"العقلاني" 4 و 5 وصلوا ..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

"العقلاني" 4 و 5 وصلوا ..

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة

,,

صدر في مطلع شهر يناير 2016 العدد الجديد [ المزدوج 4/5] من " العقلاني"
ISSN:2054-5193
، المجلة التي يصدرها مركز الدراسات النقدية للأديان،
و بين صفحاته مساهمات ثلاثة من الباحثين المتميزين بحساسياتهم الإجتماعية العالية، هم الأمريكي دانيال بالز المهتم بمباحث التاريخ الأوروبي الديني المعاصر.و بالز في هذا العدد يعالج موقف ماركس من "الدين كحالة إغتراب". و مقاله هو ترجمة اضطلع بها محمد محمود للفصل الرابع من كتاب:
Daniel Pals
Eight Theories of Religion
New York & Oxford, Oxford University Press, 2006
المساهمة الثانية للباحث التونسي مهدي عزيز : " الخطابات المضادة في القرآن و السنهدرين : ملاحظات حول أشكال الجدل القرآني"[ ترجمها من الفرنسية بشير ماشطة و علي بن رجب ]. و قد نشرت هذه الدراسة بالفرنسية في كتاب جماعي "أصول القرآن و قرآن الأصول"أعده
François Déroche, Christian Julien Robin et Michel Zink,
Les Origines du Coran, Le Coran des Origines
(Paris, Academie des Inscriptions et Belles Lettres, 2015
و مكتوب مهدي عزيز ينطوي على دراسة مقارنة غنية التوثيق و نادرة في نوعيتها حول موضوع الخطابات الأخروية المضادة و تعريف هوية الخصوم في مرآة النصوص القرآنية و التلمودية.
أما قلب "العقلاني" ، بلا منازع ،فهو مكتوب عشاري خليل حول " نبوة محمد و واقع المسلمين المعاصر".و هي نص طويل نسبيا ، يحتل حوالي نصف صفحات المطبوعة.و عشاري خليل [ عشاري أحمد محمود خليل] غني عن التعريف وسط القراء السودانيين و ذلك بفضل مساهماته العالية في المناقشة السياسية السودانية ،من خلال موضوعات ساخنة كالرق و العنف الجماعي و الفساد. لكن عشاري هو أيضا باحث أكاديمي في علوم اللسانيات الإجتماعية في السودان. و تعدد غواياته البحثية يسبغ على مكاتيبه ثراءا معرفيا و تعبيريا يجعل من قراءتها متعة أدبية تجمّل الخاطر. [ و بالمناسبة عشاري دا برضو صديق أبيضاوي قديم كان ضمن ثلة الشباب الذين أضاءوا أمامنا دروب الفضول المعرفي في زمن يفاعتنا الأولى في الأميرية الوسطى و في الأبيض الثانوية ]. و منذ البداية يفرح القارئ بالتنظيم المادي للنص كونه يبتدر الدراسة بفهرس مفصل للأفكار الواردة في النص و هو تدبير نافع من حيث كونه يمنح القارئ نظرة شاملة للطريقة التي نظم عليها الكاتب مكتوبه.
و دراسة عشاري هي محاولة لبسط قراءة نقدية لكتاب محمد محمود " نبوّة محمد ، التاريخ و الصناعة " الذي اصدره مركز الدراسات النقدية للأديان. لندن 2013.
ISBN 978-0-9575471-0-0
و كتاب محمد محمود ينهض على كون النبوة فكرة إنسانية ظهرت و تطورت في سياق التاريخ الإجتماعي . و عليه فهي قابلة للتمحيص الموضوعي و النقد بأدوات الباحث التي في متناول المهتمين بالظاهرة. يقول محمد محمود :
" و في النظر للجانب الإجتماعي للنبوة يحرص الكتاب على إبراز دور مجتمع المؤمنين ـ إذ أن خيال النبي يخلق في المقام الأول مجتمع المؤمنين بنبوته ليأتي بعد ذلك ، و في المقام الثاني، خيال مجتمع المؤمنين ، فيساهم بدوره في تثبيت النبوة و تعزيزها و تمديد خيالها و نشره. و هذا الدور الحيوي الذي يقوم به مجتمع المؤمنين هو ما يصفه الكتاب بصناعة النبوة " .
و رغم مرور أكثر من عامين على صدور كتاب محمد محمود إلا أن هذا المبحث المهم [ مهم شنو يا زول ؟، قول: المبحث المتفجـِّر و أعمل ساتر ، و الساتر ألله ] . أقول هذا المبحث النادر في اللغة العربية، لم يجد العناية التي تليق بطموحه الفكري. ربما لأن الصحف و المطبوعات الثقافية في العالم العربسلامي يسيطر عليها محافظون أو أرزقية يتوجسون من الخوض في نوع الاسئلة التي يطرحها مفكر حر المزاج كمحمد محمود، و ربما لأن أهل الإسقاطات السياسية الآنية للأطراف و المؤسسات التي يمسها مبحث " صناعة النبوة" لم تجد في الكتاب " مَلَكة " او ثغرة تمكنها من تحويله لمادة للهجوم الغوغائي على المؤلف و مصادرة موضوعاته و اعتقالها بعيدا عن دائرة المناقشة المعاصرة في أسئلة الدين ضمن آفاق الحياة الإجتماعية للمسلمين المعاصرين. لكن كل هذا لا يعني أن " صناعة النبوة " سيضمحل و يختفي في ثنايا التجاهل السياسي.فالكتاب قد صدر و هو باق كما " شوكة الحوت لا بتمرق و لا بتفوت " حتى يقيض له شرط مناقشة عامة تقعد تفاكيره في مقعد النقد الإجتماعي و تدمجها في محصلة الوعي الجمعي لعيال المسلمين.
و أهمية دراسة عشاري تتمثل في كونها ـ كان ما نخاف الكضب ـ أول مقاربة نقدية جادة لمبحث " صناعة النبوة". و قارئ عشاري مضطر للمراوحة المستمرة بين الكتاب و التعليق . و سأحاول بسط تعليقي متى ما توفرت لدي مسافة للنظر تؤهلني لعرض التفاكير الكثيرة الواردة في الدراسة و منهج عشاري في مقاربة موضوعات كتاب محمد محمود.
مراسلات " العقلاني " على ميل المركز
[email protected]


سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

نبوة محمد و" قراية الليل أم كراعا برة"

مشاركة بواسطة حسن موسى »






محمد محمود
الصديق محمد محمود من نوع الباحثين السودانيين النادرين المخلصين لموضوع بحثهم ، فكأنه يدمجه في كافة أحوال حركته و سكونه و يجعل منه أولوية بقاء قصوى. و هذه الصفة تكسب له معرفة دقيقة بموضوعه تجعل كل من له نظر مغاير يتهيب الخوض في المياه التي يتحرك فيها محمد محمود.و أنا بين نفر ظل يسوّف و يتأنى بالسنين قبل الشروع في مساءلة محمد محمود حول بعض اوجه بحثه في إشكاليات الدين عامة و في إشكالية دين المسلمين خاصة.و أنا أقول” دين المسلمين” و ليس “الدين الإسلامي” ،[ للكعبة رب يحميها]، لأني مشغول عن الإشكالية الأكاديمية ،التي توحي بها عبارة الدين الإسلامي، بدين الناس الواقعيين المضطرين لمفاوضة حيز للحياة الكريمة بين مقتضيات الموروث الديني الذي لا يملكون عنه فكاكا ،و ضرورات الحياة الحديثة التي تضيق عليهم الخناق و لا تملك عنهم فكاكا، بل و تحيل بقاءهم لنوع من جحيم يومي بلا نهاية . و قد شغلني مكتوب “ نبوة محمد “ ـ و مازال ـ كونه يتحرى فرصة مجتمع بلا دين،لكني عزفت عن بسط ملاحظاتي حوله و كنت ـ و مازلت ـ أمني النفس بمكالمة محمد محمود عيانا بيانا في بعض موضوعات الكتاب. طبعا المشكلة مع نوع لقاءاتنا المتباعدة هي أن بعد الشقة يراكم الموضوعات المسوّفة بيننا فلا ندر أيها نختار، فنقنع من الغنيمة بالونسة الحبيبة و السؤال عن الأحوال على زعم أن الجايات أرحب من الرايحات.



قراية الليل أم كراعا برة
يكشف عشاري ـ من قولة تيت ـ عن قراءة مُغْرِضة جامحة لا تبالي بغير غرضها السياسي الذي يوزن كل فكرة من تفاكير الكتاب في ميزان الإستقطاب السياسي المباشر لعشاري الكاتب الباحث العلماني الخارج من معتقلات دولة الإسلاميين السودانيين .و علّة قراءة عشاري تبدو، عندي، في كونها تهمل اللقيّات المفهومية البالغة التركيب في مكتوب محمد محمود، "نبوة محمد ، التاريخ و الصناعة"، لتختزله كبينة في المحكمة السياسية التي يدين فيها الخصوم الإسلاميين ،تحت شروط الواقع السياسي السوداني، بذريعة كونهم بعثوا نموذج دولة المدينة الدموي في السودان المعاصر. و عشاري يجتهد في تسويغ غرضه السياسي بشتى السبل ،رغم اعترافه ـ هنا و هناك ـ بأن مؤلف " نبوة محمد" لا يصر كثيرا على إحالة واقع دولة المدينة إلى واقع الدولة الـعربسلامية المعاصرة في السودان. لكن عشاري لا يبالي بالمفارقة المنهجية في هذا الإسقاط السياسي المشاتر العابر للأزمنة و الأمكنة. ربما لأنه وطن النفس على استخدام " نبوة محمد" كمنصة يطلق منها قذائفه السياسية على نظام الإسلاميين في السودان. و طبعا ليس بيننا ـ و ضمير الجماعة عائد لنا، نحن الجماعة الدينوقراطية اليسارية المعارضة لنظام الإسلاميين في السودان و في غيره ـ ليس بيننا من يتخاذل عن رمي نظام الإسلاميين بكل القذائف السياسية المتاحة بين أيدينا، لكن هذا الموقف الكفاحي المبدئي ضد نظام الإسلاميين في السودان ، لا يعني أننا نقبل رميهم باي شي " من طرف" .و ذلك لأسباب كثيرة، فيها حرصنا على صيانة نوعية الخلاف مع الخصوم الآيديولوجيين، فنجنبهم و نجنب أنفسنا مشقات "دفن الليل أب كراعا برَّة"، حتى و لو آمنا بأن الشعب الذي يريد إسقاط النظام في صفنا، و أن نظام الإستبداد لا محالة ساقط و غير ذلك من كلام الشعراء .و فيها أيضا حرصنا على توخي الكفاءة في بناء الحجج الناجعة التي نضمن بها اصابتهم في مقتل حقيقي فلا تقوم لهم قائمة بعدها، و فيها أخيراـ و بالذات في هذا المشهد الذي يقرأ فيه عشاري مكتوب محمد محمود عن " نبوة محمد "ـ حرصنا على مراعاة الطبيعة الحساسة لمبحث محمد محمود، و الذي هو “ دبنقة” عامرة بحصاد سنوات من المثابرة على البحث و الفحص و المكابدة المستوحشة في شعاب التاريخ و السياسة في مجتمع المسلمين.
يكتب عشاري:
"استدعي في سياق عرضي لهذا الكتاب مثال السودان، لأني أريد أن أضع لتحليل الكتاب، الذي موضوعه نبوة محمد في دولة المدينة،بعدا زمانيا ذا مكان جغرافي في الحداثة لتبيين القضايا التي يثيرها الكتاب، بصورة غير مباشرة .."
و يدعم عشاري اختياره للسودان كبعد زماني و مكاني لتحقق " المثال التعريفي الصافي لإسلامية القهر و العنف و إرهاب الدولة " في دولة المدينة، لأنه يرى في السودان " المثال الذي يمكن قياس الحالات التجريبية في جميع دول العالمين العربي و الإسلامي على أساسه، إذ لا يوجد نظام سياسي عربي أو إسلامي معاصر تمثـَّل بصورة " صحيحة"، عبر ما يزيد على ربع قرن من الزمان، كامل ذاكرة نبوة محمد و دولة المدينة ".."مثلما تمثـَّل تلك الذاكرة نظام الإنقاذ و حزب المؤتمر الإسلامي في السودان بقيادة تحالف المثقفين و العسكر الإسلاميين " [ص12].
و الأمثلة ، التي يلح بها عشاري على القارئ بضرورة تبنّي قراءة " الموضوع التحتي في الكتاب" ، كثيرة لا تحصى :
"و هكذا يتلخص هذا الكتاب في أن دولة المدينة ذات صلة بالواقع الماثل أمامنا اليوم، إذ نجدها بذات تقنياتها القديمة، في نموذج الدولة الإسلامية الحديثة كما نعرفها اليوم " [ ص26]
"فلا يستدعي القارئ الصور الخارجية على " نص الكتاب" إلا و يستبين له الموضوع الأساس في الكتاب: تنزيل نبوة محمد في نظام الحكم و المؤسسات العامة و في الحياة الخاصة لتثبيت علاقات القوة و السلطة و المعرفة في الدولة الإسلامية المعاصرة، و هو تثبيت يتم دائما بتكنولوجيا العنف و القهر و إرهاب الدولة. و هذا هو الموضوع التحتي للكتاب ، .."[ ص 29].
و عشاري يتفنن في قراءاته لمكتوب " نبوة محمد " من القراءة الـ" خاصة " للقراءة " غير البريئة " لغاية " القراءة الصحيحة "التي هي ـ حسب عبارة عشاري ـ.." تحفز على التفكر في كيفية مقاومة تكنولوجيا العنف و القهر و إرهاب الدولة و التي هي نتاج تطبيقات برنامج نبوة محمد و برنامج الإسلام في الحياة الحاضرة." و يستطرد عشاري قائلا: " و لا يغير من مشروعية هذه القراءة أن المؤلف لا يذكر تفاصيل تلك المشكلات المعاصرة، أو تفاصيل الواقع المأساوي في العالمين العربي و الإسلامي،أو أنه لا يورد ذكرا لأي من ذلك إلا في تلك العبارات القليلة المقتضبة، في المقدمة و في الخاتمة ، عن التخلف في المجتمعات العربية و الإسلامية المعاصرة"
".." و كذا لايذكر المؤلف في كتابه عبارة " الإرهاب"و لا بد أنه قصد إقصائها بسبب استغلال العبارة في الخطاب عن " الإسلام " و "المسلمين" في الإعلام الغربي".." لكني أثـَبـِّتُ في نص قراءتي للكتاب عبارة "الإرهاب" بمعنى اصطلاحي لها معين".
و على هذا الإثبات المجحف في حق المصطلح يشيح عشاري عن جملة شروط جيوبوليتيك الشرق الأوسط التي ولدت الظاهرة المعاصرة البالغة التعقيد، المعرفة اليوم بمصطلح " الإرهاب"، و ذلك لأنه لا يريد أن يرى " الإرهاب " إلا كميراث بدائي مباشر من دولة المدينة[ ص 30].
و الغرض السياسي في قراءة كاتب مرموق مثل عشاري لكتاب “ نبوة محمد “ يفسد على عشاري ، و على قراء شباب كثيرين يثقون في أحكامه ، يفسد عليهم المنفعة المتكنزة في مبحث محمد محمود، كونه يُختزل لمجرد حجة سياسية ضد خصوم مؤقتين قد تجرفهم تحولات السياسة السودانية في أي لحظة فينمحي حضورهم من ذاكرة التاريخ.لكن مشكلة الإستخدام السياسوي لمبحث محمد محمود تتمثل في كونه يحجب عن قراء عشاري فرص فتح المناقشة في المضامين النقدية المتراكبة حول إشكالية مجتمع لا ديني في بلد كالسودان.
و في نظري الضعيف فمكتوب محمد محمود يستحق عناية ألطف من تلك التي خصه بها عشاري. و مع ذلك فمكتوب عشاري يستحق عناية مكثفة لفهم كيف أن الباحث في مقام عشاري يملك أن يغفل عن رؤية الإشكالية السياسية العميقة في طرح محمد محمود لينشغل عنها بترفيع دولة الرأسمالية الطفيلية في السودان لمقام دولة المدينة التي هيأت للمسلمين و في وقت وجيز نسبيا أن يبنوا أمبراطورية بحالها.



و شرح الدولة

عشاري يورِّث نظام إسلامجية السودان كامل تركة دولة المدينة بجرة قلم لا تبالي لا بالتاريخ،[ تاريخ تناقض المصالح الطبقية المتمدّد عبر تباين الأزمنة و الأمكنة]، و لا بالأنثروبولوجيا ،[أنثروبولوجيا تحول و تداخل المفاهيم والمؤسسات الإجتماعية بين زمن دولة المدينة و زمن دولة الحداثة الرأسمالية]، و لا بالجيوبوليتيك،[ منظومة العلاقات المتشابكة بين القوى و المكونات المادية و الرمزية التي كانت تؤثر على واقع التخلق السياسي و الآيديولوجي في دولة المدينة و تلك التي تمخضت عن نظام إسلاميي السودان المعاصر] ، ثم يمضي في محاكمة دولة الأخوان المسلمين في السودان بأوزار منسوبة لدولة المدينة.
و عشاري يؤاخذ دولة المدينة ، من منطلق قراءته "غير البريئة" [ هل هناك قراءة بريئة ممكنة لأي نص ؟! ] لمكتوب " نبوة محمد ، التاريخ و الصناعة"،حسب عبارته، :
" في فكرتين حملهما عنوان الكتاب في عبارة " التاريخ " و عبارة " الصناعة": الفكرة الأولى ، أن دولة المدينة ، المقدمة بوصفها " النموذج الإسلامي"، كانت دولة مصوغة بالعنف و القهر و الإرهاب. تلك كانت تاريخيتها الثابتة. و بهذه الصفة فهي غير جديرة بالإحتذاء، أو بالإستلهام في إنشاء نظام الحكم، أو بناء المؤسسات العامة ، أو في ترتيب الحياة الخاصة في المجتمع الحديث.".
و إدانة دولة المدينة بسبة " العنف و القهر و الإرهاب" تضمر ـ عند عشاري ـ أن هناك إحتمال آخر لدولة ما تستغني عن وسيلة العنف في تدبير أحوال المجتمع الذي ولدت في حجره.و هذه مغالطة غليظة لحقائق التاريخ الذي تخلقت و تتخلق فيه فكرة الدولة كتجسيد لعنف التناقضات بين الفرقاء الإجتماعيين الذين تتقاطع أقدارهم في مربط الدولة، لكن عشاري لا يبالي فيبذل للقراء مفهوما لدولة متعالية على التاريخ و على المجتمع ،دون أن يكلف نفسه مشقة التحليل الضروري الذي يحفز القراء على قبول مزاعمه أو على الأقل يقعدها على مقعد نقدي يليق بجسامتها.

و لو راجع عشاري سجل العنف في تاريخ الدولة كظاهرة إجتماعية، فسيلمس بسهولة أن الدولة لا تستغني عن العنف مهما كانت ديانة القائمين عليها. و لو شئت فقل أن الدولة هي العنف مُعقلنا حسب ملابسات التاريخ الذي يكابده الفرقاء في المجتمع الطبقي. لكن ملازمة الدولة للعنف لا يعني أن كل الدول صابون في صابون.
و لو تأنينا عند تعريف الدولة، فسنجد أن الدولة تنطرح كمفهوم نظري في التنظيم الإجتماعي، مثلما هي ماثلة ،ضمن نسيج الواقع الإجتماعي، كمجموعة من المؤسسات المادية التي تتشابك آلياتها و تتضامن على صيانة نوع من السيادة محددة سياسيا داخل تقاطعات الزمان و المكان التاريخيين. و بهذا فالدولة، كمفهوم آيديولوجي، تتأثر بطبيعة العلاقات المادية التي تنتج عن حركة المؤسسات القائمة ضمن الواقع الإجتماعي مثلما أن الدولة ، كشبكة علاقات مادية، تتأثر بالمفاهيم الآيديولوجية التي تنتجها الفئات الإجتماعية الفاعلة داخل المؤسسات المادية لشكل الدولة التاريخي.و عبر تاريخها تخلقت الدولة في أكثر من شكل ، من دولة المدينة الواحدة، للدولة الثيوقراطية ، لدولة الأمة ، للدولة الشمولية ، للدولة الديموقراطية لغاية دولة الوكالة و العمالة تجاه القوى الأجنبية المهيمنة. و كل هذه الأشكال التاريخية تلتقي عند زعم مبدئي فحواه أن الدولة تمثل الجسم الإداري المحايد المناط به تنظيم الحياة الجمعية لرعاياها وضمان أمنهم و رفاهيتهم داخل الحدود التي تعرفها لهم.لكن مزاعم حيدة الدولة تنهار بحكم أنها قائمة ضمن علاقات الصراع الطبقي، و بصفتها التاريخية فهي، ـ و الشكر موصول لكارل ماركس، كرّم الله وجهه ـ لا تفلت عن طوائل تناقض المصالح الطبقية. يعني داخل المجتمع الطبقي تفقد الدولة حيدتها الإدارية المزعومة و تنمسخ لمجرد أداة في يد الطبقة المهيمنة، غرضها حماية مصالح هذه الطبقة المهيمنة حتى و لو اقتضى الأمر قهر الطبقات الأخرى التي تقاسمها فضاء الأمة.
و في هذا المشهد يطرح إسقاط "دولة المدينة" ،التي تخلقت تحت شروط مجتمع القرن السابع الميلادي، على " دولة الإسلاميين" في السودان المعاصر، يطرح سؤال المنهج الذي يقرأ عليه عشاري مكتوب محمد محمود. فمحمد محمود يعالج موضوعه و هو في هيئة المؤرخ العاكف على الوثائق، فيقرأ ظاهرة النبوة ضمن التحولات التاريخية في دولة المدينة التي تكونت تحت ظروف مجتمع أبوي بدوي قبل رأسمالي، في جغرافيا شبه الجزيرة العربية في القرن السابع ،بينما يلحّ عشاري على قراءة مجحفة في حق مكتوب محمد محمود،و ذلك لأنه يُسقِط واقع دولة المدينة على دولة الإسلاميين السودانيين المعاصرة. التي هي نتاج حداثة رأس المال الداخلة في ملكوت العولمة ، و الواقفة على منصة ذاكرة كولونيالية مطبوعة ببلاوي سوء التنمية وصراعات "الحرب الباردة" و كوارث الطبيعة و هلمجرا. و طبعا لعشاري كل الحق في أن يقرأ مكتوب " نبوة محمد " بطريقته، مثلما لنا الحق في فحص دوافع عشاري لتبني هذه أو تلك بين القراءات الممكنة لمكتوب " نبوة محمد". و لأن قراءة عشاري تبدو ـ حتى اشعار آخر ـ القراءة الوحيدة التي تستنطق مكتوب محمد محمود من وجهة نظر غير عدائية تجاه الكاتب الذي كابد أنواع القراءات السياسية المتحاملة الغوغائية من طرف نقاده الإسلاميين فنحن نتذرع بها للدخول على كتاب “ نبوة محمد “ كونها ّ قراءة صديقة “ لو جاز تعبيري ، لكن كون قراءة عشاري لـ "نبوة محمد" لا تصدر عن تحامل سياسي مسبق تجاه الكاتب ، بل تصدر عن تعاطف سياسي واضح تجاهه، فهذا لا ينفي عنها كونها قراءة سياسية مغرضة غرضا قد ينافي مقاصد محمد محمود المضمنة في مقاربته لظاهرة النبوة.
مفهوم الدولة الحديثة في السودان يجد مبدأه المؤسس في فكرة الدولة الأوروبية كما عقلنها فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر.و هي تتلخص في كون الدولة جسم اصطلاحي يحتكر العنف و يضمن تماسك النظام الإجتماعي.فالدولة عند فلاسفة التنوير تمثل التحول من حالة الطبيعة التي يسود فيها قانون الغابة و تسود فيها حرب الكل على الكل، لملكوت الثقافة المدنية التي تضمن فيها سلطة الدولة حرية كل الأطراف التي ترضى الحياة المشتركة تحت مظلة قانون واحد للجميع. و في أوروبا مطلع القرن التاسع عشر ساهمت الدولة في تخليق مضمون الأمة في شكل كيان سيادي يستلهم نظام الحكم الديموقراطي.و من حينها تلازمت فكرة الدولة مع فكرة الأمة بشكل سوّغ ضم و إلحاق أو فصل الأقاليم الجغرافية حسب علاقات القوة بين الدول الكبرى. في هذا السياق تم بناء الأمبراطوريات الكبيرة في القرن التاسع عشر و تم فيه أيضا تم فرض الهيمنة الكولونيالية على معظم الشعوب غير الأوروبية.
و في السودان اورثتنا التجربة الإستعمارية تمثل قسري سريع و عنيف لنموذج الدولة القومية الأوروبية رغم أن بناء الأمة في السودان كان و ما زال يفتقر لمكوناته الرئيسية. و الحاصل أن بناء دولة "الأمة" السودانية لم يكن يعبر عن تطور طبيعي لعلاقات القوى الإجتماعية السودانية و لكنه تم استجابة لمقتضيات الهيمنة الإستعمارية على مقدرات البلاد. و كانت النتيجة هذه الدولة التي انتحلتها قوى رأس المال الإستعماري للسودان و قعـّدت على رأسها الوكلاء السودانيين المأجورين الذين واصلوا رعاية مصالح المستعمرين بعد الإستقلال. "هؤلاء الناس"، تلاميذ " مدرسة كتشنر"، فرضوا قوامتهم على شعوب السودان من خلال الأجهزة القمعية لدولة رأس المال التي تتصرف في مصائر الشعوب السودانية بلا أي وازع ، كونها ترى نفسها ، كـ "دولة"، أقوى من المجتمع الذي انتحلت لنفسها حق القوامة السياسية و الإقتصادية على فئاته. و لقد انتهى الأمر بهؤلاء الناس الأراذل، الذين لم يروا في دولة السودان سوى فرصة لمراكمة الإمتيازات المادية و الرمزية، انتهى بهم لحد تملك دين المسلمين السودانيين بوضع اليد و احتكاره و نفي الآخرين عن الإنتماء إليه لمجرد كون هؤلاء الآخرين لا يشاركونهم نسختهم الإنتهازية المجرمة لمفهوم الدين. "هؤلاء الناس" الأراذل هم مجرد حفنة من الرجال و النساء الإنتهازيين المستعدين لتقتيل شعوب السودان كلها بسبيل حماية مصالحهم الضيقة ، و هم لا يرقون لمقام المقارنة مع الرجال و النساء الذين تضامنوا على صناعة النبوة حول النبي في القرن السابع مثلما أن دولتهم الخارجة من تلافيف جيوبوليتيك العولمة ، والمعجونة بالإرهاب و الفساد و العمالة، لا تقبل المقارنة مع دولة المدينة لا في طموحها الروحي و لا في طموحها المادي .
لا أحد يغالط في أن تأسيس دولة المدينة انطبع بالعنف في كل مراحله،لكن الدولة التي استغنت عن العنف في تدبير أمور المجتمع الذي تتولى أمره هي حلم طوباوي لم يوجد يوما، ناهيك عن تلك الدول " المتحضرة المتطورة إلخ" التي تنشر العنف حتى وسط المجتمعات الأجنبية المسالمة والبعيدة عن حدودها بدون أي سبب بخلاف مراكمة الإمتيازات و المكاسب المادية المجرمة.

سأعود
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

سلامات حسن
شغل كبير وشجاع وغير هياب.. التحية من هنا لمحمد محمود (شوف الإسم؟) :) وللكوكبة. الدين قضية كوكبية (ولا اقول مشكلة) قضية ليست إسلامية أو عربإسلامية فحسب. قضية شائكة وضخمة وستظل لعدة قرون تالية في زعمي كون الأديان مرتبطة بالأحلام البشرية الكبيرة في "الخلود" ورغبة الإنسان في تجاوز التاريخ .. ربما كي يصنع التاريخ على وجهه الأمثل!.

كنت أقرأ لمحمد محمود مذ كنت طالباً بذات الجامعة وهو الأستاذ وهو اليقظة!.

وكمان مداخلتك حلوة جداً شديد.. أعجبني "لايك" بلغة الفيسبوك!.

بس في حاجة، كلمة واحدة، ما عرفت ليها معنى محدد في السياق هي كلمة "بدوي!" هنا :
(فمحمد محمود يعالج موضوعه و هو في هيئة المؤرخ العاكف على الوثائق، فيقرأ ظاهرة النبوة ضمن التحولات التاريخية في دولة المدينة التي تكونت تحت ظروف مجتمع أبوي بدوي قبل رأسمالي، في جغرافيا شبه الجزيرة العربية في القرن السابع ،بينما يلحّ عشاري على قراءة مجحفة في حق مكتوب محمد محمود،و ذلك لأنه يُسقِط واقع دولة المدينة على دولة الإسلاميين السودانيين المعاصرة. التي هي نتاج حداثة رأس المال الداخلة في ملكوت العولمة ، و الواقفة على منصة ذاكرة كولونيالية مطبوعة ببلاوي سوء التنمية وصراعات "الحرب الباردة" و كوارث الطبيعة و هلمجرا).
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة يناير 29, 2016 2:48 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

لو كنت محرراً أو عندي سلطة رقابة قبلية زي الكيزان ح أشطب الكلمتين ديل من كلامك (أبوي وبدوي) لأن كلمة ما قبل رأسمالي وحدها كافية وتلك الكلمات تضيف تشويش عليها لأن معظم المجتمعات فوق الكوكب أبوية وذكورية منذ عدة آلاف من السنين قبل الإسلام كما أن كل الشرق بما في ذلك اليهود والفرس والأشوريين والآخرين كلهم بدو!. معليش للعكلتة. عايز أنتمي للمجد!.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الأبوي و البدوي

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد جمال الدين
و شكرا على عنايتك بملاحظاتي على المناقشة التي ابتدرها عشاري حول كتاب نبوة محمد.
و الحمد لله إنو ما عندك سلطة رقابة قبلية ، و الرقابة القبلية هي بت عم الحرب الوقائية ، التي اخترعها لنا سادة عصرنا الذين لم يكتفوا بالسيطرة علينا لكنهم يطمحون للأمان التام حين يغمضون و ينامون بيننا. طبعا أنحنا ما عندنا غير الرقابة البعدية ، يعني تخلي الناس يتكلموا و بعدين تجي تراقب القالوه و تحاسبهم عليه و كل واحد يراقب و يحاسب و الحسّاب يملا شبكته. عبارة المجتمع البدوي تدل عندي على سياق حياة البادية الذي تخلقت فيه الثقافة العربية في القرن السابع ، و ذلك بالتعارض مع محتمعات الحواضر البيزنطية و الفارسية و المصرية. و المجتمع الأبوي تدل عندي على نمط المجتمعات الباترياركية التي تتميز بالخضوع لسلطة الأب ، و ذلك بالتعارض مع المجتمعات الماترياركية التي تعتمد على سلط الأم. و هي كلها فرضيات نظرية بعيدة عن الصفاء ، لكن قيمتها تتمثل في كون اعتمادها يعصم اللناظر في التطور الأنثروبولوجي للمجتمعات الإنسانية عن الإنسياق وراء المعاني الإطلاقية الصماء في فهم تاريخ بعيد لا نملك من وقائعه سوى النذر اليسير. و أنا أتفق معك في كون مفاهيم المجتمع البدوي و الأبوي تندرج في باب التقليد الثقافي قبل الرأسمالي، لكن من يتأمل في تقلبات جيوبوليتيك دول الشرق الأوسط يملك أن يرى المسوخ الأنثروبولوجية العجيبة التي ولدت من سفاح رأس المال الأوروأمريكي مع رموز مجتمع بدوي و أبوي قبل رأسمالي. و "هؤلاء الناس" الذين يسترقون المسلمين بذرائع "الكفالة" و العمالة المهاجرة هم أنفسهم الذين يفاوضون اسباب بقاءهم بذرائع قوامة انتحلوها على هذا الدين الذي يساوي بين الناس.
طبعا ملاحظتك تستحق مزيدا من التأني لكني و الله مزانق هذه الأيام في بعض أمور العيشة فصبرا حتى أعود.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

تحييد الدين

مشاركة بواسطة حسن موسى »




تحييد الدين
يحتج عشاري على الفئة التي يسميها بـ " الإسلاميين الإصلاحيين[ د. عبد الله النعيم، د. عبد الوهاب الأفندي، د. الطيب زين العابدين]" بكونهم يغالطون بفرصة "دولة إسلامية ممكنة، ذات دسترة و قضاء مستقل و حقوق إنسان و احترام للمرأة و لغير المسلمين"، و يتهمهم بأنهم يسعون في كسب مزيد من الوقت لصالح فكرة بائدة عفى عليها الزمان،متذرعين بذرائع واهية من نوع جهل الإسلاميين "بالإسلام الصحيح و بالشريعة الصحيحة" الذي يقعد بهم عن تحقيق يوتوبيا الدولة الإسلامية الفضلى التي تتجاوز أخطاء تجربة دولة الأخوان المسلمين السودانيين ، و ربما أخطاء دولة المدينة نفسها. و يتمسك عشاري بنموذج دولة الجبهة الإسلامية في السودان كتجسيد مادي لواقع الدولة الإسلامية المتنزلة من ذاكرة دولة المدينة، و يدمجهما في كل مفهومي واحد مُدان،" كسر رقبة". و يدفع عشاري بأن الدولة الإسلامية ليست وعدا بالفضيلة لكنها دولة إسلامية موجودة بالفعل و" مجسدنة في حكم المثقفين و العسكر الإسلاميين في السودان" [ ص 16]
و عشاري ،بهذه الحجة، يسعى لقطع الطريق أمام محاولات الإصلاحيين الإسلاميين ،أو الإسلاميين “المعتدلين”، لرد الإعتبار لمشروع دولة إسلامية قمينة بالإحترام ، بعد أن مرّغها إسلاميو نظام الخرطوم في وحل السياسة الإنتهازية. لكن إذا ساغ لبعض “ الإسلاميين الإصلاحيين” أن يدفعوا بضلال نسخة دولة نظام الإنقاذ الراهنة بدعوى مفارقتها لـ “ الإسلام الصحيح و الشريعة الصحيحة “ فهذا حقهم ،و ليس لعشاري أن يحجر عليهم تبني مشروع دولة إسلامية مغايرة يرونها أكثر تقدما من دولة نظام إسلاميي الخرطوم. هذه البداهة المفهومية،بداهة كون المشروع النظري المسقط في المستقبل هو بطبيعته فالت عن المحاكمة النقدية، مثلما هو، بالضرورة ، أليق وأرحم من المشاريع الماثلة في الواقع ، لا تغيب على فطنة عشاري ، لكن عشاري مشغول عنها بغرضه السياسي الذي يمكن تلخيصه [ و هيهات ] بتنحية الإسلاميين الإصلاحيين بالجملة عن فضاء السياسة، و ذلك من خلال إبطال مفعول الدين في الحياة العامة و تحييده في منطقة المنازعة الطبقية المستعرة في مجتمع العربسلاميين المعاصرين.و طموح تحييد الدين ، باعتباره رافعة سياسية رئيسية في المجتمع المسلم يطرح أكثر من سؤال حول اشكالية الدين في منظور الصراع الإجتماعي بين السودانيين و حتى فيما وراء الفضاء السوداني ، بين المسلمين عامة، بل قل بين المتدينين قاطبة. أقول أن طموح تحييد الدين ، الذي هو في قلب مشروع محمد محمود ، يجد أصوله المفهومية في ميراث الحركة العلمانية الأوروبية التي قيضت لها ملابسات التطور التاريخي الأوروبي أن تتوصل للهيمنة المادية و المعنوية على المؤسسات الدينية النصرانية و اليهودية حتى بدا لها أنها تمكنت من تحييد الدين في الحياة العامة. لكن الفحص المتأني لمشاهد الحياة العامة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية ،التي تزعم أنها تحررت من أثقال الدين، يكشف عن حضور الدين القوي في الحياة الإجتماعية ، بل و يكشف عن إلتفاف الدين على اليوتوبيا العلمانية بأساليب غاية في الإلتواء المفهومي . فالدين يتسرب للمشروع المادي من مسام الوعد الطوباوي في مستقبل إنساني مشرق إفتراضا.وباسم الوعد تنمسخ المؤسسات العلمانية لنوع من وهم بصري ظاهره مادي و باطنه ديني. هذا الوهم البصري الذي يتضامن على صيانته العلمانيون المتدينون مع حلفائهم من النصارى و اليهود المتعلمنون هو أكبر كذبة آيديولوجية في القرن الواحد و العشرين.و هي كذبة أيديولوجية لأنها تخدم مصالح الطبقة الوسطى النصرانية الأوروأمريكية، و حلفائها في المجتمعات غير الأوروبية، و التي تعتبر نفسها قيمة على الحضارة و حارسة للقيم الإنسانية ضد البربرية.هؤلاء الناس الأراذل الذين اخترعوا الإستعباد و الفاشية و النازية و الإستعمار و منطمة التجارة الدولية والتطهير العرقي و صدام الحضارات و القنبلة النووية جنبا إلى جنب مع التقنية و هندسة الأحياء و الفنون و الآداب و فلسفات الحكم ، صاروا يتوجسون اليوم من حضور المسلمين كقوة إجتماعية و سياسية معارضة للسياسات الأوروأمريكية في بلدان المسلمين المعاصرين ، ذلك أن مجتمعات المسلمين المعاصرة صارت تمثل القوة المعارضة الرئيسية للسياسات الأوروأمريكية، و بالذات في البلدان التي تتمتع بثروات و موارد طبيعية ذات أهمية استراتيجية قصوى في منظور الأمن و الإستقرار الإقتصادي للعالم ، و أغلب مجتمعات المسلمين المعارضين لسياسات الغزو الإحتلال و الهيمنة الأورأمريكية هي مجتمعات تعاني من التخلف و سوء التنمية الإقتصادي و تدني الوعي السياسي ، لكن واقع البؤس المادي و الثقافي لم يمنع أهل هذه المجتمعات من النهوض في وجه الهيمنة و الإستغلال و الإحتلال العسكري الذي تتعرض له من قبل قوى رأس المال الأوروأمريكي. ففي معظم بلدان الشرق الأوسط من أفغانستان لإيران للعراق لفلسطين للجزائر و ليبيا و السودان و الصومال ، في خلال العقود الخمسة الماضية ، حمل المسلمون السلاح في وجه قوى الإحتلال الأجنبي ضمن زخم حركات التحرر الوطني اولا ، و ضمن زخم حركات الصراع ضد قوى رأس المال المعولم. و هذه المقاومة المسلحة التي تخلقت تحت شروط الأمية السياسية و غياب الديموقراطية و القهر و الفقر المادي و المفاهيمي اضطرت لإستخدام ماعون الدين باعتباره الماعون الأكثر بداهة لإستقطاب حساسية الجماهير المسلمة التي كانت ترى الباطل و لا تقوى على تغييره بيدها و لا بلسانها. ففي أول انتخابات حرة في الجزائر فاجأ الشعب الجزائري العالم بتأييد سياسي واسع للإسلاميين [ 1991]، فكان رد القوى ألأوروأمريكية، بقيادة فرنسا ، هو الدعم المكثف للعسكريين الجزائريين ضد خيار الشعب الجزائري .الأمر الذي أدخل البلاد في حرب أهلية دامية عرفت بـ “ العشرية السوداء”[ 1991 ـ 2002] ومازال الشعب الجزائري يعاني من تبعاتها. و و قد لعبت ظروف الحرب الباردة دورا مهما في تيسير استعادة الإسلاميين لزخم حركة التحرر الوطني من بين أيدي الأنظمة القومية المتخاذلة، التي لم تمنعها المزاعم القومية التحررية من التواطوء مع قوى الهيمنة الأوروأمريكية [ صلح مصر و اسرائيل في إتفاق كامب دافيد1978 ].و مكن الإسلاميين من تطبيع مطالب التحرر الوطني داخل الخطاب الإسلامي المعادي للغرب الأوروأمريكي.المسلمون الأفعان الذين انخرطوا في حرب التحرير الوطني ضد المحتل السوفييتي [ 1979ـ 1989] لا يرون فرقا بين الجيش الأحمر و قوات الإحتلال الأوروأمريكية التي غزت بلادهم منذ 2001 حتى اليوم.و في فلسطين صار الشعب، الذي كان يرفع شعارات الماركسيين في السبعينيات، صار يدعم خيارات الإسلاميين [ حماس] في مطلع التسعينيات لأنه توسم فيهم القدرة السياسية على مواصلة الكفاح من أجل تحرير الأرض، و ذلك بعد أن اضمحلت القوى الوطنية العلمانية التي أنهكتها مناورات و وعود السياسة الدولية الأوروأمريكية الموالية لإسرائيل.
لكن كون التنظيمات الإسلامية قد ركبت موجة حركة التحرر من سيطرة قوى رأس المال، فهذا الواقع لا يملكها حركة الجماهير المسلمة المنخرطة في معارضة قوى رأس المال المعولم و حلفائها المحليين.ذلك لأن الذاكرة السياسية لمجتمعات المسلمين المعاصرة طويلة المدى و عامرة بمآثر حركة التحرر من الهيمنة الأجنبية. و سيكون من الصعب على منظمات الإسلاميين الإستمرار في تسنم قيادة حركة المعارضة المعولمة لقوى رأس المال ما لم تطور من مناظيرها الإجتماعية لتستوعب المطالب الإجتماعية لجماهير مسلمة لم تعد تقنع بوعد الحياة الرغدة في الماوراء الديني. هذا التطور المنتظر يتطلب طرح مشروع إصلاحي جديد للدين، مشروع يهيئ جماهير المسلمين لقبول مخاطرة نقد الدين و تطويع بناه المفهومية حتى تقبل الإنخراط في دروب العقلانية و التحديث. هذا المشروع الإصلاحي التقدمي للدين هو مهمة عيال المسلمين بكافة فصائلهم بما فيها الفصيل الإسلامي الذي نناهضه اليوم. و هي مهمة لن يتمكن عيال المسلمين من إنجازها بدون تضامن القوى الإجتماعية التقدمية التي تقود النضال من أجل التحرر من هيمنة قوى رأس المال المعولم. و في هذا المنظور ، منظور الصراع الطبقي في شروط العولمة ،تضمحل الهويات العرقية و الثقافية و الدينية و تتراجع لصالح الهوية الإجتماعية الجامعة التي سيتضامن الحلفاء على تعريفها ضمن مشهد النضال من أجل الحرية و الديموقراطية و التنمية العادلة.
سأعود
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »



معليش حسن اسمح لي وأنت واصل كلامك ما تشتغل بي كتير (وانا هنا لاني مستمتع بالكلام وكلامك طبعاً) بس ناس البادية لا!، ديل اهم ناس وبسببهم هرب الدين (البيزنس) إلى دنيا أخرى ذات مدن فارهة ليس في الجزيرة العربية ذات البدو الأقحاح بل في: العراق والشام وفارس ومصر والأندلس وكان ما اخاف الكضب على قولك برضو "السودان" ولم يعش الدين في دنيا البدو التي تعني (الجزيرة العربية) غير 33 سنة فقط وحاربوه فيها حرباً ضروساً وارتدو ولم يعده بعدها إليها إلا الامريكان عام 1934 القريبة دي وقهراً!.

وهذا هو دليلي تفسير ابن كثير والقرطبي معاً:

» تفسير سورة التوبة من قوله تعالى " الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله "

مسألة: الجزء الرابع التحليل الموضوعي
( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ( 97 ) ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ( 98 ) ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم ( 99 ) )

أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ، وأجدر ، أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، كما قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند ، فقال الأعرابي : والله إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني فقال زيد : ما يريبك من يدي ؟ إنها الشمال . فقال الأعرابي : والله ما أدري ، اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان صدق الله : ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، عن وهب [ ص: 202 ] بن منبه ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل " .

ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سفيان الثوري ، به وقال الترمذي : حسن .

ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي ، قال : " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي ، أو ثقفي أو أنصاري ، أو دوسي " ؛ لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة ، والطائف ، والمدينة ، واليمن ، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب : لما في طباع الأعراب من الجفاء .

حديث [ الأعرابي ] في تقبيل الولد : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبلون صبيانكم ؟ قالوا : نعم . قالوا : ولكنا والله ما نقبل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأملك أن كان الله نزع منكم الرحمة ؟ " . وقال ابن نمير : " من قلبك الرحمة "

وقوله : ( والله عليم حكيم ) أي : عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم ، ( حكيم ) فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق ، لا يسأل عما يفعل ، لعلمه وحكمته .

وأخبر تعالى أن منهم ( من يتخذ ما ينفق ) أي : في سبيل الله ( مغرما ) أي : غرامة وخسارة ، ( ويتربص بكم الدوائر ) أي : ينتظر بكم الحوادث والآفات ، ( عليهم دائرة السوء ) أي : هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم ، ( والله سميع عليم ) أي : سميع لدعاء عباده ، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان .

وقوله : ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ) هذا هو القسم الممدوح من الأعراب ، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ، ( ألا إنها قربة لهم ) أي : ألا إن ذلك حاصل لهم ، ( سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم ).

---

لحظة للتأمل: ربما علينا إعادة النظر في ماهية "البدو" كبشر كما تاريخ "البادية" كجغرافيا ومعنى "البداوة" في اللغة والمصطلح في خضم الصراع الكلي من أجل النشو والإرتقاء!. أعني هنا بدو الجزيرة العربية حصرياً ثم بقية البدو " من؟".

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

اسمح لي وأنت واصل كلامك ما تشتغل بي كتير

مشاركة بواسطة حسن موسى »


"اسمح لي وأنت واصل كلامك ما تشتغل بي كتير "


كيف ما أشتغل بيك يا محمد جمال؟
ياخي تكاور " الأعراب " بصمة خشمهم و ترميهم في النار و لا بتفرز كبير من صغير و لا راجل من مرة؟ الناس ديل سووا ليك شنو؟
و الله بطريقتك دي [ اقرأ بـ " منهجك " دا ] بكرة الجماعة الطيبين يقبلوا على الزنج أو على الهنود أو على الإنويت و الأبوريجين و يطلعوا فيهم فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان و ما يخلوا فيهم نفاخ النار.
يا خي استغفر الله و كل شاة بدوية أو حضرية معلقة من عصبتها و الحمد لله على كل شيء
سأعود
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

عفوا حسن موسي لم اجد تفسيرا للشقة بيني وبينك حيال هذا النص.
إذ أري أن محمد جمال الدين على مشارف فتح جديد, نقلة نوعية, ما لم تكن ثورة في فهم (علاقة جزيرة العرب بالإسلام.).
بالطبع لو أيدها البحث العلمي.
والخص ما فهمت من جمال الدين:
ان مجتمعات الأعراب في جزيرة العرب, وهي الأغلبية الغالبة, استعصت علي الضوابط التي جاء بها الدين الإسلامي وقبلتها مجتمعات الحواضر.
فخرج من جزيرة العرب قرونا, ولم يعد فيهم الا قريبا وبالقهر.

وجمال وأنت ومن شاء تصححون ما رأيت.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

ابوالحسن ومحمد والفاضل الفاضل

طال غيابي .. وللقدم واليد روافع

قرأت التفاكير هنا بتروّي كما قرأت تعليقات د. محمود عشاري علي شاشة سودانايل. اعتقد ان النقاش حول قراءة النصوص ومسألة الاسلام السياسي يادوب ابتدأ. هذا كل ما يمكن ان يقال بعجلة ويبقي انتظار رد ابو الحسن حول مزاعم قراءة عشاري حين لوى عنق بعض نصوص حسن موسي هنا. هذه القراءة لم توفق في قراءة الموقف الفكري والسياسي (نعم السياسي ، وفي شيئ غير سياسي) لحسن . اهفو لسماع حسن الذي لابد انه يعكف عليه الان. كتابة الا

The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سيرة الأعراب

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا الفاضل
و شكرا على العناية لكن كون الطريقة التي استوعب بها أهل البوادي الدين الجديد تختلف عن طريقة أهل الحواضر فهذه بديهية لا غلاط فيها بس الغلاط بيحصل في كون بعض المحللين بيدو نفسهم الحق في رفع المشروعية عن نسخة إسلام الإعراب مقابل إعلاء شأن نسخة إسلام أهل الحواضر و ذلك استنادا على شواهد عشوائية في الأدب السياسي لأهل تلك الفترة الغابرة.طبعا دا كله محتاج مننا لأكثر من الكليمات المعدودات المكتوبات على عجل. أما بخصوص " فتح " محمد جمال الدين في فهم تاريخ العرب و الإسلام فماعندنا مانع و الحشاش يملا شبكتو و الزعل مرفوع.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

قراءة عشاري

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا الفاضل الهاشمي

مشكور على التروّي و أفرحتنا بالطلة بعد الغياب.
أنا انشغلت عن المنبر في الأيام الماضية بسبب غياب موضوعه السفر وراءأمور العيشة في بلاد الغال [و الغيل]، و هو جري لا ينتهي حتى يبدأ من جديد.و شكرا كونك نبهتني لتعقيب عشاري في سودان نايل الغراء.طبعا أنا ملاحظاتي على قراية عشاري لكتاب محمد محمود لسع ما انتهت لكن عشاري سريع البديهة و قلمه بس "الكمدة بالرمدة " حسب عبارة الأهالي.سأحاول اللحاق بمكاتيب عشاري على حكمةعدَّائي الماراثون الذين يرون العبرة في الوصول لنهاية الشوط بصرف النظر عن من يصل أولا و الحمد لله على النفس الطالع و نازل.

رابط مكتوب عشاري في سودان نايل أهو


https://www.sudanile.com/index.php?optio ... &Itemid=55


سأعود
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

أرجو المساهمة في أرخبيل البروفيسور محمد محمود
التحية للبروفيسور وكل الأحباب من الأفاضل والفضليات

أرجو أن أعتذر لكثيرين ، ولم يكن تمنُّعاً من الكتابة هنا ، ولكنها الصّحة ، وأن الدلو هُنا أثقل حملاً ، ويحتاج صبراً لتكن المشاركة بالجديد .
هنالك الكثير الذي أتفق فيه مع الدكتور حسن موسى ( وأعلم أنه لا يحب الألقاب ) في أن سِفر البروفيسور أكثر عمقاً و تناوله بشأن ما يحدث في السودان هو اعتقال بأسورة من ذهب ، فالشأن العام أو الواقع السياسي الراهن لا أظنه يحتاج لسفرٍ يتحدث بذاك العمق . وأعتقد أن محاكمة الماضي بمناهجنا الحاضرة ، مع تجاهل لوقائع الزمان والمكان فيه كثير من الشطط.
*
إن ظاهرة النبوة لهي في حاجة لحفر في مجال علوم النفس البشرية ، وعلاوة على ما تفضل به البروفيسور محمد محمود من مراجع ، فأنا على يقين أنه قد أبحر مسترشداً بكل ما توفر من مصادر ، وذكرها تفصيلاً ، ولكننا في حاجة لمعرفة ظاهرة أعلى من الكاريزما ، تميز مؤسسي الديانات .
نقطف من سِفر علم النفس الفيزيولوجي ، الدكتور عبد الوهاب محمد كامل ، ما يعين في توضيح رؤيتي حول جانب من الموضوع ، فالسفر هو مقدمة في الأسس السيكولوجية والنيورولوجية للسلوك _ طبعة ثالثة 1997 ، وأنقل من ص 326 :

نموذج جوليان جانز :

وقد اقترحه سنة 1976 على أسس فلسفية . ويرى أن المخ البشري منذ حوالى من تسعة آلاف وحتى ألف سنة قبل الميلاد ، وهو عبارة عن كاميرا ثنائية . واقترح أن هناك منطقة مسئولة عن الهلوسة هي الفص الصدغي الأيمن ، ويقوم بتجهز المعلومات بصورة حُدسية ، وكأن ذلك الجزء يستقبل ما يشبه الوحي Godlike Command ، وذلك من خلال الجزء الأمامي من المقرن الأعظم في علاقته بمركز فيرنيك ( مركز فك شفرة اللغة المسموعة ) . وعموماً فإنه تصور أن المخ عقل ثنائي الكاميرا ( أيمن – أيسر) معاً ، ويرى في تصوره أن نصف المخ الأيمن يوحي لنصف المخ الأيسر (الإنسان ) بتنفيذ أوامره
انتهى الاقتباس .

إن النشاط الكهرومغناطيسي داخل خلايا الذهن البشري هو ذو علاقة بنشاطه ، فبه يؤثر ويتأثر ، بل وحتى يستقبل المعارف الموجودة بين قطبي الجاذبية في القطب الشمالي والقطب الجنوبي ، وهي مقولة لم تزل قيد البحث . وفي مقالات سيكولوجية ، أورد"سيغموند فرويد" في أواخر ثلاثينات القرن الماضي بما يطلق عليه التليباثي ، وهي جزء من الإرسال الذهني والاستقبال ، فنحن نرسل حديثنا عبر الهواتف في ذات الأفق الكهروميغناطيسي ، فكيف نقارنه بعِظم ما ينجزه الذهن البشري ؟. وهذا التركيب المعقد للذهن البشري قادر على التقاط المعارف دون قراءة، وهي حالة أوجزها المتصوفة المسلمين على أنها " العلم اللدُني " وهي منبثقة عن الآية ( وعلمناه من لدنا علما ) في سورة الكهف . وفي حالة من حالات التنويم المغناطيسي يمكن للشخص الذي تم تنويمه عميقاً أن يكون مرشداً وناصحاً . وهناك قدرة على قراءة الأفكار .

كما أن هنالك تجارب المتصوفة والشامانيين وممارسي اليوغا ، وممارستهم الحرمان الحسي للذهن البشري ، فيدخل المجرب مرحلة من الصفاء ، وربما تؤدي إلى هلوسة لبعض الناس فيسمعون أصواتاً ويرون ما لا يراه الناس . وإيجابيات " الخلوة " الذهنية هي درجة من الصفاء ، ولكنها ليست بمأمونة العواقب . على سبيل المثل : استنارة الذهن تمرين يوغا ، ينقل ضوء الشمعة التي تراها لمدة دقيقتين ، ثم تغمض عينيك فترى الشمعة أيضاً !!!

إن ما يسمى " كاريزما " هي بعض ما يتصف به مؤسسي الديانات ، وكما كتب البروفيسور إنه النبي صاحب علاقة وثيقة بالمجتمع ، فقد سمعنا في تاريخ الإسلام ( مسيلمة ) و( سجاح ) ولم ندرك الكاريزما التي كانت تصحبهم في ذلك المجتمع ، وكيف غاب أثرهم بعد ما أطلق عليهم حروب الردة، وما هو انتاجهم وميراثهم . إن لدولة الخلفاء أثر في ديمومة النبوة التي يتحدث عنها كتاب البروفيسور . قرأت قبل أكثر من خمسين عاماً كتاباً " البانياً " كان يتحدث كاتبه عن أن سورة الرحمن منسوبة لمسيلمة ! .

إن مؤسسي الأديان لديهم ملكة وقدرة خاصة ، وجاذبية غير التي نراها في حياتنا ، ساهم المجتمع في صناعتها ، أو خمدت عندما لم تجد البيئة المناسبة . لو ذهبت لزيارة كل فصوص دولة الهند لتعجبت من وجود " أنبياء " غير الذين نعرفهم !!
ولست أعلم هل من عودة .


*
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و لو في الهند

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا شقليني
ختمت كلامك بـ " لست أعلم هل من عودة؟"
كيف مافي عودة و إنت مرقتنا في فصوص الهند التي لا تنبت سوى الأنبياء؟.
العودة لازمة عشان ترجعنا لمقرنا الأصلي سالمين بعد سفر بلاد الهند
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شرح دولة عشاري

مشاركة بواسطة حسن موسى »


شرح دولة عشاري

عفوكم على تأخري في العودة لهذه المنازعة التي أرجو لها أن لا تغرق في شبر سوء الفهم المجاني الذي يتربص بكل مناقشة متعددة المداخل ، ذلك أن مناقشتنا المشبوحة بين التاريخ و السياسة ،هي ايضا مناقشة مشدودة بين القراءات المتعارضات مثلما هي مشدودة بين المنابر الإسفيرية. و في نظري الضعيف فالمنازعة بيننا، عشاري و شخصي ، هي، حتى الآن، منازعة حول مفهوم الدولة قبل أن تكون حول محتوى كتاب “ نبوة محمد”. طبعا المنازعة المرتقبة حول مضامين كتاب محمد محمود هي “المنازعة الأم” التي تعنينا مع محمد محمود في المقام الأول،وفي قلبها الإشكالية التي يطرحها محمد محمود حول إمكانية مجتمع بلا دين،سواء كانت في معنى مجتمع يجهل أو يتجاهل الدين و ينظم نفسه على اسس لا تبالي بالإعتقاد الديني، أو في معنى مجتمع واع بالثقل التاريخي للدين لكنه عازم على التباعد النقدي من التركة الدينية بغاية تحرير أفراده و مؤسساته من الأثقال النفسية و السياسية و المادية للإعتقاد الديني. بيد أن الدخول في موضوع جدوى أو لا جدوى حضور الدين ،على ضوء مكتوب محمد محمود، لا يكون ما لم نتوفر فيه على قراءة نقدية تحتفظ بمسافة أمنية من مخاطر تلويث المنازعة الفكرية بمناورات المنازعة السياسية بين خصوم و أنصار نظام الإسلاميين الخرطوميين .و في هذا المنظور بدت لي قراءة عشاري لكتاب محمد محمود أدخل في الإستخدام السياسي الغليظ الذي يختزل كتاب نبوة محمد لمجرد حجة إضافية في دحض المفاهيم السياسية لبروباغندا الإسلاميين السودانيين الذين يزعمون لدولتهم وراثة دولة المدينة.و كون الإسلاميين السودانيين يسعون لإنتحال تاريخ الإسلام بشتى السبل فهذا موقف منسجم مع تدبيرهم السياسي الإنتهازي. فالغاية عندهم هي “تمكين” عصابتهم السياسية من احكام قبضتها على مقدرات البلاد حتى و لو تم ذلك التمكين بوسائل القهر و التخويف و الإفساد. لكن أن يقوم باحث في حصافة عشاري، الـواقع من السما سبعة مرات ، بتصديق مزاعم الإسلاميين و التأمين على انتحالهم لتاريخ الإسلام فهذا موقف محير لا يمكن يمكن فهمه إلا بكون عشاري يصدق كل ما يقوله خصوم السياسة بناءا على حكمة الأهالي التي تقول :” المؤمن صدّيق” [ و هيهات].أو أن عشاري “ راقد ليه على راي “ ،حين يؤمّن على الزعم الإسلاموي بأن دولة الإسلاميين السودانيين هي تنزيل لدولة المدينة في الواقع السوداني المعاصر . فما هو هذا الـ “ راي” الذي يحفز عشاري على كتابة نص طويل أكثر من 200 صفحة، يتذرّع فيه بكتاب “ نبوة محمد” ليشرح لنا أن عنف دولة الراسمالية الطفيلية السودانية المتأسلمة يجد اصله في دولة المدينة التي ظهرت في القرن السابع، و ذلك رغم أن محتوى الكتاب غير معني بدولة الإسلاميين الخرطوميين؟.و “راي” عشاري، في نظري الضعيف ،لا يقل ميكافيلية عن رأي اليهود العلمانيين الذين قالوا ـ و العهدة على الراوي ـ : “ نعرف إن الله غير موجود لكنه وعدنا بوطن”. و أظن غير آثم أن عشاري قرأ في مزاعم الإسلاميين الكاذبة وعدا بوطن، أو على الأقل وعدا بدولة.ذلك أن عشاري، من جهة أولى، يستخدم زعم الإسلاميين الكاذب بكونهم تجسيد دولة المدينة ليقول لنا أن مكتوب محمد محمود “ نبوة محمد” يدحض الحجج الآيديولوجية التي قامت عليها دولة المدينة ، و بالتالي، فهو يسحب البساط من تحت أقدام الخصوم الإسلاميين القائمين على دولة البورجوازية الطفيلية في السودان. فكأنه يضرب حجرين بعصفور هذه المنازعة المثخنة بالإلتواءات . ذلك لأن عشاري ، من جهة ثانية ، ينتهز مبحث “ نبوة محمد “ ليهرب للمناقشة السياسية زعمه بنهاية نظام الإسلاميين لمجرد أن محمد محمود كتب كتابا أثبت فيه أن النبوة مصنوعة، و هذه ثقة مفرطة في دور الكتب في عملية التغيير السياسي مثلما هي ثقة مفرطة في الإسلاميين أنفسهم لأن عشاري ينظر إليهم كقوم يقرأون الكتب و ينفعلون بمضامينها و من ثم يستجيبون لدعاوي التغيير و هيهات و ستين هيهات.

عنف الدين أم عنف الدولة؟
لقد دفعت في مكتوبي السابق بكون العنف ظاهرة لصيقة بالتنظيم الإجتماعي في المجتمعات المعطوبة بتناقض المصالح الطبقية بين من يملكون و من لا يملكون، يعني في كافة المجتمعات.و بهذا فجرثومة العنف كامنة بالقوة في المؤسسات المناط بها تدبير أمور المجتمع. لكن عقلنة العنف في “دولة المدينة” قد تجد اصلها الثقافي في المواريث اليهودية و النصرانية التي استند عليها المسلمون في تسويغ دينهم كعقيدة جامعة نهائية تستوعب تركة التوحيد بتنويعاتها. و رغم أن البروباغاندا السياسية الأوروأمريكية المعادية للمسلمين اليوم، في البلدان ذات الأغلبية النصرانية ،تواظب على وصم المسلمين بالعنف كخصيصة دينية لا فكاك منها، إلا أن من يتأمل في تاريخ المجتمعات اليهودية النصرانية يلمس أن التقليد اليهودي النصراني قد قبل العنف و دمجه كمسلك أصيل في جسم العقيدة و بالذات في تلك اللحظات التي تتحول فيها الديانة من مقام الحركة التبشيرية لمقام الدولة التي تضطلع ، كجسم تاريخي ، بتأمين نفسها ضد أعداء دينها و ضد كافة من يهددون سيادتها، حتى و لو كانوا ينتمون لنفس دينها. و محمد محمود ، عبر مكتوبه “ نبوة محمد “، لا يغفل لحظة عن عواقب مأسسة الدين في شكل الدولة ذات السيادة، و هو يوثق لعلاقة الدولة بالديانة اليهودية في صفحات غنية بالتفاكير النقدية :
“ما كان من الممكن لليهودية أن تصبح دينا منظما بدون إجتماع ثلاث آليات: آلية خارجية هي الدولة في فترة صعود ملوك بني إسرائيل”..”و آليتان داخليتان هما طبقة الكهنة و الأحبار من ناحية و التوراة من ناحية أخرى. فالدولة اليهودية مثلها مثل سائر الدول الأخرى في منطقة الشرق الأدنى احتاجت لآيديولوجية تساندها و تبرر سلطانها. أما الأحبار فقد قاموا بجمع مادة التوراة و نخلها و التأليف بين عناصرها لتشكل المادة المنتخبة الكتاب بشكله النهائي المعترف به. و قد تداخلت سلطة الأحبار مع سلطة التوراة و تأكدت و تركزت اعتمادا عليها.و عندما نتحدث عن سلطة التوراة فإننا نتحدث عن سلطة النبوة كظاهرة، أما عندما نتحدث عن سلطة الأحبار فإننا نتحدث عن سلطة النبوة كمؤسسة، و لكن لا بد أن نضع في اعتبارنا، أن الظاهرة و المؤسسة لا تنفصمان عن بعضهما في سياق اليهودية كدين مُنَظَّم” [1].
هذا التحليل [ الماركسي؟] لعلاقة الدين و الدولة، و الذي ينتظم مقاربة محمد محمود لليهودية و الإسلام و الدولة كظواهر تاريخية، كان من الممكن أن يلهم عشاري قراءة أكثر تاريخية لواقع الدولة الدينية التي بناها الإسلاميون السودانيون في العقدين الماضيين.فهذه الدولة الحديثة الخارجة من رحم السوق الرأسمالي المعولم، و التي انتحلت عقيدة المسلمين و نصبت نفسها قيمة عليهم [ و على غيرهم] في السودان متعددالثقافات و المعتقدات و الأعراق، و الذي يكون الإسلام فيه دين بين أديان أخر. هذه الدولة التي استبدت بنسختها الخاصة من إسلام الصفوة المصنوع من الأدب السياسي الحداثي، ظلت تناهض كل نسخة مغايرة من تنويعات الإسلام التي جادت بها عبقريات المسلمين في السودان.وهي، في نهاية تحليلي، دولة غريبة و وافدة من الخارج على المجتمع السوداني الذي تزعم لنفسها حق القوامة السياسية عليه.و غربتها مؤسسة، أولا، على واقع كونها دولة أقلية خارجة من ثنايا تحالف الطبقة الوسطى الحضرية العربسلامية مع قوى رأس المال المعولم،كما هي مؤسسة ،ثانيا، على واقع كونها فرضت نفسها بقوة السلاح على الشعوب السودانية التي لم تنتخبها، مثلما هي مؤسسة ، ثالثا، على واقع كون وجودها المادي مرهون بقدرتها على حماية مصالح قوى رأس المال الأورو أمريكية أو الآسيوية أو الشرق أوسطية، مثلما هي مؤسسة رابعا على كون بأسها المادي و السياسي إنما يستقوي على الشعب الأعزل بجاه حلفاء دوليين و إقليميين لا يرون السودان إلا كفريسة مبذولة لنهم الناهشين.
هذه الدولة الأجنبية المستبدة المتعولمة المتأسلمة المنافقة و الخائنة لمصالح الشعب السوداني ما هي إلا عصابة من الرجال و النساء المجرمين المتآمرين الذين لا يختشوا و لا يخافوا الله [و لا خليفة المهدي ذاته] ، لكنهم يهرعون لطاولة المفاوضات كلما استشعروا التهلكة في مواجهة المعارضين المسلحين .ولو كان للسودانيين أي عزاء في هذا البلاء المسمى بالدولة الحديثة فهو في كون السودان ليس نسيج وحده بين بلدان المسلمين [ و بلدان غير المسلمين]. فالعدد المتنامي لبلدان العالم الثالث الذي انحطت فيه الدولة لمجرد منظمة إجرامية ،على نموذج المافيا السياسية والمالية ،صار يثير التساؤلات حول جدوى شكل الدولة كمبدأ في تنظيم أحوال المجتمع المعاصر.فواقع الحال في السودان ،على الأقل، يكشف عن دولة عاجزة عن الوفاء بمتطلبات التنظيم الإجتماعي [ تنظيم الإقتصاد و الصحة و التعليم و الأمن إلخ]، دون أن يمنعها عجزها الإداري عن استنزاف الشعب بالضرائب و إرهابه و التنكيل بابنائه و بناته حين ينتقدون فساد سياسات العصبة المجرمة المهيمنة باسم الإسلام على مقدرات المسلمين [ و على غيرهم]. و مافيا الإسلاميين التي انتحلت سلطة الدولة في السودان المعاصر ، ما كان لها أن تدوم كل هذه السنوات لولا استثمارسدنتها لميراث استغلال الدين في المنازعة السياسية الحديثة، و هو سجل عامر ببلاوي الإلتواء الأخلاقي لتحالف الساسة العربسلاميين ضد الديموقراطية في المشهد السياسي السوداني. [2].
قلت أن عشاري عليم بكل هذا التاريخ القبيح للدولة السودانية الحديثة ،لكنه يتعامى عنه لتسويغ صورة سوداء مبسطة لسلطة الإسلاميين باعتبارها تنزيل لنموذج دولة المدينة.و من باب الرفق بعشاري ،الباحث المتمرس في سوسيولوجيا الثقافة، فأنا أستبعد عنه موقف الإنسياق العفوي وراء الزعم المشاتر الذي يرد دولة نظام الجبهة الإسلامية في السودان للمرجعية الرمزية و الإدارية التي يتصورها المؤرخون لنموذج لدولة المدينة ـ لكن عشاري ـ في سورة غرضه السياسي المخاتل ـ لا يتورع عن الترويج لبروباغندا الإسلاميين السودانيين فيخترع لهم دولة و يعتبرها وريثة دولة المدينة. بل أن عشاري يورثهم الإسلام بحاله لأن هذا الموقف يسهل أمامه استخدام كتاب “ نبوة محمد” كبينة في محكمة العدالة الناجزة التي نصبها للقوم في مشهد السياسة السودانية.هل ألوم عشاري لأنه أراد محاكمة الإسلاميين السودانيين و إدانتهم؟ لا و لكني ألومه على التوسل بكتاب نبوة محمد لبلوغ غرضه السياسي و أرى في مكتوبه خروجا طوعيا عن موضوع الكتاب .و أنا ، ضمن كثيرين من ديموقراطيي عيال المسلمين السودانيين ،[و من غيرهم]، أعتقد بضرورة ملاحقة المجرمين الذين اغتصبوا السلطة باسم الإسلام و صادروا الحريات في السودان ،و أن تنصب لهم المحاكم و أن تتم محاسبتهم و تقديمهم أمام قضاة العدالة الشعبية . إذ لا سبيل لسلام بين أهل السودان بدون رد الحقوق لأهلها. لكني اتوسل لتحقيق هذا الطموح السياسي بوسائل السياسة و بحس السياسي الواعي بمسؤوليته تجاه أدواته.وأنا لا أنفي أن كتاب محمد محمود ،الذي هو مبحث نقدي في تاريخ الإسلام، يملك أن ينطرح، أيضا ،كأحد أدوات المعارضة السياسية لنظام الإسلاميين السلفيين في السودان و في غيره ، بل هو من أمضى أسلحة المنازعة الآيديولوجية مع المتدينين عموما، و ذلك من واقع كونه يقعّد الظاهرة الدينية في مقعد التاريخ و يدعو الناس لنقدها و التعامل مع تمثلاتها الإجتماعية داخل منظور تناقض المصالح الطبقية بين الفرقاء .

الناس في شنو و الحساسية في شنو؟
و في نظري[ القوي ] أفهم إنفعال عشاري ،الظاهر في تعقيبه على مآخذي النقدية ، بكونه لم يكن يتوقع أن يُؤاخذ على استخدامه السياسي الغليظ لجهد محمد محمود، ربما لأنه يرى أن التضامن على كفاح نظام الإسلاميين السودانيين أولوية قصوى تسوّغ التجاوز عن القراءة العقلانية ،[ أي و الله “العقلانية”]، التي تحترم قصد الكاتب الذي يخاطر ببسط متاعه العقلاني على جمهور القراء.و قد خاطر محمد محمود بـ “ نبوة محمد” و نابه من ذلك عدد من القراءات المتحاملات لأسباب لا علاقة لها بالمضمون الفعلي لمكتوبه. معظم هذه القراءات صدرت عن ناشطين سياسيين إسلاميين متحالفين مع أعداء الديموقراطية ، مثل خالد موسى و محمد وقيع الله، و قد صعّدهم عشاري لمقام “ المثقفين الإسلاميين” لا إيدهم لا كراعهم، لماذا؟ مندري؟.
لقد نوهت في مطلع حديثي بأن قراءة عشاري تتميز على غيرها بكونها “قراءة صديقة”.و “العدو العاقل خير من الصديق الجائر” [كما يقول مثل شعبي غير معروف]، لكن مكتوب محمد محمود يمثـُل في هذا الموقف كضحية سامية لقراءة عشاري الصديقة الجائرة. و صداقة قراءة عشاري تطرح مشكلة غير متوقعة من واقع كونها قراءة شتراء عن سبق القصد و الترصّد [ و في لسان العربان” شطراء “اي بها حَوَل ينحرف بالنظر عن ما هو ماثل أمامه] ، لأنها تنحرف عن موضوع كتاب محمد محمود لتخوض في مشكلات السياسة السودانية المعاصرة.و في نهاية مسعى عشاري ينمسخ كتاب محمد محمود، بفضل قراءة عشاري الجائرة، نصبا فريدا لسوء الفهم الإرادي و ضحية مرموقة لـ “ الكولاتيرال داميدج” و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
في تعقيبه على انتقادي لقراءته ، سعى عشاري لإقناع القراء بأن حسن موسى يعترض على قراءته بحجة كونها قراءة” سياسية”. و طبعا اعتراضي على قراءة عشاري لا ينهض على كونها قراءة “سياسية” و السلام ، فكل قراءة هي في نهاية التحليل “سياسية “ ، بما فيها قراءتي هذي لقراءة عشاري ولإعتراضاته الواردة في تعقيبه الغاضب.لكن اعتراضي “ السياسي” على قراءة عشاري “السياسية” قائم على كون عشاري يغرّر بالإشكالية الفكرية في موضوع كتاب محمد محمود و يضحي بها على مذبح المعارضة السياسية.[ أنظر تعليق حامد فضل الله بعنوان “ عقلاني يصدر العقلاني” في موقع مركز الدراسات و الأبحاث العلمية في العالم العربي على الرابط
https://ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=502215
]
و قد عبرت أكثر من مرة عن هذه الفكرة في مكتوبي الذي لم يقرأ فيه عشارى سوى “ الردحي” والـ " كلامات" كما قال. [ يا عشاري ياخي كان فتشنا لجنس الأدب المصنف في الردحي فمكتوبك عامر بهبات ما انزل الله بها من سلطان، لكني زاهد في المهاترة في هذا المقام عشان خاطر صديقنا المشترك الذي برّنا بمكتوب جليل يستحق منا أكثر من الردحي] .
و قد احتج عشاري على تعقيبي بحجة التكرار و قال:
“ و طفق حسن يكرر و يكرر مجددا أن قراءتي “سياسية غرضية” كأنه بالتكرار لا بالحجة يبحث عن دعم لفكرته”. و هي حجة تنفع مع القارئ المستعجل، لكني لا أبالي بالقارئ المستعجل لأنه قارئ مستهبل يتظاهر بالقراءة و لا يقرأ.و ما بدا لعشاري تكرارا هو إصراري على إضاءة علّات الإسقاط السياسي الغليظ لنموذج دولة المدينة على دولة الإسلاميين الخرطوميين.
و أول علّات قراءة عشاري السياسية المتعسفة يتبدى في كونه حين يختزل مكتوب محمد محمود لمجرد بيّنة عدلية في القضية التي يترافع فيها ضد الإسلاميين فهو بهذا يهتبل مبحث محمد محمود لدحض المزاعم السياسية للإسلاميين السودانيين.
و ثاني علل قراءة عشاري السياسية الضيقة للكتاب يتبدى في كونها تفسد على قراء عشاري المنفعة المعرفية المتكنزة في كتاب “ نبوة محمد” لأن عشاري يحجب عن اسماعهم صوت المؤلف وراء ضجيج و عجيج المقارعة السياسية التي يقودها ضد خصومه السياسيين.
و ثالث علل قراءة عشاري السياسية، التي تجعله يورث إسلاميي الخرطوم تركة دولة المدينة ، هي في كونها تعمي بصيرته عن مراعاة المسلمات الإبتدائية في أدب علم إجتماع الدولة الذي تخلق عبر مساهمات مفكرين أجلاء من “ميكافيللي” لـ” هيغل” لـ “سبينوزا” و “ فيبر” و “ماركس” و “ نيغري” رضي الله عنهم أجمعين .و عشاري يبتسر حساسية القارئ بمفهوم دولة “ قميص عامر” فالتة عن طوائل التاريخ الطبقي. دولة مصنوعة في القرن السابع ليلبسها عشاري لمسخ الإسلاميين الخرطوميين في القرن الواحد و العشرين.
و رابع علل قراءى عشاري السياسية تتمثل في كونها تثلم قدرته على الفرز حتى أنه لا يبالي فيكاور كل المصلحين الإسلاميين في سلة واحدة، بينما مساهماتهم” خشوم بيوت”. فما من متابع عاقل للمناقشة السودانية يملك أن يجمل خالد موسى و مجمد وقيع الله و الأفندي و الطيب زين العابدين و عبد الله النعيم في مصنف واحد لمجرد أن كل منهم يفكر من داخل بنية الإسلام.و أكاد أستشعر وحشة عبد الله النعيم الكبيرة وسط “هؤلاء الناس” الذين الحقه بهم عشاري، و أكاد اسمع عشاري، المشغول عن الفرز بأولوياته السياسية السودانية، يعزيه : تجلّد يا عبد الله ،لا صوت يعلو فوق صوت المعركة .. و كدا .
أما عن موضوع “الحساسية” فحدث و لا حرج ، كون تعقيب عشاري على قولي بضرورة “مراعاة الطبيعة الحساسة لمبحث محمد محمود” ينفهم ،عند عشاري ،بضرورة تجنب الموضوع ،” بعيد بعيد أو خفـَّافي”. ترى ماذا نفعل مع مثل هذا الإلتواء الفظ البائن في قول عشاري:
” فكلما كان السودانيون أثاروا موضوعا جوهريا يتمثل مشكلة حقيقية تتطلب الحل يبادرهم مثقفون بالقول التحذيري: إن هذا موضوع حساس لا بد من المراعاة بعيد بعيد أو خفافي”؟.أعتقد أن أي قارئ أمين لكلامي يفهم معنى عبارتي “الطبيعة الحساسة لمبحث محمد محمود” ، في سياقها، كدعوة لمعالجة موضوعات الكتاب بالجدية و الحذر اللذين يليقان بجهد محمد محمود و ليس كدعوة لتجنب الخوض فيها، لكن الحساس ،من طينة عشاري ، يملا شبكته باي حاجة ، من طرف،و الأجر على الله.و قد بلغ غياب الحساسية ،في قراءة عشاري لمكتوبي، حد التصرف في عباراتي التي اقتطفها عشاري، بشكل تقريبي غميس، ليتسنى له دحضها بعجلة غوغائية لا تليق بالفطنة التي كنت أتوسمها في هذا الكاتب الأديب و باحث اللسانيات العارف بخفايا اللغات.فمن قولة تيت، [ المقطع رقم 1]، يقتطف عشاري عبارتي ، التي أتناول فيها إشكالية مبحث محمد محمود ، في قولي:
“ .. فرص فتح المناقشة في المضامين النقدية المتراكبة حول إشكالية مجتمع لا ديني في بلد كالسودان “.
ليعيد كتابتها منقوصة من خاتمتها و تصبح:
“فرص فتح المناقشة في المضامين النقدية المتراكبة [ في الكتاب] حول إشكالية مجتمع لا ديني كالسودان..”. طبعا لم أفهم من إقتطاف عشاري أنه يريد تقويلي بأن السودان بلد لا ديني و لكني فهمت منها أن عشاري كاتب يقرأ و يكتب و هو في عجلة من أمره فيبذل نصوصه التقريبية على ملأ القراء و لا يبالي و هذا وجه من وجوه غياب الحساسية تجاه المحاورين والقراء[طيب ياخي العاصرك شنو على الكتابة أم دق؟].
في المقطع رقم 3 من تعقيبه يكتب عشاري: “ .. و انطلق يشيد بالإسلاميين الإصلاحيين ـ الأفندي ، عبد الله النعيم و الطيب زين العابدين ـ ..”و هو زعم بلا سند في مكتوبي. و كوني قلت بمشروعية طموحهم الإصلاحي فهذا لا يعني الإشادة أو المعارضة فضلا عن كوني لا أعتبر الإسلاميين الإصلاحيين كلهم صابون في صابون.
في المقطع رقم 7 يقول عشاري:
“و ذهب حسن موسى إلى ما لا نهاية في مسعاه إلى الخروج من هذا المأزق الذي أدخل نفسه فيه، مأزق الإضطرار إلى تزيين العنف و تحليته.
إنتهى الأمر بحسن أن طور أطرا فلسفية و تاريخية و سوسيولوجية جديدة عن العنف و الدولة، أضفى بها على عنف دولة المدينة تاريخية بيولوجية ..”
و قد استرعى اهتمامي في كلام عشاري هذا ، هو أنه يجعل مني داعية عنف في حين أن أي قارئ أمين لمكتوبي عن تلازم العنف و الدولة ، يفهم انني اقرر حقيقة واقعة في تاريخ هذه الظاهرة الإجتماعية التي يسميها علماء الإجتماع بـ “ الدولة “. و قد أضحكني قول عشاري بكوني طورت “ أطرا فلسفية و تاريخية و سوسيولوجية جديدة عن العنف و الدولة “. و هذه يستحق عليها عشاري عبارة أمي المفضلة “ يا النبي نوح”. يا عشاري براحة علينا ياخي،و إنت عارفنا أنحنا ناس رسامين ساكت ، و غاية طموحنا إننا نطور أطر مفهومية عن الفن الهوين دا، أما أطر الفلسفة و التاريخ و السوسيولوجيا فدي ليها كيّاليها الأساطين الذين نجري وراهم و ما نلحقهم.و ترجمتها في عبارة الأهالي “ موت ما متنا لكن الترب شقيناها “ . و كلامي عن الدولة و العنف دا أنا ما قطعته من راسي لكني لقيته في كراسات الجماعة الطيبين ناس ماركس و شركاه . شايف؟
في المقطع رقم 21 يعترض عشاري على ما أسماه “ الضجة التي يخلقها حسن موسى عن حضور الدين في كل مكان”.”.و في هذا الموقف يقتطف عشاري من مكتوبي العبارة “ ..فالدين يتسرب للمشروع المادي “ و يواصل “ و ينطلق حسن في مقولة عن إلتفاف الدين على اليوتوبيا العلمانية .” و يهمني من هذا المقطع الطريقة التي يقتطف بها عشاري عبارتي حين يكتفي منها بـ “فالدين يتسرب للمشروع المادي”، ذلك لأن عشاري يبترعبارتي على طريقة “ لا تقربوا الصلاة” بينما العبارة الكاملة هي : “ فالدين يتسرب للمشروع المادي من مسام الوعد الطوباوي في مستقبل إنساني مشرق إفتراضا.وباسم الوعد تنمسخ المؤسسات العلمانية لنوع من وهم بصري ظاهره مادي و باطنه ديني.”
و أظن أن عشاري تجنب هذه الكلمة المفتاحية في إقتطافي، و هي “ الوعد”، لأن عشاري مثل كل المتدينين “اللينيين” لا يستغني عن الوعد في استقطاب القراء [ و لو شئت قل “ الجماهير “] لمشروعه العلماني .


المهم يا زول، عشاري كما يقول في المقطع رقم 10، يفكّك أقوالي بحثا عن ما أسميته أنا بـ “ الإشكالية السياسية العميقة” في طرح محمد محمود لكنه لا يجدها رغم أني قد سمّيت إشكالية كتاب محمد محمود في قولي :
“.. مشكلة الإستخدام السياسوي لمبحث محمد محمود تتمثل في كونه يحجب عن قراء عشاري فرص فتح المناقشة في المضامين النقدية المتراكبة حول إشكالية مجتمع لا ديني في بلد كالسودان.”
جاء في عبارة مشهودة للرئيس ماو [ أو للإمام علي ]: يستحيل رؤية قط أسود في غرفة مظلمة حين لا يكون القط الأسود في الغرفة،و عشاري يتجنب رؤية القط الأسود الموجود في غرفة محمد محمود المضيئة مثلما هو يتجنب رؤية القط المضيئ المقيم في مكتوبي، لكن “كلام القصيّر ما بنسمع”.

/////////////////

[1]محمد محمود “ نبوة محمد،[ ص3]
] [2] القائمة، قائمة المخازي الأخلاقية للساسة العربسلاميين في السودان طويلة ننتخب منها حادثةمنشور أكتوبر 1954 الذي دبر الحزب الوطني الإتحادي فيه منشورا باسم الشيوعيين فحواه دعوة الناس للتخلي عن عقيدتهم[ القدال "معالم في تاريخ الحزب الشيوعيالسوداني، الفارابي/كوش،1999،ص 83]
وإنقلاب 17 نوفمبر1957 الذي تم بإيعاز و إشراف عبد الله خليل رئيس الوزراء و وزير الدفاع في حكومة حزب الأمة،
و قد سعت القوى الأسلامية أبان ديكتاتورية الفريق عبود [ 1957ـ1964]لإسكات صوت الأستاذ محمود محمد طه و نجحت في منعه من إلقاء المحاضرات العامة .
و في فترة الديموقراطية الثانية، دبر الأخوان المسلمون ، في نوفمبر1965 ،المكيدة المعروفة بحادثة طالب معهد المعلمين الذي قال ، في ندوة نظمتها جبهة الميثاق الإسلامي بالمعهد ،أن “الزنا كان يمارس في بيت الرسول و خاض في حديث الإفك”[ القدال153] .بعدها إدعى الأخوان أن الطالب ينتمي للحزب الشيوعي و قادوا حملة فجرت أزمة سياسية تطورت إلى حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان .
و في نوفمبر 1968 شهد السودانيون ما عرف، في تاريخ السياسة السودانية الحديثة ،بـمهزلة “محكمة الردة” الأولى التي حوكم فيها محمود محمد طه بواسطة خصومه السياسيين الإسلاميين الذين أدانوه ، في نصف ساعة ،بتهمة الإرتداد عن الإسلام.و هي مسرحية سيئة الإخراج أعادها الأخوان المسلمون على مشهد السياسة في ما عرف بـ “محكمة الردة الثانية” التي توصلت لإستصدار حكم من النميري بإغتياله في 18 يناير 1985 [ أنظر موقع الفكرة
alfikra.org ].
و في سبتمبر 1983 نجح الإسلاميون المتحالفون مع نظام النميري في فرض قوانين سبتمبر التي فرضت حدود الشريعة على كافة السودانيين .و مع اشتعال الحرب الأهلية من جديد في جنوب السودان ، دفع الإسلاميون البلاد في إتجاه حرب دينية جهادية ضد المعارضين في الجنوب و عملوا على عرقنة الخلاف السياسي في الجنوب و في الغرب.و بعد إنهيار نظام النميري ، عاد الإسلاميون لمسرح السياسة من خلال الإنقلاب العسكري المعروف بـ “ إنقلاب الإنقاذ” و اتسم حكمهم بمصادرة الديموقراطية و الفساد و قهر المعارضين و خلصوا إلى فصل الجنوب،وأعلنوا الحرب على الأهالي في الغرب و الشرق و أدخلوا البلاد في أحلاف ىيديولوجية عشوائية حسب الكسب الضيق، مرة مع إيران ضد السعودية و مرة مع ليبيا ضد مصر و مرة مع السعودية ضد إيران و هلمجرا.

سأعود
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

متابعة لصيقة ونية مؤكدة في التداخل متى ما "جبدت نفسي".. وسلام عليكم
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

ومقدما كدا قبل العودة للمشاركة معكم بما أرى من رؤية صغيرة. الجملة المهمة دي ما عاجباني: (قائمة المخازي الأخلاقية للساسة العربسلاميين في السودان طويلة). مخازي أخلاقية دي شتيمة لا تليق بالبحث الذي نبحثه معا. وبرضو كلمة "طويلة" دي ما عاجباني، طويلة بالنسبة لشنو ولمنو!. أليس هو صراع طبقي؟!. الجملة دي مشحونة بالميتافيزيك، في ظني.


دي حاجة سريعة وأنا أحب هذا النوع المفيد من الحوارات المفيدة.. تحية عبرك حسن موسى لأستاذنا الجليل محمد محمود

صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

[align=left]
“The first requirement of critics is that they criticize what someone has actually said. This entails, as a minimum, that they really read him- that is, that they do not regard his words as an occasion for reviewing certain pre-established thesis of their own.”



Kenneth, T. Gallagher, The Philosophy of Gabriel Marcel, p. 133, Fordham University Press, New York, 1975
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

سلام الجميع وابراهيم جعفر ارجوا ألا اخيب مرتجاك بنقد مسئول.

قراءة التاريخ:
ظل شائعا بيننا في متاوقات اليسار منذ أمد أن الإسلام الذي أتي في جزيرة العرب كان ثورة اجتماعية. اذ انه نقل مجتمعه من مستوي
إلي مستوي اخر من القيم, مختلفة وارقي.
تحديدا حول هذه القضايا:
- الموءودة.
-انتقل المجتمع من الزواج بعشرات النساء لأربع وقيل لواحدة في بعض التفاسير.
-الزكاة
-التوحيد. حيث يقرنون اسم الله المنزه بلفظي سبحانه وتعالي, مما يجعله اقرب لإله الفلسفة. سأحاول لاحقا ما وسعني النظر في
التناقض في احتواء النصوص علي اله فلسفي مجرد وأخر حسي مؤدلج.
بخصوص هذه القضايا فان كانت تشكل ملامح ثورة, فالثورة او حتي النكسة تعني انتقال المجتمع من سلطة الي قبضة سلطة اخري.
وبالنسبة لسياق الحوار لا معني لوصفها بالإيجاب أو السلب (تحسن أو تدهور), هي فقط تفيد في الكشف عن نمط القوي المهيمنة
وراء صيغها. وهنا تكمن عبرة قراءة التاريخ المنشودة.وهو عنوان هذه الفقرة.

نعود لسؤال الله المنزه
والسؤال هو :الحضور المتناقض لإله الفلسفة و اله الصنعة في مختلف النصوص.
أري أن الله المنزه وهو اله الفلسفة, تبدى لمحمد قبل الرسالة في تحنث حراء, فهو هنا كمثل غيره من المتصوفة والأولياء, التزم
تقنيات مكنته من الفناء, والكشف والتوحيد.
ولكن كما ظهر لاحقا جري تعريف الله وتوظيفه على نحو خدم السلطة النبوية.
فالله بدءا هو موضوع جمالي مثله كمثل الموسيقي والتلوين والشعر وجميعها كمثله أخضعت في صيغ ووظائف تخدم السلطات المهيمنة تاريخيا.
التناقض هوظهور اله فلسفي مرة وظهور اله حسي مرة اخري
في نظري يكون تفسير هذا التناقض بإبداء الاعتبار و الاهتمام وإبراز مرحلة التحنث في حراء قبل الرسالة. فمكسبه هنا في الغار, عبر
الكشف الصوفي, بإله منزه, لا مناص أن يظهر لاحقا في النصوص هنا وهناك.فتارة نجد هذا الإله الفلسفي وتارة نجد الحسي المصنوع.
يميز الجمهوريون بين مرحلة مكة ومرحلة المدينة واري ان التمييز يكون بين تحنث حراء قبل الرسالة ومرحلة الرسالة مكة-المدينة.
فالجمهوريون يرون نقاء في مرحلة مكة, واري القيم انقي في مرحلة تحنث الغار.


من قراءة مبسطة, لأنها من ملخصات مختصرة وليست من أمهات المراجع, فهمت أن الجنيولوجيا كمنهج بحث لا تنسب أحداث مرحلة لأحداث
مرحلة أخري, بل علي العكس تنسب مفاهيم وقيم كل مرحلة للقوة التي صاغتها مما يضع حاجزا منيعا بين المرحلتين ويمنع التطابق
بينها مهما تشابهت. او كما يقال بصيغة أخري أحداث التاريخ تتابع في مسار حلزون.أو التاريخ لا يعيد نفسه.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الحال العامر

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام للجميع و شكرا للفاضل و ابراهيم و محمد على تجشم عناء الكتابة العامرة [ و الحال العامر يعدي]
يا محمد أنا و الله ما كايس الشتيمة و كل غرضي يتلخص في دفع المفاكرة خطوات. و أنا اتوسل لهذه الغاية بوسيلة الأدب الذي يلهمني إياه واقع المنازعة التي نخوض فيها. و هي منازعة بالغة التركيب كما الدبنقة . فلو بدت لك شتيمة ما في ادبي المبذول هنا فاعرض عنها و امسك في ما يبدو أنه ينهض على قيمة يعول عليها. أما مخازي الساسة العربسلاميين في السودان فدي و الله ما دايرة ليها دكترة و هندسة و فن. و الإناء السياسي السوداني ينضح و يطفح و يعم القرى و الحضر و خلافه.
الشكر لإبراهيم الخليل على الإقتطاف الموزون على منازعة القراءة الرشيدة. و كذلك للفاضل على تفاكيره المتلاحقة كماالشلال. و أظن أن كال واحدة من هذه التفاكير تحتاج خيطا مستقلا بذاته و لا شنو؟
أضف رد جديد