تلميذ في (مدرسة الواحد) الموسيقية

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

تلميذ في (مدرسة الواحد) الموسيقية

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

طبقات الشيخ عاصم ود الشيخ الطيِّب ود ضيف الله
من الصَّعب على رجل مثلي ألا يكون مولعًا بمشروع عاصم الطيِّب الموسيقي؛ ومن المحبط بالنسبة لي أن يشغلني شاغل عن ملاحقة حفلاته وجلساته الموسيقية، ومن المرهق أن يصدمني عاصم الطيِّب، في أغلب الأوقات، بخطب طويلة، يقترح فيها على جمهوره المتحمِّس المستكين سماعًا معينًا لموسيقاه، وهو سماع ديني مستمد، بالضرورة، من قماشة التصوف التي تتدثر بها غالبية موزعة من سكان السُّودان؛ كأن يقول لهم، أثناء جلسات الاستماع، إن الله يتجسَّد بين مكنون الحرفين (الألف والهاء) من اسمه المبجّل، دون أن يشرح لهم، لا بالموسيقى ولا بغيرها، كيف يتجسّد الله المرسوم باللغة الصينية، أو الأمهرية، أو الإنجليزية! فهل نحن أمام موسيقي جديد، على غرار المغني (كات ستيفنز)* الذي تحوَّل إلى (يوسف إسلام) وحمل جيتاره خدمة للرب؟ الإجابة من عندي، إن الأمر يختلف قليلًا؛ لأن يوسف إسلام كان يغني نصوصا غنائية ذات مضامين دينية، راجع ((Roadsinger. ولم يقترح موسيقى دينية قط، لكن اللباس الديني متوفر لدى الرجلين. وربما لم تتوفر تجربة لموسيقى دينية خالصة إلا في اللبوس الذي ألبست له آلة القانون، إذ تم توظيف موسيقاها لتكون شعارًا لكثير من البرامج والمسلسلات الدينية، أو يتم بثها لملء الفراغ عقب رفع الأذان للصلوات في الإذاعة والتلفزيون! فغدت آلة القانون تستدعي حالة دينية على غرار الاستجابة الشرطية في دروس علم النفس**!
بالنسبة لي، هذه حمولة زائدة عن حاجتنا لعاصم كموسيقي؛ ففي آخر حفل حضرته له، بفندق ريجنسي، رمضان الماضي، كان قد وضع آلة الكمان إلى جانبه وهوَّم عبر قصص مطوَّلة، لا علاقة لها بالموسيقى، لا من قريب ولا من بعيد، إنما هي عرابين تتماهى مع جلبابه الملوَّن وطاقيته الخضراء، لتوحي أن موسيقى هذا الرجل مستوحاة من السماء، إن لم تكن مرسلة منها مباشرة.. فكان يتحدث، مثلًا، عن شاب صوفي طلب إليه شيخه أن يطير، فلم يستطع؛ فنصحه بالاستغفار، لأن الاستغفار، في فقه الشيخ، يعني محو الخطايا، خطيئة بعد أخرى، ليعود بعدها المستغفر إلى طفولته، وحينها يمكن له أن يطير؛ لأنه تخلص من أوتاد الخطايا التي تشده إلى الأرض... إلى آخر القصة التي استغفر فيها الشاب حتى طار إلى قمة جبل، وهناك لحقت به فتاة ما، أو لحق بها، وكانت تنادي: أحبك، أحبك؛ فتزوجها الفتى الطائر. ولم نهدأ من التصفيق لهذا الطيران حتى عاجلنا بمشروع خيالي ضخم، عدَّد بنوده السبعة على طريقة الصادق المهدي: يتعلَّق المشروع بتدوير النفايات ونظافة القرى والمدن والعودة إلى زراعة القطن ونسج الملابس يدويًا لمنع الاستيراد، وما إلى ذلك من عودات أخرى إلى القرض والأعشاب لعلاج الأمراض.
في جميع لحظات حضوري، كنت انتظر لأسمع كيف يستطيع عاصم أن يرسم ويدوِّن هذه الحكاوي في نوتة موسيقية يعزفها على الكمان القابع بين رجليه، نسميها (مدرسة الواحد الموسيقية) كما فعل التشكيلي المرحوم أحمد عبد العال***، أو يعزف لنا، على الأقل، مقطوعة من تأليف الشيخ إسماعيل صاحب الربابة، أو يصفِّر لنا صفارة في المقامة الموسيقية الخاصة بالشيخ سلمان الطوَّالي الزغراد****، لكنه لم يفعل، وفي ظني أنه لا يستطيع. لذلك خرجنا من الحفل منقسمين حول شمولية عاصم كفنان صوفي هائم، وانصرافيته واهتماماته التي لا علاقة لها بالفنان حين يمسك بالآلة الموسيقية ليخاطب الجمهور!
شخصيًا، كنت، وما زلت، أراهن على عاصم الطيِّب الموسيقى، إذ بإمكانه قيادة مشروع موسيقي يقدم لنا الموسيقى غير المكتشفة لدى شعوب وقبائل النيل الأزرق وجبال النوبة وكردفان ودارفور وشرق السودان، فهو الأقدر على ذلك بالبحث والتنظير والتطبيق، نظرًا لما يمتلكه من موهبة مصقولة بالدراسة الأكاديمية الصارمة، وأراهن عليه لقيادتنا إلى محو العبارة السمجة (الانصهار في بوتقة واحدة) واستبدالها بمشروع أروع، هو (الاستمتاع بالتنوع)، لكن ماذا نفعل مع عاصم الذي يصر أن يحدثنا عن النفايات، وهمه الخاص المتعلق بتقليد قصص ود ضيف الله صاحب الطبقات؟
عاصم، حين نأتي إلى حفلاتك، نأتي كي نستمع للموسيقى!

_______________
* كات ستيفنز (67) سنة، فنان بريطاني الجنسية من أم قبرصية وأب يوناني، اعتنق الإسلام في العام 1977، وهجر الغناء إلى عاد له عام 2006 بألبوم (An Other Cup).
** راجع تجارب الطبيب الروسي بتروفيش بافلوف (1849- 1936) المتعلقة بالمثير والاستجابة الشرطية.
*** ابتدع المرحوم أحمد عبد العال (1946- أكتوبر 2008)، مع آخرين، مدرسة تشكيلية، الواحد، وتنطلق من رؤية أن الفن يتجه إلى جلال الواحد الديَّان.
**** راجع إسماعيل وسلمان في طبقات ود ضيف الله
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

سلام يا يوسف
تسنى لي أن أحضر في الخرطوم أمسية "موسيقية" لعاصم الطيب، بالمركز الثقافي الألماني. في البداية رأيت ان لا غضاضة في أن يضفي عاصم الطيب على أجواء حفله الموسيقي لمسة صوفية، وإن بدت لي مصطنعة وذات نزعة إكزوتية. لكن استرساله في هذا النوع من الحكايات الذي يتخلل أغنياته وقطعه الموسيقية أزعجني كثيراً. وقد استمعت أيضاً لحكاية "الفتى الطائر"، التي استلطفتها إلى حدٍ ما. لكنني لن استطيع أن استمع إليها مرة أخرى إذا ما حكاها في حفل آخر. فأراك تتكلم عن سرده لها في حفل خرطومي غير الحفل الذي شاهدته.
ما جعلني أقول أن هذه المسحة الصوفية مصطنعة هو تعبير عاصم الطيب الجسدي والصوتي الذي تنقصه ـ في رأيي ـ العفوية والارتياح. فأنت ترى أمامك نوعاً من التمثيل غير المرن.
الملاحظ أيضاً أن المركز الثقافي الألماني ـ كرصيفه الفرنسي ـ لا يولون اهتماماً للموسيقى السودانية الحداثية، وكأنما لا يريدون إبراز إبداعنا الموسيقي إلا من زاوية هذه النظرة الإكزوتيك لثقافاتنا. لاحظت أيضاً أن النادي الألماني ـ على سبيل المثال ـ، وهو شكل من أشكال التواصل الاجتماعي الخارج عن سيطرة السفارات، أي عن السيطرة الرسمية، يهتم بتقديم الموسيقى "المعاصرة". حضرت حفلاً لمحمد الأمين في النادي الألماني بكامل فرقته الموسيقية. وقد كان التنظيم متقناً وجميلاً والاحتفاء يليق بمحمد الأمين وفرقته. عرفت من الصديقة التي دعتنا لحضور الحفل أن هناك تنويع في أشكال الغناء الحديث الذي يُقدم.
أتمنى لعاصم الطيب أن يتحرر من قيود "التراث" والتصوف المبالغ في إبرازه. فجهوده في جمع وتقديم الانتاج الموسيقي السوداني، وهو ينتقل بمستمعيه من منطقة لأخرى من مناطق السودان باختلاف ألوانها ولغاتها، هي جهود قلّ أن تضاهيها جهود أخرى في وقتنا الحالي.

لك التحية ولعاصم الطيب مثلها.

نجاة

íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مرحب بالسلام يا نجاة

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

مرحب بالسلام يا نجاة
عاصم هو هو، لن يذكرك إلا بعاصم الطيب بتاع الثقافي الألماني؛ وشخصياً، اشفق عليه، أو علينا، من أن تحمله أجنحة غير أجنحة الكمنجات.. عاصم ليس كثيراً على ربه؛ فليتصوف خدمة لله والسكان، لكن عندنا من الصوفية من هم أكثر من الصوف، وليس لدينا بتاعين موسيقى، ولو بالثلث من ثلث القدر.. يا للأسى!!
أضف رد جديد