ما الذي كان، وما يزال، يجري داخل الحركة الشعبية - شمال؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

مابين اردول والصحاف بقلم :
الشاذلى تيرا

08-12-2017


طالعت صباح العاشر من اغسطس من هذا العام المقال الذي خطه الرفيق مبارك اردول حول قرارات الرفيق الفريق عبد العزيز الحلو رئيس لحركة الشعبية لتحرير السودن في بعض القضايا التنظيمية المتعلقة باعادة ترتيب الحركة الشعبية لتحرير السودان حيث شملت تغيرات علي مستوي القيادة العليا للحركة الشعبية واعادة تعيين كبار الضباط المفصولين تعسفيا من الجيش الشعبي لتحرير السودان الي جانب اعادة عضوية المفصولين المدنين تعسفيا واخيرا تعيين اللجنة التنظيمية لعقد المؤتمر العام الاستثنائي مضاف الي ذلك تعيين لجنتي اعداد مسودتي المنفستو والدستور وهي الوثائق الاساسية التي يجب ان تتم اجازتها بالمؤتمر العام الاستثنائي القادم ، وقد وصف اردول الناطق الرسمي بأسم (عقار وعرمان) تلك القرارات بأعتبارها اعلان حركة جديدة من جانب الحلو لوحده ثم تناول تلك القرارات و يتلخص مجمل حديثه بكونها تخص مايسمي بالقوميين النوبة وعدم قوميتها وانها ستؤدي في مقبل الايام الي عواقب لن يحمد عقباها ثم اشار الي انهم ستكون لهم ردود افعال ستُري في مقبل الايام .

ان مايحيرني في المقال هو سر انشغال الناطق بأسم ( عقار وعرمان) بمايدور داخل اروقة الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد أن تم اقالة بنجاته من قبل مجلسي تحرير جبال النوبة والنيل الازرق فقد اصبحت حركتهم لاشغل لها الا أن تكون كل تحركاتها وقراراتها عبارة عن ردة فعل لما يحدث داخل التنظيم الذي تم ابعادهم عنه بإرادة جماهير و عضوية الحركة الشعبية بأعلي المستويات التنظيمية ولكن يبدو أن حقيقة الامر تكمن في أن الذي ينشره اردول هو مايمليه عليه ولي النعمة (ابوطيارات ) حيث يبدو الامر بأن من يقول ذلك هو ابن الجبال وليس حليف الجلابة المستقبلي فالعلاقة بين الاثنين هي علاقة مصلحة تنبني على استفادة كل طرف من الاخر ف (عقار وعرمان ) في حوجة الي رمز من ابناء الجبال يزري الرماد بالاعين و اردول هو الشخص المناسب لذلك أما هو فيحتاج الي الاثنين من اجل تحقيق ذاته على المستويين الشخصى والسياسى وهذه العلاقة تشبه الى حد كبير العلاقة مابين الفطريات والطحالب وهي ماتسمي بالاشن في علم الاحياء حيث يحتاج كل منهما للاخر حتي يبقي على قيد الحياة.فالطحالب له القدرة على القيام بعملية التمثيل الضوئى وبالتالى تنتج الغذاء والفطريات تكون فى الاسفل و ليس لها القدرة على ذلك بل تقوم بتحليل الصخور بواسطة انزيماتها لاستخلاص الاملاح المعدنية والماء التى وهى علاقة منفعة تكافلية فلايمكن أن يوجد احدهما بمعزل عن الاخر.

فالسؤال الموضوعي ماهو الضرر في ان تتم اعادة هيكلة التنظيم بعد الخلافات التظيمية التي حدتث علي المستوي القيادي وهل حقا أن المؤتمر الوطنى هو المستفيد الاول مما يحدث ؟ بالتأكيد أن الاجابة هى لا. إن تجربة المؤتمر الوطنى بالانتخابات التكميلية بجنوب كردفان التى كان الرفيق الناطق بأسم (عقار عرمان) جزء منها تؤكد أن كل الرعب والشلل قد اصاب اجهزة المؤتمر الوطنى نتيجة للعمل المنظم والدقيق الذى قام به الرفاق و قوى السودان الجديد خلال تلك الانتخابات واؤكد أن مايحدث الان من اعادة تنظيم لايمكن ان تسر المؤتمر الوطنى مهما كان الامر وهذا ماذهب اليه اردول وفى ذلك لم يصدق ولن .

إن الحديث عن القوميين النوبة الذى يصدح به اردول انما هو محض خيال فى ذهنة فأول ماينفى ذلك هو الانتماء العرقى للرفيق الحلو فهو من ابناء دارفور ومن طالب بقيادته للتنظيم هم جماهير الحركة الشعبية بجنوب كردفان وهم من قوميات مختلفة غير النوبة و كذا الامر ينطبق على النيل الازرق ، ويبدو أن الرفيق لم يطلع على اسماء اللجان التنظيمية للاعداد للمؤتمر حيث هنالك رفاق من اقصى شمال السودان ومن الوسط الى جانب دارفور فأى شئ يريد الناطق بأسم (ابوطيارات) ، إن هذه الهجمات والادعاءات الكاذبة تؤكد عدم وجود برامج للمجموعة المقالة بواسطة مجلس التحرير ونسدى اليهم النصيحة لان يبحثوا لهم عن مخرج للازمة الت يعانون منها فلامر اصبح لايعنيكم فيارفيق (ياخي خلي بالك في ورقك )بالرغم من انو ورق ذاتو ماعندكم .

ختاماً اصبح المتحدث بأسم ( عقار وعرمان) يشبه ا لي حد كبير الصحاف ابان حرب الخليج حيث ملاء الرجل الارض ضجيجاً بأن القوات العراقية سوف تبيد الامريكان وقوات التحالف الي أن فوجئ العالم بسقوط بغداد وهروب صدام واختباءه داخل الحفر و حينها تكشف مدي زيف الصحاف . نحن بأنتظار ماستسفر عنه الايام و سوف نري في ارض سوف تكون حركتكم المزعومة ( الداية ام حجرين ) اللهم ان تكون في كبالاقالا أو اى عاصمة من عواصم العالم فالكل يعلم من هم الموجودين فى ارض القتال وبالجبهات ومن هم الذين يحتفلون بعيد ميلادهم فى الاندية الفاخرة وهم يحتسون الصودا ويركبون الطائرات. .

رفيقى يقول اهلنا بالبلدى (شهر ماعندك فيهو نفقة ما تحسبو) وؤاكد لك حتي هذه اللحظة لايزال العشم موجود في ان ترعوي وسوف ينعقد المؤتمر العام الاستثنائى ان شئتم ام ابيتم فالنضال مستمر وستظل قوات الجيش الشعبي قابضة علي السلاح الي حين قيام نظام يمكن ان يجد كل السودانيين انفسهم به .



[email protected]


https://www.alrakoba.net/articles-actio ... -80926.htm

*

صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بقية قرارات عبد العزيز الحلو المتعلقة بتغييرات هيكلية باررزة (والمادة وصياغتها منقولة من بيان أصدره أرنو نقوتولو لودي، الناطق الرسمي باسم الحـــركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان شمال):




5. إعادة الرفاق الذين تم إعفاؤهم من مهامهم تعسفياً وهم:

1) الرفيق عميد. أرنو نقوتولو لودي الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان شمال
2) الرفيق د. عمر مصطفى شركيان ممثل الحركة الشعبية بالمملكة المتحدة وإيرلندا
3) الرفيق. صابر إبراهيم أبوالسعدية ممثل الحركة الشعبية بجنوب افريقيا
4) الرفيق. عثمان أحمد كورينا نايل ممثل الحركة الشعبية في هولندا
5) الرفيق. آدم موسى أبوالتيمان ممثل الحركة الشعبية في كندا

6. تكوين لجان وآليات المؤتمر القومي الإستثنائي للحركة الشعبية لتحرير السودان شمال:

‏I. اللجنة التحضيرية العليا من عضوية كل من:

1) الرفيق/ أرنو نقوتولو لودي رئيساً
2) الرفيق/ عبدالله إبراهيم عباس نائباً للرئيس
3) الرفيق/ د. أحمد عبدالرحمن سعيد مقرراً
4) الرفيق/ سيلا موسى كنجي عضواً
5) الرفيق/ قاضي عمر رمبوي عضواً
6) الرفيق/ هاشم عبدالله إبراهيم عضواً
7) الرفيق/ عوض أرباب عمر فضل الله عضواً
8) الرفيق/ الطيب عبدالله أحمد فارس عضواً
9) الرفيق/ الجاك محمود أحمد الجاك عضواً
10) الرفيق/ عزالدين موسى إدريس عضواً
11) الرفيق/ عادل إبراهيم شالوكا عضواً
12) الرفيقة نجلاء عبدالواحد آدم عضواً
13) الرفيقة/ روضة السماني آدم عضواً
14) الرفيق/ أموس زكريا نجاكا عضواً
15) الرفيق/ عطيه عطرون عطيه عضواً
16) الرفيق/ ديفيد كوكو توتو عضواً
17) الرفيق/ إسماعيل أبوبكر مصري عضواً

‏II. لجنة إعداد مسودة منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بعضوية كل من:

1) الرفيق/ التجاني تمه الجمري رئيساً
2) الرفيق/ د. أبكر آدم إسماعيل مقرراً
3) الرفيق/ محمد عمر أحمد الحبوب عضواً
4) الرفيق/ الطاهر محمد إدريس عضواً
5) الرفيق/ عبدالله إبراهيم عباس عضواً
6) الرفيق/ كوكو محمد جقدول عضواً
7) الرفيق/ هاشم عبدالله إبراهيم عضواً
8) الرفيق/ الطيب عبدالله أحمد فارس عضواً
9) الرفيق/ عوض أرباب عمر فضل الله عضواً
10) الرفيق/ أيوب جرمايا كروج عضواً
11) الرفيق/ كودي عبدالرحمن هنيلا عضواً
12) الرفيق/ عادل إبراهيم شالوكا عضواً
13) الرفيقة/ أماني موسى كودي عضواً
14) الرفيق/ د. محمد يوسف أحمد المصطفى عضواً
15) الرفيق/ د. عمر مصطفى شركيان عضواً
16) الرفيق/ د. خالد إبراهيم كودي أنجلو عضواً
17) الرفيق/ خالد عمار حسن عضواً
18) الرفيق/ عمار نجم الدين جلق عضواً
19) الرفيق/ أرشلدي آدم هارون عضواً
20) الرفيق/ عاطف موسى نواي عضواً

‏III. لجنة إعداد مسودة دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بعضوية كل من:

1) الرفيق/ عمار آمون دلدوم رئيساً
2) الرفيق/ متوكل عثمان سلامات مقرراً
3) الرفيق/ حماد المامون حماد عضواً
4) الرفيق/ بروفيسور. تيسير محمد أحمد عضواً
5) الرفيق/ أموس زكريا نجاكا عضواً
6) الرفيق/ رمضان إبراهيم شميلا عضواً
7) الرفيق/ إدريس ناجي أغبش عضواً
8) الرفيق/ عبيد عبدالله النور عضواً
9) الرفيق/ فضل أبوشوك فضل عضواً
10) الرفيق/ موسى إسماعيل عيسى عضواً
11) الرفيق/ عبدالرحمن إسماعيل أحمد عضواً
12) الرفيقة/ حفصة إدريس المارن عضواً
13) الرفيق/ إدريس النور شالو عضواً
14) الرفيق/ ياسر أحمد سليمان عضواً
15) الرفيق/ كمال ضيفان بابكر عضواً
16) الرفيق/ عثمان طربوش البدوي عضواً
17) الرفيق/ ديفيد كوكو توتو عضواً
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

نداء:



من القائد مالك عقار إلى مجموعة "الأدوك"




● منذ أن أعلن نائب الرئيس السابق للحركة الشعبية عن إنقلابه عمد إلى تحريض الرفاق من مجموعة الادوك الذين سبقوا وأن طالبوا قيادة الحركة الشعبية قبل ثلاثة أعوام بالمطالبة لهم بحق تقرير المصير للإنضمام لدولة جنوب السودان كأقلية مسيحية مضطهدة، وقد دخلت معهم قيادة الحركة في حوارات مطولة شارك فيها على مستوى القيادة نائب رئيس الحركة السابق ووصلنا معهم بإن الإتجاه العملي والصحيح هو أن تكون لهم ترتيبات خاصة تحفظ حقوقهم الثقافية والمواطنة المتساوية في إطار إقليم النيل الأزرق والسودان.
● وقد عملت في قيادة هؤلاء الرفاق لأكثر من ثلاثين عاما في الحربين الأولى والثانية وهم رفاق أعزاء وأصحاب قضية حقيقية ولم نشهد خلالها أي حرب داخلية فلماذا يحدث ذلك الآن؟.
● الحركة الشعبية الحالية قامت بإندماج ثلاثة وحدات هي النيل الأزرق والقطاع الشمالي وجبال النوبة/ جنوب كردفان، وماقام به نائب الرئيس السابق بالإخلال بهذه الموازنات، وقد قسم الحركة على المستوى القومي ومستوى جبال النوبة وحرض مجموعة الأدوك في النيل الأزرق وهو المسؤل من قيادتها الآن بعد أن قام بترقية اللواء جوزيف تكة برتبة فريق وعينه نائبا له، وظل منذ شهر مارس الماضي يقودهم في حروب داخلية لن تخدم الا نظام الخرطوم وقد قاموا بمهاجمة رئاسة رئيس الحركة الشعبية في النيل الأزرق في أول هجوم لهم، وكنت على إتصال باللواء جوزيف تكة الذي كان يرفض ذلك في البداية.
● ومعلوم إنني قدت النيل الأزرق في الحرب الأولى والثانية وشاركت في قيادة الحركة الشعبية في مواقع مختلفة والإنقلاب على رفقة العمل المشترك الذي قام به نائب الرئيس السابق لن يفيد الا الخرطوم، وسيضعف الحركة وسكان المنطقتين لاسيما المجموعات الصغيرة والمدافعة عن حقوقها ضد نظام الخرطوم مثل مجموعة الأدوك.
● على الرغم من إنني كنت واليا منتخبا في النيل الأزرق وأدير حكومة الإقليم لكنني لم أتوانى وزملائي الآخرين في قيادة الحركة من الوقوف مع شعب جبال النوبة/ جنوب كردفان ونائب الرئيس السابق ضد عدوان حكومة المؤتمر الوطني، وما يقوم به نائب الرئيس السابق مكافأة في غير محلها بمحاولة تقسيم شعب النيل الأزرق لمصلحة الخرطوم، فهي الوحيدة المستفيدة من ذلك.
● ماحدث في يابوس في اليومين الماضيين جاء كنتيجة مباشرة بعد أن حاول نائب الرئيس أن يفرض قيادة جديدة على شعب النيل الأزرق المهمش والفقير والذي يناضل ضد الخرطوم، وأصبح يصدر تعليماته متجاوزا كل الهياكل في النيل الأزرق بمافي ذلك إنه بداء بمهاجمة مقر رئاستي.
● عمل نائب الرئيس السابق بتزوير إرادة شعب النيل الأزرق عبر مجلسه الذي عينه في جبال النوبة والذي لا يمثل حتى إرادة شعب النوبة، ونائب الرئيس السابق هو الشخص الوحيد في قيادة الحركة الشعبية الذي لم يقم حتى بزيارة النيل الأزرق طوال السبعة سنوات الماضية دعك أن يتطلع لقيادتها.
● سبق وأن كونت لجنة للجلوس مع كآفة الفرقاء لوضع حد للإقتتال الداخلي الذي هو نتيجة طبيعية لإنقلاب عبدالعزيز الحلو وأن تكون المهمة الأولى هي حماية المدنيين وإيصال الإحتياجات الانسانية وتحقيق المصالحة والسلام المجتمعي وتوحيد الحركة الشعبية، وأنا على إستعداد لقيادة كل ذلك، وقد أصدرت توجيهات مباشرة لقيادة الجيش الشعبي في هذا الصدد.
● أوجه قوات الجيش الشعبي بوضع حماية المدنيين كأهمية قصوى وحماية المنظمات العاملة في تلك المناطق، وأدعو أطراف الإقتتال الداخلي للإتفاق حول لجنة محايدة للتحقيق حول ما جري في النيل الأزرق والطريق إلي إجندة مستقبلية مشتركة.
● المسؤلية الحقيقية لما جرى مؤخرا في يابوس يتحملها نائب الرئيس السابق لمحاولته فرض واقع لايمكن فرضه في النيل الأزرق والتمدد بإنقلابه بشكل لن يفيد الا الخرطوم، وهو الذي أحدث إنقسام حقيقي الآن في جبال النوبة دعك عن النيل الأزرق.
● نائب الرئيس السابق في جميع إستقالاته قال إنه لا يستحق أن يكون نائب الرئيس لأنه لاينتمي إثنيا الي النوبة ونحن لا نشاركه هذا الرأي، ولكن دعنا نسأله كيف يتطلع الي قيادة النيل الأزرق اذا كان هذا هو رأيه في ما يتعلق بجبال النوبة؟.
● بالنسبة لحق تقرير المصير إنني كرئيس للحركة الشعبية مع الحكم الذاتي ومع وحدة السودان على أسس جديدة، ولكن لا أمانع من المشاركة في نقاش ديمقراطي حول طرح حق تقرير المصير وأخذ راي شعوب المنطقتين لا أن يفرض ذلك عبر إنقلاب، والا لماذا حاربنا عمر البشير الاب الروحي للإنقلابيين جميعا، إنقلابي الغابة أو إنقلابي الصحراء.
أخيرا إنني أمد يدي للمصالحة وتوحيد الحركة الشعبية، فالمعركة الحقيقية هي مع نظام الخرطوم، وأقوم الآن بإجراء الإتصالات مع أهل النيل الأزرق في المناطق المحررة وفي الخارج لحمايةالمدنيين ووقف الإقتتال الداخلي وهو الأهم.


الفريق مالك عقار
رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان
15 أغسطس 2017م
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بيان:




الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال - إقليم النيل الأزرق

بيان صحفي رقم (5)





(1) في إطار العمل القبلي الممنهج لمليشيا الانقسنا التابعة لمالك عقار وابن أخته أحمد العمدة ضد الأبرياء العزل من من لا ينتمون لقبيلتهم وبالتنسيق التام بين هذه المليشيا وقوات النظام ضد الجيش الشعبي في المنطقة قامت هذه المليشيا بالتسلل ليلاً إلى قرية بالقرب من يابوس الكبرى يوم الأحد الموفق 13/08/2017 وحرقوا مساكن المواطنين مما أدى لمقتل 4 مواطنين حرقاً واغتصاب طفلة ونهب متاجر الأهالي ومقرات المنظمات.

(2) في تمام الساعة 23:00 تحركت قواتنا فوراً وطاردت هؤلاء الجبناء الذين لاذوا بالفرار إلى معسكرات اللاجئين مخلفين وراءهم 43 قتيل من مليشيتهم وجرح وأسر 30 منهم واستلام عدد من الأسلحة الثقيلة والخفيفة سنعرضها لاحقاً موثقة بإفادات الأسرى والغنائم.

(3) رسالة قائد مليشيا الانقسنا/مالك عقار اليوم إلى نائب رئيس الحركة الفريق جوزيف تكا ولأبناء الأدُك خصوصاً ليستعطفهم بأن لا يخضعوا لقيادة رئيس الحركة الشعبية المكلف الفريق/عبدالعزيز الحلو هي في الحقيقة نتاج لشعور مالك عقار بالضعف والهزيمة والغيرة في أن يقود القائد عبد العزيز الحركة وأن يقود كذلك أحد أبناء النيل الأزرق الحركة بمعزل عنه؛ فقد ظن مالك عقار وظل يروج بأنه الوحيد القادر على قيادة الحركة الشعبية مع العلم أنه فاقد الرؤية ولم يقود وينتصر في أي معركة طول حياته؛ بل بالخباثة والتفرقة، أما بعد أن توحّد أبناء النيل الأزرق بقيادة الفريق جوزيف تكا جاءت رسالة مالك عقار وليستخسر عليه هذا الدور القيادي ويعترف فيه أخيراً بصمود أبناء الأدُك ويسقط في نفس الرسالة نضالات شعوب وقبائل النيل الأزرق الأخرى التي تقف وتساند القائد جوزيق تكا، أمثال البطل اللواء عبد القادر محمد شعبان قائد الجبهة الثانية في النيل الأزرق، ونائب رئيس هيئة الأركان عمليات اللواء/الجندي سليمان وعشرات القادة والآلاف من الجيش الشعبي فقط لتضليل الرأي العام والتقليل من شأن تضحيات شعوب النيل الأزرق الأخرى الذي ظل حريصاً عليها بصورة مفضوحة طيلة فترته البائسة.

(4) نطمئن الرفاق بأن مالك عقار ومليشيا قبيلته يغوصون في مزبلة التاريخ وأن قيادة الحركة الشعبية في النيل الأزرق وقواتنا والمواطنين موحدين تماماً ولا تنطلي علينا هذه الحيل الرخيصة التي يقوم بها مالك عقار وأننا وفي كامل الإنتباه والحذر والإستعداد لرد أي عدوان.


التحية والصمود للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال.
التحية والصمود للجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال.

عقيد/جمعة الهادي قوريي
الناطق باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال - إقليم النيل الأزرق

15/08/2017
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:




تحريرُ الخِلاف في الحركة الشعبية شمال: "قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان"!

بقلم: الواثق كمير



- الجزء الأول -


مقدمة


1. إنفجرت الخلافات الكامنة والمتراكمة وسط القيادة "الثلاثية" الإنتقالية للحركة الشعبية شمال، فور الإعلان عن إستقالة نائب الرئيس، الفريق عبد العزيز آدم الحلو، التي قدمها إلى مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، فى 6 مارس 2017. تجلَّت هذه الخلافات فى شكل صراعٍ سافر على مقاليد الأمور فى الحركة، وإنقسام بائن على مستوي القيادة، تنزَّل بدوره إلى القواعد التي إنشقت إلى فريقين، أحدهما يقف مع هذه القرارات بوصفها "خطوات إصلاحية" مطلوبة، بينما يشجبها الفريق الآخر لمفارقتها "الشرعية الدستورية"، بل ومشروع السودان الجديد برمته. فقد تضمنت قرارات المجلس هذه، الصادرة عن إجتماعه المطول 6 - 25 مارس 2017، رفض الإستقالة بالإجماع، وعزل الأمين العام وتجريده من كل سلطاته التنفيذية وصلاحياته التفاوضية، وحل وفد التفاوض الذي كان تحت إداراته لست سنواتٍ خلت 2011-2017، والمطالبة بحق تقرير المصير، والدعوة إلى مؤتمر عام إستثنائي فى غضون شهرين، الذي لم تسعفه الأحداث ليرى النور بعد، يتم خلالها إعداد مسودتيْ المانيفستو والدستور.

2. وإلحاقاً للإساءة بالأذى، جاء إعتماد مجلس تحرير إقليم جبال النوبة لقرارات رصيفه بالنيل الأزرق بإعفاء رئيس الحركة من موقعه، وكأنه سقط سهواً من قررات مارس، بل ومنع رئيس الحركة وأمينها العام المُقالَيْن من دخول الأراضي المُحررة، بما يعده العديد من المراقبين بمثابة إهانةٍ بالغةٍ وازدراء للزمالة وخفة برفقة النضال وعُشرة الأيام. وهكذا، توافق المجلسان على تنحية إثنين من القيادة "الثلاثية"، وتعيين القائد عبد العزيز رئيساً وقائداً عاماً للحركة الشعبية والجيش الشعبي. وإكتملت الصورة، تكريساً للإنقسام، بإنحياز هيئة أركان الجيش الشعبي إلى قرارات مجلسيْ التحرير وتأييدها لتنصيب القائد الحلو فى هذين الموقعين.

3. تهدف هذه المُساهمة المتواضعة إلى تحرير الخلاف الناشب فى الحركة الشعبية شمال، وذلك بإستعراض حُجج ودفوعات طرفي النزاع، ومناصِري كل مُنهما، وإلى تحري الخيارات المتوفرة، ولو أنها تبدو محدودة، لتجاوز الخلاف، وإستشراف آفاق مستقبل الحركة ووحدتها. وتتبع الورقة نهجاً للتحليل يضع فى الإعتبار بعض المُوجهات المنهجية، وبطرح فرضيات رئيسة، ويختبر نقدياً بعض المفاهيم السائدة فى خطاب الحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ مرحلة التأسيس. إن تحرير الخلاف، وتحري خيارات الحلول، لن يستقيم ولن تُثمر نتائجه عن معرفة جديدة لفهم طبيعة وأبعاد الصراع الراهن إلا بدراستها فى سياق التطور التاريخي والسياسي للحركة الشّعبية. خارج هذا السياق، فإنه من الصعب، إن لم يكن من المُستحيل، أن يُدرك طرفا الصراع ومؤازيروهما تداعيات هذا الخلاف على مستقبل الحركة ووحدة قواعدها، بما يضيِّق من خيارات الحلول، ويعيد إنتاج تجارب الماضي.

تحرير الخلاف


4. لعل الخلافات التي عصفت بوحدة القيادة "الثلاثية" الإنتقالية تبدو مُفسِّرة لنفسها بنفسها، إذ لم تخل البيانات المتواترة من طرفي النزاع عن طرق كلٍ منهما بشدة على رؤيته لأسباب الصراع، وتقديم كل منهما لدفوعاته وحُججه، وبذل تصوره للحل. فقد أضحى من المسلَّم به، أن كل قرارات مجلس تحرير جبال النوبة، شكَّلت ترجمة عملية لأطروحات القائد عبد العزيز الحلو عن أزمة القيادة، وإنتقاده بشدة لرفيقيه، رئيس الحركة وأمينها العام، لدرجة فقدان الثقة فيهما وعدم رغبته فى العمل المشترك معهما. فى معرض تحريره لحيثيات الإستقالة، لخص القائد عبد العزيز نقاط الخلاف فى خمس قضايا رئيسة، تضمنت: العجز عن مراجعة المانيفستو والدستور، إنعدام المؤسسية (المجلس القيادي، مجلس التحرير القومي، الأمانة العامة)، فشل إعلام الحركة فى التعبير عن الرؤية، الخلل فى العلاقات والمكاتب الخارجية، وتخفيض سقف التفاوض بتقديم تنازلات جوهرية.

5. ومع ذلك، يكمن جوهر الخِلاف في ما صاغه الفريق عبد العزيز فى مقدمة خطاب الإستقالة، قبل تحديده لهذه النقاط الخمس، حول موقفه من ثلاث قضايا رئيسة. أولها: الكِفاح المُسلح كخيار رئيس، إن لم يكن وحيداً، لتحقيق مطالب شعب إقليم جبال النوبة (فهُم المخاطبين بالإستقالة)، يُتَرجَم فى موقف تفاوضي مفاده الإبقاء على الجيش الشعبي لمدة عشرين سنة؛ وثانيها: حق تقرير المصير لشعب الإقليم حال تعذر قيام سودان علماني ديمقراطي موحد على أسس العدالة والمساواة والحرية؛ وثالثها: إعادة النظر فى خريطة تحالفات الحركة الشعبية شمال بما ينسجم مع تعريف الفريق عبد العزيز لطبيعة الصراع الدائر بالبلاد. حقاً، فإن "عدم إستشارة المؤسسات القاعدية، بالذات في القضايا المصيرية، خاصة في ما يتعلق بمطلب حق تقرير المصير والحكم الذاتي ومصير الجيش الشعبي"، هو ما دفع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة لإتخاذ قرارات فى القضايا القومية والمصيرية.

6. لن تتطرق الورقة إلى الخلافات حول القضايا التنظيمية، المتصلة بالمانيفستو والدستور، غياب الهياكل التنظيمية، والخلل فى العلاقات والمكاتب الخارجية. وذلك، ليس لعدم أهميتها، بل لأن هذه القضايا ليست موضوع خلاف بين نائب رئيس الحركة ورئيس الحركة وأمينها العام، إذ يعترف بها الطرفان ويتفقا على أن مخاطبتها ومعالجتها ينبغى أن تتم بعقد مؤتمر عام إستثنائي، ولو لكل طرف تصوره لكيفية تنظيمه. ومن جهة أخرى، تسببت هذه القضايا فى خلق حالة مُرتبكة ومُربكة لكوادر وقواعد الحركة الشعبية شمال، منذ إندلاع الحرب وغياب القيادة، مما أفضى إلى انغلاق عملية صنع القرار حول القضايا الأساسية وتضييق مواعين التشاور. وعليه، إقتصرت العلاقة بين القيادة والعضوية فقط على إتجاه واحد يحكمه تدفق المعلومات من الأمين العام للحركة، كما ظلت هياكل الحركة الشعبية شمال، المقترحة من قبل القيادة الإنتقالية، في فبراير 2011، إما معطلة أو لم يتم تشكيلها أصلاً، إلى أن تم حلها نهائياً، فى فبراير 2012. هكذا، تعطلت عملية صياغة الرؤية والبرنامج الإطاري، في حين أن غياب الهياكل التنظيمية أعاق مُناقشة وإعتماد مُسودة المانيفستو المُنتجة، فى حين لم تُقترَح أية آلية بديلة عملية لهذه العملية. وقد عرضتُ كل هذه القضايا على القيادة الإنتقالية، فى خطاب مطول إلى رئيس الحركة الشعبية، فى 26 أبريل 2012، تم نشرها على نطاقٍ واسع فى 2015 (رسالة تاريخية للفريق مالك عقار، سودانتربيون، 8 نوفمبر 2015).

7. فى معرض تحريره للخلاف بين القادة الثلاثة في المجلس القيادي، نوَّه الفريق عبد العزيز إلى أنه "لدينا خلافات، والخلاف شيء طبيعى فى العمل، ولكن عندما يتجاوز خلاف الرأي المسائل الثانوية إلى المبادئ والتوجهات، أي الحد المعقول، تبدأ المشكلة". لكن، وللمفارقة، الخلاف حول القضيتين الإستراتيجيتين: مصير الجيش الشعبي وحق تقرير المصير، لم ينشأ بسبب تراكم مثل هذه الخلافات الثانوية، بل في حقيقة الأمر يعود إلى ست سنوات مضت، منذ التوقيع على إتفاقية مالك ــ نافع فى 28 يونيو 2011. فعلى حد قول الفريق عبد العزيز، فى خطاب الإستقالة "بعد 22 يوم فقط من بداية الحرب الثانية فى 6/6/2711، عرض عليَّ الأمين العام ورئيس الحركة مسودة الاتفاق الإطاري، المسمى نافع/عقار أو 28 يونيو وإعترضت عليه بسبب الفقرات الخاصة بالترتيبات الأمنية، لأنها كانت تهدف لإستيعاب الجيش الشعبي في جيش المؤتمر الوطني". وهذا أيضاً ينطبق على حق تقرير المصير، إذ لم يتضمنه الإتفاق الذي مزقه رئيس الجمهورية قبل أن يجف الحبر الذي كُتبَ به.

8. بالنسبة للقضية الأولى، فقد خاطب الفريق عبد العزيز مجلس تحرير الإقليم بأنه، على حد كلماته، "سوف لن تكون هناك أجيال قادمة مع سياسة الإبادة الجارية حالياً إذا قمتم بتأجيل الحرب، خاصة وأن بيننا من يقول ويروج بأننا لن نستطيع أن نهزم النظام ونحقق السودان الجديد دفعة واحدة". فبالنسبة له، فإن "جيش التحرير" هو "أحد وأهم آليات ووسائل النضال من أجل الحرية وتحقيق التحول الديموقراطي ولا يمكن حله فى ظل ما يجري الآن من عنصرية مزدوجة وعنف الدولة المركزية، الذي قتل ملايين السودانيين العُزَّل". وفى إشاراتٍ لا تخطئها عينٌ، توجِّه هذه الإفادة أصابع الإتهام إلى الأمين العام للحركة المُقال، ورئيس وفدها المفاوض، بالسعي للتوصل إلى تسوية ما مع النظام الحاكم تتضمن تنازلات فى الترتيبات الأمنية. وذلك، يعني في نظر الفريق عبد العزيز "تجريد الجيش الشعبي من سلاحه عبر وسيلة إستيعابه في جيش المؤتمر الوطني، وإنهاء دوره كضامن لتنفيذ أي إتفاق، أو كأداة ضغط لتحقيق التحول الديموقراطى والسلام العادل". ولعله، يريد أن يرد مباشرة على حديث الأمين العام للحركة، فى المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل بدء جولة المفاوضات الأخيرة حول وقف العدائيات، الذي نظمته الآلية الأفريقية رفيعة المستوى مع الحكومة فى أديس أبابا، أغسطس 2016، والذي كشف فيه عن موقف الحركة حول هاتين القضيتين. ففيما يتصل بمصير الجيش الشعبي والإتفاق النهائي للترتيبات الأمنية، أوضح الأمين العام (المُقال) أن الحركة "لن تقبل تجريد قواتها من سلاحها خلال الفترة الإنتقالية وقبل التنفيذ الكامل للإتفاقيات الموقعة"، وذلك دون تحديد سقف زمني لفترة ما قبل الدمج هذه، والتي حددها الفريق عبد العزيز بعشرين عاماً. صحيح أن الحركة الشعبية تدعو إلى جيش واحد، ولكن هذا الجيش الواحد يجب أن يكون جيشاً مهنياً ومتوازناً، ملكاً لكل السُّودانيين، ويعكس تركيبة السُّودان. وبذلك، وحينما نضع سلاحنا، على المؤتمر الوطني أن يفعل نفس الشيء، لأن المؤتمر الوطني لايمكن أن يُصادر سلاح الآخرين ويحتفظ بسلاحه، وبعد ذلك ننفذ الإتفاقية، فجيشنا سيكون موجوداً أثناء تنفيذ الإتفاقية تحت قيادة موحدة مع الجيش السوداني، وبعد ذلك يتم تفكيك كل الجيوش والمليشيات ويتم بناء قوات مسلحة سودانية جديدة" (خطاب الأمين العام للحركة، صحيفة حريات الإلكترونية، 11 أغسطس 2015).

9. وبخصوص القضية الثانية، حق تقرير المصير، فقد أعاد الأمين العام للحركة، فى نفس المؤتمر الصحفي، التشديد على موقف الحركة الداعي إلى إعادة تشكيل الدولة السودانية برمتها، وإعادة تنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم. ومع ذلك، فعلى حد تعبيره، "نحن لا نطالب بحق تقرير المصير أو انفصال المنطقتين، ولكن نطالب بأن يحكم أهل المنطقتين أنفسهم. نحن لا ندعو إلى مشروع إثني، ولا نرغب فى بناء مستقبل للنوبة بعيداً عن المسيرية أو الحوازمة أو الفلاتة. ينبغي أن نضمن المستقبل لكافة القبائل فى جنوب كردفان، وهذه هي رؤيتنا". ولم يتردد الفريق عبد العزيز في الرد على تصريحات الأمين العام ووصفها بانها "لا تعبر عن رأي أو رؤية الحركة الشعبية وذلك لأن الحركة الشعبية تحارب من أجل العدالة ولا تستثني أياً من الوسائل التي تحقق العدالة. وأن أي مناضل من أجل الحرية والعدالة ووقْف الإبادة والفصل العنصري، لا يمكن أن يرفض حق تقرير المصير كآلية ديموقراطية لفض النزاعات".

10. والجدير بالملاحظة أن مضمون مسودة المانيفستو، الصادرة فى مايو 2012، يؤكد أن هذا الحق ظل موضوع خلاف جوهري بين الطرفين، ولو أنه، فيما عدا إثارته فى خطاب الإستقالة، لم يطفُ على السطح بصورة قوية. فقد شكل الفريق عبد العزيز، بصفته نائباً لرئيس الحركة، لجنة كلفها بمهمة مراجعة مُسودة المانيفستو، التي قامت بصياغتها لجنة الرؤية والبرنامج، أبريل 2011. أفردت المسودة الجديدة، في مايو 2012، فصلاً كاملاً عن تقرير المصير "كحق لجميع الشعوب السودانية أن تمارسه، إما للإستقلال الكامل أو التوافق على نظام حكم ديموقراطي علماني" (الحركة الشعبية والجيش الشعبي، معهد التدريب السياسي والقيادي، مشروع المانيفستو، مايو 2012، صفحات 32-35).

11. أما القضية الثالثة للخلاف، فترجع إلى قراءة الفريق عبد العزيز وتصوره لطبيعة الصراع السياسي - الاجتماعي فى البلاد، والتي بدورها تستدعي مراجعة تحالفات الحركة مع القوى السياسية الأخرى. فهو يرى أن الحرب طال أمدها، منذ عام 1956، لسببين، أولهما، إنقسام الضمير السياسي السوداني بين المستفيدين من "المركز العروبي الإسلامي"، من جهة، والمهمشين المتضررين من هذا المركز، من جهة أخرى. وثانيهما، إنقسام الوجدان الجمعي القائم على أساس التباين الثقافى وصراع الهوية وهل هي عربية أم أفريقية؟ فبالنسبة له، لا مجال لـ"محايد" فى هذه الحرب، فقد إنقسمت الشعوب السودانية إلى فريقين، "فريق مع رؤية السودان الجديد الذي يسع الجميع، وفريق آخر مع المشروع العروبي الإسلامي الإقصائي". وبذلك، فالفريق عبد العزيز يعد القوى السياسية المدنية، كما أسماهم "دعاة الجهاد المدني"، ولا يخفي أياً من القوى يقصد، جزءاً لا يتجزأ من قوى المركز والسودان القديم، ولو بدرجات متفاوتة. إستعار الفريق عبد العزيز عبارة إبراهيم الصلحي، وإسم برنامجه التلفزيوني "بيت الجاك"، توضيحاً لرأيه في الائتلاف مع هذه القوى، بقوله إن "الجاك سوف لن يرضى بتفكيك البيت الذي بناه أو يتعاون في ذلك حتى ولو من أجل إعادة تأهيله وتطويره". وبالتالي، خلص إلى أنه "إذا كان لا بد من تحالفات مع تلك القوى فليكن، ولكن لابد أن ترتكز على أسس مشروع السودان الجديد". وهذا ما تم تفصيله في مسودة المانيفستو، مايو 2012، ضمن إستراتيجية الحركة الشعبية والجيش الشعبي، الفصل الخامس، في الفقرة 5.9: "الإتصال بمجموعات المعارضة بهدف تكوين جبهة موحدة مع هذه المجموعات، بشرط أن تظل قيادة هذه الجبهة مسلحة وتتفق مع مشروع السودان الجديد"، والفقرة 5.11: "إقامة تحالفات سياسية وعسكرية مع الحركات الثورية والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي تتفق مع رؤية السودان الجديد" (مشروع الماتيفستو، نفس المصدر، مايو 2012، صفحة 32).

12. وفي ردهما على قضايا الخلاف الثلاث، اعتبر الرئيس والأمين العام المُقالَين، بحد تعبيرهما، أن "الخط الذي طرحه عبد العزيز آدم الحلو يحمل تراجعاً واضحاً عن مشروع السودان الجديد، تحت مبررات تبدو متشددة، ولكن سرعان ما ستنكشف هشاشتها لاحقاً، وإن التوقيت الذي اختاره نفسه كان توقيتاً كارثياً".

13. أولاً، في نظرهما، فإن حق تقرير المصير لم يكن جزءًا من مشروع السودان الجديد "إلا في عام 1991م كمشروع للحفاظ على وجود القوميين الجنوبيين داخل الحركة"، بحسب قول رئيس الحركة (بيان، مالك عقار، 5 يونيو 2017). كما أن لحق تقرير المصير تداعيات وخيمة على سكان المنطقتين، إضافة إلى ما تصادفه من صعوبات سياسية وعملية وإجرائية على أرض الواقع، خاصة من ناحية التركيبة السكانية والحدود، مما قد يفضي إلى استقطاب إثني حاد في الأقليم. وفوق ذلك كله، فقضية الجنوب لا تتطابق وقائعها مع حيثيات المنطقتين، ومعطيات الواقع فيهما، إذ أنه من الصعب، إن لم يكن المستحيل، الحصول على السند المحلي أو الدعم الإقليمي والدولي اللازم. ولذلك، يؤيد الرئيس والأمين العام "الحكم الذاتي، الذي يعطي أهل المنطقتين حق حكم أنفسهم بأنفسهم بما في ذلك السلطات التشريعية في إطار سودان لا مركزي موحد، مع أخذ خصوصيات المنطقتين في الإعتبار ومعالجتها، وهذا لا يسقط حق المنطقتين في قضايا التغيير في كل السودان" (رسالة رئيس الحركة، الفريق مالك عقار، 5 يونيو 2017). إضافة إلى أن حق تقرير المصير قضية تحتاج إلى مناخ ديموقراطي ومناقشة واسعة داخل المنطقتين، وبذلك "موقفي والأمين العام، وكثير من قادة وأعضاء الحركة، أن نتمسك برؤية السودان الجديد ووحدة السودان على أسس جديدة، دون المراوحة والتارجح بين حق تقرير المصير ووحدة السودان كما حدث في الماضي" (بيان الفريق مالك عقار، 9 يونيو 2017).

14. ثانياً، فيما يخص قضية "الجيشين"، يرد رئيس الحركة (المُقال) بأن نائب الرئيس، الفريق عبد العزيز، وقادة الحركة الآخرين، شارك في رسم خطط ومراجعة نتائج كل جولات التفاوض، ويدرك أن المفاوضات لم تبلغ بعد مرحلة مناقشة القضايا الموضوعية المتعلقة بجذور الحرب بما في ذلك الترتيبات الأمنية والسياسية فى المنطقتين. بل، كل ما فى الأمر، أنه خلال الجولة الأخيرة للمفاوضات، أغسطس 2016، حاول وفد الحكومة المناورة بالخلط بين وقف العدائيات والترتيبات الأمنية النهائية، فتقدم وفد الحركة بخمسة مبادئ رئيسة كإطار لأي تفاوض حول هذه الترتيبات. تضمن هذه المبادئ الاحتفاظ بالجيش الشعبي كجيش منفصل في فترة تنفيذ الإتفاقية، كمرحلة أولى، وسيكون جزء من الجيش السوداني الجديد الذي ستُعاد هيكلته ومهنيته بعد أن يتم الفراغ من هذه العملية. ولو أنها "ستأخذ وقتا طويلاً، وستتم عبر مراحل، فهذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، التخلي عن الجيش الشعبي دون الوثوق من تحقيق أهدافه السياسية وبناء جيش وطني جديد يعكس مصالح جميع السودانيين بمافيهم أهل المنطقتين" (بيان رئيس الحركة، الفريق مالك عقار، 5 يونيو 2017).

15. ثالثاً، خلافاً لتصور الفريق عبد العزيز لطبيعة التحالفات السياسية للحركة، يتمسك رئيس الحركة وأمينها العام، المقالين، بالاستمرار فى العمل المشترك مع قوى المعارضة للنظام الحاكم. فمن ضمن مقررات آخر اجتماع لـ"المجلس القيادي" (المُنَحل)، 1) تمتين التحالفات القائمة مع نداء السودان والجبهة الثورية وقوى المعارضة الآخرى الراغبة في التغيير، و2) دعوة القوى الوطنية والديمقراطية لإعلاء رايات التضامن مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (البيان الختامي، اجتماع المجلس القيادي، 3 أبريل 2017).

16. اعترف القائدان، رئيس الحركة وأمينها العام، بمشروعية ما طرحه القائد عبد العزيز من مشكلات، في خطابه، تستحق المخاطبة وتستدعي المعالجة، وإبداء الاستعداد لمناقشتها معه، مع رفضهما للاستقالة (بيان رئيس الحركة، 18 مارس 2017). بل، وقاما بزيارة إلى المناطق المحررة، 25 مارس-3 أبريل، والتقيا القيادات السياسية والعسكرية والمدنية، فى محاولة، لم يكتب لها النجاح، لإنقاذ الموقف ومعالجة الأزمة. ولذلك، فى رد فعل فوري، قرر المجلس القيادي إلغاء كافة القرارات الصادرة عن مجلس تحرير إقليم جبال النوبة المتعلقة بالقضايا والمؤسسات القومية، وتكوين مجلس التحرير القومي لتولي مناقشة القضايا التي تهم الحركة على الصعيد القومي. وبذلك، أعلنا رفضهما لقرارات المجلس الإقليمي هذه، واللاحقة لها، وعن تمسكهما بالشرعية والمؤسسية الدستورية، وعلى رأسها المجلس القيادي. بينما، وصفا الخطوة بـ"الانقلاب"، الذي يتبنى خطاً قبلياً وإثنياً، تقوم على هندسته "مجموعة ذات توجهات قبلية أدت إلى الاقتتال القبلي فى النيل الأزرق، مما يهدم مبادئ وقيم الحركة الشعبية" (بيان المجلس القيادي، 3 أبريل 2717). وأصدرت مجموعة من قيادات للحركة بالولايات الشمالية بياناً تمسكت فيه بالقيادة الشرعية، معلنة رفضها للانقلاب، واعتبرت أن كل قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة باطلة. زاد تمسك رئيس الحركة وأمينها العام المقاتلين بموقفهما الرافض لهذه القرارات، خاصة فى ظل ما طرأ لاحقًا من تطورات. فقد أصدر مجلس تحرير إقليم جبال النوبة قرارات مفصلية أخرى، فى 6 يونيو 2017، على رأسها عزل رئيس الحركة، وتكليف الفريق عبد العزيز بالرئاسة إلى حين قيام المؤتمر العام، ومنعه هو والأمين العام المقال من دخول الأراضي المحررة إلى ذلك الحين، وأيضاً حل المجلس القيادي. بل، فى بيان ووجه إلى كافة جماهير الحركة الشعبية، قبل الفريق عبد العزيز بالتكليف، ودعا رفيقي السلاح للحضور والمشاركة فى أعمال المؤتمر العام المزمع والترشح إلى أي من المواقع الدستورية في الهيكل التنظيمي للحركة (بيان الفريق عبد العزيز الحلو، 9 يونيو 2717). لم يثن بيان رئيس الحركة السابق، في عشية انعقاد اجتماع مجلس التحرير، الذي أعلن فيه عن اقتراح لتجاوز الأزمة يقضي بتنحي القادة الثلاثة والاتفاق على قيادة مؤقتة توكل إليها مهمة الإعداد للمؤتمر العام، المجلس من المضي قدماً في إصدار هذه القرارات (بيان الفريق مالك عقار، 5 يونيو 2017).

17. أما قرارات اجتماع القادة العسكريين والسياسيين والإدارات المدنية ومنظمات المجتمع المدني بإقليم جبال النوبة، فى 7 يوليو 2017، فقد كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر وحدة قيادة الحركة وانقسمت على إثرها قواعدها الجماهيرية داخل وخارج البلاد. فقد شارك فى الاجتماع عدد كبير من ضباط الجيش الشعبي، كما أنه أول تجمع حاشد يحضره ويخاطبه رئيس الحركة المكلف. وفرت قرارات القادة المشروعية للخطوات التي اتخذها مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، بدعم من رصيفه فى النيل الأزرق. فهكذا، أكد البيان الختامي للاجتماع أن المجلسين "قد مارسا سلطاتهما في غياب المؤسسات القومية المعنية، وأن كافة القرارات التي صدرت من المجلسين دستورية ونافذة". ومضى البيان شوطاً طويلاً ليوجه اتهاماً غليظاً للرئيس والأمين العام السابقين، مفاده أنهما قد عقدا، "صفقات سرية مع جهات معلومة بغرض التخلي عن حمل السلاح والجيش الشعبي لتحرير السودان، مما يعتبر خيانة للمشروع والرؤية والأهداف ودماء الشهداء". انتهي الاجتماع بحفل بهي واحتفال بهيج عزفت خلاله الموسيقى و"دقت" المارشات العسكرية، مسدلا الستار على آخر فصول للصراع المحتدم في أوساط قيادة الحركة، وبمثابة تدشين عمل السلطة الجديدة. وذلك، بتفويض "رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي الفريق عبد العزيز آدم الحلو بتكوين مؤسسات إنتقالية لتسيير العمل لحين قيام المؤتمر القومي الاستثنائي" (البيان الختامي للقيادات العسكرية والسياسية والمدنية، 7 يوليو 2017). وفى 8 أغسطس الماضي، فى أول خطوة عملية نحو تنفيذ مهام هذا التفويض، وذلك بترقية عدد من ضباط الجيش الشعبي، وإجراء تغييرات في القيادة العسكرية، وإعادة المحالين للتقاعد والمفصولين من الحركة، وتكوين لجان وآليات الإعداد للمؤتمر الاستثنائي (لجنتيْ المانيفستو والدستور).

[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:




تحريرُ الخِلاف في الحركة الشعبية شمال: "قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان"!

بقلم: الواثق كمير



- الجزء الثاني -






حوارات القواعد

مثَّلت قرارات اجتماع القادة العسكريين والسياسيين والإدارات المدنية ومنظَّمات المجتمع المدني بإقليم جبال النوبة، في 7 يوليو 2017، القشَّة التي قصمت ظهر وحدة قيادة الحركة وانقسمت على إثرها قواعدها الجماهيرية داخل وخارج البلاد (26).

18. وهكذا، تحول الشقاق بين أعضاء القيادة الإنتقالية "الثلاثية" إلى انشقاق مكتمل الأركان في الحركة الشعبية شمال، التي لم تعد كما كانت عليه في مارس 2017، بعد أن تفرَّقت السبل بين قادتها. ولعل تأييد اجتماع القيادات العسكرية للجيش الشعبي، في 15-16 يونيو 2017، لكل قرارات المجلس الإقليمي، خاصة تنصيب الفريق عبد العزيز الحلو رئيساً للحركة وقائداً للجيش الشعبي، قد دفع رئيس الحركة المُقَال لتحديد موقف نهائي تجاه هذا التطور. وهذا بالفعل ما صاغه في كلمات واضحة المعاني، "نحن نعتز أيما اعتزاز برفاقنا الذين شاركوا في اجتماع المجلس العسكري في جبال النوبة، وكنا ننتظر نتائج اجتماعهم لنقول موقفنا النهائي، ونعلم أنهم مناضلين أفنى معظمهم زهرة شبابهم في النضال ضد فاشية الخرطوم، وعلينا جميعاً أن نترك فرصة لما سيأتي به المستقبل فربما نلتقي مجدداً في رحاب حركة تسع جميع السودانيين، فالذي يجمعنا أكثر من الذي يفرقنا، ولنا تجارب من الحركات الثورية وانقساماتها بما في ذلك الحركة الشعبية" (بيان رئيس الحركة السابق، 17 يونيو 2017).

19. وتجدر الإشارة، إلى أنه، خلافاً للصراعات الدموية السابقة على قيادة الحركة، مثلاً في 1983 ـــ 1991، التي خلفت أعداداً هائلة من الضحايا والمعاقين، فقد جاء انتقال السلطة في الحركة الشعبية شمال سلمياً بدون قتال، ولو أن الانتقال لم يكن ليتم بدون مباركة وتأييد هيئة أركان الجيش الشعبي والقيادات العسكرية. ومع ذلك، فالدماء التي أُريقت من جراء المصادمات العنيفة والإشتباكات المسلحة التي وقعت بين فصائل للجيش الشعبي في جنوب النيل الأزرق، أفسدت مظاهر هذا الإنتقال السلس لسلطة القيادة.

20. يصوِّر الرئيس والأمين العام السابقين الخلاف على أنه صراع بين خيارين، إما بناء حركة قومية، لكل السُّودانيين، على أساس مشروع السودان الجديد، أو تقزيمها إلى حركة إقليمية تسلم أمرها إلى "قوي من القوميين ضيقي الأفق". وبحسب هذا التصوُّر، فإنهما يسعيان إلى تجديد "بناء الحركة ومواقفها النظرية وممارستها العملية، وأن ننتقل بها إلى مربع جديد مع كافة الراغبين في التغيير" (بيان رئيس الحركة السابق، 9 يونيو 2017). توحي هذه المقاربة بأن القائدين يعدان قررات مجلس تحرير جبال النوبة، وموقف الرئيس الجديد للحركة حيال القضايا الخلافية الثلاثة، قد فارقت في مضمونها رؤية السودان الجديد. ولكي يتم هذا الانتقال على أرض الواقع، فسوف يشرع الرئيس والأمين العام السابقين في إجراء "إتصالات مع كل الرفاق الرافضين للإنقلاب للبدء في مسيرة جديدة لإعادة بناء حركة وفق رؤية السودان الجديد لكل السودانيات والسودانيين الراغبين والراغبات، وبمراجعة وتقييم نقدي وشامل لكامل تجربتنا بما في ذلك وسائلنا النضالية" (بيان رئيس الحركة السابق، 17 يونيو 2017). كما، تم الإعلان عن التوجُّه "نحو بداية جديدة وميلاد ثاني لرؤية السُّودان الجديد، ننظر بذهن صافي ومتقد، وجمعي وجماعي، لنعبر بها ومعها نحو ميلاد ثاني" (ياسر عرمان، 1 يوليو 2017).

21. ومع ذلك كله، فإن تحرير الخلاف يظل منقوصاً إن اُقتصر فقط على إستعراض حُجج ودفوعات القادة من طرفيْ الصراع، الذي يأخذ شكل البيانات المتبادلة بينهما، ولن تكتمل الصورة بدون تسليط الضوء على تداعيات هذا الخلاف على قواعد الحركة وما غرسه من انشقاق وسط القواعد. هذا الانقسام على مستوى القيادة لا شك قد خلق إصطفافاً قاعدياً، يلحظه المراقب العادي قوامه جمهوران مُتصارعان مستغرقان في تبادل الحجج والاتهامات، في سوق الأسافير الكبير. فالمتابع للسجالات بين عضوية الحركة في مجموعات الواتساب، مثلاً، لن تفوته ملاحظة ما تنضح به من حوارات حارة النفس بين فريقين متنافرين، كل منهما يناصر موقف أحد الطرفين، بما يوضِّح إكتمال عقد، ومدى عمق الانشقاق. ولعله من إيجابيات الحوار المحتدم، وإن لم يخلُ بعضه من عنف لفظي، توفيره الفرصة للمصارحة "الفضفضة" والفصح عن المكتوم وتبادل الآراء الخلافية، طالما بقي السلاح محايداً.

22. فى الإطار العام للقضايا الخلافية الثلاث (مصير الجيش الشعبي، تقرير المصير، التحالفات السياسية)، تثير هذه النقاشات خلاف جوهري وسط العضوية حول "قومية" الحركة، بعد قرارات المجلس الإقليمي، مقابل تراجعها إلى حركة "إقليمية". ويرتبط هذا الموضوع على نحوٍ وثيق بطبيعة نشأة وتكوين الحركة الشعبية، وتبنِّي مكوِّناتها لوسائل نضال مختلفة (العمل العسكري والفعل السياسي)، والخلاف حول دور تقييم مساهمة كل منهما، والتمثيل العادل لهذه المكونات، خاصة "قطاع" الشمال. ويظل هذا الوضع غير المتكافئ، وكيفية التمثيل الحقيقي لكل مكوِّنات الحركة في مؤسسات إتخاذ القرار، من المواضيع الهامة التي لم تجد حظها المناسب من الحوار منذ تأسيس الحركة الشعبية. وقد نشرتُ في هذا الشأن عدة مقالات في أعقاب فشل المؤتمر العام الثاني للحركة، مايو 2008، في مخاطبة هذه القضايا، ولم يلتفت لها أحد. (أنظر مثلاً، "حوار مع النفس: الحركة الشعبية والعودة إلى منصة التأسيس"، صحيفة الأحداث، 20 ديسمبر 2009، و"قطاع الشمال للحركة الشعبية: تمثيل مؤسسي أم إشراك ظاهري؟"، صحيفة الرأي العام، 11 يوليو 2710، و"الشماليون في الحركة الشعبية: تحويل الخصوم إلى أصول"، الراكوبة، 1 سبتمبر 2011). تكمن أهمية حوارات قواعد الحركة في طرقها على القضايا الحيوية، التي، في رأيي، تُشكِّل أجندة الحوار الرئيسة بين كل الأطراف حول مآلات وحدة ومستقبل الحركة الشعبية، كما أنها ترفد القيادة من على الجانبين بموجِّهات الرأي العام وسط القواعد.

23. الخلاف بين الفريقين المختصمين حول "قومية" الحركة الشعبية شمال له عدة مداخل متشابكة، ويتم التعبير عنه بتصورات مختلفة ووقائع متعددة. فبينما ينظر مناصرو القيادة الجديدة إلى قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، كثورة تصحيحية ساعية للإصلاح، يراها أنصار الرئيس والأمين العام السابقين كإقصاء متعمد للآخرين، مما يعد بمثابة فرز جهوي لمكوِّنات الحركة، وتراجع للتنظيم على خطى الحركة الشعبية في الجنوب، بل واختطاف للحركة وتحويلها إلى حركة جبال النوبة، فتضعضع المشروع لتحل مكانه الإثنية والقبلية. ففي رأي المعارضين للتغيير، أن الطعن في "قومية" الحركة لم يأت من فراغ بل مرتبط بحيثيات الإطاحة بالأمين العام. فالبرغم من أنه لا يمكن إختزال تعريف "القومية" في شخص، إلا أن عزل الأمين العام وحده، مع إستثناء الرئيس، يشي بانتقائية قرار المجلس الإقليمي، خاصة والفريق عبد العزيز في خطاب إستقالته قد وضعهما في خانة واحدة من الاتهام. وقد يفسِّر هذا الإستثناء أحد سببين، أو الاثنين معاً. أولهما، أن الأمين العام لا يتمتَّع بقاعدة في الجيش الشعبي في أيٍّ من المنطقتين، بل واتهامه بالعجز عن جذب وإستقطاب أية جماعة مقاتلة. ثانيهما، لأنه أصلاً "جلَّابي" من الشمال-النيلي ولا ينتمي إلى أي مكوِّن إثني في جنوب كردفان أو النيل الأزرق. ولذلك، فإن ترك أمر إقالة الرئيس إلى مجلس تحرير النيل الأزرق يستبطن عدم إعتراف المجلس الإقليمي لجبال النوبة بقطاع الشمال كمكوِّن مستقل.

24. أما الطرف الآخر، فلا يرى فى الأمر "أثننة" أو "نوبنة"، فذات الأمين العام قد سبق أن تم إستقباله بحفاوة، وذُبِحت الثيران إحتفاءً بقدومه إلى المناطق المُحرَّرة، بل والرئيس الذي كُلِّف بالمنصب ليس نوباوياً، كما أعلن هو بنفسه في خطاب الإستقالة. ومن زاوية أخرى، يتسائل أصحاب هذا الرأي عما إذا كانت "قومية" الحركة الشعبية تُعرَف بشخص الأمين العام السابق، أو حفنة من الأعضاء، فإن بقي في الحركة فهى قومية، وإن ابتعد فقدت قوميتها. لذلك، يثيرون سؤالاً حول تعريف مفهوم "القومية" في وصف الحركة الشعبية: هل تنتقص غلبة مكوِّن على باقي المكوِّنات من "قومية" الحركة؟ فهكذا، قومية الحركة تكمن في رؤيتها وبرامجها، وأهدافها، ومشروعها للتغير. وربما ما يضعف من هذه الحُجَّة البيان الصادر من بعض القيادات العسكرية والسياسية في النيل الأزرق، إذ تشير إحدى فقراته صراحة إلى أن "القيادة في الحركة الشعبية والجيش الشعبي تاريخياً تقوم على الثقل القبلي وتعداد المقاتلين" (بيان المجلس العسكري، إقليم النيل الأزرق، 1 مايو 2017).

25. وتكشف هذه الحوارات أن إقحام الفريق عبد العزيز لموضوع الإثنية في خطاب الإستقالة وتحميل بعض قيادات "النوبة" مسئولية إبعاده من دائرة سلطة اتخاذ القرار، التي هيمن عليها رئيس الحركة وأمينها العام، ألقى بظلال كثيفة على الحوارات القاعدية حول دور الإثنية في الصراع، وفي الحركة ككل. فطرقه على ما تعرض له تهميش واستبعاد، من الرئيس والأمين العام، بسبب الإثنية، كان له دور أساس في دفع مجلس إقليم جبال النوبة لاتخاذ قرارات مصيرية أعادت الثقّة في الفريق عبد العزيز، بل ومنحته تفويضاً كامل الدسم لإدارة شئون الحركة. ويبدو من حوارات القواعد أن الإحساس بالإقصاء والتهميش لكوادر الحركة من جبال النوبة دفعهم لتسلُّم زمام قيادة الحركة، كما هو حال الجنوبيون في السابق، بالأصالة وليس بالوكالة. فهم يشكِّلون عماد وعظمة ظهر الجيش الشعبي، مصدر النفوذ السياسي للحركة الشعبية، كما هم وقود وضحايا الحرب. فالحركة الشعبية كتنظيم له هياكله ومؤسساته غير موجودة في الولايات الشمالية كما هو الحال في جبال النوبة، والتي احتلت موقع الجنوب في السابق، حيث الوجود "الفعلي" للحركة في مقابل وجودها "النظري" في الشمال. وبهذا الفهم تُطرح أسئلة على شاكلة: لماذا تُقاتل بعض عضوية التنظيم الحكومة بينما الآخرين، خاصة الكوادر النشطة، مثل أعضاء مجلس التحرير، موجودين في المناطق تحت سيطرة الحكومة؟ لماذا لم يشارك من يتسنَّمون مواقع قيادية في التنظيم في كل ولايات الشمال في العمل المسلح؟ أم هل أفردوا المهام العسكرية والقتالية للجيش الشعبي بجبال النوبة، على أن يتفرغوا هم لاحقاً للتفاوض وتحديد نسب المشاركة في السلطة واختيار ممثلي الحركة الشعبية في الحكومة؟

26. من زاوية أخرى، يتجلَّى التشكيك في"قومية" الحركة في موضوع كيفية التمثيل العادل لكل المكوِّنات (المنطقتين وقطاع الشمال) في مؤسسات الحركة الشعبية، فهل يُطبَّق منهج التمثيل المتساوي للمكوِّنات الثلاثة، بمعيار القوة العددية؟ أم يكون حمل السلاح، وما يصحبه من تضحيات، هو المعيار "النوعي" لتحديد نسبة التمثيل؟ في رأي المؤيدين لقرارات المجلس الإقليمي، أنه بحكم الواقع فإن المُكوِّن الرئيس والركيزة الأساس للحركة والجيش الشعبي من جبال النوبة، فلا مجال أن يشكِّل قطاع الشمال، أو المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، الأغلبية، أو حتى التمثيل المتساوي، في المؤتمر العام الإستثنائي المرتقَب. وعليه، فإن "قومية" الحركة تمر عبر بوابة جبال النوبة، إذ أن شروط المشاركة في المؤتمر تتطلب الإلتزام بالقضايا الإستراتيجية، على رأسها الكفاح المُسلَّح كآلية لتحقيق أهداف الثورة، أو قضية مثل حق تقرير المصير. وبذلك، سيقُتَصَر التمثيل في المؤتمر على عضوية الحركة في المناطق المُحرَّرة، إضافةً إلى الأعضاء المُلتزمين في المناطق التي يتيسَّر الوصول منها إلى مكان الاجتماع دون أن يعرِّضوا حياتهم إلى الخطر. بمعني آخر، أن الواقع السياسى يحد بشدة من حرية تحرُّك عضوية الحركة من المناطق الخاضعة للحكومة، خاصة المشاركة في مؤتمر تنظِّمه، في فهم الحكومة، حركة مسلحة متمرِّدة على الدولة، مما سيضعف من تمثيل قطاع الشمال. خلاصة الأمر، فإن كان مدى النفوذ العسكري هو الذي يحدِّد نسبة المشاركة، فذلك سيخلق إصطفافاً، ويفاقم من حدة الإستقطاب بين عضوية الحركة في المنطقتين، خاصة جبال النوبة، من جهة، وقطاع الشمال، من جهة أخرى، بدأت إرهاصاته ماثلة. في رأيي، إن ما أسهم بدور كبير في تفاقم الصراع الحالي هى فكرة الزعيم الراحل بتقسيم الحركة إلى قطاعين، مع ضم جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق إلى قطاع الجنوب، وما زاده تفاقماً عدم إكتمال عملية بناء الحركة في سودان ما بعد الانفصال بسبب اندلاع الحرب.

للخلاف بين الفريقين المختصمين حول "قومية" الحركة الشعبية شمال مدخل هام آخر.

27. يبرز الخلاف وسط القواعد بصورة واضحة حول حق تقرير المصير. فمن جهة، يعتبر المطالبون بهذا الحق بأنه حق ديمقراطي مكفول بالعهود والمواثيق الدولية، كما تضمَّنه مانيفستو الحركة الشعبية في 1994 و 2008، بل، وأقرَّه مؤتمر كل النوبة في كاودا، جبال النوبة، في 2002. ويستدعي هذا الفهم مفهوم الوحدة "الطوعية" مقابل الوحدة "القسرية"، وبث رسالة مطمئِنة بأن "تقرير المصير لا يعني الإنفصال". ومن جهة أخرى، يحتج المعارضون بأن قرار مجلس تحرير جبال النوبة في هذا الشأن هو بمثابة فرض لحق تقرير المصير كإستراتيجية بديلة لمشروع السودان الجديد، على أساس "قومية وإثنية" النوبة. ومن هذا المنظور، فإن تحوُّل حق تقرير المصير من نداء لقومية وطنية سودانية شاملة إلى دعوة قومية "عروبية/إسلاموية" في المركز، يقابله الآن دعوة مماثلة ومضادة من "قوميي النوبة"، مما يتناقض تماماً مع مشروع الحركة.

28. الجدير بالانتباه، أن عضوية الحركة الشعبية شمال في المنطقتين تبدو منقسمة تجاه مطلب حق تقرير المصير، إذ لا تجد الدعوة صدى لدى قواعد الحركة في النيل الأزرق، فيما عدا القيادات العسكرية التي أعلنت التأييد لقرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، وكذلك لرئيس الحركة الجديد. فغالبية المتداخلين في الحوارات من أبناء النيل الأزرق يميلون نحو المطالبة بالحكم الذاتي، في إطار السودان الموحد، كصيغة أفضل لمخاطبة المظالم التاريخية الواقعة على المنطقة منذ قانون المناطق المقفولة، ويمكِّنهم أيضاً من المشاركة في حكم وإدارة الدولة على المستوى الاتحادي.

اعتبارات منهجية

29. وللوصول إلى فهم سليم وعميق لخيارات حل الأزمة الناشبة، وتحديات مُستقبل الحركة، فهناك حاجة ملحَّة لقراءة هذا الانقسام وهذه الخلافات في سياق التطور التاريخي للحركة الشعبية منذ النشأة. فينبغي أن لا ننظر إلى الحركة كهيكل تنظيمي ساكن ومتحجِّر، بل يجب أن نفهمها في علاقتها بالإطار الذي نشات وتطورت في داخله منذ عام 1983. وكذلك، إجراء المراجعات الفكرية الضرورية لمفهوم "السودان الجديد" نفسه، والسعي لإزالة الغموض الذي يكتنف بعض المفاهيم التي ظلت مصاحبة له.

30. لا علاقة بين الخلاف المحتدم في الحركة ورؤية وفكرة مشروع السودان الجديد، فالطرفان متمسِّكان ومتشبِّثان بها، كما تنضح به ديباجات كل البيانات المتبادلة بينهما. مع ذلك، كل طرف يتهم الآخر بالنكوص عن هذه الرؤية استناداً على مواقف "سياسية" بحتة. أحد هذه المواقف، أن المؤيدين للرئيس والأمين العام السابقين يعدون أن الإنقلاب على الشرعية الدستورية، وسيطرة واحد فقط من مكوِّنات الحركة على سلطة القيادة، خروج صريح على قيم مشروع السودان الجديد. بينما يرى المناصرون للتغيير والقيادة الجديدة أن الرئيس والأمين العام قد فارقا مشروع السودان سعياً للتسوية وتوفير الهبوط الناعم للنظام الحاكم. وكذلك، يختلف الطرفان سياسياً حول موقع حق تقرير المصير ومدى مطابقته أو تناقضه مع مشروع السودان الجديد وقومية الحركة، كما نوَّهتُ أعلاه (24).

31. في حقيقة الأمر، أن الصراع الراهن لا يعبِّر عن خلاف فكري أو آيديولوجي ينهض على حجة قوية، بل هو نزاع حول سلطة قيادة الحركة بغرض تحقيق أهداف سياسية معيَّنة، مع تأكيد كل طرف على المضى قُدماً في طريق بناء السودان الجديد. حدثان يطعنا في القول بأنه صراع حول رؤية السُّودان الجديد. أولهما، قادة الحركة "الوحدويين" الذين تولوا قتال "الانفصاليين"، تحت شعار السودان الجديد، في 1983 و 1991، هم أنفسهم من تبنُّوا لاحقاً حق تقرير المصير من أجل الانفصال. وثانيهما، أن قادة الحركة الشعبية، المروِّج وصاحب الدعوة، نجحوا في استلام سلطة الدولة الجديدة في الجنوب، باسم المشروع، ليفتتنوا بالسلطة، ويقتتلوا من أجلها، بينما مشروع السودان الجديد قابع في الموقد الخلفي. وهكذا، فقد ظل مشروع السودان الجديد مجرد رؤية، أو حلم، لم يتم تفصيله في إستراتيجيات أو سياسات أو برامج ملموسة، كما لم تُطوَّر معايير لقياس نتائجها. فطالما بقي مفهوم السودان الجديد مجرداً ونظرياً، فهو لا يعدو أن يكون تعبيراً فضفاضاً يعرِّفه كل طرف من منظورٍ مختلفٍ، ويستميت في الدفاع عن موقفه بحسب منطلقاته السياسية. فمفهوم السُّودان الجديد هو إطار لمشروع قومي يستهدف بناء دولة المواطنة الحقة والمُستدامة والقادرة على استيعاب المجتمع السوداني بكافة تنويعاته العديدة والمختلفة.

32. لا غرو، فالزعيم الراحل، صاحب الفكرة، يقرُّ بدون تنميق للكلمات "يظل مستقبل بلادنا رهناً باختيارنا لاتجاه جديد، أي ترتيب سياسي جديد، وهو الذي أطلقنا علية عبارة السُّودان الجديد. وهو مفهوم لم تتضح محتوياته وتفاصيله بعد، ولو أنها مبعثرة في أذهاننا. والتحدي الذي يواجهنا هو أن نجمع سويا هذه الأفكار المبعثرة، وعندئذ يتشكل السودان الجديد، وتتضح محتوياته ومنهجه. هذا هو الدور الصعب". بدوري، أضيف أن هذا ما لم يحدث بعد، لا على صعيد الفكرة ولا على مستوى الممارسة، فيما عدا محاولات جانبها التوفيق، أوردها أدناه (30).

33. ومع ذلك، فإن ما صاحب رؤية السودان الجديد من سوء فهم، وما اكتنفها من غموض ولُبْس عند البعض، يعود بقدرٍ كبير إلى الخلط بين السودان الجديد كإطار مفهومي والحركة الشعبية كمروِّج للمشروع وكتنظيم سياسي بادر في لحظة تاريخية معيَّنة، لتحويل الرؤية إلى واقع ملموس. فعدم الانتماء إلى الحركة الشعبية، بالمعنى التنظيمي، لا يتناقض بأي حالٍ من الأحوالِ مع إعتناق الرؤية أو الاعتقاد فيها. وحقيقة، أجازف بالقول بأن كل المؤمنين بالرؤية هم "حركة شعبية" بيد أنه ليس كل من هو "حركة شعبية" يؤمن بها! (الواثق كمير، السودان الجديد: نحو بناء دولة المواطنة السودانية، سودانتربيون، 30 أكتوبر 2006). فلكي يصبح مشروع السودان ماركة مسجَّلة للحركة الشعبية، فعليها وضع بصماتها وبرنامجها الإطاري وملامح إستراتيجياتها وسياساتها، قبل أن تأتي للتفاصيل، بما يميِّزها عن القوى السياسية الأخرى المُنادية بنفس المشروع: دولة المواطنة السودانية. دشَّن الزعيم الراحل، جون قرنق، أول خطوة نحو تفصيل المشروع في برنامج إطاري في أغسطس 2004، أطلق عليه "الإطار الإستراتيجي للحركة الشعبية للانتقال من الحرب إلى السلام". وللأسف، فإنه بعد رحيله لم تجد هذه الوثيقة حظاً خلاف الوضع فوق الرف. محاولة أخرى لرسم ملامح برنامج إطاري تمثَّلت في المانيفستو الذي أجازه المؤتمر العام الثاني للحركة في أغسطس 2008. وكسابقتها، لم تُعِر قيادة الحركة الشعبية الوثيقة أدنى إهتمام، عندما كانت الشريك الأكبر في السلطة خلال فترة الست سنوات الانتقالية، ولا بعد أن تسلَّمت مقاليد الحكم في الدولة الجديدة.

34. لم يكن حق تقرير المصير من المبادئ الأساس لرؤية السودان الجديد. وهذا ببساطة، ما يُفسِّر عدم ظهوره في أدبيات الحركة إلا بعد 9 سنوات من تأسيسها وفي لحظة تاريخية من العملية السياسية للصراع حول قيادة الحركة، في أعقاب انقلاب مجموعة الناصر "النظري"، كما وصفه جون قرنق، في أواخر أغسطس 1991. فرياك مشار ولام أكول هما من أقحما هذا المطلب في أجندة الحركة لخدمة أهدافهما في الإستيلاء على القيادة بتصوير طرح جون قرنق للسودان الجديد وكأنه يقف ضد إرادة شعب الجنوب (في الانفصال). بالإضافة، فقد شجعهما على ذلك سقوط نظام (مانقستو) في إثيوبيا، مايو 1991، والتطورات الإقليمية والتي جعلت من الانفصال هدفاً سهل المنال، وأن صعودهما إلى سُدَّة الحكم أضحى ثمرة دان قطافها. علاوةً على ذلك، فقد تزامنت هذه الأحداث مع التطورات العالمية ودعوات التقسيم والانفصال في الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا والصومال وإثيوبيا، والتعاطف والدعم الدوليين اللذين حظيت بهما مطالبة الشعوب بحق تقرير المصير. ووفق تقديرات سياسية دقيقة، لم يكن للزعيم الراحل خيار آخر واقعي غير أن يمضى إلى الأمام في طريق تحقيق مشروع السودان الجديد، من جهة، واستيعاب الدعوة لتقرير المصير وتضمينها في مقررات المؤتمر العام الأول للحركة في أبريل 1994، من جهة أخرى. ومنذ ذلك الحين، أصبح جون قرنق يطرح حق تقرير المصير باعتباره وسيلة أو آلية لتحقيق الوحدة الطوعية في ظل بيئة غير مؤاتية وغير عدائية، ولا يتناقض مع هدف الحركة الشعبية في تحقيق سُّودان جديد موحَّد وديمقراطي.

35. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الزعيم الراحل كان يدرك جيداً تبعات الدعوة لتقرير المصير على وحدة الحركة، وبالأخص أثرها على قاعدة الحركة الشعبية، وبالأصح الجيش الشعبي، من "الشماليين"، وما ساورهم من هواجس حول صحة قرار إنضمامهم للحركة. فبلغة لا لبس فيها، قال إنه "عندما دعا رياك مشار ومن معه إلى الانفصال والاستقلال، ثم ذهبوا وكوَّنوا تنظيمهم الذي أسموه حركة استقلال جنوب السودان، بعض الشماليين في الحركة الشعبية والجيش الشعبي، مثل ياسر عرمان وآخرين شعروا بأن هذه المفاهيم تهددهم بالخطر. هم كانوا يجادلون ويقولون (نحن إنضممنا إلى الحركة الشعبية وقدمنا تضحيات جساماً، والآن نشاهد الناس يسلكون إتجاهاً مختلفاً)! لذلك، جلسنا، خلال شهري نوفمبر وديسمبر 1994، في مكان يُسمَّى، للمفارقة، جبل أنيانيا (1)، لنبحث عن إجابة للسؤال الذي تم طرحه كالآتي: إذا انفصل الجنوبيون، فماذا نحن فاعلون؟ خلال هذه الفترة إنبثقت فكرة (لواء السودان الجديد) كإستجابة لهذا الموقف" (جون قرنق في حوار مع القوى الحديثة، أنظر الواثق كمير، تحرير، جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانية). هدفت المبادرة لتشكيل منبر سياسي-عسكري كصيغة للعمل المشترك والتفاعل بين كافة القوى المنادية بتحقيق السودان الجديد، بغرض بناء حركة السودان الجديد السياسية، إلا أنها لم تجد الاستجابة اللازمة وماتت في مهدها. وهكذا، تحقق ما لم يكن في حسبان "الشماليين" ممن كان يروادهم الحلم بسودان موحَّد، ولو على أُسس جديدة.

36. ثلاث ملاحظات جديرة بالإهتمام فى الحوار، أو الخلاف، حول حق تقرير المصير وسط قواعد الحركة. أولها، أن البعض لا يبدو منزعجاً من المطالبةِ بهذا الحق في هذا الوقت، باعتباره موقفاً تكتيكياً يهدف إلى رفع سقف التفاوض للحصول على الحكم الذاتي. إن صح هذا الزعم، فإن إخضاع أمر إستراتيجى ومصيري، بما تحمله الكلمة من معني، للمقايضة على طاولة المفاوضات، من شأنه أن يشكِّك في مصداقية القيادة الجديدة للحركة الشعبية شمال. وثانيها، بعض الداعمين لتقرير المصير يرددون بثقة أن لا علاقة بين الانفصال وتقرير المصير، وأن ممارسة هذا الحق لن تقود إلى الانفصال، دون تقديم دفعات مسنودة بالحيثيات والشواهد. فقد ظللتُ أبتدر مقالاتي، منذ 2006، بأن للحركة هدفان توأم: السُّودان الجديد وتقرير المصير. وبالرغم من تناقضهما البائن، وإحساسي العميق بأن الانفصال بات أمراً واقعاً، إلا أنني كنت أحاول صُنع الشربات من الفسيخ، وأحتج بأن ما بين التعبيرين هو مجرد تناقض "ظاهري"، بل وينبغي أن نعد تقرير المصير كمثبِّت وداعم للوحدة الطوعية. وصدق حدسي في ما آلت إليه الأمور. فتجربة الجنوب تقيم دليلاً وتقدم شاهداً لما تفضي له "ممارسة" حق تقرير المصير، يصعب معها تصديق مقولة أن "لا علاقة بين تقرير المصير والانفصال"، وإن جاءت نتيجة ممارسته فى كوبيك، مثلاً، لصالح وحدة كندا. فهذه نقرةٌ وتلك نقرةٌ أخرى.

37. وثالث الملاحظات، ما ورد من إشارات في ثنايا حوارات القواعد تفيد بتضمين حق تقرير المصير في مانيفستو الحركة الشعبية 2008، يمثل نصف الحقيقة. فوثيقة المانيفستو، التي صادف أن كُلِّفتُ بصياغتها، بصفتي نائباً لرئيس لجنة إعداد المانيفستو، لم تتعرَّض لتقرير المصير كهدف أو مبدأ، ولم تفرد له المسودة أي عنوان، ولو كان جانبياً. بل تمت الإشارة إليه مرة واحدة في معرض تحليل تحديات وتناقضات النضال من أجل السودان الجديد، في أعقاب الانقسام في 1991، واقتراب المؤتمر الأول في 1994 من معالجة موضوع تقرير المصير (الفقرة II.3.5، مانيفستو 2008). وفوق ذلك كله، لم يكن تقرير المصير أحد المرتكزات النظرية الخمسة لرؤية السودان، التي طرحها المانيفستو وأجازها المؤتمر العام الثاني في 2008، بالوقوف تصفيقاً، وهي: 1/ تطوير هوية "سوداناوية" تعكس طبيعة السودان التعددية والمتنوعة عرقياً وإثنياً وثقافياً، 2/ تأسيس وحدة البلاد على (أسس جديدة) من المجموع الكلي للعناصر التي تشكل جميعها التنوع التاريخي والمعاصر للسودان، 3/ إعادة هيكلة السلطة في المركز وتعزيز لامركزية السلطة، 4/ إقامة نظام حكم ديموقراطي تكون فيه المساواة والحرية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية واقعاً ملموساً يعيشه الناس، و5/ صياغة نمط للنمو المتكافئ والتنمية المستدامة بيئياً.

38. لم تكن الحركة الشعبية في يوم حركة "قومية" أو "ديمقراطية". وذلك، بمعايير انتقال سلطة القيادة سلمياً عن طريق الانتخاب، والتمثيل المتساوي والمشاركة الفاعلة لكافة مكوِّناتها في سلطة اتخاذ القرار، خاصة "الشماليين"، أو "قطاع الشمال" لاحقاً، ربما إلا خلال الفترة الانتقالية، بالرغم من أنها كانت مشاركة رمزية بدون أية قيمة مضافة. فالحركة الشعبية أصلاً نشأت كتنظيم عسكري، بعد معارك بور والبيبور وأيود، وتحالف الوحدات العسكرية في القياديتين الجنوبية والشمالية وتكوين الجيش الشعبي لتحرير السودان، في 16 مايو 1983. ومن المهم التنبيه هنا إلى أنه منذ بداية الحركة وحتى النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضي كان إجراء التدريب العسكرى والالتحاق بالجيش الشعبى هو الشرط الأساس للانضمام إلى الحركة، والتي كانت كياناً جنوبياً صرفاً ساعة التكوين خلال السنوات الأولي. وذلك إلى أن التحق المقاتلون من جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق بالجيش الشعبي، في النصف الثاني من الثمانينيات، ثم تبعهم نفر قليل من بقية أنحاء السُّودان الشمالى. وهكذا، كانت المؤسسة الوحيدة لاتخاذ القرار في الحركة هي "القيادة السياسية-العسكرية العليا"، التي يقتصر التمثيل فيها على القيادات العسكرية من أقاليم الجنوب الثلاثة، كل بحسب ثقل قاعدته القبلية، ولاحقاً ممثل واحد لكل من القوات المنضوية للجيش الشعبي من المنطقتين. لذلك جاء التمثيل في المؤتمر الأول العام، في 1994، على نفس الشاكلة، مع مشاركة ضئيلة لـ"الشماليين" ممن التحق بالجيش الشعبي/الحركة الشعبية حينئذ. وحتى بالنسبة للمنطقتين، فقد أقرَّ المؤتمر تكوين مجلس التحرير القومي من 183 عضواً، بينهم أربعة فقط من جنوب كردفان، وممثل واحد فقط من جنوب النيل الأزرق. إذن، لم يكن للشماليين، وأبناء المنطقتين، مكان من الإعراب في مؤسسات وسلطة إتخاذ القرار في الحركة، إلا ربما خلال الفترة الانتقالية التي تلت التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، ومن ثم تأسيس "قطاع الشمال"، ومشاركة مندوبيه في اجتماعات مجلس التحرير القومي، والمكتب السياسي للحركة.

39. ومع ذلك، وبالرغم من هذه المشاركة لقطاع الشمال والمنطقتين، لم يكن لهم نفوذ يذكر في صناعة القرار على مستوى القيادة، خاصة وأن أجندة وأولويات الحركة كانت "جنوبية" الهوى، وعلى رأسها التمهيد لانفصال سلس، وما على ممثلي قطاع الشمال والمنطقتين إلا البصم على القرارات. بل وهم مطالبون بالدفاع عنها والتصدي للمنتقدين، في ظل هجمة ملحوظة ضد قطاع الشمال، من قبل قيادات نافذة في الحركة. أما المؤتمر الثانى للحركة (مايو 2008)، فقد شكل فرصة طال انتظارها وظلت قواعد الحركة تهفو إليها للمشاركة في حوارٍ جادٍ وشفاف حول القضايا المصيرية المُرتبطة بتطور الحركة وانتقالها من تنظيم مُسلَّح إلى حركة سياسية ديمقراطية. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، وخاب ظن المؤتمرين في أجندة المؤتمر ونتائجه. فمن جهة، نجح المؤتمر في حسم الصِّراع على سُلطة قيادة الحركة بصورةٍ ودية وديمقراطية، والحفاظ على وحدة الحركة وتماسك قيادتها، ولو أن التطورات اللاحقة، بعد الوصول إلى سلطة الدولة الجديدة، قد أثبتت مدى هشاشة هذا التماسك، فتفرقت القيادة أيدي سبأ. ومن جهة أخرى، لم تتطرق مداولات المؤتمر لهذه القضايا الحيوية، كما لم تطرق إلى قضية بناء هذه الحركة السياسية، فأستحق المؤتمر بجدارة وصف "مؤتمر الفرصة المُهدرة". ولم يخيِّب قطاع الشمال ظن المناوئين له، فأخفقت قيادته في الاستفادة من الفرصة التي وفرتها الانتخابات العامة في التسلح بأصوات الناخبين، طالما لم يتسنَّ للشماليين التسلُّح بالذخائر الحيَّة، فأضحوا خارج مؤسَّسات الدولة التشريعية والتنفيذية، مما أضعف وضع القطاع في منظومة الحركة وحجَّم نفوذه تماماً.

40. استدعت حوارات القواعد معادلة "المركز والهامش"، وما يشار إليه بـ"منهج التحليل الثقافي" فى معرض التطرق لرؤية السودان الجديد. ودون الخوض في جدل نظري، أكتفى بالإشارة إلى أن صاحب الرؤية، الزعيم الراحل، لم يُستخدم أيَّاً من هذين المفهومين في تشخيصه للمشكلة السُّودانية، ولم يشر لهما في أيٍّ من خطاباته ومحاضراته (أنظر، الواثق كمير، تحرير، جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانية، المكتبة الوطنية، الخرطوم، 2005). فمفهوم السودان الجديد لا ينطوي بأي حال على مضامين عرقية أو عنصرية أو انفصالية، كما أنه أكثر شمولاً لمقاربة المشكلة السودانية، ولفهم النزاع السوداني، متجاوزاً ثنائية المركز والهامش. وقد نقل هذا المفهوم النقاش والحوار من التركيز على الإقليم والعرق والدين إلى قضايا المواطنة. فالتضاد بين المركز والهامش لا يعنى، بأى حال من الأحوال، أن يفضى الصراع إلى القضاء على المركز أو إضعاف سلطته، فالمشكلة ليس في وجود المركز بل في طبيعة سلطة المركز، وطبيعة العلاقة بينه وبين الهامش أو الأقاليم بمقدار السلطات الممنوحة لهذه الأقاليم، فلا يمكن لأية دولة أن تقوم بمهامها الأساسية، وأن تحافظ على استقرارها وبسط سيادتها، بدون مركز قوي شريطة أن تشارك فيه كل القوى السياسية والقوميات المختلفة. ومن ركائز مشروع السودان الجديد، 1) إعادة هيكلة السلطة المركزية بصورة تضع في الاعتبار مصالح كل السودانيين، خصوصاً في المناطق المهمشة، والمجموعات الاقتصادية والاجتماعية الفقيرة والمستضعفة، و2) لامركزية السلطة وذلك بإعادة تنظيم علاقة السلطة بين المركز في الخرطوم والأقاليم وذلك بمنح سلطات أوسع لهذه الأقاليم، وأين ومتى ما كان ذلك ضرورياً، الحكم الذاتي الكامل (مانيفستو الحركة الشعبية، مايو 2008).

41. بالنسبة التحالفات، فقد ظلت الحركة الشعبية دوماً حريصة على التفاعل وخلق صلات مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية في الشمال، منذ بداية النصف الثاني من الثمانينيات. ولعبت الحركة دوراً محورياً في جمع هذه القوى في وقت مبكر في كوكادام (إثيوبيا)، وتحديداً في مارس 1985، ولم يمض عامان على تأسيسها. وهكذا، فقد أقامت الحركة الشعبية تحالفات مع جميع القوى السياسية الحديثة والتقليدية، بغرض المضي قدماً بعملية البناء الوطني. توَّجت الحركة هذه التحالفات بعضوية فاعلة في التجمع الوطني الديمقراطي، والذي تبوأ قائدها رئاسة قواته، كما أسهم رئيس الحركة الراحل بفعالية مشهودة في توقيع قوى التجمع على اتفاقية القاهرة مع الحكومة السودانية، في يونيو 2005. للمفارقة، كان الزعيم الراحل، جون قرنق، يفضِّل التحالف مع القوى السياسية "التقليدية"، على الإئتلاف مع القوى "الحديثة". فقد طرح على قوى التغيير في الشمال، بعد فشل مبادرة "لواء السودان الجديد"، خيار العمل في إطار التجمع كتحالف عريض ومفتوح، يوفر مكاناً لكل قوى السودان الجديد في طريق بناء هذا السودان، خاصة وأن بعض أقسام هذه القوى كان يسعى لإقامة تحالف إستراتيجي مع الحركة وإقصاء وإستبعاد القوى "التقليدية"، وهو توجه وصفه الزعيم الراحل بأنه محفوف بالمخاطر. وعلى حد تعبيره "فقد يقدر المرء إستياء هذه القوى من بطء حركة التجمع الوطني الديموقراطي، ولكن يجب أن يؤخذ التجمع كتنظيم واسع وفضفاض، ولكنه يتحرك كالجبل، فإذا تحرك لمسافة مليمتر في الإتجاه الصحيح، فإن ذلك يمثل انجازاً لايُستهان به.

42. ومن ناحية أخرى، فإن قوى الريف والحركة الشعبية لا تعرف الكثير عن هذه القوى "الحديثة"، إلا من خلال تعريفها الذاتي لنفسها كقوى "ديموقراطية" و"تقدمية"، مما يجرِّد التحالف المطروح من شروطه الموضوعية وضروراته الواقعية (الواثق كمير، 2005، نفس المصدر، ص. 56). وفي رأيي أن حرص زعيم الحركة الشعبية الراحل على التحالف مع القوى السياسية الشمالية، خاصة القوى التقليدية، لم يكن فقط من أجل تحقيق هدف التجمع الرامي إلى إزالة النظام وتنصيب نفسه بديلاً، بل لحشد سند ودعم هذه القوى، كشرط لازم وضروري لممارسة حق تقرير المصير عن طريق الاستفتاء. وبالفعل، هذا هو ما وقع.

[email protected]
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



هل يسقط "السودان الجديد" في مستنقع العنصرية؟ .. بقلم: محجوب محمد صالح
نشر بتاريخ: 18 آب/أغسطس 2017




الجمعة، 18 أغسطس 2017

عندما نشأت الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل ثلث قرن من الزمان - وتحديداً في العام 1983- طرحت نفسها كحركة (تحرير) من جنوب السودان، ذات توجه مختلف تماماً عن كل حركات جنوب السودان السابقة، فهي لم تكن حركة (انفصالية)، رغم أنها تقود تمرداً مسلحاً ضد الحكومة.

وهي تدعي أنها لا تتحدث عن مشكلة جنوب السودان، إنما هي معنية بمشكلة السودان كله -بكامل حدوده الجغرافية - شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وأنها على قناعة أن نخبة تقليدية استولت على مركز السلطة في البلاد، رغم أنها تمثل أقلية، وفرضت نفوذها على الكافة، وهمشت الأغلبية السودانية التي تعيش بعيداً عن المركز.

كان هذا الطرح مختلفاً تماماً عن كل أطروحات الحركات الجنوبية السابقة، الداعية لانفصال الجنوب، على أساس أن أهل الجنوب أفارقة، والمتعلمون منهم مسيحيون، وأن شمال السودان عربي ومسلم، وأنه لا شيء يجمعهم سوى السلطة الاستعمارية، التي رسمت حدود السودان.

هذا الطرح كان له تأثيره على مجمل المشهد السياسي السوداني، فهو من ناحية.. أغرى بعض القوى السياسية في الهامش - خاصة في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة - أن تنضوي تحت لواء الحركة وفق هذا المفهوم، وتحارب في صفوفها، كما أغرى عدداً محدوداً من النخبة السودانية أن تنتمي للحركة، لأنها وجدت في أطروحاتها ما تنشده، لإنقاذ السودان من الحلقة المفرغة التي كان يعيشها، تتقاذفه ديمقراطية عاجزة، وانقلابات باطشة.

وأصبح لمشروع (السودان الجديد) - الذي طرحه د. قرنق - مؤيدين وأنصار، التحقوا به عن إيمان، وانخرطوا في صفوف الحركة، واحتلوا مواقع متقدمة، وجاء آخرون من جبال النوبة، وجبال الأنقسنا ليرفدوا جيش الحركة بمقاتلين أشداء، ويشكلون بعض فرقها الضاربة.

ومرت مياه كثيرة تحت الجسر، والمفاوضات المتطاولة مع الحكومة، وصراعات الأجنحة داخل الحركة، وتمرد ريك مشار، ولام أكول على قيادتها، وانقسامهم، وتشكيل تنظيماتهم، ورفع شعار الانفصال بديلاً عن «السودان الجديد»، وحرب النوير ضد الدينكا - الأكثر شراسة من حرب الحركة مع جيش الحكومة -،

ثم عودة لام أكول وريك مشار إلى عضوية الحركة، بعد أن فشل مشروع اتفاقية الخرطوم للسلام والتعاون مع الحكومة، ثم توقيع اتفاقية سلام نيفاشا، ورحيل د. جون قرنق في اللحظة الحرجة، واضطراب مسار الحركة، لكنها تتماسك، لتكمل المرحلة الانتقالية، وترمي شعار «السودان الجديد» وراء ظهرها، وتتبنى انفصال الجنوب، وتحققه، وكان ما كان.

والآن.. ينفجر الموقف فيما تبقى من الحركة الشعبية في السودان الشمالي، ويطال الصراع قادتها، بل، وقواعدها في النيل الأزرق وجبال النوبة، وها هي الأخبار هذا الأسبوع تتحدث عن دخول مرحلة تصفية الحسابات بين أنصار مالك عقار/ياسر عرمان وأنصار الرئيس الجديد عبدالعزيز الحلو، مرحلة الصراع العسكري المسلح.

ولا شك أن الحلو - الذي أكد بالأمس سيطرته على قوات الحركة في جبال النوبة - يسعى الآن للسيطرة على الفرقة الموجودة في النيل الأزرق، وهي تضم بعض أبناء الجبال.
المفارقة أن هذا الصراع - الذي يدور اليوم - يبدو أنه سيعود بالطرفين المتقاتلين إلى موقف (عنصري)، وستنتهي الحركة الشعبية (شمال) إلى فصيلين، أحدهما لأبناء النوبة، والآخر لأبناء الأنقسنا وقبائل النيل الأزرق الأخرى، ويتبخر تماماً المشروع الذي بشر به د. جون قرنق.
فالحرب الأهلية الدائرة الآن - بين أبناء الحركة الشعبية في جنوب السودان - هي حرب عنصرية قبلية بين الدينكا والنوير،

والصراع المسلح الذي يدور الآن في النيل الأزرق هو صراع عنصري قبلي.

فهل تكون هذه هي نهاية مشروع «السودان الجديد»،الذي مات في سبيله الآلاف؟

الرابط : سودانايل :
https://www.sudanile.com/index.php/الأعمدة/95-1-3-3-2-3-0-9/100949-هل-يسقط-السودان-الجديد-في-مستنقع-العنصرية؟-بقلم-محجوب-محمد-صالح

*

[/color]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:





تحريرُ الخِلاف في الحركة الشعبية شمال: "قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان"!

بقلم: الواثق كمير



- الجزء الثالث -





خيارات الحل: "قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتِيان"!


43. على خلفية هذه الاعتبارات، فإنه ليس من العسير إدراك مدى محدودية وصعوبة، إن لم يكن إستحالة، خيارات الحل الساعية لتوحيد قيادة الحركة الشعبية شمال من جديد، والتي تقدَّم بها نفرٌ من عضوية الحركة والأصدقاء والحادبون على وحدة الحركة وتماسك قواتها. تفاقُم الأزمة فى قيادة الحركة لم يترك غير خيارين "نظريين" لحل الخلاف، على نحو يبقي على وحدة الحركة وتماسك جيشها. الخيار الأول، هو تسليم الرئيس والأمين العام بقرارات المجلسين وقبول دعوة رئيس الحركة الجديد بالمشاركة فى المؤتمر العام المزمع، مع حقهما في الترشيح للمواقع الدستورية في الحركة. أما الخيار الثاني، فهو أن تتم عملية إنتقال السلطة في الحركة بالتنحِّي الطوعي للقيادة الانتقالية "الثلاثية"، بحكم مسئوليتها التضامنية-الجماعية، على أن يتفق الثلاثة على قيادةٍ انتقالية مؤقتة مهمتها الأساس التمهيد لهذا الانتقال تتمثل في عقد المؤتمر العام لإجازة رؤية الحركة وبرنامجها الإطاري ودستورها، ومن ثم تنتخب قيادتها الجديدة ديموقراطياً. أنا أرى أن الخيارين لا يصلحان في خلق أرضية مشتركة للتوافق، وأنهما غير قابلين للتطبيق. فليس من الواقعية السياسية في شيء أن نتوقع خضوع رئيس الحركة وأمينها العام، السابقين، لقررات المجلس الإقليمي، أو قبول رئيس الحركة الجديد بالتنحِّي الطوعي ليضع نفسه في سلة غريميه.

44. وأيضاً على خلفية هذه الاعتبارات، فإن استخدام القوة متجذِّر في الواقع السياسي للحركة، وفي تاريخ إدارة الصراعات الداخلية، وتجاربها منذ صراعات السلطة الدموية في البدايات الأولى لتكوين الجيش الشعبي. هذا هو حال الحركة منذ نشأتها، فدوماً يفرض الفريق الأكثر قوة على الأرض، والمسيطر على زمام الأمور، واقعاً جديداً على مستوى الحركة، تعتمد استدامته على التوفيق في تحقيق الأهداف المرجوَّة من الصدام. وبعد إخفاق كل المبادرات الساعية للتوصُّل إلى أرضية مشتركة تجمع القيادة "الثلاثية" من جديد، جاء الخطاب الأخير لرئيس الحركة الشعبية شمال ليقطع الطريق أمام أية دعوة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء؛ فالأمر قد تمَّ حسمه وأصبح مفروغاً منه. (خطاب الفريق عبد العزيز في اجتماع القيادات العسكرية والسياسية والمدنية لإقليم جبال النوبة، 6 يوليو 2017). ومن جانب رئيس الحركة والأمين العام السابقين، فقد رفضا قبول كل قرارات المجلسين الإقليميين، وتمسكا بموقعيهما في قيادة الحركة، ما عدا في حالة قبول رئيس الحركة الجديد بالتخلِّي، معهما سوياً، عن مقعده في قيادتها. بل، وأعلنا أنهما يجريان اتصالات مع كل الرافضين للانقلاب للبدء في مسيرة جديدة لإعادة بناء حركة وفق رؤية السودان الجديد لكافة السودانيات والسودانيين. وهكذا، فقد "قُضي الأمر الذي فيه تستفتَيان"!

45. هذا الانشقاق الماثل يفرض تحديات على قيادات الحركة، من الجانبين. على رأس هذه التحديات، أنه طالما ظل هدفهما المشترك هو بناء السودان الجديد، فلندع كل طرف يثابر بحرية في الوصول إليه، بعد تحديد الوسائل، وفي مجابهة التحديات الجسام في هذا الطريق، دون حاجة للإستقطاب والعنف اللفظي، والتنابذ وتبادل إتهامات التخوين. ولنحكم عليهم بأعمالهم، كمال قال الرئيس السابق الفريق إبراهيم عبود. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالمثابرة على تفصيل البرامج العملية والسياسات الجاذبة، مما يوفِّر للجمهور والقواعد حرية الاختيار. وهذا، بدوره، يستدعي أن تضع هذه القيادات تداعيات هذا النزاع المحتدم ومآلات المستقبل، نصب أعينها، لعل سيرورة ودينامية التطور السياسي قد تدفعهم إلى فهم مشترك وتفهم أعمق لكثير من القضايا الخلافية، ولو على مدى بعيد، عسى ولعل أن يلتقوا يوماً على طول الطريق. ويشكل الوضع الذي تعيشه الحركة حالياً اختباراً للقيادتين في كيفية مراجعة مسيرة الحركة في كل مراحلها والاستفادة من تجاربها ما قبل انفصال الجنوب وما بعده، ومنذ مراحل النضال الأولى، والتخطيط لتجهيز كوادرها لمرحلة ما بعد الكفاح المسلح، وإعدادهم لإدارة مناطقهم بعد وقف الحرب.

46. لا شك، أن القيادة الجديدة للحركة، برئاسة الفريق الحلو، تواجه تحديات كبيرة في سبيل تحقيق أهدافها المعلنة، على المستويين التنظيمي والسياسي، عنوانها الرئيس كيفية وقف الحرب ونزيف الدم. تكمن أول التحديات في القدرة على مخاطبة ومعالجة الأوضاع المتفجرة في جنوب النيل الأزرق. إن الانقسام السياسي قد أفضى بالفعل إلى إشتباكات عنيفة ذات طابع قبلي قوي بين وحدات الجيش الشعبي في أجزاء من جنوبِ ولاية النيل الأزرق التي تسيطر عليها الحركة، وفي المخيمات التي تستضيف لاجئين من الولاية، عبر الحدود، في ولاية أعالي النيل في جنوب السودان. تفاقمت التوترات القبلية القائمة من قبل بسبب الانقسامات الناشبة بين كبار قادة الحركة. ويعوق العجز القيادي، الذي يُعدُّ أحد أسباب الانقسام الحالي، وأحد آثاره في نفس الوقت، ويعيق آليات الإستجابة للأزمة الداخلية والإنسانية إعاقة مباشرة. إضافةً إلى، أن هذا العجز يزيد من مخاطر اندلاع المزيد من الحروب الأهلية، الأمر الذي يخلق فراغاً قيادياً خطيراً على الصعيدين الإقليمي والمحلي (سليمان بلدو، ردود الفعل إزاء الصراعات الدائرة بين القيادات داخل الحركة الشعبية شمال، مشروع كفاية، يوليو 2017).

47. لا حاجة للتشديد بأن الحفاظ على تماسك الجيش الشعبي في جبال النوبة، وضمان دعمه المستمر للقائد العام ورئيس الحركة، ووحدته في المنطقتين، هي المفتاح لمعالجة هذا التحدي. ويبرز تحدٍّ آخر، لصيق الصلة، يتمثل في توصيل المعونات الإنسانية للمحتاجين في المناطق الخاضعة لسلطة الحركة، خاصة وهناك المقترَح الأمريكي على طاولة التفاوض، حانت ساعة إعادة تنشيطه. وهذا، بدوره، لا ينفصل عن المهام المُلحَّة في تفويض القيادات العسكرية والسياسية والمدنية لرئيس الحركة الجديد، وعلى رأسها شغل المواقع القيادية الشاغرة، وتشكيل وفد التفاوض، وصياغة موقف الحركة، ولعل الأهم هو الشروع في التواصل والتفاعل مع المجتمعين الإقليمي والدولي، خاصة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى.

48. ثمة تحديان كبيران يجابهان القيادة الجديدة للحركة. أولهما، محاولة التوفيق "النظري" بين السودان الجديد وتقرير المصير، الذي نجح فيها الزعيم الراحل للحركة الشعبية في المؤتمر القومي الأول، في 1994. ففى رأيي، أن تقرير المصير سيدفع بالكثيرين، من المؤمنين برؤية السودان الجديد، للإحجام عن الانضمام للحركة. بل إن هناك قطاعات كثيرة في الشمال كانت تتعاطف مع الحركة الشعبية في مشروعها لبناء سودان موحَّد ستجد نفسها مجبرة على التخلي عن هذا التعاطف في حال استبطان القيادة الجديدة للحركة تقرير المصير، كهدف جوهري مقدَّم على ما عداه، من حيث تأكيدها على الاستناد على ذات المفاهيم التي قامت عليها الحركة وهي التي فذلكت رؤيتها بأنها تقدِّم وحدة السودان على تجزئته. كل هذه التحديات تستدعي، بالضرورة، أن تنجح القيادة في خلق الإجماع حول المطلب في داخل الحركة، مع تحييد الخصوم، وبناء العلاقات السياسية بغرض كسب التأييد، والسعي الحثيث لضمان السند الإقليمي والدعم الدولي. وثانيهما، كيفية توحيد الكيانات الثلاثة، جنوب كردفان والنيل الأزرق وقطاع الشمال، في هيكل تنظيمي موحَّد ومتماسك، خاصة وأن تحقيق هذا الهدف ظل قيد الإنتظار منذ تأسيس الحركة الشعبية في 1983. فهل سيقود المؤتمر العام "الاستثنائي" المرتقَب إلى بناء حركة شعبية قومية ديمقراطية موحدة؟ أم ستتجه القيادة الجديدة لإعادة إنتاج العجلة؟

49. ومن ناحية أخرى، بنفس القدر، تواجه القيادة السابقة تحديات ماثلة ومشابهة لتحقيق أهدافها المعلنة. ولعل التحدِّي الرئيس يتمثل في كيفية الانتقال من تجديد رؤية السودان الجديد إلى تجديد البنية التنظيمية للحركة. فالبرغم من الإعلان عن ميلادٍ ثانٍ لمشروع السودان الجديد، بما يعني مواصلة النضال من أجل التغيير تحت رايته، إلا أن الغموض يظل يكتنف الآلية والمنهج والوسيلة، وطبيعة الشكل التنظيمي الذي سيأخذه هذا الميلاد الجديد، والقاعدة الجماهيرية التي يستند عليها. فموقف الجيش الشعبي في النيل الأزرق ما زال غير معروف، خصوصاً بعد تأييد بعض القيادات العسكرية والسياسية في الولاية لمقررات مجلس تحرير جبال النوبة والقيادة الجديدة للحركة. فهل الميلاد الجديد يعني الانقطاع عن إرث النضال المسلح، أم سيسعى الرئيس والأمين العام إلى تطوير جيش جديد وتحالفات جديدة في النيل الأزرق، وخارجها، بغرض حجز مقعد على طاولة المفاوضات، التي تقتصر على الحكومة وحاملي السلاح فقط؟ ومن جهة أخرى، تمور الخلافات أيضاً وسط قواعد الحركة في قطاع الشمال بين مؤيد ومعارض لقرارات مجلسيْ التحرير في المنطقتين. فكيف يتم جمع هذه القوى لتشكل قاعدة لأي كيان أو اتجاه جديد؟ ولعل بيان القيادة السابقة الأخير، قبل نشر هذا المقال، قد أفصح عن شروعها في "كتابة وثيقة حول قضايا التجديد والبناء والطريق إلى الأمام"، وذلك بغرض اعتماد "طريق جديد في بناء الحركة الشعبية كحركة تحررية وطنية ديمقراطية". بل وتجري الاتصالات والمشاورات على قدم وساق لإعلان هيكل قيادي انتقالي خلال شهر (بيان الناطق الرسمي للحركة الشعبية، 10 أغسطس 2017).

50. من الجدير بالذكر، فالبرغم من أن الصراع في الحركة الشعبية شمال قد يبدو شأناً داخلياً، إلا أن تداعياته وآثاره تمتد خارج نطاق الحركة إلى القوى السياسية الحليفة والنظام الحاكم، على حد سواء، بل والمشهد السياسي السوداني برمَّته. فللحركة دور رئيس في معادلة الحرب والسلام، مما يوسِّع من شبكة المتأثرين بمصير الحركة بصور مختلفة، والمهتمين والمهمومين بالقضايا الوطنية، كما أنها تتفاوض مع الحكومة وفق مرجعيات إقليمية. كما أن التطورات الأخيرة في الحركة لا شك ستلقى بظلالها على التحالفات السياسية التاريخية، منذ مؤتمر كوكادام في مارس 1986، مما لم يترك مجالاً للحلفاء غير الانتظار لحين اشعار آخر، أو إسداء النصح والدعوة لطرفيْ النزاع إلى نبذ الفرقة وإلى وحدة القيادة. أما الحكومة فقد عدَّت التغييرات في قيادة الحركة بمثابة خطوة إيجابية نحو السلام، بفهم أن هذه القيادة بتخلصها من الرئيس والأمين العام السابقين قد حصرت نفسها في قضابا المنطقتين، وعلى وجه الخصوص جبال النوبة، والوصول إلى اتفاق بشأنها أمر سهل طالما تخلت عن المواضيع القومية (المؤتمر الصحفي، والي جنوب كردفان، 9 أغسطس 2017). ويبدو أن الحكومة استدعت تجربتها مع رياك مشار ولام أكول بعد أن رفعا راية تقرير المصير، ونجاحها في استدراجهما لتوقيع اتفاقية تتضمَّن الاعتراف بحقٍّ "نظري" لتقرير مصير، لم تكن أصلاً ترغب في تنفيذ إجراءات ممارسته.

51. أخيراً، بعد هذا الانشقاق، كامل الدسم، لن تكون هي نفس الحركة الشعبية قبل وقوعه، كما لم تكن الحركة في 1983 هي نفس الحركة الشعبية فى 1991، ولا هي ذات الحركة، قبل، وبعد توقيع إتفاقية السلام الشامل في 2005. ولكن بطبيعة الأشياء، فقد صدق الزعيم الراحل في قوله، "مثلما أن السودان القديم يتعرض لتغيُّرات جذرية في مسيرة انتقاله نحو السودان الجديد فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان نفسها لابد أن ينالها التطوير وتخضع بذلك لتحولات أساسية. ورغم أن الحركة ظلت تحتفظ بمضمونها الرئيسي، إلا أنها شهدت تحولات عبر السنين، وفي غضون تلك التحولات بدت الحركة مختلفة في المراحل المختلفة للكثير من الناس وجماعات المهتمين مما يفسِّر اللبس - القائم عند البعض - حول طبيعة ومضمون الحركة الشعبية". ومع ذلك، ظلت القوة المكتسَبة من النضال المسلح كالوسيلة الأساس في تحقيق التغيير المنشود، هي التي تحدد طبيعة الحركة وشكل عملية إتخاذ القرار بداخلها. ولذلك، أختتم بسؤال لم أجد إجابة عليه: هل يمكن، من باب الواقعية السياسية، أن تتشكل حركة "قومية" وديمقراطية من مكوِّنات متنافرة، وفي وضع غير متكافئ، تحمل بعض مكوِّناتها السلاح، بينما يقاوم البعض الآخر سلمياً، في ظل مطالبة بحق تقرير المصير تفتقد إلى الإجماع داخليا، وتعاني من نفور إقليمي ودولي؟ بعبارة أخرى، كيف يمكن بناء حركة قومية من جديد، سياسياً وتنظيمياً، بينما قواعدها مبعثرة بين المنافي ومناطق العمليات، مما يبعدها عن الالتحام بالجسم الجماهيري الكبير في البلاد (الواثق كمير، الكفاح المسلح والنضال المدني: هل يلتقيان؟ سودانتربيون، 19 يناير 2017).

[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب (الجزء الأول):




الحركة الشعبية لتحرير السودان فيما بعد 2005م: الممارسة والمآلات (2)
في القيادات التي تقاد ولا تقود (1)
حالة علي عسكوري (1)





مقدّمة


هذه سلسلة مقالات نرجو ألاّ تزيد أعدادها عن المقرّر لها، كونها جميعها عبارة عن مستلاّت من كتاب قيد النشر أردنا له أن يكون من الحجم الصغير تيسيراً لنشره وتداوله. والكتاب، بجانب تعرضه للحركة الشعبية عبر تاريخها الذي تجاوز الثلاثين عاماً، إلاّ أننا نركّز فيه على فترة اتفاقية نيفاشا إلى عامنا هذا (2005م – 2017). ففي هذه الفترة فقدت الحركة قائدها جون قرنق، ثم حثيثاً بعد ذلك فقدت بوصلتها فكرياً وتنظيمياً ثمّ سياسياً. وتأتي أهمية الحركة الشعبية حسبما قلنا في الحلقة الأولى أنها الحزب السياسي الوحيد في تاريخ السودان الذي توفرت له جماهيرية كاسحة دون أن يتكئ على خلفية دينية أو طائفية. وهذا إنجاز لم يسبقها عليه تنظيم من قبل. وهذا ما يحعلنا نكتب عن الحركة الشعبية؛ فكما سبق منا القول إن أيّ تنظيم سياسي هو مشروع حكومة محتملة. وعليه، ليس من المنطقي أن ننتظر إلى أن يستلم هذا الحزب الحكم ثم بعد ذلك نشرع في نقده. وهذا ما دأبنا على فعله إزاء جميع الحركات السياسية.
مقابل ذلك الإنجاز التاريخي غير المسبوق للحركة الشعبية يقف في الجانب الآخر فشل كبير أيضاً لم يسبقها عليه أحد. وليس أفشل من أن يتنكّب المرء عن مبادئه وفكره ليعمل بالضبط عكسها بالرغم من تظاهره أنه لا يزال على الدرب سائراً. بالطبع تقف خلف هذا الفشل عدة عوامل، هي ما نسعى للإماطة عن لثامها ما وسعنا ذلك، على أمل أن تستقيم الخطى بفضل ما نقوم به وما يقوم به الآخرون بكشف زوايا هذا الفشل العظيم وتبيان أوجه الخلل فيه وإنارة ضوء ولو كان خافتاً في نهاية النفق به تستمد القطاعات العريضة التي وقفت مع برنامج السودان الجديد وهي على استعداد لبذل المزيد. ثم أهمّ من ذلك أن يجد المقاتلون الذي لا يزالون يستاكون بسنن البنادق ويتكئون عليها في غدوّهم وفي رواحهم عزاءً وسلوى بأن ما يفعلونه ليس بمثابة محرقة مجانية لهم بعدها يصبحون نسياً منسيّا، وأن من فقدنا من شهداء بطول الوطن سيظلون نجوما زاهرة في سماء بلادنا تزدان بها ليالينا في مقبل الأيام إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

في الردّ على تهجمات عسكوري


ذكرنا في الحلقة الأولى أننا سوف نبدأ حلقاتنا عن الحركة الشعبية بالتعرّض لظاهرة القيادات الرّخوة التي قامت قيادة الحركة الشعبية بترفيعها فوق أكتاف ورؤوس أهل الكفاءة، وضربنا في ذلك أمثله بعينها سوف نقوم باستعراضها الواحدة بعد الأخرى. كما ذكرنا أننا سوف نبدأ استعراضنا هذا بالقيادي في الحركة الشعبية، علي خليفة عسكوري، الذي شغل في فترة اتفاقية نيفاشا منصب رئيس الحركة بولاية نهر النيل بالإضافة إلى عضوية المجليس التشريعي لولاية نهر النيل. وما دفعنا إلى هذا عدة أسباب، منها مباشرته لنا بمجموعة مقالات وعد بأن تكون إحدى عشر، إلا أنه اكتفى منها بعشر فقط (هذا مع أن له مقالة قصيرة ابتدر به حملة كتابته عني سوف نتطرّق لها). يقول في الحلقة (9) "ولذلك قررت التوقف عن نقد كتابات الرجل لكن ليس قبل أن أنشر حلقتين (غير هذه) أخيرتين عن أكذوبة مركزية سنار كنت قد إنتهيت من كتابة مسودتيهما مسبقاً". ولكنه كتب بعد ذلك حلقة واحدة هي العاشرة واكتفى بذلك. إن الذي يكتب كمن يصلب نفسه على جدار التاريخ، كونه يتيح للتاريخ (وليس فقط لزمانه الحاضر) أن يحاكمه باستمرار متى ما كان هناك ما يستدعي هذه المحاكمات. وهذا ما نحمده لعسكوري كونه أتاح لنا أن نعلم بمعدنه من خلال ما سطّره قلمُه.
ليس غرضنا من هذا الدفاع عن أنفسنا أو دحض ما قاله، مع أننا سوف نفعل هذا ضربة لازم by default؛ فهذا مما لا يرقى عندنا لتسويد الصحائف وشغل القراء به. فكم سامتنا بحرّاها سمومٌ صدرت من سخائم النفوس التي تشتعل حقداً وبغضاً فما احترقت بها إلا نفوسُها وتجاوزناها إلى ما ينفع الناس، دون أن نكلف أنفسنا لحظة من الزمان للدفاع أو الشرح والتوضيح. ذلك لأننا عندما نكتب، إنما نكتب للتاريخ، لا للحاضر. فالحاضر هو عدو الكتاب والمفكرين عبر التاريخ. ما نريده هو أن يتحرّى القرّاء في طبيعة هذه الشخصية القيادية أيحكموا بعد ذلك هل استحقّت موقعها القيادي الرفيع في الحركة الشعبية، أم أنها لا تستحق. فإذا كانت تستحق، فقد باء حديثنا بالفشل والخسران؛ أمّا إن كانت لا تستحقّ، فذلك لخلل كبير في أداء الحركة الشعبية بموجبه أصبحت هذه الشخصية الرخوية ومثيلاتها تحتل مواقع قيادية على حساب سلامة الإدارة فكرياً وتنظيمياً وسياسياً بكل ما في هذا من مفارقة لمعايير العدل والنّصَفة.
في استعراضنا لكتابات وشخصية علي عسكوري سوف نعمل على التحقق من الآتي:
أ‌) هل ما باشرنا به عسكوري من سخائم نفسه المغيظة يمتّ للكتابة بشيء؟
ب‌) هل فعلاً قرأ عسكوري كتاباتي كما زعم؟
ت‌) هل التزم عسكوري بأي مبدأ أكاديمي علمي في استعراضه لكتاباتي؟
ث‌) هل عسكوري رجل شجاع يمكنه أن يواجه أخطاءه ويعتذر عنها؟
ج‌) هل يمكن أن نعتبر عسكوري كاتباً؟
ح‌) كيف أصبح عسكوري قيادياً في الحركة الشعبية؟
خ‌) هل تتسم مواقف عسكوري من قضايا السدود بالتماسك المبدئي والأخلاقي؟
د‌) هل عسكوري رجل عنصري في مقدوره أن يصف الناس بأنهم "عبيد"؟
ذ‌) ثمّ أخيراً، ما هي دوافع عسكوري في تهجمه الشخصي عليّ؟

القول الفاحش والخصومة الفاجرة

قال عسكوري في الحلقة (1): "أكرع الرجل فى شتمى والإساءة لى فقط لأننى إنتقدت ما أسماه ’منهج التحليل الثقافى‘"؛ وقال في الحلقة (2): "وحده الخواء الفكرى ما يمكن الشخص من الإنغماس فى شتم الآخرين، فكل إناء بما فيه ينضح"؛ ثم جاء في الحلقة (10) وقال: "وكما اعلنت منذ مقالى الأول إننى غير معنى بالشتائم والسباب ...".
حسناً! فالرجل من الحلقة رقم (1) إلى نهاية حلقاته العشر يبدو حريصاً ليس فقط بألاّ يشتم، بل بألاّ يلقي بالاً لشتائمي (سوف نأتي لها ونحصيها لاحقا). الآن دعونا نرى من منا شتم الآخر! هذه هي ألفاظ السباب والشتائم التي وردت في الحلقة الأولى من حلقاته العشر:
كارل ماركس السودان المزور / الغثاء النشط / المفكر النحرير والعالم الفهّامة / نصب من نفسه كارل ماركس السودان / لأبيّن زيف / هذا الراجف / بينما يؤيد الإنقلابات / يتهافت / خفة وإضراب فكرى يحسد عليهما / تنصيب نفسه حاكماً / فتلك غطرسة / أؤكد للعلامة الفهامة / العيب / إدعاء المعرفة عن جهل / التثاقل عن طلب المعرفة والعلم / إدعاء العلم والمعرفة اسوء بكثير من الجهل ومن التباطؤ فى كسب المعرفة / الجهل والتباطؤ / الإدعاء / وما محمد جلال إلا شخص مدع لمعرفة لا يملك منها شروى نقير / مما يزعم ويهرف ويصك آذان الناس به / فكتبه لا تفيد بشئ يذكر / المعرفة التى يدعيها / غير أن الدكتور النحرير / قصد إساءتى / من غير علم / محمد جلال هاشم كاتب مستهبل يستعبط قراءه بكثير من الغث والترهات التى لا تسوى الحبر الذى كتبت به ثم يسميها كتبا ونظريات ينشرها على العالمين / أنه فعلاً كاتب مستهبل مدع لا يتبع اى منهج علمى / ولا يهتم بفطنة القراء ولا تضيف كتبه الى من يقرأها شيئاً / يجتهد لبيع الإفتراضات للقارئ على انها حقائق وذلك هومقتل / وصفى له بالمستهبل / الإستهبال / الدكتور النحرير / الإستهبال / محمد جلال يعتقد انه فوق تلك النخبة / فإعتقاده بأن شخصى " سنة ناعمة" وصيد سهل، وهدف رخو / يمكنه إفتراسى / الشتائم والأراجيف وأساليب إغتيال الشخصية / لن أجهل فوق جهل الجاهلينا / سأنزع منه نقاب الإدعاء والغطرسة والفهلوة والإستهبال / ضحد اراجيف الرجل وفضح عوار / ترهات / ما يدعى ليست بمنهج ولا نظرية ولا تحليل ولا ثقافية. عبارة عن خلط " لملاح إم تكشوا بسَلَطَة الروب / كاتب مستهبل / أكرع الرجل فى شتمى والإساءة لى / فشنك / الذين بلغت بهم الوقاحة والسقوط / وصف الآخرين "بالنخاسين" / ممارسة الشتم والسب / نظريات تالفة ما أنزل الله بها من سلطان.
هذه عددها 297 كلمة سباب وشتائم واستهزاء من مجموع 890 كلمة هي مجموع كلمات الحلقة الأولى فقط، أي بما نسبته 33% من جملة كلمات حلقته الأولى.
لا نحتاج لنتساءل: من منّا شتم الآخر، بل ينبغي أن نتساءل كيف يجوز أن تزن البذاءة وفاحش القول ما نسبته 33% من كلام شخص هو قيادي بحركة سياسية؟ ثمّ بعد كل هذا نجده يحتج غاضباً كيف وصفته (قبل أن يبدأ كتابة حلقاته) بأن ما يقوله مجرد "ردح"؟ فعسكوري لم يفعل شيئاً في حلقاته العشر شيئاً غير إثبات صحة وصفي القاسي له.
تعالوا نرى كيف شتمت عسكوري! في ردي على مقالته التي سبقت حلقاته العشر (جاءت بعنوان: "لن يترك د. محمد جلال محاولة استعباطه لنا بالفذلكة العقيمة") جاء قولي عنه:
"ثم إن عسكوري يفعل هنا شيئاً في مقدور الجميع أن يفعلوه، ألا وهو شوطنة الآخر. إذ ليس أيسر عندي من شوطنة عسكوري بتسفييهه أولاً في تماسكه الأخلاقي كما فعل معي، ثم تسفييهه في جملة مواقفه وآرائه. وعندها لن أخسر شيئاً مقابل ما سيخسره عسكوري. فأنا مجرد شخص ناقد، غير منتمٍ لأي تنظيم سياسي، وعليه مثلي لا يخسر أي موقف محمول على آخرين. لكن عسكوري يقدم نفسه على أنه قيادي، ما يعني أن مواقفه بالضرورة محمولة على آخرين. في مثل هذه الأحوال، يطلب من شخص مثلي أن يقوم بالرد حتى لو كان الكاتب الحقيقي هو القيادي نفسه. ولكن عندما يفعل عسكوري عكس هذا، بأن يضع نفسه في واجهة الهجوم والدفاع، فإنه يكشف عن أنه أولاً ليس بقيادي، بل تابع يتفانى لإظهار تبعيته لقيادته العليا. خاصةً أنه يصدع بكلام ضعيف أشبه بالردح".
ثم جاء قولي عنه بعد ذلك:
"أما زعم عسكوري بأنه قد قرأ كل كتبي، فلا أعرف مغزى له، كما أشك في أنه قد قرأ لي شيئاً. فالمرء لا يقرأ فكر من لا يحترمه. ولا اعتبار لقوله بأنه صديقي. فهذا ضرب من الإفك والنفاق. إذ كيف يستقيم أن تصف صديقك بالاستهبال وتكيل له الشتائم دون أن تحفظ له جميلاً واحداً، ثم تملك الجرأة بأن تصفه صديقك".
إذن كل ما يمكن لعسكوري أن يأخذه عليّ هو استخدامي لكلمة "ردح" ثم جملة "ضرب من الإفك والنفاق"!
الآن دعونا نرى كمية السباب والشتائم التي كالها لي عسكوري في هذا المقال المشار إليه أعلاه!
جاء في مقاله ما يلي مما يقع داخل دائرة الشتم والسباب والاستهزاء:
استعباط / فذلكة عقيمة / يدعي / يتعمد عن قصد تجاهل / لم يشر عن قصد اعلمه / حاول كعادته الاستهبال / قصد عن عمد / حيل الكتابة /إنه مؤيد للانقلاب / يتعامل مع الافتراضات على أنها حقائق / هذه مصيبة / هذا استخفاف بمقدرة القراء / حديثه عن الشرعية السياسية حديث كاتب لم يقرأ [ترد في الأصل ’يقراء‘ وكثيراً ما تتكرر هكذا في حلقاته] / تناولها بهذه البساطة / أمر يشي بخفة فكرة الكاتب / محمد جلال بطبعه شخص انقلابي / تأييده للانقلاب ليس بشيء مستغرب / كنت سأتفاجأ [ترد في الأصل ’سأتفاجاء‘] إن لم يؤيد الانقلاب / محمد جلال من أكبر المفكرين للمركز والمدافعين / ما ذكره في مقدمة مقاله عن الذين يدافعون عن المركز دون وعي ينطبق أكثر ما ينطبق عليه هو قبل أي شخص آخر.
أي ما حصيلته 114 كلمة من مجموع 370 كلمة هي قوام مقاله الأول السابق للحلقات العشر، أي ما نسبته 31% من مقاله!
إذا لم يكن هذا هو الردح، فما هو إذن! ولتلاحظوا كيف حافظ عسكوري على نسبة الردح في جميع حلقاته العشر، بل في بعضها تفوق على نفسه وتجاوز هذه النسبة.
فهل هذا مستوى نقاش يتّصف به قيادي جماهيري في الحركة الشعبية مناط به طرح خطاب السودان الجديد، أم هذا شخص ينتمي لجماعة الإنقاذ من قبيل البشير ونافع .. وغيرهم؟ هل هذه هي العدالة التي وعدت بها الحركة الشعبية جماهير الشعب السوداني؟ إذا كان أحد قيادييها غير قادر على أن يمارس النقد بأمانة وحياد!
سوف نرى في الحلقات الأخرى كيف يواصل عسكوري شوطنتي demonization بطريقة ممنهجة، لا يحيد عنها، دون أن يحفظ لي ولو فضل واحد. فقد اتبع منهج قلب الطاولة. فإذا كنت أدافع عن المهمشين، نجده يقلب هذا بالزعم أنني أدافع عن المركز؛ وإذا كنت أتكلم عن العلمانية كشرط للدولة المدنية، عندها يقلب المسألة فيزعم بأنني من الإسلاميين. وقد وقع في جملة تناقضات مع ما يقوله هنا وما يقوله هناك؛ ثم ما ينقله عني في هذه الصفحة مع ما يرد في الصفحة التي تلي بعدها. بجانب نسبه لي أشياء قال بها آخرون، فحاكمني بها لا أعرف هل لجهله بها أم لتعجله في تدبيج الإدانة تلو الإدانة لي.
كل هذا سوف نستعرضه لنرى معدن الرجل وإذا ما كان يستحق موقعه القيادي في الحركة الشعبية، وإذا ما كان يقرأ، وإذا قرأ، إذا ما كان يفهم، وإذا فهم، إذا ما كان يحرف القول عن مواضعه.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب (الجزء الثاني):





الحركة الشعبية لتحرير السودان فيما بعد 2005م: الممارسة والمآلات (2)
في القيادات التي تقاد ولا تقود (1)
حالة علي عسكوري (2)

بقلم: محمد جلال أحمد هاشم







القراءة بطريقة ويلٌ للمصلّين!

ذكر عسكوري في أكثر من موقع اتهامي لأناس (يقصد ياسر عرمان) بأنهم يفكرون بعقلية نخاسين. فقد جاء عنه في الحلقة رقم (1) ما يلي: "لست من أهل العلم والمعرفة التى تمكننى من إتقان ذلك الضرب من المعرفة الذى لا يبلغه إلا الراسخون فى العلم الذين بلغت بهم الوقاحة والسقوط بحيث لا يجدوا فى أنفسهم حرجا من وصف الآخرين بالنخاسين". ثم قال في الحلقة رقم (2) ما يلي: "ذكرت فى مقالى الأول كيف أن الدكتور محمد جلال سقط فى مستنقع الشتم والإساءة لأفراد سودانيين واتهمهم بأنهم نخاسيين" ("نخاسين" بياء واحدة وليس إثنين؛ ثم في الأصل ينبغي أن تكون "نخاسون" بالرفع كونها خبر إنّ؛ ومثل هذا كثير في كتابات عسكوري حيث يرفع المنصوب وينصب المرفوع). ثمّ كرر ذلك في الحلقة رقم (9/ 3): "فأنا كما أكد فى مقاله وأكد جهلى، لست من أهل العلم والمعرفة التى تمكننى من إتقان ذلك الضرب من المعرفة الذى لا يبلغه إلا الراسخون فى العلم الذين بلغت بهم الوقاحة والسقوط بحيث لا يجدوا فى أنفسهم حرجا من وصف الآخرين بالنخاسين".وكذلك جاء في نفس الحلقة (9/3) ما يلي: "وليس نشر الترهات لزرع الفرقة بين شعوب السودان أو إذكاء الفتنة وتأجيج نار العنصرية البغيضة ووصف الناس بأنهم ’نخاسين‘ والآخرين ’عبيد‘" ("نخاسون" بالرفع كونها خبر إن). ثم قال في الحلقة رقم (10/4) قال: "وإذ فعلت ذلك، كنت أحسب لوشائج صداقة قديمة تنكر لها أمام الناس ثم جهل علينا ليصفنا بـ ’النخاسين‘ وحسب أن صمت الناس على سقوطه الأخلاقى وتجاوزه لكل الأعراف والتقاليد جبناً وعجزاً".
انظروا إلى تركيزه على هذه التهمة التي يرفعها في وجهي في أكثر من حلقة. ليس هذا، بل طفق يحرّض الناس ضدي في عدة قروبات واتساب، مناشداً لهم بأن يتخذوا موقفاً قوياً ضد محمد جلال؛ لماذا؟ لأنه وصف ياسر عرمان بأنه يفكر بعقلية نخاس. بل شعر في بعض القروبات إلى أنه يحتاج ليشرح ماذا تعني هذه الكلمة، وطفق يتحدث عن تجارة الرق، وكيف أنها تعتبر شيئاً خطيراً أن يتم ربط اسم شخص بها .. إلخ.
حسناً! تُرى أين ومتى قلت هذا؟ جاء قولي هذا في سياق تحليل نقلته عن آخرين. أدناه النقاط المتعلقة بكلمة "النِّخاسة" (انظروا ما جاء مضعّفاً Bold):
"ويرى الكثير من المراقبين أن هذه الخطوة تنطوي على جملة أخطاء قاتلة من حيث النظر والتدبير. فمن حيث النظر كان ينبغي أن يعلم مالك عقار وياسر عرمان ان عبد العزيز الحلو ليس ذلك الإمّعة الذي يمكن لكائن من كان ان يحركه. فالذين ألمّوا بالمراحل التي صعد بها عبد العزيز الحلو عسكريا، يعلمون تماما انه يعتبر أحد القيادات الفذة في مجال حرب العصابات. اما الذين ألمّوا بمراحل صعوده القيادي سياسيا من بين اعضاء الحركة من جبال النوبة فيعلمون ان ذلك حدث تحت نظر ورعاية وإشراف يوسف كوة. وقد نظر اولئك المراقبون الى أن هذه النظرة تستبطن عقلية النخاس، وهنا طبعا يقصدون ياسر عرمان. حامل هذه النظرة لا يمكن ان يعترف بالفضل لشخص يرى أنه في مرتبة العبيد. وبهذا يقصد من يتبنون هذا الرأي ان الموضوع يحتمل عدة إسقاطات، أولها النظرة الدونية التي يكنّها ياسر عرمان لكلا عبد العزيز الحلو ومالك عقار، ثم أبكر نفسه. وبموجب هذه النظرة وخنوع مالك عقار لها تمكن ياسر عرمان من فرض سيطرته على الأول. وقد نجح ياسر عرمان في فرض سيطرته على عبد العزيز الحلو بموجب هذه النظرة، ذلك باتخاذه لمالك عقار كدرع يتوقى به شكوك عبد العزيز الحلو وتحوطاته. وقد نجح ياسر في هذا إلى حد كبير لولا وجود أبكر آدم اسماعيل بجانب عبد العزيز الحلو، حيث حذره من الخط الذي يقوده ياسر عرمان متخفّيا وراء مالك عقار. الذين رفعوا هذا التحليل قبل أكثر من سنتين تنبئوا بأن ياسر عرمان، بموجب طبيعة شخصيته النّخّاسية، لا يرى ان أبكر آدم إسماعيل، بوصفه مجرد عبد من جبال النوبة، يمكنه أن يحدث كل هذا الفرق. عليه، لا بد من شخصية شمالية تقف وراء هذا الأمر. هنا جاءت الترشيحات على ان هذه الشخصية هي محمد جلال أحمد هاشم وما يتبع ذلك من فكر واعضاء الحركة المستقلة الذين يحملون فكر منهج التحليل الثقافي ومنظور المركز والهامش في تحليل الأوضاع الراهنة واستشراف المستقبل. على هذا وقع جميع أبناء الحركة المستقلة المنضوين داخل الحركة الشعبية تحت طائلة التآمر ضد ياسر عرمان ومالك عقار ومن والاهما".
ثم بعد استعراضي لهذا الرأي جاء قولي:
"بخصوص شوطنة ياسر عرمان وتصويره بأنه ينطلق في أعماقه من عقلية نخاس الرقيق، فإني لا أتفق مع هذا الرأي، ذلك دون تنزيه ياسر عرمان من جملة نقائصه القاتلة".
فأين اتهامي لياسر عرمان بأنه يفكر بعقلية نخاس؟ فأنا استعرض رأياً قاله آخرون (ورواية الكفر لا تكفّر)، ثم بعد ذلك أرفضها جملةً وتفصيلا. ولكن فقط من يقرأون بطريقة (ويلٌ للمصلين) ليتوقفوا بعدها، يمكنهم أن يتهموني بأنني وصفت ياسر عرمان بأنه يفكر بعقلية نخاس. هذا دون أن أتعرّض لحالة التماهي التي يعيشها عسكوري عندما يقول في الحلقة رقم (10/4): "وإذ فعلت ذلك، كنت أحسب لوشائج صداقة قديمة تنكر لها أمام الناس ثم جهل علينا ليصفنا بـ ’النخاسين‘ ...". فهو إما يتماهى في شخصية ياسر عرمان لدرجة أنه يشعر بأن كل ما يقال في ياسر عرمان يمسّه هو بصورة مباشرة وشخصية، أو أنه يكذب. فأنا لم استعرض أيّ رأي لآخرين يصفون عسكوري بأنه نخاس. هذا مع أني سوف أتعرض في نهاية حلقاتي لموقف عسكوري من هذه المسألة.
وبعد؛ لقد نشرت هذا التوضيح وأوردت مقتبسات كلامي أعلاه وتم نشر ذلك التوضيح في أكثر من قروب. وقد تأكدت لي عضوية عسكوري في أكثر من قروب تم فيه نشر توضيحي. ليس هذا فحسب، بل هناك من راجع عسكوري فيما اتهمني به. ولكن مع كل هذا لم يملك عسكوري الشجاعة ليعلن أنه قد التبس عليه فهم المسألة. واليوم، هأنذا أنشر هذا في معرض ردودي لما قاله عسكوري، فهل سيعتذر؟ ولكن من فاته زمنُ الاعتذار تجاهلاً، فاته شرف الاعتذار.

عسكوري والمكابرة


اشتُهر عسكوري بالمكابرة وعدم التزحزح قيد أنملة عن موقفه مهما ثبت أن موقفه خاطئ ومبني على باطل. من أشهر المواقف الدالة على ذلك أنه في كتابه عن سد مِرْوي تهجّى كلمة "الحامداب" خطأً على النحو التالي: "الحماداب". والحامداب هي المنطقة التي تم بناء السد فيها؛ وكان اسم السد في بعض مراحله هو "خزّان الحامداب"، بخلاف ما أورده عسكوري في عنوان كتابه (خزان الحماداب: نموذج الإسلام السياسي للإفقار ونهب الموارد، 2014). عليه، فأن عسكوري قد أخطأ في تهجئة الاسم إمّا عن خطأ طباعي أو عن جهل بالتهجئة الصحيحة. عندما أهداني مشكوراً نسخة من كتابه بلندن، قمت فوراً بلفت نظره إلى هذا الخطأ. عندها عاجلني بقوله: "لكن أهلنا بيسمّوهو خزان الحماداب"! نفيت له ذلك نفي خبير كوني قد طفت منطقة المناصير من الشامخية أدنى مقرات إلى برتي أدنى محلّيّة أمري شرقاً وغرباً، ثم كذلك إلى واحات ساني، وديم عون، وواحة جورا، فضلاً عن جميع قرى أمري والحامداب شرقاً وغرباً. ولكن عسكوري أصرّ على أنّ هذا هو النطق الصحيح لاسم المنطقة والخزان، مدّعياً أنّ المناصير ينطقونه بهذه الطريقة. عندها لزمت الصمت لأني فيما أعلم عنه لن يتراجع حتى لو بعث لنا اللهُ نبياً ليقوم بتصحيح ما قاله. ثم اتفقنا على أن أحمل معي في طريق عودتي للسودان ما يقرب من عشرين نسخة من الكتاب أهداها ممهورةً باسمه لمجموعة من المهتمين بالقضية مشكوراً.
ما إن وصلت هذه النسخ إلى أصحابها بالسودان حتى اندلع نقاش حامي الوطيس في وسائط التواصل الاجتماعي حول خطأ عسكوري في تهجئة اسم المنطقة والخزان. المشكلة أن هذا الاسم (الحامداب)، ليس فقط اسماً للمنطقة، بل هو اسم أهلها أيضاً. فهم فرع من الشايقية ينحدرون من اسم "حامد"، ومنها جاءت صيغة الجمع بالطريقة السودانية "حامداب"، أي أبناء حامد. وطبعاً اسم "الحماداب" يقبل نسبته إلى "حمّاد" أو "حمادة"، لكن قطعاً ليس "حامد". التقت آراء جميع المناقشين في تلك المنازعة حول أن الاسم الصحيح هو "الحامداب" وليس "الحماداب". إلاّ أن عسكوري ظلّ يغالط بتعنّت يحسد عليه، مصرّاً أنّ الاسم الصحيح هو "الحماداب" وليس "الحامداب". فقد "ركب" عسكوري رأسه، وامتطى حمار المكابرة وظلّ يغالط الجميع بما فيهم أهل المنطقة، وبعضهم كانوا زملاء دراسة له بالجامعة. هؤلاء بدأوا أولاً بالحسنى، مشيرين له بأنهم من منطقة الحامداب وأنّ "حامد" المعني هنا هو جدّهم الأكبر الذي ينتسبون إليه ... ووووو إلخ. ولكن من يقنع الديك!
واليوم، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على صدور الكتاب وهو يحمل في عنوانه خطأً أبلق دون أن يعترف صاحبه بذلك، هل لا يزال عسكوري يعتقد أنّ اسم المنطقة هو "الحماداب"، وليس "الحامداب"، أم تراه قد ارعوى واعترف بخطئه؟
تعالوا ننظر للمكابرة التي لا تعرف الحقّ، كما لا تعترف بالحقيقة!
جاء في الحلقة رقم (10/4) قوله [ما بين حاصرتين تصحيحاتي لأخطائه اللغوية والطباعية]: "وبالرغم من أننى أعلم بإصطفاف ["باصطفاف" دون همزة] الرجل مع جماعة الترابى والمؤتمر الوطنى فى قضية المتاثرين [المتأثرين] بخران [بخزّان] الحماداب وعمله معهم ...". إنه يقول "الحماداب"! إذن لا يزال عسكوري، ونحن في منتصف عام 2017م، مصرّاً على أن اسم الخزّان هو "الحماداب"، وليس "الحامداب".
فكما قلنا، من يقنع الديك!
ترى لماذا أوردنا كل هذا؟
أوردناه لسبب بسيط، ألا وهو أن نوضّح للقارئ طبيعة الشخصية التي انتاشنا بها ياسر عرمان. لقد اختار لنا شخصاً "أصنج"، لا يعرف الحق ولا الحقيقة، وإذا عرفهما، فهو على استعداد بألاّ يعترف بهما مكابرةً منه. وما كان هذا ليهمّنا في شيء. فعداوة مثل هذا الشخص تزكية للمرء. لكن ما يهمنا هنا هو أنّ هذا الشخص "الأصنج"، الذي لا يعرف الحق ولا يعترف بالحقيقة، هو نفسه من اختاره ياسر عرمان ليكون قائداً للحركة الشعبية بولاية نهر النيل، ثم جعله مرشحاً لمنصب الوالي؛ شخص مكابر، ناكر للحق والحقيقة، فاحش العبارة، فاجر الخصومة؛ إذا تكلم أو كتب، فكأنه يفسو بفمه وقلمه دون إسته، والعياذ بالله.
ونواصل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ترحيب وأمل:





الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال ترحب بزيارة السيد مارك قرين للخرطوم، وتأمل أن ترفع الخرطوم (العقوبات) التى فرضتها على شعبها بعدم السماح بوصول المعونات الإنسانية قبل أن ترفع واشنطن العقوبات الاقتصادية.




تعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال زيارة السيد مارك قرين – مدير وكالة المعونة الأمريكية للخرطوم أمرا مشجعا، و ذلك لأنها تكشف عن أن الوضع الإنساني في السودان يشكل أولوية لوكالة الإغاثة الأمريكية، خاصة وأن السيد مارك قرين على دارية بالمعاناة الطويلة لشعب السودان؛ ملايين النازحين داخليا واللاجئين خارجيا، خصوصا الأوضاع الإنسانية في المنطقتين و دارفور.

ظلت الخرطوم تستخدم المساعدات الأنسانية لأغراض سياسية كواحدة من و سائل عدوانها على الشعوب المهمشة في المناطق الريفية في السودان، و ظلت ترفض دخول هذه المساعدات لعدة مناطق لسنوات، خاصة المنطقتين و جبل مرة في دارفور، الأمر الذي يعتبر جريمة حرب وفقا للقانون الدولي الإنساني. قدمت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عدة تنازلات من أجل أن تقوم الحكومة السودانية بفتح معابر لإنسياب المساعدات الإنسانية للمدنين، لكن استمرت الحكومة السودانية في تمسكها بموقفها الأولي و الذي يتعارض مع مباديء الحياد و الإلتزام بضمان الوصول غير المشروط للمساعدات الإنسانية للمحاجين، بموجب القانون الدولي الإنساني.

الحكومة السودانية مهتمة فقط برفع العقوبات الأمريكية، دون أن تراعي المطلوبات الرئيسية للحكومة الأمريكية في هذا الخصوص. ويأتي على رأس القائمة في هذا الصدد أن ترفع الحكومة السودانية عقوباتها الخاصة المفروضة على شعبها و الخاصة بمنع دخول المساعدات الإنسانية للمنطقتين و دارفور. نحن متفائلون و نتطلع لأن تساعد زيارة السيد مارك قرين في الإيفاء بمطلوبات الإدارة الأمريكية من الحكومة السودانية بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية و التقيد بقواعد القانون الدولي الإنساني في هذا الخصوص، بإعتبار أن الإلتزام بدخول المعونة الإنسانية يعتبر حقا غير مشروط للسكان المدنين بموجب القانون الدولي الإنساني، خاصة أولئك الذين عانوا و يعانون من الإبادة الجماعية و مختلف جرائم الحرب.

لا نحتاج لتذكير أنفسنا بأنه و على بعد أمتار من مكان إجتماعات السيد مارك قرين تتواجد مجموعة من قيادات الحكومة السودانية المطلوبين بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، و من بينهم الجنرال عمر البشير. الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال على إستعداد دائم للجلوس من أجل الوصول الى حل للمشكلة الإنسانية، و ذلك بالرغم من الصعوبات الداخلية التي تمر بها، و هذا هو موقف الحركة الذي ابلغته رسميا للآلية الإفريقة الرفيعة في الإجتماع الأخير للحركة معها.



ياسر عرمان

الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال

28 أغسطس 2017م
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وفد:



وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال إلى اثيوبيا




تؤكد الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال عبر هذا البيان توجه وفدها برئاسة الرفيق عمار امون دلدوم، الرفيق عبدالله ابراهيم عباس نائبا لرئيس الوفد، د. احمد عبدالرحمن سعيد مقررا وعضوية كل من الرفيق كوكو جقدول والرفيق سيلا موسى كنجى والرفيق الجاك محمود الى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا بتاريخ اليوم 2887 وذلك لاجراء لقاءات مع الالية الرفيعة المستوى والعديد من الدبلوماسين مهمة الوفد هى للتفاكر والتنوير بالاوضاع فى المناطق المحررة بالنيل الازرق وجبال النوبة جنوب كردفان بصفة خاصة وعن الازمة السودانية بشكل عام كما يقوم الوفد بتصحيح بعض المعلومات وتوضيح الحقائق التى يحاول الاخرين تشويها وطمسها وايضا سوف يشرح الوفد الاجراءات والتحضيرات لعقد المؤتمر القومى الاستثنائى. وننوه ان الوفد ليس ذاهبا للتفاوض مع النظام حسب ما رويجه فى بعض وسائل الاعلام.



أرنو نقوتلو لودي

الناطق الرسمى باسم الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان-شمال

28/8/2017
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

كمين:



قوات العمدة تقع في كمين قوات توكا





في حوالي الثانية بعد ظهر السبت المواقف 26/8/2017 تحركت قوات تتبع لأحمد العمدة الساعد الأيمن لملك عقار من جهة الفوج مرورا بالسمعة بحثا عن الغذاء في المناطق الشمالية وقعت في كمين لقوات جوزيف توكا في منطقة فوز البقر علي مناطق الجمجم وكانت معركة شرسة خاصة أن قوات العمدة كانت معها رتل من السيارات العسكرية المقاتلة وفي نهاية المطاف لازت بالفرار وخلفت وراءها خسائر كبيرة وكانت الحصيلة كالآتي:
استولت قوات توكا على عدد (4)سيارات رئاسية عسكرية
قتل عدد (22)فردا من قوات العمدة برتب مختلفة
هنالك عدد (12)من الجرحي
ومن ناحية أخري أكد الأمين العام المكلف سيلا موسي أن الوفد المغادر إلي أديس يتكون من :
1/الفريق/جوزيف توكا علي رئيس الحركة الشعبية النيل الأزرق
2/اللواء/الجندي سليمان
3/اللواء/لستيفن أحمد
من الجانب العسكري
1/الاستاذ/حسن عباس أبو رأس
2/الاستاذ/موسي سيلا
3/ادريس عبد الله الجاك
من الجانب المدني
للتشاور حول مفاوضات السلام القادمة



الاستاذ/سيلا موسي كنجي
الأمين العام المكلف
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بيان:



تصريح صحفي مشترك حول اجتماع قوى نداء السودان بالداخل والحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال





اجتمع وفد ممثلين لقوى نداء السودان بالداخل بوفد الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال المكلف بلقاء الالية الافريقية رفيعة المستوى، والاتحاد الأفريقي والمبعوثين الدوليين. وفِي جو من المودة والاحترام ناقش المجتمعون بكل شفافية قضايا الوطن الراهنة. وأعلن الاجتماع الآتي:
اولا: يهنيء المجتمعون جماهير الشعب السوداني بعيد الاضحي المبارك ويتمنون ان يعيده الله علي شعبنا وهو ينعم بالسلام والعدالة والحريّة. كما يترحم المجتمعون علي ارواح شهداء الحركة الطلابية بجامعة أمدرمان الاسلامية، ونتقدم بالتعازي لأسرهم وزملائهم.
ثانيا: أكد الوفد علي التزام الحركة الشعبية بدورها الرائد كقوة موسسة وفاعلة في نداء السودان. كما أكد الطرفان علي أهمية دفع وحدة العمل المعارض بدعم وتطوير وتوسيع نداء السودان تحقيقا للتغيير المنشود الذي ينهي استبداد وقهر نظام المؤتمر الوطني وانهاء حقب الظلم والتهميش بمخاطبة جذور الأزمة السودانية، ويحقق السلام العادل والتحول الديمقراطي الكامل.
ثالثا: أكد المجتمعون علي اهمية استمرار التشاور والتواصل فيما بينهم، والتنسيق بين مكونات نداء السودان. وضرورة عقد اجتماع لقوى النداء لبحث الأزمة الوطنية المتفاقمة، والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال:
عمار آمون دلدوم

قوى نداء السودان بالداخل:
د. مريم المنصورة الصادق المهدي
م. محمد فاروق سلمان



2/9/2017
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب:




بيان مريم الصادق من أديس أبابا سعي لتعميق خلافات أطراف الحركة الشعبية لتحرير السودان





تابعنا في الفترة الأخيرة الأحاديث المتواصلة للإمام الصادق المهدي في مناسبات مختلفة لتجيير الدكتور جون قرنق بوصفه مجرد داعية أفريقاني ضد العروبة والإسلام (وهيهات)، والهجوم أيضا على رؤية السودان الجديد، حتى في خطب العيد، والحديث غير المتوازن في جريدة (اليوم التالي) قبل عدة أيام حول خلافات الحركة الشعبية، ثم طالعنا بيان من بيانات العلاقات العامة أصدرته مريم الصادق بأديس أبابا، ونود أن نقول الآتي:

أولا: لم يتم تفويض مريم الصادق او محمد فاروق من قبل قوى نداء السودان ونحن طرف أصيل ومؤسس وأعضاء مجلسه القيادي وسكرتاريته، والأفضل لهما أن يتحدثا بأسم أحزابهما.

ثانيا: نقدر عاليا السعي لوحدة المعارضة ونسخر في ذلك كل طاقاتنا، ومن هنا جاء إجتماع رئيس الحركة الشعبية مالك عقار ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي وإجتماع الأمين العام ياسر عرمان والدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة السودانية التي تمت كلها خلال الأيام القريبة الماضية لتنقية الأجواء داخل نداء السودان والجبهة الثورية والمعارضة.

ثالثا : إعتراضنا على بيان مريم الصادق ليس لأنها إجتمعت بوفد الحركة الشعبية التي يقودها عبدالعزيز آدم الحلو، بل لأنها في بيانها وفي حديث الإمام الصادق المهدي يتحدثان كانهما يجتمعان (بمنظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد)، وواقع الأمر إن هنالك حركتان شعبيتان ولا نمانع في إجتماع مع الحركة التي يقودها عبدالعزيز آدم الحلو، فهي مثلها مثل حركتنا، أمر واقع يجب التعامل معهم، وقد كتبنا رسميا لكل الأطراف وبادرنا بإن الاجتماع مع الحركتين أمر مفيد لتنقية الأجواء داخل نداء السودان والجبهة الثورية والمعارضة، ولكن الإنحياز لأي طرف من الأطراف سيعمق المشاكل داخل الحركة الشعبية ونداء السودان والمعارضة، ولذا فإن إعتراضنا ليس على الإجتماع بل على طريقة صياغة البيان، ونؤكد إننا لا نمانع في العمل في إطار نداء السودان والمعارضة مع رفاقنا الآخرين في الطرف الآخر في الحركة الشعبية، برغم المشاكل الحالية فيربطنا بهم الكثير وسنظل نسعي لوحدة الحركة ووحدة المعارضة .

رابعا: نتمنى من الإمام الصادق المهدي أن يتوقف عن هجومه المستمر على الدكتور جون قرنق وذلك لاينتقص من قدر الدكتور قرنق بقدر ما ينتقص من قدر السيد الصادق، وسيثبت التاريخ إن قرنق هو أهم سياسي سوداني في القرن الماضي، وإنه يشكل نقطة إلتقاء للسودانيين شمالا وجنوبا، وهو بطل شعبي لملايين السودانيين مثل أبطال الأساطير، وفكرته ورؤيته في السودان الجديد واحترام الوحدة في التنوع تظل لأزمة لكلا من دولتي السودان، وهو لم يترك مجالا في محاولات تصنيفه كمعادي للعروبة والاسلام، فهذا عصر البرمجيات بالإمكان الرجوع لأحاديثه ومواقفه في مثل هذه القضايا، وحرصنا على وحدة المعارضة وتقديرنا لحزب الأمة وجماهيره ومكانة الإمام الصادق المهدي هو الذي جعلنا نصمت كل هذا الوقت.

أخيرا نتمسك بنداء السودان وبوحدة المعارضة وبإن معركتنا الحقيقية هي مع نظام الإنقاذ الذي يجب أن يذهب غير مأسوف عليه، وندعو عضويتنا أن يتوقفوا عن معارك منابر التواصل الإجتماعي التي لاتفيد وحدة نداء السودان والمعارضة.


مبارك أردول
الناطق الرسمي
الحركة الشعبية لتحرير السودان
2 سبتمبر 2017م
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

https://www.youtube.com/watch?v=kHi2KgpwVK4


لقاء الزعيم جون قرنق يتحدث بلغة بسيطة .
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب:





الحركة الشعبية لتحرير السودان فيما بعد 2005م: الممارسة والمآلات (2)
في القيادات التي تقاد ولا تقود (1)
حالة علي عسكوري (3)

بقلم: محمد جلال أحمد هاشم





هل فعلاً قرأ عسكوري كتبي؟
زعم الأخ عسكوري في فاتحة مقالاته (التي سبقت حلقاته العشر) أنه قد قرأ كتبي، وعليه فهو خبير بما أقف عليه من مواقف نظرية وعملية؛ أي أنه يعلم بواطن أموري من دوافع ومواقف ما ورائية تنهض عليها كتاباتي. حسناً! هذا شيء ممكن وميسور لكل من يقرأ لكاتب بعقل حر وقلب مفتوح، ثم يُعمل فكره فيما كتبه هذا الكاتب. ولكن هل فعلاً قرأ عسكوري كتبي؟
من واقع استشهاداته يمكننا أن نحدد ما قرأه على وجه التأكيد بالكتب التالية زائداً مقالاً واحداً:
1. منهج التحليل الثقافي: مشروع الوطنية وظاهرة الثورة والديموقراطية، الخرطوم (الطبعات: الخامسة، 2012م؛ السادسة، 2013م؛ السابعة 2015؛ هذا ولو أنه يكتفي في استشهاداته بالطبعة السادسة، 2013م فقط، إلا أننا اتساقاً مع زعمه بقراءة كتبي سوف نشمل الطبعات الأخيرة دون ما قبلها، كون الطبعة الأولى للكتاب قد ظهرت في عام 1986م).
2. منهج التحليل الثقافي: صراع الهامش والمركز، الطبعة الأولى، الخرطوم، 2014م.
3. جزيرة صاي .. قصة الحضارة: قضايا التنمية والتهميش في بلاد النوبة، الطبعة الأولى، أمدرمان: مركز عبد الكريم ميرغني، 2014م.
4. السودانوعروبية أو تحالف الهاربين: المشروع الثقافي لعبدالله علي إبراهيم في السودان (ورقة قدّمت في مؤتمر "السودان: الثقافة والتنمية الشاملة: نحو إستراتيجية ثقافية- مهداة للروائـي الطيب صالح"، مركز الدراسات السودانية، القاهـرة، دار الاوبرا المصرية - الجزيـرة، الاربعـاء 4 أغسطس- السبت 7 أغسطس 1999. والبحت متاح في الشبكة الإليكترونية في مدونتي: www.mjalalhashim.blogspot.com. كما متاح في موقع سودان فورأول ومواقع أخرى.
هذه هي كتاباتي التي أشار إليها عسكوري في حلقاته العشر. وبالطبع، لدي أكثر من خمسة كتب أخرى في اللسانيات من المرجح أن عسكوري لم يقرأها كونها تدخل في حيّز ضيّق من التخصصية الأكاديمية، هذا فضلاً عن عشرات المقالات المنشورة وغير المنشورة. إلا أن إفادة عسكوري تجنح للتعميم بالقراءة دون التخصيص. فليته اتقى بالتخصيص دون التعميم. وعلى أيٍّ، فكيفما كان ما قرأه عسكوري من كتاباتي، يفيد زعمه هذا بأنه قد فعل ذلك قبل أن تندلع مشكلة الحركة الشعبية بزمن، ثم بالتأكيد قبل أن نتورط معاً في هذه المنازعة غير المرغوب فيها. وبالطبع (وهذه هي الفرضية الأولى)، في مثل هذه الحالات تكون القراءة هادئة، دونما انفعال، وبالتالي يصل المرء إلى نتائج تتسق ومقدار ما عقله وفهمه من قراءته. وهنا تبدو قضية! لقد كال لي عسكوري من الشتائم المقذعة ما نسبته حوالي 35% من جملة ما كتب ـ كذا! فإذا كان قد قرأ لي فعلاً قبل هذه المنازعة (وهذه هي الفرضية الثانية)، فذلك يعني أن جملة الشتائم المجانية التي كالها لي بسبب أفكاري وآرائي قد استندت على حكم مسبق انتهى إليها بقراءة كتبي قبل هذه المشاكل. إذا كان هذا كهذا، فلماذا زعم بأنه صديق لي؟ إذ كيف يكون صديقاً لك من تكيل له كل هذه الشتائم والاحكام الجزافية؟ أم أن عسكوري لم يقرأ لي إلا بعد بدء هذه المنازعة (وهذه هي الفرضية الثالثة)، بما جعله يقلّب الصفحات سريعاً بحثاً عن كلمة هنا، وأخرى هناك.
أدناه سوف نحاول أن نعرف أيّاً من هذه الفرضيات يمكن أن يدعمها استعراض عسكوري لكتبي ومقالاتي التي استشهد بها.

القراءة المتربّصة بالنّص

هناك أنواع من القراء، منها القارئ العابر الذي إذا قرأ الآن فقد لا يقرأ لفترة دونما أي إحساس منه بضرورة مواكبة المنتوج الفكري والإبداعي؛ ثم هناك القارئ الهاوي الذي يقرأ بانتظلم، لكنه يقرأ ما تهوى نفسه بانتظام دونما التزام بحمل نسفه لقراءة شيء لا يروقه بدافع إحساسه بضرورة امتلاك معرفة بعينها. وليس في هاتين الحالتين إساءة أو تقليل من علم أو معرفة؛ فهذه هي حالة أغلب المتعلمين، إذ تصرفهم مشاغل الحياة وما يعلمونه ويجيدونه من باب التخصص المهني في أن يقرأوا بأفضل من هاتين الطريقتين وربما طرق أخرى تقل عنها قدراً أو تزيد. إلا أن هناك نوعاً من القراء يختلف تماماً من حيث الالتزام بحمل النفس على الإلمام الجيد بما قد يتحدث فيه. هذا هو القارئ الناقد. إذ ينبغي للقارئ الناقد أن يقبل على ما يقرؤه بقلب مفتوح وعقل حرٍّ يقظ، لا أن يأتي بأحكام مسبقة عما سيقرؤه، وإلا فاته شرف أن يكون قارئاً ناقداً. ولكن أسوأ أنواع القراء هو ما يعرف بالقارئ المتربّص، أي أن يشرع المرء في القراءة لشخص آخر وهو قد انتوى شرّاً، كأن يكون قد نوى أن يثبت خطل ما هو مكتوب بصرف النظر عما إذا كان هو فعلاً خطل أم غير خطل. فهو هنا سوف تنقصه روح القراءة الصبورة المتأنية لما يُعتمل في نفسه من سخائم، فتجده يعوّض عن ذلك بتقليب الأوراق سريعا، متصيّداً كلمة هنا وأخرى هناك، يمكن أن تصلح كأساس لتحميل إداناته المسبقة عليها. هذا النوع من القراء ليس بقارئ كونه قد باشر القراءة بنيّة سيّئة ومبيّتة، ثم بأحكام مسبقة، وعين متربّصة للنصّ.
في فن النقد هناك ما يمكن تسميته بالنقد الحواري بخلاف النقد القياسي. في النقد الحواري لا يجوز أن تنتقد أي كاتب ما لم تكن تحسن الظنّ بما يكتبه ابتداءً. ثم بعد ذلك يأتي نقدك في شكل حوار بين ما تستحسنه وما لا تستحسنه، محاولاً جهدك أن تستنطق النص بالمناقشة المضادة لآرائك، وهذه درجة عالية في النّصَفَةِ والحَيْدَةِ كونك تسعى لدحض ما وصلت إليه بنفسك نشداناً منك للإنصاف. هذا وإلا عندها لن يكون الكلام الذي ستقوله نقداً حوارياً، بل ربما دحضاً ونسفاً ثم تدبيجاً للإدانة بالجهل فيما كتبه ذلك المرء. وهذا هو ما نقصده بالنقد القياسي. وتكمن قياسيته في أن الناقد يعمد إلى ما صدع به الكاتب فيبيّن مفارقته لمعايير بعينها فيما كتبه. فكل شيء له معاييره وقياساته، أي "فن اللعبة". ومن يفارق فن اللعبة يبوء بالخسران.
الآن سوف نعمد لجملة الآراء والأحكام التي صدع بها الأخ عسكوري بخصوص ما قرأه (أو زعم بأنه قد قرأه) لي. سوف نقتبس ما قاله عسكوري في معرض تحليله للآراء المبذولة في الكتابات المشار إليها أعلاه. ثم نعطف على ما قلناه لنقارن إذا ما كانت أحكام عسكوري تقوم فعلاً على قراءة نقدية حقيقية لكتاباتي، أم أنها كانت مجرد أحكام مسبقة شفعها بترصّد وتربّص قاموسي غير موفق لكلمة هنا وأخرى هناك، دون أن يكون لديه الصبر للقراءة النقدية المتأنية، بما يعني أنّه لم يشرع في قراءة كتبي إلا بعد اندلاع المشاكل الأخيرة الخاصة بالحركة الشعبية.

الفرق ما بين المقدمة والمقدمة

أورد عسكوري (الحلقة 2) اقتباساً من مقدّمة (أكرر: مقدمة!) كتابي: منهج التحليل الثقافي: مشروع الوطنية وظاهرة الثورة والديموقراطية فيه أشير إلى الأسباب التي جعلت هذا الكتاب على وجه التحديد مقروءاً على ما يزيد لثلاثين عاماً وتتكرر طباعته بين فترة وأخرى. أدناه سوف نورد الاقتباس كما أورده عسكوري بجملة هناته اللغوية والطباعية من قبيل وضع الهمزة فوق ألف الاستفعال والافتعال والانفعال. كما نُشير إلى أن ما يأتي بين حاصرتين [....] هو من إدخال عسكوري. أدناه اقتباسُه من كتابي:
"فمع ما ميزه من مذهب فكرى ووضوح منهجى، إتصف الكتاب بدرجة عالية من التبسيط الذى لم يذهب برونق العمق. على هذا أقبل على الكتاب طلبة المساقات العلمية مثل الهندسة والعلوم والطب، فإذا بهم ألموا إلماما وإن يكن يسيراً إلا أنه مقدمة جيدة لموضوعات - [لاحظ ما يأتى] – مثل الجدل عند هيقل وماركس، والعقد الإجتماعى عند جان جاك روسو والليبرالية كما وردت عند جون ميل وجون لوك ومسألة إرتباطهما وافتراقهما عن الفكر الديمقراطى، وعلم النفس الإجتماعى، ثم علم الإجتماع، وما صدع به دوركايم، وقد أتيح لهم كل هذا تحت نظرية جديدة قوامها الثقافة وفق ما قال به تيلور وهكذا..الخ..".
بعد هذا قال عسكوري ما يلي في نقده لما اقتبسه أعلاه، مع رجائنا من القارئ أن يتجاوز عن أسلوبه في الاستخفاف والاستهزاء؛ أما ما يرد بين حاصرتين [....] في اقتباسنا من كلام عسكوري فهو من إدخالي؛ وكذلك ما يرد بخط مضعّف Bold هو من إدخالي أيضاً، جذباً لانتباه القارئ:
"إذن نحن أمام ’مقدمة مبسطة لم تذهب برونق العمق‘. ... فلنا أن نحيل القارئ للكتاب لينظر كيف أن عبقرى زمانه هذا عالج كل كتابات ونظريات أولئك الفلاسفة والمفكرين الموضوعات التى أشار اإليها فى صفحتين (7،6) من الكتاب فقط، عالجها هذا العبقرى بدرجة عالية من التبسيط ’لم يذهب برونق العمق‘! يريد محمد جلال أن يقول لنا أنه قراء [إنه قرأ] ما كتبه اؤلئك الفلاسفة والمفكرون جميعا وإستوعبه تماماً بالقدر الذى يمكنه من تلخيصه مكتملا فى صفحتين وعدد من الاسطر للقارئ غير المختص ليستوعب ولو بالقدر ’اليسير‘ ما كتبه اولئك المفكرون... هكذا"!
ثم يقول في موقع أخر من نفس الحلقة:
"ولكن ماكتبه فى كتابه لا يفيد بأن الرجل قراء اى من افكار ونظريات اؤلئك الفلاسفة والمفكرين، .... أن يدع [يدّعي] أى شخص أنه كتب مقدمة مبسطة لكتابات اولئك النفر من قادة الفكر فى العلوم الإنسانية والفلسفة فى صفحتين تمكن غير المختصين من فهم ما كتبوه فذلك إدعاء لا نظير له و لايمكن أن يقول به إلا شخص إمتلاء [امتلأ] زهوا بذاته لم يسبقه عليه أحد. غير أن محمد جلال يسمى ’الإشارة‘ للموضوعات التى تناولتها تلك الكتب بـ ’المقدمة‘! ....، ثم يسمى هذه الإشارة ’مقدمة‘ كافية ومن يقرأها [يقرؤها] سيفهم ماذا كتب ...! وإن كان محمد جلال لا يعلم الفرق بين الإشارة والمقدمة فتلك مصيبة، وإن كان يعلم وقصد التضليل فالمصيبة أكبر. وفى كلتا الحالتين إن لم يكن هذا هو الإستهبال [الاستهبال] بعينه فماذا هو الأستهبال [الاستهبال] فى الكتابة إذن"!
من الواضح أن عسكوري قد فهم أنني في مقدمة هذا الكتاب، وفيما لا يزيد على صفحتين، قد قمت باستعراض مبسّط وجميل لكتابات هؤلاء المفكّرين. هذا مع أن المقصود هو أن الكتاب في مجمله (وليس مقدّمة الكتاب)، بما يحتويه من مناقشات لآراء هؤلاء الفلاسفة، قد خَدَمَ كمقدّمة وتوطئة للطلاب الذين يدرسون في مساقات العلوم التطبيقية (مثل الهندسة، والطب، والعلوم ... إلخ)، وليس في العلوم الإنسانية (مثل التاريخ، واللغات، والفلسفة، والعلوم السياسية ...إلخ). هذا هو المقصود ببساطة!
تُرى كيف فهم عسكوري أنّ االمقصود هو مقدمة الكتاب؟ كيف وقع عسكوري في هذا اللبس بينما كان في مقدوره أن يفهم الكلام بالطريقة السليمة؟ ببساطة لأنه في ترصّده وتربّصه بالنصّ قد وقعت عينه على كلمة "مقدّمة" في الجملة التالي: "على هذا أقبل على الكتاب طلبة المساقات العلمية مثل الهندسة والعلوم والطب، فإذا بهم ألموا إلماما وإن يكن يسيراً إلا أنه مقدمة جيدة لموضوعات مثل الجدل عند هيقل وماركس، والعقد الإجتماعى عند جان جاك روسو والليبرالية كما وردت عند جون ميل وجون لوك ومسألة إرتباطهما وافتراقهما عن الفكر الديمقراطى، وعلم النفس الإجتماعى، ثم علم الإجتماع، وما صدع به دوركايم ...". لاحظوا جملة "... إلا أنه مقدّمة جيّدة ..."؛ فالضمير في (أنه مقدّمة) يعود للكتاب (مذكر)، وليس لمقدّمة الكتاب وإلا قلنا (إنها مقدّمة) بضمير التأنيث.
أرأيتم هذا الترصّد القاموسي للألفاظ بغية تسجيل الشجب والإدانة! فبينما استخدمت هذه الكلمة "مقدّمة" في الإشارة للكتاب بمجمله، ذهب عسكوري في تربّصه بالنصّ إلى أن المقصود هو مقدّمة الكتاب فقط، ببساطة لأن هذا الكلام يرد في مقدّمة الكتاب. وهذا يعني، في جملة ما يعني، أن عسكوري لم يقرأ هذا الكتاب بالمرة، ثم لم يتصفحه إلا بعد نشوب المشكلة. وعندما فعل هذا، قام بتقليب صفحاته على عجل، متربّصاً للنّصّ، علّه يجد كلمة (طايرة) يبني عليها أحكامه الجزافية المشفوعة بالسباب والشتائم. فكان أن وجدها!
أما بخصوص تشكيكه في أن أكون قد قرأت لهؤلاء الفلاسفة، فهذا هو الحكم بغير علم، أي أن يتّخذ المرء من جهله بالشيء أساساً للحكم على هذا الشيء. وطبعاً أيّ قارئ حصيف وأمين للكتاب سوف يرى آراء جميع هؤلاء الفلاسفة في ثنايا الكتاب وقد اشتبكت مع مناقشاتي اختلافاً وائتلافاً. وعليه، كل المطلوب منه، بدل التشكيك في قراءتي من عدمها لكتابات هؤلاء الفلاسفة، أن يقرأ الكتاب، لكن ليس بنيّة مبيّتة لتصيّد الألفاظ، بل بقلبٍ مفتوح وعقلٍ حر. ثم بعد ذلك عليه أن يحكم.
سأواصل في الحلقات القادمة استعراض كيف قرأ عسكوري كتاباتي بطريقته المتربّصة بالنّص، ما يعني أنه أيضاً لم يقرأ باقي الكتابات التي زعم أنه قد قرأها بمثلما لم يقرأ هذا الكتاب.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب:






الحركة الشعبية لتحرير السودان فيما بعد 2005م: الممارسة والمآلات (2)
في القيادات التي تقاد ولا تقود (1)
حالة علي عسكوري (4)

بقلم: محمد جلال أحمد هاشم






مرّة أخرى .. هل فعلاً قرأ عسكوري كتبي؟
في هذه الحلقة نواصل الإجابة على هذا السؤال. وهو سؤال رفعناه في الحلقة السابقة (رقم 3) في معرض الرد على تهجمات عسكوري علينا وزعمه بأنه قد قرأ كتبي. في هذا كنا قد استعرضنا طريقته المتربصة بالنصّ، بحثاً عن المثالب ولو باصطناعها ومن ثمّ إسقاطها على النصّ. في هذه الحلقة سوف نستعرض جملة أحكام صدع بها عسكوري في حقّنا حيث قوّلنا فيها ما لم نقله، لنصل بعدها لبعض الإجابات بخصوص هل فعلاً قرأ عسكوري كتبي أم لم يقرأها.

العلاقة بين اللغة المروية واللغة المحسية


في البدء وننوّه إلى أنّ ما يرد بين حاصرتين [...] هي من عندنا، غالباً تصحيحاً لأخطاء عسكوري الكتابية، ذلك متى ما رأينا ضرورة ذلك؛ كما وضعنا أرقام النقاط التي نريد من القارئ أن يوليها اهتمامه بين حاصرتين، مثل [1]ن [2]، و[3]. في معرض العلاقة بين هاتين اللغتين، يقول عسكوري (الحلقة 3) ما يلي:
"فى مسعاه المستميت للتأسيس على ان لغة المحس (مجموعته [3]) هى اللغة النوبية الأصلية التى تتفوق على لغات السكوت والدناقلة والحلفاويين [2]، حيث حاول بكل السبل إزدراء كتابات الباحثين النوبيين الآخرين محمد عوض الله حمزة وصابر عابدين أحمد لأنهم ليسوا من مجموعته. يقول الرجل فى صفحات (20، 21): ’وقد دفع هذا بعض العلماء الى أن يحددوا المنطقة التى كانت تتكلم باللغة النوبية القديمة على أنها نفس المنطقة التى تتكلم بلغة النوبيين [هي لغة نوبين Nobíin، وليس ’نوبيين‘] الحديثة، كما دفع بآخرين كيما يطلقوا إسم [اسم] لغة نوبين الحديثة فى الإشارة للغة المحسية الحديثة‘، ثم يمضى ليقول فى نهاية ص 21 : ’ثم يمضى كلود ريلى ليقول بأن اللغة المحسية الحالية قد تفرعت من اللغة النوبية القديمة، بينما تفرعت الدونقلاوية والكنزية معاً من اللغة الدونقلاوية القديمة‘. بالطبع هذه محاولة مستميتة لنسبة اللغة المروية للغة مجموعته من المحس [1] ونفى وإبعاد اللغات النوبية الأخرى عن حضارة مروى القديمة. بمعنى آخر إحتكار [احتكار] التأريخ لمجموعته. ... فقط لأن بعض الباحثين الأوروبيين – حسب ما نقل عنهم - زعموا أن لغة مجموعته هى التى ترتبط باللغة المروية. إتخذ [اتخذ] محمد جلال من تلك المزاعم حقيقة مطلقة، ولذلك لم يقم فقط بالرد على مخالفية [مخالفيه]، بل زجرهم زجرا وإذدراهم إزدارء [وازدراهم ازدراء] لا اعرف [أعرف] له مثيلا مطلقا".
بموجب الترقيمات التي بين حاصرتين أعلاه [...]، نفهم من كلام عسكوري الآتي:
[1] زعم محمد جلال بأن اللغة المحسية هي نفسها اللغة المروية؛
[2] اللغة المحسية تختلف عن لغات السكوت والدناقلة والحلفاويين؛
[3] ثالثاً، محمد جلال ينتمي للمحس.
ما نحن بصدده هنا هو إثبات إذا ما كان عسكوري قد قرأ كتبي التي يقتبس منها، أم أنه لم يقرأ، لكنه تصيّد وتربّص بالنصوص. هذا ما سنحاول أن نكتشف بمعايرة النتائج التي توصل إليها، مقارنةً مع ما ورد في كتابي.
• النقطة اأولى: زعم محمد جلال بأن اللغة المحسية هي نفسها اللغة المروية:
في صفحة (51) من كتابي (جزيرة صاي .. قصة الحضارة) وتحت العنوان الجانبي (المروية والنوبية: هل من علاقة؟) استعرض طبيعة العلاقة بين هاتين اللغتين لأخلص في صفحتي (55 – 56) إلى الآتي:
"إلاّ أنّ الموقف العلمي القاطع حتّى الآن يتعامل مع اللغتين النّوبيّة القديمة والمرويّة على أنّهما (على الأقلّ حتّى الآن) لغتان مختلفتان مع ما بينهما من قرابة. فبينما فُكّت طلاسم اللغة النّوبيّة القديمة قبل مائة عام، نلاحظ أنّ اللغة المرويّة لم تُفكّ طلاسمها بطريقة شافية حتّى الآن. على هذا تبقى حقيقة لا يتغالط حولها إثنان، ألا وهي أنّه لا يمكن الجزم ببعد العلاقة أو قربها بشكل يقيني إلى أن يتمّ فكّ طلاسم اللغة المرويّة بشكلٍ كافٍ".
إذا كان عسكوري فعلاً قد قرأ ما ورد أعلاه في كتابي، هل ممكن أن يقول: "فى مسعاه المستميت للتأسيس على ان لغة المحس (مجموعته) هى اللغة النوبية الأصلية التى تتفوق على لغات السكوت والدناقلة والحلفاويين ... بالطبع هذه محاولة مستميتة لنسبة اللغة المروية للغة مجموعته من المحس ونفى وإبعاد اللغات النوبية الأخرى عن حضارة مروى القديمة"؟ فلو قرأه فعلاً لوجد كيف أفرّق بين اللغة النوبية القديمة من جانب وبين اللغة المروية من الجانب الآخر، على عكس من ذكرهم ومن لم يذكرهم الذين بذلوا كلّ ما يملكون للربط بين لغاتهم واللغة المروية.
• النقطة الثانية: اللغة المحسية تختلف عن لغات السكوت والدناقلة والحلفاويين:
قال عسكوري: "فى مسعاه المستميت للتأسيس على ان لغة المحس (مجموعته) هى اللغة النوبية الأصلية التى تتفوق على لغات السكوت والدناقلة والحلفاويين ...".
لو قرأ عسكوري كتابي فعلاً، لكان قد قرأ قولي في صفحة (93) من كتابي (جزيرة صاي .. قصة الحضارة):
"يمكن ملاحظة أنّ السّكْكُــوت منطقة جغرافيّة معروفة الأبعاد، .... أمّا من ناحية لغويّة، فمن المعروف أن اللغة النّوبيّة التي يتحدث بها المحس والسِّكْكُـٓـوت والفَدِچْچَا (المجموعة الأخيرة تتواجد تاريخيّاً بين مصر والسّودان، حيث تُعرف عندنا هنا باسم ’الحلفاويين‘) تُسمّى ’نُـوبين Nobiin‘"
إذن، لا يوجد خلاف بين لغات المحس والسّكْكُــوت والحلفاويين، على عكس ما نسبه لي عسكوري كونه لم يقرأ كتابي، بل قرأ متربّصاً جملة واحدة في صفحة واحدة ثم مع هذا ملك الجرأة ليزعم بأنه قد قرأ ليس فقط هذا الكتاب، بل جميع كتبي، فتصوّروا وتأمّلوا!
• النقطة الثالثة: محمد جلال ينتمي للمحس:
وهذه حَبْقة أخرى من حبْقات عسكوري المُزكمة للأنوف ("وحبقةُ العلم دون الأنف مشمومة"، فيما قاله شيخُنا في العلم محمد الواثق في أمدرمانيّاته عليه رحمة الله). فالكتاب يحمل في عنوانه اسم جزيرة صاي التي هي مسقط رأسي (جزيرة صاي .. قصة الحضارة). في الصفحة الأولى، أي في أول سطر من المقدمة، نقرأ ما يلي: "هذا الكتاب عن مسقط رأسي، جزيرة صاي، وأكثر، ذلك لأنّ حديثنا سيتوسّع متجاوزاً لصاي، مغطيّاً بذلك جوانب تاريخيّة، اجتماعيّة، وثقافيّة". إذن فجزيرة صاي هي مسقط رأسي. ولكن بموجب ما قاله عني عسكوري وأنني انتمي للمحس، عندها ينبغي أن يكون موقع جزيرة صاي في إقليم المحس. هذا بحسب زعمه. حسناً! دعونا نقرأ ما جاء في كتابي ممّا يتعارض كلّيّةً مع ما قاله عني عسكوري.
يبدأ الفصل الثالث من كتابي (صفحة 89)، بعد العنوان الرئيسي، بعنوان جانبي (صاي: الاسم والتاريخ). تحت هذا العنوان الجانبي نقرأ مباشرةً ما يلي: "تقع جزيرة صاي على بعد حوالي 170 كلم جنوب وادي حلفا، في مركز عبري بمحافظة وادي حلفا. وعبري هي مركز السّكْكُــوت...". إذن، عبري هي مركز إقليم السّكْكُــوت ، وصاي تقع في عبري، وأنا مسقط رأسي في صاي، ما يعني منطقياً أنني من السّكْكُــوت، وليس من المحس!
فهل فعلاً قرأ عسكوري هذا الكتاب؟
فلو اطّلع عسكوري فعلاً على ما يعرف بالضرورة من كتابي هذا لأدرك بيقين لا يساوره الشك، ثم بوضوح كوضوح الشمس في رابعة النهار، أنني لستُ من إقليم المحس (على حبي لهم وتشرفي بهم)، بل من إقليم السّكْكُــوت!
لقد ارتكب عسكوري جملة مخالفات منهجية في إيراده لاقتباساته من كتابي ليس هذا موضعها. فنحن لسنا بصدد إثبات أن عسكوري ليس ذا قدم راسخة في مجال المناهج العلمية المتعلقة بالبحوث والكتابة العلمية والتعليق بطريقة علمية على ما كتبه الآخرون. فهذا مما يُعرف عنه بالضرورة. فمن يدّعي أنه قرأ بينما لم يقرأ، لا يمكن أن يكون علمياً في أيّ شيء يتعلق بالكتابة. هذا مع إقرارنا بأنه يجيد الكتابة الصحفية، وأنه ذو أسلوب شيّق في مثل هذا النوع من الكتابة. وهذا رأي سوف نستعرضه عندما نتناول كتاب عسكوري عن سد الحامداب (ولكن الحامداب أم الحماداب؟).
وبعد، هل فعلاً قرأ عسكوري كتابي هذا؟

ماذا نفعل بعسكوري أم ماذا نفعل بمن صنع عسكوري؟


ماذا يمكن أن نقول في هذا الرجل الذي يتكذّب علينا في المنابر، وكذبةُ المنبر بلقاء؟ ما هي الكلمات المناسبة لوصفه؟ دعونا نتأمل بعض مفردات شتائمه التي كالها علينا، وقطعاً سنجد أغلبها إن لم يكن كلّها تناسب عسكوري أكثر من أيّ شخص آخر. هل نأخذ مفردة "خفة عقل"؟ أم نستبدلها بمفردة "استهبال"؟ هذه هي ألفاظه، وما تحكم به على غيرك، يُحكم به عليك. ثم هل يصلح رجل تنطبق عليه قبل أي شخص آخر أحكامه الجائرة وشتائمه المقذعة التي صدع بها في حق الآخرين بلا وجه حق ـ هل يصلح رجل كهذا ليكون زعيماً سياسياً؟
ألا يحقّ لنا أن نتحفّظ تجاه التنظيم السياسي الذي يصعِّد في سُدّة قيادته أمثال عسكوري؟ أولا يحقّ لنا أن نراجع قيادة مثل هذا التنظيم السياسي، خاصةً إذا علمنا أنّها هي المسئولة عن تصعيد مثل هذه الرخويات اللافقاريات في سدّة القيادة من باب اصطناع الحاشية، حاشية السمع والطاعة، عوضاً عن صنع القاعدة الجماهيرية العريضة، وتجاوزاً على أكتاف الأكفاء الخُلصاء للفكرة وللتنظيم؟ وإلاّ فيم ثورة القاعدة، سياسيين وعسكريين، على القيادة؟ إذ ما من قيادة، ثارت عليها قاعدتُها إلاّ وكانت تتحمّل المسئولية المباشرة لهذه الثورة والتمرد! وأرجو ألاّ يغالطنّ أحد من قادة الحركة الشعبية المبعدين في هذا، أكان ذلك مباشرةً منهم أو عبر تلقيم الكلام لأحد أفراد حاشية السمع والطاعة. فالحركة الشعبية هي في الأساس حركة ثورية تمردت على الأوضاع غير المقبولة لها؛ وعليه تتحمّل أنظمة الحكم غير الرشيدة في الخرطوم مسئولية هذه الثورة ومسئولية هذا التمرد لانحجاب الحكمة عنها، وليس الحركة الشعبية! هذا وإلا كانت الحركة تتحمل المسئولية المباشرة عن كل الأوراح التي ذُهقت خلال حروبها النبيلة ضد أنظمة الخرطوم.
في الحلقات القادمة سوف نوالي استعراض آراء عسكوري وأحكامه التي زعم أنه بناها بموجب قراءته لكتبي، لنرى هل فعلاً قرأ أم أنه مجرّد تكذّب ظنّاً منه أن إيراد اقتباس من هنا وأخر من هناك دليل على القراءة. فهل فات عليه أن مثل هذه الألاعيب مما نلاقيه، نحن معشر أساتذة الجامعات، في الأسبوع الواحد أكثر من مرة من بعض الطلبة "المستهبلين" بالجامعات التي ندرّس بها؟ ثم إن تعجب، فاعجب مما فعله بعد هذا. إذ ما إن أوهم نفسه أنه قد شفع أحكامه المسبقة بالأدلة حتى سَلَحَ بها فوق رؤوس القوم والقومُ في المحفل، ثم جلس بين كبار القوم وعليه سيماء العُجْب والزهو والخيلاء، لو أنه فقط درى بما فعل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب:





الحركة الشعبية لتحرير السودان فيما بعد 2005م: الممارسة والمآلات (2)
في القيادات التي تقاد ولا تقود (1)
حالة علي عسكوري (5)

بقلم: محمد جلال أحمد هاشم






عسكوري ما بين الجهل بالواقع المعاصر وتجاهله

في الحلقة رقم (5) من حلقاته العشر، تعرض عسكوري لإشارة وردت في مقالي (السودانوعروبية أو تحالف الهاربين) يتعلق بأن مؤسسة الرق وثقافتها لم تفارق الوجدان السوداني على كلا الطرفين. في هذا جاء قوله: "ليس لدى [لدي] أدنى شك فى أن الكراهية الإثنية التى تسود المناخ العام الآن قد أطلق عقالها محمد جلال وعالجها أبكر آدم بسياط من عنج ولذلك إندفعت [اندفعت] كالثور الهائج فى مستودع الخزف حتى كادت أن تحطم كل الوشائج التاريخية القائمة بين المجموعات فى السودان. أطلق الأثنين [الإثنان] حملة الكراهية الإثنية فيما اسموه [أسموه] تورية بصراع المركز والهامش او [أو] منهج التحليل الثقافى دون أدنى إعتبار [اعتبار] لما يمكن أن يسببانه من فصم لعرى الروابط الإجتماعية [الاجتماعية] وتدمير للروابط المجتمعية التى نشأت بين المجتمعات فى السودان عبر سيرورة تاريخية طويلة". لنا أن نتأمل هذه الأحكام الجزافية المطلقة: " ليس لدى أدنى شك فى أن الكراهية الإثنية التى تسود المناخ العام الآن قد أطلق عقالها محمد جلال وعالجها أبكر آدم بسياط من عنج ... حتى كادت أن تحطم كل الوشائج التاريخية القائمة بين المجموعات فى السودان". ولتأكيد حكمه المطلق الغليظ هذا، أردف بقوله: "لا نرميه بهذه التهمة الخطيرة جزافاً أو إفتراءً بل سنثبت له من كتبه كيف مارس بث الكراهية الإثنية ونهض للترويج لها بكل ما يستطيع". حسناً! دعونا نرى إثباتاته من كتبي.
كل الإثبات الذي جاء به عسكوري هو الآتي: "فى حديثه عن مؤسسة الرق فى ورقته التى علق فيها على الدكتور عبد الله على إبراهيم (تحالف الهاربين) والتى سبقت الإشارة لها يقول: ’واليوم لا يجوز التعجب والإستغراب [الاستغراب] من أن هذه ( يقصد مؤسسة الرق) لا تزال ناشطة فعلياً، ذلك أن الرق والتمييز العرقى لم يفارقا وجدان الثقافة الإسلاعروبية [الإسلاموعروبية] فى المركز حتى الآن‘. أولاً عسكوري غير دقيق في اقتباسه أعلاه (بافتراض أن هذا قد حدث عن قلة الدُّربة في مجال الكتابة البحثية العلمية، وإلا أصبح غير أمين لو أنه تعمد ذلك)، كونه قد أدخل من عنده كلمة "الثقافة". ففي جميع كتاباتي أفصل تماماً ما بين الثقافة العربية والثقافة الإسلامية من جانب ثم الأيديولوجيا الإسلاموعروبية؛ فمتى استخدمت مصطلح "الإسلاموعروبية" كنت أعني الأيديولوجيا دون الثقافة. وسنكشف كيف عجز عسكوري عن أن يتبيّن الفرق بين هذين الاستخدامين، أو تعمد التخليط بينهما عن سوء نية. وهذه موبقة لا تعدلها موبقة في مجال الاستشهاد بكلام الآخرين، ذلك عندما يتم تقويل الآخرين ما لم يقولوه، ومن ثم يبني المرء أحكامه بناءً على ذلك.
إلا أن ما يهمنا هنا هو غلظة التهمة التي كادت أن تعصف بالوشائج التاريخية بين السودانيين، ثم هذا التدليل البئيس. ثم يتساءل عسكوري بعد هذا قائلاً: "ترى هل هنالك بث للكراهية العرقية أكثر من ذلك! فالرجل كعادته فى الجزم بالأكاذيب يرى أن مؤسسة الرق ’لا تزال ناشطة فعلياً‘، بينما هى حقيقةً ناشطة فى عقله المريض وأفكاره المضطربة"! وكعادته انزلق في مستنقع بذاءاته وشتائمه، مع اعتذارنا للقارئ في إيرادها بنصّها. ويعني بحكمه هذا أنني بهذه الجملة العرضية قد تفوقت على تجارة الرقّ نفسها، ثم على جميع أنظمة الحكم التي أدارت الصراع في البلاد بلا حكمة، بما في ذلك نظام الإنقاذ وتفويج المجاهدين، ثم رموز الإنقاذ العنصريين من خال رئاسي وعم وزاري .. إلخ. كل هؤلاء تفوقت عليهم بجملة عرضية أحلتُها لمرجع معروف في هذا الشأن ولكاتب يعتبر سلطةً في هذا المجال على مستوى العالم. وليته التزم بها، إذ تركها وذهب لإصدار الأحكام الجزافية على صراع المركز والهامش ثم منهج التحليل الثقافي. فلو كان هذا هو مناط استناده في أحكامه، عندها لوجب عليه أن يشرع في مناقشة هذه الأطروحات، لا الاستناد على اقتباس لجملة عرضية بها يحملنا مسئولية العنصرية في بلد اسمه "بلد السود" ومع ذلك يُدمغ الأسود فيه بأنه عبد لمجرد سواد لونه.
وبعد، دعونا نقرأ ما قلته فعلاً في مقالي "السودانوعروبية أو تحالف الهاربين: المشروع الثقافي لعبدالله علي إبراهيم في السودان":
"تقوم الاستقطابات الأيديولوجية في السودان على الأسلمة والاستعراب من جانب، ثم الأفرقة من الجانب الآخر، تتوسطهما دعاوى التوازن القومي والثقافي. تعتمد أيديولوجيا الأسلمة والاستعراب على الاستيعاب، والذي يقوم بدوره على ميكانيزمات إعادة إنتاج الهامش والأطراف في المركز. وقد استصحبت هذه العملية معها كل جراحات ومرارات القهر والاضطهاد التي بلغت قمتها في مؤسسة الرق ثم انتهت بموجات الإبادة الجماعية التي صاحبت الحرب الأهلية. واليوم لا يجوز التعجب والاستغراب من أن هذه المؤسسة لا تزال ناشطة فعلياً، ذلك لأن الرق والتمييز العرقي لم يفارقاً وجدان الوعي الإسلاموعروبي في المركز حتى الآن؛ إن الفرضيات الأخلاقية والثقافية لمؤسسة الرق لا تزال على حيويتها في الوجدان السوداني (الشمالي المسلم عامة وفي المركز خاصة) (أحمد سيكينجا، 1996). فليس أسهل من أن يدمغ السوداني (كذا) بأنه عبد لمجرد سواد لونه. ولنا أن نتساءل: هل يكون السودانيُّ غير أسود"؟ فكما ترون، هنا أتكلم عن الأيديولوجيا، وليس عن الثقافة. هذا بالرغم من استبدال عسكوري كلمة "الوعي" بكلمة "الثقافة".
ولتلاحظوا أنني نسبت هذا الكلام لمرجع؛ والقاعدة تقول: راوي الكفر لا يكفّر! إذ يجب على عسكوري أن يفنّد الكلام في مظانه وأسانيده، أي بالرجوع لما قاله صديقنا أحمد العوض سيكينجا. لكنه في معركة معي، وليس مع سيكينجا!
في عنواننا الجانبي أشرنا إلى الجهل بالواقع المعاصر أو تجاهله من قبل عسكوري. فهو كما لو هبط علينا من القمر، أو كما لو شمله تساؤل الطيب صالح (من أين جاء هؤلاء). فقبل 29 عاماً فقط وقعت مذبحة الضعين التي قُتل فيها حوالي 4 ألف من الدينكا بالأسلحة بأنواعها أو حرقاً بالنار mass lynching، ثم بعد ذلك تم استرقاق الباقين. في كتابي (To be or not to be: Sudan at Crossroads, 2004) وصفت ذلك بأن الرقّ على بشاعته كان قمة حظوظ السعادة في ذلك اليوم المشئوم. وقد كتب في ذلك عشاري محمود وسليمان بلدو سفرهما الشهير. ولا ننسى أن ذلك حدث خلال فترة الديموقراطية، أي قبل مجيء نظام الإنقاذ. ثم في منتصف تسعينات القرن العشرين نشطت تجارة الرق في السودان لدرجة جعلت البارونة كوكس (وهي بريطانية) تقوم في بادرة خطيرة تعكس تجذر الرق في عقليتها وعقلية من تبرعوا لها بالمال، بحملة لشراء الرقيق في السودان بغية تحريرهم بعد ذلك. وبما أنها كانت تدفع بالدولار، فقد أدى هذا إلى تزايد الطلب على اصطياد الرقيق من الجنوب وجبال النوبة ودارفور بغية بيعهم للخواجية التي تدفع بالدولار. ومع هذا، لم تتخذ أي خطوات جزائية بشأنها لأنها أصبحت ضالعة في تجارة الرقيق من حيث شرائهم بصرف النظر عن نواياها.
هل يجهل عسكوري هذا أم يتجاهله؟ انظروا إليه يقول مستغرباً وشاجباً: "ترى هل هنالك بث للكراهية العرقية أكثر من ذلك! فالرجل كعادته فى الجزم بالأكاذيب يرى أن مؤسسة الرق ’لا تزال ناشطة فعلياً‘، بينما هى حقيقةً ناشطة فى عقله المريض وأفكاره المضطربة"! من منا يمتاز [كذا] بعقل مريض وأفكار مضطربة؟ ولا ننسى أنني كتبت مقالي المشار إليه في بداية تسعينات القرن العشرين. ففي بداية ثبت المراجع، أشير إلى الآتي: " بدأت كتابة هذا المقال في 1992م، وقد فرغت منه عام 1993م في صورته الأساسية. وقد قرئت فكرة البحث في منتدى الفولكلور بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم 1992م. وقد فرغت من صياغته في شكله الحالي 1998م، وذلك بعد إضافة ما من شأنه أن يجعله مواكبا للكتابات والأدبيات التي ظهرت خلال هذه المدة". ثم بعد ذلك، في عام 1999م، قمت بتقديم البحث في مؤتمر "السودان: الثقافة والتنمية الشاملة: نحو إستراتيجية ثقافية- مهداة للروائـي الطيب صالح"، مركز الدراسات السودانية، القاهـرة، دار الاوبرا المصرية - الجزيـرة، الأربعـاء 4 أغسطس- السبت 7 أغسطس 1999. فهل قرأ عسكوري هذا ثم قام بحصر نفسه في فترة اتفاقية نيفاشا (2005م إلى 2011م)، أي الفترة التي قضاها في السودان؟ وهل يجزم أن ثقافة مؤسسة الرقّ (على الجانبين) كانت قد فارقت الوجدان السوداني في تلك الفترة؟

عسكوري وتحريض السلطات ضد شخصي مع التباكي على ذهاب هيبة الدولة

ليت عسكوري توقّف عند هذا، مكتفياً بجهله أو تجاهله لتاريخ يعود لأقل من 30 عاماً. فقد وقع في مستنقع آسن، واتسخ بأدرانه، لدرجة تجعله غير مؤهل بالمرة للانتماء لأي حركة تنادي بسودان جديد، دع عن الحركة الشعبية. فكأن لم يكفه شطط نظام الإنقاذ، ومصادرته لحرية التعبير، والتنكيل بالخصوم، شرع عسكوري في التحريض حول ضرورة أن تفعل الدولة شيئاً إزاء ما كتبته (بموجب جملة واحدة وردت عرضاً في مقال لي ــ تصوروا!). لقد فعلها بطريقة "المديدة حرقتني"، وهو يعلم أنني أعيش بالسودان، بينما هو ينعم بالأمن الذي توفّره له حكومة جلالتها. تعالوا نقرأ هذا السقوط الأخلاقي:
"إلا أن الأغرب من كل ذلك أن هنالك من يقبل طباعة كتاب [وجب التصحيح بأنه مقال وليس كتاباً، كما إنه غير منشور إلا في الإنترنت] يحمل مثل هذه التهمة الضخمة لمجتمع ودولة بكاملها! كما أن المهتمين والمثقفين لا يتصدون لهذا الغثاء الذى يسمى فكراً! ترى أين توجد تلك المؤسسة، وأين تمارس نشاطها؟ فهى فى حقيقة لا توجد إلا فى خياله الصدئ حيث يجد فى نفسه من الوقاحة والجرءة ما يتهم به ثقافة كاملة (اتفقنا او إختلفنا [اختلفنا] معها) بأن لها مؤسسة للرق ناشطة فعلياً فى هذا الزمان! لا ادافع [أدافع] مطلقاً عن مايسميه [ما يسميه] الرجل بالثقافة الإسلاعروبية [في كل كتاباتي لا أجمع بين الثقافة والأيديولوجيا؛ إنه هو الذي أقحكم كلمة "الثقافة" واستبدلها بكلمة "الوعي"]، فهى من وجهة نظرى مليئة بالعيوب والقصور، ولكن شطحة الرجل فى أن هناك مؤسسة للرق فى وقتنا هذا أمر يثير التقزز والغثيان. كان الواجب يقتضى على كل المهتمين التصدى لهذه التهمة الخطيرة ، فالرجل يتهم كامل الثقافة الإسلاعروبية [انظروا كيف يقوّلني ما لم أقله] بممارسة الرق وأن لها مؤسسة تعمل فيه! بالطبع هذا ليس إنتقاداً [انتقادا] لممارسات عنصرية متحيزة تقع أحياناً من أفراد او حتى مؤسسات الدولة، إنما فى حقيقته إتهام [اتهام] صريح يحاسب عليه القانون! وإتهام [اتهام] بهذه الصورة الخطيرة لا يمكن إلا أن يصدر من عقل خفيف وجلف [تصوروا درجة الإسفاف والسقوط في استخدامه لهذه الشتائم]! فالإتهام [فالاتهام] موجه للمركز وهو يعنى به الدولة ومؤسساتها [هذا ليس مفهوم المركز عندي]، ولو كان محمد جلال يعيش فى دولة تطبق القانون لقضى ردحاً فى السجن عقوبة لتلك التهمة الباطلة لأن للدولة ممثلة فى مؤسساتها شخصية إعتبارية [اعتبارية] أمام القانون وتملك حق مقاضاة الأفراد ولن يستطع محمد جلال أثبات [إثبات] تهمته! لكننا للأسف أبتلينا [ابتلينا] بدولة الأخوان [الإخوان] المسلمين المتهافتة التى لا تعرف حقوقها كدولة! إذ كيف سمحت الدولة بصدرو [بصدور] الكتاب أصلا [هو مقال وليس كتاباً] وهو يحمل كل تلك التهم الخطيرة لجزء كبير من المجتمع ولمؤسسات الدولة، لتأتى أجيال بعد مائة عام وأكثر لتقول بناء على ما كَتب هذا الدعى أن [إن] مؤسسات الرق كانت قائمة وناشطة فى السودان فى نهاية القرن العشرين! ولذلك فإن كتابات مثل هذا الجهلول يجب أن تراجع حرفاً حرفاً، فالكتابة ليست " لعب عيال" يسمح لكل من هب ودب أن يسود تاريخ شعب بكامله بأكاذيب من نسج خياله المريض!
هذا نتركه بلا تعليق مع تكرار اعتذارنا للقراء للغة البذاءة وساقط القول مما اشتمل عليه قاموس شتائمه الغني!

عسكوري والتفكير بعقلية النخّاس


بالرغم من كل هذا السقوط، كان يمكن أن أجد لعسكوري بعض العذر لو كان صادقاً في استهجانه لمؤسسة الرق ولثقافة مؤسسة الرق. لكنه بكل أسف ينتمي للقطاعات العريضة من السودانيين الشماليين النيليين الذي يعيّرون المرء بالعبودية إما لسواد البشرة (كما لو أنهم جميعهم ليسوا سوداً يعيشون في بل السود الذي يحمل اسم السودان)، أو لماضٍ مرتبطٍ بمؤسسة الرق. لعسكوري معارك دون كيشوتية ضد العديد من أعضاء مجلس المناصير ولجنته التنفيذية لأسباب سوف نتعرض لها في مقبل الحلقات. وقد ظللت أحاول إقناعه بالعدول عن الخصومة الفاجرة في حقهم كونهم أهلاً له تربطه بهم صلات قربى ودم. ولكن، كما قلنا من قبل "مين يقنع الديك". فقد ذهبت كل جهودي أدراج الرياح، إذ باشرهم عسكوري بسخائم نفسه فاجراً في خصومته كعادته، معتمداً أسلوب حرق الشخصية بمثلما رأيتموه قد فعل معي. قبل أقل من سنة كنتُ بلندن واجتمعت بعسكوري في منزل صديق مشترك حيث قضينا ليلتنا وبعض نهار. أثناء محاولاتي لإقناعه بألاّ يحرق علاقاته بأعضاء مجلس المناصير واللجنة التنفيذية، إذا بعسكوري ينفجر ويتفوه بكلام عنصري ضد بعض أعضاء المجلس واللجنة، متهماً بعضهم بأنهم ليسوا أصلاً من المناصير، بل دخلاء على المنطقة، فمنهم "حلبة" [كذا] ومنهم من كانوا عبيداً إلى زمن قريب ــ كذا! في كل هذا وهو يذكر الأشخاص بأسمائهم، وجميعهم ممن أعدهم أصدقاء، فضلاً عن صفحة ناصعة من النضال، نضال المواجهة، لا نضال الكيبورد. عندها عاجلته بقولي: "إذا كان دا فهمك يا عسكوري، شنو الخلاك تنضمّ لي حركة أسسها جنوبي هو في نظر العديد من القطاعات النيلية الشمالية مجرد عبد لأنو جنوبي؟ ثم إذا كنت إنت بتقول زي الكلام دا، منو الحيصحح هذه المفاهيم؟ الأمل معقود على الحركة الشعبية، لكن هل بعد دا في أمل وإنت رئيس الحركة الشعبية بولاية نهر النيل"؟ وقد استمر هذا النقاش وشارك فيه مستنكراً صديقنا المشترك (إنني أُمسك عن ذكر اسمه لكني على استعداد بذكره مع رقم تلفونه لو اقتضى الأمر). وطبعاً "مين يقنع الديك"! فبمجرد أن صدع عسكوري بقوله هذا، ركبه التنطع والغرور، فكان أن عاجلني بقوله إنه قد أشار لهذه الأمور في كتاباته داخل قروبات أو منتديات المناصير. عندها أمسكت عن الكلام، فقد عرفت وقتها أنني في مواجهة شخص ربما كان ابن خال رئاسي أو ابن عم وزاري، لا أدري.
لكني لم أترك الموضوع، إذ طفقت أسأل المناصير سعياً مني للاستوثاق. وللحق، فقد أثناني أكثرهم ممن ينظر إليهم عسكوري بعين العداوة والكراهية؛ أثنوني عن هذا، ناصحين لي بالابتعاد عن هذا الموضع، قائلين لي: "لماذا تشغل نفسك بالفارغة؟ عسكوري ولدنا وكلنا عارفين عيوبو". نزولاً لرغبتهم، تناسيت الموضوع وفي القلب شيءٌ من حتّى. فمثل هذا ممّا لا يجب تناسيه. ولكن ما إن أشعل حربه ضدي ودلق ما بأمعائه في وجهي، ثم سلح بكل سبابه وشتائمه على الملأ، حتى طلبت ما قاله عسكوري ممّا أشار به لي. في الحقيقة لم أقع على جميع ما قاله لطول المدة وعدم توثيق الكثيرين لمثل هذه السقطات. لكن ما وجدته يدعم ما قاله لي. أدناه شذرات مما قاله عسكوري بخصوص أناس ينتمون إليه كونهم جميعاً مناصير، ثم هم فوق ذلك ممن قادوا ولا يزالون يقودون نضال المناصير ضد سلطة غاشمة هرب منها عسكوري والتجأ لحصن مليكته الآمن. بتاريخ 4 مارس 2013م وفي الحلقة رقم (1) تحت عنوان "الانتقام للذات"، كتب عسكوري ما يلي مما يمكن للجميع فهمه:
"... والمناصير البعرفهم دبل اهلى انا قبل ما يكونوا اهلك انت... والبعرفوا عن اهلى انهم ما قاعدين ينكسروا ..."؛
وكذلك قال:
"... لن يكن [يكون] بإمكان أحد إلغاء التاريخ أو إعادة ساعه الزمن للوراء... فتاريخ السودان مليء بالاضطهاد وليس وحدهم المناصير من انتهك حقوق الاخرين حتي يتحين البعض الفرصه ليسعي لفتنتهم والوقيعه بينهم ويهدر حقوقهم ويروج للبغضاء بينهم ..."؛
ثم قال:
"... لم نكن نعلم وقتها أن هدف هؤلاء ليس هو تضييع حقوق أهلنا فقط، بل تدمير المجتمع من أساسه وهده هدا وإزالته من علي الارض انتقاما للذات لتصحيح تاريخ لا يمكن إصحاحه ، فهنالك حقائق تاريخيه لا يملك الشخص إلا أن يقبل بها... تلك هي إرادة الله ولن تجد لارادة الله تبديلا".
وبعد، كيف أصبح عسكوري عضواً في الحركة الشعبية، دع عنك أن يصبح قيادياً؟ كيف أصبح رئيس الحركة الشعبية في ولاية نهر النيل، وهو ينتمي لفصيلة الخال الرئاسي والعم الوزاري؟
كما ذكرت مراراً وتكراراً، لا يهمني عسكوري في شيء بقدر ما تهمني الطريقة التي صعد بها في سلم القيادة في حركة أسسها رجل جنوبي؟ ما يهمني هم الذين يتحملون تصعيد مثل عسكوري على سدّة قيادة الحركة الشعبية، هؤلاء ممّن سأكتب عنهم بأكثر مما كتبت عن عسكوري. وما توقّفي في عسكوري إلاّ لأكفي نفسي مشقّة الكتابة عن العديد من العسكوريين الآخرين في الحركة الشعبية الذين تم تصعيدهم إلى سدّة القيادة بنفس طريقة عسكوري ومن قبل نفس القيادات العليا التي صعّدت عسكوري. فهناك رئيس الحركة بولاية قام بتحويل العربة البوكس دبل قبينة إلى عربة إيجار للمنقبين العشوائيين عن الذهب. وتخيّلوا من كان يقودها؟ هو نفسه! ثم عندما نشبت الحرب، وشرع العسكوريون في الحركة الشعبية في الهروب من المواجهة متبعين خطى قياداتهم العليا، قام ببيع العربة لنفس فئة العشوائيين، ومن ثمّ ولّى الأدبار إلى خارج البلاد، متمنطقاً شارة وظيفته القيادية بالحركة للمتاجرة بها. وهناك من "دبرس" من حزبه، فتظاهر بالانشقاق عنه والانضمام للحركة الشعبية، فتم ترفيعه فوق الأكفاء الصامتين، فكانت له الشقة وكانت له العربة والمصاريف. ثم ما إن اشتعلت الحرب، حتى وجدناه بنفس هذه الامتيازات، لكن في صفوف الحكومة. سوف نستعرض جميع هذه الشخصيات الكرتونية، فضلاً عن الشخصيات التي اخترقت الحركة في قمة قيادتها بينما كانت تتمتع بوظائفها السريّة داخل نظام الإنقاذ. كل هذا مما سنتعرض له دون وقوف طويل، مكتفين بوقفتنا عند عسكوري الرئاسي كونه قد انتدبته قيادته لحرق شخصيتنا وشوطنتنا بالسباب واللعان والبذاءة.
لكن مرة أخرى، كيف أصبح عسكوري عضواً في الحركة الشعبية؟ وهل ضلّ عسكوري طريقه عندما انضمّ للحركة الشعبية ودونه التنظيمات الرئاسية والوزارية؟ ونواصل!
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

لعلي الزَّين "تقليد كتابي فاحص"، درج على بثِّه على مجموعة حوارية في الواتساب تحمل إسم "سودان فويسيس"، قام بتأسيسها علي نفسه، على إثر التطورات الدرامية في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان. لهذا التقليد الكتابي للفاحص عنوان "تحديقة". إليكم/إليكنَّ تحديقته هذه:




"تحديقة"


قراءة في انعكاسات بيان مجلس تحرير الحركة الشعبية بإقليم جبال النوبة/جنوب كردفان





ركَّزنا في "التحديقة" الأولى حول ردود الأفعال المتباينة إزاء مطلب تقرير المصير الذي ورد في بيان مجلس تحرير الحركة الشعبية بإقليم جبال النوبة وحديث عددٍ من الكُتَّاب حول (النزعة) (القومية) النوبية.

وبديهياً لكي يكون هنالك مثل هذه (النزعة) فلابد من وجود (قومية). وعليه يصبح السؤال:

هل حقيقةً هنالك ما يُسَمَّى بالقومية النوبية؟

ولكي يكون هنالك قومية (مصطلح سياسي)..لابد من وجود إثنية (مصطلح انثربولوجي)..وحتى يكون هنالك إثنية لابد من وجود (محدِّد مركزي) للإثنية يُضاف إلى آخر (ثانوي) لتأكيدها في الواقع أو المتخيَّل. ولذلك نأخذ المثال الشائع:

الدين + س = الإثنية، بحيث س = اللغة أو الأصل المشترك أو العادات أو التاريخ المشترك أو السمات العرقية...إلخ.

وهذا النموذج لا يصلح للحالة النوبية، حيث الدين - مثلاً - لا يمثِّل عاملاً حاسماً. فالتعدُّد الديني يُعَدُّ أمراً مألوفاً، وليس ثمة لغة واحدة، فالتعدُّد اللغوي شائع، ولم أطلع على أسطورة تحسم أمر الجد الواحد، والعادات تختلف أحياناً وتتشابة أيضاً والملامح العرقية متباينة...إلخ.
ذلك لا يلغي وحود حالة إثنية وفقط نحن أمام حالة أنثربولوجية خاصة جداً لا يصلح التعامل معها بالقوالب الجاهزة، وربما ذلك ما يفسر المقولة الشعبية (النوبة مسمار نص السودان).

فلنمضي قدماً إلى الأمام إلى معادلة أخرى:

الإثنية + س = الأمة الإثنية، حيث س = المطلب السياسي. والمطلب السياسي تنادي به مجموعة تُسَمَّى دائماً بمجموعة (التصرُّف السياسي) وهي في هذه الحالة مجلس التحرير حيث أنهم أيضاً عبروا عن مطلبهم من خلال بيان (سياسي)، وليس مجلس شورى (إثني)، ولم يحتوي البيان على أي خطاب ذو دلالات إثنية، وتقنيات الخطاب الإثني كثيرة ولها شواهد عديدة في التاريخ المعاصر. ولكن خطاب المجلس ارتكز على أن المطلب مرتبط (بالموقع) المحتوي على (المحتوى) البشري.

فهل انتهى الأمر؟

كلا، ليس كذلك فللحديث بقية.
أضف رد جديد