قمر أرجب .. وبدر مكتمل

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
تاج السر الملك
مشاركات: 823
اشترك في: السبت أغسطس 12, 2006 10:12 pm
مكان: Alexandria , VA, USA
اتصال:

قمر أرجب .. وبدر مكتمل

مشاركة بواسطة تاج السر الملك »


1
لا أدري كم من مرة فاجأتني مقدمة البيانو الموسيقية في (Levon) مثل قمر أرجب و بدر مكتمل، وكأنني أسمعها للمرة الأولى، عشرة أقمار مضت، وعشرة قادمات، و الأفق يحدد ضوءه، و الشجر يخلع معاطفه ينتصب عارياً في الشتاء، ومكتسياً بالخضرة في الربيع، يغري بكثافته مزن الصيف فتزداد زرقة على زرقتها، و من المقاهي تنبعث مثل ذكرى أليفة لنهار في (طرطوس)
حبيتك تانسيت النوم

ممعن في غربته النهار
حابسني براة النوم وتاركني سهراني

و غرف النزل الرخيص، يسيل منها الماء، مثل مسيله على السحب و السماء و البحر و الطرقات، و للبحر رائحة الصدأ و المشاعر المالحة، هومت في حضرة الجالسين في بهو الفندق ساعة، حول المدفأة يمدون أصابعاً يظللها التعب، غليظة مثل خوابير قوارب الخشب، يعبر عليها العائدين من البحر الاسود، الى جزيرة ( أرواد)، كل ساعة من اليوم

أحمد الله ياللى ما خلأك متلو
و مالي؟؟

نظرت الى شعري الكثيف المستدير مثل كرة سوداء في مرآة الأستقبال، يومئ الرجل و هو يحدث مكلوماً يجلس بين يديه ناحيتي، و لعله حلاق، جاءت شرطة ( البعث)، و أخذته أسيراً للفكرة و طيب الناس خاطري

( لكان أنتو عرب العرب، الله دخيلك، شوهالحكي و لك)

تركتهم يتباحثون في الأمرحتي عودة ( ليفنغستون) في رفقة أصدقاء الشدة و التعب، و فيروز في تحولاتها، أشبه الى نغم يجاري أنغام ( الديكسيلاند)
يسعد صباحك يا حلو

نظرت شعري الافرو في المرآة مرة أخرى، وكأنها للتو خاطبتني، قلت لنفسي و أنا أعبر الردهة، لماذا يبذل البشر كل هذه الطاقات لبناء الحضارات حتي يعودوا لهدمها؟؟؟ فلم يجبني أحد، رفعت أصبعاً في الهواء، و قبل أن يشيرأحد بمنحي الفرصة، أجبت( المال)، و حضرني قول من قال ( الناس كالدواب، اذا أحسنت أمساك الرسن و تقديم العلف انقادوا اليك)، و على استحياء سألتني
(والدين؟؟؟).

2
أصعد، أهبط، و أشهد أن دماً يفارق ذريً شاهقة، و دم يهبط أودية و أوعية، سرى الماء في صدع ظهري كالزئبق، حتي اذا انتصبت ذراعي تحملان نصف جسدي الأعلي، نظرت القمر من النافذة، فعويت من يأس، همست في أذنها، بأنني كنت طبيباً مشهوراً في بلادنا، و أنني ثري، و أنني غير ما تراني ، أمنت برأسها موافقة، و ابتسمت في وجهي من رثاء و اشفاق.
انكفأت على وجهي، فارتد الزئبق في واد غير ذي عشب، فنبت الفطر وتفتق العطر، ها قد سخت الحياة ودنت قطوفها، تلاشى طعم الملح و الريح من فمي، كف الطارق ذو المقارع عن جفني، فاسبلت عيناي معاً، غاب عن مسامعي صدى الرعد، و شع البرق في ظلمة روحي مثل قمر أرجب أو بدر مكتمل، جئت أو كدت، جاءت أو كادت، نطقت بلسانها، و لساني رابض في كهفه مثل حرباء، أو ثعبان مختنق بضفدع، أو بركان يهم بقذف حممه، و لكنه اكتفى بالهدير و النذير.
أصعد، أهبط، ذكرى تجئ، و ذكريات تغيب، ذئاب و أغنام ضالة تسعى، يد في نحرها، و يدها من ضلعي، تمتد مثل فرع أخضر يكاد ينفلق عن جذعه، ينوء بثقل حمل أثمار كالأوزار، ناقة تمضي في التيه، تجر حبلاً منعقداً في دلو يسكن بئراً خوت عروشها حتي سكنتها أغنيات الجن، ذكرى تجئ و أخريات تضئ، أيلاج و أفراج، و عظم منسحق بين صخرتين، سكتت اغنيات الجن عن ردتها، و أعلنت الريح الصرصر توبتها.

3
عادني السيد ( شافت)، سعيداً بجدته التي اكسبتها له وسائط الأعلام الحديثة، ذلك المساء، لم يغير معطفه الجلدي الواسع، و مشيته التي تشبه مشية القوادين، و كل عشيقاته منطرحات على ظهورهن حول تمثاله الرملي، تجولنا في ذلك المساء على غير هدى، المساء نفسه وهواءه النشط يلهب تنورات النساء سياطاً من إغراء و دهشة، إغراء قمر أرجب وبدر مكتمل، قلت له
(من رأى ما رأيت يتساوي عنده البشير و النذير)، طأطأ راسه وقال
( هل نسيت أنني ممثل؟؟)
ثم أنصرف الى سبعيناته في القرن العشرين.

4
بقيت ليلتي وحيداً، خلف الطرقات و خلف الشبابيك، تاملت في دقة ترتيب الكون وفي فوضاه العارمة، لم يسقط النجم ( هالي) الذي انتظرناه طويلاً، ولا العام (84) كان نهاية الحياة على الأرض، كما عرفتها البشرية و الأميبا، و لكن القذائف التي يصنعها البشر، ظلت على وتيرة تساقطها، تقتل الأحياء في بور بيروت، تسقط على ارتال العمال و هم يعودون منهكين في المساء، و على نساء الفور و اطفالهن، قبل أن يتاح لهن اطعامهم بما يسد الرمق.

5
لم أدر كيف اسوق خبر موت خالتي الى أمي شقيقتها الصغرى، لمحتها من وراء الشباك، وهي تتلو آية أو تتحوقل من شر ما خلق، ولعلها غارقة في هواء المدائح النشط الذي يشبه قمراً أرجب أو بدر مكتمل، إلتقت عيوننا لبرهة، فشع وجهها بالجمال، حتى سرت رعدة الحب في جسدي، فخفق، أخذتها بين ذراعي مثل طفلة، فالهيتها عن الذكر و تضرج محياها ، جرت ذؤابة ثوبها بيدها اليمني، فاصابني عطر ثوبها المقدس، فتمنيت أن أعود طفلاً، لا أخجل من تتبع خطواتها اينما ذهبت، يصيح بى أبي من غيظ و حنق و غيرة
( ود امه)
فلا أحفل به الا من نظرة هازئة تزيد نيران حنقه أوارا، أمص أصبعي، و أتمدد داخل ثوبها، فتغني لي
الليلة شوفو سماحتو دي
ست بيتو فوق بيتي بتجي

6
ياله من بحر اسود.
أضف رد جديد