من القصص الفائزة بجائزة الطيب صالح للقصة القصيرة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

من القصص الفائزة بجائزة الطيب صالح للقصة القصيرة

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أعلن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي نتيجة مسابقة القصة القصيرة لهذا العام، 2016، حيث فائزت عشر قصص قصيرة توزعت جوائزها بين "مادية وتقديرية" و "تقديرية". والقصص الفائزة لهذه الدورة (الثامنة) هي:

"باتريشيا..الغزالة السوداء" للطيب عبد السلام حاج علي (المرتبة الأولى - جائزة تقديرية ومادية)

شَعَر أفريقي خَشِن" لطلال الطيب إبراهيم (المرتبة الثانية - جائزة تقديرية ومادية)

"أُذْن فنسنت فان جوغ" لأيمن هاشم سيد أحمد علي (المرتبة الثالثة - مشتركة - جائزة تقديرية ومادية)

"جو: العجوز الأسود" لمحمد التجاني الطاهر (المرتبة الثالثة - مشتركة - جائزة تقديرية ومادية)

"قِسْمَة" لتسنيم محمد عبد الله [دهب] (المرتبة الخامسة - جائزة تقديرية)

"حريق في مدينة الظل" لمحيي الدين هارون سيد أحمد (المرتبة السادسة - جائزة تقديرية)

"موت على الجدار" لأبي بكر العوض إدريس عثمان (المرتبة السابعة - جائزة تقديرية)

"ظمأ" لأحمد التجاني محمد فضل الله (المرتبة الثامنة - جائزة تقديرية)

"ماسيو" لعبد الله الحسن فحل (المرتبة التاسعة - جائزة تقديرية)

"ملائكة على قارعة الطريق" لمحمد حسن عبد الله علي (المرتبة العاشرة - جائزة تقديرية)


في المساحة التالية ننشر النص الفائز بالجائزة الخامسة، على أمل أن نوالي نشر النصوص الفائزة الأخرى، على الأرجح بحسب ترتيب توفرها لنا. وبهذه المناسبة التهاني الحارَّة للفائزين والفائزة..وإلى الأمام.





قِسمَة

تسنيم محمد حسن دهب





ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷ‌ﻇﻦ ﺑﺄﻥ ﻭﺭﻗﺘﻴﻦ ﻋﻤﺮﻫﻤﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼ‌ﺛﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ﺃﻥ تعيدا ﺇﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﺍﻟﺨﺎﻧﻖ ﺗﺠﺎﻩ ﺃﻣﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﻋﻮﺍﻡ ﻳﺘﺠﺪﺩ ﺍﻵ‌ﻥ، ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺰﺍﺟﺮ ﻭﻫﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﺭﺓ ﻛﺎﻟﺠﻤﺮ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻳﺮﻥ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻲ، ﺍﻟﺤﺮﻗﺔ ﺃﻛﻠﺖ ﺃﺣﺸﺎﺋﻲ ﻭﻗﺘﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﺠﻮﺯﺍً ﺃﺷﻴﺒﺎً أنازع بعنادي اللاشيء، تذكرت.

ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺃﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺑﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﻴﺘﻤﻲ بعد ﻭﻓﺎﺓ ﺍﺑﻨﻬﺎ ﻭﻫﺠﺮ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻠﻬﺎ ﺑﻪ، ﺿﻤﺘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻣﺔ ﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ كما يليق بالجدات ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﺩﻳﻬﺎ ﺃﻣﻲ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ ﻳﻨﺎﺩﻭﻧﻬﺎ "ﺣﺒﻮﺑﺔ" فتشع عيناها حناناً.
قبلتني أمي كثيراً في صباحات أيامي المهمة، وحمّلتني دعواتها كالتمائم كلما سافرت، إلا أنها في صباح تلك الرحلة بالذات اكتفت بتوديعي مع البقية على مضض.

ﺑﺪﺃ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ منذ ذلك اليوم، ﺑﻮﻛﺴﻲ عمي ﺻﺎﻟﺢ اﺨﺘﺮﻕ ﺍلإﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻏﺮﺑﺎً ﻋﺎﺑﺮﺍً ﻗﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺮﻣﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮاكمة في الطريق إلى ﺍﻟﻨﻬﻮﺩ، ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺒﻮﻛﺴﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺍﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﺛﻼ‌ﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻛنا ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ نرتدي العمائم والجلاليب البيضاء، وﻛﻨﺖ ﺃﺻﻐﺮﻫﻢ. "ﺍﻟﻌﺮﻳﺲ" ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻀﺮﺑﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﻘﻮﺓ ﺛﻢ ﻳﺒﺪﺃﻭﻥ ﺑﺎﻟﻤﺰﺍﺡ، أنا ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺫاﻫﺐ ﻟﻘﻄﻒ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ.

ﺳﻤﻴﺔ، ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺒﻪ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﺘﻮﻳﺔ، ﺫﺍﺕ العينين ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻤﺮﺓ ﺍﻟﻨﻘﻴﺔ، ﺗﻠﻒ ﺍﻟﺘﻮﺏ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺈﻫﻤﺎﻝ فيسقط عن ﺫﺭﺍعيها المليئتين ﺑﺎﻷ‌ﺳﺎﻭﺭ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﻊ ﻗﺮﻃﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻱ ﻳﺬﻫﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً، ﻛﺎﻥ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﺎ "ﻣﺮﺣﺐ ﻣﺮﺣﺐ" ﺣﺘﻰ ﻳُﻨﻌﺶ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻳﻮﻣﻲ ﻭﺗﺨﻀَﺮّ ﺳﺎﻋﺎﺗﻪ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻴﻊ ﺍﻟﺴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﻣﻊ ﺟﺪﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ الأُبيّض ﺣﻴﺚ ﺃﻋﻤﻞ ﺑﺪﻛﺎﻥ عمي ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻌﺎﻭﻨﺎً ﻟﻪ، كان عمي ﻳﺄﺧﺬ ﻗﻴﻠﻮﻟﺘﻪ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺪﻛﺎﻥ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ حين تمرُّ سمية لأخذ ﻗﻮﺍﺭﻳﺮ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ وﺘﻌﺒﺌﻬﺎ ﺑﺴﻤّﻨﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ، تلتقطها ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻙ واضحين ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻤﺘﻢ: "ﺣﺒﻮﺑﺔ ﻭﺍﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺶ".
وحين أحكي لأﻣﻲ ﺃﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﻋﻦ ﺳﻤﻴﺔ ﺑﺤﺐ ﺗﻨﻬﺮﻧﻲ ﻭهي ﺗﻘﻮﻝ: "ﺃﺟﻤﺪ ﻳﺎ ﻭﻟﺪ.. بت شنو البتسو فيك كدي!"، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﺳﻤﻴﺔ ﻭﺟﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺳﺤﺮﺍﻧﻲ ﻟﻴﺴﺘﺤﻮﺫﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎل ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ الشاب ﺍﻟﻮﺟﻴﻪ الذي كانت تراه فيّ.

ﺍﻟﺰﻏﺎﺭﻳﺪ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﻔﺮﺡ، ﻭﺍلإ‌ﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺕ ﺷﻘﻘﺖ ﺗﻌﺐ ﺍﻟﺴﻔﺮ من ﺃﺟﺴﺎﺩﻧﺎ، ﻭﻛﺄﻥ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺤﺐ ﺗﻮﺳﻌﺖ ﻟﺘﺤﺘﻮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﻐﻔﻴﺮ ﻛﻠﻪ ﻟﻴﻔﺮﺡ ﺑﻨﺎ، ﺃﻧﺎ ﻭﺳﻤﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺨﻄﺒﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻘﺪ قران ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻺ‌ﺣﺘﻔﺎﺀ ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺻﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻏﻤﺪ ﺍﻷ‌ﻓﻖ.

نشوة الفرح الكثيفة التي حملتها في قلبي إلى الأُبيّض قتلتها صدمة أمي أم قسمة، فزواجي أنا بالذات دون إذنها أو حضورها أو موافقتها كان بالنسبة لها كارثة، تغيرت نبرة حديثها واحتدت معي، محاولات إقناعها بقبول الزواج المفاجئ تناوب الأجاويد عليها طوال ذلك العام، بعضهم أتى من الخرطوم خصيصاً، وآخرون من الأُبيّض، لكنها ظلت تردد: "أنا كلمتي واااحدة ما بتقع الواطة".
كنت قد بدأتُ أرى الوجه المخيف لأمي قسمة، الوجه الصارم القاسِ الذي يهابه الجميع، فهي التي تقبل أو ترفض، تجمع شمل العائلات أو تفرقها، وهي وحدها من تخلق المشاكل هنا وتخمدها هناك، الإصرار الذي لم أرها به يوماً هو نفسه العناد الذي كانت تصفني به، إذ لم يفلح أحدهم في تحريكها عن موقفها حتى انهار زواجي من سمية.

وﻛﺄﻥ ما حدث كان البارحة، وكأن ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻌﻞ ﻭﺍﻧﻄﻔﺄ بهاتين الورقتين ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻣﻮﻗﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ، أو ربما رحيلها هو ما بدد تشنج هذه السنوات الطوال من العزلة، اليوم تسري في عروقي نشوة خدرٍ جديدة تقول لي أن الوقت لم ينفد، وأن سمية رغم هذه السنوات قد تكون بانتظاري، وأنه ربما حان الوقت لأتزوجها من جديد.
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في السبت إبريل 08, 2017 9:04 am، تم التعديل 7 مرات في المجمل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

جاء في تقرير لجنة تقييم النصوص الفائزة لهذا العام الفقرة التالية الخاصة بقَصَّة "قِسْمَة":


قَصَّة (قِسمَة) عبارة عن قطعة أدبية من المناجاة الذاتية تعبر عن المشاعر الداخلية والأحاسيس الدفينة وخلجات النفس اللا شعورية، ناهيك عن ترميز العنوان الذي يحيل للشخصية الرئيس فيها وإلى المثل الشعبي القائل: كلُّ شيء قسمة ونصيب.


التهنئة حارَّةً مرةً أخرى للصديقة تسنيم..وأتمنى لك درباً لا تفارقه الخُضرة في هذا الحقل.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سمية

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا عادل و شكرا على بذل فعاليات مركز عبد الكريم ميرغني و التحية لكل المساهمين فيها
شكرا على بذل نص تسنيم الذي ينبئ عن موهبة في الحكي لا بد أنها ستثمر قريبا لصالح القراء و أظنك غلطت في اسم الكاتبة فهي في التقديم " تسنيم محمد عبد الله" و في النص المرفق يرد الإسم "تسنيم محمد حسن دهب"
في إنتظار بقية النصوص
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

شكرا يا حسن على المساهمة والتنبيه للالتباس أو التشويش الذي يمكن أن ينجم عن التباينات التي ورد بها إسم تسنيم مُركَّباً. وفي الحقيقة، أنا نقلت أو كتبت إسم قصَّاصتنا بنفس الطريقة التي ورد إليَّ بها مرتين. فنص القصة الذي بعثت به إليَّ يحمل إسم "تسنيم محمد حسن دهب"؛ ونص لجنة المحكمين يحمل إسمها مكتوباً "تسنيم محمد عبد الله". وقد لاحظت أن إسمها في صفحتها في الفيسبك مكتوب باللغة الإنجليزية بطريقة تعني "تسنيم محمد حسن دهب". وفي الحقيقة، فكرت أن أقترح على الصديقة تسنيم أن تقوم بادغام إسمها ليغدو "تسنيم دهب" وكفا الله المؤمنين تداعيات الالتباس! أيضاً قمت الآن باضافة إسم دهب، وهو الإسم الذي يميزها على نطاق اجتماعي واسع، إلى إسمها بحسب ما ورد في تقرير لجنة المحكمين بعد أن وضعته بين قوسين مستطيلين عسى أن يساهم هذا في تقليل احتمالات الالتباس أو التشويش.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

في المساحة التالية نقدِّم قصَّة "حريقٌ في مدينة الظِّل" وهي القصَّة التي نالت المرتبة السادسة فائزةً بجائزة تقديرية أيضاً:




حريقٌ في مدينة الظل

محي الدين هارون سيد أحمد




"الرعبُ مِن أن يُؤكل الإنسان ليس إلا نتيجة رعب آخر أعم ، موجود في أعمق أعماق الحياة ... الرعب من أن يكون جسداً .. أن يوجد في هيئة جسد".
ميلان كونديرا

-1-

ثلاثة ألوان ، وخواء لوحة بيضاء بسعة الأفق ، بالفراغ الزمني الساقط في قاع التلاشي ، راودنه لينجز تلك اللوحة، والتي اختمرت فكرتها في رأسه منذ مدةٍ ليست بالقصيره.
كانت اللوحه عاديه وليست بالعمل الفني الذي يعول عليه ، مجرد ظلٍ يحدق في اللا شيء ، تشي اتكاءته البائسة بحيرة معلنة ، ربما عكست بعض الهواجس التي تعتري المرء بين فينتين ، أما بالنسبة إليه فقد كانت عملاً من صميم فن التشكيل ، بل ذهب به الأمر وبمجرد الانتهاء منها ، أن فكر جداياً في منحها اسماً يناسب الموضوع كما هي عادة الفنانين :
"الظل البائس"
"حيرة ظل"
"أسئلة ظلية " ...
بدت تلك الأسماء سطحيةً للغايه ، ولا تعبر عن موضوع اللوحة ، فكلما نظر إليها بدا له الظل كمن يبحث عن لغة أكثر إنصافاً من لغة الكلام ، وبعد براح من التفكير العميق ، أي بعد ان استنفذ كل العناوين المرجحه .. قرر أن يطلق عليها اسم :
(الظل الذي أرهقته أسئلة الوجود )
وجد ذلك وقعاً جيداً في خلده ، فاختار لها موقعاً مناسباً بأحد جدران الغرفة ، ألقى عليها نظرة بابتسامة تعبر عن رضا ، ثم غادر لشأن آخر كما جرت العادة.

-2-

- كم من الوقت لبثت؟ لا أدري !
مُجرداً هنا من كل تاريخ يخصني بذاكرة معطوبه، مُخضباً بدهانٍ مائعٍ في صدر لوحه عُلقت على كتف جدار ، كُدّس بلوحاتٍ وصور قديمه، تبدو أثيرةً لدى الرجل الذي أتى بي إلى هذه الغرفة البائسه، والمكتظة بالكتب ذات الغريب من العناوين ؛ المفسرون ، مديح الظل ، الحرب والسلم ... هذا العنوان تحديداً يثير حفيظتي ، يولد في داخلي مشاعر مبهمة ،كجسدي الذي كان يبهت تدريجياً قبل أن أغرق في سبات عميق هو آخر ما أذكر ،ثمة أشياء تحدث هنا تبدو مألوفة بالنسبة إليّ ، ولكنها باهتة في عميق الذاكرة ؛ كتلك القطط التي لا تنفك تتسكع في الجوار تهز ذيولها بغبط ، ترمقني بنظرات ساخره وكأنما كان بيينا شأنٌ قديم ،ولكنني لا أذكر شيئاً ، وعزائي في ذلك، بعض الأشخاص الذين ينفضون عن أنفسهم الركود الطويل بالخروج من صفحات الكتب ، نبلاء ولوردات ، أساتذة وشعراء منسيين, وبعض شبانٍ افتقدوا جادة الصواب، يروون لي قصصاً وحكايات تزيد ولعي بمعرفة الماضي، وإن هم في ذلك يُرسخون إدراكي بالمحيط ..
يحدث ذلك كلما غاب رفيقهم الذي لم أتعرف إليه بعد. وإذا ما حدث ونحوت مثلهم في الخروج ، تباغتني الحمى اللعينة في صحبة دوار مقيت، يغوص بي في عوالم من ذكريات ضبابية تاهت مني في مكان ما، إذا ماشئت التوغل فيها أكثر ،تزداد الحمى ،ويقرع الألم رأسي للحد الذي أكاد أفقد معه الوعي، مما يضطرني لأصد عائداً لمكاني في صدر اللوحة ، فاستعيد بذلك عافيتي وتعود أسئلتي بلا إجابات ...

-3-

كانت الأيام تزحف كالأفاعي المهاجرة في قيط الصحراء الى موتها الأبدي ، بما يكفي للتمرد على لعنة الروتين ، بينما أخذ الشعور بلذة الانجاز الذي كان يغمر الرسام كلما وقف أمام اللوحة ينخفض شيئاً فشيئاً ، حتى بات الأمر عادياً لا يثير فيه أي حماسة وكأنما لم تعد تعني له أي شيء..
وفي إحدى الأمسيات الهادئة ، بينما كان يتصفح أحدى المجلات الدورية التي تنقل أخبار العالم الغارق بالفوضى والحروب ، تناهى إلى مسامعه صوتٌ مجهول انبعث من أحد الجدران بنبرة يائسه قائلاً :
- ياااااه ، الحياة مملة جداً في انتظار إجابة ..
تجهم وجه الرسام وأخذ يتلفت يمنة ويسرة باحثاً عن مصدر الصوت ، كان متأكداً من أنه قد سمع أحدهم يتحدث ، وأن لا أحد سواه يقبع في المنزل في تلك الساعة ، و عندما وقعت عيناه على اللوحة تسمر في مكانه مفلتاً صفحات المجلة غير مستوعبٍ لما حدث ، لقد غير الظل وضعيته الأولى متكئاً بخده على قبضة ذراعه الأيسر ، ومرجئاً ذراعه اليمنى على سطح الفراغ بشكلٍ معاكس لما كان عليه ، ومع أن ذلك لم يغير من موضوع اللوحة ولم يخل بعنوانها الأصلي ، إلا أن الأمر أثار في نفسه الحنق بعد أن استنفد مخزونه الكامل من الاندهاش ،
- أليست كذلك ؟
تحدث الظل موجهاً نحوه السؤال ،
راح يفرك عن عينيه ويحملق في الظل ببلاهة وقد ساوره الخوف من غرابة الأمر ..
تمغى الظل متثائباً كمن ينفض عن نفسه آثار النعاس ثم أردف :
- اطمئن ياصديقي فلست أبغي سوى الثرثره
أجابه فزعاً :
- وا وا وا ولتكن ، ألست معفياً من ذلك؟
- ربما ، لو أنك وضعت عنواناً يجردني من روح الفضول..

-4-

أخذت الحوارات تدور بينهما بوتيرة منتظمه في شتى الامور، فتشتعل تاره وتنخفض تارةً أخرى ، إلى أن أصبح الأمر مزعجاً لدرجة كدرت معيشة الرسام وأرهقت خلوته في رحم الغرفة ، فاللوحة التي كان من المتفترض أن تكون مجرد تعبيرٍ فني ، أضحت كائناً يشاركه كل لحظاته الخاصة ، مما كان يشعره بأن الحجرة وحياته معاً لم تعد تخصه ، خاصة عندما يقحم الظل أنفه في مسائله الشخصيه ، ويمطره بوابل من الأسئلة التي عادةً ما تثير غيظه :
- ماذا ستفعل ليلة الخميس؟
- هل ستشتري كتاباً جديداً ثم تنساه بين رفقائه من الكتب ؟
- لماذا لا تخرج لملاقاة بعض الاصدقاء؟
- أليس لديك حبيبه؟
يحدث ذلك تحديداً في الليالي الموحشة التي يتخللها أرق مزمن يحول بينه وبين التقاط الأحلام ، وعندما يدير ظهره للظل متصنعاً اللا مبالاة بأحاديثه ، يصطنع الظل السكون كأنه لم يكن هناك ، إلا أن صدى الأسئلة تظل تردد ذاتها ملتصقة برأسه ، ولاتنفك تنهك مضجعه حتى يستسلم للنعاس. وفي أوقات أخرى لايلبث الظل حتى يخرج بحكايات عادةً ما يكون الرسام قد نسيها ، يخبره أن همبرت همبرت قد خرج من صفحات لوليتا القابعة بين رزمة من الروايات التي لم يكمل قراءتها ، ليحكي له عن ممارساته القميئة وشذوذه المثير للأشمئزاز ، بعد أن دخن سجارة ثم عاد لينام بين أحضان الكتاب ، ليتذكر أن الرواية لم تكن تخصه ولكنها وقعت في فخ التوقيت حتى عادت أدراجها بعد أن ملّت مزاجه المتقلب. أخبره بالأمس أنه خرج من إطار اللوحة مستغلاً نومه العميق ليتسكع في أرجاء المنزل وقد أنهكته الحمى التي ظل يقاومها طويلاً فاكتشف بعض الأعطاب هنا وهناك ، ثم طفق عائداً إلى صدر اللوحة ، بعد أن أزعجته القطط بمواءِها وقد أيقظت لديه ذكرى احتراق المدينة ، والتي بدورها أعادت إليه ذاكرته المفقودة...
انتفض الرسام متعجباً :
- أي مدينة وأي احتراق ؟
لحظة صمت تلقفها الظل بينما أخذ يجول برأسه متأملاً جدران الغرفة المكدسه باللوحات والصور ، ثم استطرد قائلاً :
- كان ذلك قبل قرون من السفر في أزقة الوهم ، وقبل أن أقيد بهذه اللوحة التي لم أكن أفهم ما الذي أتى بي إليها؟
- ولكنني من رسم هذه اللوحة ، لقد كنت محض فكرة في رأسي ، وشاءت الصدفة أن تمنّ علي برغبة في الرسم ، فكانت اللوحة وكنت أنت ..
عندها ضحك الظل كاشفاً عن صف أسنانه الذهبية التي زرعت الدهشة في خلد الرسام ، والذي بدا بدوره يشك في كونه ظلاً رسمه على حين ملل ، ثم أردف ساخراً :
- أتظن نفسك إله؟ أجزم أنك كنت حينها تحت تأثير الحالة التي تخلقها في النفس تشعبات الحياة ففاضت دواخلك بما يكفي لتستدعي لديك الرغبة في التفريغ ، وعندما أقول ذلك أعني التعبير عن شيء لم تكن تدرك كنهه شيئاً عصياً على الشرح .
- فلنفترض أنك على حق ، أتعني أنه كانت لديك حياة ؟
أطرق الظل في الصمت لوهلة باحثاً عن مدخلٍ جيد للشرح ، ثم التفت قائلاً :
-هل قرأت قصة اللوحة لأبرتو مورافيا ؟
ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتي الرسام فأجاب:
- أظنك تشير إلى لوحة الجنرال الكبير مارك انطونيو، والملكة كليوباترا ، والازعاج الذي كانا يسببانه للعم مرتيناتي بجدالاتهم المتكرره ، فبدلاً من أن تكون مجرد لوحة تضفي على صالة الطعام مسحة ارستقراطيه أضحت مصدر ازعاج له ..
-ليس تماماً ، ولكنني أشير إلى الحياة التي تكمن في اللوحات ، أولم تكن لشخوص تلك اللوحة حيواة سابقة؟
-يبدو ذلك مبراراً ، أما في حالتك هذه فأجدك ظلاً بلا ملامح ، فقط أخبرني ما قصة المدينة ؟

-5-

أخذ الظل بحدق في المجلة التي لم يعبأ بها الرسام منذ أول حديث جرى بينهما ، متأملاً الخراب والفوضى العارمة خلف جنديين يركلان شاباً أعزل في مظاهرة ما ، اُلتقطت كصورة للغلاف ، ثم قال:
- كان ذلك عندما كنت ظلاً لرجلٍ ذي شأنٍ عظيم ، كان قائداً للفيلق الخامس ، والذي كانت مهمته حماية المدينة من أي غزوٍ محتمل ، كنت أرتدي درعاً وأعاشر ظلال الحسنوات اللاتي يضاجعهن سيدي في لياليه الماجنة ، وبرغم كل تلك المتع المتاحة إلا أنني كنت مرهوناً بشكل حياة السيد ؛ أمتعض ، أغضب ، أبكي بلا دموع ، أمتطي ظلال الخيل وفقاً لمزاجه ، ولنقل أنه كان منتظم المزاج الى حدٍ مزعج ، إلى أن حدث وقرر أحدهم نشر الخراب في مدينتنا الهادئة ، ذات ليلة مشؤمة كانت أشبه مايكون بلوحة صاخبة لرسام غاضب ، فالسماء بظلمتها الحالكة كانت تعكس لهيب النيران المتكومة فوق المدينة ، كمخلوق كبير يلتهم المنازل والأبنية ، بفجع مفرط ، كأنها خرجت من مجاعة أو صيام طويل ، صراخ الأطفال وعويل النساء الذين اختقوا بكثافة الدخان كان يعزف كموسيقى تراجيدية على وقع الاقدام الهاربه و الانفجارت العشوائية .. يومها تجرعت الارض انهاراً من الدماء كما يكرع العابثون كؤوس النبيذ في بحثهم المضني عن اللذة ، تساءلت حينها عن مصير قومي الذين يتبعون أسيادهم العزل وهم يُقتَلون ، ترى هل سيتلاشون مع صعود أرواحهم إلى السماء؟! وبينما كنت أغوص في وحل السؤال ، قُتل سيدي بعد أن أزهق روح عشرين مخرب ، رأيت ظلالهم فرحة وكأنما أنتصر لهم ، حينها حدث مالم يكن في الحسبان ، إذ وجدتني انتزع انتزاعاً من جبين الأرض ، يملأني الهواء فأتنفس، وإذ بالعروق تنبت في جسدي بشكل مهيب ، حتى برك الدماء التي اصطبغت بلون الشمس الغائبة ، راحت تتسرب من تحت الجثث و الأقدام لتملأ تلك العروق وتمنحها الرغبة في الثائر .. كان ذلك يحدث بتلقائيه مع كل ظل سقط صاحبه صريعاً.
- كل ماسأفعله بعد اليوم سأفعله بمحض إرادتي ،
شيء ما ردد في داخلي تلك الجملة ، التقطت سيف القائد وكلي رغبة في قطف الرؤوس ، وراحت ظلال الأموات تلتقط سيوف القتلى وحرابهم كما فعلت ، لأجدني قد انتقلت من موقع التابع إلى حيز السيادة ، وعندما رأى المخربون ظلالهم تتقافز من بينهم لتنضم إلينا ، ونيران دمارهم تنفث فينا الرغبة في المزيد ، تسمرت أقدامهم ، وقد أصيبو بما يشبه الشلل ، باتوا هم الظلال ونحن الأجساد ، عندها سحقناهم دون أدنى مقاومة ، وفي الطريق إلى قصر السلطان بأجساد باهتة توارد إلى مسمعي حديث قطتين عن ثورة موؤدة ..
هالة من صمت مطرق شلت موكب الحديث لوهلة ، قذفها الرسام بسؤال من تاق للنهاية:
- قطتين !! ماذا حدث؟
- إن الحياة مملة جدا في انتظار إجابة.!
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أتى في تقرير لجنة المُحكِّمين بخصوص قصَّة "حريق في مدينة الظل":

إن بناء الزمن في قصَّة "حريق في مدينة الظِّل" لا يتبع سياقاً منتظماً وإنما اتخذ نسقاً متداخلاً مع الأحداث، ليجد القارىء نفسه في خضم الأحداث، وهي تبرز في شكل دوائر مترابطة تنزاح الواحدة بعد الأخرى لتختلط فيها الحقيقة بالوهم، والواقع بالمُتخَيَّل، والمعقول باللامعقول.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وفيما يلي نقدَّم القصِّة التي حازت على المركز السابع نائلةً جائزة تقديرية كذلك:



موت على الجدار

أبو بكر العوض إدريس عثمان




مدخل:

«ﻣﺼﻔﻮﻓﺔ ﺣﻘﺎﺋﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺭﻓﻮﻑ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ
ﻭﺍﻟﺴﻔﺮ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ..
ﻳﺒﺪﺃ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﻃﺮﺓ !»
اللوحات ، أمل دنقل

عندما سرتُ داخل الشوارع ذات الموت الرمادي ، منحشراً في الأزقة القديمة للمدينة ، استوقفتني الصدفة لأتأمل اللوحة المرسومة على أحد الجدران بالفحم والحزن .. كانت لوحة تبدو في بداياتها ، لأمراة عارية. لم أكترث كثيراً ووددت لو أن أمضي ، فما الشيء الجديد الذي ستحمله جدارية في بلاد كل أهلها أشبه بمسوخ الرسم. لكن قدميّ لم تساعداني على مواصلة الطريق .. كأنَّ اللوحة كانت تنادي عليّ .. وبيدٍ خفية توجه وجهي نوحها ، وحين اقتربت بدأت اللوحة بالوضوح ، جسد أم واهن وهي ترضع طفلها ، وعند اقترابي أكثر ، كان في قلبها رصاصة دم.
كيف تقاس المسافات ؟! إن المشوار الذي قطعته بعد ذلك بيني وبين اللوحة على الجدار هو بالتقريب يساوي رحلتي الأبدية نحو عمق الذاكرة. فاللوحة بدت لي كأنها تجسيد لما عشته في الحياة. كأن مَن رسمها كان يقرأ ذاكرتي وﻳُﺌﻮِّلها في لوحة جسد رضيع ميت.
يُدعى ”آندرو“ ، كل أزقة السوق الشعبي تعرفه ، فهو قد زانها بالمئات من الرسومات واللوحات ..أحياناً تكون لوحاته لنساء متفحمات بسبب قصف الحرب. وتارة أخرى لإنسان يهرب من رجال الشرطة والقضبان. كان يجيد رسم العربات وحاملات المدافع والدبابات. وكان دائماً ما يجعل رصاصة واحدة تضل طريقها ، لتسكن جسد امرأة وبجانبها وليد خائف ، ومن ثديي الأم يدلق شلالات اللبن المخلوط بالدم.
أشردت تلك الرصاصات وأصابتني ؟
في الليالي المرهقة يغدو لي الموت كائن بطيء ، لكنه يقترب مني رويداً رويداً ، حتى إذا ما جاء الصباح اندثر خلف لعنات الغياب. أمضيت الليل وأنا سجين بين القهوة والسجائر وآندرو ..
وبهدوء كوني أشرق ضوء الصباح ولامس كل الأقبية ، منتشراً إلى كل شيء عدا اللوحة في داخلي ، فهي ماتزال معتمة بغموضها الغاتم الكئيب ... إن الحزن لون أنيق ، يختار أن يقترب منا وإن كنا لا نختاره ، نجده يهذب ذواتنا بالصمت والتأمل. ودون أن أدري كيف ، وجدتني قد توجهت إلى أحد الأزقة ، حيث الحياة منسية. وتوقفت عند بائعة شاي ، سألتها حين باغت صحو ابتسامتها ذاتي : ”أين أجد آندرو ؟“
لم تندهش ، ضحكت وقالت : ”آندرو حكاية نبحث عنها ولا تبحث عنا!“
تعجبت لتلك الفلسفة العميقة ، وأخذت أتأملها إن ما كانت حقيقية أو مجرد رسمة على الجدار ، سألتها : ”هل لك أن تحدثيني عنه؟!“
وضعت القهوة أمامي ، دون أن أطلب ، وقالت لي اِجلس. كانت اللوحات على الجدران تتخذ طابعاً أكثر حدة ، أيمكن للإنسان أن تأسره النقوش ؟ أم أن الأمر فقط عندما ننصت إلى نداء أرواحنا . وتذكرت تلك النداءات التي كتبتها ذات انقسام للوطن ، كصراع الروح والجسد. وعندما أصبت بما يشبه النزع ، قالت لي بائعة الشاي أخيراً : ”لا نعرف عنه شيئاً غير أنه يأتي في آخر الليل يرسم ثم يمضي .. لنتفاجأ في الصباح بها“
تساءلت كيف يعرف أن هذا الجدار عبارة عن محيط غض بداخله كل هذه الحيوات ، ليخرجها بقطعة فحم وحنين قلب .. أحياناً تشعر بأنه صريع لعنات الحرب.. وأحياناً أخرى تجده العاشق المجروح.
قالت لي حين سألتها عن مكانه :”إذا ما أردت آندرو فستجده قرب أسوار المستشفى “ وحين اعتلتني الدهشة قالت : ”ستعرفه بسهولة ، هو يمتهن علبة ورنيش“
انطلقت أبحث عنه هناك ، وقضيت ثلاث ساعات بدت لي كأنها سنوات طويلة ... ثم كان انشداه اللقاء به أجمل من لقاء حبيبة طالت رحلة أسفارها ، كان يشبهني في تركيبة الجسد ، نحيل اخترق الحزن قلبه ، ونبتت له شعيرات بيضاء في قلبه
حتى اشتعلت الابتسامة على شفتيه. اقتربت منه وألقيت عليه السلام ، علّها تكون برداً على روحه الممزقة بين حنين أرض الأمة وسماء الرصاص .. قلت : ”عذراً يارفيق ، أحتاج أن أرتق حذائي، قد أصابه فتق من شدة ما راودته الأرصفة عن نفسه“. وحاولت الدنو إليه عبر اللغة. لكن ما أذهل ظلي وجعله يخرج ويجلس بقربنا وهو يردد آيات التسامي لهكذا إنسان وهكذا روح أنه قال:
- ”الروح نافذة الشتاء ياسيدي ،
وما الدموع إلا مطر ..
تغزل للقلب معطفاً ،
علَّه يخفف إيلام الشتاء“.
- ”أرسامٌ وشاعرٌ أيضاً“
ضحك وعيناه غارقتان في الحزن ، في محاولات للهروب من الدمار.
قلت :
- ”تلك اللوحات التي رسمتها يا آندرو ، قتلت ذاكرتي“
شدَّ آندرو الحذاء بين أصابعه :
”أنا لا أجيد الرسم ياصاحبي ، فمنذ لحظة تكويني أنا ابن ضال لهذه الشوارع ، حتى أنني لا أعرف من الذي أطلق عليَّ اسم آندرو ولا أعرف شيئاً عن أمي .. ولا إذا ما كنت ابناً لها عن طريق رباط مقدس أم مجرد دنس. كل ما أعرفه هو أن الحروب والمخاوف طاردتها وعصفت بها ، لتتركني أواجه لعنة الرصاص في هذه المدينة .. الجوع أحياناً يجعل مني وحشاً ، فالإنسان أشبه بالوحش عندما تتغلب عليه شهوته ويصبح العقل خاوياً ، يبحث عن سبل الاشباع ... فعندما يأتي الشتاء تجد أن الأزقة باتت فارغة من الرحمة إلا تلك التي تمنحك الدفء. إن الأحلام ليست سوى ذكريات مصفرة تحاكي الموت ، وإن كان الموت يعاف أطفال الشوارع ...“
حاولت أن أقاطعه ، شعرت بأن آندرو لو باح بذاك الوجع للماء لخدشه ، ولأصبح الشرخ فيها جُبّاً يكتم أسراره. مازحته خجِلاً .. واجتهدت أن أرسم ضوء ضحكة في عينيه ، لكن الحزن كان شيئاً هلامياً أكبر منه ومني.
قال :
- ”لا أدري ما الذي جعلني أبوح لك بهذا الوجع ، فأنا لا أحب أن أبصر في عيون العابرين الشفقة ، لأنها تقتل الإحساس بالأمل ، فإذا كانت هذه الحياة علبة ألوان فإن لون الحضور هو لون الأمل. لكن لا عليك ، إن الإنسان في النهاية هو ابن شهوة ما ، لرجل تجرد من العقل وأفضى كل حيواناته في رحم الأرض. وإذا غفل القدر لحظة واحدة كان أحد ما على ظهر هذه الدنيا حضور“.
- ”إن تلك اللوحات المعلقة على الجدران ، كأنها تقويم للإنسانية ، ربما تبدأ منك ، لكنها تنتهي عندنا“
- ”أحياناً أفكر بأن رسوماتي تطير ، تحلق نحو أبي وتحفه .. ليقرأها بإحساس الأبوة ، ويترجم توقيعي إلي كلمة أحبك. نعم ، أنا أحب أبي وإن لم أره. لكن روحي أبصرت إليه في عوالم أشبه بالغيبيات. ففي كل مساء أتخيل بأنني نائم في أحضان أمي ، وأن أبي يجدني ويضع على جبيني قبلة. قبلة مسروقة ، أشعر بها فقط في أحلامي ، وأتحسس أثرها عند الصباح . حين أجد نفسي قرب قسم البوليس... هه ، خذ حذاءك يا رفيق ، أصبح جاهزاً الآن“.
تملكت الرهبة كل جسدي ، روحي اصبحت ثقيلة عليّ ، شعرت بشلل لحظي ، فهذا الإنسان الذي بحثت عنه كان قلبه ينزف بشدة جعلته كأنه وردة في عمق غابات الصبار ، إن حاولت استنشاق عبيرها أدمتك الأشواك. إنه تماماً كالموت الذي يتربص بنا.
مضيت مسرعاً ، وكانت كل خطوة مني صلاة ودعاء لصديقي من أن يُشفى جرحه النازف. كانت لحظة خروجي منه هي لحظة خروج الفكرة من لوحته ، مجرد طور سنين .. عندما وصلت إلى المنزل أغلقت غرفتي وجلست أرتعد .. جعلتني التداعيات أطرد الضوء من غرفتي ، معتزلاً العالم الخارجي في عزلة قسرية ، علني أجد فيها شيئاً من الخلاص الذي أبحث عنه منذ ولدت ..
جاءني صوت ما ، من هلوسات اضطرابي ، ضرب مسمعي وأنهكني :
- ”الخلاص يا هذا لن يكون خلف الحسرة أو إشعال لفافات السجائر وارتشاف القهوة .. انهض وامضِ حيث تمضي“.
نهضت بعد ثلاتة أيام كنت فيها سجين العتمة والحزن ، وكانت رسومات آندرو قضباني ، هو يحتاج أن يخرج من التابوت الذي أوجدته له الأيام ، وأنا أحتاج للخروج من شرنقة الوحدة التي وهبني لها الشك. سرت متهادياً ، داخل الأزقة المزركشة بالرسوم. قادتني قدماي لرسمة الأم المقتولة قرب بائعة الشاي ، كنت أشعر بخنقة ، ويداي ترتجفان ، وحين تخطيت قلقي وابتسمت للحياة. كانت اللوحة تبدو لي أكثر صدقاً من أي وقت مضى ، كأنها تتنفس ... وحين استغرقت فيها مطولاً قالت لي بائعة الشاي : ” أيُّها العابرُ لا أدري ما الذي سأقوله لك ، ولكني سمعت بأن آندرو التحق بالحرب ...“
شعرت بوخزة في قلبي ، جف ريق الحياة من شفتي ، كأنني غبت عن الإدراك .. فكيف تُسرق الأحلام قبل اكتمالها ، وكيف لفنان أن يقتل ويُقتل ، لماذا نهرب عندما نجد أنفسنا عراة أمام الحقيقة ، ووسط هذا الزحام وجدت لوحة أخري ، رسمها آندرو على ما يبدو حديثاً ؛ لجسد مبتسم يحتضن لعبة عروس صغيرة وحولة تتناثر محتويات صندوق الأورنيش.
صرخت فزعاً باسمه ، أطبقتْ عليَّ اللوحات والجدران ، ضاقت الأزقة ، ناديته علّه يرد ويودعني ، لكن كيف له أن يأتي من غيابات العتمة .. بكيت كما لم أبكِ من قبل ، انهرت تماماً لحقيقة أن الحياة بلا معنى .. وفي ذهني حاصرتني اللوحات والبنادق والدم.
×××××××
” أتدرين يا أمي ،
كبرتُ ...
ولم أسمع يوماً ابتهالاتك ..
ولم تطرق مسمعي ”أحبكَ صغيري“،
وبدلاً عنك ،
احتضنتي الشوارع والأزقة ،
ففي كل مساء ،
مع الأحلام التي هي أنتِ..
كنت افتقد دفئك .
وأتمرق في حضن البرد.
وعند الصبح ،
أرسمك .. وأرسمني ، جنباً لجنب ،
علّنا نلتقي في لون ما .. .
لا شئ هنا ،
قلبي معلق علي الجدران ،
الفراغ يسد المسافة بيننا ..
إلي أين نهرب ؟!
والعيون ما عادت تحتمل ،
خذي مني البوح ودقي مسماراً آخراً علي الجسد ..
علي نعشي ،
واصلبيني علي قارعة الطريق.
قُم أيها المارد ..
ومُت في كبتك ،
وصلِ علي هذه الروح ،
صلِ صلاة الغياب.!“
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وعن قصَّة "موت على الجدار"، ورد في تقرير لجنة المُحَكِّمين ما يلي:

إن قصِّة (موت على الجدار) تقرر حقيقة هي: أن عناصر القَصِّ مستمدة من الواقع الاجتماعي والفكري والثقافي، فهي بذلك مجموعة – صور – مأخوذة لنوع معين من الحياة الإنسانية في الحيز الزماني والمكاني والوظيفي، وصورة أبلغ من الحقيقة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

القَصَّة الفائزة بالجائزة الثالثة (تقديرية ومادية - مشتركة):


قِصَّة أُذْن فِنْسَنْتْ فَان جُوخ

أيمن هاشم سيد أحمد



قال فينسنت : بإمكاني إهداؤك أذني . ثم أخذ موسى الحلاقة وقطع ذؤابة أذنه ، أو قطعها كلها – يا للثور المسكين – لابد أن الأمر كان مؤلماً ، و سخرية غوغان ستكون أشد ، لكن ماذا لو كان من قطعها هو غوغان بعد أن طرح فينسنت أرضاً و هزمه كما كان يهزمه في الحصول على عشيقة ، أو ربما بسبب تطرفه قطعها كلها ، قد يكون من لفق كل هذه القصة صديقه الذي ضايقته نوبات الفزع . لف فينسنت فان جوخ أذنه في كيس أو حشرها في علبة أعواد ثقاب – هي الأن شهيدة حب – ثم أرسلها للمبغى للفتاة التي أحبها ، كانت قد أبدت له إعجابها بأذنه الصغيرة من قبل فردت في سذاجة :" شكراً " رفعتها لتطابقها مع أذنها لتعرف هل كانت أذنه اليمنى أم اليسرى ، ثم إبتسمت قائلة – إنها جميلة . ضغطت عليها لتتأكد أنها حقيقية و لتمسح بقع الدم الصغيرة منها ثم همست لها ببعض الكلمات ، التي لم نتأكد منها بعد لأن أبواب المبغى ستغلق و عليها حمل هديتها تلك بهدوء خوفاً أن يبصرها بعض الزبائن فيفسد الأمر عليها . دستها في حمالة الصدر ربما أو في مكان ما أكثر لطف يليق بأذن ستسمع خفقات قلبها ، كان فينسنت قد قطعها بعشوائية ، لكن أتراه تحسس موضعها – فطالما كان صراخ والديه قبل الطلاق يسبب له نوبات ذعر حادة ، كانت حمراء و صغيرة و ربما كان بها جزء من شعر ذقنه الأحمر ، بدت لدنة و محتفظة بمرونة موحية بالقشعريرة ، جعلتها تفكر كم مرة سمع فينسنت كلام معسول بهذا العضو الذي بين يديها ، و كم مرة سمع أنين إمرأة عند ممارسة الجنس ، و كم من القصائد تلا على غيرها ، شعرت بها كانها متصلة برقبة فينسنت و فكه الملئ بشعيرات الذقن الحمراء فيما هي تتخيل كل ذلك أحست بقبلة على شحمة أذنها . كان ذلك حينما جاءهم فينسنت الملحاح كطفل ليقابلها ، و قد حظي بإستقبال العائلة و طلب رؤيتها ، كان ما سمعته و هي في الطابق العلوي صراخهم فقط و والدها يمسك بالشمعه التي كادت أن تنطفئ لأن فينسنت وضع يده عليها حتى فقد وعيه . صوتها و هي تهبط على درجات السلم بحذائها ذو الكعب المسماري العالي و هي رافعة فستانها هو الصوت الوحيد الذي ميزته أذن فينسنت الملقى على البلاط الخشبي البارد . أخفت الفتاة الأذن بحرص تحت معطفها الواقي من المطر ، فقد بدت أكثر دفئاً و كانت تسمع دقات قلبها و ظلت ساكنة تتوسد الليل البهيم الذي طالما أرق فينسنت فان جوخ . إزدادت حدة المطر ، و كان الليل قد داهم كل شئ ، و تبلل شعرها المكشوف ، كان بمقدور الأذن سماع صوت المذياع من سيارة الأجرة معلناً نجاح دول الحلفاء في إحدى الجبهات ، أوربا مريضة جدا هذه الأيام و سماؤها مصابة بالغارات المفاجئة ، تطلعت بنظرها لسماء الساحل الشمالي و بدت كأنها مشتعلة و كأن فينسنت مازال ممسكاً بالنجوم المتقدة ، ثم علمت أن النساء الحوامل و الأشخاص المكتئبين و الأزواج الجدد ينبغي أن يأووا إلى فراشهم مبكرين كل يخلد لطقوسه التافهه ليزيلها ضباب يوم أخر . إبتعدت عن الطريق و الذي مازال به بعض الضجيج خشية أن تؤذي الضوضاء تلك الأذن المحبوبة ، و لكن كيف سيسمع فنسنت خبر تفوق الحلفاء – آه هو لا يكترث – قد يكون مكانها مضمد بالقماش الذي يمسح به لوحاته ، و معقمة بكحول قديم تركه غوغان . عبر الطريق إلى المنزل سمعت شجار عاشقين من أخر الرواق ، كان عتاب العاشق ظريفا فقد أمسك بأذن عشيقته كطفلة معاقبة و ربما هذا يؤذي شعور الهدية ، قالت : يا للملاعين ! بدا الشاب العاشق ذوالذقن الحمراء كأنه فان جوخ و إلتفت ناحيتها و لم تشعر أن خطواتها لم تكن تبتعد بل كانت تقترب لتتفحص ملامحهم و غمغمت و كانت تفكر في الجميع فنانين أو شعراء ، مجانين أو عشاق كل من يكابد و يشقى و كل من ذرف الدمع و كل من تاورته نشوة حين سماعه أغنية في الأزقة المظلمة التي لا تصلح لنمو الورد ، ثم أزعجتها حشرة صغيرة أبدت معها إشارة لامبالاة للعشاق و للحشرة . تجنبت الباب الأمامي و دخلت عبر باب القبو الذي تراكم الطين عنده ثم إنسلت للداخل و وضعت حقيبتها على الطاولة و بفزع أخرجت الأذن الدافئة و أضاءت المصباح و خلعت قميصها – تاركة للأذن العارية فرصة تأمل ذلك الجسد المصقول – و سماع حفيف خلع حمالة الصدر – بدا الصوت سماوياً . تعودت الأذن دفء الغرفة و صوت المطر الذي بدأ بالهطول و قالت : - غرفتك جميلة . أجابتها بلامبالاة – لم يسبق لي ممارسة الحب مع أحد في العلية . ثم أمسكت بالأذن و وضعتها في أكثر الأماكن إستحقاقاً للطعن ، فبدت النبضات تآوهات جميلة حتى همدت في نومة أنيقة . في الصباح كانت زهرة الشمس الموضوعه على أصيص كأنها تصلي صلاة شكر و بدأت الفتاة الممدة على السرير في التحرك الشهواني الكسول . راحت تتحسس الأذن التي إلتأمت مكان أذنها – التي ربما ملت منها ليلة أمس – فأرادت أن تسمع الصباح بأذن فنسنت – كما كان يوقع اسمه على لوحاته مخافة أن ينطق الفرنسين إسم عائلته بشكل غير صحيح . تساءلت : ماذا كان سيسمع فنسنت في الصباح ، و عندما كان يلوي رقبته ليطقطقها هل يتحسس أذنه بإهمال أم يمنحها حكة بسبب الوسادة الخشنة . أم كان يتوقع و يمنح أذنه حق توقع إسمها في الصباح – أه ياللقديس المسكين – ثم داعبت خصلات شعرها التي إنسدلت معظمها في جانب الأذن الجميلة الجديدة . المسافة بالأميال من مرسم فنسنت – غرفته القديمة ، لو كان بإمكان الأذن العودة عبر تلك المسافة من الغرفة التي لم يصعد إليها فنسنت لصارت مثل طائر دوري صغيرملون بعنف فنسنت .أسدلت الستارة على نافذتها الزجاجية ثم لاح لها جانبها كأن هنالك أحد أخر في الغرفة ثم زجت النافذة بعنف بسبب خوفها . دخلت الحمام و هي تحمل الشرشف للتجفيف و تضعه على رأسها ، ما إن وضعته على المسمار و إنعكس جسمها على المرأة حتى قالت الأذن : - أوه ياللقدير . لكنها سمعتها بالأذن الأخرى خاصتها ثم قالت لها تأدبي .. ثم رفعت زراعها كاشفة عن إبطها و رشت المياه من الأعلى و غرقت الأذن بين الصابون و المياه . و ما إن بدأت بتجفيف شعرها ، تحسست بيديها باقي جسمها لتنقل صوت الأجزاء الأخرى و عبق بشرتها . ربما ستزور فنسنت لتعيد له هديته الثرثارة أو تشكره أو تمنحه قبلة أو تخبره أن ذراعه أيضاً جميلة ، لكن الضباب كثيف فجذبت الستائر ، نظرت بتثاقل إلى المارة لعلها تشاهد فان جوخ المجنون و هو يضطرب في مشيته أو يتلفت و يلفه الضباب . همست لها الأذن برغبتها بالعودة إلى الفِراش و رقدت مواجهة إياها بعد أن خلعتها مجدداً ، فكرت في تركيب قرط ، ثم بدرت منها ضحكة إغراء و تثاءبت بشكل عالي و فتحت قميصها القطني و ضمت الأذن إلى صدرها في المنتصف تماماً ، كان ثمة نبض رقيق ، ثم أطفأت الإضاءة ، بدا فكها البيضاوي شهياً لقبلة جانبية – ستكونين لي ، لم نعرف من قالها أولاً – الأذن أم العشيقة ، قربتها من شفتيها فقبلت شحمة الأذن حتى سرت رعدة محببة ثم همست لها بأحاديث كثيرة ، تحفزت الشياطين التي راحت ترقص في جسدها ثم تدفق الدم ، و بحنو وضعتها بالقرب من أسفل بطنها ، كانت تتوق لسماع صوت ترديد الوسادة للريح و صوت نزول الماء . و ربما كلام فان جوخ المعسول القادم من عدة أميال . - هنالك ضيف ينتظرك بالأسفل . و قبل أن تكمل والدتها جملتها ، إرتدت فستانها ذو الفتحة عند الصدر ، كانت الأذن تتوق لتسمع صوت ركضهما بين السرير و الباب ثم على أماكن تخصها ، قبلتها كطفل كما لو أن تأوهات فنسنت و هو يمسك بالموس تصلها الآن .

آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الاثنين مايو 30, 2016 3:41 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

عن قِصَّة "أذن فينست فان جوغ"، جاء في تقرير لجنة المُحَكِّمين:

تستخدم قِصَّة "أذن فينست فان جوغ" اللغة التصويرية التي مجالها المحسوسات – استخداماً دلالياً من خلال تحويل الحدث الوقائعي المباشر إلى دلالة معنوية عن طريق رصد الفعل ورد الفعل عبر ذهن الشخصية الفنية وإحساسها وشعورها بهما.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

القَصَّة الفائزة بالجائزة الثالثة (تقديرية ومادية - مشتركة):



جو العجوز الأسود - Old Black Joe

محمد التجاني



"الناس قد يتواجدون في كل مكان، لكنهم لا يصادفون بعضهم الا في المكان المناسب"، خطرت بذهني هذه المقولة -التي لا اذكر قائلها- بينما انا جالس في صالة انتظار عيادة أسنان، يبدوا انها صحيحة، فما اكثر مكان مناسبٍ لتصادف فيه طبيب اسنان؟ عيادة اسنان؟، نعم انها صحيحة لكنها بلا معنى، صحيحة بلا معنى.

وكما عادتي السيئة في اوقات الانتظار، وجدت نفسي أتطفل على كل شيء، اراقب كل حركة و كل سكون، بدءاً بالحوائط، والمقاعد، فالسقف ،ثم علكة ابيضت في فم موظفة الاستقبال، فالسقف مجدداً و حتى الساعة التي تتوقف عقاربها كل دقيقة لتستريح ثانيتين ومن ثم تعاود دفع ساقية الزمان مجدداً، والمنتظرون يهمهمون ان ارتووا، لقد ارتووا زمانا، لكن من يبالي؟.

"اعتقد ان اسمه (جو)" قلت محدثا نفسي، فلم توحي إلي هيئة رجل كبير في السن لمحته جالساً بين الجلوس الا بتلك الكلمة، إنه يشبه الى حد ما اغنية رعاة بقر قديمة، اغنية تعيسة ومرحة في ذات الان، حياة راعي بقر في الغرب الامريكي لابد ان تكون معا تعيسة ومرحة، ماذا كان اسم الاغنية؟، نعم اسمها "جو العجوز الاسود". أخذت أتفحص"جو" في كل تفاصيله مدندناً كلماتها:

"ذهبت الايام حين قلبي كان شاباً و مرحاً..
ذهب أصدقاء حقول القطن بعيداً ..
ذهبوا من الأرض لأرضٍ أفضـ.."

قاطعت نظراته القلقة اغنيتي، لا، إن "جو" يحاول استراق النظرات، يبدوا ان بيننا اشياء مشتركة .. وكلما التقت اعيننا، تصنع النظر الى كل شيء الا انا..
لست متأكداً، ربما لم يتعمد النظر إلي..
على كل حال، هذا لا يهم، ماذا كنت اقول؟:

"ذهب أصدقاء حقول القطن بعيداً
ذهبوا من الأرض لأرضٍ أفضل أعرفها"

بدأ يتململ في مقعده، يمسح على شعره الأشيب، يحني راسه تارة ويرفعها اخرى ومن ثم يدندن اغانٍ خلقها لتوهِ. كنت لأفعل أي شيء مقابل سماع ماذا يغني،
بين الحين والاخر أراه يتلفت ليقرأ وجوه من حوله، هل هم من النوع الذي ينصت؟

"أسمع تلك الاصوات الناعمة تنادي:"جو العجوز الاسود""

أحسست به يود الحديث، اعرف هذا النوع من الناس، ذلك الذي يشعر بوحدة قاتلة رغم ان الكثيرين حوله، قد يسمعون احياناً ما يقول، يستمعون بآذانهم، لكنهم ابداً لا ينصتون.
التقت اعيننا في لحظة ما، ظللنا محدقين لبعضنا، وكأنما كنا نلعب تلك اللعبة الصبيانية، من ترف عينه يخسر، لم ارد اشاحة نظري ولم ارد الاستمرار في التحديق، في مثل هذه الحال، كل الخيارات سيئة، إننا راعيا بقرٍ متوتران، البلدة الموحشة ميدان معركتنا، حركة واحدة خاطئة وينتهي كل شيء، نادت موظفة الاستقبال باسم احداهن، فقامت عجوز كانت بجانبي وحالت في مشيتها البطيئة بيني وبين "جو"، لقد اعطت لكل منا فرصة ليشيح بنظره بعيداً.

"اني آتٍ ، اني آتٍ و رأسي ينحني منخفضا"

قام من مجلسه متجهاً نحوي، او ربما نحو مكاني، فعلى كل حال لست الا شخصاً ما لا يهم، وبعد لحظة صار جالساً في مقعد المرأة التي قامت لتوها . الان هو الوقت المناسب ليكون ما يريد. سيتحدث بلا مقدمات وفي اية لحظة، قلت سابقاً انني اعرف مثل هذا النوع،لن يسألني عن اسمي، او ان كنت ادرس ام اعمل ام لا، هل انا متزوج؟،وهل زوجتي متطلبة ام لا، هل انجبت لي طفلاً جميلاً؟، انه لن يفعل، و ربما ينتظر مني مقابلته بالمثل. لا يهمه من انا بقدر ما يهمه اننا هنا معاً و الآن، كل ما علي فعله الآن هو ان اهدأ و ابدوا منصتاً.

"اسمع تلك الاصوات الناعمة تنادي:"جو العجوز الاسود"
اني آتٍ ، اني آتٍ و رأسي ينحني منخفضا"

اتوقع انه سيذكر الكثير ، سيذكر اشياء كثيرة مهمة، وقد اكون محظوظاً، ويتكلم بعظيمٍ فعله ولم يدر به احد، انا فقط من سيعرف، حصل شيء ما اشبه بملحمة بطولية، وكان فيه جو الفارس المغوار، انه هو الرجل الطيب الشجاع الحليم الشريف الوفي الكريم له الاسماء الحسنى، بينما كل العالم غارق في قذارته آنذاك.
بالطبع سيذكر عظائم افعاله و ليس رياءً، لا، ليست الامور دائماً بهذه البساطة، كل شيء سببه قلق يخفق في الصدر، هذه الهيئة الضعيفة، كيف لها ان تحمل وجودي؟، جو ليس مخبولاً لكن فقط هكذا تسير الأمور. اعني، ليس هناك دليل كافٍ لوجوده هو قبل قليل جالساً صامتاً في مقعد والان هو في آخر .. احيانا، تكون الذاكرة هي الدليل الأخير على الوجود؛ لهذا، فلا سبيل إلا العراك مع العدم بالتصرف كالالهة الخالدة، بالتململ في عرشها، التسلي بخلق الدندنة و اخيراً بالتحدث بمجد الخلق امام العبيد.

"لما ابكي حين يجدر بقلبي ألا يحس بألم؟"

من يدري .. ربما كل ما جرى ويجري مزاح ثقيل .. علينا ان نطمئن انفسنا حيناً بعد آخر بالتحدث .. علينا ان نتحدث ..
انا اتحدث .. اذاً انا موجود! ..
سيملي اسماء كل مشاهير اليوم الذين تربطهم معه علاقة طيبة .. في الواقع، كانو جميعاً عاديين ولكن ولوهلة اختلفت الامور بينما استمرت كما العادة بالنسبة له، اليس هذا دليلاً واضحاً على مزاح احدٍ ما بقسوة؟!،
لكنه لا يبالي بالشهرة والمال،كل مافي الامر ان قلبه حزين؛ فالشعور بالوحدة هو اسوأ ما قد يشعر به رجل عجوز.

"لماذا اتحسر واصدقائي لن يأتون مجدداً؟"

سيتكلم "جو" في اية لحظة،انا موقنٌ من هذا،
لديه في داخل فمه لسان شهد سنيناً طويلة،
الم يمكنه من تزوق سكاكر مزهلة حين كان جو صغيراً؟، حينها جعل عيناه تتسعان دهشة. كبر جو قليلاً وجعل عيناه تغمضان حباً. حصل ذلك بعد ان تلوّى نفس هذا اللسان بكلماتٍ ثملة نعسة، واصل جو التقدم في السن، وفي يوم عادي، كأي يوم عادي تكون فيه الامور على طبيعتها، نفس طعم قهوة الصباج ونفس الجبن و الخبز، نفس دخان التبغ الرديء، فجأءة، أصاب اللسان خدر شديد، شيء ما فظيع يجري بالخارج، "جو" يشعر بكثير من الحزن دفعة واحدة، ومرارة اكثر ألمت بلسانه، يبدوا ان احداً ما عزيز رحل، عزيزٌ ما رحل، انقضى الحزن تدريجياً بعد فترة ليست بقصيرة، كما زال الخدر شيئاً فشيئاً، و من ثم وجد نفسه يغرق في كثير من الكحول، يبدوا ان للنحيب بقية، كان يغرق مراراً لكن بلا موت، يااه، هل تذكر السكاكر؟، تلك المرارة أنسته كيف كانت السكاكر، انسته طعم المحبة ، لا! لا تذكر المحبة!، كل من ذاقها يوماً تحتمت عليه المرارة ذات يوم، هكذا تعلمت كل الالسنة. قد يغرق بعدها البعض في اللامعنى او اللاطعم ، وقد ينجو البعض، ومن ينجو من الغرق يصير واهناً، قد يتزوق السكاكر وأحمر الشفاه، لكنها باهتة، بلا دهشة ،بلا حب.

"نحزن الان على أشياء غادرت منذ أمد بعيد"

هناك فترة فارقة في الحياة، قد نكون محظوظين في البداية لاننا احياء، قد نجد وقد نفقد، قد نشقى وقد نسعد، لكن هناك شيء ما نتفق عليه جميعاً، في فترة ما نبدأ بالانحسار، ان زهرة الحياة تبدأ بالزبول، ولا شيء حقاً ليكبح ارادة الفناء داخلها، ولا شيء ايضاً ليهديء ذلك الخفقان القلق في النفوس، لا شيء سيوقف الصراخ والنحيب في داخلنا.
على كل حال، سيحاول مواساة نفسه لا محالة،مواساتها و شَغلها بعيداً عن تذكر النهاية، شغلها بكافة الطرق..

"اسمع اصواتهم الناعمة تنادي:"جو العجوز الاسود""

لازلت احس به يتململ، يداه لا تمكثان على حال طويلاً،"ذهب أصدقاء حقول القطن بعيدا"ً هناك اشياء ما لم يطلعني عليها بعد "ذهبوا من الأرض لأرضٍ أفضل أعرفها"، اشعربأمجاد الماضي تأخذ منحى الهيستيريا "لما ابكي حين يجدر بقلبي ألا يحس بألم؟" زادت حدة الاشياء، الرغبة في الخلق استحالت نزعة ماجنة للتدمير "اني آتٍ ، اني آتٍ و رأسي ينحني منخفضا" ، هل حانت النهاية حقاً؟ هل الاتي جديد تماماً؟..
تسمر جو في مكانه وصمتت الاغنية في رأسي،
نفث هواءً ثقيلاً قديماً، وكأنما كان يحمله منذ ولد.
عم السكون لبرهة ثم قال :"دنيا رايحة"،
هذا كل شيء؟ هل هذا كل ما ضاق به صدرك منذ البداية؟ كلمتان فقط:"دنيا رايحة"؟!
اين تلك التعاسة المفرطة؟، اين المرارة التي شل بسبها لسانك؟، الان يبدو عليه الارتياح بعد ان بصقهما عليّ.
قال جو:" هل تدرس؟"، قلت في نفسي ليس المفترض بك ان تفعل هذا، اجبت بالايجاب ، وكان سؤاله مستهلاً لحديث لطيف، اعتقد ان جو ليس تعيساً للغاية، اعني لابد ان يكون كذلك، لكنه ليس للغاية، كما ان اسمه "حسن"، لكن هذا لا يعنيني، كان يتحدث وحده، يسألني كثيراً احياناً واجيب باقتضاب، ويعم الصمت احياناً اخرى، لم ارد طرح الاسئلة، اخاف حقاً ان يفسد كل شيء، لا اعلم ربما يكون جو على شاكلة احد معارفي، كنت ذات مرة اجري معه حديثاً لطيفاً، قاطعني قائلاً :"انت تتوهم كل شيء"، انه احمق كبير، لكن جو هذا مختلف، على كل حال، ساكتفي بالانصات، هذا كل ما يرغب به رجل عجوز.
جو الان هاديء وخافت الكلمات، انها منسابة غضة متباعدة كشجيرات خلاة في طريق ترحالٍ الى الديار، لم يزل الديار بعيداً، من يدري، قد يكون قريباً للغاية، ربما هو ليس بكل هذا الجنون، الا يمكن ان يكون مظلماً ظلمة الاستلقاء في سلام؟. انبثقت بسمة مشرقة تلو أخرى عن ذكرى ما، ذكرى ما لم يتحدث بها، انها تخصه وحده، قد تكون النعيم او اللاشيء. اياً يكن، فالحبور يتملكه لأن لا جحيم.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وعن قِصَّة "جُو: العجوز الأسوَد"، وَرَدَ في تقرير لجنة المُحَكِّمين:


إن استهلال الحدث في قِصَّة "جُو: العجوز الأسوَد" من نقطة في الحاضر قربية جداً من لحظة التأزُّم، يُكسِب النص القصصي طابعاً درامياً مليئاً بالصراع والحركة، مما يدخل القاريء في عالم القِصَّة التخييلي بكل أبعاده.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

القِصَّةُ التي نالت الجائزة التاسعة (تقديرية):



شَعْر أفريقي خَشِن

طلال الطيب




أنا رجل عادي جدا ، وليس لهذا معنى . أقصد بأني من النوع الذي إذا جلس بالقرب منك فلن يثير إنتباهك . أحمل كيس فيه طماطم وربع جبنة وليمون ورغيف .
أعمل في وظيفة عادية لولا أنني أخذ مرتب في كل شهر فلن يلاحظ أحد بأني أعمل ولن ألاحظ أنا بأني أعمل .
أقصى ما أستطيع فعله من حركة وتغير في الكون أنني أغسل السكين وأقطع الطماطم وأخلطها بالجبنة وأكل . هل أخبرتك بأني نباتي ؟
أنا لست كذلك ؛ لأني لا أحب اللحم ، لكن ذات يوم إشتريت ربع كيلو لحمة وبينما أنا أغسلها وجدت قطعة صغيرة من الجلد . أذكر أني حملتها بحذر شديد ، شممتها وعرفت بأنها قطعة من جلد كلب !
ذهبت إلى الشارع وإقتربت من كلب الجيران الطيب وهو أيضا علم بأني أحمل قطعة جلد كلب ، فكشر عن أنيابه وأبرز مخالبه وأخذ يضرب الأرض بجنون !
لم يتبقى له إلا أن يقفز على عنقي ويعضه . فعلا هو كلب طيب كان يبصبص بذيله كلما رأني !
لا أعرف ما الذي يعجبه في لكن يبدو أن للكلاب قدرة كبيرة على أن تحب أي أحد ( الكلب بريد خناقوا ) أتحسس عنقي كلما تذكرت هذه العبارة .
المهم منذ ذلك اليوم أخذت فقط أكل النبات وأحيانا السمك .
حياتي تسير بسلاسة ، يحسدني عليها الكثيرون . لا أستدين من أحد ، لا أخرج للنادي حتى أثرثر مع أحد ، لا أمارس هواية معينة .
أحيانا أتصل بأمي ليس لأني أحتاج لحنانها بل لأني لا أريد أن أبدو كناكر للجميل ، في كل مرة يأتي عيد ميلادي أتذكر بأنها تألمت كثيرا في هذا اليوم فأشتري لها هدية . من السهل أن أشتري لها الهدايا فأنا أعلم الأشياء التي تحتاجها والتي تكرهها .
سوف أبدو رتيبا لو حدثتك عن إمرأة أحبها ، لا بأس الحياة أصلا رتيبة . ألم تفكر بأن القمر يدور حول الأرض منذ سالف العصر والدهور ، أقصد بأن نفس القمر رأه فرعون ذات يوم في طفولته ولعله أثار فيه شجونا رومانسية ، حتى الإكسندر العظيم حلم بأن يطير إليه بخيول من نار ! أه أقصد بأن الرتابة صفة وجودية .
المهم أنا أحب جارتي لحسن حظي ، فكلما كان من تحب قريبا منك كلما كانت حياتك أفضل لكن ليس دائما . هي بنت جامعية لعلي أكبرها بأربع سنوات لكنها أجمل مني بكثير .
قبل أن تغلق الحكومة إذاعة بي بي سي كنت أرقد على سريري ، أرتدي عراقي ، وأضع رادي فوق الطاولة وأسمعها ، لا أقصد بأني أسمع الإذاعة بل أسمعها هي . كانت تدرس أطفال الحي الحساب والأنجليزي والعربي في حوش بيتها .
أتخيل لو تزوجتها سوف تنقل لوحها الأسود إلى هنا وتدرس أطفال الحي .
أتخيل بأني سوف أطلب منها أن تتوقف عن ذلك وحينها سوف أبدو حقا مثل وغد حقيقي .
هي ليست جميلة جدا ، لكنها تعجبني فكلما رأيتها يخفق قلبي بشدة ، أحيانا يستحسن أن تتزوج تلك التي كلما رأيتها تزداد نبضات قلبك .
لها شعر أفريقي خشن ، شعر كثيف جدا . لو أطلقته سوف تبدو مثل مغنية الجاز نينا سيمون .
غير أن لها إبتسامة جميلة ، تغريك بأن تعانقها .أن تكون معها . وهي سمينة قليلا ، أقصد بانها لو وضعت قدمها فوق قدمك من غير قصد سوف تتألم كثيرا لكنك سوف تنسى الألم عندما تعتذر إليك بابتسامة جذابة وصوت يشبه زفير الغابة .
بالتأكيد غيرتني كأني كنت رمادي فصبت علي كل ما في الفرشاة من ألوان .
من السوق العربي إشتريت دواوين شعر صغيرة نسبيا لنزار قباني الذي كنت أعتبره مجرد صعلوك ! وفهمت أخيرا عن ماذا كان هذا الوغد - الذي له وجه قط عجوز أغبر أره في أنحاء البيت أحيانا - يتحدث . كان يتحدث عن النساء بكل ألوانهن وأشكالهن .
وبعدها إنتقلت لمجلة العربي الثقافية وهذه جعلتني أقرأ الكتب وهي لا تزال تدرس الأطفال . صوتها يكرر I فيقول الأطفال : I
_ I,am
يردد الأطفال : I,am
وأنا كل مرة أقول : I love you .
لابد بأني كنت مثيرا للشفقة بالنسبة للسماء إذا كانت تسمع وأنا أقول هذه العبارة للفراغ ، لا لشيء أخر . أنا إعتبرت هذا نوع من التقدم . أحتاج فقط إلى الكلمات ، والقراءة سوف تساعدني على إيجادها .
ذات مرة شاهدت فيلم أمريكي عن شاب أسود موهوب يحب الكتابة فيتعرف على كاتب مشهور إختار شقته منفى له . هذا الكاتب نصحه بأن يقدم لحبيبته هدية مفاجئة ، فأهداها كتابا.
لا بأس أن تأخذ النصائح من الأفلام . بعد أن إنتهيت من عملي ، ذهبت إلى الدار السودانية للكتب مكان أصبحت أذهب إليه بعد أن تغيرت . إشتريت رواية ميرامار لنجيب محفوظ . تعجبني هذه الرواية فيها شخصية زهرة وهي شخصية رائعة .
ولحسن الحظ صادفتها تحاول أن تدفع الباب لتدخل . لم أتردد وأنا أخطوا نحوها بل كنت أشعر بالسعادة كلما إقتربت منها ، حتى دخلت إلى نطاق جاذبيتها .عطرها ، قميصها الذهبي بتفصيل أفريقي ، شعرها الذي تربطه بقماش أزرق . حبات عرق عذبة تلمع على جبينها ، خديها الكبيريين ، شفتيها الطيبتين .
وأنت بطبيعة الحال تكون شجاعا ما دمت سوف تعطيها رواية أو أي شيء .
مددت إليها الكتاب . وقلت لها : خذيه هدية !
وندمت أنني تركتها بعد كلامي البسيط هذا . لم ألتفت إلا بعد سماعي لصوت الباب الذي جزء منه حديد والأخر خشب يصدر ذلك الصوت المميز عندما يفتح .
قالت لي : شكرا . إستطاعت أن تسمعها لي ؛ لأنها إعتادت أن تسمع من يكون بعيدا مثل طفل يجلس في أخر مقعد ، رمت الكلمة ببراعة في قلبي كلاعبة كرة سلة محترفة !
عندما سألني صديقي - نعم أصبح لي أصدقاء ، عن قبيلتها .!
ضحكت وقلت أنا لم أسألها عن قبيلتها أبدا . أسأل عن حالها ، عن صحة أمها ، عن صحة الأشجار التي تسقيها ، عن صحة إخوتها الصغار . أسألها أحيانا . هل تحتاجين إلى طباشير ؟ عندما تقح . أسألها : هل أنت بخير ؟
أسألها أين إختفى ذلك العطر ، هل نفد ؟ طلبت منها ذات مرة أن تعطيني قميص أفريقي مثل الذي يرتديه صاحب قصيدة ( الله في هذه البلاد ضابط في الجيش ) أذكر أنها إشترت لي واحد وقد كانت تبدو شاحبة قليلا وبعد ذلك علمت بأنها كانت توفر من نقود فطورها لتشتريه لي !
بعد كل هذا مستحيل أن أهتم بقبيلتها أو بعرقها .
في التسعينات لم تكن هناك هواتف ذكية ولا تطبيقات تتيح إرسال الصور . كنا أحيانا نثرثر على الحائط طوال الليل .لا أقصد حائط الفيس بوك . بل حائط الجالوص . هي قصيرة نوعا ما ، فتطلع على مقعد قوائمه من الخشب ذلك النوع الذي يصنع منه العناقريب وأنا على طوبتين من الطين . ونثرثر طوال الليل وأحيانا نتبادل القبل ، في بعض الأحيان كانت تسمح لي بلمس صدرها . ذات مرة رضيت أن تأتي إلي ؛ بمعنى حاولت أن تتجاوز الحائط لنكون معا في بيتنا - نعم ليس بيتي - وعندما لم تستطع فعلت أنا ذلك ، على عكسي بيتها لم يكن خاليا . كنت أسمع شخير جدها العجوز ، غمغمة إخوتها الصغار . لكنا تعانقنا وتبادلنا القبلات حتى كادت أنفاسنا تنقطع !
أنت تعلم بأننا لا نستطيع فعل ذلك في حديقة عامة أو في شارع النيل ، لا أتخيل شرطي يعاملها بإزدراء أو يجلد عجيزتها الجميلة ، لا أتخيل رؤيتها خائفة ذليلة . لو رأيت ذلك سوف أقتل نفسي . سوف أركض إلى جسر الإنقاذ وأقفز إلى النهر من هناك وأنا لا أعرف السباحة !
أعطتني صورة فتوغرافية لها ، حقا لها لون مختلف عن لوني . أنا لوني قمحي كما يصفه الناس حولي . بالنسبة لي ألوان البشر اللغة لا تستطيع أن تصفها ، هي ألوان من صنع الإله لا علاقة لنا بها . هل هي سمراء ، هل هي سوداء ، هل هي بيضاء ؟ حقيقة لا أعلم لكني أعلم بأني أحب كل شيء فيها . أنفها فمها ، عينيها ، حاجبيها ، جبينها .الذي أتمنى أن أقبله . أحب كل شيء .
أخبرت أمي بأني أريد أن أتزوج . أنا أعرف من هي التي سوف أتزوجها . نزار قباني يقول : الحب للشجعان أما الجبناء فتزوجهم أمهاتهم .
ذات مرة إشتريت لحم ضأن , وأخذت أشويه . أخذت رائحة الشواء تنطلق في الجو . شمها كلب الجيران فرأيته يبصبص بذيله ، كان يبتسم ببلاهة . رميت إليه قطع من اللحم , تجعلني أطرده من غير أن أشعر بأني لئيم . وفعلا أخذ يهز ذيله ويبتسم ببلاهة طالبا المزيد من اللحم . هنا نهضت . طردته وكأني أهش الحمام . وأغلقت الباب .
جأت هي تحمل صحن شعيرية ، وجلسنا على الأرض نأكل ، داعبت خاتم الذهب الذي في إصبعها فصرختُ: يا الله !
فضحكت هي . لقد كان ذلك الخاتم . هو خاتم الخطوبة .
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

فيما يختصُّ بقِصَّة "شَعْر أفريقي خَشِن"، جاء في تقرير لجنة المُحَكِّمين:


أخذت قصة "شعر أفريقي خشن" من ِسمات السيرة الذاتية – الصدق والصراحة والجرأة – في استخدامها ضمير المُتكلِّم في تتفق مع السيرة الذاتية فهي إطارها العام دون أن تكون شبيهة بها تماماً، مما خلق لدينا الايهام بالواقع.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

القِصَّة التي حازت على الجائزة التاسعة (تقديرية):



ماسيو

عبد الله الفحل




الثانية عشر ليلاً،الجميعُ يَغُطون في نومٍ عميق ،إلَّا حُراس المراقبة، والقمر ونجومه،وقتها كان الليلُ يَعِدُّ العُدة ليغمض جفونه علي الأنام ،عم السكون كل الأشياء ،فقط تتحرك النسمات ، تحمل معها الأطياف والأحلام،وريح الحقول القريبة يعطر الأرجاء ... الليلُ دِثار ،يَحجِبُ مشاهد وأقدار كثيرة ،ليفتح أخري غير معلنة - في الصباح - ويستيقظ العالم علي تفاصيل مختلفة.
تحطم جدار الصمت ذاك بدوي الصفارات ،وأصوات محركات الشاحنات العالى ، فطغي ما أثارت من غبار علي صفاء الجو والنسيم .
استيقظوا فزعين ،بلا بوصلة ،ولا تَصَوُّر ،مَطّوا سواعدهم ، حاولوا النظر ،مُدَّارين بها ، لكن أضواء المصابيح القوية الموجهة عليهم ،طبعت على عينيهم ضوءاً أبيضاً.
اقتيدوا ما بين نوم وصحو ،مترنحين ،معطلى الفكر ،فكانت تلك الشاحنات التي تقف علي الأبواب ،بمثابة ملاذ لهم ، هرولوا نحوها مسرعين ،إلَّا قلة حاولت الهرب ،فأعادتها السياط وأصوات الرصاص للمسار ،قبل أن تصل للأسوار حتى ،عمت الفوضى،وعلا الصراخ والنحيب .
هدرت الماكينات بغية الإسراع ،وما هي إلا لحظات وعم الهدوء المكان . أزيحت ستائر الغبار واتكأ الليل و استراح ،وعادت نسمات الجداول وصوت الجنادب ،وعاد للمكان هدوئه و اطمئنانه بغير ساكنين،عدا الحراس وأطفئت الأنوار بعد تحرك الشاحنات مكدسة بكتل بشرية تجهل المصير ومغلقة علي غرف الاحلام جميع النوافذ...
"ماسيو" يحزم أغراضه من مكتبه في شركة المقاولات ،ويهم بالمغادرة ،يمر علي محاسب الشركة ليأخذ ما تبقي له من راتب ،مودعاً بذلك المكان والعمال اللذين كان رئيسهم سابقاً ،يظنون أنة ذاهب ليكمل دراسته كما قال،يودع الجميع وفي باله اضطراب واضح ،يفكر فيما قاله له "إيمانويل " بالأمس ،صديقه ورفيقه في الدراسة عندما كانوا بالشمال . أخبره "إيمانويل " ذو الأفكار الشيطانية والنظرات العدائية دوماً ،أن الجيش سيدفع له الكثير لو انضم له كما انضم هو ،وسيتحسن وضعه جيداً ،ليحقق أحلامه ،ووقتها سيكون مؤهلاً ليتزوج الجميلة "ميرى" ويذهب بعيداً بعدها حيث يشاء ليكمل دراسته أو أي شيء آخر... "ميرى" تلك الجميلة ،عيناها عيني فهد ،قامتها كشجرة باباي ولونها المهوقنى اللامع ،جيدها الذي يزينه العاج والسكسك ،بنت النيل وصاحبة المساء ،إن بسمت أروت الامطار السهول ،وإن شدت بصوتها مغنية فى الصباح ،يحترق الأفق ،و تتبكم العصافير ،تتمشي رافقة بالأرض مغازلة للنسيم ،ووفية مثلها ،حلم الصبا وسكون الروح ،معها تنجلي الأحزان و بها تستعيد النفس السكون و الاطمئنان.
ما أن لمع في بال "ماسيو" وجه "ميرى " حتى وافق ، وهو الذي طالما حلم بها ،اشتاق جداً لأولادهما ،يذوب شوقاً لرؤيتها معه كل صباح ،من أجلها سيخوض حرباً من أشد المبغضين لها كان ،يمقتها بكل ما أوتي من قوة ،ولكن من أجل "ميرى" سيمثل ،فالحياة مسرح كبير،هي فترة محدودة ،ثم ما حاجة هذه البلاد للمباني الشاهقة ! هي للأغراب الذين ينعمون بخيرنا أكثر منا ،أولئك الذين يعمقون جراحنا ،الطبيعة هي أمنا ،وكَمَدِ البصر الأملاك ،فعلام التقيد بشبر خرساني ونسيم الغاب يروي الروح ويزيل الكدر، هكذا كان يتكلم صوت " ماسيو" الداخلى ،فهو سيخوض الحرب لا يدري الجانب الصائب ،سيخوضها من أجل "ميري "وهو الذي لا يدري أيعود لضوء عينيها ام لا...
" الجنوب " ... هكذا تلقي "عوض الجيد " الإجابة ،لا منجي له إلا ربه ،فلا قريب له ينشله من هذا المصير كما حدث للكثيرين أثناء محطاتهم قبل المطار ،لم يفكر طويلاً في أي حال ،وسرعان ما سَلَّمَ أمره للذي فطره،لم يفكر في أهله ،أمه التي تتمناه طبيباً مشهوراً ،محمولاً علي الأكتاف ،متلفحاً بالثوب ،شاهراً سيف جده "عبد الله" الذي حارب الإنجليز ،ومخضبةً أطرافة بالحناء ،مكحلاً ،منتعلاً جلد نمر،يزين الهلال الذهبي جبينه ،مسيراً بفرحة الاهالي و الدلوكة ، و الزغاريد التى تفسح الطريق لبيت "السارة " ذات الشرف الرفيع . أوصد "عوض الجيد "كل النوافذ علي أحلامه ،وامتلأ يقيناً بدربة الجديد ،لا حبيبة إلا بندقيته ،سيقضي الليل يناجيها لا "السارة " ،سيحلم بالحرب لا مستقبله ،ستظل تلك الأماني والرغبات حبيسة إلي أن يعود للديار إن كتبت له العودة. أمسك "ماسيو "ببندقيته الجديدة ،وظيفته للفترة القادمة ، مع ابتسامة من "إيمانويل "ووعود من القائد ،وبريق حلم ،وضمير مسجون،متوجها إلي المعسكر.
ملكال ... السماء تبكي أبناء أختها الأرض ،أطفالها الذين يمتَصَّهم الكَرَه امتصاصاً ،ترتوى الأرض من دمائهم ،وتحتضن رفاتهم ،فتنبتهم شجراً بالآلاف ،تخرجهم زهراً وثمار ،تلتقي أرواحهم في السماء وتتشابك أصابعهم تحت الأرض جذور ،يطلقون جميعهم لعناتهم علي الحرب ومشعلوها ،يندمون علي اقتيادهم ذاك،يتمنون لو تعلق الفتنة في ميدان عام وتظل مصلوبة تأكل الطير من رأسها ولا تقتل ،وكلما غابت عن الوعي تشك بدبوس لتفيق علي عذاب جديد.
المكان صامت عيون كل الكائنات تتسع ،وتَرَقُبُ الآتي مسيطرٌ علي الكل ،علي مسافة وخور يستقر المعسكران ،الجانبان حجارة علي رقعة شطرنج ،يضحي محركوهم بهم ،ويصفوهم بالضعفاء والخونة إن فشلوا ،ويغلقون عليهم الرقعة إن حققوا ما يضحك ، أو صرفهم عنهم للهو آخر.
يخرج "عوض الجيد " في الطليعة الإستكشافية ،يمرون عبر الأشجار العالية المتشابكة ،كمثل الظل يتوغلون أكثر ،بعيني صقر يحدقون ،متجنبين لأي حركة تصدر صوتاً يفضح مكانهم لمترصد ، قبيل منتصف النهار يجلسون للأكل ،يصعد "عوض الجيد"أعلي الشجرة مراقباً ،محدقاً في كل الاتجاهات كبومة ، لا يفكر في شيء ،فقد عُبِيَّ كبالون ،وصار الغِلُ يملأ صدره ،يتمني لو يمسكهم واحداً تلو الآخر ويمتص دمائهم حتى الجفاف ، ويرميهم كما ترمي أعقاب السجائر بغير أسف .
تحركت الغصون في مدي بصره ، رَكَّز ، بعد قليل ،أبصرهم الخمسة يخرجون من بين الأشجار في حذر ، طوال القامة يعكس العاج سواد بشرتهم ، عليهم علامات التوجس ، يصوبون بنادقهم بكل اتجاه ، فَرَكَ عينيه لهول ما رأي ،لم يكن يصدق ،إنه هو ذاته يتوسطهم،زميل الدراسة ،جارين كانا في الفصل ،لم تشكل دياناتهما ،ولا لونيهما ،حاجزاً لصدق محبتهم ، كلاهما كان مسافراً بأحلامه ،كانا حاميين لبعضهما ،مُصلِحَين للطرفين ، يلعبان السلة سوياً ،ويقرءان الشعر بين الدروس ، تشاركا مناجاة القمر سوياً في ليالي الصيف ، شكلا لبعضهما الكثير من الذكريات التي لا تنسي ،ولا يزيلها كدر الزمان .
فتحت نوافذ ذاكرة " عوض الجيد " على اتساعها ، وانتشلت من غير تعب ما قاله صديقه " ماسيو" له سابقاً ،عن الجنوب وعن سحر الجنوب ، بسرعة البرق هاله ما لاحظه الآن ، فى أنه كان يرى الأماكن والأشياء كمن سبق له رؤيتها ،عندها صاح "عوض الجيد " بداخلة ،وقد غاب فى فجوة زمنية سابقة اصطدمت بما هو واقع ،وقبل أن تنفجر حَدَّث نفسه بالكثير الكثير ،ودموع لا يعرف لها مرداً كانت تنهمر كمطر الجنوب .
ها قد رأيتُ الجنوبَ يا "ماسيو " وروعتِهِ ،كما قلت لي ،ها أَنا أُلامسُ أرضهُ وأُداعبَ أغصان غاباتهِ ، ،تمتلئ رئتاي من عليله ،وآكل فاكهته ،أُناجي قَمَرَهُ هُنا ،وأَستمِدَّ قُوايَ من مِياهِهِ ، غَيرَ أَني ما دَخلتُه في عُطلةٍ كما خَططنا ،ولا زائراً تَكرِمُهُ عائلتُك التي أَعرفُها فَرداً فَرداً ، "ماسيو " أنا قد جئتكم وفي يدي بندقية !
"ماسيو" أتذكر ، كنت أقول لك : "خُلقنا فى الشمال لكى نعيشَ فى الجنوب " ، فترد لى : "وخُلقنا فى الجنوب لكى نعيشَ فى الشمال ". "ماسيو" أين وعودنا وحلمنا عن السلام ، أين ضحكاتنا وقت التلاقي والكلام ، "ماسيو " قل لي ما حدث لِوُعُودِنا ،وحلمنا؟
"ماسيو" صديق المساء ،وبهجة البوح ،نديم الروح وقت يضيق الصدر ،محلقين يوما قلت لي : "نحنُ حلمُ الوطن " ، قلت لي بأننا بحاجه لبعضنا ،وأننا سنخرس البنادق ،ونضرب المعازف ويرقص النخيل والأبنوس ،ويحمل النيل البشارة ،وتغني الكائنات حولنا ،والدنيا أصدق نشيد.
اليوم نتقابل لا متصافحين ،فبأيدينا البنادق ،وشراً كنا قد نبذناه سنين ،اليوم أُجِجَ فينا وأُستَثار ، أَتراكَ تَذكُرُني وتَذكُرُ ضَحكتي...!؟ "ماسيو" أنا أُبصرك من منظار بندقيتي - بخوف يملأ الدنيا من نظرتك الأخيرة - وستفعل أنت إن حدقت جيداً .
"ماسيو" أنا قد جئتكم مُخَلِّصاً -كما قيل لي- لأرضكم منكم... شهيداً إن مِتُ ، وفاتحاً إن سَلِمَ صدري. ولا مجال للتراجع...!
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

عن قِصَّة "ماسيو"، جاء في تقرير لجنة المحكِّمين:


إن الرؤية الضمنية في قِصَّة "ماسيو" أتاحت للشخصية أن تسفر بوضوح عن أفكارها ومواقفها، وتوقد فيها شرارة السجال حول الفكرة الجوهرية في النص القصصي.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أما القِصَّة التالية، فهي التي كانت الجائزة الأولى من نصيبها (تقديرية ومادية):



باتريـشا...الغزالةُ الخضراء

الطيِّب عبد السلام حاج علي





"الي روح معين بسيسو في العالميَن"



"تجتهِدُ المُفرداتُ لِتري...أجتهِدُ انا لِا تذكر!!!"
"قطراتُ الدمعِ...
قطراتُ المطر...
من فينا يُمطِرُ اكثر؟؟"
السماء تودِعُنا بامطارِها الاِستوائيةِ المُعتقة،والثكناتُ تُفيقُ من سهدِها الطويل فينا، هاهي الذكرياتُ تتسللُ مِن الاماكِن لتِراوِغَ لا معنانا المقيت ككُل الكائناتِ الهِيوليةِ النقية"..
كان كائنك الداخلي يا "تَمومةْ الجِرتِق"* يُمارِسُ هزيانهُ الدائم، من دونِ ان يجروءَ علي مسكِ القلم...الخريفُ ما زال في خريفِ فصلِه، بينما تتعالي صرخات الشجرة "المجنونة"* وكأنها دخلت لِتوها خلوةَ الاُلوهةَ...او رُبما مسها داءُ العِشقِ فصارت كما تري منكوشةَ الاغصان والفُروع....الخريفُ عيدٌ كونيُ للاشياء...اِلاكَ يا حرازة* الشمال.
سينتهي خريفُك يا تمومة الجِرتِق قبلَ اواناتِهِ التي عِرفها...اعرِفُ ان المكان تمكن منك ولكنها حالُ العساكِر والعُلب المُصفحة التي تتبعُهُم اينما ساروا..
بِخفةِ الغزالِ الاخضر تُعانِقُك باتريشا عِناقا لاهوتِياً، كأنكُما اِلتقيتُما اولَ مرةٍ كنِقاطٍ صغيرةٍ جِداً في احدِ سُطورِ الاتفاقيةِ الملحميةِ التي اوقعوا بسببها بِكُم...بصقتَ "صعوتكَ" في مقت.. تمتمتْ..."اتحتاج هذه الاوراق خمسينَ عاماً من الموت؟؟؟."
توغلتِ الكتيبة..توغلَ المكانُ فيك..توغل الاخضرُ الذي يرتديكَ في عينيها..."الغزالةُ الخضراءُ التي انبجست مِن ضِلعِك الاخضر!!"...وبينَ فوهةٍ وفوهة رأيتهُم و رأوك...بعضُهُم يُشبِهُك وبعضُك الاخرُ يُشبِهُ بعضهُم الاخر...لم يكونوا شياطيناً حُمراً كما توقعت...تعانق الفيلقان..فيلق المسلمين بِفيلقِ قُريش الزُنجي الاسود...
عُشرونَ عاماً او يزيد كُنتَ تُصوِبُ حواسكَ الرصاصيةَ نحوهُم..واقِفاً علي شفا طلقةٍ طائشة.. بينما ظلت صرخاتُ "ابو حمزة الانصاري" تُطارِدك حيثما سميت :
...- وسارِعوا الي جنةٍ عرضُها السمواتُ والارض...حورٌ مضروباتٌ في الخيام.. مُدخناتٌ محنناتٌ مشويات محشيات.
همُك المشترك مع اغلبِ ابناء الكتيبة أن تحصل علي نجمةٍ في عِزِ الكتف تقيك "نرفزةَ" الصقُورُ والسيوف والدبابير...ضحِكتَ في عز المعركة...واصلت سردكَ الداخِلي.."حتي الملائكة الواقفين علي كتفِي يخجلونَ مِن هذين الشريطِين الذين لا يعصِمانِ من صول او مُقدم"...وحينما يائستَ مِن نجمةٍ عِز الكتف قُلتِ في لا اِكتِراث :"حتماً اولُ النُجومِ دبورة",,صِرتَ الان تمتلِكُ دبورةً مُدورةٍ كالقمرِ ليلة القدرِ الكتفية...ليت اُمك "خادم النبي" رأتكَ..!
فنتِ الكتيبةُ في كمينٍ برِمائيٍ جوي..الناجون قالوا: اِنها نيرانٌ صديقة...المُؤمِنونَ قالوا:أِن السماءَ اخطأتِ في قِصفِها الكُفار فقصفتهم هُم كنوعٍ مِن الاِبتلاء لأن الله اذا احب عبداً ابتلاه لكِنهُم سيُراجِعونَ الامرَ مع منادِيبِهِ في الصُفوفِ الخلفية.
بعد شهر اتي المدد الفٌ من طلبةِ الجامِعاتِ والشبابِ مُردفين..بعضُهُم كانَ طبيباً ومُهندِساً وبعضُهم جاء بِمحضِ اِرادةِ دفارِ الخِدمةِ اِلالزاميةِ الذي خمشهُ فِي اِحدي كشاتِ التجنيدِ الاجباريِ المحمومة...لكِنهُ لم يُكن يرغب في الموت باي حال..سحبتَ نفسا طويـــــــــــــــلاً مِن رياحِ الاِستواء الصباحية الفردوسية ثم قُلت: سيُضيعونَ شبابهم ولاشك؟؟"
تساقطوا امامكَ مِثلَ الجراد بِذاتِ الحماس الا مُتناهي الذي ابدتهُ الاغلبِيةُ مِنهُم للموت..سقط أحدُهُم علي كتِفِك..عيناهُ البُنيتان لحيتهُ الرضيعة المازالت في بواكِيرها..جبهتهُ المتورمة,..بكيت عليه...معه...مسحت علي وجههِ ببرودٍ ساِخن.. تعلمتهُ كفُك مِن قعرِ البُندقية...واصلت غيك الداخلي...." يا ولدي الجابكَ لِلموت شِنو بي رِجليك؟؟..وا وجعةَ اُمك وابوك..وا حُرقة حشاهُم"..رسمت علي شفتيه قبلة عميقة...وأختلطت كلتا الحالتين في لحظةٍ واحدة....عبثكَ القديم بِابناءِ جِنسِك..ونقائِك الا مُتناهي تُجاههُ..احالوك اِلي مجلِسِ التحقيقِ والتدقيق...اِستغفاراتٌ موتورة ولعناتٌ مُتوتِرة وطرقعاتٌ محمومة...تسد عليك مسامَ هذهِ الخيمةِ التي اِمتلاءت ..صُقوراً وسيوفاً ودبابيراً...اِقتلعوا دبورتكَ التي صارت تكويناً عُضوياً مِنك..وارجعوك الي عالم "الشرايطِ الوردية ".. الي ايام الفتيات الصغيرات..حيث كنت وكن.
قُلت لها في عمرٍ كان في مِثل هذا الجو: ما احلي الشريطين الورديين علي شعرِك...طوقتك بصمتها وطوقك شريطيها الي يوم يبعثون...
ضربتَ كفاً بِكف قُلتَ سِراً " ولكِنهُم مُثيرون ليس ذنبي، ان يولدوا شهيين هكذا..ليس ذنبي!!"..البعض قال انك تُحب الظُهور وتكرهُ الظهور..الاخرون قالوا: بل هو مرض جماعي...
كفكفت سفتكَ* الطينية المعتقة..اهلت علي بنات افكارك الوليدات تراب النسيان..فمُرتبكَ حتماً لن يكفي لاِطعامهِن جميعاً، وأِن خرجنَ الي شوارعِ السُطور فسيجلِبن العارَ والمهانةَ لاجدِادِك في لحدهم ولا حفادك في مهدِهِم...وحتي حينما تأكدوا وتأكدت لم يجروء احد علي فصلِك...فانت يا "تمومةَ الجرتِق" كُنت مخلِصاً جِداً في تحضُرِك اللحظي لِلموت..لم تُساوي عِندكَ الدُنيا اكثرَ مِما تُساويهِ فيها..صفرا مهملا في عدد لطالما ظل الراديو يردده...
- "لدينا عشرين الف..بل مئة الف هذا غير الملائكة والجن المسلم"..أِحترت جدا في تصنيف نفسك وفق هذه الثلاثة انواع لكِنك تشعر بحنين قريب الي كونك جن مسلم...لأن الملايكة لا ياكلون البصل ولا يدخنون السيجار ولا يسِفون الصعوت ولا يحبون الظهور.
هاهو ذا انيسك المعدني..يتردد في بثك الحانك البعيدة..تغرق موجاته في بحر الغيوم المتوترة..:
"كان ذلك مطلع حلم*
/وكان اخضر/ كُنتَ مُكللاً بِها /وبِلا امد..."...
اِنطفاءتِ البنادِقُ ليلتها باكرا بينما علت تكبيرات الصفوف الخلفية بالتهليل والصراخ حتي أختنق الراديو وتوقفت بطارياته عن الصبر....ليلتها تعانقت الفوهات اللدودة..جاءت السيوف والصقور والكروشِ المُمتلئية والعيونِ التي تدورُ في الِاتجاهاتِ الاربعة..كتبوا اسماءهُم نيابةً عنكُم، وعادوا الي حيث اتوا...ضربتَ الارضَ بِكلتا قدميك..كانوا سيُقلِدونكَ وِسام "الثور المقاتل" من الطبقةِ الاولي...لولا أنها مرت لحظتها علي بُعد ميلين منك..سمِعتَ خطواتها الرياحيةَ البارِدة...دفعتهُم مِن امامِك وركضتَ بِاتجاه الصوت...قال البعض: جُن الثور..الاخرون قالوا: أنها فرحة متطرفة فهم يعلمون جيدا احلام يقظتك المريرة بِهذا النيشان: " لمن ابقي تور من الطبقة الاولي واللهِ انطح ليكم النجوم دي نجمة نجمة"....تفاجأتْ بِك.. بِسجودك الكُليِ تحت قدميها...مدت يديها الخضراوين الي وجهِك فصار مُضئياً، الي قلبِك فدرت دقاتُهُ هُدواءً...رددتْ في خوفٍ خجول: انا باتريشا،أِبنةُ السماء...قبلتها بِحُرقةٍ علي قدمِها...غيك الداخلي اندفع خارجا ناحية لِسانٍ ادمنَ الصمت: الغزالةُ الخضراء..اِبنةُ اِلاله...
نظرتْ اِلي الاُفق...رددتْ في حُزن: يبدو انها ستُمطر...نظرتْ بعدها في حُب، قالت: يبدو انها ستُزهِر ..نظرت بعدها في غُموض لم تقُل: يبدو اننا سنبحر...تكومتَ فوقها كالقتِيل..انبعثتْ اُغنيةٌ لا مُناسبةَ لها من مذياعك الداخلي: "خفيفاً، لطيفاً...خفياً نقياً.."..احسستَ بِخفةٍ في كُلِ شئ وكأن العرقَ المُنسرِب مِنك غسلَ روحك بالمِسكِ الاخضر تخففتَ مِن التُراب..تخففتَ مِن الماء...تخففت مِنك...ذُقتَ لِذةَ الهواء البارِد الذي يهُبُ علي كُنه اِنعدامِكَ الخفيف.
كتبتَ في غيِك الداخِليِ عنها: "عيناها اشدُ اثارةً واستدارةً من ردفيها...ردفيها اكثرُ اِدراراً مِن نهديها...نهديها..........شفتاها الذ من اشجار المانجا والانناس...غزالة بكل الالوان"....واعدتها ثلاثين يوما وازددتَ عشراً..طُفتَ معها..الاحراشَ والغابات حلقتَ معها بين النُجومِ والمجرات والوُحولِ والشلالات، غُصتما في النيل ووُلِدتُما مِنهُ سمكتينِ..ضفدعينِ...ملكينِ...أدميين...علمتكَ الحُب اللدُني وعلمتها انتَ كيفيةَ تشغيلِ الراديو وقِرأةَ الساعةِ والتحدُث في جِهازِ اِلارسال...امتلأَ ثدياها بِالحليب علي الرغم من.....قالت لك: يبدو انكَ المسيح ولاشك...سقتك من حليِبِها حتي ارتويت، ادنتك مِنها/حتي/تدليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت.
لم يعرِفوكَ حيِنما ارجعتهُم اِلي عِصمةِ ذاكِرتِك،البعض قالوا: أنكَ صَرتَ في سَنِ العِشرين، الاخرينَ قالوا: بلِ ازددتَ عِشرين...احضروا شيخاً قديماً...ارغي واذبد...قال بعدها: لقد زوجتكما علي سنة الله ورسوله!!
ضحِكتْ باتريشا مليا ثُم قالت: الله ورسوله ديل مِنو كمان يا مندُكورو*؟؟؟...نظرتَ الي كرشِها المُستديرِ في حميميةٍ ثُم قُلت: ليسا اجملُ مِنكِ علي كُلِ حال...كظم الشيخ لحيتهُ في جيبِه ورددَ بصوتٍ عالٍ: استغفِرُ الله العظيم وحدجك بنظرةٍ حارة...علت زغاريدُ الوازا* وعلت تكبيراتُ الزملاء...وعلت اغنيات القبيلة الخضراء التي جاءت ببقرها وخمرها....
جاء الطِفلُ الثالِث...والرابع...وباتريشا تصغُرُ عاماً كُل عام....ليلتها وتحت قطيتكما* الدافئية صارحتها بِما كانت تتوقعه..
- سنعود غدا الي الشمال فقد انتهي تفويض القوات المشتركة ولم يعد مرحبا بنا هنا!!!
- لقد عرضتُ عليكِ الصحراء فرفضتها وقُلتِ انكِ لن تترُكينَ جزورك عاريةً علي صحراءٍ لم تألفيها!!!
- ولِكن وتنك* هِنا؟؟؟
- - هذِهِ الشِلوخ المرسومةَ علي وجهي تنفي ذلِك بِتعصُب..ساعود يا باتريشا لاحملك علي ظهري وأطير بِكِ الي شلالاتِ فيكتوريا العظيمة..،ساترُكُ لكِ الصغارَ...حينما يكبروا قولي لهم أنني لم اُرِد لهُم ان يتسِخوا بِالصحراء.. تركتهُم لِلطينِ...لِلمطر...وللغِزلانِ الخضراء...
-
- هاهي عيناكَ تُفلِتانِ تلاليبَ المكانِ الحميم،وعينا باتريشا المُمطِرتين....وتتورطُ في المدينةِ مُجدداً...قُلتَ فِي سِركِ: يااااااااه عشرون عاما لم اري الخرطوم،صارت البيوت الطينية البيضاء اعشاشا اسمنتية سوداء...بكيتَ حينها بِاحتراق شعرتَ بِطاقةِ ندمٍ لا نِهائية... تورطتَ في الرِسالة..:
- الي باتريشا الغزالة الخضراء "لو كانَ اولائِك الانقياءُ الشُبان يعرِفونَ ان الصفوفَ الخلفيةَ خانتهَم وتطاولت في المَؤخراتِ الاسمنتيةِ وأن دمأهم بيعت بجرة لتر من بترول الجنوب...لما ماتوا...لكنهم يا باتريشا كانوا انقي من العيش في الواقع فاختاروا الاحلام...اترينَ هذا الوجهَ الغائصَ بين الالافِ مِن الوجُوه يا باتريشا في هذه الصورة الباهِتة؟؟...أِنهُ انا بِمعيةِ الزُملاءِ ونحن نبدأ انسحابنا الي الفراغ...ايييه يا باتريشا لكم احِنُ اليكِ"...
- طالعت أماني خبر قدوم الجنود من الجنوب ذغردت بفرح دامع: " راجلي رجع من الجنوب يا نااااااااااس الحلة!!!"

أبريل 2011


____________________________________


هوامش:
تمومة الجرتق: بمعني تكميل عدد اي شي أخير لتمام الشئ والجرتق هو طقس الزواج الاخير لدي قبايل الشمال والوسط.
المجنونة: نوع من اشجار الاستواء تكون اغصانها متباعدة وغير مرتبة ومنكشة كحال المجنون .
الحراز: نوع من الشجر يذبل مع قدوم المطر.
السفة: هي مسحوقاسود مصنوع من عناصر محلية بغرض الكيف وفكرته كفكرة القات ويسمي الصعوط ايضا.
3: هو مقطع من قصيدة "ثمة حزن..ثمة مريم" للشاعر السوداني: انس مصطفي عن ديوانه "نثار حول ابيض"
مندكورو: هو الرجل الغريب بلغة بعض اهل الجنوب....
وتنك: تقصد وطنك فالجنوبيون ينطقون الطاء تاء لثقلها.
الوازا: الة من الات العزف المحلية الصنع تصنع من سيقان السنابل.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

سيدنا القصاص
وسط بخور كتابك الناصع ، جلسنا وتقرفصنا . هذا مدّ أقوى من البحر وغضبه . ها أنت تنقُل لنا الوجه النبيل لقصاصي السودان ،بالفعل صدق " الطيب صالح" حين قال: ( كثيرون من أبناء وبنات السودان يكتبون وبعضهم أفضل مني ) . في حضن البيت الكبير : بيت عبد الكريم ميرغني ، وحده صاحب الغيبة الُكبرى ، والذي يستحِق منا تكريماً لا يحده حدود ، ولا تأكله غيلان النسيان .
لك من الشُكر أجزله ، ومن أمنياتنا أن يكون بِساط الخير ممدود السِماط على يديك .
*
أتحفظ بلطف على التسمية " قسمة " ، من صاحبها ، ومن تقرير لجنة المُحكِّمين ، لقد استسهلوا " القسمة والنصيب " ، ولكن القص أعمق . ونحن نعرف أن الحياة قصٌ مُضيَّع " يمرّ بنا كالزمان ، يركُض لا يلوي على شيء . القصاصون هم الذين يتخيرون لنا مجامر الصنعة ، وألاعيب الفن والأدب ، والقدرة الخلاقة ، لتجعلنا نُصدق أن واقع القص عمل راقٍ ،تأخذ فراشاته من رحيق الواقع .
شكراً لك مُجدداً ، وزحام الحياة لا يترك لنا وقتاً ، كأننا نشتعل نزوة .

سنعود مع القصص الأخرى " إن شاء الله "!


*
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

عزيزنا الشقليني،

لك الشكر والتقدير على الوقفة والتحية التي تستأهلها هذه الأصوات القصصية النَّدية. وحقا - كما تقترح طاقة هذه القصص - فان مشهد القصة القصيرة في السودان موعود بإضافات نوعية مهمة، رغم الظلام الثقافي العام، الذي لا تخفى على حصافتك أسبابه.

سأحرص أن يصل رأيك - بشأن عنوان قصة تسنيم - لكاتبتها؛ كما سأحرص على توصيل رأيك - بخصوص "الطريقة المضغوطة" للتقرير، لأحد أعضاء اللجنة على الأقل.
أما من جهة رأيي الشخصي، فلو كنت أنا من كتب هذه القصة الرائعة، لأستخدمت كلمة "قسمة" - أو أي كلمة تتضمن معناها - لأنشئ عنواناً مركَّباً (دون أن يعني هذا أنني أعترض على العنوان الذي توخَّته تسنيم، لها التحية والوردة). أما التقرير المضغوط، فكان يمكن أن يحتوي - في حالة هذه القصة وحالات أخرى شبيهة - إضافات نقدية أخرى.

إنني أشد معك على يد مركز عبد الكريم ميرغني، فيما أعناق معك هذه القصص.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


القصاص العظيم
لك المحبة ، فقد أجزلت العطاء ونحن بك فخورون

*
أضف رد جديد