والبندر فوانيسوالبيوقْدن وقَدَن : ما وراء رسالة عبد الله

Forum Démocratique
- Democratic Forum
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام يا حسن موسى

بعد العصيان المدنى والذى استمر من يوم 27--30 نوفمبر
لم يكتب عبدالله عن هذا الحدث السياسى الكبير
كتب قبل ذلك ما اوردته انت عن رفع الدعم والاضراب السياسى ولم يكتب كلمة عن العصيان المدنى حتى اليوم اول امس كتب عن العقل الرعوى
سؤالى عن صمت عبد الله ليس سؤالا استفهامى بل هو سؤال اتهامى
لان تحرك الشباب والعصيان المدنى يزعج عبد الله مثل ما يزعج نظام الانقاذ

لم اطرح سؤال لماذا لم يكتب حسن موسى
بسبب ان عبد الله يكتب يوميا تقريبا فى الشان السياسى السودانى كتابة تصب فى مصلحة نظام الانقاذ
وتاكيد اذا ما كتب حسن موسى مثل ما يكتب عبدالله سوف نلاحقك بالسؤال والنقد والاتهام

نجى على قصة المسخرة بتاعت سيزيف وما شابه

سهل جدا الرد عليك بسخرية ومسخرة كمان
خد عندك

اولا محمد سيزيف
دى مكنة جربتها مع عبد الجبار وما قسمت

تكتب عن عبد الجبار وتصفه بالكاشف اخوى ((وانا اتشرف باخوة وزمالة ورفقة رجل مثل عبد الجبار))يعنى انت عامل فيها عشة الفلاتية
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مسئولية الكاتب

مشاركة بواسطة حسن موسى »




سلام يا محمد سيد أحمد
ياخي سيرة سيزيف دي جابها "أخوك الكاشف" على زعم نصراني غميس فحواه عبثية العمل العام في السودان.يعني يا محمد سيد أحمد ، أخوك سيزيف دا شغال في "الميدان" زمنه الفات كله و هو موقن من أن كل ما يرفعه سيتدحرج للقاع لا لسبب سوى أن الألهة الغاضبة تتلذذ بعقابه . و على أي خطيئة؟ مندري؟
هسع في " مسخرة" [ إقرأ "مصخرة"] و استخفاف بعقول الناس أكبر من كدا؟
يا خي استغفر و توب إلى الله عشان عمل التقدميين السودانيين الأنحنا شايفنو قدامنا دا عمل نافع و مثمر و الشعب السوداني يخفظ لهم أفضالهم الكثيرة على حركة الديموقراطية في السودان. أما عاشة الفلاتية فتشرفني هي و أخوها الكاشف العظيم.

تقول يا محمد سيدأحمد أن عبد الله " لم يكتب كلمة عن العصيان المدني حتى اليوم"
يازول عبد الله دا ما شغال معاك كاتب راتب و هو يكتب على كيفو و لو ما عاوز يكتب بطريقتو و ما في زول طالبو قروش.


و تقول
سؤالى عن صمت عبد الله ليس سؤالا استفهامى بل هو سؤال اتهامى
لان تحرك الشباب والعصيان المدنى يزعج عبد الله مثل ما يزعج نظام الانقاذ

لم اطرح سؤال لماذا لم يكتب حسن موسى
بسبب ان عبد الله يكتب يوميا تقريبا فى الشان السياسى السودانى كتابة تصب فى مصلحة نظام الانقاذ
وتاكيد اذا ما كتب حسن موسى مثل ما يكتب عبدالله سوف نلاحقك بالسؤال والنقد والاتهام

أولا ، حيرني كلامك المتحامل لأن مكاتيب عبد الله لا يمكن تلخيصها بأنها "كتابة تصب في مصلحة نظام الإنقاذ" .و ثانيا تساءلت على أي مشروعية سياسية تبيح لنفسك موقف الحكم الفصل و أنت خصم بين خصوم كثر في هذه المنازعة. و لعبد الله أن يسألك كما سألتك أنا من قبل:ـ
إتّ يا محمد سيدأحمد جاري ليك فوق برش ؟ ما تقعد تكتب الحاجات الإنت بتفتكر إنها ذات أولوية بدل تقضي يومك تتشكى من غياب كتابة عبد الله في كيت و كيت.

و ثالثا لم أفهم قولك:ـ"لان تحرك الشباب والعصيان المدنى يزعج عبد الله مثل ما يزعج نظام الانقاذ".
فبالله أشرح لينا ليه تحرك الشباب و العصيان المدني يزعج عبد الله، عشان القصة ما تبقى طق كي بورد ساكت.


سأعود
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

حسين خوجلى

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

قولوا للقطر المسافر الليله دي شيلك تقيل: عن محنة سبقت لحسين خوجلي .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

التفاصيل
نشر بتاريخ: 20 كانون1/ديسمبر 2016
الزيارات: 365

كتب الأستاذ عزالدين الهندي بجريدة آخر لحظة في نحو 2012 كلمة تأسف فيها على خبر ذاع عن نية زميلنا الأستاذ حسين خوجلي، محرر جريدة ألوان، الهجرة إلى بريطانيا. وقد قرأتها بمزيد من التقدير لاستنصاره لنا للحيولة ضد هجرة حسين. وهذه تبعة الزمالة التي هي روح المهنة (أياً كانت) وريحانتها. فما ضرنا سوى تفريطنا "من جم" في هذه التبعة إنسياقاً وراء ألوية عقائدنا الحزبية. فقوام المهنة ما يسمى ب"روح الفيلق" (spirit de corps )التي تدفع عن المهنة (ما التزمت بالأصول والأدوات والخلق) التعدي من حيث جاء. وربما كان حسين نفسه، في الذي اشتهر عن جريدته ألوان، قد جافى روح الفيلق هذه مما أضر بأفراد أو جماعة من الناس. ولكن متى سيأبى البحر الزيادة؟ وكفاية كده.
إن حسيناً مما لا تكون الخرطوم بدونه. إنه حالة أن تكون في الخرطوم: من عبارته الرشيقة نزولاً إلى لؤمه وشطحاته. فقد ظننت أنه أراد بي شراً حين استضافني في برنامجه الذكي "أيام لها إيقاع" في 1996 وأمطرني بشواظ أسئلة عن قشيريتي-شيوعيتي ورفاقي. وكل من لقيته قال لي فعلت حسناً فقد افحمت حسيناً اللئيم. وطمأنت شانييء حسين إنه فعل ما ينبغي لإعلامي أن يفعله بحكم المهنة حيال شخص مثلي عاش ويعيش تحت أعواد مشنقة تاريخ خطر مجهول أو مغيب. وظللت أثني على حسين لأنه اقحمني في تجربة النظر بحب ونقد وتجرد لتاريخ كنت بعضه. ووطنني فيه كما خلعني منه. وإذا زكى أفضل البشر كون المسلم مرآة المسلم فقد كان حسين مرآتي.
ولو هاجر حسين وحده لربما قلنا سفر الجفا. ولكن أن تتبعه الدكتورة أمينة الشريف وملاذ حسين وعبد إلاه فلا ثم لا. فقد جمعتني بتابعية حسين رابطة أسرية أغلتهم في نظري. فلم أقرأ نعياً لعم مثل الذي كتبته أمينة في جريدة "السوداني" عن عمها المرحوم الشريف عبد الله بركات. فلم يكن الشريف محض شريف وعم في النعي. بل خرج علينا من سطور النعي إنساناً أحاطت أمينة بحركاته العاشقة للخير وسكناته الموفورة بالورع. وجلست إلى ملاذ مرة. وهي "تقدمية" وكفى. فالمؤمن يلد صدقاته المتنامية عند الله. أما عبد الإله فهو ما صح أن نعض عليه بالنواجذ ذكرى من سميه عمه الشهيد عبد الإله خوجلي الذي لقى مصرعه عند مركز الهاتف بالخرطوم خلال جردة الجبهة الوطنية على نظام النميري (المعروفة بالمرتزقة) عام 1976. ولا يذكره حسين إلا مسبوقاً بالشهيد بعد ثلث قرن من الزمان. فلن تثمن دهاليز الغربة اسم عبد الإله ولا ورسمه: ومن يعرف عيشة في سوق الغزل؟
أرجو أن يصيخ ولاة أمرنا إلى دعوة الهندي لرد الحقوق لحسين. فلا أعتقد أن حسيناً ارتكب ما لا يمكن للمحاكم أن تتعاطاه إدانة وتبرئة أو ما يشمله العفو زلفى. فلحسين تعريف بليغ للصحافة كما رواه لنا الأستاذ عادل الباز. وحسين غشاء لمحكمة الصحافة حتى أضحت بعض حقوله "الصحفية" المستدامة. واذكر أنني لقيته متوهطاً فيها في المرة الوحيدة التي استدعتني النيابة بسبب موضوع جارح للشرطة. ولا أعرف أنني وجدته مطمئناً لأي مكان مثل اطمئنانه لنيابة الصحافة. قال الباز إن هناك من له دين على "ألوان" يغالط حسين فيه. فناشده الرجل أن يحل دينه لتنام عينه قبل أن يعرضه على المحاكم. فقال له حسين: "أمشي المحكمة قاضيني ياخي. إنت الصحافة دي قائله شنو. ما كتابه ومحاكم".
ولا أعرف عنواناً هزني مثل عنوان حسين لكلمته التي نعى فيها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم. ومتى كانت هناك جائزة للعناوين الآسرة فسيأتي عنوان حسين هذا في المقدمة ابداً. فما له من وزين. كان عنوان حسين لمرثيته: قولو للقطر المسافر الليل دي شيلك تقيل. ونسأل الله ألا يمحننا في حسين بالهجرة لأن شيل الطائرة سيكون ثقيلاً واقعاً ومجازاً.

شكراً لك يا هندي على هذه الكلمة بحق حسين وأمينة وملاذ وعبد الإله.
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مرحى

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

مرحى يا عبد الجبار

اوقد شباب العصيان المدنى
فوانيس الضياء
فرح بها كل شرفاء الوطن

الا من فى عينه رمد
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

مرحى يا محمد وكل المهتمين والمتابعين
وأتمنى للجميع عاما جديدا سعيدا موفور الصحة والعافية لنا وللوطن المنكوب
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

ليس كل ما يلمع ذهبا"

في نقد المفاهيم (7)

أيُّ نهجٍ في علم التاريخ وفلسفة التاريخ يا بروف؟



[size=24]ومن رحم المصالحة الوطنية تناسل الطفابيع ..انسلَّ الغول وما زال ينعق في سماء بلادنا طائر الشؤم منذ 27 عاما


ولمّا لم نبرح بعد شبراً واحداً "حاكورة التاريخ" التي ادعى الدكتور عبد الله علي ابراهيم ملكيتها واحتكارها لنفسه بعبارته المغلظة "إياك أن" فإن من الواجب أن نعطي صورة موجزة على الأقل عن ملامح التاريخ السوداني المعاصر الذي شكّلته مصالحة نميري "الوطنية" المزعومة وما أعقبها من مشهد سياسي اجتماعي اقتصادي ما زال ماثلاً أمامنا وجاثماً على صدر الوطن إلى يومنا هذا ونحن على أعتاب عام جديد وإحياء ذكرى مرور 61 عاماً على استقلال السودان الذي لم يكتمل بعد في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المعنية ببناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة ناهضة تسع لجميع أهل السودان ويسودها حكم القانون ومساواة الجميع أمامه، وتُحترم فيها حقوق الشعوب السودانية كافة بكل تنوعها الديني والعرقي والثقافي، وتُحسَنُ فيها إدارة ذاك التنوع واستثماره مصدرا ملهماً وغنياً لتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار والتنمية وإحلال السلام الدائم الوطيد، فضلا عن كونه ثروة روحية ثقافية هائلة قادرة على نزع فتيل الحرب ونبذ الكراهية والخطاب العنصري البغيض، ووضع حد للتمييز الذميم بين السودانيين على أساس الجنس أواللون أوالعقيدة أوالانتماء الجغرافي مثلما هو عليه الحال طوال حكم سنوات الإنقاذ المجدبة العجاف.

كنتُ قد ألمحت في موضع سابق من هذا السجال إلى أن مصالحة نميري "اللاوطنية" تلك كانت بمثابة حصان طروادة الذي انسلَّ من جوفه بِليْل جحافل تتار الإسلاميين الأوباش الذين أحالوا الوطن إلى قطعة من جحيم وأزروا بإنسان السودان وتاريخه وثقافته وحضارته زراية لا توصف وغير مسبوقة لا في تاريخ بلادنا القديم ولا المعاصر.

ولئن كان علم التاريخ علماً معنياً بالكشف عن القوانين الباطنية للصراع الاجتماعي الذي يحكم حركة تطور المجتمعات في الأساس، وليس مجرد سرد وصفي سطحي لتسلسل الأحداث، فإن هذا الجزء الذي سبق لي أن أوردته ضمن استنادي إلى وثيقة جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن- في نقد مصالحة نميري ودفاع عبد الله على ابراهيم عنها إلى اليوم-يمثّل مرتكزا فكريا هاما في دراسة وتحليل تلك المصالحة وما ترتبت عنها من نتائج في مسار حركة التاريخ ما بعدها:

"برنامج ومنهج قيادة أحزاب الجبهة الوطنية ضار بتطور ونجاح معركة المعارضة الشعبية، ولا يقدّم البديل الذي تنشده الجماهير، لأنه في جوهره يهدف لإنقاذ طريق التطور الرأسمالي ويسعى لإقناع دوائر الاستعمار الحديث الذي تموله وتدفعه بأن قيادة الجبهة الوطنية أكثر قدرة من زمرة السفاح نميري وفئة البيروقراطية الرأسمالية والمغامرين الطفيليين على تحقيق الاستقرار المنشود وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الرأسمالي".

ويقترن ذلك عضوياً ومنهجياً بتحليل الوثيقة نفسها للعوامل الداخلية والخارجية التي عجَّلت باتفاقية الصلح:

العامل الأول: والحاسم، نضال شعب السودان بفئاته وطبقاته الوطنية ضد تسلط مايو وطغيان حكم الفرد المطلق: ضد مصادرة الحقوق الأساسية والحريات الديمقراطية، وقهر الدولة البوليسية، ضد تجويع المواطن وتخريب الاقتصاد الوطني والعبث بثروات البلاد لمصلحة الرأسماليين والاحتكارات الأجنبية وأبُّهة الحكم، ضد التفريط في استقلال الوطن وسيادته، ضد الجدب الروحي والثقافي والتفسخ وانحدار القيم، ضد صعود الحثالة وشذاذ الآفاق لمواقع المسئولية.

وفي معرض تحليلها لتلك الظروف تنبأت الوثيقة أيضا بأن الخطر الأكبر المحدق بمستقبل السودان يكمن في إمكانية أن تسفر المصالحة عن إحداث أعمق وأكبر انعطاف يميني في البلاد.

كانت تلك هي المقدمات والفرضيات النظرية التي استبقت بها قيادة الحزب بحدس ثوري ماركسي لمّاح حينئذ ما وراء أكمة المصالحة وشجرة زقّومها. والسؤال التاريخي الآن: هل تحققت تلك الفرضيات على أرض الواقع بالفعل، هل تحولت إلى حقيقة تاريخية ملموسة كون المصالحة ليست سوى إنقاذ لنظام التطور الرأسمالي ومصادرة للحقوق والحريات الديمقراطية ونهب لثروات البلاد لمصلحة الرأسماليين إلى آخره؟

وقبل أن نجيب عن السؤال، أبدأ أولاً برد عبارة الطفابيع والثيمة الأدبية القصصية الجمالية التي بُنِيت عليها إلى صاحبها بشرى الفاضل الذي سكّها خياله القصصي الجامح حتى أصبحت ملكية فكرية خالصة له لا ينازعه فيها أحد.


يصف الكاتب الطفابيع بأنهم "مجموعة من الكائنات وهوام الأرض التي نجت من (الكارثة العظمي) التي حلّت بعد (الطامة الأولي) التي أعقبت هجمة الطفابيع الثانية المؤرّخ لها بعد عام من حادثة الصواريخ، والعام عند الطفابيع لا علاقه له بمواقيتنا وتقويمنا المعروف. فزمنهم دائري ولا علاقه له بدوران الأرض حول الشمس.

ويحدثنا الكاتب عن أن للطفابيع ثلاثة أعوام: عام الهم وعام الدم وعام اللمّْ.

في عام الهم تقول كل نفس (روحي.. روحي) ويحلُّ عام الدم عندما يحاول البعض الخروج من دائرة الهَمّ الخاص، فتحدث مجزرة طفبوعية – كالتي كنتّ أحد ضحاياها يا نوح- وفي عام الدم يكون منظر الدم مألوفاً كالماء في (أبو ستة).

أما عام اللَمّ فيبدأ عندما يتخلص الطفابيع من معظم (اللائيين) ويلوذ الباقون بالصمت المذل. وللطفابيع مقدرة متفردة في اللم ابتداء بلمّ أشعة الشمس وحتي سرقة أعضاء الجسم التي لا يصلها ضوء الشمس.

وفي عام اللم ظهرت (بناتبوع) لأول مرة في الشارع العام وقد أتاح لي وجودي داخل الحظيرة لأكون أول مشاهد لبناتبوع عن قرب".


أكتفي بهذه المقاطع والفقرات من السرد القصصي متخذاً منها مدخلاً أدبياً لقراءة واقعنا السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي وسمه ليل الطفابيع ونعيق طائر الشؤم في آذاننا منذ الثلاثين من يونيو 1989.

ونجيب عن الشق الثاني من السؤال المتعلق بإمكانية إحداث المصالحة أعمق وأكبر انعطاف يميني في تاريخنا المعاصر تأكيداً وإيجاباً قاطعين بعد أن انفضّ سامر المصالحة بعد وقت قصير من توقيعها وإبرامها ولم يَحتِل فيها حَتَلان الطين والشوائب والرواسب العكرة سوى جماعة الإخوان المسلمين.

وقد استند ذلك إلى حديث للدكتور حسن الترابي إلى المجلة السعودية (29 يونيو 1986) جاء فيه:

"لقد صالحنا النميري بسبب ما رأى من بأسنا في حركة يوليو 1976. وكنا ندري بالضبط ما نريد منها –المصالحة- ولم نكن نعوّل على التعامل معه، ولم نكن نُرِد منه شيئاً، ولكننا كنا نعوّل على بناء حركة إسلامية واسعة المدى ونحاول أن نتقي ما قد يستفزه من مظهر سياسي سافر. فهو يريد السلطة اليوم وغداً، ونحن نريد وراثة المستقبل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للأمة، وكنا نعمل على تعبئة الجماهير في الريف وإنشاء المصارف لا من أجل المال بل من أجل تطبيق نظرياتنا ونقل الخدمات للجنوب والناس غافلون".

أما الفكرة وراء دخول الأخوان في تحالف الجبهة الوطنية فتلخصها "مذكرة حول استراتيجية الإخوان المسلمين" جوبه بها الدكتور الترابي عند اعتقاله في مطلع السبعينيات. وكان الدكتور المرشد يسعى يومذاك إلى حمل الإخوان على الانخراط في الجبهة الوطنية بقيادة الصادق المهدي والمرحوم الشريف حسين الهندي. وقد جاء في تلك المذكرة التحليلية للوضع السياسي القائم في السودان –وهي مذكرة تنظيم سياسي يسعى للسلطة لا حركة إسلامية تعمل على غرس أفكار الإسلام- إن الإخوان كتنظيم سيكسبون من هذا الانخراط أكثر مما يخسرون. وأشارت المذكرة إلى أن انخراط تنظيم الإخوان مع الطائفتين الدينيتين يمنح الإخوان فرصة لتقويضهما من الداخل، باعتبار أن الدائرتين –دائرة المهدي ودائرة الميرغني- هما مؤسستان اقتصاديتان سياسيتان. وبتصعيد شعارات الإسلام الثورية من أجل المستضعفين يمكن للإخوان في نفس الوقت إضعاف القاعدة الاقتصادية للدائرتين والمزايدة عليهما بالشعارات الإسلامية (انظر الفجر الكاذب، د. منصور خالد، دار الهلال، ص 421).

وهذا ما أكده الدكتور الترابي نفسه في الحلقة الخامسة من لقاءاته في برنامج شاهد على العصر بقناة الجزيرة في الرابط أدناه (الدقيقة 13:20.

https://www.youtube.com/watch?v=FQqFWbN7bYc


ومضى تعميق الانعطاف اليميني في المشهد السياسي السوداني عقب المصالحة في اتجاه التطورات المتسارعة المتلاحقة بتسعير الهوس الديني الذي أججت نيرانه تحت شعار "الصحوة الإسلامية" جميع أطراف التحالف اليميني المتصالح دون استثناء في باكر عهد المصالحة، ثم انفرد بالدفع الحثيث في اتجاهه لاحقاً الإخوان المسلمون والطرف المايوي الأصيل في ذلك الحلف. فقد جاء في جريدة الصحافة الصادرة في 2 يناير 1978: النهج الإسلامي لماذا؟ تصدر مذكرات السيد الرئيس القائد جعفر نميري في كتاب في العيد التاسع لثورة مايو المجيدة. وقد اختار الرئيس لمذكراته عنوان "النهج الإسلامي لماذا"؟
وجاء في عدد سابق للصحيفة نفسها في 3 أكتوبر 1977: توصيات هامة للجنة مراجعة القوانين ..إعطاء الأولوية لإنجاز تشريع لحماية الفضيلة والآداب العامة.

وأوردت الصحافة في عددها 7 يناير 1978 خبرا عن أن لجنة مراجعة القوانين ستناقش غدا مشروع قانون أصول الأحكام القضائية بحيث تنسجم جميع أحكام القضاء مع مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية. وفي 10 يناير 1978 أوردت الصحيفة نفسها خبرا عن بدء تطبيق حظر تعاطي الخمر بعد شهر. وقبل صدور قرار رئاسي جمهوري في 19 أغسطس 1979 بإعفاء 9 من أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي شملت قائمتهم الصادق المهدي وأحمد الميرغني وخلف الله الرشيد وبونا ملوال وآخرين، كان نميري قد استبق ذلك بإصدار قرار جمهوري في اليوم الذي قبله بتعيين الدكتور حسن عبد الله الترابي نائبا عاما ودفع الله الحاج يوسف وزيرا للتربية.

وفي الأثناء تردَّت الأوضاع الاقتصادية وعم الفقر وارتفعت معدلات البطالة وضربت المجاعة أجزاء واسعة من البلاد، وبلغت الأمور حداً حمل بدر الدين سليمان وزير المالية حينئذ إلى الإعلان عن وصفة جديدة لما أسماه إنعاش الاقتصاد وتحسين الأوضاع. وعندئذ أيضا خرج النميري على الجمهور عبر لقاء المكاشفة الشهري بزجاجته الشهيرة تلك التي بشّر بها سواد المواطنين المسحوقين بقرب قدوم الانفراج الاقتصادي مع بدء التنقيب عن النفط واستخراجه وإنتاجه في 22 يونيو 1978.

غير أن تلك الخدعة لم تنطلِ على جماهير الطلاب والعمال ومختلف الفئات المنضوية تحت النقابات المهنية العاملة، كما لم تستسغها عامة الجماهير الشعبية التي خرجت في مظاهرات واحتجاجات حاشدة، مصحوبة بالإضرابات والتوقف عن العمل.

رداً على ذلك وحسبما أوردته جريدة الصحافة في عددها الصادر بتاريخ 21 مارس 1979، كشف اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز أمن الدولة أن هناك أسباباً سياسية ومخططا لبعض العقائد وراء ظاهرة الاضطرابات التي كثرت في الآونة الأخيرة.

وبينما أعلنت الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي التعبئة العامة لتأمين الثورة، أصدر نميري قرارا بإعفاء أبو القاسم محمد ابراهيم من جميع مهامه وتولى بنفسه أعباء قيادة الأمانة العامة. كان ذلك في 14 أغسطس 1979. وفي عام 1981 أعقب تنفيذ إضراب عمال السكة حديد صدور بيان رئاسي بحل النقابة وطرد العاملين من السكن الحكومي. وفوق ذلك أُجري تعديل في المادة (17) من قانون أمن الدولة تُوقَّع بموجبه عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على كل من ينظِّم أو يدبِّر أو يحرِّض أو يشجِّع على الاشتراك في إضراب أو توقف عن العمل أو امتناع عنه أو ترك جماعي له ولو في صورة استقالة جماعية أو قفل لمكان العمل عنوة، بينما يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 14 سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً كل من يشارك في ذلك العمل.

ومع ذلك احتشدت شوارع الخرطوم وعدد من مدن الأقاليم بالمظاهرات والاحتجاجات الطلابية والشعبية في يناير من عام 1982 عقب الإعلان عن زيادة سعر السكر، وفي المناطق التي تعاني من المجاعة بسبب انهيار الخدمات. (انظر يوميات الدولة الإسلامية، عبد الماجد عليش، دار عزة للنشر والتوزيع الخرطوم، 2005).

وفي الأثناء ذاتها شمَّرت عضوية الاتجاه الإسلامي عن ساعدها وهرعت للتعاون مع أمن نميري لقمع المظاهرات واعتقال الناشطين من القيادات الطلابية. وبينما صرَّح يس عمر الإمام لصحيفة الحوادث اللبنانية قائلا "إن المظاهرات تخريب قامت به عناصر مفسدة ولهذا وقفنا ضدها، صرَّح الترابي من جانبه لصحيفة لوموند الفرنسية بقوله: نحن ضد كل حركة تخل بالاستقرار أو تؤدي إلى الفوضى وهدم السلطة، ولهذا قررنا الإسهام في الدفاع عن النظام كلما تهدد كيانه. والرئيس يعرف أنه لا يمكن لأي مخطط ضد النظام أن ينجح طالما كنا بجانبه. فلا شيء يجري في هذه البلاد دون الإخوان المسلمين (المرجع نفسه، ص 28).

كل هذا وقد كان حرص الإخوان المسلمين على استدامة النظام وبقائه في واقع الأمر على منوال المثل الشعبي السائر "نباح الكلب خوفاً على ضنبو". والضنب المقصود هنا هو مخطط التمكين الاقتصادي والسياسي الذي دبّر له الترابي منذ اتخاذه قرار الانخراط في المصالحة الوطنية عام 1977.

ففي يوم السبت 11 مارس 1978 شهدت الخرطوم انعقاد أول اجتماع لمجلس بنك فيصل الإسلامي بحضور رئيسه الأمير محمد الفيصل استمر لمدة يومين بهدف وضع الترتيبات اللازمة لافتتاح البنك وبدء مزاولة أعماله التجارية. ومن هنا بدأ تناسل الطفابيع والتخلّق الجنيني لما سيولد بأسنانه غدا غولا طفيليا إسلامياً عملاقاً له تلك "المقدرة المتفردة في اللم ابتداء بلمّ أشعة الشمس وحتي سرقة أعضاء الجسم التي لا يصلها ضوء الشمس" كما وصفهم بشرى الفاضل، و"لهم آذان تسمع رنة قرش في المريخ" كما جاء في قصيدة قطار الغرب لمحمد المكي ابراهيم في وصف جماعة أخرى من أهل السودان، وما درى ود المكي حينها أن أقدار السودان ومحنته اللاحقة كانت تخبئ وتدَّخر لوصفه الشعري هذا "جوقة الطفابيع" التي لها موهبة "سرقة الكحل من العين" كما تقول الأمهات والحبوبات. ومن هنا تبدأ موهبة الخم واللم والضم التي لم تنج منها حتى لقمة الفقراء الجياع حين كانت بنوك الطفابيع ومؤسساتهم قد شرعت في تصدير الذرة إلى خارج السودان. وفي الوقت الذي تدفقت فيه أرصدة الإخوان المسلمين وأموالهم في الخارج وتم تحويلها إلى مشاريع واستثمارات تجارية وأسهم مالية في النظام المصرفي وتأسيس بنوك إسلامية ومؤسسات تنموية حتى بلغ عدد شركاتهم 500 شركة كبيرة وصغيرة تقريبا، ووصل حجم رؤوس أموالهم ما يزيد على 500 مليون دولار في ذلك الوقت (عبد الماجد عليش، نقلا عن كتاب الجيش السوداني والسياسة، العميد عصام ميرغني)، تدفقت عليهم أيضا رؤوس الأموال الأجنبية المشبوهة –بما فيها الأرصدة المخصصة لمكافحة الشيوعية-وبدأ انتشار المباني والأحياء والتطاول في العمران الطفيلي الإسلامي المحاط بأحزمة الفقر وأنشطة السمسرة وبيع العملة وتذليل سبل الكسب السريع السهل.

وفي غضون ذلك واصل الاتجاه الإسلامي بناء شبكات تنظيمه السري والعلني بانتشار جمعيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمعيات الدعوة وتجويد القرآن في الأحياء وأماكن العمل تحت غطاء المصالحة وجهازها السياسي الحاكم: الاتحاد الاشتراكي.

ومنذ أواخر عام 1980 سادت العاصمة حملات الانضباط العام التي عُرفت حينها بـ"الكشات" التي استهدفت صغار الحرفيين والباعة في الأسواق والمتجولين ومرتكبي جرائم السرقات الصغيرة. وعنها كتب الشاعر محجوب شريف قصيدته "الحرامي" ساخراً من مهازل وتناقضات ذلك المسخ الاقتصادي القانوني الهجين يوم أن اختلط حابل صِيَّع المايويين وصعاليكهم بنابل السماسرة والحرامية الجدد من تجار الدين فكان القاسم الأعظم المشترك بينهم هو اللم والضم والخم والثراء السريع على حساب عامة الفقراء والكادحين ممن سُلّط على رقابهم وأيديهم لاحقاً سيف الجلاد :


صحيت بالمؤذِّن وحالتك تَحزِّن
تبكِّي الجُبال
مرقتَ وسرقتَ وحصدتَ الوَبال
معكَّز ملكَّزبسيخة ونعال
منتّف مكتّف
بأغلظ حِبال
وغيرك يخزِّن جميع الغلال
يِهرِّب يِخرِّب ويسرِّب جُمال
وباسمه اللواري

تهدّ الكباري تَشقَّ الرمال
سيادته بتدبِّرشؤونه الأماسي
يرشّ الحديقة ويرصّ الكراسي
وبين الغواني ورنين الخُماسي
تعاين تشوفو بتقول دُبلوماسي
يِمضِّي ويِرضِّي ويِعضِّي المُحال
يلعلع ويشفط بحلقو الجداول
يِحاول يِداول يِساوم ويِقاول
بيعرف يناول حزارك تحاول تَعاكِس تُقال
كمان لو تلاحظ صديقه المحافظ
وقالوا الملاحظ عيونه الجواحظ تباري الريال
حليلك بتسرق سفنجة وملاية
وغيرك بيسرق خروف السماية
فى واحد بيسرق تصدِّق ولاية؟
ودا أصل الحكاية وضروري النضال



https://www.youtube.com/watch?v=cBe41alb-YQ

وبين هذا وذاك تغلغل الأخوان المسلمون عميقا في جميع مرافق دولة حكم الفرد ومفاصلها، في ذات الوقت الذي ولغت فيه بنوكهم ومؤسساتهم المالية في المضاربات وأنشطة السمسرة وتجارة العملة والتهريب وغيرها من الأنشطة الهامشية. واستخدم التنظيم جزءا مقدرا من تلك الأموال في أنشطة الإغراء المالي والاستقطاب والتجنيد، خاصة لصغار الموظفين وخريجي الجامعات، مستغلا في ذلك تفشي الفقر والبطالة وتنامي معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة. ففي أغسطس 1979 طرحت الشركة الإسلامية للاستثمار صكوك مضاربتها الاستثمارية الثانية دعما كما تقول لمسيرة الاقتصاد الإسلامي.
تلك هي الحالة التي وصفها د. منصور خالد بقوله: ونشير إلى تجربة المصارف الإسلامية التي لم تحقق إلا خلق مزيد من جيوب الغنى في قارة الفقراء. (الفجر الكاذب، ص 435).

هذا على مستوى الوصف العام، أما على مستوى التحليل فلنستأنس هنا برأي الباحث الاقتصادي الأستاذ صديق عبد الهادي.


في تناول خط صعود الحركة الإسلامية السودانية، لابد من التمييز بين حالتين من التمكين أنجزتهما حركة الإسلام السياسي تلك. الحالة الأولى هي ما قبل سنة 1989، أي ما قبل سنة انقضاضهم العسكري على السلطة. أما الحالة الثانية، فهي ما بعد سنة 1989 حين استقر أمر دولة الاسلام السياسي.

في الحالة الأولى اتسم نشاط الحركة الإسلامية بالانحصار في البنوك وشركات التأمين وشركات تمويل الاستثمار، والتجارة. وكان الهدف الأساس هو إنجاز تراكم رأسمالي بوتائر متسارعة، وغير مألوفة. وبالفعل نجحت الحركة الإسلامية في انجاز تلك المهمة بشكل غير مسبوق في تاريخ السودان الاقتصادي، حتى كاد أن يصبح اقتصادها الذي تديره معادلاً لاقتصاد الدولة، وللحد الذي اضطرها لاستيعاب واستخدام كوادر من خارج نطاقها، لأن حركة المال الطفيلية التي خلقتها كانت قادرة على استيعاب أكبر قوى اجتماعية وأكبر عدد من الكادر البشري، وقد فعلتْ. وقد كانت تلك القوى الاجتماعية المستوعبة في نشاط الحركة الإسلامية بمثابة الحاضنة، أو بالأحرى الرحم الذي تفرختْ منه "الرأسمالية الطفيلية الإسلامية" (رطاس)، التي نراها اليوم، وهي تسيطر على كل قطاعات الاقتصاد في البلاد.

كانت المهمة الاخرى المنوطة بحالة التمكين الأولى هي إنجاز الإستيلاء على السلطة السياسية، وذلك هو ما تمّ في يونيو 1989. إن اكثر ما اتسمت به هذه المرحلة، أي قبل عام 1989، هو خروج مجمل النشاط المالي للحركة الإسلامية وإعفاؤه من الخضوع لأي رقابة قانونية في دولة السودان، وقد نجحت الحركة الإسلامية في الحصول على رفع تلك الرقابة القانونية من سلطة الطاغية النميري بعد ما سميّ بالمصالحة الوطنية التي كانت في عام 1977، وكان ذلك هو الوقت الذي بدأ فيه التأسيس الفعلي للتمكين المالي، او الاقتصادي، أي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. إن عدم الرقابة القانونية المشار إليه أعلاه، أوردته الشركة الإسلامية للتأمين ولخصته في:

“1/ تعفى أموال وأرباح الشركة من جميع أنواع الضرائب.

2 / تعفى من الضرائب مرتبات وأجور ومكافآت ومعاشات جميع العاملين بالشركة، ورئيس وأعضاء مجلس إدارتها وهيئة الرقابة الشرعية.

3/ بالإضافة لتلك الإعفاءات يجوز للشركة التمتع بأي إعفاءات اوامتيازات منصوص عليها في أي قانون آخر، كمثال لذلك فان كل المعدات التي تحتاج لها الشركة من أثاث ومعدات للمكاتب والمباني، تعتبر معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية وكذلك علي ضوء قانون 1974 الخاص بتنظيم وتشجيع الخدمات الاقتصادية.

4 / لا يجوز مصادرة أموال الشركة اوتأميمها أوفرض الحراسة اوالاستيلاء عليها، بالإضافة لكل ما ذكر أعلاه، فان الشركة قد أُعطيت بعض الامتيازات التي تكفل لها حرية الحركة والمرونة، وكمثال لذلك فإن القوانين الآتية لا تنطبق علي الشركة:

1)/ القوانين المنظمة للخدمة وفوائد ما بعد الخدمة علي ألا تقل المرتبات والأجور وفوائد ما بعد الخدمة التي تحددها الشركة عن الحد الأدنى المنصوص عليه في تلك القوانين.

2/ القوانين المنظمة للتأمين.

3/ قانون ديوان المراجع العام لسنة 1970، اوأي قانون آخر يحل محله.” انظر الرابط أدناه".


https://sudaneseeconomist.com


وفي ذات الوقت لم تغفل عين التنظيم لحظةً عن مهمة بناء الجناح السري العسكري للحركة الإسلامية. فلم يمض شهر واحد على إعلان النميري عما وصفه بالثورة القضائية عبر إدخال 4 قوانين جديدة وتعيين قضاة جدد، وبيانه الشهير الذي أعلن فيه عن أهم سمات قانون العقوبات الجديد في 9 سبتمبر 1983 وانطلاق ما وصفوه بـ"مسيرة العدالة الناجزة" في يوم 13 سبتمبر من العام نفسه، حتى أوردت جريدة الصحافة الصادرة في 19 أكتوبر 1983 الخبر التالي:

"نميري يشهد حفل تخريج أول دفعة من ضباط التوعية الدينية... الدفعة الأولى الحاصلة على دبلوم الدعوة الإسلامية من المركز الإسلامي الإفريقي. وسيخاطب حفل التخريج اللواء بابكر عبد الرحيم، أمين لجنة القوات النظامية ومدير فرع التوجيه المعنوي، والدكتور الطيب زين العابدين، مدير المركز الإسلامي. وسيقوم الضباط مساء نفس اليوم بإلقاء محاضرات دينية بمساجد وحدات العاصمة ومحاضرة بسلاح المهندسين. وكانت الدفعة الأولى قد ضمت أفرادا من الجيش وأمن الدولة والشرطة والسجون وتلقوا دراسات نظرية في جوانب الفقه والتشريع وأصول الدين والتجويد..".
"وعادة ما تختتم دورات المركز الإسلامي الإفريقي لتجنيد الضباط بزيارة للملكة العربية السعودية لأداء العمرة وتصرف خلالها للضابط المستهدف مبالغ كبيرة بالدولار، خاصة إذا أظهر تجاوبا ويوجه بفتح حساب في أحد المصارف الإسلامية للحصول على تسهيلات مالية لاستثمارها. وكانت الاستخبارات على علم بهذا لكنها كانت تغض الطرف ولم تقم بأي إجراء يحفظ قومية وحياد القوات المسلحة حفاظا على المكاسب الكبيرة التي أنعم بها عليها النظام المايوي" (عبد الماجد عليش، ص31، نقلا عن كتاب الجيش السوداني والسياسة). وضمن ذلك أيضا تندرج دوافع وأحداث ما سمي حينها "الحملة القومية لدعم القوات المسلحة" التي نظمها الإخوان المسلمون.

وبالإعلان عن قوانين سبتمبر المسماة بقوانين الشريعة الإسلامية وانطلاق غيبوبة"العدالة الناجزة" في 1983 دخلت الحياة السياسية السودانية في نفق يميني مظلم لم يقف عند حد فظائع بتر الأيدي والقطع من خلاف وعقوبة الصلب والجلد والإذلال، بلوغا إلى طورها الأعلى المتمثل في جريمة إعدام الشهيد محمود محمد طه فحسب، بل وضعت الأساس الذي طالما تطلَّع إليه الأخوان الحالمون بوراثة المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للسودان اتكاءً على سدرة الدولة الدينية وقبضتها القاهرة الخانقة.

ونختتم الحديث عن تعميق الانعطاف اليميني في المشهد السياسي السوداني عقب المصالحة وإعلان قوانين سبتمبر وهوس الإمامة والمبايعة بتعليق قاله الترابي للصحفية اللبنانية نورا فاخوري "ولكل الذين عملوا في جبهات الدعوة للإسلام أو الدستور الإسلامي، ولكل الذين نشطوا في مجال النشاط الإسلامي العام، فضل في أن هيأوا مناخ الحياة السودانية العامة وطهروا البلاد من الفكر السياسي اللاديني غربياً كان أو شيوعياً. كل هؤلاء أسهموا في تيار المرحلة الأخيرة، وعلى رأسهم الأخ الرئيس جعفر نميري الذي كان لمبادرته وقناعاته الشخصية دور كبير في قيادة التيار الإسلامي الحديث وفي إيقاظ الوعي الإسلامي (الفجر الكاذب، ص 421). وهو ذات الانعطاف اليميني الفاشي السائد الآن تحت نير نظام الإنقاذ. وللحديث بقية في الجزء القادم من مآلات مصالحة نميري 1977.

لكن ولكيلا نغفل عن أسئلة التاريخ –موضوع هذا السجال ومادته- فلنعُد بالسؤال كّرّةً أخرى إلى الدكتور عبد الله على ابراهيم –أستاذ التاريخ بجامعة ميزوري/الأستاذ المشارك بجامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم مؤخراً، وهي كما نعلم من سلالة الحمض النووي-الأيديولوجي للمركز الإسلامي الإفريقي، معقل ومدرسة كادر العنف والتطرف في السودان وما حوله:

أيُّ نهجٍ وأيُّ قراءة تاريخية هذه لمصالحة نميري التي أدخلت السودان في هذا النفق المظلم الطويل يا بروف؟

ولئن كان الدكتور قد أغفل قراءتها بعينٍ ثوريةٍ ماركسيةٍ حصيفةٍ كما ينبغي في عام 1977، فما الذي يبرر أو يفسِّر اعتزازه وتباهيه بالدفاع عنها ودعوته الحزب إلى قبولها في حينه إلى اليوم؟

ويضاف إلى هذين السؤالين السؤال النظري الفلسفي الأهم: أي نهجٍ ماركسيٍ ينهج البروف؟ أهي ماركسيةٌ خُلاسيةٌ توفيقيةٌ لها من عصا السحر وطلاسمه وتعاويذه ما يجمع بين الفكرة ونقيضها؟ أم هي عنده منشارٌ حادٌ قاطعٌ ياكل طالع نازل يميناً ويساراً في آن؟ وإلى أي بوصلةٍ تحتكم ماركسية خلاسية كهذه:

رحيقٌ ونسمةٌ من عبيرٍ موشوشٍ لماركس...وبرتقالةٌ ونشوةٌ لنقيضه في الفكرةِ اليمينيةِ الظلاميةِ المتطرفة؟ أم هي لحنٌ وتنويعٌ على أنغام غنائية "الغَزَل المكّي" ما بين البرتقالة والرحيق في معترك الصراع الفكري السياسي بين الأضداد والنقائض؟

ليت لو يعيننا الدكتور على أن نصيح بهجةً باكتشاف السر وانتزاع الكهرمان مثلما فعل أرخميدس ذات قرن سحيق في الاكتشاف المعرفي: Eureka .. Eureka لقد وجدتها ... لقد وجدتها!











[b] [b]
آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في السبت يناير 14, 2017 12:18 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

فى ليلة اﻻحتفال بفكر الترابى قدم د ع ع ابراهيم ورقة بعنوان الترابى ﻻهوت الحداثة واثره العالمى بحثت عنها ولم اجدها...رجاء اطﻻعنا عليها
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

مثلما فعل فيثاغورس ذات قرن سحيق في الاكتشاف المعرفي: Eureka .. Eureka لقد وجدتها ... لقد وجدتها!


تقصد أرخميدس

تحايا من السودان للجميع
وكل عام وأنتم بخير

نجاة

عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

سلام محمد سيد احمد وتحايا للجميع

أظن أن الورقة التي تتحدث عنها هي جزء من بحث للدكتور عبد الله على ابراهيم بعنوان "لاهوت الحداثة: حسن الترابي والتجديد الإسلامي في السودان" ولم أعثر على الورقة بعد
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

سلام نجاة
وشكرا على تصويب الخطأ والمتابعة والاهتمام

تحياتي لك وعبد الله بولا و"النوارات" الثلاث
مع خالص الود والتهنئة بصدور أعمال بولا وإسهاماته العملاقة
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


ليس كل ما يلمع ذهبا"

في نقد المفاهيم (8)

أيُّ نهج في علم التاريخ وفلسفة التاريخ يا بروف؟



وكان شمولياً هواها...

الجبهة الإسلامية القومية وسيناريوهات الثورة المضادة لانتفاضة أبريل عشية 30يونيو 1989[/b]


"في الزمنِ اليباب
ليس سوى الثعلبِ والحرباء
والحيّةِ الرقطاء
في حفلهم هذا الذي تتويجُهُ الغُراب"

(محمد عبد الحي-ديوان الله في زمن العنف)

استكمالاً للقول في الحلقة السابقة بأنه من رحم المصالحة الوطنية تناسل الطفابيع ..انسلَّ الغول وما زال ينعق في سماء بلادنا طائر الشؤم منذ 27 عاماً، تأتي هذه المناقشة لإلقاء الضوء على تكتيكات الثورة المضادة وآليات تقويض الديمقراطية التعددية التي أسفرت عنها انتفاضة مارس-أبريل 1985 حثاً للخطى نحو انفراد الإخوان المسلمين بالسلطة على مدى 27 عاماً. وليس السرد التاريخي غاية في حد ذاته بالرغم من أهميته، وإنما تكمن أهمية السرد في أسئلة التاريخ الموجهة إلى الدكتور عبد الله على ابراهيم في نهاية المقال، في سياق موقفه التاريخي من المصالحة.

وعلى سبيل التمهيد، كان صعود الجنرال ماكبث –في مسرحية وليام شكسبير الشهيرة التي تحمل العنوان نفسه- إلى العرش الملكي في اسكتلندا قد بُني على نبوءة ثلاث ساحرات وكذلك كان سقوطه المأساوي. وكان تسنّم دست الحكم دموياً إذ تحتم عليه قتل الملك "دنكان" الحاكم وقتئذ والخوض بعده في بركة من الدماء إخفاءً لأثر جريمته الكبرى، في حين كان مصرعه –حسب النبوءة- على يد شخص لم تلده امرأة وتتبعه غابة كثيفة من الأشجار تسير من خلفه.

وفي الحالة السياسية السودانية التي نتحدث عنها، كانت نوايا "التمكين" المبيّتة منذ مصالحة نميري في عام 1977 هي النبوءة التي شيّد عليها الإخوان المسلمون قصر أحلامهم وتطلّعهم إلى الانفراد بالسلطة إرهاصاً واستباقاً. ومثلما كانت الفكرة وراء الانخراط في المصالحة هي تقويض أطرافها المتحالفين معهم من الداخل، بما فيها نظام مايو الحاكم حينها، فقد سرى المخطط والنهج ذاتهما على الفترة الانتقالية التي تلت انتفاضة مارس أبريل 1985 والحكومات الديمقراطية التي أعقبتها، وصولاً إلى انقضاضهم العسكري أخيراً على النظام التعددي الديمقراطي في يونيو 1989.

وفقاً لهذا الافتراض –الذي يؤكده الواقع والممارسة الفعلية- لم تكن فترة السنوات الخمس الفاصلة بين سقوط نظام نميري وصعود الإخوان إلى السلطة في عام 1989 سوى شوط من أشواط التمرين والاستعداد وحشد القوى وحضّها على الانقضاض على السلطة والانفراد بها كهدف استراتيجي ما برحوا يخططون لتحقيقه منذ عام 1977. هذا ما أفصح عنه الترابي ضمنا وتصريحاً في أكثر من حلقة ضمن شهادته على العصر في قناة الجزيرة بقوله "كانت لنا خطة أخرى معدّة منذ السبعينيات وهي أنه لا بد لنا من الوصول إلى السلطة، عبر ثورة أو انقلاب عسكري. وقد كشفت لنا تجربتنا مع الأحزاب أنها تنزع الحكم منا حتى حين ندخل معها ولذلك قررنا أن نصل إليها منفردين وأن يكون لنا مشروعنا الخاص، لا شركاء آخرين معنا. (انظر الدقيقة 28:20 من الحلقة السابعة في الرابط أدناه).

https://www.youtube.com/watch?v=uIlkWj7uGa4


وبالمنطق نفسه، لم تكن فترة الديمقراطية الثالثة القصيرة تلك بالنسبة لهم سوى عقبة كأداء من "الشراكة الديمقراطية" التي ابتلوا بها ابتلاء –حسب قاموسهم السياسي- إلى أن تهيأت لهم الظروف المواتية لتجاوزها والانقضاض عليها وهي لم تزل في مهدها. ويستطرد الترابي أكثر في تأكيد هذه الفكرة في الحلقة التاسعة من شهادته، وهي الحلقة التي يفصّل فيها كيفية تخطيط وتنفيذ انقلابهم –تحت قيادته- في 30 يونيو 89 تأسيساً على "كُفرهم" بالديمقراطية النيابية وانقطاع عشمهم فيها بشتى الدعاوى والحجج والذرائع.

وبذلك فقد عقدوا العزم منذ وقت باكر على أن امتطاء صهوة الجواد العسكري هو السبيل الوحيد المؤدي إلى استراتيجية التمكين والانفراد بالسلطة. ولكن على مستوى التكتيكات كان لا بد من التغلب على عقبة الديمقراطية التي برزت أمامهم في أبريل من عام 1985. فكيف السبيل إلى ذلك؟ هنا يأتي دور تفعيل آليات "الثورة المضادة" للانتفاضة مستغلين في ذلك مكامن الضعف الهيكلي في أداء النقابات والأحزاب والقوى السياسية التي تولت قيادة الانتفاضة حينئذ. ولن نضيف جديداً نظرياً بالقول بأن الثورة المضادة counterrevolution عادةً ما تقودها القوى السياسية والاجتماعية التي ليست لها مصلحة في تغيير الوضع القائم قبل الثورة - وأن عدوّها يتمثل هنا في التحول الديمقراطي الذي أعقب الانتفاضة بسبب تعارض النظام الديمقراطي التعددي الذي تمخض عنها مع المصالح الطبقية والسياسية لقوى الثورة المضادة، ممثلة في هذه الحالة في الجبهة الإسلامية القومية بما راكمته من رأسمال طفيلي خلال سنوات المصالحة، وما اكتسبته من نفوذ سياسي اقتصادي وقتئذ. وقد آثرت الجبهة الإسلامية الانفراد بالسلطة دفاعاً عن هذه المصالح وحفاظاً عليها، وليس دفاعاً عن الدين ولا الشريعة الإسلامية اللذين جعلت منهما ذريعة ومسوّغاً لخروج ممثليها من البرلمان ومن ثم المضي في طريق تنفيذ انقلابهم في 30 يونيو. وأكثر ما يفضح هذه الحجة أن نظام الإنقاذ لم يعلن عزمه على تطبيق الشريعة الإسلامية إلا في فبراير 2011، أي بعد مضي 22 عاماً من استيلائهم على السلطة والانفراد بها. (انظر الرابط التالي عن خبر تطبيق الشريعة) بل الواقع أنهم لم يطبقوها إلى اليوم، وما أطول حبل الكذب خلافاً للمثل الشعبي الدارج!

https://archive.arabic.cnn.com/2011/midd ... an.sharia/



كيف بدأ تفعيل تكتيكات الثورة المضادة؟ هذا ما نجد الإجابة عنه في إفادات الأستاذ محجوب محمد صالح وروايته لوقائع ليلة 5 أبريل 1985 بمناسبة ذكرى انتفاضة 6 أبريل (انظر جريدة الأيام الصادرة 6 أبريل 2002): كان د. أمين مكي مدني حلقة الوصل بين الأحزاب والنقابات. وعُقد اجتماع حضره مندوبون عن حزب الأمة والحزب الاتحاد الديمقراطي والحزب الشيوعي وممثلو نقابات الأطباء والمحامين والتأمينات وأساتذة الجامعات والمصارف، طُرحت فيه مسألة تصور ما بعد نجاح الثورة. ودخل الاجتماع في تفاصيل لم يحن وقتها، فتشدد بعض النقابيين وطرحوا آراء في غاية الحدة والتطرف. فقال مندوب حزب الأمة وهو يتأهب للانصراف "الحشاش يملا شبكته" ولم يكن عمر نور الدائم وقتها يمثل نفسه بل حزب الأمة وهو حزب له وزنه. وكان التصور المطروح لشكل الحكم قيام حكومة مشاركة بين الأحزاب والتجمع النقابي، وقد استمر هذا الاتجاه حتى بعد تدخُّل الجيش، وكان يمكن أن يتبلور حتى يتحقق ولكن للأسف تدخّل بعض النقابيين، وبصورة محددة الأطباء، وبصورة أكثر تحديدا د. الجزولي دفع الله الذي أصرّ على أن تكون حكومة مستقلين فقط. وهذا واحد من أهم أسباب ضعف مجلس الوزراء الانتقالي.

ويستنتج الأستاذ محجوب في معرض تلك الذكريات أنه " لو استمر الإضراب السياسي دون تدخّل الجيش، ونجحت الأحزاب والنقابات دون تدخّل الجيش في إسقاط النظام، لقامت ثورة بمعناها الحقيقي ولأنجزت ميثاق الانتفاضة بالصورة المطلوبة".

ويقول الأستاذ محجوب عن الإخوان المسلمين: كانوا يائسين ومعزولين يرابطون أمام بوابة القيادة العامة في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني فوجئنا بهم داخل الاجتماعات، فسجَّلنا احتجاجا صارخا على هذا الوضع الشاذ وهددنا بالانسحاب باعتبار أن الأخوان امتداد للاتحاد الاشتراكي. ولكن للحقيقة وللتاريخ، فإن السيد عثمان عبد الله ساندهم، وفي تقديري أن هذا حدث باتفاق بينه ود. الجزولي دفع الله.

وفي المنحى ذاته، ذهب د. عدلان الحردلو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم وأحد القيادات البارزة في التجمع النقابي إلى القول: الأسباب التي أدت إلى إجهاض الانتفاضة كثيرة، أبرزها الإجماع الشعبي على إسقاط نميري فقط، على أساس أن إسقاطه حل لكل المشاكل. وثانياً، رفع الإضراب السياسي قبل أن تتحقق المطالب التي رفعها التجمع. وفي اليوم الذي أعلن فيه المجلس العسكري انحيازه للشعب بدأ إسقاط الانتفاضة. فقد كان للمجلس العسكري صلات بالجبهة الإسلامية القومية، وأدت هذه الصلات إلى قيام المظاهرات التي أحاطت بالقيادة العامة يوم الاثنين، وكذلك أقال المجلس العسكري الضباط الـ13 الذين كانوا وراء التحرُّك من الجيش. وكان المجلس العسكري متخوفا من أن الانتفاضة قام بها اليسار وأنهم سيستولون على السلطة.

وعلى صعيد آخر قال د. لام أكول "المجلس العسكري أجهض شعارات الانتفاضة التي من بينها إلغاء قوانين سبتمبر 1983. وعند تكوين الحكومة الانتقالية، أخطأ التجمع بتقديم د. الجزولي دفع الله وميرغني النصري، واختار المجلس العسكري الجزولي دفع الله لأنه الأقرب أيديولوجياً. وبذلك فقد التجمع المبادرة.

وهذا ما أكّده تصريح للفريق محمد عبد الرحمن سوار الذهب –رئيس المجلس العسكري- عقب صلاة الجمعة بمسجد القوات المسلحة يوم 5 أبريل 1985: إن الشريعة التي أعلنها نميري باقية، وإن نميري الذي أعلن الشريعة باقٍ ولن ترهبنا مظاهرات الشيوعيين (انظر يوميات الدولة الإسلامية، عبد الماجد عليش، دار عزة للنشر، ص 71). وفي الحلقة السابعة من شهادته على العصر، قال الترابي إن سوار الذهب كان متردداً في رئاسة المجلس العسكري بعد الانتفاضة.

وهكذا استمرت تهيئة الظروف المواتية لتقويض الديمقراطية من داخلها والانقضاض عليها وصولاً إلى مرحلة الانتخابات العامة التي أُجريت في عام 1986، سواء من حيث وضع قانون الانتخابات وتوزيع الدوائر الجغرافية ودوائر الخريجين، أم من حيث الرقابة على إجراءات التصويت وفرز الأصوات، بل وإجراء الانتخابات في بعض المناطق التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني كما هو الحال في جنوب السودان.

فحينها، كان قد اعترض المجلس التنفيذي العالي الانتقالي للإقليم الجنوبي على القرار القاضي بإجراء انتخابات جزئية في الأقاليم الجنوبية، وجدد المجلس مطالبته بتأجيل الانتخابات في الأقاليم.

كما احتج مواطنو دارفور وحزب الأمة على تقسيم دوائر الإقليم التي قدمتها اللجنة بحجة أنها لا تناسب الكثافة السكانية ومساحة الإقليم. وثارت الاحتجاجات أيضا على تقسيم الدائرتين الجغرافيتين 41 و51 في غرب أمدرمان وكذلك الدائرة 49 حيث اتهم ممثلو الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة ضباط الانتخابات بمحاباة الجبهة القومية الإسلامية وتقسيم الدائرتين بالشكل الذي يرجّح الكفة لفوز مرشح الجبهة.(انظر الانتخابات البرلمانية في السودان 1953-1986، أحمد ابراهيم أبو شوك والفاتح عبد الله عبد السلام، مركز عبد الكريم ميرغني، ص 200).

ثم أتت الضربة القاصمة لظهر قوى الانتفاضة –لصالح قوى الثورة المضادة بطبيعة الحال- برفض تخصيص دوائر انتخابية للقوى الحديثة. وكان التجمع الوطني الذي عرّف هذه القوى قد طالب بتخصيص نسبة 20 في المائة من جملة الدوائر الجغرافية. وفضلا عن ذلك دعا التجمع إلى تخصيص 9 دوائر للمرأة و5 دوائر للمغتربين. وفيما يتعلق بتمثيل القوى الحديثة، كان ذلك ما طالبت به الأحزاب السياسية الفاعلة في الانتفاضة أيضا. وكان من أكثر الجهات تمسكاً بضرورة تمثيل القوى الحديثة، الحزب الشيوعي الذي اقترح أن يكون العدد الكلي للدوائر الانتخابية 390 دائرة، منها 280 دائرة جغرافية و110 دائرة للقوى الحديثة.

ولكن حُسم ذلك النزاع بموجب القرار الذي اتخذه الاجتماع المشترك للمجلس العسكري ومجلس الوزراء الانتقاليين بتاريخ 8 فبراير 1986، والذي رفض فيه تمثيل القوى الحديثة والاستعاضة عنه بتخصيص دوائر الخريجين إلى جانب الدوائر الجغرافية. (المرجع نفسه، ص 202).

وبذلك، نجح الإخوان في تفعيل كل تكتيكات وآليات الثورة المضادة عبر التدخل العسكري بمنسوبي الجبهة والمتحالفين معها قطعاً للطريق أمام الانتفاضة، إضافة إلى التدخل في تشكيل المجلس الوزاري الانتقالي –بذريعة الاستقلالية والحيادية وعدم الانتماء الحزبي- وأخيراً تفصيل العملية الانتخابية نفسها حسب مواصفات التنظيم الإخواني ومقاييسه. وبهذا التدخل الأخير أمكن للجبهة الإسلامية الفوز بالمركز الثالث في الدوائر الجغرافية واكتساح معظم دوائر الخريجين، في حين أُُقصيت القوى الحديثة الصانعة للانتفاضة من حلبة المنافسة وخرجت من مولد الديمقراطية الوليدة الناشئة "بلا حُمّص".

ويُستكمل هذا المشهد -ليس بسبب هشاشة الممارسة الديمقراطية وضعف الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم بعد الانتفاضة فحسب- وإنما بتحيّن الإخوان المسلمين لكل الفرص المواتية المؤدية بهم إلى أقصر الطرق نحو الانفراد بالسلطة والانقلاب على النظام الديمقراطي التعددي الذي أعلنوا كفرهم به وعقدوا العزم على نحره في مذبح التاريخ. وكانت مجمل الظروف والاضطرابات والاحتجاجات النقابية التي بلغت ذروتها بتقديم مذكرة الجيش الشهيرة في 22 فبراير 1989 التي طالبت الحكومة بتحديد خيارها بين السلام أو الحرب واقترحت فيها تشكيل حكومة واسعة للإنقاذ الوطني، وفي المقابل إعلان الجبهة الإسلامية من جانبها عدم المشاركة في الحكومة الموسعة إلا بشرط تضمين الشريعة الإسلامية، وتحديد تمثيل النقابات وعدم إشراك الحزب الشيوعي فيها، هي اللحظة المناسبة لتنفيذ المخطط الانقلابي. بل أتيحت للجبهة فرصة مواتية أخرى بعد اجتماع الحكومة الجديدة في 27 مارس 1989 وتبنّيها البرنامج المرحلي الذي طرحته مبادرة السلام، بما في ذلك تشكيل لجنة وزارية للتنفيذ. ومن جانبه علّق العقيد جون قرنق على تلك الخطوة واصفاً إياها بالإيجابية.

وفي 10 أبريل 1989 اتفقت الأحزاب في البرلمان على تأجيل القانون الجنائي لتهيئة الحوار للسلام. ورأت أيضا أن تجميد القوانين الإسلامية سيتيح المجال لعقد المؤتمر الدستوري، وجُمدت تلك القوانين بالفعل بأغلبية 146 نائباً في حين كان عدد النواب المعارضين 53 نائباً، فأعقب ذلك انسحاب نواب الجبهة الإسلامية من قاعة الجمعية التأسيسية. عندئذ أعلنت الجبهة عن "ثورة المصاحف" وتهيأت الأجواء عملياً بعدها لانقلاب 30 يونيو.

وهذا ما استبقت جريدة الراية الإعلان عنه في 11 مارس 1989 بقولها: "ولكن نقولها داوية وصريحة. إن هذه البلاد لن تعرف استقراراً ولا سلاماً ولا عزّة ولا منعة وشرع الله معطّل فيها. إن هذا العصر هو عصر إسلام القوة وهذه البلاد لن تنال عزّة تحت حكم الجبناء والكفار وأهل النفاق، وإن غداً لناظره قريب".

وفي عشية 30 يونيو كانوا في حفلهم ذاك الذي تتويجه الغراب كما يحكي لنا عن تفاصيله وخفاياه زعيمهم الراحل حسن الترابي الرأس المدبر للانقلاب في الحلقة التاسعة من شهادته على العصر في الرابط التالي. ويستطرد فيها أكثر في الكشف عن تفاصيل الخطة وعزمهم على تنفيذها بعد خروجهم من حكومة الصادق الأخيرة بذريعة أنه قد تبيّن لهم ألا سبيل للإسلام أن يظهر في الحياة إلا إذا تمكّن في السلطة (الدقيقة 13:40) وفيها يتحدث أيضا عن كيف أن نظامهم قد بُني على الكذب منذ الوهلة الأولى.


https://www.youtube.com/watch?v=jNjj2DTGVyc



وهذا درس من دروس الثورة المضادة لم تتعلمه القيادات السياسية السودانية على الرغم من أن تكتيكات وآليات مغايرة نسبيا –من حيث الأدوات والآليات لا النوع- هي التي أجهضت ثورة أكتوبر 1964، ولا بد من تأملها واستيعابها والاحتراز منها في سياق الحراك السياسي الجاري والهادف للإطاحة بنظام الإنقاذ الحالي. ومن الملامح الواضحة والاستباقية من جانب النظام لتفعيل أدوات الثورة المضادة هذه، الاختراق الأمني لمجموعات الشباب والناشطين، بل للقوى السياسية الحزبية نفسها، والتشكيك في القيادة البديلة وفي مستقبل ومآلات السودان بعد الإنقاذ، ودق إسفين وقطيعة ما بين الناشطين والأحزاب والنقابات، والترويج لدعاوى الحياد والاستقلالية واللاحزبية ..إلى آخره. ولعل من أبرز نُذر هذه الثورة المضادة الاستباقية المبكرة أيضا: الحملة التي تشنها السلطة ضد الحزب الشيوعي تمهيداً لحله وإخراجه من حلبة الصراع السياسي، ولكن هيهات.


ونلقي الآن بأسئلة التاريخ على الدكتور عبد الله على ابراهيم على خلفية هذا السرد التاريخي واستناداً إلى مقاله عن الترابي(من أرشيف مفاصلة الإسلاميين في شهر رمضان1999) تجدونه في الرابط أدناه:



https://www.sudanile.com/index.php?optio ... &Itemid=55


"ومع ذلك فإن هناك حوائل شتى واقعية قد تحول، أو تؤخِّر، عودة الترابي من ظل شجرة البشير إلى صدارة القوم. فقد استثمر الترابي في عودته من محنة آخر الستينات وما بعدها حركة إسلامية حررها من خوف السياسة وذل المعارضة وحفز طاقتها لبناء الدولة الإسلامية الحديثة فتنادي لها الرجال والنساء بأريحية وبذل وإبداعية. وقد وصف الترابي دقائق آفاق هذه الحركة وسؤددها في كتابه الموسوم: الحركة الإسلامية في السودان: التطور، الكسب المنهج (1989). وهي نفس الحركة التي ضحى بها حين حلها قرباناً لحلفه مع البشير والقوات المسلحة في حكومة 1989".

"وكنت نصحت الحركة الإسلامية قبل انقلاب البشير في 1989 أن يبذلوا جهداً جهيداً في شعبة علاقاتهم العامة لتحسين صورة زعيمهم بعد أن رأيت ضيق خصومه به حداً تمنوا موته. وتفاقمت هذه الصورة القبيحة عن الترابي بعد انقلاب البشير الذي اعتقد القاصي والداني أن الترابي هو وجهه الحقيقي في حين أن البشير والآخرين مجرد أقنعة. فالمعارضون السودانيون مجمعون على أن النظام، وكل دقيقة من دقائقه، هي تدبير ترابي شرير. وهي عقيدة كثيراً ما أفسدت على المعارضين سداد التحليل السياسي"


- هل ما حدث في يونيو 1989 كان مجرد "تحالف" بين الترابي والبشير والقوات المسلحة، وفقاً لإفادات الترابي نفسه أعلاه؟

- وبعد أن اعترف زعيم الحركة بعظمة لسانه بأنه كان وراء "تدبير كل دقيقة من دقائق الانقلاب" هل يسمي الدكتور عبد الله ذلك "تدبيراً ترابياً شريراً" على حد وصفه في المقال، أم أنّ له عنده "تخريجاً نظرياً" واسم "دلع" آخر هذه المرة؟

- وهل يمكن وصف الواقع السياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي أفرزه نظام الإنقاذ بأنه شجرة مورقة ووارفة الظل أيضا؟ آه من فِريع البان اليسوح نديان منو يا.. يا سلام!!

- وهل يرى الدكتور أستاذ التاريخ في نظام الإنقاذ نموذجاً للدولة الإسلامية الحديثة؟

- ومن هم هؤلاء الرجال والنساء الذين تنادوا لتلك الحركة بأريحية وبذل وإبداعية؟ "شِنْ نفرهم" من منظور علم التاريخ ومنهج علم الاجتماع الماركسي يا بروف؟ أليست لهم توصيفات ومصالح طبقية اجتماعية تتعارض مع مصالح الأغلبية الساحقة من أفراد وفئات الشعب السوداني في تداعيهم هذا إلى الحركة بأريحية وبذل وإبداعية؟ أم أنهم مجرد كتلة واحدة صمّاء مثل غابة كثيفة بلا أشجار... إن جازت العبارة الماركسية في نقد الفكر المثالي الكذوب المخاتل هذا؟

- والسؤال الأهم: أين موطئ قدم الدكتور عبد الله نفسه من ذلك التنادي والبذل والأريحية والإبداع؟


وإلى أن يجيبنا الدكتور –أو لا يجيب- تترد على نقيض روايته هذه أصداء ديالكتيك الشعر في خطاب الاحتجاج الصوفي المضاد في هذه المقتطفات من "ياقوت العرش" عند الفيتوري:


دنيا لا يملكها من يملكها

أغنى أهليها سادتُها الفقراء

الخاسر من لم يأخذ منها

ما تعطيه على استحياء

والغافل من ظنّ الأشياءَ

هي الأشياء!

تاجُ السلطانِ القاتمِ تفاحة

تتأرجح أعلى سارية الساحة

تاجُ الصوفيِّ يضيء

على سجادةِ قش

صدّقني يا ياقوت العرش

أن الموتى ليسوا هم

هاتيك الموتى

والراحة ليست

هاتيك الراحة

* * *

لا تعجب يا ياقوت...

الأعظم من قدر الإنسان هو الإنسان

القاضي يغزلُ شاربه لمغنيّة الحانة

وحكيمُ القرية مشنوقٌ

والقِرَدة تلهو في السوق

يا محبوبي ..

ذهب المُضْطَّر نُحاس

قاضيكم مشدودٌ في مقعده المسروق

يقضي ما بين الناس

ويجرّ عباءته كبراً في الجبّانه

* * *

لن تبصرنا بمآقٍ غير مآقينا

لن تعرفنا

ما لم نجذبك فتعرفنا وتُكاشِفنا

أدنى ما فينا قد يعلونا

يا ياقوت

فكن الأدنى

تكن الأعلى فينا

* * *

وتجف مياه البحر

وتقطع هجرتها أسراب الطير

والغربال المثقوب على كتفيك

وحزنك في عينيك....

يا محبوبي

لا تبكيني

يكفيك ويكفيني

فالحزنُ الأكبرُ ليس يُقال





سأواصل .



عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

التحايا لكل القراء والمهتمين، ولكم الاعتذار جميعا عن طول الغياب لأسباب خارج إرادتي. ولكني سأعود قريبا لأواصل ما انقطع في هذا السجال.

لكم الود ووافر الاحترام والتقدير
أضف رد جديد