعية البدائية القائمة على علاقات القرابة، تتجلَّى "الأزمة" في شكل تغييراتٍ تمسُّ هوية المجتمع من خارج؛ وفي التَّكوينات الاجتماعية التَّقليدية القائمة على حكم طبقةٍ سياسية، تتجلَّى "الأزمة" في شكل تغييراتٍ تعصف بالمجتمع من داخل؛ وفي التَّكوينات الاجتماعية الرَّأسمالية اللِّبرالية، القائمة على علاقات العمل المأجور ورأس المال، تتجلَّى "الأزمة" في شكل مشاكل اقتصادية، تتخفَّي في قناعٍ آيديولوجي يجعلها عصيَّةً على الحل (ومن هنا تأتي، في نظر هبرماس، أهمية الاتِّصالات لنزع الطَّابع الآيديولوجي لتلك المشكلات عبر تحليلها ونقدها)؛ أمَّا في المجتمعات الرَّأسمالية المتقدِّمة، القائمة على التَّركُّز الاقتصادي، فإن "الأزمة" تنشأ في كلِّ النِّظام: أزمات اقتصادية في المنظومة الفرعية الاقتصادية، وأزمة عقلانية وشرعنة في المنظومة الفرعية السياسية، وأزمات تحفيز في المنظومة الفرعية الاجتماعية-الثَّقافية.

يجدر الملاحظة هنا إلى أن مفهوم "الأزمة" عند كن، يرتبط بوجود العالِم الفرد في شبكةٍ من العلاقات الاجتماعية، تُحتِّم عليه، ليس النَّظر فقط إلى مقولاته وتعبيراته العلمية، وإنما أيضاً إلى إكسابها الطَّابع الشَّرعي بالوصولِ إلى اتفاقٍ جماعيٍّ في الرأي وسط مجتمع العلماء. إلا أن هابرماس لا يكتفي بالنَّظر إلى "الأزمة" داخل مجتمعٍ محدود، مهما كانت أهميته النَّوعية، وإنما ينقلها إلى المجتمع بأسره، بمنظوماته الفرعية المكوِّنة له، وبتشكيلاته الاجتماعية المختلفة. وربما يتبع هابرماس في ذلك تقليداً ألمانياً أصيلاً في النَّظر إلى النِّظام (أو مبدأ الكلِّية)، عوضاً عن الانشغال بظاهراتٍ معزولة، مهما بلغت من أهميةٍ في إضاءة ما حولها من ظواهر.

ويبقى لنا في هذه المشاركة تناولُ مفهوم "اللَّعبة اللغوية" عند فيتجنشتاين، و"الأدائية" عند أوستن، حتى نتمكَّن من متابعة مفهوم السَّرد الذي انبثق مجدَّداً مع حركة ما بعد الحداثة، خصوصاً وفقَ ما جاء في كتاب "حالة ما بعد الحداثة" للمفكَّر الفرنسي جان-فرانسوا ليوتارد.
محمد خلف

آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:46 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

ففي التَّكوينات الاجتماعية البدائية القائمة على علاقات القرابة، تتجلَّى "الأزمة" في شكل تغييراتٍ تمسُّ هوية المجتمع من خارج؛
وفي التَّكوينات الاجتماعية التَّقليدية القائمة على حكم طبقةٍ سياسية، تتجلَّى "الأزمة" في شكل تغييراتٍ تعصف بالمجتمع من داخل
وفي التَّكوينات الاجتماعية الرَّأسمالية اللِّبرالية، القائمة على علاقات العمل المأجور ورأس المال، تتجلَّى "الأزمة" في شكل مشاكل
اقتصادية، تتخفَّي في قناعٍ آيديولوجي يجعلها عصيَّةً على الحل
في المجتمعات الرَّأسمالية المتقدِّمة، القائمة على التَّركُّز الاقتصادي، فإن "الأزمة" تنشأ في كلِّ النِّظام


خلف سلام

لو سمح لك الوقت بعد الإنتهاء من الكتابة، أن تعطينا أمثلة لتلك الأزمات
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الحلقة الثانية (الجزء الرابع) من سلسلة حلقات محمد خلف، عن السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة:



السَّرد بوصفه بُعداً نوعياً للممارسة السِّياسيِّة

2. 4 بين التَّمديد التَّوافقي والتَّعميق القائم على الخلاف


في كتابه الموسوم "تحقيقات فلسفية" (وأحياناً يُترجم "بحوث فلسفية")، خرج لودفيج فيتجنشتاين بمفهومٍ جديد للُّغة هو مفهوم ’اللَّعبة اللُّغوية‘. ففي رأيه، يمكن النَّظر للاستخدامات الأولية للُّغة، سواءً أن كان ذلك في إطار التَّعلُّم أو أغاني الأطفال أو اللُّغات البدائية، باعتبارها ’ألعاب لغة‘؛ كما يمكن النَّظر أيضاً إلى اللُّغة نفسها باستخداماتها المختلفة بوصفها ’لعبة لغة‘. لكن ما هي الفكرة الثَّاوية خلف ’لعبة اللُّغة‘، وبالتالي ما هي ماهية اللُّغة نفسها بوصفها ’لعبة لغة‘؟

ويجيب فيتجنشتاين بالقول إنه لا توجد فكرة عامة مشتركة تجمع بين ’ألعاب اللُّغة، أو ما يمكن اعتباره بأنه لغة؛ كلُّ ما هنالك أنه توجد علاقة أو علاقات بين ’ألعاب اللُّغة‘، بحيث يمكن أن نشير إليها بأنها لغة. على سبيل المثال، فإن ألعاب الطاولة، وألعاب الورق، وألعاب الكرة، والألعاب الأوليمبية، كلُّها ألعاب؛ إلا أنه لا يوجد رابطٌ مشترك بينهما، وأن كلَّ ما يمكن أن يُقال هو أن هناك تشابهاتٍ وعلاقاتٍ بينهما هي أقربُ إلى "التشابهات الأسرية".

قد يظنُّ ظانٌ بأن التَّسلية عنصرٌ مشترك بين الألعاب، إلا أن هذا التَّصوُّر لا يصمد عند المقارنة بين لعبة الشَّطرنج والكلمات المتقاطعة. وقد يحسِبُ آخرُ بأن كلَّ الألعاب تتضمَّنُ منافسةً بين اللَّاعبين، إلا أن هذا الاعتقاد يتلقَّى ضربةً موجعة عند تأمُّل "لعبة الصَّبر" أو "لعبة سوليتير". وقد يعتقد غيره بأن كلَّ الألعاب تستلزم فوزاً أو خسارة، إلا أن هذا الظنَّ يتبخَّرُ عند النَّظرِ إلى طفلٍ وهو يرمي بالكُرةِ على الحائط، ثم يلتقطها مرَّةً أخرى. ويطلب فيتجنشتاين من القارئ أن يتأمَّل في الدَّور الذي تلعبه المهارة أو الحظ في مختلف الألعاب: أيٌّ منها يظلُّ قائماً، وأيُّ منها يختفي من غير رجعة. وقد يجد القارئ، وفقاً لفيتجنشتاين، عنصرَ التَّسلية في ترنيمةٍ للأطفال، ولكن أيُّ عنصرٍ آخرَ سيختفي من غير أثر.

يمكن، في نهاية المطاف، تلخيص وجهة نظر فيتجنشتاين بالقول إنه قد نبَّه مبكِّراً إلى تعدُّدية المعنى المتضمِّن في ألعاب اللُّغة. أمَّا الفيلسوف الفرنسي جان-فرانسوا ليوتار، فقد أخذ مفهوم التَّعدُّدية، ارتكازاً على ما جاء في "تحقيقات فلسفية"، ليسِمَ به "حالة ما بعد الحداثة" التي جاءت في أعقاب انهيار السَّرديات الكبرى، وهي نمطٌ من الخطابات التي لا تسمح بالتَّعدُّدية والاختلاف، بل تمارس التَّهميشَ والإقصاءَ للخطاباتِ الأخرى المنافسة، باستخدامِ مكوِّناتٍ تشمل الدِّين واللُّغة والتَّصوُّرات الشَّعبية السَّائدة.

محمد خلف

آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:48 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وهذه حلقة جديدة، بعث بها محمد خلف، في سياق فكرته الرئيسة، في هذا الخيط، عن موضوع السرد:



شخصيات القصَّة: سايكودراما من شخصيتين (نون واحد ونون اثنين)

1. الدَّور الذي يلعبه نون واحد


يشير علماءُ النَّفسِ بشكلٍ واسع إلى وجودِ نظامين، أو نمطين رئيسيَيْن للتَّفكير، وهما: نظام واحد (أو نون واحد، حسبما نرمز إليه اختصاراً)، ونظام اثنين (أو نون اثنين، حسبما نرمز إليه اختصاراً، كذلك). أما دانيل كانيمان، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في عام 2002، فإنه يمضي أبعد من ذلك، إذ إنه يشير إلى النِّظامين، في كتابٍ له صدر عام 2011 تحت عنوان: "التَّفكيرُ، سريعاً وبطيئاً"، باعتبارهما شخصيتين داخل دراما نفسية. نون واحد يعمل بشكلٍ تلقائي، وفي غايةِ السُّرعة، ومن غير جهدٍ يُذكر أو أيِّ إحساسٍ بالتَّحكُّم الطَّوعي. أما نون اثنين، فإنه يعطي اهتماماً للأنشطة العقلية التي تتطلَّب جهداً، مثل العمليات الحسابية المعقَّدة؛ لذلك، فإن نون اثنين غالباً ما يرتبط بالتَّجربة الذَّاتية للأفراد، وبما يختارونه، وبالأشياء التي يركِّزون عليها.

بالرَّغم من أن النَّاس عادةً ما يربطون أنفسهم بنون اثنين، وهي الذَّات الواعية المفكَّرة، التي لديها معتقداتٌ، كما تملك خياراتٍ، وبإمكانها أيضاً أن تقرِّر بشأنِ ما تفكِّر فيه أو تعمله، إلا أن كانيمان قد اختار نون واحد، ليكون بطلاً لكتابه الصَّادر في عام 2011. ويصف كانيمان بطل كتابه بأنه تعبيرٌ عن مجموعة الانطباعات والمشاعر التي تنبثق من غيرِما جهدٍ يُذكر، والتي تشكِّل في مجموعها مصدراً رئيسياً للمعتقدات المحدَّدة والخيارات المتعمَّدة التي يملكها نون اثنين. فالعملياتُ التِّلقائية لنون واحد تقودُ بشكلٍ مدهش إلى توليدِ أنماطٍ معقَّدة من الأفكار، إلا أن نون اثنين الأكثر بطئاً في عملِه هو الذي ينشئُ الأفكارَ في سلسلةٍ من الخطوات المنظَّمة. ويحثُّ كانيمان القارئ على النَّظر إلى النِّظامين (نون واحد ونون اثنين) بوصفهما شخصيتين لهما قدراتهما وإمكانياتهما المحدودة.

يعطي الكاتب أمثلةً للأنشطة التِّلقائية التي تُنسبُ عادةً لشخصية نون واحد، حيث يقول إنها قادرةٌ على أن تستبينَ بوضوحٍ كافٍ أن شيئاً ما يلوحُ في الأفق هو أبعدُ من شيءٍ آخر؛ وإنها مهيئةٌ لأن توجِّه انتباهها إلى مصدرِ صوتٍ مباغت؛ وبإمكانها أن تُكمِلَ عبارةً على شاكلة "على نفسِها جنتْ....."، أو إذا كانت من عُشَّاقِ الأغاني السُّودانية، أن تُكمِلَ عبارة "الشُّوق و....."، هذا إنْ لم تردِّد فورَ إكمالِها: "تارا رارا را-را را-را"؛ وإنَّ وجهَها يكفهرُّ ويقشعرُّ بدنُها، عندما تتبدَّى أمامها صورةٌ مروِّعة؛ وإنها قادرةٌ على تمييزِ نبرةً عدائية في صوتٍ بشري؛ وبإمكانها أن تجِدَ إجابةً صحيحة لحاصلِ جمع 2+2=؟؛ وهي قادرةٌ على قراءةِ العباراتِ المكتوبة على لوحاتِ الإعلاناتِ الكبيرة على جانبي الطَّريق؛ وتستطيعُ قيادة السيارة في طريقٍ خالٍ من حركة المرور؛ كما بإمكانها أن تحقِّق أفضل نقلات الشَّطرنج (إذا كان الشَّخص المعتمد عليها ماهراً في لُعبة الشَّطرنج)؛ وتستطيع شخصية نون واحد أن تفهم جملاً بسيطة؛ وأن تدرك أن "الرُّوح الوديعة التي جُبلت على التَّنظيم والتَّرتيب، والتي لديها ولعٌ كبيرٌ بالتَّفاصيل" هو وصفٌ يطابق إلى حدٍّ كبير الشَّخصية المهنية النَّمطية.

يقول الكاتب إن قدرات نون واحد تشمل المهارات الفطرية التي نتشارك فيها مع بقية الحيوانات. فنحنُ، حسب وجهة نظر كانيمان، قد وُلدنا باستعدادٍ غريزي لإدراكِ العالم من حولنا، ولتمييزِ الأشياء، ولتوجيهِ الانتباه، ولتفادي الخسارة، وللخوفِ من العناكب. أمَّا الأنشطة العقلية الأخرى، فإنها تصبح سريعةً وتلقائيةً من خلال الممارسة الطَّويلة. ويتعلَّمُ نون واحد الرَّبطَ بين الأفكار (عاصمة مصر، على سبيل المثال)، ومهاراتٍ مثل القراءة، وفهمَ الفروقِ الدَّقيقة في المواقف الاجتماعية. ويعتقد الكاتب أن بعض المهارات (مثل معرفة أفضل النَّقلات في لُعبة الشَّطرنج) يتمُّ اكتسابُها بواسطة الخبراء المتخصِّصين فقط، إلا أن غيرها يتمُّ تقاسُمُه على نطاقٍ واسع بين عامَّةِ النَّاس، حيث تُحفظُ المعلوماتُ في الذَّاكرة، ويسهُلُ الوصولُ إليها من دونما قصدٍ أو جهدٍ يُذكر.

نختم هذه الحلقة بالقول إن دانيل كانيمان، عالمَ النَّفس الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في عام 2002، يعتبر أن نظامَي نون واحد ونون اثنين قائمان على تقاسمِ عملية التَّحكم في الانتباه؛ فعلى سبيل المثال، فإن توجيه الانتباه نحو صوتٍ عالٍ هو عادةً عمليةٌ لا إرادية تقع ضمن اختصاص نون واحد، إلا أن نون واحد يحرِّك في ذات الوقت، أو على الفور، الانتباهَ الطَّوعيَّ لنون اثنين. ففي مقدور الشَّخص أن يقاوم، على سبيل المثال، الالتفات نحو مصدر الصَّوت العالي أو التَّعليق النَّابئ في قاعةِ حفلٍ مكتظَّةً بالضُّيوف، ولكن حتى لو لم يلتفت رأسُ المرءِ، فإن انتباهَه يبقى مشدوداً، ولو لفترةٍ وجيزة، تجاه الحدث. إلا أنه من الممكن صرف الانتباه عن مركزِ حدثٍ غير مرغوب في متابعته، وذلك بتركيز الانتباه عن عمد، وبصورةٍ رئيسية، على شيءٍ آخر.



سوف نخصِّص الحلقة الثَّانية، بإذن الله، للدَّور الذي يلعبه نون اثنين؛ وربما تطرَّقنا في حلقةٍ ثالثة إلى دورِ كليهما في تقييمِ الأدلة، واتِّخاذِ القرارات، والاقتصادِ السُّلوكي، على وجهِ العموم.

محمد خلف
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد أكتوبر 04, 2015 12:52 pm، تم التعديل مرة واحدة.
أضف رد جديد