تاريخ "البنبر" في السُّودان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

تاريخ "البنبر" في السُّودان

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

تاريخ "البنبر" في السُّودان
بعدة أسانيد، يمكن القول إن السّودانيين لازموا الجّلوس على الأرض لسنوات طويلة، خاصة في أماكن تجمعاتهم، إذ كان العامة منهم، وهم نطاق كتابتنا هذه، يفترشون فيها البسط والبروش المصنوعة يدويًا من السّعف، ومصالي جلود الخراف، المسماة شعبيًا بـ(الفروة)، وذلك قبل أن تكتنف حياتهم السّجادات المنسوجة بواسطة الآلة الحديثة، ولم تشر أيًّا من المنحوتات القديمة، أو الصُّور الفوتوغرافية الأقل قدمًا، مثلًا، إلى أنهم كانوا يجلسون فرادى على شيء له هيئة ويرتفع عن الأرض، فقد كانت غالبية أوضاع التصوير، مثلًا، هي أن ينتظر الواحد منهم فلاش الكاميرا وهو واقف بمنتهى الصرامة وفي رأسه عمامة.. ما يعني أنهم لم يعرفوا الكرسي إلا في سنوات متأخرة جدًا، وربما بعد أن عرف الاستعمار طريقه إليهم، وقد ارتبط الكرسي، لدى بعض منهم، بكونه هو أداة الجّلوس الخاصة بالناس غير الموثوق في رجولتهم، أو فحولتهم، وبالطبع، الأمر ليس سيان بين الفحولة والرجولة!! وفي هذا السّياق روى لي صديق فكه مفارقة مضحكة، تقول إن أحد الشيوخ المعمرين في القبيلة، كان في حشدٍ ما، يجلس على الأرض في فرشٍ عادي، وكان إلى جواره كرسي، فقال له أحدهم: "يا حاج فلان قوم أقعد في الكرسي"! فكان رده: "أنا أقعد في الكرسي! إنت قايلني أنا زول باطل"! بعد هذا، هل تتخيل رد فعل ذلك الشيخ لو أن أحدهم دعاه إلى الجّلوس في بنبر، بدلًا عن الكرسي؟!
جاءت هذه المقدمة عنوة، ولم أكن أرغب فيها بهذا الشكل، وربما لو انتظرت قليلًا لكانت غير ما جاءت عليه، والآن، لو استطاع أحدكم قراءة هذه الموضوعة من غير مقدمة فليفعل، لكن ما الموضوعة؟ الموضوعة هي "تاريخ البنبر في السّودان"، وفي الواقع، فإن البنبر كان له حضوره المنحاز، حصريًا، إلى أصلاب النساء ومؤخراتهن، أكثر من انحيازه إلى الرجال، وكان البنبر المنجور من فروع الأشجار ومنسوج من خيوط الجّلد، أو حبال السّعف، هو أداة الجّلوس الوحيدة في غالبية المطابخ السّودانية، المطابخ فقط، التي هي (تكل العواسة)، وربما حضر البنبر في جلسات المشاط وشرب القهوة النهارية.. كنتُ سأمضي في هذا الزعم، إلا أن الطيب محمد الطيِّب صاحب كتاب (الإنداية) جعلني استدرك، ولو قليلًا، حين قرأت قوله "يوم كانت الأنادي تستخدم البروش؛ فلشيخ التاية بنبر خاص به، وبعد انتشار البنابر يخصص له أكبر البنابر وأوثرها".. طبع الطيِّب كتابه في العام، 1974، بعد أن جمع مادته خلال سبع سنوات من الطَّواف على الأقاليم السّودانية، ما يعني أن لتعبير "انتشار البنابر" الذي استخدمه دلالة ينبغي أن نقف عندها ونحن نتتبع تاريخ البنبر في السّودان.. في كل ذلك، كان صانع البنبر فنان متعدد المواهب داخل صنعته، ينحت الأرجل بفنٍ واتقان، وينسج خيوطه بروعة وبراعة، وكان كسر بنبر ما عند سته، هو بمثابة الخبر المهم الذي تتناقله نسوة الحي كلهن، وعادة ما تترافق معه عبارة الـ (كر علي) المواسية!! هذا قبل أن يجتاحه الحديد والبلاستيك، وينتشر في جميع شوارع العاصمة الخرطوم وبقية المدن، ويكون هو وسيلة الجّلوس الوحيدة لكل شخص غادر بيته أو مكتبه، أنا هنا أقصد الخدمة الجّليلة التي تسديها بائعات الشاي لمؤخرات الرجال والنساء، قبل رؤوسهم وبطونهم.. في هذا المقام، ينبغي أن نحمد للاقتصاد السّوداني كونه لم يسمح، حتى الآن، للصينيين بغزو سوقنا ببنابر صينية!
في شوارع الخرطوم، تنتشر البنابر على نطاق واسع، بل لا تخلو منها حتى الأزقة الضّيقة المهملة، واصبحت هي الوحيدة، لا غيرها، التي تسعف طالب الجّلوس، سواء للونسة أو الانتظار والتسكع، وقد عالجّت، إبان عملي في الصحافة، مادة صحفية طلبت فيها إلى الناس أن يوجهوا شكرهم إلى ستاتهم بائعات الشاي اللائي وفرن هذه البنابر؛ فلولاهن لظلت الخرطوم مدينة للممشي أو الوقوف الجّماعي!
يتبع...
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

آية البنبر

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا يوسف
سيرة البنبر عامرة لكنك غفلت عن راوي حكاية الشيخ المستنكف عن الجلوس على الكرسي
فهي وردت في مشهد الكرسي في خيطي جيوبوليتيك الجسد و كنت سمعتها من صديقي الأبيضاوي محمود عمر يرويها عن جده.
انظر الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 64f36b746e

و هذا لمعلوميتك حتى ما ينط ليك زول يقول ليك كيت و كيت و كدا
مودة
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

دكتور حسن يا مبجل..
المعذرة، لقد فاتت عليَّ قراءة خيطك عن (جيوبوليتيك الجسد)، وهذا مما يؤسف له حقًا؛ والحاصل أنني سمعت النكتة في ونسة عامرة بذم عصريات وأمسيات الخرطوم البائسة، حيث كنا نجلس متأففين من حالنا في ساحة (اتنيه) على بنابر ستات الشاي والمسابط المغبرة في وسط الساحة؛ ولأن السخط يولد النكتة أحيانًا، استدعى أحد الأصدقاء هذه المفارقة؛ فلفحتها منه ولفحت معها فكرة تتبع تاريخ هذا البنبر الذي يسعف مؤخراتنا. والآن، لا استبعد أن يكون هذا الصديق قد لفحها من خيطك المومأ إليه؛ فهو شديد الاهتمام بما تكتبه وترسمه، وربما سرعة الونسة هي التي منعته من اسناد نكتته بالقدر المطلوب، فأطلقها هكذا، مجرد نكتة.
أجدد اعتذاري، لك ولكل من نوى أن يقول (كيت وكيت)!!
مودة ترقى إلى صلة الرحم
أضف رد جديد