و المجذوب

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و المجذوب

مشاركة بواسطة حسن موسى »

في مثل هذا اليوم رحل المجذوب عنا قبل أثنين و ثلاثين عاما لكنه ما زال يحتل مكان الحظوة في الخواطر. له التحية و الإعزاز.


صورة
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في الأربعاء مارس 05, 2014 7:04 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

اثنان و ثلاثون عاماً يا حسن .. رحمة الله.


بائعة الكسرة ...لمحمد المهدى المجذوب




يا بائعةُ الكسرةِ
أهواكْ
ألقاكْ
الشاشُ الأبيضُ بين يديكِ غمام
نامتْ لفائفُك الغنّاء
يا سمراء ..

أشتمُ سماحتك الخضراء
وترحاب رضا جمالك
لا غيرة من أترابك
الايثارُ الغادي رزقُ اللهِ تقسّم في أصحابك
كدحٌ شاكرْ

أهواكِ
أصابعُ صبركِ ، والعملُ الموصولُ
الجيّد لبّ نقائك
ورزانتك الشّماء
الفقر تجمّل سِمةٌ من كبرٍ وحنانْ
بصّرني معناك

يشفيني من سخطي يشكو في السوق
لغير سميعٍ ..
أسمعتِ بذاك البائعِ .. ذاك السارقِ ؟
خانِ الميزان ...
أسمعتِ شكايته الحيرى ؟
يا ويلاه إذا شكّ الميزان
كفته تسألني عن توأمِها المفقود

وأرى أطفالك في ذاك البيت الأقصى
ينتظرون الخيرَ العائدَ كُلّ مساءْ
يحبو أطفالُك في بيتٍ يحبو
معراج شعبته في راحات الزُغب
ولثعُ الألسنةِ الأولى ..
ذاك البيتُ الناشيء فوق ركائِزه !
لا يعنيه نفاقُ تيوسٍ مكتحلِ العينين
لا يعنيه لصوصُ الشمسِ
ولؤم السُعرِ
ولا تطفيفُ الكيلِ وأوزارُ الخرطومِ المفتونةِ


أهواك عزيمتك الغرّاءُ
وهذا العملُ الطيبُ منذُ الفجرِ على رأسُكِ
وجلستِ به كالوردةِ ريّا
تومضُ في ظلماءِ السوقِ المستنقعِ
تيمّني ثوبُك هذا الأبيض ..
وجهك يسفرُ ، لا كالبدرِ ولا كالشّمس
ولكنْ من إيقانك..



في وجهُك ، هذا الباسمُ .. حزنُ الصبرِ
تفاءلْ
ما أجملَ هذا الحزنُ الصابرْ
ما أجملَ هذا العملُ الساهرْ


أقبلتُ إليك أطهِرُ نفسي من أعبائي
أتعلمُ منك الخيرَ الكاسبْ
العفةُ في عينيك ..
الحكمةُ ملء يديك ..
أتعشقُ حسنَكِ والإحسانُ
وأضاحكُ فيك عزائي
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

نار المجاذيب

رأيت طفولتي الباكرة على ضوء هذه النار المباركة ، ونظرت إليها وسمعت حديثها ، وعَلِمْتُ وانتشيت وغنيت .
أوقدها الحاج " عيسى ود قِنديل " والسودان في مُلك " العَنَجِ النصارى من أهليه ، فتلفتتُ في ليل " دَرُّو" الساكن ، وتُلقي ذوائبها الذهبية على الحَيران ، تحلقوا حولها وعانقوا الألواح ورتّلوا القرآن ، وسهر من حولها الفرسان والفقهاء وأصحاب الخوارق ، يسبّحون وينشدون ، سماحة بين الناس وأمناً وأريحية ، قروناً طوالاً حتى الساعة .
ودفع بي أبي إلى هذه النار فرأيتُ وجه شيخي وسيدي ، شيخ الفقراء الورع الحافظ ، الفقيه محمد ود الطاهر .
وأني هو الشاعر المعلم ، الحافظ العلامة الفذُ العابد ، الشيخ محمد المجذوب ، بن الفقيه محمد ، بن الفقيه أحمد بن الفقيه جلال الدين ، بن الفقيه عبد الله النَّقَرْ ، بن طيِّب النِيَّة الشاذلي ، الفقيه حمد ، بن الفارس الفقيه المجذوب ، بن علي البَكَّاء من خشية الله ، بن حمد ضمين الدامر ، بن عبد الله المشهور برجل " دَرُّو" ، بن محمد ، بن الحاج عيسى وَد قنديل بن حمد بن عبد العال بن عرمان والإجماع قائم على أن شاع الدين وعبد العال ابني عرمان أمهما من نسل البضعة الشريفة ، وأَعَدُّ نسبي في الجعليين من عرب السودان حتى العباس بن عبد المطلب، والحمد لله على ذلك ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه .
وخرجتُ من الحيران إلى "الفَزَعَة "لنحتطب ، وفي قبضتي الصغيرة فَرَّار وماء من بحر النيل في زجاجة خضراء ، وتغوص أقدامنا في كثبان الرمال السمر ، وتتعلق أعيننا بزرقة النيل ورؤوس الدوم والنخيل ، ونُريح طفولتنا عند السدر الظليل ، ونعود إلى النار وبالعُشَرِ ، والسَّلَمِ وتطعمنا النار ،مغربِ كل أربعاء كَرَامةً من " بليلةِ اللوبياء المبارك ، وعَيش الريفِ الحلال .
ومن ليل "الدامر" الساكن الهامس بالنجوم .ومن مدائح الولي الكامل جليس الرسول محمد المجذوب ووَجْدِه الصادِح في ضوء النار الساهر .
ومن فرحي الغامر بصحبتي لقسيم الصبا والأحلام والشباب ، الشاعر الفذ الفنان عمي وأخي وسيدي ابى البركات عبد الله بن سيدي الوالد ، الشاعر الحافظ المعلم الشيخ الطيب ، عليه رحمة الله ورضوانه .
ومن لالاء نوّار اللُّوبيا ، في جرف السيدة " صَافي النيّة " رضوان الله عليها ورحمته ، ومن رقتها وحنانها العميق ،
ومن سِيَر التاريخ الحافل بالمآثر أَخذاً عن جدتي الحافظة ، المعلمة الذاكرة ، السيدة الحاجة مريم بنت الولي الصالح الحاج "عطوة "المغربي" الخفاجي "، والسيدة البرّة الكريمة ، أم الأضياف البرّة الوّهابة ، بنت وهب بنت النقر ، رضوان الله عليهما ورحمته وبركاته ،
ومن طبول المُقَدَّم القادري تلميذ الشيخ الجعلي " دياب " رضوان الله عليهم ، ومن الصدق الذي علمنيه والداي العاطفان ..ومن كل ما ذكرت ـ في محبة ووفاء وعرفان ، انعقد جوهر هذا الشعر .
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

كان موسم معارض التخريج وما يصاحبه من ندوات ادبية وإحتفالات موسيقية وتظاهرات ثقافية ومهرجانات ، هو الحدث الثقافي الاهم في البلاد ، تأتي اليه قبائل المثقفين وغيرهم كل عام ، من كل فج ، ليشهدوا الحدث الكبير. وحتي في ايام الدراسة العادية ، فقد كان لا يمر اسبوع دون ان تقام خلالة ندوة ادبية او عرض سينمائي أو حفلة غنائية ( كان صاحبك شرحبيل يا عبدالماجد هو ضيفنا الذي لا نمله و لايملنا ابداً) ولقد رأيت المجذوب رأي العين ، و سمعته وهو يلقي قصائدة في نجائل كلية الفنون.
_____________________

عن بوست كلية الفنون وشريط الذكريات للأخ ( الديناصور) احمد سيد احمد !!!
آخر تعديل بواسطة عادل السنوسي في الخميس مارس 06, 2014 3:42 am، تم التعديل مرة واحدة.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

من محبي كلية الفنون أيضًا، الشاعر الكبير محمد المهدي مجذوب. ذكر المجذوب في مقابلة له مع الشاعر الراحل عبد الرحيم أبو ذكرى، نشرتها مجلة "الثقافة السودانية"، أنه كان يحب الفنون. وكان يود أن يكون رسامًا، ولكن الفقهاء الذين كانوا يحيطون به في بيتهم الديني في الدامر، نفروه من الفن. رأوه يوما يصنع تماثيل من الطين فزجروه، حتى ارتعدت فرائصه. ولما رأوه في مرة أخرى يكتب بعض أبيات من الشعر استحسنوا ذلك، فتحول إلى الشعر بعد أن قتل رغبته في الفن. ولذلك بقيت محبة الفنون حية في نفس المجذوب، وظل حنينه للفنون متقدا، ما جعله صديقا لأستاذتنا كمالا إبراهيم اسحق، ولكلية الفنون، ولمنتسبيها بشكل عام. ولقد ذكر عادل السنوسي أنه رآه يلقي الشعر في إحدى نجايل الكلية. وأذكر حين نشر محمد حامد شداد، ونايلة الطيب طه، "البيان الكريستالي" الذي أعلنوا فيه ميلاد مدرستهم الكريستالية، كان من ضمن الموقعين معهم على البيان، على ما أذكر، أستاذتنا كمالا إبراهيم اسحق، والشاعر محمد المهدي المجذوب. في مداعباتنا لشداد حول البيان الكريستالي وسر توقيع كمالا والمجذوب على البيان، رد علينا شداد بقوله: "الضباط الصغار لمن يجوا يعملوا أنقلاب بجيبوا معاهم من الضباط الكبار، جنرال، جنرالين". الشاهد أن كلية الفنون مثلت بالنسبة للمفكرين وللمبدعين ضوعة من طيب نسائم العالم الذي كانوا يحلمون به. كانوا يرون فيها تخلقا لكيان دالٍ على سودان مستقبلي، أكثر حرية، وأكثر انسانية. هذا الكيان الدال هو ما أسماه حسن موسى "حزب الفن".
___________________________________________________

مداخلة للنور حمد في نفس البوست المذكور أعلاه ..
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

من ديوان الشرافة والهجرة .. محمد المهدي المجذوب

راية الحانة

مريستنا ملأت برمة
علي وجهها* يستدير القمر
تلوح راياتها فوقنا
شراعا يعود بنا من سفر
يوشوش متكئا دلق
عليه جلال النهي والخطر
تقعده بيننا كاعب لها
عرق كالجمان انتشر
تشد ازارا علي صخرة
وما الصقت شعرا بالشعر
تناولني فأسيغ الشراب
وأجرع من قرع معتبر
وتطعمني من قديد الشواء
وتطرفني بعجيب السير
حفظت لها ودها شاكرا
وتحفظ ودها ست النفر
طليق ولا خير في معشر
صحبتهم فصحبت الضجر
عجلت إلي ودهم جاهلا
ومالي في جهلتي معتذر
لهم ضحك خلته صادقا
وطرقع مثل كرات العشر
نقيق الدلاليك تحت المساء
تضارب مستعرا واشتجر
خشيت الصباح وراء الظلام
يؤامر في بنات القدر
وحيد وان كنت في سامر
ولي وطن ضائع منتظر
______________
* علي ( فمها) يستدير القمر.... في رواية أخري !
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و بائعة الفول

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا عادل و شكرا على" بائعة المريسة" و "بائعة الكسرة ". لكن كمان ما "تنسى بائعة الفول" .
غايتوا ربنا يجيب العواقب سليمة ، عشان المجذوب دا باين عليهو حيجذبنا معاه في بحرا طيرو عجمي !

هاك :

بائعة الفول
في كل حبة
مقلية مُملـّحة
رجِيَّة مُجنـَّحة
أعينُها تَشَوُّفُ انتصارْ
+ + +
و ربّة الفول على الطريق
سوادُها في عمقه بريق
و العرقُ الغزيرُ في نـُعُومة السـَّواد
رَوَّقـَهُ النهار
في جرَّة من شهوة تفورُ في الخـَفاء
تفضحها انفراجة الشـِّفاه
ولُؤلوء في ظلها بـَليل
+ + + +
و الثوبُ لفَّ رِدفـَها الثقيل
و ذاب عند خصرها النحيل
و الحلمتان حبّتان
مقليَّتان
و الساعدان يعملان يعملان
يلتقيان فوق زورق صغير
يعلم عن أنبائي الكثير
+ + + +
البحرُ مالح أُجاج
تسبحُ في أمواجه الفِجـَاج
لتلمسَ الحجر
و ذلك الحليقُ أزمع السفر


[ من " نار المجاذيب" 1960]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

دين الشاعر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

المـُصلـِّية

حبشية تغشى الكنيسة في الصباح على حياء
و بصدرها لمع الصليبُ كدمعة خلف الرجـاء
غضـّت بناظرها يُنازعها الرُنُوَّ إلى المـَرائي

++++++

يا أختُ ما نفعت صلاتي في المساجد أو بكائي

فتركتُ قلبي مثلما تبغى المشاعر من بقائي



[ بورتسودان 1953 ]
أسامة الخواض
مشاركات: 962
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:15 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة أسامة الخواض »

من رسالة للمجذوب إلى "علي ابوسن"*:

"تذكر أن الرئيس القائد تعطف علي بجائزة تكريمية.قبضت 1500 جنيه شاكراً. ولم أعط الوسام الذهبي،و هو جزء منها في لائحة

التكريم،استحيت أن أسأل،و نال من لم يبل بلائي الجائزة التقديرية و الوسام الذهبي.الإنصاف جميل و مثلي منذور للحزن و الصمت

و وراء ذلك التاريخ.و لكن،هل يعزيني إنصاف التاريخ؟- هل يسمع التجاني قول التاريخ فيه؟..إنني أؤمن بالعزاء في الموت.

أعذرني لهذا التفكير الخابي و لا أؤكد محبتي إلا ببثي إليك ما في صدري".
_____________________________________

*النور حمد،مهارب المبدعين-قراءة في السير و النصوص السودانية،مدارك،الطبعة الأولى،2010، ص 332.
أسامة

أقسم بأن غبار منافيك نجوم

فهنيئاً لك،

وهنيئاً لي

لمعانك.

لك حبي.



16\3\2003

القاهرة.

**********************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4975
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

صابون المجذوب

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا أسامة
إقتطافك حيرني و تذكرت حكمة الأهالي التي تقول " ما كل ما يرغي صابون"! و أمر المجذوب يفيض عن سعة" مهارب" النور حمد و شركاه فاصبر علي حتى أعود
.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو؟ و مهارب منو؟[1]

مشاركة بواسطة حسن موسى »



[size=10]مهارب شنو؟ و مهارب منو؟






"سيلفي " مع المجذوب!

قبل فترة وقعت على طبعة جديدة من " مذكرات بابكر بدري". و من تصفـّحي للكتاب تبين لي أن الطبعة الجديدة تعرضت للتعديل في بعض مواضعها التي يحكي فيها بابكر بدري بعض ذكريات تحتوي على إشارات و عبارات رأى محرر الطبعة الجديدة من الكتاب أنها تتعارض و مزاج الحياء السائد.و قد ساءني الأمر لأني لمست فيه سنسرة مباشرة لرجل أمين هو كاتب و مربي رائد كانت أولويته كتابة حقائق التاريخ " للإقتداء بها حسنا و قبحا". و في هذا المشهد فبابكر بدري يبذل الحقيقة التاريخية كمساهمة واعية بإصلاح الشأن العام. بالمقابل استوقفتني رسائل المجذوب لصديقه علي ابو سن التي نشرها الأخير في كتابه المعنون: " المجذوب والذكريات: أحاديث الأدب والسياسة بين الخرطوم، ولندن، والقاهرة وباريس،ج1، 1998م، ". و هو الكتاب الذي اعتمد عليه النورحمد في كتابة الجزء الخاص بالمجذوب في كتابه " مهارب المبدعين".و قد طاف بخاطري تساؤل حول دوافع علي ابو سن و حول حقه في نشر الرسائل الخاصة التي ارسلها له المجذوب لأن بعضها يحتوي على أمور شخصية حميمة ربما تردد المجذوب ـ أو أهله من بعد رحيله ـ في بذلها على الملأ.أقول قولي هذا و أنا لم اطلع بعد على كتاب علي ابوسن إلا من خلال الإقتطافات التي أوردها النور حمد في كتابه.و حتى يصلني كتاب علي ابوسن اصرف النظر مؤقتا عن هذه المنازعة المركبة و أعد بالعودة.
جال بخاطري كل هذا و أنا اطالع المقتطف الذي انتخبه

اسامة الخواض [من كتاب " مهارب المبدعين ، قراءة في السير و النصوص السودانية" دار مدارك2010 ]من رسالة للمجذوب إلى صديقه علي ابوسن.في هذا المقطع يقول المجذوب:
".. تذكر ان الرئيس القائد تعطّف علي بجائزة تكريمية، قبضت 1500 جنيه شاكرا، و لم أعط الوسام الذهبي، و هو جزء منها في لائحة التكريم، و استحيت ان اسأل، و نال من لم يبل بلائي الجائزة التقديرية و الوسام الذهبي. الإنصاف جميل و مثلي منذور للحزن و الصمت، و وراء ذلك التاريخ. و لكن هل يعزيني إنصاف التاريخ؟
هل يسمع التجاني قول التاريخ فيه؟ إنني أؤمن بالعزاء في الموت.
أعذرني لهذا التفكير الخابي ، و لا أؤكد محبتي إلا ببثي إليك ما في صدري.."

و قد حيرني المقتطف لأني لمست فيه شبهة " سيلفي" أدبي مع المجذوب! و الـ " سيلفي"
Selfy
عبارة طريفة من أدبيات الثقافة الرقمية و هي تدل على الصورة الشخصية التي يلتقطها الشخص بهاتفه كدليل على أنه كان في الموضع الفلاني او مع الشخص الفلاني.و قد بدا لي أن "سيلفي" أسامة الخواض مع المجذوب ينطوي على رغبة في إشهار معيتة للمجذوب كمتراس يحمي من ينتفع به من مخاطر المؤاخذات النقدية الأدبية و الأخلاقية و السياسية المحتملة.ذلك لأن أسامة الخواض لم يبذل لنا أي نص من بين نصوص المجذوب الكثيرة التي تزحم صفحات كتاب النور حمد ، من شاكلة : " كان المجذوب ضمن من أسهموا في مناهضة المستعمر، والمطالبة باستقلال السودان. كان المجذوب ضمن المجموعة التي أنشأت مع الأستاذ محمود محمد طه الحزب الجمهوري، في منتصف عقد الأربعينات، من القرن العشرين. وقد كان الحزب الجمهوري حزبا استقلاليا، لا يريد للسودان عقب استقلاله أي يقع في التبعية لمصر، أو لبريطانيا. وقد ضمت دواوين المجذوب الشعرية عددا من القصائد التي مجد فيها نضال الحزب الجمهوري، وكفاح زعيمه الأستاذ محمود محمد طه، ضد المستعمر .. "
أو ذلك المقطع الذي يقول فيه النور حمد :
" وقد عاش المجذوب غريبا، ومات غريبا، شأنه في ذلك شأن كوكبة من عباقرة السودان، ممن لم يختاروا تأليه السائد، ولم يركعوا ليقدموا القرابين، ويحرقوا لسلطته البخور."
"
". لقد انتخب اسامة الخواض هذا المقطع الغميس المفعم بالإشتباهات و بذله لنا،هنا، في هذا الخيط الذي نحتفي فيه بذكرى المجذوب، فكأنه يقول : هذا الشاعر المجذوب الذي تجلّونه و تحتفون به، هو في حقيقته مثلنا جميعا نقف بأبواب السلاطين نستجدي الهبات و نقتات من عطايا السلطان الجائر.
و قد بدا لي أن أفضل السبل للتعامل مع " سيلفي " أسامة الخواض مع المجذوب يتمثل في السعي لعقلنة ابعاده الجمالية و السياسية فيما وراء دوافع أسامة الخواض و من لف لفه من "السلفيين" البواسل المتربصين في شعاب الأسافير .
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو..[ 2]

مشاركة بواسطة حسن موسى »




مهارب شنو؟..[2]



"الهروب الكبير"



حفزني " سيلفي" أسامة الخواض لمعاودة النظر في كتاب النور حمد و تفحص موضوعة " المهارب" من مسافة مغايرة.و قد بدت لي
موضوعة هروب المبدعين السودانيين ، من ضيق المجتمع المحلي نحو حرية المزعومة في فضاءات إجتماعية مغايرة ، مكيدة سياسية عجيبة ، جادت بها قريحة استاذنا عبد الله علي ابراهيم في نصه الشهير" الآفروعروبية أو تحالف الهاربين" الذي يعارض فيه نظرية الهجنة الآفروعروبية، التي يسوّغ عليها المثقفون العربسلاميون في السودان حظوة القوامة المادية و الرمزية المزعومة على الشعوب السودانية، باعتبار أنهم ـ بحكم موقعهم الوسيط بين الأفارقة و العرب ـ يلعبون دور" الهجين/ الجسر/البوتقة/الحكَم" السودانوي، بين الثقافة العربسلامية و الثقافة الزنجأفريقية.
عارض عبد الله الأفروعروبيين بنظرية التاريخ الماركسية و ردّ احتفائهم بهوية الهجنة إلى غياب المنهج التاريخي من نظرتهم لشعوب و أعراق السودان و سخر من طلاشتهم الإنثروبولوجية المعرقنة التي تفسر " جفاء الثقافة العربية " المزعوم كـ " خصيصة بيولوجية و ليس [كـ] خصلة إجتماعية قائمة في التاريخ العياني".كشف عبد الله في مقالته " تحالف الهاربين" عن براءة آيديولوجية فادحة ألهمت شعراء " مدرسة الغابة و الصحراء" أن يعمّدوا المجذوب ـ لا إيدو لا كراعو ـ " أبا روحيا لمشروعهم الشعري الرامي إلى التعبير عن الوحدة العميقة للوجودين العربي و الإفريقي، في ذاتية سودانية صمدة"، بينما الرجل، " وَدْ عزتين و شبعان لكاعة "، بريء من شبهة الهجنة براءة الذئب.
و فوق طلاشة الشعراء التي لمسها عبد الله فأنا أرى ـ حسب نظري الضعيف ـ أن عبد الله يقاسم شعراء الأفروعروبية بعض الإلتباس المفهومي في تفسيرهم لرحلتهم الأوروبية بموقف " الهروب" المزعوم . و أقول "الهروب المزعوم" لأني أشك في أن عبارة "الهروب" تستوعب المعاني المركبة اللاحقة بتجربة " الرحلة" التي اضطلع بها هؤلاء الشعراء الشباب في شعاب أوروبا الستينات. و أنا أفضل أستخدام عبارة " الرحلة " هنا حتى يلهمني الله عبارة أفضل، و في خاطري معنى " الرحلة" كنوع أدبي عربي [ و غربي] متصل على محاور الجغرافيا و التاريخ و الأنثروبولوجيا، مما ورثنا من أثر الرحالة الأعظم المعري صاحب" رسالة الغفران"، و المسعودي [ مروج الذهب] و ابن جبير [ إتفاقات الأسفار] لغاية رفاعة الطهطاوي [ تخليص الإبريز في تلخيص باريز]،و توفيق الحكيم[ " زهرة العمر"] ، و الطيب صالح في " موسم الهجرة" التي تبدأ بتلك العبارة الجبارة :" عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة ..". و لا يعني قولي هذا غياب نموذج الهاربين من مشهدنا الإبداعي لكن شعراء الغابة و الصحراء و المجذوب و الطيب صالح لم يهربوا . ربما لأنهم " عادوا" ـ و هم على يقين من أن العسف و السجم و الرماد الذي قسرهم على الـ " الهجرة" كان و ما زال في انتظارهم ـ و الهارب لا يعود ،سواء كان مهربه في الجغرافيا أو في الكحول أو في الجنون..
و مقاربة تجربة شعراء الغابة و الصحراء من مدخل " الرحلة" أو "الهجرة" الموسمية يمكن أن تفتح سكة مغايرة للتفاكر النقدي في تركيب البعد الجمالي لموقفهم السياسي. و لا بد من عودة لفحص الأمر بشيئ من التأني فيما وراء حلقة الشعراء وحدهم. و للتشكيليين كالصلحي و تي إس أحمد و عامر نور و الموسيقيين كالماحي اسمعيل و عبد المعين و المسرحيين [ النصيري و عايدابي و يحيى الحاج إلخ نظر مغاير بالضرورة في مسألة الهروب. أما عن هروب السياسيين ، في أوروبا [ حسن الترابي مثلا] ، أو عن هروب الشيوعيين السودانيين "تحت الأرض" [ عبد الخالق مثلا !] فحدث!.و مقالة عبد الله [ الذي عرفناه أبان هربه من أمن النميري في السبعينات ] تستحق النظر المتأني في أكثر من وجه لكني أكتفي منها هنا [ و هيهات! ] بموضوعة هرب الأدباء التي استثمرها النور حمد فصنع منها كتابا في ذم المبدعين السودانيين. كتاب شنو يا زول؟ دي نظرية سياسية بحالها عمادها التعارض بين الشجعان الثابتين على الحق و الخوافين الذين آثروا السلامة فهربوا و عرّدوا[ في الغرب،في البادية أو في الكحول ]. و لا جناح فالخواف ، في نهاية تحليل ما، "ربّى عياله".


سأعود
أسامة الخواض
مشاركات: 962
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:15 pm
اتصال:

رجاء

مشاركة بواسطة أسامة الخواض »

أهلاً حسن

لا أريد أن أقطع "حبل " أفكارك،حول مقتطف المجذوب من "المهارب" للنور حمد،

فقط أرجو أن توضح ماذا تقصد بعبارتك التالية:

" لكن شعراء الغابة و الصحراء و المجذوب و الطيب صالح لم يهربوا . ربما لأنهم " عادوا" ـ و هم على يقين من أن العسف و السجم و الرماد الذي قسرهم على الـ " الهجرة" كان و ما زال في انتظارهم ـ و الهارب لا يعود ،سواء كان مهربه في الجغرافيا أو في الكحول أو في الجنون.. ". ا.ه.

حتى لا نخطئ تأويل عبارتك أعلاه،حين نعود للتعليق.

أرقد عافية.
أسامة

أقسم بأن غبار منافيك نجوم

فهنيئاً لك،

وهنيئاً لي

لمعانك.

لك حبي.



16\3\2003

القاهرة.

**********************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4975
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو[3]

مشاركة بواسطة حسن موسى »




مهارب شنو ؟...[3]



سلام يا أسامة
يمكن تلخيص فساد مقولة الهروب في كون هاربي الغابة و الصحراء عادوا للوطن ليغنموا الإمتيازات و المناصب تحت إمرة السلطان الجاهل و "الهارب لا يعود". و حين انقلب عليهم السلطان عاودوا الهروب مرة أخرى. سأعود لتفاصيل "الهروب" و "العودة" في براح قادم فصبرا.


همّ الغرب العربي

ويمكن فهم إتفاق النور حمد مع عبد الله علي ابراهيم [ و آخرين ] في كون الأثنين يلتقيان عند رؤية فصامية للعالم كشرق في مواجهة الغرب.أو كما قال الخواجة كبلنغ " الشرق شرق و الغرب غرب و لن يلتقيا .." إلخ. و كون النور حمد منخرط ـ على نهج كبلنغ ـ في ثنائية الشرق/ الغرب ، فهذا أمر متوقع من تلميذ مخلص لتعاليم الأستاذ محمود محمد طه الذي أرهق ثنائية الشرق [ الروحي]/الغرب[ المادي] صعودا و هبوطا على ضوء تقلبات جيوبوليتيك زمن الحرب الباردة.ذلك ان النور و الأستاذ محمود ، مثل جملة المفكرين المسلمين ، و قيل مثل كافة عيال النصارى و اليهود الذين خبروا العالم من منظور الأنثروبولوجيا الكولونيالية [ الإستشراقية] ، يتموضعون في العالم إما كشرقيين في مواجهة الغربيين أو العكس. هذه الوضعية تجرف الجميع للإنغلاق في نوع من قياس أقرن لا يبالي بالتاريخ و لا بتناقض المصالح الإجتماعية بين الفرقاء، كونه يؤدي بالجميع إلى مسد " حرب الحضارات " الذي كان جورج دبليو بوش يتوعد به المسلمين في السابق، أو مسد " حوار الحضارات " الذي صار مبارك أوباما يراود به عيال المسلمين عن انفسهم ،إن نبذوا التعصب الآيديولوجي و العنف و جنحوا للإعتدال. لكني احترت كثيرا في موقف عبد الله[ الماركسي الواقع من السما تمانية مرات]، حين يتسربل بسرابيل الشرقيين القرونوسطيين المتمترسين في وجه جحافل الصليبيين الجدد. و حيرتي نابعة من أن مفكر في علم عبد الله و في سعة حيلته السياسية لا يمكن ان ينخرط في خطاب " الشرق/الغرب" متجاهلا معطيات الواقع الجيوبوليتيكي لزمن رأس المال المعولم الذي لم يعد للشرق و الغرب فيه من وجود إلا كضياء نجمين أفلا مع بداية الإستعمار الرأسمالي .التطورات الإقتصادية و السياسية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة [ سقوط حائط برلين و انهيار الإتحاد السوفييتي ] همّشت أدوار الآلات الحربية البائدة، كمنظمة حلف شمال الأطلنطي و حلف وارسو أو إسرائيل و جنوب إفريقيا الأبارتايد، و جعلت من " منظمة التجارة الدولية " أكفأ الآلات الحربية كفاءة في يد قوى رأس المال المعولم ، لأن رحى الحرب العالمية المعاصرة تدور اليوم في ساحة التجارة. و هي ساحة واسعة فقد الأورأمريكيون فيها إمتيازاتهم القديمة الموروثة من عهد الهيمنة الكولونيالية منذ أن اضطرتهم حركات القوى الصاعدة في آسيا [ الصين و الهند و اليابان] و أمريكا الجنوبية [ البرازيل و الأرجنتين] لتغيير استراتيجياتهم و إعادة تنظيم صفوفهم. صار المراقبون اليوم يهتمون بهذه الحروبات الجديدة التي تدور في داخل صالات المفاوضات التجارية. و هي حروب يسميها المراقبون اليوم باسماء غريبة من شاكلة " حرب الموز " [ بين الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة ] أو "حرب القطن " [ بينمنتجي القطن الأفارقة و الولايات المتحدة] أو حرب الغاز " [ بين روسيا و أوروبا ] أو حرب النفط" الدائمة في الخليج و في العراق و في إيران و في إفريقيا و أمريكا الجنوبية و هلمجرا..
أقول : إن فكرة الغرب كنقيض معارض للشرق قديمة في تفاكير عبد الله. فنقده لشعراء الغابة و الصحراء الوارد في " تحالف الهاربين " ينطوي على فكرة الغرب كمهرب خارج زمن التاريخ الشرقي . الغرب في ذلك السياق كان هو " غرب أوروبا". أو كما قال عبد الله في توصيف الآفروعروبية كوجه من وجوه " صدام الثقافات " :
" الأفرو عروبية هي ، بوجه من الوجوه، رد فعل لإصطدام مبدعي جيل الستينات بثقافة أوروبا الغالبة. فقد وقع مجاز "الغابة و الصحراء" للشاعر النور عثمان و هو في محيط أوروبا الحضاري الذي "رفض هويتي الإفريقية حين أفكر، و رفض هويتي العربية حين أكون " [ كذا!]. فهي بهذا اكتشاف للجذور قام به هؤلاء الشعراء بعد تغرب في ثقافة أوروبا و أروقتها. و قد عادوا من ذلك كله صفر اليدين إلا من " الحامض من رغو الغمام" . [ ص17، الثقافة و الديموقراطية في السودان].
في هذا المقتطف يصور عبد الله الشعراء الشباب كما البدائيين الخارجين من "الغابةأو/ و من الصحراء" [ الشرقية] المتطفلين على وسط ثقافي جديد هو الوسط الأوروبي، فأصابهم داء " صدام الثقافات" و عادوا إلى قواعدهم "صفر اليدين".. و في هذا الزعم عدم دقة ، لأن هؤلاء الشعراء الأماجد عادوا من التجربة الأوروبية وفي متاعهم تجربة جمالية غنية مكنتهم من استحقاق صفة الشعراء، مثلما فيه إلتباس منهجي غميس، لأن عبد الله يتبنى شهادة هؤلاءالشعراء الشباب عن تجربتهم، بدون نقد لمقولاتهم الشعرية الضبابية، من نوع عبارة النور عثمان أعلاه التي يعارض فيها بين هوية إفريقية" تفكر" و هوية عربية "تكون". و هو كلام خارم بارم لطيف، لا يضاهيه في الجمال إلا ذلك " الحامض من رغو الغمام ". و عبد الله يعرف أن هؤلاء الشعراء خرجوا من الجامعة لحواضر أوروبا و في وفاضهم كل المفاتيح الفكرية و الجمالية للعالم المعاصر وكامل العدة المفهومية للثقافة الأوروبية، ناهيك عن ذلك التوق الثقافي الحداثي لتملّك العالم و الذي حفزهم على تحمل مشقات السفر. و لهذه الأسباب أثمرت رحلتهم تلك التجربة الشعرية الكبيرة التي ما زالت قادرة على إلهام القراء جيلا بعد جيل. و رغم أن عبد الله "الشاعر" يلتف على عبد الله " الناقد" ليناقض زعمه ببؤس الرحلة الأوروبية، حين يكتب بعدها أن محمد المكي ابراهيم " عاد بشعر صاف عذب يرويه الجيل بعد الجيل من ديوان " أمتي"، إلا أن عبد الله ناقد الأفروعروبية اللينيني يتدارك الأمر ليذكر القارئ بفساد الآفروعروبية الذي لا ينفع معه شعر مهما عذب ، و ذلك في ضربة قاضية متحاملة يقول فيها : " و قد لا نستغرب حصاد الآفروعروبية البائس من مشروع لم يجمع الهاربون فيه حبا عميقا أو معرفة دقيقة بأي من الأمكنة: لا تلك التي هربوا منها و لا تلك التي هربوا إليها". و جور عبد الله هنا واضح في ضربته التي تجيئ عقب التشنيع باستنتاجات محمد المكي ابراهيم الساذجة الماثلة في مقارناته بين مزاج السوداني العربي و مزاج السوداني الإفريقي. لكن وجه التحامل المجاني في قولة عبد الله يتجلى في زعمه غياب " الحب العميق" من علاقة شعراء الغابة و الصحراء بالأمكنة. و الحب هو مما يتخفى في ثنايا القلب و " الشريعة عليها بالظاهر" بينما " اللـِّي في الألب في الألب "!] و عبد الله هنا، في مقام الحب، يتجاوز صلاحيات الناقد ليرجم بالغيب في حق هؤلاء الشباب الذين أصابتهم جرثومة الحب التي تسكن فؤاد الشاعر أو كما قال.. و هو زعم بناه عبد الله على تأويل لعبارة محمد المكي ابراهيم التي يقول فيها أنهم لاذوا بالهرب من السجن المفروض عليهم و لم يكن بين دوافعهم " فهم أو تعاطف يصلح لحب عميق". و هو تأويل ثقيل يسحق عبارة الشاعر إذ يحمّلها من المعاني السياسية ما يفيض عن طاقتها الأدبية. فالشاعر الذي سرق عنزا مستعد للحليفة لكن ليس على " مصحف إلْبِلْ " !. طبعا كوني لم أقرأ نص مقالة الشاعر التي اعتمد عليها عبد الله، يجعلني أتحفظ على مؤاخذاتي لعبد الله على تحامله في حق عبارة محمد المكي ابراهيم. و كلامي مغرض بالضرورة، و قيل رجم بالغيب عديل كدا، لكني سأعود لكل هذا حين تتيسر لي قراءة مقالة محمد المكي ابراهيم المشار إليها في " الرأي العام[ 15 ديسمبر 1963] و الله ما شقّ حنكا ضيعو!..

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو؟ [4]

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة




حوار المصالح بين الغرب و "الغرب": الرئيس روزفلت و آل سعود على البارجة الحربية الأمريكية كوينسي في 1945.

صورة








مهارب شنو؟.... [4]

نطاح الغرب و الغرب
دا كلو كوم و كلام عبد الله في سيرة " الغرب" كوم تاني. فقد وقعت في الأسابيع الماضية على نص لعبد الله علي ابراهيم يعالج صراع طبقات زمن العولمة من مدخل استغربته[ ترجم " استهجنته"] عند عبد الله الماركسي النجيض ،الذي ألفنا في معالجاته نفاذ البصيرة الأنثروبولوجية و سعة الحيلة السياسية مع رهافة التعبير الأدبي.و في نظري ،الضعيف، فإن مكتوب عبد الله المعنون " تثقيف الغيرة على الحبيب المصطفى " المنشور في
موقع الجزيرة نيت ، الرابط :
https://aljazeera.net/opinions/pages/b38 ... 3a7da6fcdb

هو النص الأكثر دغمسة من بين مكاتيب عبد الله ،لأنه ينطوي على مداهنة غليظة و غير متوقعة لدوغما "صدام الغرب و الشرق"، التي بنى عليها سدنة الإسلام السياسي بأسهم الآيديولوجي . لقد تعودنا في أدب عبد الله السياسي المنشور في العقدين الأخيرين على تنويهاته التي تلحّ على عودته لحظيرة الإيمان و تذكرعيال المسلمين المنخرطين في مناهضة الغرب بأنه صار مسلما غيورا على الدين مثلهم و أكتر ، و ذلك منذ أن أعلن توبته عن الشيوعية الكافرة إلخ. بل أن عبد الله لا يكتفي من التوبة بظاهر الشريعة الذي يلزم العربسلامي العادي، لكنه يبالغ في غيرته على الدين فيتشلّخ كمان،على سنة أهلنا الحَلََب الذين شاع عنهم أنهم بدأوا يمارسون عادة التشليخ بعد أن هجرها الأهالي ! و أمر الحلب يمكن فهمه بتوقهم المشروع لتأصيل عصبتهم بين أهل البلاد الذين ثبتوا الشلوخ كعلامة هوية. أما عودة عبد الله للإسلام فهي تبدو كما الأثر الباقي من هم " إحياء التراث " الذي يمتحف الممارسات الثقافية البائدة ،بعيدا عن منازعات الحياة الحقيقية و ينتفع بها في مداهنة عواطف الشعب الأمي. و قد أشرت من قبل لميل عبد الله اللينيني ،الحادب على ترشيد الشعب بأي ثمن ،في خيطي المعنون " دونكي ويرك" الذي ورد فيع اعجاب عبد الله بـ " وَجـْد " الختمية بالمراغنة و استحسانه لـ " الوعي الزائف عند الشعب " إلى آخر كلام الشعراء . و إذا كان في الإمكان تلخيص مشكلة الحلب الرئيسية بصعوبة "إقناع الديك" العربسلامي، الذي لم يصدق شلوخهم المتوسلة للإنتماء بكتابة دم الوجوه، فإن مشكلة عبد الله تبدو أكثر فداحة لأنه يقع في " شقاء حنا " في الحكاية المشهورة التي تنتهي بـ "ماركس غضبان عليك و محمد ما سمع بيك "! [ أنظر حكاية " شقاء حنا:
على الرابط



الكلمات المفتاحية في مقال عبد الله ،الذي ينوي تثقيف غيرة المسلمين على رموزهم الدينية، هي " نطاح""الغرب" و "المسلمين" و مخاطر "حرية التعبير" .
يقول عبد الله في مستهل ورقته التي تهدف لترشيد معارضة عيال الإسلاميين لسياسات " الغرب" الشيطانية و المعنونة "
تثقيف الغيرة على الحبيب المصطفى .."
في الجزيرة نيت [ الرابط:

https://aljazeera.net/opinions/pages/b38 ... 3a7da6fcdb

:
"..
ظل الغرب والمسلمون في نطاح متكرر حول أعمال مسماة إبداعية منذ رواية "آيات شياطنية" لسلمان رشدي أساءت لخير البشر محمداً صلوات الله عليه وسلم ." .." .. وأشتد هذا النطاح وشذّ بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 كما تجسد ذلك في توالي الرسوم والأفلام الهازئة بسيرة أفضل البشر. وبدا هذا النطاح كدورة معادة من"هيجان" إسلامي يستغرب الغرب دائماً لفرطه وعنفوانه..."
و في مصنف " الغرب " يهمل عبد الله منهج الفرز الإجتماعي الماركسي و يطرح غربا بربريا جائرا متكبرا معاديا للمسلمين من حيث هم كمسلمين بدون فرز.و لو جاء هذا الطرح من الناشطين الإسلاميين المهووسين بعداء الغرب و النصرانية و اليهودية ، ضمن عداء فولكلوري عام لكل من هو خارج أمة الإسلام ، لما راعنا فيه شيئ. لأن المهووسون الناشطون باسم الإسلام لا يعرفون منهجا في الكسب السياسي ـ أو/و الكسب الديني ـ بخلاف منهج العداء الأعمى الذي لا يتوخى الفرز. لكن عبد الله الماركسي المتأسلم أبعد ما يكون عن النسخة الإسلامية من مرض الطفولة اليسارية، الذي يفسد على شعوب المسلمين بهجة جهادهم المعقد ضد سدنة رأس المال المعولم .و من الأرجح أن عبد الله ، الذي يكتب لمؤسسة إسلامية في ثقل " مؤتمر السيرة النبوية الشريفة الأول" بجامعة إفريقيا العالمية [ الخرطوم يناير 2013] ، و لـمؤسسة اعلامية من وزن " الجزيرة نيت " المتعاطفة مع حركة الإسلاميين في الشرق الأوسط ، استلف مصطلح " الغرب " من خطاب الإسلاميين كنوع من التزلـّف الأيديولوجي المجاني. و التزلف المجاني لعامة الإسلاميين يجعله يغض النظر عن التنوّع الظاهر في موقف " الغرب " الذي يحتفي بالثقافة الإسلامية و يحفظ أثارها و يدرسها في مؤسساته العلمية.
و من يقرأ مكتوب عبد الله عن "الغرب" الذي يناطح المسلمين، يلمس التناقض بين حديثه عن الغرب ككتلة صماء معادية ،و ذلك الغرب العامر بالتنوع الثقافي و السياسي و الحقوقي الذي تتكشف عنه الأمثلة التي انتخبها لدعم حجته. فهو يورد واقعة " صور دوقة كمبريدج " التي أدان القضاء الفرنسي فيها ناشر الصحيفة الفرنسية " كلوزر" التي نشرت الصور و حكم على الناشر بـ "
الكف عن نشر وتوزيع وبيع صور كاثرين ميدلتن دوقة كمبردج التقطها المصورون المتربصون وهي عارية ".." . . وبنت حكمها على أن المصورين خرقوا حقوقها بالخصوصية وسلطانها على صورتها. كما حكمت على الناشر أن يدفع للدوقة وزوجها الأمير وليام مبلغ 2 ألف جنيه إسترليني نظير أتعابهم القانونية. ..".." ووصفت المحكمة الصور ب"المتقحمة". ومعروف أن القانون الفرنسي شديد الهمة في حماية الخصوصية ويتعامل مع بعض الإعتداءات عليها كجرائم. وسيلاحق المدعي المصور من وراء انتهاك حرمة الأميرة الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته. ". . (إنترناشونال هيرالد تربيون 19 سبتمبر 2012.."
و على أثر هذا القول يستنتج عبد الله أنه " لو جرت محاكمة ناشر "كلوسر" في انجلترا، التي هي مملكة الأمير، لكان خرقه مما يتسع على الرتق."
ذلك لأن الإختلاف الكبير الذي ذكره عبد الله ،هنا ، بين القانون الفرنسي و القانون البريطاني ، يفسد عليه صورة الغرب ككتلة صماء مستعصية على الفرز. يعني ما كله عند الغرب صابون يا صديق ! شايف؟

و رغم أنه يشير في نصه إلى إفتتاح الرئيس الفرنسي لقسم الفنون الإسلامية في أحد أكبر متاحف فرنسا " اللوفر"، إلا أن عبد الله ،الأستاذ الجامعي في جامعة كولومبيا الأمريكية، يهمل في تعميمه عن الغرب جهود العلماء و الباحثين الغربيين المدعومين من قبل مؤسسات علمية و جامعات و جمعيات مهتمة بنشر ثقافات و فنون مجتمعات المسلمين.ومقابل هذا الإهمال نجده يدعم حججه ضد حرية الكاتب في التعبير بشهادات اشخاص لا باع لهم في الإبداع أو في مباحث الثقافة الإسلامية . و أظن ، غير آثم ،أن ممالاة الإسلاميين حفزته على
اختصار هوية كاتب ، في أهمية سلمان رشدي، في عبارة " رشدي شاتم الرسول "! و هي عبارة تدفن الكاتب بليل، و كراعه برّة ،في قبر العصاب الديني، بدون أي فرصة لعقلنة أثره الجمالي و موقفه السياسي خارج مقام التهويس. و مقابل أيقونة" رشدي شاتم الرسول" يقدم عبد الله شهادات خصوم نكرات انتقاهم بعناية لمعاونته في دفن مؤلف " أطفال منتصف الليل" ، مثل شهادة ذلك الشرطي البريطاني [ رون إيفانز]" شاتم رشدي"!، الذي اكتشف صنعة الكتابة بعد تكليفه بحراسة الكاتب الملاحق من قبل المتعصبين الطامعين في دخول الجنة على جثة رشدي. أوشهادة أو فيرلين كيلنكينبورج: الذي خاطر مخاطرة كبيرة ليعلمنا أن" بعض الأشياء" [ ترجم" المصالح " في بعض الأوقات أهم من الفن" [ بالله شوف الحقارة دي؟!] . و لا يضير عبد الله ، الذي كتب " نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع و المبدعين" [ 1974]،أن يزين مكتوبه في ممالأة عيال الإسلاميين الغاضبين على مبدأ حرية التعبير، بشهادات أعيان سياسيين مثل بن كيمون [ ممثل الأمم المتحدة] الذي أراد أن يشرح لنا أن لحرية التعبير الفني حدود لا يصح تجاوزها! أي و الله "حدود " و ربما "خطوط حمراء " احسن نبعد منها ! و الله لقد هانت الزلابيا حتى أكلها بن كيمون الذي ترك تجارته البائرة بين الأمم ليفتي في حدود الفن .
و حتى حين يجلب عبد الله للمناقشة حجج الباحثين الجادين، من عيار علي المزروعي و محمد أركون ، فهو يحرص على تقديمهم بصفة " المسلم":
"على المزروعي، المفكر الأفريقي المسلم من كينيا،" أو
"محمد أركون الفيلسوف المسلم ". و بهذا المنطق فلا يتعجب عبد الله لو نفحنا مولانا سلمان رشدي هيمسيلف صفة " الكاتب المسلم " ،و كل شي في الحيا جايز على قول المغني!
بالمناسبة " الغرب " بتاعك دا يا عبد الله هو ذاته لم ينفد من طائلة الإسلام ، فعدد المسلمين بين سكان فرنسا اليوم يقارب الثمانية بالمئة من جملة السكان. و في دراسة أمريكية أجراها مركز أبحاث بيو و مؤسسة جون تمبلتون

[ Pew Resarch Center
/ John Templeton Foundation ]
عن آفاق التطور الإحصائي للمسلمين في العالم ، جاء أن عدد المسلمين في أوروبا سيتجاوز الـ 44،1 مليون نسمة في عام 2010.أي ما يعادل 6 في المئة من جملة الأوروبيين. و تقدر الدراسة أن عدد المسلمين الأوروبيين سيبلغ 58،2 مليون نسمة في عام2030، أي ما يعادل الـ 8 في المئة من جملة الأوروبيين. و تقول نفس الدراسة
« The Future of the Global Muslim Population »
بأن معدل النمو السكاني للمسلمين هو ضعف معدلات النمو عند غيرهم و أن هذا النمو سيجعل عدد المسلمين يتجاوز ربع سكان الكوكب في خلال العقدين القادمين. و تقدر الدراسة أن الـ 2،6 مليون مسلم في الولايات المتحدة سيبلغ عددهم 6،2 مليون نسمة في عام 2030 و هو ما يعادل 1،7 في المئة من جملة سكان الولايات. أنظر الرابط:
https://www.pewforum.org/2011/01/27/the- ... opulation/

و بعدين ياخي خليك من مسلمي " الغرب" القاعدين في " دار الحرب"، . و الله لو فحصنا هوية المسلمين العاملين فيها شرقيين و ساكنين في " دار الإسلام " لألفيناهم كلهم في الهم غرب،و استغرابهم كامل شامل و قديم ،بل هو أقدم من إكتشاف البترول في السعودية في 1938. و تاريخ منطقة الشرق الأوسط السياسي و الإقتصادي و الثقافي هو تاريخ غربي [ إقرأ: أمريكي ] يموّه من استغرابه العميق تحت خرقة شرقية بالية "ميد إن هوليوود". و إنخراط الأتراك المسلمين في منظمة حلف شمال الأطلنطي أو محاولاتهم المستميتة لدخول الإتحاد الأوروبي،أو مشاركة العرب المتوسطيين في "إتحاد دول البحر المتوسط "،التي ترعاها فرنسا، مع الأوروبيين المتوسطيين [ و اسرائيل أيضا ]، تنبئ عن المستقبل السياسي الذي ينتظر بلدان المسلمين في شعاب جيوبوليتيك العولمة.
المهم يا زول ، لو واصلنا قراءة مكتوبك فسنقرأ شماتتك ظاهرة في اضطرار سلمان رشدي الكاتب للتوبة و العودة لحظيرة الإسلام في نقطة بوليس!:
".. ومن أبواب الكتاب الهامة إشهار خجله من توبته النصوح أمام علماء دين مسلمين وائمة. فقد اجتمع بهم خلال محنته في نقطة بوليس بادنقتون بلندن كتب بعدها عريضة استرجع بها إسلامه ونطق بالشهادة وجدد الولاء لدين أجداده وطفولته. "
و بدلا من أن تقرأ ، ياعبد الله ، توبة سلمان رشدي في نقطة بوليس بادنغتون بلندن، امام الناشطين الإسلاميين الذين سمُّوا أنفسهم بـ " علماء ودين و مسلمين و أئمة" ،بدلا من أن تقرأ هذه التوبة البائسة كصدى معاصر لتوبة "جاليليو" عن اكتشافه العلمي الذي روّع حرس المسيحية الرسمي في القرن السادس عشر. فأنت تصور رشدي كمنافق جبان يظهر التوبة و يضمر النكران. ياخي خليك من ناس القرن السادس عشر ، فقد خبرنا، في منتصف و في نهاية القرن العشرين، استتابة محمود محمد طه و الحكم بردته عن الدين مرتين، مع استتابة الرجال و النساء من تلاميذه الأجلاء أمام محاكم التفتيش الإسلامجية التي تمكن قضاتها الأراذل من إغتيال الأستاذ محمود بذريعة الردة.
في ذلك الزمان كنت يا صديقنا في زمرة المتضامنين مع الحرية و الديموقراطية للشعوب السودانية ، و كان الشامتون في معسكر أعداء الديموقراطية. فما الذي جرى لاستاذنا عبد الله الذي تعلمنا في حضرته مبادئ "علم" المعارضة الرشيدة؟ ماذا جرى حتى صرنا نشفق عليك من عواقب الغفلة الفكرية في صحبة الإسلاميين المسلحين بالإيمان و البترودولار و باللينينية الحنيفة، و أنت من كان يحثنا على إحسان الأداء الفكري الذي يعين على بناء الوطن؟و الله ما زالت كلمتك القيمة " في نقد الذهن المعارض" تعشش في خاطري منذ أن قرأتها و تجمّلت بها ، منذ آلاف السنين، في مقدمة " عبير الأمكنة " [ 1988]. كنت تقول بضرورة صيانة تقليد فكري " يقوم على تنمية الحس بالملاحظة و النفاذ إلى الدقائق بالكشف المحيط للظاهرة للوقوف على نطاح الجدل فيها. و هذا التقليد شرط أول في معرفتنا بقسمات الوطن و اعلان باكر محبتنا له. و من شأن هذا الأداء الفكري أن يتنزّل بمعارضتنا من خفوق الشعار إلى رؤوس التفاصيل الشائكة الملهمة، و أن ينقلها من التباكي إلى الفعل. و سيغيرنا ذلك تغييرا كبيرا حين يحررنا من قلة الحيلة المستعان عليها بشراسة التعبير إلى التعبير المزلزل، المغير فالمنجز. و حينها تكون الكتابة شفاءا في الوطن لا تشفيا منه ".

أنظر الرابط


سأعود

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو[5]

مشاركة بواسطة حسن موسى »



مهارب شنو..؟ [5]



نخبة الخذلان:


أقول:لقد انتفع النورحمد بمكيدة عبد الله ع ابراهيم في تنظيم التراتب الفكري و السياسي بين الأستاذ محمود و رهط المثقفين السودانيين " الهاربين" المتهربين من تحمل مسؤولياتهم الفكرية و السياسية أمام مجتمعهم.و إذا كان النور قد وجد في موضوعة الهروب " كَـدّة" مفهومية مكنته من أن يفش غبينته على المبدعين السودانيين، فما ذلك إلاّ لأن موضوعة الهروب ،عند عبد الله نفسه، كانت بين ذرائع فش غبينته على خذلان المثقفين السودانيين من صغار البورجوازيين الخاملين عن الفكر و الإبداع و هلمجرا..و خذلان المثقفين السودانيين قاسم مشترك بين عبد الله و النور فـ "هؤلاء الناس" عند عبد الله مسؤولون ، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ، عن النكبات الكبيرة في مسار الحركة الشيوعية في السودان [ حادثة ندوة معهد المعلمين العالي التي قال فيها طالب، ادّعى أنه شيوعي، ان البغاء كان يمارس في بيت النبي. و هي الحادثة التي استغلتها القوى السياسية المحافظة لحل الحزب و طرد نوابه من البرلمان و تحريم نشاطه ، 1965،و إنقسام الحزب في نهاية الستينات ، لغاية إغتيال قادة الحزب في يوليو1971 و ما تبعه من ملاحقة للشيوعيين طوال السبعينات و الثمانينات]. أما خذلان النور حمد في المثقفين السودانيين فهو لازمة ثابتة في أدب النور السياسي، و أدب النور كله سياسي. فحتى حين يحدثك عن" شعر الفصحى في الغناء السوداني" فهو لا يكظم غيظه على تردي الخدمة المدنية أو إنحطاط سكك حديد السودان بسبب القصور الأخلاقي والإنحطاط الفكري المريع الذي يقعد بالنخبة السودانية عن النهوض بواجباتها تجاه الوطن. و حتى الأدباء النابهين الذين أشاحوا عن الطائفية و فضلوا صحبة محمود محمد طه مؤسس الحزب الجمهوري،[ مثل المجذوب ]، فهم ، كما يقول النور في كتابه ،آثروا السلامة و تخاذلوا عن نصرة محمود بعد "حين قصير" ، " و يمموا شطر المهارب التي اصبحت دروبها سالكة ، و أبوابها مشرعة ". و آخر المهارب التي وجدها عبد الله للمثقفين المعارضين لسياسة نظام الإنقاذ هو مهرب المعارضة السياسية الخارجة على سلطة نظام الإنقاذ و الخارجة من الوطن الواقع تحت براثن الإنقاذ. و معارضة عبد الله للمعارضة تبدو أحد انمساخات مقولة الهروب.لأن هؤلاء المعارضين الذين هربوا خارج الوطن في البلدان المجاورة أو في بلدان أوروبا و أمريكا تنصلوا من مسؤولياتهم تجاه الجماهير و اصبحت معارضتهم "كيفما اتفق" ، كما جرت عبارة عبد الله في مقال له بعنوان " عبادة في الهرج " ، نشر في الصحافة في التسعينات [ و ضاع مني تاريخه]. في ذلك المقال الذي أعلن فيه عبد الله يأسه " المطبق في الحزب الشيوعي" الذي اعطاه " زهرة " عمره، كتب عبد الله:
"..و لم تكن معارضة النظام الإنقاذي الظالم خيارا خطرا بخاصة بعد انفتاح ابواب الهجرة أمام زهرة الكادر السياسي، فقد هاجرت القيادات الشرعية للجيش و النقابات و هلمجرا. و معارضة الهجرة عمل سائغ بخاصة في وقت اعلنت فيه سيدة العالم، الولايات المتحدة، أن الإنقاذ نظام صعلوك، و اصبحت لمعارضته ميزانية ما في مصارف الدولة الأمريكية السخية." و كون عبد الله، هنا، يستبدل عبارة" الهروب" بـ " الهجرة"، فذلك موقف يستدعي التأني، لأن مفهوم " الهجرة" يملك ان ينفتح على اكثر من مدلول أخلاقي و سياسي و ديني. و بين جملة الإحتمالات المطروحة لتفهم موقف الهجرة، نجد عبد الله يهمل فرص الهجرة في توسيع شبكة علاقات المعارضين مع حلفاء سياسيين جدد تستقوي بهم المعارضة المحلية في منظور صراع طبقات زمن العولمة، و يفضل تعريف الهجرة ، سياسيا، بطريقة سلبية تجعلها ترادف الهروب حين يستطرد قائلا:
"و الهجرة حالة من انعدام الوزن السياسي المباشر لإنقطاع المهاجر عن مرجعية جماهيرية تضبط الخطة السياسية و تنقحها في التنفيذ. فالهجرة قد طهرت الكادر السياسي المهاجر ، في قول استاذنا عبد الخالق محجوب، من تبعات العمل اليومي بين الجماهير، و اصبحت معارضته كيفما اتفق".
جاء في الأثر أن الأعمال بالنيات " فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" و قد عرفت في مهاجر المعارضين لنظام الإنقاذ أناس كثر لاحقتهم سلطات الإنقاذ و شردتهم و عذبتهم في بيوت الأشباح و اضطرتهم لمفارقة الأهل والولد و البلد " فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بُدّلوا تبديلا".[ الأحزاب 23].

و لو عدنا لموقف الخذلان فالنور حمد لا يستثني عبد الله نفسه من قائمة من خذلوا الأستاذ، و ذلك حين يلومه في خاتمة كتابه على "غض الطرف " عن مساهمة الأستاذ محمود في تحديث الدين:
" عندما أشار الدكتور، عبد الله علي إبراهيم، إلى ضرورة مواجهة جمود الثقافة العربية الإسلامية للوسط النيلي السوداني، من داخلها، وددت لو أنه أشار إلى مساهمة الأستاذ محمود محمد طه في هذه الوجهة. فهي في تقديري مساهمة مركزية، لا ينبغي غض الطرف عنها في مثل هذا السياق. "

، و إذا كان إغتيال عبد الخالق محجوب يمثل ، عند عبد الله، ذروة فشل النخبة السياسية التي تحتكر السلطات في السودان، فإغتيال محمود محمد طه ، عند النور حمد يمثل أقصى درجات الإنحطاط الأخلاقي و السياسي التي أصابت السودان على يد النخبة السياسية . فمحمود ،عند النور ،لا يمثل في مقام " الشيخ" و المعلم الملهم فحسب، لكنه ايضا هو ذلك" الأب الروحي" الذي وجده النور بعد طول بحث. و في مشهد الأبوّة الروحية هذا لا أشتط لو أوّلت عناية عبد الله العاطفية الظاهرة بعبد الخالق محجوب كنوع من البر بهذا " الشيخ الماركسي" الذي تبنـّاه عبد الله كما يتبنى الإبن أباه ..
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو؟[6]

مشاركة بواسطة حسن موسى »



مهارب شنو؟[6]


براءة الذئب المجذوب

و إذا كان شعراء الغابة و الصحراء قد انتحلوا للمجذوب منصب المُهجّن الأول و نصّبوا شعره حالة رائدة لهمّهم الشعري الزنجعربي ، فإن النور حمد يذهب أبعد منهم . ففي مصنـّف الهاربين ،الذي يفرز فيه النور بين صغار الهاربين و كبارهم، يحظى المجذوب بوسام " الهارب الأكبر "، و هذا ، في نظري الضعيف ، هو الجور المفهومي الأعظم الذي ناب المجذوب منذ أن " تفضل " عليه النميري بـ " جائزة المعروف عشرة كفوف" ، و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
و النور حمد يعوّل كثيرا على صفة الهارب عند المجذوب و يكاد يعتبرها أساس كل أنواع الهروب التي أودت بالبلاد و شتتت العباد! و سيرة المجذوب كهارب تهجس خاطر النور عبر صفحات الكتاب على زعم يكرس الرجل كنموذج مرموق لعصاب الإنفصام الذي اصاب المبدعين السودانيين من جراء تناقضات التربية التقليدية المتزمته و التعليم الحديث المنفتح على الحرية الفردية.
و حتى أعود بتفصيل لسيرة المهارب المزعومة للمجذوب في أوهام [ " فانتازماغوريا "] الجنوب أو في أوهام الأنثى الأجنبية الأوروبية و هلمجراـ و في " هلمجرا" ضف مهارب الكحول و مهارب اللبيدو العائر في تيه الحرمان الإيروسي العربسلامي ـ فمن الضروري التنويه بأن المجذوب لو كان يرغب في الهرب حقيقة لما صعب الأمر عليه، لا تقنيا و لا ماديا و لا نفسيا ، و إنما هي نزوات شاعر طفحت عن ماعون روحه الضجرة المتمردة. و ما حاجة المجذوب للهرب و هو مستقر آمن في عزه المادي و الرمزي المتعدد الوجوه؟. فهو من جهة عزيز ماديا ، بحكم وضعه كموظف عاش أيام حظوة الموظفين العالية في سودان عهد السودنة ـ و هي حظوة دامت عقودا حتى طالتها أزمة نهاية السبعينات الإقتصاديةالتي عرف فيها الموظفون درب الهجرة لبلاد النفط. في ذلك الزمان " الجميل؟" كان المتظاهرون في حواضر البلاد يهتفون: " لن يحكمنا البنك الدولي!" ـ.
تحت هذه الشروط كان الشاعر المحاسب يحيا في يسر مادي معقول لا يحلم به أي" محاسب" في السودان الحالي. أما العز الرمزي للمجذوب فهو أكثر تركيبا لأن هذا الشاعر الهابط " من نسل البضعة الشريفة "، يحسب نسبه " في الجعليين من عرب السودان حتى العباس بن عبد المطلب " ، كما جرت عبارته في مقدمة ديوانه " نار المجاذيب"، و هو رغم وعيه بأن " الشاعر في السودان مذبوح .. دمه من المشهيات" ،إلا أنه لم يتردد في إختيار غواية الشعر [ و غوايات أخرى كالرسم مثلا ] ضد أوهام الرضاء العام التي كانت سائدة بين أنداده الموظفين المهمومين بالعلاوات و الترقيات . و هو لم يكن ليخشى في الشعر لومة لائم كونه متمرّد أبيقوري أصيل و ود بلد يقعد يقوم على كيفه، يوم في برغوث و يوم في بحر الغزال :
"..
أمِنْ "برغـُوثَ" أعجلني قضائي إلى " بحر الغزال" فما نروم؟
و كمان لو هفـّتْ ليهو يغشى الحـِلّة و يطشم و يرقص و يعربد في فضاء الزنج الذي حسبه طفوليا بدائيا متحررا من أي رقابة أخلاقية أو دينية أو سياسية. يعني فضاء بلا ثقافة يُنسي الشاعر العربيد قسوة حانات العاصمة التي يسكنها " رخم و بوم " و " أناس في الثياب لهم رياء ". أو كما قال :
و أرضاني الجنوب فما أبالي بمن يصم العُراة و من يلوم
هم عشقوا الحياة فعاشـَرَتْهـم كما تبغى المشاعرُ لا الحلومُ
فليتني في الزُّنج و لي رباب تمـيلُ به خـُطاي و تســـتقيمُ
أُجَمِّشُه فيُجفِلُ و هو يشــــكوُ كما يشكو من الحـُمـَةِ السليمُ
و في حَقْوَيَّ من خرزٍ حِزام و في صُدغيَّ من ودعٍ نظيمُ
و أجترع المريسةَ في الحواني و أهْذِرُ لا أُلامُ و لا ألـــومُ
طلـــــيـــــق لا تقيّدنـي قُريش بأحسابِ الكرامِ و لا تمـــيم
وأُصرعُ في الطريق وفي عيوني ضبابُ السُّكرِوالطَّرَبُ الغَشُومُ
"[ " إنطلاق"، واو، أبريل 1954].

صورة الجنوب كمساحة عربدة، حرة من أي رقابة، مسئولة عن موقف المجذوب الإستشراقي الكولونيالي الذي وقع لسدنة " الغابة و الصحراء" "في جرح" فعمّدوا الرجل أبا روحيا و قاسموه مسلمات الأنثروبولوجيا الإكزوتية العرقية البائدة. و لو وجدنا المعاذير لتفهم موقف المجذوب بكونه ابن زمانه، فالرجل من مواليد 1919، فمن الصعب أن نجد لشعراء الغابة و الصحراء عذرا معقولا يشفع لهم في إسقاط أوهامهم الإيروسية المعرقنة على الجنوب ككيان إجتماعي يحيا بلا قيود. و النور حمد هيمسيلف لم ينج من طوائل أنثروبولوجيا تصور العالم الخارجي كفضاء حرية ينتظر الشعراء " الفحول" المنعظين وراء الإناث في الجنوب او في بادية كردفان أو في أوروبا. فالعالم عنده ينقسم لـ " مجتمعات كابتة منفصمة و منقسمة " و أخرى حرة من الكبت و الإنفصام. في داخل هذه الجغرافيا النفسانية يرسم كل شاعر خطته الشخصية للهروب. : "..
. وقاد غياب الأنثى، وقلة فرص التواصل الطبيعي معها، في المجتمعات العربسلامية، إلى نشوء حالة من التعلق المَرَضي بها. والتعلق المَرَضي بالأنثى، مهدر لطاقات الأفراد، ومبدد لملكاتهم. فالمجتمعات الكابتة مجتمعات منفصمة، ومنقسمة، بين عالمين: أحدهما ظاهر، معلن، والآخر مغطى، مسكوت عنه. يتحول الكبت إلى عصاب، وتتحول طاقاته إلى هلوسة دائمة تستحيل أنشطة قلقة لا معنى لها. فالمجتمعات المكبوتة مجتمعات غير منتجة، لأن طاقاتها تنسرب في جيوب جانبية تصبح فيها الأنشطة الهامشية التافهة، خصما مستمرا على قوة العمود الفقري الساند للفعل الإنساني الذي يستهدف الرفعة الكلية للمجتمع."
ولو عدنا لشاغل " الرفعة الكلية للمجتمع " فسنجد أن المجذوب، رغم هروبه الكبير المزعوم، لم ينشغل يوما عن العناية بأمر المجتمع، و شعره سجل ناصع للشاعر الحر المتابع لحركة المجتمع يتعهد تفاصيلها بالنقد و بالترشيد و بالمحبة الدافقة في شعره العذب.و لعل صورة المجذوب، كشاعر مقيم في ساحة العمل العام، يمثل أقوى أشكال حضوره في ذاكرة السودانيين. فوق هذا،[ في "هذا" إقرأ المجذوب كهارب عربيد في الغابة العذراء ] فمن المستحيل أن نتناسى أن هذا المجذوب كان يتمتع بقبول إجتماعي مريح نوعا كشاعر مستقر في المشهد الأدبي لسودان الستينات. و صدور ديوانه الأول " نار المجاذيب " في يناير 1969 عن " وزارة الأعلام و الشئون الإجتماعية" شهادة قوية على التقدير الذي كان المجذوب يتمتع به في ذلك الزمان الذي انفصم فيه السياسيون عن اصدقاء الشعر الذين زاملوهم في فجر الحركة الوطنية. ذلك أن وزارة الاعلام و الشئون الإجتماعية في ذلك العهد لم يعرف لها ولع خاص بالشعراء ، ناهيك عن العناية بشعر مارق مشاكس من شاكلة ما ينطوي عليه ديوان نار المجاذيب.و أغلب الظن أن الديوان صدر آنذاك بفضل مؤازرة أعلام سياسيين و شعراء من وزن محمد أحمد محجوب[ رئيس الوزراء] و عبد الماجد ابوحسبو [ وزير الاعلام ] الذين شكرهما المجذوب في مطلع الديوان.
المهم يا زول، جكة هروب المجذوب طويلة و عاوزة ليها قعدة فصبرا.

زمن الإنشطار :
أقول : و من التناقض القائم بين تربية المجتمع العربسلامي قبل الرأسمالي و تربية مجتمع الحداثة، في نسختها الأوروبية الإستعمارية، يستنتج النور "حالة شد" نتج عنها ذلك الـ " إنشطار " المفجع في افئدة النخب المبدعة، و الذي يعوّل عليه النور، فيما بعد، في تفسير فشل النخب المبدعة عن الإضطلاع بمسؤولياتها تجاه مجتمعها. يقول النور:" ..
. والشاهد هنا، أن التعليم الحديث الذي نشأ على أعقاب انهيار الدولة المهدوية (1885-1898)، من ناحية، وما تلا ذلك من سيطرة المؤسسة الفقهية التركية المتزمتة على الحياة المدينية في حواضر الوسط، وصبها نوعا ما، في القالب العثماني، قد مثلتا طرفي حالة الشد التي شطرت أفئدة النخب المبدعة. هذه القوى هي التي تسببت في حالة الشد العنيف التي مزقت أفئدة كثير من الموهوبين السودانيين. فانقسمت شخصياتهم، التي نالت حظا من التعليم الغربي، بين دواعي الاستجابة لضغط الطاقتين العقلية والوجدانية، اللتين مخضتهما تجربة الاتصال بالآخر المعاصر، الوافد، وبين الواقع الذي حبستهم فيه بقايا الطهرانية المهدوية، والمؤسسة الدينية التي أنشأتها المؤسسة الفقيه العثمانية الوافدة."
".. لا تزال حالة الشد هذه هي التي تكبل انطلاق السودان في وجهة أن يصبح قطرا حديثا، ذا بنيات تحتية وفوقية صالحة للتكامل مع الأفق الكوكبي. وحين يعجز القطر اقتصاديا، وسياسيا، وثقافيا، من التحاور مع الحراك الكوكبي، يسقط القطر وأهله في براثن العزلة، والموات. في مثل هذه الأحوال تدخل الأمم عادة، في تيه المنولوج. وتيه المنولوج هو التيه الذي تغرق فيه الأمم في مخاطبة ذاتها، بذاتها، بعد أن تصاب بالصمم، وتصبح غير قادرة على أن تسمع غير الصوت المنبعث من داخلها، فقط. فتتعمق عزلتها، وتنشل أطرافها، وتدخل مرحلة الموت السريري.
"
على هذا "التحليل النفساني" الغميس يبني النور نظرية "هروب المبدعين" كتنويع أدبي إطاره فشل النخب السودانية في النهوض بالوطن.و غماسة تحليل النور النفساني تتأتى من كونه يدير ظهره لتأثيرات الخلفية الإجتماعية التي تمخضت عنها النسخة السودانية لصراع طبقات زمن الهيمنة الكولونيالية. و هو صراع عبر عن نفسه في شكل مركب بين من والوا بريطانيا و من مالوا لجانب مصر. ومن علياء المقعد" الفرويدي" يحاول النور تفسير جيوبوليتيك التنمية الكولونيالي بظاهرة الفصام المرضي التي انتحلها لطلائع النخبة السودانية التي تخرجت في " مدرسة كتشنر".و تعبير "مدرسة كتشنر" عندي لا يقتصر على من تخرجوا في كلية غردون فحسب و إنما يشمل جملة عيال العربسلاميين الذين انخرطوا في الحياة السياسية داخل الأطر التي بذلتها لهم الإدارة الإستعمارية.و في هذا المشهد فزعماء الطوائف و عيالهم على سرج واحد مع " الخريجين " بطرابيش أو ببرانيط أو بعمائم. و من فضاء المصطلح الفرويدي ينزلق النور لفضاء المصطلح الصوفي ليطبـّق على هؤلاء المبدعين المصنفات المفهومية لـ "علم النفس الجمهوري"، التي قد لا تنطبق بالضرورة على التجربة النفسية و الفكرية المتشعبة التي كابدها هؤلاء المبدعون، الذين استطاعوا في ظرف جيل ، و ربما اثنين، أن يستوعبوا تناقضات التحول الإجتماعي من ثقافة التقليد قبل الرأسمالي لثقافة الحداثة الكولونيالية. و حين أقول " علم نفس جمهوري" ففي ذاكرتي اشتات من مفاهيم الأستاذ محمود حول أحوال النفس التي تستلهم علم "النفس" حسب مصطلح التقليد الصوفي، بين" النفس السفلى " و " النفس العليا"، و هي أحوال تتأسس على علم جسد صوفي يشحن "القلب" و" العقل" بمعان لا تدركها وسيلة العلم التجريبي. أما عن أطوار النفوس " الأمارة " و " اللوامة " و "الملهمة" و" المطمئنة" و "الراضية" و "المرضية" إلخ فحدّث.. وفي نهاية تحليل ما، أقول: يازول لا جناح على النور إن مال لعقلنة تناقضات النفوس في أفئدة المبدعين العربسلاميين على نهج المتصوفة، ففي وجدان أغلب هؤلاء المبدعين طلل باق من حفريات التجربة الدينية، و لا عجب فجلهم ـ على صورة النور حمد" الترابي" "النحلان" ـ من نسل الفقراء و الأولياء و الصالحين. لكن الجناح يحصل حين يستغني النور في مقاربته النقدية لأحوال المبدعين عن تأهيل دعاويه في حق المبدعين بلغة نقدية مشتركة مع جمهور القراء الذين قد لا يقاسمونه قناعات الفكر الصوفي.
و النور في عجلته لتأثيم المبدعين لا يتأنى ليفرز بين دوافعهم الجمالية أو يمايز بين تياراتهم الفكرية ذات الأصول الإجتماعية المتباينة. يتجاهل النور حمد معطيات التاريخ الإجتماعي و يمضي في تصنيف فصائل المتعلمين السودانيين كفصاميين ضحايا لميراث تربوي شرير يمزق الأفئدة و يقسم الخواطر بين تناقضات التقليد الطهراني العثماني المهدوي و الإنطلاق الحر في وعد الحداثة الأوروبية التي وفدت مع مؤسسة التعليم الإستعماري. بل أن القطر بحاله يصبح ضحية لهذه التربية العرجاء التي فتكت بالمتعلمين السودانيين كما الوباء. فكأنما تربية الحداثة الإستعمارية، التي جلبها في متاعهم الإداريون البريطانيون الفيكتوريون، كانت أقل تزمتا من تربية العثمانيين أو من تربية المهدويين.


سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو؟[7]

مشاركة بواسطة حسن موسى »




مهارب شنو؟ [7]

و حين يستثني النور من ضحايا الفصام الثقافي قلة قليلة على رأسها الأستاذ محمود محمد طه ،و في معيته عبد الرحمن علي طه، فهو لا يبذل للقارئ اسباب ذلك الإستثناء الذي مكن لهؤلاء الرجال الذين تخرجوا في "مدرسة كتشنر"، زيهم و زي أخوانهم ، من الإستواء على سنة العصيان و مقاومة حالة الرضاء العام بقدر الإستعمار.
يقول النور:".. برء هذان النموذجان من علل الانبتات عن الجذور. وهي علل متفشية وسط جيل أفندية كلية غردون. وتتمثل تلك العلل في الابتعاد عن حياة الأهالي، والترفع عنهم، والابتعاد عن الانشغال بما يشغلهم من هموم. أيضا تتمثل العلل التي كانت فاشية وسط طبقة "الأفندية" في عبادة الوظيفة، والسعي إلى الحصول عليها، واستبقائها، بكل سبيل. كما تتمثل أيضا، في الانجذاب الشديد إلى صنوف الشغف الحداثوي، المرتبطة بإحراز المسكن الفخم، والمأكل الدسم، والمركب الفاره، واعتناق النموذج الغربي الحداثوي، في ما يتعلق بتدليل الذات وإمتاعها بصنوف المغريات المختلفة، التي لم يسلم من قوى جذبها الرهيبة سوى قليلين. وقد برء كل من المربي، عبد الرحمن علي طه، والأستاذ محمود محمد طه، من تلك العلل، برءا تاما ناجزا. .."

طبعا من وجهة نظر النور كناشط جمهوري انفق سنوات شبابه ، و مازال، منافحا عن أفكار الأستاذ محمود ،قد لا يكون هناك داع للبحث في طبيعة الدوافع التاريخية التي حدت بالأستاذ لتنكب مشاق هذه " الفكرة " الغريبة، [ و" طوبى للغرباء"! ]، التي فتحت دربا غير مطروق في تجديد الفكر الديني الإصلاحي. فالأستاذ محمود شخص استثنائي، و حقيقة استثنائيته مسألة عقيدة لا ينفع معها نقاش. و يكفي النور انه يعتقد و السلام. و بعدها لا سبيل لمطالبته بتقديم أي بينات عقلانية . لكن النور يبذل للقراء عبد الرحمن علي طه أيضا، و ذلك بوصفه نموذج للرجال المستقيمين الذين صلحوا و فلحوا بشكل استثنائي ضد كل الشروط التي كانت تجبر أنداده على الإمتثال لإرادة المستعمر و حلفاءه. حسب نظري" الضعيف؟!"، فالنور في هذا الموقف يشطح شطحة مشاترة لأنه يخلص إلى براءة عبد الرحمن علي طه في نهاية مسار طويل قضاه في إدانة جمهرة من المبدعين السودانيين الأماجد الذين صنفهم النور في فئة الهاربين. و قد سبق لي أن راجعت النور حمد في موضوع عبد الرحمن علي طه في خيط قديم سرد النور فيه سيرة عبد الرحمن علي طه.
أنظر الرابط

https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 0afc#43994

و أنا أثبت رسالتي للنور ، هنا، حتى تقرأ ضمن شبكة العلاقات المركبة لموضوعة هروب المبدعين السودانيين :
"
النور يا أخانا الذي في الهم السوداني العام
أتابع باهتمام كتابتك عن عبد الرحمن علي طه و ما كان من أمر ما أسميتهم بـ "المستقيمين" و" الملتوين " إلخ .. ".."
.ومعلوماتي عن الاستاذ عبد الرحمن علي طه محدودة لا تتجاوز أعجابنا القديم بـ " سبل كسب العيش في السودان" و ما قد حفظته الذاكرة السياسية من تحالفه مع عبد الرحمن المهدي إمام طائفة الأنصار و زعيم حزب الأمة.و قد نفعتني المعلومات الجديدة التي أوردتها أنت في سيرة عبد الرحمن علي طه المهنية و العائلية و السياسية و حفزتني على البحث عن المزيد في مسار هذا المثقف السوداني الحداثي الرائد الذي نجهل عنه الكثير.
قلت أنك سمعت الاستاذ محمود محمد طه يقول عن عبد الرحمن علي طه أنه " كان صالحا و فالحا ".و في البداية ادهشتني قولة "الاستاذ" في حق عبدالرحمن علي طه و جرى في خاطري ان الاستاذ، لا بد، يقصد معنى مغاير لظاهر العبارة أو ربما فضـّل ـ و هو واقف على قبر الرجل ـ إحسانا في ذكر محاسن الموتى. ثم ترددت العبارة في نصّك ، " في خفة النمر و شراسته " ،[ هل تذكر "زد " كوستا غافراس ؟ ] فداخلني شيء من الشك في هذه القولة التي نسبتها أنت للأستاذ محمود، و أفسد علي هذا الأمر بهجة قراءتك ـ و في قراءتك بهجة ـ و قلت في نفسي لا بد أن أُذْنك قد التقطت هذا في لحظة من لحظات إختلال السمع . و اختلال السمع ـ مثل اختلال النظر و اختلال الذوق واختلال الشم و اختلال اللمس و اختلال الذاكرة ـ بعض من مخاطرة الإدراك الحسي لا ينجو منه بشر. ذلك لأني اصنف نفسي بين من يعتقدون [ شايف الدين؟] بأن الاستاذ محمود شخص لا ينطق عن الهوى.[ اللهم إلا في الحالات النادرة ، مثل هذه الحالة التي تتداخل فيها موجات الهوى العائلي و الحنين الشخصي مع ملابسات العمل العام ] .أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لك و للأستاذ محمود ، لأن الاستاذ محمود ، الذي لا بد أنه يعرف عبد الرحمن على طه معرفة حميمة اساسها عشرة الدم و الفكر و الهم العام، جاد عليه ـ حسب شهادتك ـ بصفتي الفلاح و الصلاح . و قد بدا لي هذا الإطراء مشاترا نوعا كونه صدر عن الاستاذ محمود الرجل المسالم عن قناعة و الذي لم يتردد ـ حين طفح الكيل ـ في رفع عصاه [ " بسطونته "] في وجه بعض الصحفيين الناطقين باسم الإدارة الاستعمارية على أيام النضال ضد الإستعمار. و حادثة " بسطونة الأستاذ " قرينة قيمة في حساب الحساسية الوطنية العالية للأستاذ محمود. و أنا أذكر كل هذا لأني رأيتك تصر على تلخيص حركة النضال الوطني من أجل الإستقلال داخل فئتي " المستقيمين " و " الملتوين "، بينما كان واقع "التيار الإستقلالي " في تلك الفترة ينطوي على قدر من التركيب الذي لا يمكن لمراقب حصيف تجاهله .ففي مواجهة الإستقلاليين من التاج البريطاني كان هناك فريق الإستقلاليين من التاج المصري لكن هذا الإستقطاب القوي لم يمنع ظهور" الإستقلاليين من منازلهم " الذين ناضلوا من أجل استقلال السودانيين من كل تاج، و في طليعتهم هذا "المسـّاح " المشاكس الذي كان اسمه في ذلك الزمان محمود محمد طه ، حافية من لقب الأستاذية.
ما الذي جعل الاستاذ محمود يجود بصفتي الفلاح و الصلاح لرجل اختار ان يكونا ظلا لعود في عوج عود عبد الرحمن المهدي؟
ذلك ان محمود محمد طه لا يمكن ان يجهل ان اختيار عبد الرحمن علي طه العمل لجانب "السير" عبد الرحمن المهدي في ايام النضال من اجل استقلال البلاد يمثل ،على الاقل ، خطوة طوعية في ما سميته أنت بـ" نزف العقول الداخلي " ، ناهيك عن الثقل الفكري النوعي الذي يحمله مثقف من وزن عبد الرحمن علي طه لمعسكر خصم سياسي من وزن عبدالرحمن المهدي الذي يمثل كأقوى تجسيد للطائفية في السودان.و أنت أدرى بالأدب النقدي الذي جادت به حركة الجمهوريين تجاه مثالب الطائفية في السودان.
و قد تعجبت من تقويمك لسعي عبد الرحمن المهدي لإستقطاب عبد الرحمن علي طه في عبارتك " و ما من شك ان سعي السيد عبد الرحمن المهدي لإستقطاب الأستاذ عبد الرحمن علي طه قد كان سعيا موفقا جدا ". و فكرة التوفيق هنا محيرة لأن توفيق عبد الرحمن المهدي يدعم موقفه ضد خصومه الطبقيين من تلك القطاعات الواسعة من الرعاة و المزارعين الفقراء الذين غرر بهم رجل الأعمال الذي عرف كيف يستثمر الميراث الرمزي لوالده" المهدي" ، بمباركة السلطات الإستعمارية حتى تمكن من مسخ انصار الإمام المهدي لمجرد عمال زراعيين لا أكثر.
ترى ما الذي حفز رجلا في ذكاء و وطنية عبد الرحمن علي طه على التحالف مع هذا الزعيم الطائفي الموالي للبريطانيين في عام 1943 ؟ و أنا أتساءل لأني تعجبت ايضا من تفسيرك لقبول عبد الرحمن علي طه التعاون مع عبد الرحمن المهدي لمجرد ان " السيد" زاره في بيته!فقد كتبت أنت:
فليس من السهل ان يأتيك شخصا في مقام السيد عبد الرحمن المهدي في بيتك خاطبا ودّك و تعاونك ثم تتأبّى عليه" فكأنك تلخـّص مجمل التعقيدات السياسية و الوجودية لمثقف في ذكاء عبد الرحمن علي طه لمسلك في بساطة واجب الضيافة. و إذا كانت التحالفات السياسية تبرم بمنطق المجاملات السودانية فلماذا لم يذهب عبد الرحمن المهدي لزيارة محمود محمد طه في منزله لإستقطابه كما فعل مع عبد الرحمن علي طه ؟ وعبد الرحمن المهدي بهذه الطريقة لم يكن يحتاج لأكثر من زيارة كل الفرقاء السياسيين في بيوتهم و استقطابهم و السلام. لكن عبد الرحمن المهدي سياسي " واقع من السما سبعة مرات " ـ كما تعبر بلاغة الأهالي، و هو ما كان ليخاطر بزيارة عبد الرحمن علي طه و محاولة استمالته لو كان الشك يراوده في إحتمال رفض مسعى الإستمالة. و عبد الرحمن المهدي يعرف كيف ينظم الأجندة السياسية لزياراته و مجاملاته الإجتماعية ضمن هذه المكيدة الطبقية البالغة الإلتواء، و التي أسميها: تأسيس النسخة السودانية لحداثة رأس المال. و لإنعاش الذاكرة في خصوص عوج عود عبد الرحمن المهدي الذي لم يكن خافيا على أحد ، راجع نصي " حداثة الغبش" الذي سبق نشره في هذا الرابط:
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 7c3dce2e37
النور، يا صديق العمر، أنا لا أنكر ان عبد الرحمن علي طه [ و كثيرين غيره من رواد الحداثة السودانية ] شخصية تستحق الدراسة و التحليل، كونه كان ضالعا بعمق في جملة الأحداث التي تمخضت عن صورة المشهد السياسي السوداني الحديث. و أظن ان علاقته بعبد الرحمن المهدي تستحق أن نعالجها من مسافة نقدية ابعد من مجرد تأجيج العواطف السياسية للسودانيين ضد فزّاعات المشهد السياسي الراهن. و من يدري فربما وجدنا في علاقة العبدرحمانين بعضا من مفاتيح فهم دور المثقفين السودانيين في فضاء العمل العام السياسي."
[انتهى الإقتطاف].

يورد النور حكاية إنخراط عبد الرحمن علي طه في خدمة السيد عبد الرحمن كما يرويها عبد الرحمن علي طه بنفسه:
"..
كنت في معهد التربية بالدويم في عام 1943 حين جاءني رسول يقول: إن الإمام عبد الرحمن المهدي بالدويم وسيحضر بعد ساعة لتناول وجبة الفطور معك. ولم يكن لي في ذلك الوقت أي معرفة بالإمام. أكبرت وعظمت الإمام الذي يسعى بدلا أن يقول للرسول مُرْهُ ليحضر إني أريد أن أتحدث إليه ـ بل حضر بنفسه، ألا ما أعظمه. جاء إلى منزلي وتناولنا وجبة الفطور، ثم قال لي: يا عبد الرحمن إن الشعب السوداني ناصر الإمام المهدي حتى انتصر وانتزع استقلال السودان من الغاصبين وهذا الشعب أنا مدين له بأشياء كثيرة! أهمها نصرته للإمام المهدي ولا أدري مكافأة للشعب السوداني غير أن أعمل على استرداد استقلاله، ولكني أريد رجالا أعول عليهم فهل أعول عليك؟ فكانت إجابتي كالآتي: يا مولاي لولا أن المسألة تخرج بي من حدود الأدب واللياقة لقلت لسيادتك إن استقلال السودان هو أملي الوحيد في هذه الحياة، ولكنني أريد رجالا أعول عليهم فهل أعول عليك. فضحك رحمه الله ولم يزد بكلمة واحدة. ومن ذلك الحين تبايعنا إلى أن أخذه الله إلى رحمته " .
".في هذه الحكاية الجميلة يبدو عبد الرحمن علي طه في موقف الند الذي يخاطب نده خطاب التضامن على الصالح العام . لكن موقف عبد الرحمن علي طه لا يخلو من غماسة. فهو موقف ينطوي، إما على براءة سياسية لا تغتفر، لأنه تصور أن عبد الرحمن المهدي قصده بقصد التضامن على خدمة الصالح العام الوطني و السلام ، أو أنه انتهز سانحة إلتحاقه بخدمة هذا " السير" البريطاني المعمم المقفطن، ليتمكن من إنجاز أجندته الشخصية في خدمة الوطن، مستفيدا من جاه السيد عبد الرحمن السياسي و الروحي و المادي. يقول النور بصعود نجم عبد الرحمن علي طه لدى السيد عبد الرحمن :
" .. . فمنذ اليوم الذي وضع عبد الرحمن علي طه يده فوق يد السيد عبد الرحمن المهدي، بناء على رغبة الأخير، كما تقدم، أخذت أسهمه في الارتفاع, ففي وقت وجيز جدا، أصبح عبد الرحمن علي طه، من أقرب المقربين إلى السيد عبد الرحمن المهدي. أصبح مستشاره، وكاتب خطبه، وملقيها بالنيابة عنه. كما أصبح معاونه، ومفاوضه لدى الأجانب الذي لا يشق له غبار. فقد رافق عبد الرحمن علي طه السيد عبد الرحمن المهدي في كل الوفود التي ذهب فيها إلى الخارج للتفاوض حول مصير السودان ..".طبعا عبد الرحمن علي طه لم يكن ليتصور يوما، أن السيد عبد الرحمن المهدي سيكلفه بقراءة خطاب يؤيد فيه سلطة الديكتاتورية العسكرية الأولى في البلاد.و هي السلطة التي آلت للعسكر بتواطؤ من طرف حزب السيد عبد الرحمن. يقول النور:

".. . ولقد أيد كلا من السيد عبد الرحمن المهدي، والسيد علي الميرغني انقلاب الفريق عبود! والغريب أن الذي ألقى بيان تاييد حزب الأمة لإنقلاب عبود، نيابة عن السيد عبد الرحمن، كان هو عبد الرحمن علي طه! "
عند هذا المشهد ينسحب عبد الرحمن علي طه من مسرح السياسة السودانية بعد أن استنفده السيد عبد الرحمن، فرجع لقريته أربجي و اعتكف بها بعيدا عن السياسة حتى وفاته .
. و حكاية العبدرحمانين جميلة لا تخلو من بعد رومانسي يقعدها مع مثيلاتها من خرافات العلاقة المستحيلة بين السلطان و المثقف في تاريخ الأدب السياسي، لكنها على روعتها الأدبية تبقى مليئة بالثقوب التي تنتظر الباحثين و المحللين الذين يهتمون بدقائق العلاقة بين المثقف و السلطان في السودان الحديث.. و تاريخ الأدب المسرحي الأوروبي يحفظ نماذج مشهودة لأحوال علاقة السلطان و المثقف ، على نموذج دراما " توماس بيكيت" و " هنري الثاني ".فالصداقة الحميمة التي تربط بيكيت، كبير أساقفة كانتربيري بهنري الثاني تتطور إلى مواجهة انتهت باغتيال بيكيت على يد فرسان الملك. في كاتدرائية كانتربيري
[ 1170] .و قد ألهمت حكاية بيكيت الأدباء فصنعوا منها آثارا باقية كما عند" تي إس إليوت"[ مسرحية "إغتيال في الكاتدرائية" ، 1935 ] ، أو الكاتب المسرحي الفرنسي، "جان آنوي"، الذي كتب "بيكيت، شرف الله" [ 1959]. و قد شهدت فيلم السينمائي البريطاني " بيتر غلينفيل": " بيكيت [1964]، [أي و الله !في" سينما كردفان" بالأبيض سنة 1967 ]،في الفيلم المشهور الذي لعب دور " بيكيت" فيه " ريتشارد بيرتون" في مواجهة " بيتر أوتول" ، في دور هنري الثاني.
و يمكن القول أن سيرة عبد الرحمن علي طه تحدث عنه بأبلغ مايكون الحديث.فالرجل الذي وقف مستقلا و متعاليا على الفرقاء السياسيين الطائفيين لسنوات، لم يحاول تأسيس فريق استقلالي خاص برؤيته السياسية لمستقبل البلاد، كما لم ينضم لأي من الحداثيين الذين كانوا يطرحون قضية التحرر الوطني بعيدا عن الهيمنة الأجنبية وحلفائها أو/و ممثليها المحليين [ الاحزاب الطائفية]. عبد الرحمن علي طه تجنب النظر في إتجاه الحركة الشيوعية السودانية الوليدة مثلما تجنب النظر وجهة حركة الأستاذ محمود محمد طه ، لماذا؟ مندري؟!و هذا سؤال لا بد أن دارسي سيرة الرجل سيحاولون الإجابة عليه من عمق الوثائق التاريخية التي سيكشف عنها التاريخ.اضطر عبد الرحمن علي طه، في النهاية، للإنضمام للفريق الذي بدا له أكثر قوة : فريق السيد عبد الرحمن، فريق بريطانيا، ضد فريق مصر!. لكن النهاية المحزنة التي خلص إليها مسار عبد الرحمن علي طه تشهد عن التركيب البالغ لقدر المبدعين ضمن اللعبة السياسية السودانية .و ربما انتفعنا بسيرة عبد الرحمن علي طه الشاعر و المربي و السياسي في تمحيص تجربة المبدعين الذين وقفوا على مسافة أمنية ، تطول أو تقصر ، من ممثلي السلطة السياسية في السودان.و في هذا المنظور سأحاول فحص تجربة المجذوب كشاعر يعرّف مسافته الخاصة من السلطات ، في شعره و في نثره و في جمله مواقفه الوجودية.
سأعود
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

ارسل: الجمعة مايو 02, 2014 1:19 pm موضوع الرسالة: مهارب شنو؟[6]
________________________________________
إقتباس من أعلاه:كتب حسن

مهارب شنو؟[6]

إقتباس من أعلاه:
و حتى أعود بتفصيل لسيرة المهارب المزعومة للمجذوب في أوهام [ " فانتازماغوريا " غوريا "] الجنوب أو في أوهام الأنثى الأجنبية الأوروبية الأوروبية و هلمجراـ و في " هلمجرا" ضف مهارب الكحول و مهارب اللبيدو العائر في تيه الحرمان الإيروسي العربسلامي ـ فمن الضروري التنويه بأن المجذوب لو كان يرغب في الهرب حقيقة لما صعب الأمر عليه، لا تقنيا و لا ماديا و لا نفسيا ، و إنما هي نزوات شاعر طفحت عن ماعون روحه الضجرة المتمردة. و ما حاجة المجذوب للهرب و هو مستقر آمن في عزه المادي و الرمزي المتعدد الوجوه؟. فهو من جهة عزيز ماديا ، بحكم وضعه كموظف عاش أيام حظوة الموظفين العالية في سودان عهد السودنة ـ و هي حظوة دامت عقودا حتى طالتها أزمة نهاية السبعينات الإقتصاديةالتي عرف فيها الموظفون درب الهجرة لبلاد النفط. في ذلك الزمان " الجميل؟" كان المتظاهرون في حواضر البلاد يهتفون: " لن يحكمنا البنك الدولي!" ـ.
تحت هذه الشروط كان الشاعر المحاسب يحيا في يسر مادي معقول لا يحلم به أي" محاسب" في السودان الحالي. أما العز الرمزي للمجذوب فهو أكثر تركيبا
لأن هذا الشاعر الهابط " من نسل البضعة الشريفة "، يحسب نسبه " في الجعليين من عرب السودان حتى العباس بن عبد المطلب " ، كما جرت عبارته في مقدمة ديوانه " نار المجاذيب"، و هو رغم وعيه بأن " الشاعر في السودان مذبوح .. دمه من المشهيات" ،إلا أنه لم يتردد في إختيار غواية الشعر [ و غوايات أخرى كالرسم مثلا ] ضد أوهام الرضاء العام التي كانت سائدة بين أنداده الموظفين المهمومين بالعلاوات و الترقيات . و هو لم يكن ليخشى في الشعر لومة لائم كونه متمرّد أبيقوري أصيل و ود بلد يقعد يقوم على كيفه، يوم في برغوث و يوم في بحر الغزال " إنتهى :



من " مختارات من الأدب السودانى " ل على المك إليك يا حسن هذه الأبيات للمجذوب فى نهاية قصيدته
" سيرة "( العرس ) ويمكن أن تقرأ سيرة ( ذاتية )!


"
صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مهارب شنو؟[8]

مشاركة بواسطة حسن موسى »

مهارب شنو؟ [ 8]








سلام يا أحمد و شكرا على ابيات المجذوب الجميلة، التي هي في حقيقتها بيان طبقي آيديولوجي فصيح ، و قيل برنامج سياسي و جمالي لعيال العربسلاميين و هم عند مفترق دروب الحداثات. و ليس صدفة كون كلمات المجذوب استرعت انتباه شعراء الهجنة السودانوية حتى توّجوه ملكا على مملكة الغابة و الصحراء.و كما قلت لا بد من فلفلة شعر المجذوب كلمة كلمة حتى نتمكن من إنصافه و فرز ما له و ما عليه في حساب الحداثة السودانية الطويل.


من أين أتى هؤلاء الناس؟

لو قبلنا بمشروعية موضوعة الهروب [ و هيهات ] في حق ذلك النفر المتعلم من عيال العربسلاميين الذين انخرطوا في مغامرة الحداثة السودانية مع مطلع القرن العشرين، لقلنا أن النور حمد نصّب المجذوب هاربا أعظما و تعامى عن الحال المركب لمثقف من عيار عبد الرحمن علي طه ، الذي يمثل في موقف أكثر المستحقين لنوط الهروب العظيم الذي انعم به النور على الأدباء، و أقول " تعامى" لأن بصر النور الحديد لا يمكن أن يعمى عن مسلسل هروب عبد الرحمن علي طه، من السياسة [ في أربجي] و إليها [ في الخرطوم]، عبر مسار حياة عامة عامرة بالآمال و بالحسرات . و في نظري [ الضعيف؟] فالمقارنة التي يبنيها النور بين عبد الرحمن علي طه و محمود محمد طه تبدو مجحفة في حق الرجلين لأن أقدار كليهما تطورت في مقامين فكريين متنائيين. فعبد الرحمن علي طه كان مهموما بسؤال التحرر الوطني من الهيمنة الأجنبية ،بينما سؤال التحرر الوطني لم يكن عند محمود إلا نقطة البداية نحو مشروع كوني وسيلته و غايته تحرير الإنسان.
أقول : موضوعة " هروب " المبدعين موضوعة قديمة في ادبيات السياسة السودانية التي انتجها مثقفوا الطبقة الوسطى الحضرية في السودان العربسلامي الحديث. و هي موضوعة يلتبس في سياقها تعريف المبدع بتعريف المثقف و المتعلم والسياسي معا.ربما بحكم الضيق الكمي و الكيفي اللاحق بفضاء الحداثة في السودان. و موضوعة " هروب المبدعين" تلتقي مع موضوعات موازية مثل " فشل" النخبة و "ضلال "المتعلمين [عن الدين] و "استلاب" المثقفين و "غربة" البورجوازيين الصغار عن واقعهم وقيل " خيانتهم " لتراث البلاد و عاداتها و تقاليدها إلخ. في التأكيد على دور إجتماعي مناط بهذه النخبة. والقاسم الآيديولوجي المشترك بين كل هذه الموضوعات يضمر بأن للنخبة المتعلمة مهمة تاريخية في قيادة المجتمع السوداني نحو بر الخلاص. و على أساس هذه الزعم يجتهد المنظرون ، من يمين و من يسار النخبة المتعلمة، في تبرير طموح القوامة السياسية للنخبة المتعلمة على بقية الفئات الإجتماعية التي تساكنها داخل الفضاء الإجتماعي السوداني.
داخل هذا الإتفاق الآيديولوجي يدبر نادي النخبة المتعلمة لائحة الخصومات و التحالفات التي تضمن لهم صيانة السلطات المادية و الرمزية بين الأعضاء فقط. كان " الأعضاء " في البداية يمرون من " مدرسة كتشنر " ثم اتسعت قاعدتهم لتشكل خريجي الثانويات الكبيرة [حنتوب و وادي سيدنا و خورطقت ] الذين يلتئم شملهم في جامعة الخرطوم ، ثم اتسعت الدائرة لتشمل خريجي " الكلية الحربية". [ ترى هل هي مصادفة كون رواد الحركة الشيوعية السودانية و رواد الحركة الإسلامية الحديثة تعلموا صنعة السياسة في صفوف الحركة الشعبية المصرية؟ مندري؟!].
يزعم المتعلمون السودانيون لذواتهم مهمة تاريخية ليس في السودان فئة أكثر منهم تأهيلا لإنجازها. هذه المهمة التاريخية هي، في حقيقتها الطبقية ، استكمال عملية إلحاق المجتمع السوداني، الخارج من أنثروبولوجيا المجتمع قبل الرأسمالي ، ببنى رأس المال، حتى يتيسر دمج الإقتصاد السوداني في دولاب السوق العالمي. وباسم هذا الزعم حازوا على ثقة دوائر رأس المال العالمي و انتحلوا لأنفسهم حق القوامة على أقدار الشعوب السودانية ، فغرروا بالشعب الأمي ،[ في " دوائر الخريجين"]، و لم يتورعوا عن التحالف مع الزعامات التقليدية العرقية و الدينية بسبيل اقتسام تركة الإدارة الإستعمارية. فاستولوا ، بوضع اليد،على جهاز الدولة المركزية القامعة الجابية، ليصونوا من خلاله مصالحهم المتساندة مع مصالح رأس المال .ومنذ الإستقلال لم تتجاوز خصوماتهم السياسية حد من يستأثر بسلطة الدولة؟ هذه الدولة الوافدة من شعاب السياق الكولونيالي هي دولة أجنبية على المجتمع . بل هي دولة أقوى من المجتمع تتسلط عليه من خارج فضاءة الثقافي و تفرض عليه تصورها للتغيير الحداثي من واقع تحالفها مع دوائر رأس المال الأجنبية، و لا يضيرها أن تنقلب على رعاياها بالعسف و التقتيل عند مقتضى الحال..
فمن هم هؤلاء الناس؟
من أين أتوا؟
و ما هي آفاق مشروعهم الإجتماعي؟
لو قلنا أن " هؤلاء الناس " يمثلون "الطبقة الوسطى" حسب تصنيف التراتب الطبقي الكلاسيكي لجانبنا الصواب، ذلك لأن "هؤلاء الناس" ، الذين امتازوا على مواطنيهم بحظوة التعليم في مدارس الدولة الكولونيالية ، هم في حساب الكم أقلية ضئيلة داخل الجسم الهلامي للطبقة الوسطى الحضرية. و هم بذلك أقلية لا يعوّل عليها في شيئ، لكنهم في حساب الكيف يشكلون " أقلية ساحقة" تستمد بأسها السياسي من واقع ضلوعها في تحالف رأس المال العالمي مع القوى المحافظة في منطقة الشرق الأوسط. و ارشيف تاريخ النزاع السياسي الحديث في السودان، و في منطقة الشرق الأوسط عموما ، يحفظ تحالفات الأنظمة السياسية السودانية مع قوى إقليمية متنوعة في مصر السادات و في ليبيا القذافي و في عراق صدام حسين و في مملكة آل سعود و في جمهورية إيران الإسلامية و هلمجرا. و في " هلمجرا" ضف للقائمة بعض عشائر البترودولار الخليجية التي تنظر للسودان كنوع من عمق استراتيجي لسياسات أمنها الغذائي [ سلة غذاء الشرق الأوسط إلخ] و غير الغذائي.. هذه القوى الإقليمية تدخلت و تتدخل كل يوم في السودان ، عسكريا أو دبلوماسيا أو ماليا للتأثير في ميزان المنازعة الطبقية السودانية بدعم هذا الفريق أو معارضيه . "هؤلاء الناس"، الذين يمثلون فئة قليلة في المشهد المحلي، هم ،في منظور الواقع الإجتماعي المعولم ، طرف في شبكة جديدة من العلاقات العضوية العابرة للأوطان. شبكة تمثل طليعة طبقة وسطى حضرية تتقدم بخطى واثقة في شعاب صراع طبقات زمن العولمة و عينها على عين سلطات السوق الليبرالي. هذه الفئة السياسية الجديدة على مسرح الصراع الإجتماعي الإقليمي، تخلقت، بنهاية الحرب الباردة، في كواليس حرب" استعادة الديموقراطية" الكويتية المكلومة من براثن صدام حسين، مثلما تخلقت في أنقاض تفجيرات 11سبتمبر التي اعلنت امريكا فيها الحرب بلا نهاية على "الإرهاب" و على " قوى الشر" التي صار المسلمون ايقونتها الجديدة .في سياق هذا التخلق الجيوبوليتيكي الجديد أطلق الأوروأمريكيون رصاصة على رجلهم في خراقة سياسية غير مسبوقة، و ذلك حين خاطروا بالتلويح بـ " الديموقراطية" في وجه الجماهير الفقيرة المقهورة على طور السنين في المجتمع العربسلامي المعاصر، و كانت مخاطرة فادحة كلفتهم ما عرف بـ " الربيع العربي " الذي فتح الباب لشرعنة الخيار الإسلامي كخيار شعبي مضاد لأنظمة الإستبداد التي سادت منذ عهد الإستقلال. فمن هم " هؤلاء الناس" فعلا؟ و من أين أتوا و إلى أين يقصدون؟

سأعود
أضف رد جديد