(يحن قلبي الكان بولاد)*.. غناء الوالد للأولاد

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

(يحن قلبي الكان بولاد)*.. غناء الوالد للأولاد

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

(يحن قلبي الكان بولاد)*.. غناء الوالد للأولاد
الزمان: عصرية من عصريات خريف العام،1990م
المكان: الظل الممتد من حائط المطبخ في بيتنا
كان والدي، الجّالس على السجادة، قد رشف آخر رشفة من كباية الشاي، ثمّ صمت لبرهة وهو يمسح ببصره فسحة الحوش المنتهية أمامه إلى باب لا يغلق أبدًا، ولا يوجد ما يُغلق به هذا الباب.. جرَّ عنقريب قصير كان بقربه، جرة بسيطة لا معنى لها، من ثم استوى على العنقريب واتكأ، وسرعان ما تمدد تمامًا، إلا من رجله اليمنى المعكوفة التي أصبحت عمودًا منتصبًا وسط العنقريب، عمودًا تستند عليه الرجل اليسرى المرفوعة، فكوَّن برجليه مثلثًا قاعدته إلى أعلى، وهي ساق رجله اليسرى! كحّ كحة مفتعلة، مرة أو مرتين، قبل أن يبدأ في الغناء على طريقة الرعاة القدامى، كان هذا الوضع هو الوضع المثالي لغناء والدي، ويستطيع أن يغني به لساعات طويلة، وبحكم ملازمتي للوالد، استطيع القول إنني لم أضبطه يغني دون أن يتخذ هذه الوضعية: جسم ممدد وأرجل ترسم المثلث المقلوب! في تلك العصرية غنى:
أهلك رحلوا ودرجوا
على المرضان ما عرجوا
يابكيرة الإتقرجوا
البكاء للزول شن فرجو!!؟
وهي أغنية طويلة من حرقة حشاء محمدزين ود عمر الذي فقد زوجته (أم عيسى) في سياق اجتماعي سخيف وفعّال، أورثه الجنون والندم وعض القلب حتى يسيل دمه!


فرع القرض الكابي
وتحتو يكر الدابي
أنا جنيت يا أصحابي
من أم سنًا قصابي
كان يغني والدي كما لو أن العالم كله ينتظر هذا الغناء.. وكان يستغرقه الشجو كما لو أنه هو الوحيد في هذا العالم، وليس ثمة من أحد سواه!! كنت أسمع آهات مكتومة أو مبددة في نبرات صغيرة أشبه بالفونيم أو أقلّ، وتنتهي هذه الآهات المبددة إلى هزيم طويل: (أمممممممممم) ويمثل كل هذا الموسيقى الخلفية للأغنية:
عمي أديتو قطاعة
لاها جسارة ولاها بتاعة
شال مني أم صقاعة
عسلية الأهلو رفاعة
***
عقدوا الشورة أعمامك
وحزمو الحُق قدَّامك
شبلوا أب رشمة زمامك
ومتل العجوة كلامك!!
جاء أبي من شرق السودان إلى الجزيرة في العام، 1969م، بعد أن هجر مهنته القديمة (راعي إبل) إلى الأبد، والتحق بمهنة جديدة هي الزراعة في المشروع الحديث، وقتها، امتداد المناقل. كانت هجرته بمثابة عودة إلى جذور قديمة تربطه إلى المنطقة الواقعة شرق مدينة الكوة بالنيل الأبيض، والشاهد أن أهلي غادروا هذه المنطقة في السبعينيات بعد ألف وسبعمئة من التقويم الميلادي، واتجهوا شرقًا عابرين النيل الأزرق، وغالب الظن أن أحدهم هو الذي صاغ هذه الأبيات الشائعة:
الباشا البشكولو
شن عرضو وشن طولو
إن حجّر حلّولو
حت شرق الله البارد هولو!!؟
وقد كتبت الأبيات إبان العسف الذي مارسته السلطات التركية على السكان أهل البلد في قرى الجزيرة، ووجدتُ من ينسبها إلى (عبد الله والماحي أولاد فتر)** كان أشدّ العسف وطأة هو فرض ضرائب باهظة، يترافق جمعها مع أنواع مقيتة من التحقير والتنكيل! وبالطبع لن يحوِّجني صفوة "سودان فور أول" كي أشرح وأقول إن مقطع: "شن عرضو وشن طولو"، هو محض سؤال استنكاري أداته الأمتار عن قيمة وماهية وحجم الشخص موضع التساؤل، وما يشغله هذا الشخص من فراغ بالنسبة إلى الوجود الفسيح! ولن يحوِّجونني، أيضا، للقول إن مفردة "حجّر" تأتي مرادفة لمعنى كلمة "منع" وأن "حلولو" هي جمع "حلة" التي هي قرية في التصنيف الطبقي للمستوطنات السودانية!
يبدو أنني ابتعدت كثيرًا عن غناء الوالد، لكن ها قد عدت.. كان خاطر أبي ولسانه يعافان الغناء الخاص بمنطقة الوسط؛ من لدن "الحقيبة" حتى أغنيات "الزنق". وفي الواقع، هو لم يصرِّح بذلك، ولكني لم أضبطه قط يغني لإبراهيم الكاشف، ولا إبراهيم عوض أو حسن عطية، ولا أحمد المصطفى... إلخ، وربما لا يعرفهم أصلًا. ولا أستطيع اقناعه، بأي شكل من أشكال الاقناع، بحداثة الغنائية التي فتح نافذتها خليل فرح، ولا النّقلة الموسيقية التي أبدعها إبراهيم الكاشف منذ أن دشن أغنيته (كان مالي وأنا مالي بيه)! لكن سرعان ما حصلت منه على الإعجاب والتقدير، مرة، وامتدح ذوقي الغنائي، حين اهديته نسخة من شريط كاسيت يغني فيه الهمباتي الحمري (أحمد تيراب):
كان أَمسيت بقول يا الخنجر
وكان أصبحت مردوم بالحديد ومجنزر
المنام زنزانة والمرور في العنبر
والحرس دينكاوي مسك أم كماين وصنقر!
______________
* طرف من أغنية "ليالي الإنس" للشيخ الجيلي ود بدر
** شوقي بدري، كتابة في موقع الراكوبة
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

كتب يوسف حمد في شرحه الدبلوماسي :wink: :
وبالطبع لن يحوِّجني صفوة "سودان فور أول" كي أشرح وأقول إن مقطع: "شن عرضو وشن طولو"، هو محض سؤال استنكاري أداته الأمتار عن قيمة وماهية وحجم الشخص موضع التساؤل، وما يشغله هذا الشخص من فراغ بالنسبة إلى الوجود الفسيح! ولن يحوِّجونني، أيضا، للقول إن مفردة "حجّر" تأتي مرادفة لمعنى كلمة "منع" وأن "حلولو" هي جمع "حلة" التي هي قرية في التصنيف الطبقي للمستوطنات السودانية


عاد ما بالغت يا ود أمي!
أها ناس سودان فور أول يزيدونك من الشعر مقطعين من حزن ود عمر في فقده أم عيسى "في سياق اجتماعي سخيف وفعّال":

سَمْ حورك وسَّرْتي
بالاتنين قدمتي
جابولو البعرف لي
في البَرْكة يفج رُكبي

سَمْ حورك مو نقنيق
في الصندل عودو شقيق
ناجر أم صف موهو مضيق
مجَّضِّم وفاك الريق


وللحديث بقية :wink:


صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

قويه يانجاة..:) أو كما يقال بلغة الشارع (سان تأمن)

هذا الشاب الأديب الماركسي يوسف حمد خريج المعهد العلمي أمدرمان كم وددت ان اسأله كيف أستطاعت الماركسية التسلل لحياض المعهد العلمي رغم علمي بأن المعاهد العلمية الدينية فى السودان خرجت أميز اصحاب العقول العلمية والنقدية أظن أن بروفسير عبدالسلام نور الدين هو أحد خريجيها , لا أود أن أخرج من نص يوسف حمد الجميل بذاكرته المشوبه بحزن الرحيل عن المضارب والأوطان

لدى نساء بلدنا عباره ذكرتنى لها تنبيهك لأهل فور اول فهن يقلن (فلان شن باسو) وشن معروفه فى الدارجه وباسو تعود للبأس حتى أن هناك قريبة لنا لقبت (بشن باسو) لتكرارها لهذه العباره أظن انها العباره هى من ذاك الوصف.
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

سلام يا يوسف
اماني ما كتابتك سمحة
حبابك الف
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

نجاة يا نجاااااااااااااااااااااة.. شكرًا يا عظيمة.. والله لم أجد قلب يسع فرحي ولا عقل، وأنا أجد عندك طرف من حرقة حشاء محمدزين ود عمر..
أرجو ألا يطول انتظارنا لبقية الحديث، وألا تكون دبلوماسيتي من النوع المعيق!
مودة ترقى إلى صلة الرحم
***
صديقي حاتمي إلياس، وصل ماركس (إلى المعهد العلمي، أم درمان) بتوفيق من الله، لا أكتر ولا أقل!!
***
شكرًا يا عصام علي شكراً كتير!
مودتي
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

لاقينا ماركس في الجّخانين!

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »


نعمْ، سرى طيف من أهوى؛ فأرقني.. والحبّ يعترض اللَّذات بالألم
محمّد بن سعيد البوصيري (1213- 1295) م
قال الصّديق، حاتم إلياس المحامي: "... وددت لو اسأله كيف تسللت الماركسية إلى حياض المعهد العلمي..."!
ومن باب شفقة السّودانيين، لا إشفاق العرب، سأبادر بالإجابة على سؤال حاتم غير المطروح، وسأتدثر بخشية عظيمة، هي خشية أن تأتي إجابتي من باب (التّكحيل) المفضي إلى العمى.. إذ ربما أرمَّدتُ الماركسية ودروبها إلى المعهد، حين رغبت في تكحيلها، أو ربما كحّلتُ سؤال حاتم إلياس نفسه، فلم تر عينه إلا النّور، كما تجري العبارة الشّامتة المتهكمة!
وابتداءً، وباستخدام أقلّ المراويد خطورة، سأكحِّل عين حاتم إلياس، حتى يتمكن ويرى إنني لستُ الماركسي الوحيد المتخرج في معهد أم درمان العلمي، ولا السّبّاق في هذا الأمر؛ (فياما سبقوني مراكسة إلى حياضه)، وسبقتني كتب وكراسات ودفاتر ماركسية إلى المعهد؛ فقد كانت الدّفاتر الماركسية تأتي خلسة لتتلاصق، جنبًا إلى جنب، مع موطأ الإمام مالك، وترقد في الأدراج المدرسية إلى جانب (قطر النّدى وبل الصّدى، والأربعين حديث النّووية، وشرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، والبرهان في تجويد القرآن، وكتيب علم مصطلح الحديث... إلخ) وتتشاكل دفاترها مع اختلافات سيبويه، والأخفش، وابن شجر، وأبو الفتح عثمان بن جني، الذي قال عنه المتنبئ "هذا رجل لا يعرف قدره كثيرٌ من النّاس"، ولعل المتنبئ، كشاعرٍ، وجد في ابن جني إعانة على تحطيم قواعد النحو المتخيَّلة التي تجافي الواقع اللّغوي؛ وإذا أمعنت النّظر المكحّل، يا حاتم، فلا شك أنك واجد النّسب المناسب بين الماركسية وعلم النّحو التّاريخي الذي ابتدعه ابن جني، مثلًا، مع أنني لم ألحظه في ذلك الوقت.
من الجّهة الأخرى، فإذا كانت ساحات المعهد تصلح لتمثُّل، أو نقد، الأشاعرة، وأخوان الصّفا وخلان الوفا، والمعتزلة، والماترودية؛ وفيه متسع للغزالي وابن رشد؛ فقد كانت جخانينه ومكاتبه تصلح لأن تستضيف كارل ماركس، وأكثر من ماركس، وبالطّبع، لن أذكر محنة التّيجاني يوسف بشير المنسوبة إلى عقل كافر انشغل بسؤال الشّعر؛ فالتّيجاني أوضح من أن يُذكر، ومحنته أكبر من أن تُنسى.. ولو كنتَ حضرتَ معنا حصة الأستاذ الظّافر خليل الظّافر، أستاذ علم التّوحيد، يا حاتم، لقلت إنّ القيامة ستقوم خصيصًا، كي تعجِّل بحرق هذا الفصل، وأنَّ أبي منصور الماتريدي، غادر هذه الحصة قبل دقيقة واحدة، وليس هو المتوفي سنة 333 هجرية، ولاستفهمت في محنة وحيرة عن العلاقة بين (ماتريد) في سمرقند، والبصرة، وحي العرضة شمال، حيث يتمدد المعهد العلمي كصرح منذ العام، 1912م، قبل أن ترحَّل مبانيه، بأسف وشطط، إلى مباني مدرسة قديمة ومتهالكة في العرضة جنوب! وهذه موجدة غير مبلوعة!!
والفضاء فضاء أشاعرة ومعتزلة، والمعهد مفتوح إلى العالم كله، لم يكن بدعًا أن يتسلل إلى مسامعي كارل ماركس المولود في مدينة ترير الألمانية، وللمفارقة، لم أسمع به ككافر وملحد و(الله متبري منو)، كما كانت تزعم الدّعاية الصّارخة، إنما قدِّم لي، خارج دروس المعهد، بعبارات محايدة، بوصفه (فيلسوف حديث يسعى إلى فهم العالم والمساهمة في تغييره)، أو نحو ذلك من العبارات الغامضة بالنّسبة لطالب في سني، ومع ذلك الغموض، أشهد أن أستاذي في الماركسية كان بارعًا في تقديم ماركس، إذ قادني، مع طلاب قلة، إلى محاولة اكتشاف ماركس بشكل جماعي، ولم يبادر، في أي يوم من الأيام، إلى تقديم نفسه بوصفه المفسِّر الخنذيذ للماركسية وخباياها، ولم يكن يحمل علينا كي نقرأ دفاتره المقترحة (كسر رقبة)، وغالب الظّن إنه مُني منّا بالخذلان المبين؛ إذ لم نكن بالّلباقة التى انتظرها!
ومع ذلك الزّخم الذي آراه، مع مرور الزّمن، كشيء جميل، لا أزعم أنّ المعهد العلمي كان مسرحًا للمتعة والعلوم والفكر الحر؛ فهذا أمر لم يحدث إلا في اليوتبيا الذهنية المحضة، أو في الدّعاية القديمة لجامعة (نالاند) البوذية، فقد قال التّيجاني من داخل فصول المعهد:
ولقيتُ من عنت الزّيود مشقةً, وبكيتُ من عمرو ومن إعرابـه!
وأنا نفسي، بكيت من الزّيود، ولم أسلم من العنت والمشقة و(قرصة الأضان) الحارة بين أصابع الشّيخ الثمانيني محمّد الأمين المحيسي، وهو المتهم، وسط الطّلاب، بكونه الغريم اللدود للتيجاني يوسف بشير، ويقال، على ألسّنة الرّجال من غير سند، إنه هو الذي حرَّض وألّب النّاس ضد التّيجاني في الواقعة الشّهيرة! غير أنّ (قرصة الأضان) واتتني في سياق اهمالي لدروس البلاغة العربية التي كان يدرِّسها المحيسي، وفي الواقع، جاء اهمالي من كرهي للبلاغة، وما زلت أكرهها إلى يوم الناس هذا.. ويا لقرصة المحيسي من قرصةٍ، ويا لعنت الزّيود من عنت! ربما لولا هذه القرصة، وذاك العنت لتماديت في كتابة الشعر الركيك، لكن لله الحمد؛ فقد أراحت هيبة المحيسي الناس من شاعر لن يكتب إلا الهذر.
فرحتُ بكوني طالب تخرج في المعهد؛ ومبلغ فرحي بمعهديتي هو أنني عايشت (مانوية) ذوي القربى مقطرة تقطير، وذلك قبل أن اقرأها عند فرانز فانون كسيكلوجيا لوصف جذور القمع والاضطهاد في الجزائر، مثلًا، أو أعيها مشروحة عند عبد الله علي إبراهيم وإدوارد سعيد، في سياق التبصُّر المنير لبلاوي ما بعد الاستعمار (Post-colonialism)، فقد كانت المانوية معاشة داخل المعهد نفسه، ولم يحتاج الطّلاب للخروج إلى البعيد عن جدرانه للإحساس بورطتها.. وأس مانوية ذوي القربى التي أعنيها هي أن المعهد ألحق بمنهجه الدّراسي مواد (اللغة الإنجليزية وآدابها، والرّياضيات، والتّاريخ، والجّغرافيا، والفنون والخط العربي، والكيمياء والفيزياء، والأحياء) والثلاث الأخيرات لطلاب السّنتين، الأولى والثانية، دون السّنة الثالثة. وتسمى داخل المعهد بشعبة العلوم الحديثة، مقابل شعبة الدّراسات الإسلامية، وشعبة اللغة العربية وآدابها. وإمعانًا في المانوية الدّاخلية، كان للطلاب من المعاهد الدّينية المتوسطة فصلهم الدّراسي الخاص، المناظر لفصلين خاصين بالطّلاب أمثالنا، ممن قدموا من المدارس المتوسطة غير الدّينية، ومسموح للمعهديين بلبس الجّلابيب والعمامة، فيما تحرَّم علينا نحن تحريمًا غليظًا، وعلينا أن نلتزم بالقميص الأبيض والبنطلون البني. وفي العرف الاجتماعي للطلاب، يجوز في حقنا، نحن طلاب المدارس المتوسطة دون غيرنا، سماع الأغاني والموسيقى، وتدخين السّجائر، وسف التّمباك، ولعب كرة القدم، والانضمام إلى التّدريب العسكري المدرسي، والذهاب إلى السّينما، وكتابة الرّسائل الغرامية إلى البنات، وسائر المحرّمات التي تجلبها الحداثة إلى سوح المعهد، وباختصار، كنا نمثِّل الجانب الحديث داخل المعهد.. وفي سياق هذا الفصل الغريب، قلت مرة لصديقي تشادي الجّنسية، أبوبكر، وأنا أُلاطفه: "لفت عمامتك تشبه زعيم الأنصار، الصّادق المهدي"! وسرعان ما ضحك رفيقه التّشادي الآخر، وقال: "يوسف يشبِّهك بشخص رفض تطبيق الشّريعة الإسلامية في السّودان"! فغضب صديقي أبوبكر! غضب والله من هذا التّشبيه، ووجد الفرصة مواتية لينعتني بأنني مستلب للفلاسفة الدّهريين! فقلت في سري: ياخي دهريين دهريين، أها تاني شنو يا زول!!؟ بالمناسبة، فات على عبد الله علي إبراهيم، في (الشريعة والحداثة) كتابة ولو سطر واحد في حقنا، وقنع منا بالخير الذي وجده عند عبد الله الشيخ البشير (1928- 1994م) واصبحنا نحن، بالذات، الذين ينطبق علينا المثل الدّارج: "بت البيتين الطّلعت بتاع"!! فكل فريق من فريقي عبد الله، أهل الحداثة و أهل التّقليد، ترك مسألة ختاننا في ذمة الفريق الآخر؛ ولهذا لم اندهش لاندهاشة حاتم إلياس الذي وجد ختاني بالمقلوب! وودّ لو يسألني، لكنه استحى!!.
بعيدًا عنّا كطلابٍ غرماء في مدرسة واحدة، كانت ثمة حرب مكتومة، أو معلومة، بين الأفندية أساتذة المنهج الحديث، والنّظراء من المشائخ، وقد سمعتُ أكثر من مرة، وسمع غيري من الطّلاب، استهزاء الشّيخ (...) بالأساتذة المشنطين بالبنطلونات، لكونهم "دنّسوا أرض المعهد العلمي"، كما ظلّ يردد بغضب يخرج به عن حدود قفطانه البني المنير، وسرعان ما تتعالى ضحكات الأفندية وينسبون هزؤ الشّيخ إلى عقلٍ مخرِّف، لكنه ليس الخرف، على أية حال!
في كل هذا، كان سهلاً أن نتحرك في فضاء أرحب من الاختلافات الفكرية داخل الدِّين وغير الدِّين، ويتحرَّز الكثيرون منا، في هذه الفضاءات، بقول البوصيري:
ولا تطع منهما خصمًا ولا حكمًا
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم!!
غير أن حرزي الشّخصي كان واهيًا أمام استقبال الفيلسوف الدّهري كارل ماركس بالذات، وقبلته حكمًا وحكيمًا!
المعذرة يا حاتم، فأنا أكتب من "شحم القلب والذاكرة"، في تحوير طفيف لعبارة ثائر ديب؛ فهل عرفت كيف تسلَّلت الماركسية إلى حياض المعهد العلمي؟
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كيف اخترقت الماركسية المعهد العلمي؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا صفوة
أظن [ آثما طبعا] أن الماركسية تسللت إلى المعهد العلمي من "سورة النساء "و الله أعلم:



وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴿75﴾

سأعود
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

سلام يا دكتور حسن
والأمر كما ذهبت، ربما نخرج في يوم ما بكتاب نسميه (العقل والإيمان في ما اتفق بين الماركسية والقرآن) ثم نجلس لننتظر الثواب!
في انتظار عودتك!
أضف رد جديد