و " مدرسة الخرطوم" نسخة الشارقة..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »

الأخ حسن
أولا دعنى اشكرك عظيم الشكر على الكلمات الطيبات مما أكرمتنى بهن.

عود على بدء:
فى امريكا وغيرها فلا يحق لأى شخص ان يسجل طلب حقوق ملكية فكرية لكائنات الطبيعة سواء البذور والنباتات و الأنسجة الحيوية (كما هى).. والذى
تم منح حق الملكية الفكرية عنه كان عمل العالم الهندى (من اسمه) فى تطوير بكتيريا جديدة بتعديل الجينات الوراثية حتى تقوم بتحليل المواد البترولية التى تتسرب او تتدفق فى المحيطات والخلجان.. إذا هى براءة لعمل هندسى اوجد بكتيريا لم تكن موجودة فى الطبيعة، وصرف فى ذلك، أو لدى الدقة صرفت شركة جنرال الكتريك أموالا فى البحث والتطوير. أما البذور والنباتات الطبيعية الغير معدلة وراثيا فلا يحق لأحد ادعاء ملكيتها.

بالنسبة للفنون الأفريقانية.. قصدى هو، هل سيأتى يوم نقول نحن فنانين بدون ان نذكر القبيلة؟ ولو تركنا اوروبا جانبا.. نحن فى السودان عندنا برضو اوروبتنا وافريقتنا.. أنا أعتز بتراث البجا فى الشرق واستهلك اغانى المردوم من كردفان والطمبور والربابة والحقيبة والبلابل وكأنها فنى وثقافتى.. رغم تنوع منتجات هذه الشعوب الفنية.. فهل يمكن تطبيق هذا على الفنون من كل العالم، علما بأنى مواطن عالمى برضو والاغانى الكلاسيكية فى الصين هى ارثى أيضا على ان اسعى له.. محيى الدين بن عربى فى كتبه يقول "وصل" بدل فصل من كل فصول الكتاب.. فهو لا يؤمن ان هناك كائن مفصول فى هذا الوجود. أنا زاتى.

وشكراً
Freedom for us and for all others
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

الأخ الفنان حسن موسى
أتابع بشغف شديد واهتمام خاصة وان المامي قليل بما يختص بمدرسة الخرطوم وهو رأي ليس محكما
ذلك لقلة في الدراية والمتابعة وكان كثيرا ما يخطر ببالي ان مدرسة الخرطوم هذه كانت أول إعلان لما تسميه اليوم الفئة الحاكمة بالمشروع الحضاري !!! قبل ان يعملها جماعة الغابة والصحراء.
وكنت أعتقد خطأ ان هذه المدرسة اندثرت او في طريقها الاندثار.
لكن في الأيام القليلة الماضية اتضح لي ان هناك قلة من العمالقة لا زالت تحتفظ منها بشيء ولكنها دورته بحرفية - ان جاز التعبير - وصعدت به إلى مراحل عليا صعودا لا يتبينه المرء قليل التركيز ضعيف التأمل .
وجدت ناسا طوروها او هضموها فأصبحت لها بقية باقي في أعمالهم.
سأذكر أربعة وحسن موسى نفسه واحد منهم وسأحاول الاستشهاد والاستدلال
فاعذروني ان شططت
مرة أخرى لك التحية يا حسن والشكر على ما رفعت من بقية جهل لدينا
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

اسف مكرر ما عارف ليه
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

تراجيديا فنأفريقانية ميد إن أميريكا

مشاركة بواسطة حسن موسى »



13

تراجيديا فنأفريقانية ميد إن أميريكا


نيخاو يا محمد عثمان
يازول موضوع تملّك الأحياء داير ليهو خيط مستقل و مذاكرة طويلة في خصوص الإلتواءات القانونية التي يتذرع بها الجماعة الطيبين الذين لم يكتفوا بتملك العباد لكن هم بصدد تملك الأحياء. و عشان ما نضهب زي صاحب البالين كدي خلينا في الأول نركز على سيرة " مدرسة الخرطوم" الهوينة دي و بعدين نرجع لسيرة تملك الأحياء و النباتات.و هي سيرة عامرة بكافة تناقضات الحياة و الموت في عالمنا المعاصر.ـ


كتبت يا محمد عثمان
« 
بالنسبة للفنون الأفريقانية.. قصدى هو، هل سيأتى يوم نقول نحن فنانين بدون ان نذكر القبيلة؟ ولو تركنا اوروبا جانبا.. نحن فى السودان عندنا برضو اوروبتنا وافريقتنا.. أنا أعتز بتراث البجا فى الشرق واستهلك اغانى المردوم من كردفان والطمبور والربابة والحقيبة والبلابل وكأنها فنى وثقافتى.. رغم تنوع منتجات هذه الشعوب الفنية.. فهل يمكن تطبيق هذا على الفنون من كل العالم، علما بأنى مواطن عالمى برضو والاغانى الكلاسيكية فى الصين هى ارثى أيضا على ان اسعى له.. محيى الدين بن عربى فى كتبه يقول "وصل" بدل فصل من كل فصول الكتاب.. فهو لا يؤمن ان هناك كائن مفصول فى هذا الوجود.
« 
.طبعا كلمتك دي يا محمد عثمان هي من بديهيات الحس السليم ، لكن الغرض الذي يمرض الحس السليم و يعمي بصائر ود ابآدم صار يجعلنا نكافح و نتعب من أجل إثبات البديهيات.
غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة.ـ


سلام يا عبد الماجد
و الله لا تتصور مدى فرحتي بطلتك بعد الإنقطاعة الطويلة.و كمان في موضوع «  مدرسة الخرطوم » التي رغم أن الناس ظلوا يكتبون عنها أكثر من غيرها إلا أنها مازالت تحتاج لكتابة تفرز موياتها المتلاطمة بين فضاءات الرسم و السياسة.كتبت يا عبد الماجد :ـ
« 
.. وكان كثيرا ما يخطر ببالي ان مدرسة الخرطوم هذه كانت أول إعلان لما تسميه اليوم الفئة الحاكمة بالمشروع الحضاري !!! قبل ان يعملها جماعة الغابة والصحراء.
و . « 
و في نظري [ الضعيف] فكلامك هذا صحيح ،و ناس المشروع الحضاري ذاتهم استقبلوا و كرموا بعض أعلام مدرسة خرطوم الغابة و الصحراء تحت بصر و سمع الشعب السوداني الصابر على المدارس. غايتو أنحنا الله شاف لينا ساكت ، نجينا بجلودنا و نفدنا من عواقب المدارس الحضارية الكثيرة التي تتربص بنا عند منعطفات التاريخ عشان تصرف لينا الهوية الفلانية أو تقلع مننا الهوية الفلتكانية. و أنا متشوق لقراءة بقية كلامك في هذه السيرة العامرة و مافي شطط.




  من يعرض يتعرّض
مثل إفريقي من إختراعي
.
قلت في مطلع كلامي أن الفرق بين منهج " جان هيوبير مارتان" و منهج "سوزان فوغل" في تدبير عرض فن الأفارقة للجمهور الأوروأمريكي يتلخص في كون "مارتان" « سعى لعرض فن العالم بما فيه الأفارقة"، في حين اختارت "فوغل" أن تعرض فن الأفارقة للعالم الأمريكي" .ـ

و يبدو منهج "مارتان" كما لو كان يساوي بين ثقافات العالم المختلفة على زعم أن كل ثقافة إنما تنطرح ،في نهاية التحليل، كموضوع إكزوتي يقف مستقلا بسيادته الجمالية، في مواجهة للثقافات الأخرى. لكن زعم "مارتان" يفسد أولا لأن واقع التواصل و التداخل و التمازج الثقافي الطبيعي بين المجتمعات الإنسانية المعاصرة يكذب مزاعم أستقلالية الثقافات ، مثلما هو يفسد ثانيا لأن واقع حيوات المجتمعات المعاصرة تحت شروط ثقافة السوق المعولم يمحق الخصوصيات الثقافية و يثلم فاعلية المواريث الثقافية التي كانت تؤثر في توجيه السلوك الإجتماعي للمجتمعات المعاصرة.و يتناسى "مارتان" أن علاقة القوى الطبقية غير المتوازنة التي تمكن الأوروبيين الأقوياء من تدبير المحافل الثقافية الكبيرة و دعوة "الآخرين" من ضعفاء العالم الثالث لللمشاركة فيها هي نتيجة طبيعية لواقع الحياة تحت شروط مجتمع طبقي معولم يتسنم الأوروأمريكيون فيه موقع الحظوة، حظوة إحتكار تعريف الأناو الآخر و الحضارة و البربرية و الحياة [ و الموت] والأخلاق و اللاأخلاق و الفن و اللافن . و في نهاية التحليل، يمكن للمراقب المتفائل عقلنة شعار "مارتان" بكون " كل ثقافة هي إكزوتية بالنسبة للثقافات الأخرى" كمجرد أمنية بتحقق يوتوبيا المساواة الثقافية بين مجتمعات العالم المعاصر.أما المراقب الحذر فهو يملك أن يرى في مشروع "مارتان" مناورة سياسية أوروبية غايتها تخليق حلف ثقافي /سياسي بين الأوروبيين و مجتمعات العالم الثالث، غايته التحسب قبل المواجهة الإقتصادية و السياسية الثلاثية المتوقعة بين الأوروبيين و الأمريكان و الآسيويين.و من ينظر في الأدب السياسي الذي انتجته الآلة السياسية الأوروبية، بسبيل تحفيز المواطنين الأوروبيين لدعم مشروع الوحدة الأوروبية ،يقرأ فيه بوضوح نبرة تخويف الأوروبيين من مخاطر الحياة في عالم مُعولم يهيمن فيه الأمريكان و الصينيون، و قيل الأمريكان "قبل" الصينيين ، كون العداء لأمريكا ظل يبطّن علاقة الأوروبيين و الأمريكان منذ أن استحوذ الأمريكان ،بجاه الدولار ، في مؤتمر "بريتونودز" [1944]، على موقع الصدارة الإقتصادية العالمية الذي كان يتسنمه الأوروبيون قبل الحرب الثانية. ـ

و الفحص المتأني للأدب المبذول حول معرض " آفريكا إكسبلورز" الذي نظمته " سوزان فوغل". و الذي يعتبر أهم مقاربة أمريكية ممنهجة غايتها تقديم فن الأفارقة في المشهد الثقافي الأمريكي، يمكن أن يساعدنا في فهم التنويع الأمريكي في عملية تخليق موضوعة " الفن الإفريقي المعاصر". و هو تنويع وثيق الصلة بـموقف الطبقة الوسطى البيضاء في الولايات المتحدة من التاريخ المعقد لحضور الجماعة الآفروأمريكية في المجتمع الأمريكي المعاصر.مثلما هو تعبير منطقي لمسلك القلق الهويولوجي الذي انتاب العالم الأوروأمريكي في سنوات الثمانينات.ـ فسنوات الثمانينيات كانت بحق لحظة مفصلية في مشهد الزلزلة التي اجتاحت االمسلمات و الثوابت السياسية و الجمالية التي انتظمت عليها علاقات عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.في حقبة الثمانينيات شهد العالم إنعكاسات الأزمة الإقتصادية العالمية التي جلبت الشقاء الإقتصادي و المجاعات للمجتمعات الإفريقية[اأكثر من مليون شخص ضحايا مجاعة إثيوبيا في 1984] التي كانت ترزح تحت ثقل الكوارث الطبيعية [ التصحر و الجفاف] والإجتماعية [ الفقر و الأوبئة] ناهيك عن كوارث السياسة [ الديكتاتوريات العسكرية الموالية لدوائر رأس المال].ـ
في تلك السنوات دخل المجتمع الأوروأمريكي المغامرة النيوليبرالية [ رونالد ريغان في أمريكا و مارغريت ثاتشير في بريطانيا] بينما هرع الأوروبيون لبناء الوحدة الأوروبية ، [ السوق المشتركة]،تحسبا من إجتياح إقتصادي أمريكي و/أو من هيمنة إقتصادية آسيوية على خلفية الإزدهار الإقتصادي لبلدان آسيا [ اليابان و تايوان] ، فضلا عن التحولات الجيوبوليتيكية الكبيرة في الإتحاد السوفييتي بوصول "غورباتشيف" و إصلاحاته السياسية التي ستؤدي لسقوط "حائط برلين" و نهاية الحرب الباردة و نهاية الإتحاد السوفييتي و توابعه. و في الثمانينيات أيضا دخلت الصين في عهد الرئيسّ دينغ سياو بينغ" مغامرة [ الإصلاح السياسي والإقتصادي الذي نكص عن إقتصاد الدولة الإشتراكية و اتجه نحو إقتصاد السوق ليجعل من الصين قوة إقتصادية مرهوبة في المشهد الإقتصادي الدولي..ـ
و إلى جانب الهزات السياسية و الإقتصادية عرفت الثمانينيات التحولات الثقافية المهمة من شاكلة تراجع الكنيسة الكاثوليكية [جان بول الثاني] عن إدانة "جاليليو"و انتشار الثقافة الرقمية بفضل التقدم التكنولوجي [ ماكنتوش و ميكروسوفت و إنترنيت]و أظن أن نجاح " مايكل جاكسون" في تغيير لون بشرته الأسود ينطوي على دلالة رمزية جبارة زعزعت القناعات العرقية التي يستند عليها الوجدان الشعبي لغالبية الأمريكان بيضا و سودا.ذلك أن الطبقة الوسطى البيضاء النصرانية صاغت هوية المجتمع الأمريكي على أساس مجموعة من الحدود الطبقية و الدينية و العرقية و الجندرية. و قد كان لون البشرة ـ و ما زال ـ يلعب دورا كبيرا في تعريف وضعية الفرد الأمريكي من هرم التراتب الإجتماعي. و قد ظل النضال ضد "حد اللون" ملمحا مهما من ملامح حركة المساواة في المواطنة و الحقوق المدنية بالنسبة للأمريكان من أصل إفريقي.و في هذا المشهد يحفظ تاريخ حركة الحقوق المدنية في أمريكا مساهمات ساسة مرموقين قادوا المنظمات و الحركات الشعبية في اسلوب مواجهة إنتحارية ضد خصم هزيمته مستحيلة.هؤلاء القادة العظام، من " مارتن لوثر كنغ" لـ " مالكولم إكس" و قادة حزب " الفهود السود"[هيوي نيوتن"و بوبي سيل"و ستوكلي كارمايكل"]، لغاية « محمد علي كلاي » و "تومي سميث" و " جون كارلوس" الأبطال الأولمبيين الذين خفضوا رؤوسهم و رفعوا قبضاتهم السوداء المقفزة، تضامنا مع حركة الحقوق المدنية للسود، كل هؤلاء الابطال يمثلون في منظور التاريخ كشخصيات مسرحية أسطورية تواجه مصيرها الأسود المكتوب و المعروف سلفا، داخل تراجيديا إفريقية "ميد إن أميريكا".و في هذا المشهد تبدو أهمية حركة «  مايكل جاكسون » كبطل نيتشوي حديث يسمو بفرادته الوجودية فوق أقدار الجماعات التي تعرّف هوياتها و هويات غيرها على قيم اعتباطية فالتة من حكم الإختيار الحر. لقد اختار مايكل جاكسون أن يعبر " حد اللون" ،الذي رسمه البيض و قبله السود،فأثار روع الجميع لأنه هدم هذا الحائط الوهمي القائم في المخيلة العرقية للمجتمع الأمريكي بمباركة السلطة السياسية و الدينية ، و الذي سوّغ للأمريكان بيض البشرة أن يضطهدوا مواطنيهم السود مثلما سوّغ لغالبية السود الأمريكان قبول اضطهادهم كقدر إلهي لا فكاك منه. ـ
ـ
في هذا السياق الثقافي و الإجتماعي فـ " سوزان فوغل"، مثلها مثل " مارتان" و " جان كلير " و غيرهم من خفراء الهوية الأوروبية، تعبر عن روعها من التحولات المادية و الرمزية، التي تمخض عنها التحول نحو واقع العولمة في الثمانينيات، بطريقة مماثلة مضمونها حماية الهوية الإجتماعية للأوروبيين من التحولات الجديدة التي قد تعصف بالثوابت الرمزية و المادية التي بنى عليها الأوروبيون بأسهم الإجتماعي في إطار ثقافة رأس المال. لقد دبرت " فوغل" مشروع عرض الفن الإفريقي للأمريكان كمحاولة لترميم وجدان الطبقة الوسطى البيضاء من آثار الصدمات التي حاقت به في النصف الثاني من القرن العشرين [ هزيمة فيتنام و الأزمة الإقتصادية العالمية و صعود «  الآخر » كشريك و كخصم في ساحة المنازعة الطبقية.فمعرض " آفريكا إكسبلورز" يمثل في المشهد الأمريكي كمسعى نفسي لتطمين الذات الأمريكية النصرانية البيضاء الملتاعة من تقلبات عالم متحول في كافة المستويات، و ذلك من خلال تقديم صورة ثقافة إفريقية فالتة عن طوائل التاريخ. ثقافة إفريقية أزلية تستعصي على التطور و تشهد عن ثبات عالم بائد كان الناس فيه يُعرّفون وفق تصانيف "الحضارة" و "البربرية" و "السيادة" و "الإسترقاق" . فكأن فوغل " تخاطب أهاليها قائلة :ـ يا أمريكا اطمئنّي، ليس من داع للروع لأن بلسم الثقافة الإفريقية السرمدية سيضمد جراح الروح الأمريكية المعذبة، و هذه الثقافة الإفريقية الثابتة أبدا ليست بعيدة المنال في عالم أجنبي مستحيل.إنها هنا، مكنونة في حرز أمريكا السوداء ، تجري في شرايين الأمريكان الأفارقة .ـ

.و في هذا المنظور يمثل مفهوم "الفن الإفريقي المعاصر"، في نسخته الأمريكية، كنوع من «  رزيرف هندي  للسود» تحفظ فيه أمريكا البيضاء الفنانين الآفروأمريكانيين بعيدا عن فضاء الفن الأوروبي الذي يزعم لنفسه صفة الـ « مين ستريم آرت ». في مقام الفن الإفريقي المعاصرتملك الطبقة الوسطى النصرانية البيضاء ـ من جهة أولى ـ أن تداهن عواطف الجمهور الأوروبي النصراني بتقديم فن الأقلية الآفروأميريكانية كند جمالي يواجه ، أو يحاور، التقليد الفني الأوروبي من علياء تقليد الفن الإفريقي الأسود الزنجي العريق.و من جهة ثانية فصيانة أمريكا البيضاء لفن آفروأميريكاني يتيح لها فرز الفنانين الأمريكان السود كفئة أجنبية على المشهد الفني الأمريكي و ذلك بتكريسها كـ " دياسبورا" إفريقية.و المصطلح النصراني " دياسبورا" المستخدم لتوصيف فئة الفنانين الآفروأمريكيين يخفي وراءه برنامجا سياسيا طموحه إحالة الفنانين الآفروأميريكان لوطنهم الأم في القارة السوداء "إفريقيا". و إرجاع الأمريكان من أصل إفريقي للقارة الإفريقية حلم عنصري قديم بدأ في القرن التاسع عشر حين احتارت الطبقة الوسطى البيضاء في اتخاذ موقف إنساني عادل تجاه المواطنين الأمريكان سود البشرة الذين توصلوا للمواطنة بعد تحريرهم من قيود الإسترقاق. ـ
و في هذا المربط يتكشف المشهد الثقافي الأمريكي عن عناية بالفن الإفريقي مختلفة من نسخة الأوروبيين ، فالأمريكان لم يستعمروا أرضا في القارة الإفريقية، لكنهم وجدوا في إفريقيا مقاما يناسب حلمهم الإستعماري في القارة الأمريكية، و لو كانت العناية قد سخرت لهنود أمريكا أشخاصا من طينة لينكولن الذي كان يبشر بمجتمع سعيد سوده يحيون بمعزل عن بيضه ، لكان هنود أمريكا اليوم في إفريقيا أو في إسرائيل حتى و كل شي في الحيا جايز على قول المغني.و في هذا المنظور تجد عناية الأمريكان بالفن الإفريقي المعاصر جذرا تاريخيا في صلب مشكلة الأمريكان من أصل إفريقي " آفروأميريكانز" .الذين حاولت أمريكا البيضاء إرجاعهم لأفريقيا"في مغامرة استعمارية فريدة في التاريخ. الأمريكي. و هكذا أورثنا التاريخ الأمريكي تراجيديا " ليبيريا"[ 1822]، حيث قامت " الجمعية الإستعمارية الأمريكية" بتوطين العبيد الأمريكان السابقين في ليبيريا، ضمن حركة " باك تو آفريكا" [ العودة لإفريقيا]، و سهلت لهم استعمار السكان الأصليين و استغلالهم في أشنع سابقة استعمارية من نوعها.. و "الجمعية الإستعمارية الأمريكية" كانت تتمتع بدعم عدة رؤساء أمريكان بينهم "جيفرسون" و "لينكولن" الذين كانوا يحبذون تطهير المجتمع الأبيض من المواطنين السود الأحرار
. ـ
[size=10]https://quod.lib.umich.edu/j/jala/2629860.0014.204/-
-abraham-lincoln-and-the-politics-of-black-colonization?rgn=main;view=fulltext

في عام 1931 أدانت عصبة الأمم شروط العمل الإجباري الذي فرضته الدولة الليبيريةعلى السكان الأصليين لليبيريا. فقد كانت دولة العبيد الأمريكان السابقين تجبر أهالي البلاد على العمل سخرة في مزارع المطاط لصالح الشركات الصناعية المتعددة الجنسيات. و جدير بالذكر أن السكان الأصليين في ليبيريا لم يحصلوا على حق التصويت إلا في 1945،أي بعد قرن من تأسيس جمهورية ليبيريا التي سنت «  آبارتايد » أسود/أسود لا يعرفه أحد.و لم يتخلص شعب ليبيريا من هذا الأبارتايد الأسود " ميد إن أميريكا"،إلا في عام 1980 حين قام العسكري "صامويل دوي" بإنقلابه و نكل بالصفوة الأمريكية الحاكمة و افتتح عقدا من العنف و الحرب الأهلية الدامية.ــ
الرابط
https://lencrenoir.com/histoire-du-liberia/


لو تأملنا في موقف " فوغل"التي تزعم عرض فن الأفارقة في العالم،"آفريكا إكسبلورز"، نجدها صممت مشروعها على تصور زنوجي أسود معرقن لمجتمعات القارة.و هذا التصور الضيق، فضلا عن كونه يصادر واقع التعدد العرقي و الثقافي للقارة ،فهو يطرح إفريقيا ككيان ثقافي صافي قائم بالتعارض مع " الغرب".و سأحاول في اسطري القادمة عقلنة تصورها للفن الإفريقي، و الذي تمثلت عواقبه، على الصعيد العملي، في استبعاد أفارقة شمال إفريقيا من أول معرض مهم لفنون الأفارقة في الولايات المتحدة.و من عواقب التصور المعرقن للفن الإفريقي أن الفنانين الذين يعملون على المراجع التقنية و المفهومية لتقليد الفن الأوروبي يستبعدون بذريعة كونهم يقعون تحت طائلة الخيانة الثقافية أو/و الإنحطاط الجمالي لأنهم يعكّّرون الصفاء الجمالي المزعوم للفن الإفريقي . و لـ « فوغل » نظرة تستحق التأني في موضوع «  غربنة » الفن الإفريقي لأنها تنظر للمحمول الأوروبي التقني و المفهومي، في الممارسة الفنية للأفارقة كوجه من وجوه عملية " هضم"و " تمثل" يقوم الفن الإفريقي خلالها بأفرقة التأثير" الغربي" الوافد. و إعادة إنتاجه كفن إفريقي أصيل. و هو منطق مضمونه السماحة و الإنفتاح لكل ما يخصب الممارسة الفنية للأفارقة، و تجربة الفن الأوروبي الذي انفتح على فنون الشرق الأقصى في القرن التاسع عشر و القرن العشرين عامرة بدروس نافعة .لكن المشكلة هي أن "فوغل" تتوجس من تأثير المحمولات "الأجنبية" على الثقافة الإفريقية  و تدين التأثير السلبي للنصرانية و الإسلام على الثقافة الإفريقية. وذلك رغم أن الأفارقة يتعاملون ،منذ قرون طويلة ،مع النصرانية و الإسلام كديانات إفريقية.[أنظر ف"فوغل "، آ"فريكا إكسبلورز"ص 28][ سأعود لهذا بتفصيل لاحقا، فصبرا]. و يبدو أن هاجس الصفاء الجمالي الزنجي الذي تعرّف عليه " فوغل" الفن الإفريقي الأصيل هو المسؤول عن كونها أشاحت بوجهها عن فنون أثيوبيا ذات الثقافة الإفريقية النصرانية مثلما أشاحت بوجهها بعيدا عن فنون أهل شمال إفريقيا من ذوي الثقافة الإسلامية، لكن ثالثة الأثافي في ورطة "فوغل" المناهجية تتمثل في إشاحتها عن النظر وجهة فنون مجتمع جنوب إفريقيا . ففي هذا المعرض الذي يزعم تقديم الفن الإفريقي للأمريكان تجاهلت فوغل فناني جنوب إفريقيا الذين هم ـ على تباين أصولهم العرقية وقفوا على الدوام ضد نظام التفرقة العنصرية للأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا.و موقف "فوغل" هنا يبدو كمحاولة بائسة لتجنب الحرج الذي قد يجره الخوض في ما كان يجري في جنوب إفريقيا.و قد فضلت " فوغل" تأمين معرضها من مخاطر الأسئلة الصعبة عن واقع التفرقة العنصرية [ آبارتايد] التي كانت تجسد السياسة الرسمية لنظام الأقلية البيضاء و الذي كان يتمتع بدعم دوائر رأس المال الأوروأمريكية في سنوات "الحرب الباردة". فكأن " فوغل" لم تكتف بفرض الصفاء العرقي على الأفارقة و إنما أضافت عليه صفاءا سياسيا كاذبا لا تعكره عوارض الجيوبوليتيك السياسي الإفريقي البالغ التعقيد.ـ




سأعود
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في الجمعة إبريل 28, 2017 7:00 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و جيوبوليتيك الفن الجنوب إفريقي

مشاركة بواسطة حسن موسى »




14
و جيوبوليتيك الفن الجنوب إفريقي

قلت في خاتمة مقالي السابق أن حرص " سوزان فوغل" على تجنب البعد السياسي للثقافة الإفريقية المعاصرة حفزها على تجاهل فناني جنوب إفريقيا على تباين ألوانهم ، و ذلك رغم أن سنوات الثمانينيات شهدت تطورا ملحوظا لحركة الفنانين الجنوبإفريقيين السود داخل جنوب إفريقيا، و هو تطور كانت إحدى ملامحه القوية ذلك المعرض الكبير الذي نظمته " جوهانسبيرغ آرت غاليري" في 1988،تحت عنوان لا يخفي المضمون السياسي المعارض لهذا الحدث المهم :ـ" التقليد المهمل :نحو تاريخ جديد للفن الجنوب إفريقي، 1930ـ1988 ».ـ
أنظر
Mark D'Amato,
Beyond the Trauma, the transition of the Resistance Aesthetic in Contemporary South Africa,inLiberated Voices,
Contemporary Art From South Africa.The Museum for African Art/Prestel,NY 1999
و قد شكل ذلك المعرض حدثا ثقافيا و سياسيا لا يمكن تجاهله و بالذات من طرف حفنة المعنيين بالفن الإفريقي في العالم الأوروأمريكي،و على رأسهم «سوزان فوغل» التي كانت تحضر لمعرض "آفريكا إكسبلورز" لحساب"مركز الفن الإفريقي"
Center forAfrican Art
،[الذي صار لاحقا » متحف الفن الإفريقي »
Museum for African Art

].
و قد علق " فرانك هرمان"،مدير المعارض [البلجيكي] في "متحف الفن الإفريقي"[نيويورك] أن المتحف قرر استبعاد فناني جنوب إفريقيا من معرض " آفريكا إكسبلورز" «  بسبب المقاطعة الدولية الإقتصادية و الثقافيةلنظام الأبارتايد" .ـ
أنظر
Frank Herreman,Liberated Voices, contemporary art from South Africa,The Museum for African Art/Prestel,1999,p.179
و هرمان يشير لـ "الإتفاقية الدولية لمناهضة العنصرية "التي تدين سياسة الأبارتايد ، والتي وقعت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 1965.
https://en.wikipedia.org/wiki/Internati ... imination_
of_All_Forms_of_Racial_Discrimination#Condemnation_of_apartheid
و "القانون الشامل لمناهضة الأبارتايد"
The Comprehensive Anti-Apartheid Act of 1986
الذي أجازه الكونغرس الأمريكي ضد الفيتو الرئاسي الذي حاول رونالد ريغان تفعيله لتعطيل القانون.ـ
للإستزادة أنظر الرابط
https://en.wikipedia.org/wiki/Comprehen ... rtheid_Act

هرمان هنا لا يكتفي بالكذب حول حقيقة المقاطعة الـ" دولية"المزعومة لنظام الأبارتايد الذي لم يتوقف عن البيع و الشراء مع الأمريكان و الإنجليز و الألمان و الفرنسيين إلخ، بما يجعل من المقاطعة الدولية نوع من " فرض كفاية" يقوم به الأعضاء الفقراء في إفريقيا و دول العالم الثالث فيسقط عن أغنياء العالم في الدول الصناعية الأوروأمريكية بل هو يوقع العقاب على الفنانين الواقفين في وجه غول الأبارتايد فسرت عليهم الميتة و خراب الديار في آن،لكن يبدو أن التعاطف و التحالف السياسي بين فناني جنوب إفريقيا و المعارضة السياسية لنظام الأبارتايد لم يكن بحجم التعاطف بين نظام الأبارتايد و الأنظمة السياسية الأوروأمريكية [ الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا]التي لم تنقطع عن دعم نظام الأبارتايد دبلوماسيا و سياسيا و إقتصاديا. و حتى عسكريا في حربه ضد مقاتلي حركة التحرر الإفريقي.فقد ثابرت فرنسا[ موطن " حقوق الإنسان" كما يقال ] من عهد ديغول على دعم نظام الأبارتايد سياسيا في المنظمات الدولية، و رفضت تقديم أي عون لمنظمة المؤتمر الإفريقي التي كانت تقاتل من أجل الديموقراطية و المساواة في الحقوق بين الجنوبإفريقيين. و قد ذكر فرانسوا إكزافييه فيرشاف في كتابه "لافرانسأفريك" »[1998] أن إغتيال « دولسي سبتمبر » ممثلة « المؤتمر الإفريقي الوطني » [أفريكان ناشونال كونغرس] في باريس في مارس 1988، كان من ثمرات التعاون بين أجهزة الإستخبارات الفرنسية و الإستخبارات الجنوب إفريقية.
أنظر

François -Xavier Verschave,La Françafrique,1998,P.199

و باعت فرنسا لنظام جنوب إفريقيا أول مفاعل نووي في القارة.كما باعت باريس لنظام بريتوريا العنصري العتاد العسكري رغم قرار حظر بيع السلاح لجنوب إفريقيا الذي أجازته الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1977 و قد كانت حكومة جنوب إفريقيا هي ثالث أهم مستوردي الأسلحة الفرنسية. و بشكل عام واصلت السلطات السياسية الأوروأمريكية دعم نظام الأبارتايد حتى لحظة إنهياره التام في مطلع التسعينيات.ـ
لقد شهدت سنوات الثمانينيات تضييق الخناق الإعلامي و السياسي على نظام الأبارتايد و الأنظمة المتعاونة معه.و وسط التوتر الذي كان يلف الواقع السياسي الجنوب إفريقي،كان من الطبيعي أن يكشف منظمو المعارض عن قلقهم من عبور الفضاء الفني الإفريقي المعاصر الملغوم بحضور جنوب إفريقيا.هذا الواقع الجيوبوليتيكي ثبّط همم منظمي المعارض الأفريقانية في أوروبا و في أمريكا فسدوا أذنا بطينة و الأخرى بعجينة و زهدوا في سماع أصوات الفنانين الجنوب إفريقيين حتى فرجها الله عليهم بإنهيار نظام الأبارتايد في 1993 و استقرار جنوب إفريقيا في المشهد السياسي الدولي كقوة إفريقية لا يمكن تجاهلها. و منذ منتصف التسعينيات انطلق الأوروأمريكيون ينظمون معارض الفن الجنوب إفريقي بهمة كبيرة حتى ليظن من يجهل تاريخ إفريقيا أن فناني جنوب إفريقيا ولدوا بعد نهاية الأبارتايدـ
ضمن هذا السياق يبدو أن تجاهل منظمي المعارض الأوروأمريكيين للبعد السياسي في التعبير الثقافي للأفارقة، كان لازمة ثابتة في معظم تظاهرات الفنأفريقانية التي كان ينظمها الأوروأمريكيين في فترة الحرب الباردة. و لو فحصنا هذا التجاهل ، من مشهد الواقع الثقافي الإفريقي، فهو يبدو كما الوجه الآخر لنبرة البروباغندا السياسية الغوغائية التي كانت تخيم على المهرجانات الثقافية التي كانت السلطات السياسية الإفريقية تنظمها محليا لتجميل الوجه القمعي السافر لأنظمة الإستبداد الإفريقية. و في السودان عشنا، في فترة السبعينيات، أبلغ حالات البروباغندا السياسية التي تستثمر التظاهرات الفنية في سلسلة "مهرجانات الثقافة" و "معارض الثراث" و "معارض الثورة الثقافية" الموسمية التي كانت السلطات السياسية تصرف عليها ببذخ لتجميل وجه النظام و لتهيئة رأس النظام لإنتحال هيئة راعي الفنون الأكبر في البلاد. هذا الراعي الكذاب الذي لم ينجح في بناء متحف للفن المعاصر أو حتى صالة عرض واحدة في السودان طوال مدة حكمة الذي قارب العقدين. و يمكن فهم النبرة السياسية المباشرة في التظاهرات الثقافية الموسمية التي تنظمها الأنظمة الديكتاتورية الإفريقية بوضوح الغاية السياسية البسيطة التي ينتظر من المهرجانات تحقيقها، بينما يبدو ميل المنظمين لتجنب البعد السياسي في التظاهرات الفنية التي ينظمها الأوروأمريكيون في بلادهم أدخل في مسلك الحذر الدبلوماسي الذي يراعي حساب المصالح المادية و السياسية التي يمكن أن تضار من مخاطر إثارة حفائظ السلطات في هذا البلد أو ذاك من بلدان القارة الإفريقية. لكن تجنب البعد السياسي المباشر في معارض الفن الأفريقاني التي ينظمها ـ
الأوروأمريكيون يتكشف عن بعد سياسي غير مباشر مضمونه أشد وطأة من مجرد إتخاذ موقف سياسي مع أو ضد الكيانات السياسية المعاصرة.و أعني به العمل على صياغة المجال الذي يتم فيه تفعيل الطاقات الفنية للأفارقة بطريقة تجعله لا يطيق سوى النتاج الفني المنسجم مع التوجه الآيديولوجي لسلطات دوائر رأس المال التي ترعى التظاهرات الفنية الإفريقية.. و في هذا المنظور أحاول عرض الملابسات السياسية و الجمالية التي يسعى من خلالها فريق الـ"عملاء" الثقافيين لدوائر رأس المال لتخليق فضاء جمالي منسوب للثقافة الإفريقية ظاهرا لكن غايته الحقيقية هي تدجين المبدعين الأفارقة داخل بنية مفهومية تحظر عليهم اية فاعلية إجتماعية ذات نفع، ولا تسمح لهم بأكثر من زخرفة الوجود الـطبقي لسدنة رأس المال بكليشيهات منسوبة لفن إفريقي لا وجود له إلا في خيال الرعاة الأوروأمريكيين.ـ
فالفنان الإفريقي الشاب الذي يرغب في عرض عمله للعالم المعاصر يجد نفسه مضطرا لقبول شروط الرعاة الأوروبيين الذين يحتكرون فضاءات العرض و يحتكرون أدب العرض مثلما يحتكرون سوق العرض.و في هذا المشهد يجد الفنان الشاب القادم من إفريقيا نفسه مضطرا لمضايرة فرادته و تناسي خصوصيته الجمالية و الإنصياع لنصائح الرعاة ذوي البأس الذين لا يعرفونه و لا تهمهم معرفته كفنان متفرد، لكنهم يتعاملون معه كممثل لفئة مفهومية و عرقية صماء معرّفة سلفا، فيبيحون لذواتهم مشروعية التصرف في متاعه الجمالي و توجيهه بما يوافق مشاريعهم و آفاق رؤاهم الإجتماعية. ـ


سأعود
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في الجمعة إبريل 28, 2017 7:02 pm، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

القيّم و الراعي

مشاركة بواسطة حسن موسى »




15
الراعي واعي

و عدت في مقالي السابق بـ" عرض الملابسات السياسية و الجمالية التي يسعى من خلالها فريق الـ"عملاء" الثقافيين لدوائر رأس المال لتخليق فضاء جمالي منسوب للثقافة الإفريقية ظاهرا لكن غايته الحقيقية هي تدجين المبدعين الأفارقة داخل بنية مفهومية تحظر عليهم اية فاعلية إجتماعية ذات نفع، ولا تسمح لهم بأكثر من زخرفة الوجود الـطبقي لسدنة رأس المال بكليشيهات منسوبة لفن إفريقي لا وجود له إلا في خيال الرعاة الأوروأمريكيين".ـو قد وضعت عبارتي " العملاء" بين مزدوجين لأن هؤلاء الناس المكلفين بعرض فن الأفارقة المعاصر للجمهور في حواضر أوروبا و أمريكا هم أكثر من مجرد وسطاء "منظمين" أو منسقين لحركة الأشياء و المفاهيم الجمالية الصادرة عن الفنانين الأفارقة المعاصرين.و عبارتي " العملاء" تصعدهم لمقام الذوات الفاعلة "إيجنتس "
Agent, Actant
و الذين يتجاوزون، جورا، مقام الوساطة الثقافية المحايدة [ و المستحيلة عمليا] لمقام الخصم الذي يدافع عن مصالحه المادية و الرمزية [ من موقع الحَكَم ]، ذلك أن هؤلاء العملاء لم يدخلوا فضاء الفن الإفريقي لنفس الأسباب التي جعلت الفنانين الأفارقة ينخرطون في الممارسة الإبداعية. إنهم عملاء محترفون مأجورون للقوامة على حوادث هذا المجال الإفريقي المستحدث المسمى بالفن الإفريقي المعاصر، فيهم من يحمل شهادات أكاديمية مبرئة للذمة المهنية مثلما فيهم نفر من أهل الخبرة التنظيمية و الفهلوة الغريزية القادرين على اللعب بالبيضة و الحجر بموهبة خلاقة تجعل منهم فنانين بين الفنانين.طبعا هناك النفر القليل الجاد المخلص الحادب على كفاءة الصناعة المعارضية مثلما هناك النفر الأقل الذي لا يتورع عن التغرير بالفنانين و سرقة إنتاجهم بأكثر الأساليب سوقية.و قد جاء في المثل [ الفرنسي] :ـ "في العالم الواقعي هناك متسع للجميع رضينا أم أبينا" :ـ
Il en faut de tout pour faire un monde 
و لو اتسع براحي فسأخاطر بجرد فئات و أنواع العملاء الناشطين في فضاء الفن الإفريقي المعاصر، و ذلك من وحي تجربتي الشخصية. لكني حاليا أفضل العناية بتقديم الفئة الجادة المؤهلة مهنيا من " عملاء" الفن الإفريقي المعاصر، و هم يمتازون على غيرهم بتوفر أدبهم و وضوح سيرهم على المساند الورقية و الرقمية المبذولة في الفضاء العام، فضلا عن الحظوة المفهومية العالية المنتظرة من محاولة تقعيد مساهماتهم على مقعد النقد.ذلك أن أمرهم ،الذي ينطوي على قدر كبير من التركيب المفهومي السياسي و الأخلاقي، معقد بما يجعل كل محاولة لعقلنة عمالتهم أزرط من خرط القتاد. ربما لأن هؤلاء الناس ، من خلال إنخراطهم في المشروع الطبقي لرعاتهم يتوصلون ، بطريقة أو بأخرى، لجرف قطاع من الفنانين الأفارقة الذين لا يضيرهم كثيرا إتباع أرزاقهم على درب "عملاء " الفنأفريقانية الأوروأمريكية، و لا يكلّف الله نفسا إلا وُسعها" [ البقرة]. و مغزى هذا الكلام في حق الفنانين الأفارقة، الباحثين عن الرزق بأي ثمن، هو أن عالم الفنانين الأفارقة ـ مثله مثل غيره من عوالم البشر، لا يقتصر على جمع الفنانين الطيبين النبلاء الذين يضحون بكل شيء من أجل الفن. فعالم الفنانين لا يفلت من طوائل الصراع الإجتماعي و تناقضاته التي لا تحصى. ـ

القندول الشنقل الريكة

أذكر أنني حين كتبت رسالتي أعلاه لـ " جان هيوبير مارتان".ـ في نهاية التسعينيات ،كان قصدي هو شرح رغبتي في عرض أعمالي في التظاهرة الفنية الكبيرة التي دعاني إليها، و في نفس الوقت كنت حريصا على شرح تحفظاتي النقدية تجاه الأسس الأخلاقية لمشروعه المسمى " قسمة الإكزوتية".و كل ما في الأمر ـ أمري ـ هو أنني ، من جهة ، جازفت بمفاوضة هشة تستمد قوتها من سعة خيال خصم آيديولوجي ذكي، توسّمت في وعيه بالحدود الفكرية لقناعاته ، قابلية تحفّزه على استيعاب تحفظاتي، و ربما قبولها، و من ثمّ تهريب عملي لفترينة معرضه الإكزوتي الذي يضم كافة أشتات العالم الجمالية. و من الجهة الثانية ، في حالة قبولي في المحفل الإكزوتي، فرهاني الحقيقي كان على استجابة الجمهور لأني أعرف أن جمهور المعارض المعاصر هو جمهور ذكي، ينطوي على خبرة عالية بأدب المشاهدة تؤهله للفرز النقدي بين خطاب منظم المعرض و خطابات الفنانين المعروضة في أعمالهم .ـ
مر عام دون أن أتلقى ردا على رسالتي لـ " مارتان"و ظننت أن الرجل زهد في عرضي و سمعت تنويه "مدام موسى" الناقد لـ "وقاحتي" التي تمنعني من «العمل في صمت» زيّيي و زي الفنانين التانين ، و ضحكنا من حالي حين شرحت لها قولة أمي أن «مرمي الله مايرفعه إلاّ الله».و هكذا لفلفت حسرتي في ثوب المشاغل اليومية و نسيت الموضوع.و قبل شهر من إفتتاح المعرض اتصل بي "تيري برات"، القوميسير التنفيذي للمعرض، و اعتذر لي عن عدم عرض عملي في معرض " قسمة الإكزوتية"، لكنه طلب مني الإذن لنشر رسالتي لـ «مارتان» في كتالوغ المعرض. و ذلك لأن رسالتي أثارت مناقشة بين فريق المنظمين كونها، حسب عبارته،" تعقلن الحدود المفهومية التي ينهض عليها مشروع المعرض" .طبعا قبلت نشر رسالتي في الكتالوغ و عزّيت النفس على مبدأ «المال تلته و لا كتلته»، و وعدني « تيري برات» بعرض عملي "في مرة قادمة" إن شاء الله..ـ"
بعد إفتتاح المعرض بأسابيع اتصل بي " سيدريك فانسان" الباحث في الفن الإفريقي المعاصر، و الذي كان آنذاك يعمل بالتدريس في كلية الفنون بمدينة "بوردو"، غربي فرنسا، و قال لي أنهم قرأوا رسالتي لـ " مارتان" في كتالوغ معرض " قسمة الإكزوتية" و اهتموا بمضمونها، و دعاني للمشاركة في السمنار الذي ينظمونه في كلية الفنون حول موضوع "الفن غير الأوروبي ». بعدها تواترت الرسائل و الدعوات المشابهة من أشخاص مختلفي المشارب لكنهم يلتقون حول التفاكر النقدي في موضوعات الهوية الإجتماعية للممارسة الفنية.بل أن رسالتي لـ «مارتان» صارت تعرف وسط المهتمين بالفن الإفريقي المعاصر بـ "الرسالة التي كتبها حسن موسى لـ "مارتان" "الأمر الذي أضفى على شخصي " رَقـَشـَة" نقدية لم تكن في حسباني .و العبارة " الرسالة التي كتبها حسن موسى لمارتان " صاغتها أقلام بحاث مشغولين بأسئلة الفن و الآيديولوجيا و دارسين في الفن الإفريقي المعاصر، فيهم من دعاني للحديث في سمنارات أو لقاءات أكاديمية، مثلما فيهم من استكتبني حول الموضوعات التي أثارتها الرسالة. و لا أظن أن الرواج الذي لقيته رسالتي لـ "مارتان" يعود للنوعية الأدبية غير المسبوقة التي جادت بها قريحتي النقدية، و إنما لأن رسالتي، من جهة كانت أمرا مشاترا لا يتوقعه الناس في عالم منظمي المعارض، لأن الفنان ، عادة ـ، إما أن يقبل عرض عمله فيبعث به لمنظم المعرض أو يرفض و السلام. لكن أن يقوم فنان بإنتقاد فكرة المعرض مع إبداء رغبته في عرض عمله ايضا ، فهذا أمر لم يكن في حسبان منظمي معرض "قسمة الإكزوتية ».و حسب علمي، كنت ـ مع "كريس أوفيلي"، الرسام البريطاني من أصل نيجيري ـ كنت أحد اثنين أبديا موقفا سلبيا من فكرة المعرض . فقد رفض "كريس أوفيلي" صراحة عرض عمله في معرض يرفع شعار الإكزوتية، بينما سعيت أنا للمفاوضة النقدية التي لم تعجب منظمي " قسمة الإكزوتية".و من جهة أخرى أظن أن رسالتي لـ "مارتان"بدت ،في عالم الفن الإفريقي المعاصر الصغير، كما " القندول الشنقل الريكة"،لأنها نشرت في لحظة وصلت فيها المناقشة حول الهوية الإجتماعية للتعبير الجمالي المعاصر لمفترق مهم بين دروب المنازعة الطبقية المعولمة التي يعي أطرافها حقيقة التعبير الجمالي كساحة مواجهة إجتماعية بالغة الأهمية.هذه المنازعة المستعرة المدممة بين القوى المضمحلة في المجتمع الأوروأمريكي و القوى الحديثة الخارجة من ثنايا إقتصاد العولمة المزدهر في المجتمعات المعاصرة، تملك أن ترمي بالمجتمع الكوني في أتون حرب واسعة شاملة طويلة يختلط فيها الحابل بالنابل في عنف مادي و رمزي غير مسبوق.ـ
في هذا المشهد الذي يفرض على الأوروبيين إعادة النظر في جملة المسلمات التي تخلقت عليها المواريث الثقافية للعالم القديم ،انطرحت موضوعة الهوية الثقافية كساحة مواجهة مرموقة تتداخل امتداداتها السياسية و الأدبية و الفنية و الإقتصادية و الدينية و الجندرية في آن معا. في هذه الساحة الواسعة بحجم العولمة ، يسعى حرس الثقافة البائدة ،التي كانت ـ و ما زالت ـ تؤمن مصالح الرأسماليين الأوروبيين على حساب غيرهم، يسعون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بشتى الوسائل بما فيها وسيلة الهوية الثقافية. و تحت هذه الشروط
تتخلق مبادرات ثقافية جديدة بين مقام السياسة و مقام الفن، يدبرها نفر من القائمين على المؤسسات الثقافية الأوروبية أو الأمريكية مثل « جان هيوبير مارتان» و" سوزان فوغل» و آخرين، من حرس الثقافة البائدة، الذين أسبغوا على هذا الفرانكشتاين الجمالي، المسمى "الفن الإفريقي المعاصر"، دينامية ثقافية حقيقية لم يعد بالإمكان تجاهلها من قبل أي من أطراف المنازعة الدائرة في ساحة المواجهة المعاصرة..ـ

و حين أقول حرس الثقافة البائدة" فعبارتي لاتقتصر على الدعاة من أصل أوروبي و إنما تتجاوزهم لتشمل ذلك النفر من غير الأوروبيين. و نجانب الصواب لو جرّمنا الأوروبيين وحدهم فالأفارقة انخرطوا ،منذ عقود طويلة ، في المشروع الأوروبي للهوية الذي يتوسل بوسيلة الثقافة لإستبعاد الأفارقة عن مركز المبادرة الحضارية المعاصرة ـ
و على وجه الخصوص هذه " الفرقة الناجية" من الأفارقة الفنانين و الأدباء والنقاد و المؤرخين و الأنثروبولوجيين و منظمي المهرجانات و المؤتمرات و المعارض الذين يتخذون من حجة الهوية الثقافية منصة عملية لإطلاق دعاويهم الرامية لتقييد حركة الخلق داخل الأطر الآيديولوجية القومية و العرقية البالية و يجنون ثمار جهدهم من عطايا دوائر رأسمال الأوروأمريكي و ملحقاتها الإقليمية و المحلية.
و القائمة طويلة تبدأ من دعاة العودة للتراث الإفريقي و للجذور الإفريقية و لبراءة الروح البدائي الأصيلة ،روح الإنسان الإفريقي الطفل وثيق الصلة بعناصر الطبيعة و بالحدس العفوي وبعالم الأحلام واللاوعي و بصفاء السلوك الإنساني الأول، و غير ذلك من ترهات أدب الحركة السوريالية المتوجس و المعادي لتقليدالفكر المادي العقلاني المفخخ بمثالب ثقافة رأس المال.لقد خلق السورياليون الفرنسيون الأسس الجمالية لمفهوم البدائوية في الفن[«  بريميتيفيزم"]، من واقع ثورتهم على عقلانية المجتمع الرأسمالي التي أودت بالمجتمع الأوروبي نحو الإستغلال الإفقار و الحرب العالمية .و على درب الأدب النقدي السوريالي تقدم سدنة ثقافة رأس المال الفرنسية ليقيموا صرحا عجيبا من الإلتباسات و الأكاذيب و أنصاف الحقائق سموه " الفن الإفريقي المعاصر". و رغم أن هذا " الفن الإفريقي المعاصر" ينهض على مجموعة المسلمات الجمالية و السياسية التي انصاغت داخل التقليد الجمالي لحركة الفن الأوروبي،[الدور الإجتماعي للفنان في أفق حركة التقدم الإنساني،فرادة الخلق الفني، إتصال التقليد الفني داخل تقليد ثقافي يشكل مفهوما جامعا للعالم ]، إلا أن سدنة الفن الإفريقي المعاصر يحرصون على تقديم هذا الفن الإفريقي المعاصر كظاهرة ثقافية بعيدة من، أو/و مضادة للفن الأوروبي الذي يزعمون إضمحلاله و أنحطاطه و موته، ضمن موت مزعوم للحضارة الغربية التي أنتجته.و قد لعبت الملابسات التاريخية لحركات التحرر من الإستعمار في إفريقيا و بلدان العالم الثالث بالتزامن مع التطور الثوري في مجالات العلوم الإنسانية [ أنثروبولوجيا الشعوب غير الأوروبية] دورا مهما في تسويغ المزاعم التحررية و الوطنية لحركة الفن الإفريقي المعاصر . هذا الواقع الذي تتداخل ضمنه المكونات السياسية و الجمالية هيأ المشهد العالمي لقبول النزعة العدوانية الجائرة للفنانين و للمثقفين الأفريقانيين تجاه مجمل مواريث الثقافة الغربية مختزلة لحدود ثقافة المجتمع الأوروبي بدون أي فرز طبقي يعقلن تأثيراته .ـ
و حين يصدر الموقف العدائي تجاه ميراث الثقافة الأوروبية من أشخاص عاديين فهو أمر يمكن قبوله على زعم أن هؤلاء الأشخاص لا يملكون متاعا معرفيا يؤهلهم لفرز الأمور المشتبهات في مشهد المنازعة الجمالية المعولمة. لكن حين يصدر هذا الموقف من طرف مثقفين من ذوي الوزن الأكاديمي المعروف فهو يحتاج منا لمزيد من التأني. و أتأنى هنا عند بعض أعلام الفن الإفريقي المعاصر بغاية فرز تفاكيرهم و تفهم الأسباب التي تحفزهم على الإنحياز لجانب الخصوم الطبقيين لشعوبهم و الوقوف في موقف العمالة تجاه دوائر رأس المال .ـ

و" العمالة الثقافية" ميد إن آفريكا :ـ

و لو عدنا لفريق " عملاء" الثقافة في ساحة الفن الإفريقي المعاصر فـ "هؤلاء الناس" لا يوصفون أنفسهم بصفة " العملاء" لكنهم يستخدمون عبارة ألطف و أشد فتكا في نفس الوقت هي « القيّم»أو صاحب القوامة المفهومية و الإدارية و المالية على الفنان و على المعرض. فمنظم المعارض في رطانتهم هو الـ " كيوريتار» :ـ
Curator
و ترجمتها المتوفرة ـحاليا ـ في العربية:ـ هي " القيّم"،[ من القوامة و صاحبها هو قيّم المعرض أو قيّم المشروع الفني]. قد نجح الأنجلوساكسون ـ بجاه التأثير الأمريكي ـ في فرض مصطلح الـ " كيوريتار" في فرنسا التي كان أهلها ، حتى سنوات الثمانينيات، يستخدمون عبارتي "قوميسير »[و هو المُكلّف بمهمة أو مشروع]ـ"
Cmmmissaire
و "كونسيرفاتور"[و هو الأمين أو المحافظ].ـ
Conservateur
و الـ "كيوريت"
curate
في الأصل الإنجليزي تدل على رجل الدين المدني الذي يساعد القس في أداء مهامه في الكنيسة، أما" كيوريتور"الفرنسية
curateur
فهي تدل على الشخص الراشد الذي يعتني بالطفل القاصر أو يتولّى أمر الشخص من ذوي العاهات.و الـ " كيوريتار"
Curator
هو الشخص الذي يتولى مسؤولية القوامة على العرض في متحف أو غاليري. و هي مسؤولية تتنوع حسب حدود الممهمة المكلف بها القيّم. سواء كانت إختيار الفنانين أو إختيارالمعروضات أو تحضير النصوص المصاحبة للعرض أوتولي إختيار المقتنيات إلخ.و في عروض الفن الإفريقي المعاصر من النادر جدا أن ينظم القيم معرضا واحدا لفننان فرد، فالسائد في هذه المعارض هو الطابع الجماعي، من جهة لأن الفنان الإفريقي الفرد ، هو في الغالب شخص بلا سيرة معروفة أو بسيرة فقيرة في المعلومات بالنسبة للجمهور الأوروبي أما لقصر عمره الفني أو لصعوبة تحصيل الأدب النقدي في خصوص عمله.أما المعارض الجماعية فهي تتميز بكونها تنبني على موضوع مشترك،" ثيمة"، ينضوى تحت مظلته الجامعة أكبر عدد من الفنانين فضلا عن كون المعارض الجماعية تمكن القيّم من تمثيل القارة ،غالبا ، من خلال فنان من كل بلد.و هي طريقة تتيح للقيم معالجة الموضوع الفني العام مثل :ـ " الهوية " ،" الآخر" «  الذاكرة"،"التراث"، المستقبل"،"الحرية" ،"السلام" و غيرهابتنويعات عديدة شخصية و قومية هذا النوع من المعارض الجماعية يحتاز على رضاء الجميع، الرعاة و الجمهور [الأوروأمريكي]، كونه يزعم تلخيص إفريقيا بأكملها و بكامل تعقيداتها في معرض واحد. فلا أحد يفكر اليوم في إقامة معرض للفن الأوروبي أو للفن الآسيوي أو الأمريكي. لكن القارة الإفريقية هي الوحيدة بين قارات العالم التي ما تزال موضوعا لطموحات القوامة المعارضية الأوروأمريكية.ـ
و في المعرض الجماعي، أي معرض جماعي يتم إختيار أعمال الفنانين من طرف القيم ، حسب إنسجام العمل مع الموضوع الذي عرّفه القيم للمعرض. و في هذا السياق يصبح عمل الفنان كمجرد إقتطاف ينتفع به القيم في دعم مشروعه من خلال تنظيم نسيج المساهمات المختلفة.هذا الواقع يمسخ المعرض الجماعي شأنا خاصا بالقيم أكثر من كونه شأن الفنانين العارضين.و هكذا يكتسب شخص القيّم ،بحكم موقعه الإداري، أهمية تتجاوز أهمية كل فرد من الفنانين العارضين كونه يتحكم في إختيارهم و إختيار أعمالهم حسب الخطة التي رسمها للمعرض.و تطرح هذه الوضعية الغريبة أكثر من سؤال حول المشروعية الفكرية و الجمالية التي تموضع القيّم فوق أي من الفنانين المساهمين في معرضه.و طبعا نجانب الصواب لو صدقنا أن القيّم شخص حر يصمم معرضه و يختار موضوعه و فنانيه حسب مقتضيات جمالية بحتة. فالمعارض الجماعية الكبيرة تفترض ميزانية مهمة و إعداد "لوجستي" ضخم.و هي أمور لا تتيسر إلا للرعاة القادرين الذين تسندهم أجهزة الدولة أو الشركات التجارية و الصناعية الكبيرة أو المنظمات الدولية المهمة.و يبقى«المال عصب الحرب» حتى في ساحة هذه الحرب الغريبة التي اسمها الفن الإفريقي المعاصر.و في هذا المشهد، مشهد العلاقة بين القيم و الراعي، يفقد القيّم مشروعيته الأخلاقية مثلما يفقد استقلاليته الإدارية الإفتراضية و ينمسخ لمجرد منفذ لمشيئة الراعي الذي يدفع تكلفة العرض، أو كما جاء في الأثر"خادم الفكي مجبورة على الصلاة"و ترجمتها
He who pays the piper dictates the tune
و صلاة القوامين في "مائدة معاوية" مؤسسة ذات أصول و أتيكيت يرعاه كل من يحلم بدخول ملكوت الفنأفريقانية الأوروأمريكية.و أول أركان العقيدة الفنأفريقانية هو قبول خرافة الهوية الثقافية كإطار مفهومي لعمل الفنان الإفريقي المعاصر.طبعا الهوية الثقافية للفنان الأوروأمريكي الوافد من الفضاء الثقافي للطبقة الوسطى الأوروأمريكية البيضاء النصرانية، لا خوف عليها و لا حزن، فهو « عارف عزه و مستريح» و قد يعمل في صمت ، أو يملأ الدنيا ضجيجا دون أن يشغل نفسه بأسئلة الهوية الثقافية ، فهو حر حرية بلا حدود. أما الفنان الإفريقي فموضوعة الهوية الثقافية تنطرح عنده كهاجس بحث عصابي بلا نهاية. و وضعية البحث عن الهوية تعني ببساطة أن هذا الإفريقي الفنان هو كائن بلا هوية ثقافية، أما لأنه فقدها من تلقاء نفسه بإنكارها أو بالتفريط فيها أو لأنها صودرت منه بيد غيره[ إقرأ بيد المستعمر الأوروبي].طبعا لا أحد ، بين سدنة نظرية الهوية الثقافية، يتأنّى للتفكر في الإستحالة المفهومية لوجود كائن " بلا هوية" ثقافية، كائن منقطع عن الثقافة ، يقف معلقا في الفضاء كما شخوص " شاغال" الفالتة من قانون الجاذبية الأرضية. و بحث الفنان الإفريقي عن هويته الثقافية يؤدّي به للموضوعة الثانية التي لا تقل عنها أهمية، و هي موضوعة " الصدمة" الثقافية أو ما يسميه القوم بـالـ "تروما»،:ـ
Trauma
و " الصدمة" الثقافية هي ما يصيب صاحب الهوية الثقافية الإفريقية حين يجد نفسه ـ في إفريقيا أو في أوروبا أو أمريكاـفي مواجهة هوية ثقافية مغايرة [ و قيل :معادية].هذه الهوية الثقافية المغايرة أو المعادية تعرف حدود الإطار المفهومي الذي يتحرك فيه الإفريقي الباحث عن هويته.ذلك أن الإفريقي لا يبحث عن هويته على مرجع أي هوية أخرى ، مثل الهوية الصينية أو الهندية أو هوية الأمريكان اللاتينيين أو هوية هنود أمريكا إلخ، و إنما يبحث عن هويته الثقافية بالتعارض أو بالمقارنة مع الهوية الثقافية للأوروبيين. و سواء بنى الإفريقي هويته على منطق التعارض أو على منطق المقارنة فهو يبقى رهينا لحالة إحباط ثقافي و نفسي كبير لأنه يعرف أنه لن يكسب الحرب ضد الخصم الهويولوجي الأوروبي الذي يمتاز عليه بكونه يحتل موقع الخصم و الحكم معا مثلما يعرف أنه لن يدرك مقام النموذج الهويولوجي الأوروبي أبدا.و في هذا المشهد يمكن عقلنة نبرة العداء للغرب الثابتة في أدب الهوية الفنأفريقانية سواء صدر من طرف الأفارقة أو من طرف الأوروبيين الضالعين في تقديم الفن الإفريقي المعاصر للعالم الأوروأمريكي.و لا أظنني بحاجة لطرح الأمثلة حول الأدب النقدي، الذي يبذله فنأفريقانيون أوروبيون من طينة[ «مارتان» و «فوغل» و «كلير» [و آخرون]، و الذي يطفح بآيات العداء السافر للهوية الثقافية الغربية ، إما بسبب إرتباطها بالهيمنة الإستعمارية و الإستغلال الرأسمالي أو بالنزعة العرقية أو بالأنانية الأوروبية و تهميش الآخر إلخ، و فيهم من لا يتورع عن التنبوء بقيامة الغرب و إنقراض حضارته إلخ. لكني ، في أسطري القادمة ، سأحاول فحص الملابسات التي تحفز الفنأفريقانيين الأفارقة المعاصرين على الإنخراط في النسخة الأوروأمريكية لهويولوجيا الإستبعاد.ـ
سأعود
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



سلام يا حسن .. متابعين ومستمتعين


الصورة المرفقة صورة قديمة قطعتها من مجلة أفتكر أمريكية، ولا أدرى ما إذا كانت هذه المجلة مازالت موجودة عندى أم لا، المهم أنها لفنان أرجِّح أنه أمريكى، وأذكر التعليق المصاحب لصورته هذه يوضح موقفه الرّافض لمفهوم "الفن أفريقانية"، ولأن الصورة أكبر من "الإسكانر" ألصقتها على جزئين، لذلك قد تظهر ما مظبوطة:




صورة
صورة
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت يناير 21, 2017 3:18 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مزروعي و أرزاق الهويولوجيا الأفريقانية

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا ياسر
زي ما شايف عندنا مشكلة مع تحميل الصور في المنبر
و قلة حيلتي الرقمية لا تسمح لي بأكثر من الإنتظار حتى يصل " أهل المروءة الرقمية" و يفرجوها علينا.
و كان ماوصلوا إلا نبيع حماري دا و نفرجّا على رقبتي و...هيهات.




16

علي مزروعي
و أرزاق الهويلوجيا الإفريقانية

ختمت مقالي السابق بوعد فحص الملابسات التي تلهم الفنأفريقانيين الأفارقة الإنخراط في النسخة الأوروأمريكية من " صنعة" هويولوجيا الإستبعاد الإجتماعي.ـ.
و في هذه الأسطرعن لي التأني عند كلمة للباحث الإفريقي المعروف "علي مزروعي"، أظنها تصلح مثالا لعقلنة حالة الإحباط الثقافي التي تسكن وجدان الأفارقة الذين ينظرون وجهة النموذج الأوروبي.ـ
و علي مزروعي[1933ـ2014] :ـ
Ali Mazrui
لمن يجهلونه ،أكاديمي كيني مسلم،كان أستاذا للعلوم الإنسانية في جامعات نيويورك[ بينغهامتون ] و كورنيل و ميتشيغان. و جامعات جوس [ نيجيريا] و
ماكريري[ يوغندا] و جوموكنياتا [كينيا]، و إلى جانب نشاطه الأكاديمي و السياسي عمل مزروعي ايضا كمستشار في البنك الدولي. و في الولايات المتحدة اشتهر كناشط "بانأ فريكاني" وسط الآفروأميريكانيين الذين كان يعتبرهم أفضل وسيط للتواصل بين أمريكا و أفريقيا.و مزروعي، عبر مساهمته في الكتاب الجماعي،" ملهمات الحداثة، دراسات في الثقافة كتنمية في إفريقيا" لو جازت ترجمتي لـ :ـ
The Muse of Modernity, Essays on culture as Development in Africa,.Editedby Philip G.Altbach and Salah M. Hassan, Africa World Press,Inc.1996
يطرح نقدا لمؤسسات الثقافة الإفريقية الحديثة ، أقل ما يمكن أن يقال فيه هو تحامله على النخب الإفريقية بجريرة عجزها عن خلق هوية ثقافية تطلق التنمية الإجتماعية و تحرر المجتمع الإفريقي من عقابيل التخلف.
و مساهمة مزروعي في مقالته التي تتصدر الكتاب، و التي اختار محررا الكتاب عنوانها كعنوان للكتاب :ـ
Perspective;The Muse of Modernity and the Quest for development
هي بمثابة تلخيص لمحتوى الكتاب حتى أن القارئ ليتساءل عن ضرورة حضور المساهمات الأخرى التي تكاد تكرر ما جاء في مقالة مزروعي.و الكتاب تجميع لمساهمات عدد من البحاث المعنيين بالثقافة الإفريقية يوصفهم كاتبا التصدير :ـ [فيليب جي آلت باك و صلاح حسن ] ،بكونهم"من أفضل المفكرين في قضايا الثقافة الإفريقية » ممن يتقاسمون "قناعة كون الثقافة محورية بالنسبة للتنمية الإفريقية ". و قد تمت مساهماتهم في إطار مؤتمر انعقد في مركز بيلاجيو للبحوث بإيطاليا التابع لـ"مؤسسة روكفلر" في 1995،وبعون من السلطة السوديدية الدولية للتنمية و " مؤسسة فورد" بفضل بعض مؤسسات الرعاية الثقافية الأمريكية.و يرى كاتبا التصدير أن " الكتاب يعكس الأفكار التي طرحتها "ألبرتا آرثرز"، مديرة شعبة الفنون و الإنسانيات في "روكفلر فاونديشان"، في مؤتمر" الثقافة والتنمية في إفريقيا جنوب الصحراء" الذي عقده "البنك الدولي" عام 1992.ـ و فكرة "آرثرز" المحورية تتلخص ، حسب عبارتها في أن "النظرة السائدة للتنمية تتميز بكون التنمية حركة تنطلق من الشمال في إتجاه الجنوب لكننا يجب أن ننظر للثقافة بطريقة مختلفة.فالثقافة تتحرك في إتجاهات عديدة.حركة الثقافة أمر يصعب التنبوء بإتجاهه.إنها لا تسير في إتجاه واحد".و يلتقط مزروعي فكرة "تحرير" الثقافة من سياق التنمية الإقتصادية التي تبشر بها "ألبرتا آرثرز"، و التي تمسخ الثقافة لحال ظاهرة روحية تهوّم فوق التناقضات الإجتماعية الطبقية و فوق قوانين الإقتصاد، لينتفع بها في دعم استراتيجية البنك الدولي الذي يتمتع مزروعي فيه بمنصب " مستشار" في قضايا الثقافة و التنمية في إفريقيا. ـ

و مزروعي ،الذي يعول كل التعويل على الثقافة، بل و يجعل منها اساسا للتراتب الإجتماعي أو كما جرت عبارته :ـ"المنفعة الرابعة للثقافة تتعلق دورها كأساس للتراتب الإجتماعي.فالثقافة إذا لم تخلق التصانيف الإجتماعية كالفئة و الطائفة و الطبقة فهي تؤثر فيها بعمق".ـ

"The forth fonction of culture concerns its rôle as the basis of stratification.Rank,caste and class are all profoundly conditioned by-if not created by- culture"(P.2)ـ
و على أساس مفهومه للثقافة يلوم مزروعي المجتمعات الإفريقية لأنها لم تؤصل ثقافة الحداثة في اللغات المحلية و قعدت في إسار اللغات الأوروبية، لغات المستعمرين الإنجليز و الفرنسيين.ـ
و مزروعي يستخدم مفهوم " الحداثة المؤصلة" :ـ
Indigenized modernization
و يورد مثال التنمية الصناعية الكبيرة لليابان و كوريا لكون اليابانيين و الكوريين نجحوا في جعل لغاتهم القومية وسائط علمية ذات كفاءة في حين بقيت إفريقيا في حالة إعتماد تام على اللغات الأوروبية. طبعا مزروعي ، أستاذ العلوم السياسية و العالم الأنثروبولوجي الأفريقاني ،لا يجهل أن إفريقيا قارة ينطق أهلها في أكثر من لغة، و أن اليابان أرض و دولة و قومية تكونت عبر القرون على تاريخ مشترك و قيم ثقافية مشتركة و أن أهله يتقاسمون لغة مشتركة إلخ، لكن مزروعي يبيح لنفسه مقارنة جائرة تتجاهل الإختلافات الإجتماعية و الثقافية الكبيرة بين إفريقيا و اليابان أو كوريا.لماذا؟مندري؟ لكني اظن ـ غير آثم ـ أن التفسير الوحيد الممكن لهذا الشطح المناهجي [ ميثودولوجي] هو أن مزروعي يتجاهل معطيات التاريخ الإجتماعي للقارة الإفريقية [و لليابان] لأنه يداهن عواطف جمهور آفروأمريكي لا يبالي كثيرا بكون إفريقيا قارة أم قطر.جمهور أمريكي أسود [ و أبيض] القارة الإفريقية عنده هي بلاد السود و السلام.و من وراء الجمهور الآفروأمريكي يتوجه مزروعي لمؤسسات رعاية الثقافة الآفروأمريكية و الثقافة السوداء في إفريقيا ، و جلها مؤسسات أمريكية تسندها الشركات الكبيرة التي تشكل عماد دوائر رأس المال في العالم. "
و خلاصة حركة مزروعي تنتهي لقناعة غريبة تعتبر "العلمية" خاصية مودعة في وسيلة اللغة و ليست في منهج التفكير العقلاني الذي يتوصل إليه المجتمع في لحظة من لحظات تطوره الثقافي.و يخلص مزروعي ، في براءة مفهومية تامة، إلى أن هناك لغات علمية و لغات تفتقر للعلمية،فكأنما وسيلة اللغة تتحصل، بطريقة ما، على ذلك الـ "سمسم" السحري الذي ما أن ينطق به حتى تنفتح مغارة المعارف العلمية ويخرج الأفارقة من سجن التخلف.ـ

مزروعي لا يكتفي بمطلب تحويل اللغات الإفريقية لوسائط علمية لكنه يطالب الأدباء الأفارقة بالكتابة في لغاتهم الإفريقية بدلا عن الفرنسية و الإنجليزية.و لا يسلم من لومه الهويولوجي كاتب في أهمية"وول سوينكا" لأنه لم يكتب لجائزة نوبل في لغة قومه الـ"يوروبا"كما جرت عبارته :ـ".منذ 1986 نال ثلاثة أفارقة جائزة نوبل للأدب.كان من الممكن لعربي كنجيب محفوظ أن ينال جائزة نوبل للأدب عن كتابته في العربية ،لغته الأم . كما كان ممكنا لكاتبة جنوب إفريقية بيضاء ، "نادين غورديمر" ،أن تنال جائزة نوبل للأدب عن كتبها المكتوبة في لغتها الأم الأوروبية، لكن لم يكن ممكنا للكاتب الأسود الوحيد، «وول سوينكا»،أن ينال جائزة نوبل للأدب عن كتابته في لغة اليوروبا ،لغته الأم.و ما كان لـ "سوينكا" أن يدخل مضمار المنافسة إلا في لغة الآخر الإمبريالي.إن الهيمنة اللغوية الأوروبية على ثقافات المجتمعات الإفريقية جنوبي الصحراء أشد وطأة من الهيمنة اللغوية الأوروبية على العالم العربي. »[ص5]. ».ـ

رحم الله مولانا "كاتب ياسين" ، الأديب و المسرحي الجزائري الفرانكفوني الذي خاض حرب التحرير من الإستعمار الفرنسي ، و الذي كان يقول :ـ" اللغة الفرنسية غنيمة حرب »،ردا على لائميه من رفاقه الذين كانوا يعتبرون كتابته في اللغة الفرنسية علامة إستعمار ثقافي. و هي قولة تلخص بذكاء كبير كل تركيب الظاهرة الثقافية تحت شروط الهيمنة الإستعمارية ،كون المجتمع المستعمَر يتملك وسائل الثقافة الإستعمارية و يعيد تدويرها و يشحنها بمضمون إجتماعي مضاد للإستعمار. و لو تمادينا بقولة كاتب ياسين لنهاياتها المنطقية فاللغة و الفن و الأدب و جملة المعارف و الخبرات التي يتحصلها الشخص المستعمَر ،تحت شرط الهيمنة الإستعمارية للأوروبيين، تصبح "غنائم حرب" قابلة للإستثمار الثوري التحرري الذي يعيد تأهيلها لصالح قضية التحرر الإنساني. لكن مزروعي ـ لسوء حظنا ـ ليس كاتب ياسين.مزروعي ينتظر من الأفارقة أن يقوموا بإعادة "إختراع العجلة" لأنه لا يقبل لهم أن يستخدموا العجلة الموجودة التي جلبها الأوروبيون في متاعهم الإستعماري. ، ربما لأن مزروعي المتخندق في حمى أصالة ثقافية إفريقية مصنوعة من متاع الإكزوتية الأوروبية، بعيد كل البعد عن واقع حركة التحرر من الإستعمار التي تعيد إختراع فكرة الأصالة الثقافية الإفريقية بطريقة خلاقة حسب معطيات الواقع و ضروراته.فقراء كاتب ياسين الجزائريين [و غير الجزائريين] كانوا في أغلبهم من الفرانكوفونيين الذين لم يسمح لهم النظام التعليمي الإستعماري بتعلم العربية ، لكن كاتب ياسين كان يعرف أن الأولوية القصوى لهؤلاء القراء كانت التحرر من الإستعمار قبل تعلم العربية.و في هذا المشهد تتجلّى كل أصالة كاتب ياسين كمبدع "إفريقي" واع بأولويات مجتمعه.و أنا أضع صفة " إفريقي" بين مزدوجين لأن مزروعي ، مثل عدد كبير من دعاة البانأفريقانية المعرقنة ،لا يعتبرون أهل شمال إفريقيا أفارقة مثل غيرهم من سكان القارة.فهم " بيض" لأنهم ليسوا "سودا" بما يكفي لإدراجهم في هذه الفرقة السوداء الناجية[ من ماذا؟مندري؟]، و لهذا ورد تنويهه بصفة نجيب محفوظ كـ "عربي" في قوله :ـ"
«It was possible for an Arabe -Neguib mahfuz -to win it(The Nobel Prize) for literature in his native Arabic »
(P.5)
أما الكاتبة الجنوب إفريقية "نادين غورديمر" ،فهي ـ رغم تاريخها الطويل العامر بالتضحيات في مناهضة نظام الأبارتايد،إلى جانب حزب مانديلا،" المؤتمر الوطني الإفريقي"، لا تنج من آلة الأصالة الإستبعادية في يد مزروعي الذي يحيلها بجرة قلم بعيدا عن القارة الإفريقية التي ولدت و عاشت فيها عمرا طال لـ 90 عاما[1923ـ2014]،يحيلها مزروعي، خبيرالبنك الدولي، الذي يتأفف من الفكر الإشتراكي باعتباره فكر غربي غريب على أصالة القارة و مستورد من أوروبا، يحيلها لأوروبا بذريعة كونها"بيضاء" تكتب في اللغة الإنجليزية.[نفس الإنجليزية التي نقرأ فيها نحن أدب مزروعي الكاتب الآنجلوفوني].ـ
.
«It was possible for a South African white -Nadine Gordimer- to win the Nobel Prize for books written in her native European language »
أما "سوينكا"فمصيره أشنع من مصير محفوظ و "غورديمر"لأنه يقيم في مقام الخائن السامي الذي يشيح عن أصالته اللغوية ليكتب في لغة المستعمر بدلا من الكتابة في لغة أهله اليوروبا.. رحم الله مولانا " مانديلا" الذي كان يقول" أنا عربي، أنا جزائري، أنا مسلم" في زيارته الثانية للجزائر1990، التي كانت أول من قدم لحزب المؤتمر القومي الإفريقي ،في 1962، العون المادي و الرمزي حين بدأ نضاله المسلح ضد نظام الأبارتايد.ـ أتحسر على رحيل مانديلا كلما لمست نوع الرواج المريب الذي تلقاه البانأفريقانية المعرقنة على يد دعاة هوية ثقافية إفريقية صارت أداة عالية الكفاءة في صيانة الفرقة و التشظي بين أهل القارة.ـ
هذا المزروعي لا يحتاج لمن يذكره بأن اللغة العربية لغة إفريقية و أن اللغة الفرنسية لغة إفريقيةو أن اللغة الإنجليزية لغة إفريقية،لأنه يعرف كل هذه البديهيات. مزروعي هو في حقيقته الطبقية واحد من سدنة الهويولوجيا الإستبعادية الذين يرتزقون لقاء عملهم في صيانة مصالح دوائر رأس المال في ساحة المنازعة الآيديولوجية المعاصرة.و فضله ـ في نظر مخدميه ـ على العملاء الأوروأمريكيين من شاكلة "فوغل" و " مارتان" يكمن في كونه يلعب دور " شاهد من أهلها" لا سبيل لرميه بسبة الإستعمارية، ذلك لأنه إفريقي قرينة أصالته مكتوبة على بشرته السوداء. تاني شنو؟
تاني مافي غير الإمساك بمواقفه و نصوصه و فرز اشتباهاتها السياسية و الجمالية حتى يتاح للأفارقة ،و لغير الأفارقة ، عقلنة هذا الجنس من أجناس هويولوجيا الإستبعاد" اميد إن آفريكا"، و الذي صار «  صناعة » رابحة يتوسل بها نفر من الناس ـ سودا و بيضا و ما بينهما من « خاتفي الألوان » الأراذل ـ لكسب عيشهم و إن كلفنا ذلك الكسب استبعاد الأفارقة عن دائرة المبادرة الحضارية المعاصرة..ـ

سأعود
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في السبت إبريل 29, 2017 9:30 am، تم التعديل مرة واحدة.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


سلام يا حسن

تمكنت من تحميل الصورة اللوحة عبر موقع خارجى.

.. هناك جزء مهم ورد عندك فى موضوعك بالعدد الثالث من مجلة "كتابات سودانية" بعنوان: "شُبهات حول الهوية"، يدور حول توجه "الغربيين"، بإيعاز من بعض الأساتذة، للنهل من الثقافات الأخرى بالذات الأفريقية، فى شتى ضروب الفنون وذلك لشعورهم بإفلاس الحضارة الغربية فى هذه المجالات. أرى أنه لصيق بأجزاء ممّا كتبته هنا ولكنك أغفلته. أرجو أن تجد له مُباصرة ما لتدعيم كتابك هذا العالى القيّمة.

بالمناسبة الخيط إتفتل من خطوط الروابط الموجودة فى رسائلك، قم بوضعها فى حجم خط صغير.

محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

ووو

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

قبل شوية كنت بشاهد فى قناة سودانية24
راش دياب بيتحدث عن مدارس الفن التشكيلى فى السودان
ذكر مدرسة الخرطوم
والمدرسة الكريستالية
ومدرسة الواحد

عن مدرسة الخرطوم قال من اطلق التسمية هو تنيسى ويليامز
انا قلتا بسم الله تنيسى ويليامز زولنا بتاع المسرح
رجعتا لبوست حسن موسى دا ولقيت الزول
اسمو دينيس ويليامز
هى ما فرقت كتير دينس وتنيسى كلهم عجم
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شرح العميل ما زي أكل الجنزبيل

مشاركة بواسطة حسن موسى »



17

"شرح العميل ما زي أكل الجنزبيل"
ـ
مثل سوداني [من تلفيقي]ـ

ـ
أثناء بحثي في سيرة البروفسير علي مزروعي استرعى انتباهي مقطع منشور على صفحة ويكيبيديا فيه إحتفاء ظاهر بصورة المثقف الإفريقي الملبّك بالألقاب الأكاديمية و المهنية و الجوائز الأدبية و الأوسمة السياسية ، الذي تتنازع عليه مؤسسات التعليم العالي المرموقة في الولايات.يقول مكتوب ويكيبيديا
« ..
« درّس مزروعي في جامعة ميتشيغان حتى عام 1989 حيث أخذ تفرغا لمدة سنتين ليدرس في زمالة"ألبيرت شفايتزربروفيسارشيب"
Albert Schweitzer professorship at SUNY
في "بينغهامتون".و قد كان فراق مزروعي لجامعة ميتشيغان حدثا لا يقل تشويقا عن مفارقته من جامعة ماكريري..ـ[هامش عن سيرة حدث ماكريري]،ـ أعلن مزروعي استقالته من جامعة ميتشيغان
في 29 مايو 1991. في تلك اللحظة انفجر خصام طفحت أصداءه في وسائل الأعلام بين جامعة ميتشيغان و
SUNY
فقد كانت كل مؤسسة تحرص على بقاء مزروعي فيها، و قدمت سوني لمزروعي خمسمئة الف دولار تشتمل على راتب قدرة مئة و خمسة ألف دولار [ ببمقارنة مع راتبه الذي بلغ 71،500 دولار الذي كان يتلقاه من جامعة ميتشيغان].ـفضلا عن بنود صرف لثلاثة أساتذة من إختيار مزروعي و ثلاثة مساعدي تدريس من الخريجين و سكرتاريا و نفقات سفر.وكان رد فعل جامعة ميتشغان أن زايدت على هذا المبلغ لكن مزروعي كان قد اتخذ قراره بالبقاء في سوني و أعلن أنه لم يقتنع بالتزام جامعة ميتشيغان الجاد بمباحث العلوم السياسية في العالم الثالث.ـو قد بلغت المنازعة بين المؤسستين أن كل من حاكم ميتشيغان جيمس بلانشارد و حاكم نيويورك ماريو كيومو اتصلا هاتفيا بمزروعي لإقناعه بالبقاء في جامعتي ولايتيهما.. و قد أثارت هذه القضية التساؤلات حول رواتب و مكافآت الأساتذة الجامعيين و الوزن الإعلامي للبروفسير الجامعي. »
من يتأمل في هذه الحكاية لا يمكن أن يتفادى التساؤل عن دوافع حكام الولايتين الأمريكيتين في التنافس على إرضاء هذا الباحث الأنثروبولوجي الإفريقاني و أمريكا عامرة بعشرات البحاث الموهوبين المتمرسين في مجال الدراسات الأنثروبولوجية الإفريقية.
أظن،غير آثم، أن، وراء حكاية الإمتيازات المالية التي يتنافس حكام ولايتي ميتشيغان و نيويورك في إغداقها على الأستاذ الناجح، تنطرح قراءة أخرى لوضعية هذا المثقف الإفريقي الذي يمثل في المشهد الأمريكي المعرقن كنوع من شاهد من أهلها، و لو شئت قل :" شاهد ملك" لا على الأفارقة فحسب،[ الأفارقة يطيروا]، و إنما على جملة مواطنيهم الأمريكان السود المعرفين في قاموس السياسة الأمريكية كـ "آفروأميريكان".ــ فهذا المزروعي الهميم لا يتوانى في إنفاق طاقته و علمه و بأسه الرمزي كإفريقي مثقف كان رئيسالـ "جمعية الدراسات الإفريقية" في الولايات المتحدةـ
African Studies Association (USA)

ثم كأسود و مسلم عمل لفترة في مجلس "منظمة المسلمين الأمريكان" بواشنطون
American Muslim Council, Washington, D.C.

و كباحث أنثروبولوجي عمل لفترة كنائب رئيس لـ "جمعية العلوم السياسية الدولية"ـ
International Political Science Association
[ و كـ "خبير" في "البنك الدولي"ـ
World Bank

الرابط
https://en.wikipedia.org/wiki/Ali_Mazrui

. مزروعي لا يتوانى في الإلحاح على تلاميذه الأمريكان الموصوفين بكونهم " آفروأميريكان" بمقولات " الهوية الإفريقية" و " الأصالة الثقافية الإفريقية" و غير ذلك من ترهات الجمالية العرقية التي تكرس الأمريكيين سود البشرة كمستودع سامي لقيم إفريقية متوهمة لا علاقة لها بشروط واقع إجتماعي يتقاسمه هؤلاء السود الأمريكيون مع مواطنيهم بيض البشرة. ـ
و عناية المؤسسة السياسية الأمريكية بالمثقفين الأفارقة لا تنج من شبهة الإنتهاز السياسي البالغ الإلتواء في إطار الخطاب الموجه لفئة الأمريكيين السود.ـ
و هو خطاب مجحف ـ من جهة أولى ـ في حق الأفارقة لأنه يختزل إشكاليات القارة الإفريقية بشعوبها و ثقافاتها المتعددة لحدود السعة السياسية للإشكالية العرقية الضيقة التي اخترعتها الطبقة الوسطى الأمريكية البيضاء المحافظة لتنتفع بها في تسويغ إمتيازاتها المادية و الرمزية بذريعة الإختلاف الثقافي و العرقي. و من جهة ثانية ،فالخطاب الموجه لفئة الـ "آفروأميريكان" مجحف في حق المواطنين الأمريكان سود البشرة لأنه يصادر حقهم الرمزي في الإنتماء الكامل للهوية الوطنية الأمريكية.من واقع كون توصيفهم بصفة الـ " آفرو أميريكان" يصون في خاطر من يستخدمونه شبهة الدخيل المتطفل على الجماعة الوطنية الأمريكية المزعومة بيضاء..فلا أحد يوصف الأمريكان من أصل أوروبي بصفة ال" أوروأميريكان".و في هذا المنظور يمكن عقلنة الإحتفاء الإعلامي الكبير الذي حظيت به التظاهرة الفنأفريقانية الكبرى التي نظمتها الأنثروبولوجية الأمريكية "سوزان فوغل"[1991] تحت عنوان " آفريكا إكسبلورز"،
Africa Explores
و التظاهرة التي احتوت على أكبر معرض في تاريخ الولايات للفنانين الأفارقة المعاصرين تجنبت عن قصد مسبّق عرض آثار الفنانين من شمال إفريقيا، على إضمار عرقي بكون أهل شمال إفريقيا ليسوا أفارقة خلّص، بقرينة اللون، كما تجنبت المجموعات الإفريقية المتأثرة بالإسلام أو بالمسيحية على إضمار آيديولوجي ينفي عن الإسلام و المسيحية صفة الديانات الإفريقية الأصيلة. و هكذا فبركت فوغل لمواطنيها الأمريكان صورة لإفريقيا سوداء خالصة الزنوجة، أي بدون إثيوبيا بدون السودان و بدون مصر و بدون بلدان المغرب . الشمال إفريقي .أنظر نصي " من اخترع الأفارقة؟" على الرابط :ـ

https://sudan-forall.org/plasticart_naqd.html
ـ

من يتأمل في الطريقة المجحفة التي يتعامل بها عملاء دوائر رأس المال الأوروأمريكية [مارتان، فوغل، جان كلير ومزروعي إلخ]، مع الأفارقة أو مع جملة الأشخاص غير الأوروبيي يخلص إلى أن هؤلاء الناس لا يجهلون شيئا عن الشروط الواقعية التي يتم فيها إنتاج الفن المعاصر غير الأوروبي ، لكنهم في الحقيقة ، حقيقة " المهمة" السياسية المناط بهم تنفيذها، مضطرون للإشاحة عن الواقع الذي يتم ضمنه إنتاج الفن المعاصر في المجتمعات غير الأوروبية، و ذلك حتى يتسنى لهم استكمال بنية الإستبعاد الثقافي لغير الأوروبيين عن دائرة المبادرة الحضارية المعاصرة.و أعني بـ "المبادرة الحضارية المعاصرة " كل الجهد الإنساني المعاصر الرامي لإصلاح حال المجتمع الدولي بصيانة مبادئ الديموقراطية و العدالة الإجتماعية. و من هذا الباب الذي فتحه مزروعي و فوغل و آخرين، يدخل ساحة الفن المعاصر جيل جديد من منظمي التظاهرات الفنأفريقانية في العالم الأوروأمريكي. جيل أفارقة العولمة الذين يرفعون نسبهم للدياسبورا بنت الغول الأفريقاني و العنقاء الأوروأمريكية. و يتكاثرون شعوبا و قبائل ، يقتطعون الإقطاعيات و يدفعون الفنانين المعاصرين من إفريقيا في متاهات الهويولوجيا العرقية التي ما أنزل الله بها من سلطان. ـ.
هؤلاء الناس الذين بنوا " بيوت الخبرة" العالمية في شرح العنقريب الإفريقي صاروا أكثر أهمية من المبدعين الأفارقة رغم أن عددهم محدود بمحدودية أرض الفنأفريقانية الضيقة التي يتقاسمونها. هؤلاء الناس هم شكل جديد من أشكال العمالة الثقافية مدفوعة الأجر من طرف مخدّميهم في دوائر رأس المال الأوروأمريكي ، و لا جناح و لا حزن لأن أرزاق الناس بيد الله. لكن الجناح يدركنا حين يتجاوزون مهمتهم التقنية كوسطاء تكنوقراط، ليرفعوا شعار إنقاذ أهل القارة من سوء التنمية و الأمية و التخلف. الجناح يحصل حين نقرأ مزاعمهم الأدبية التي تدعي التضامن مع أهاليهم الرازحين تحت نير تحالف قوى رأس المال المعولم مع دوائر الرجوع السياسي في مجتمعات إفريقيا... و قد اخترعوا لمهنتهم الجديدة مصطلحا يليق بقدر الإلتواء المفهومي الذي يلفها.و قد قلت في مطلع مقالي السابق أن
« 
" "هؤلاء الناس" لا يوصفون أنفسهم بصفة " العملاء" لكنهم يستخدمون عبارة ألطف و أشد فتكا في نفس الوقت هي « القيّم»أو صاحب القوامة المفهومية و الإدارية و المالية على الفنان و على المعرض. فمنظم المعارض في رطانتهم هو الـ " كيوريتار» :ـ
Curator
و ترجمتها المتوفرة ـحاليا ـ في العربية:ـ هي " القيّم"،[ من القوامة و صاحبها هو قيّم المعرض أو قيّم المشروع الفني].
و سواء أخذنا العبارة في معنى الـ " قوميسير
ـ
Cmmmissaire
أو في معنى » «  الأمين »،أو الـ " كونسيرفاتور"ـ
Conservateur
أو في معنى الـ "كيوريت"ـ
curate
في مدلولها الاصلي في الإنجليزية، الذي يدل على رجل الدين المدني الذي يساعد القس في أداء مهامه في الكنيسة .ـ
أو في معنى ال" كيوريتار".ـ
Curator
الإنجليزية التي تدل على الشخص الراشد الذي يعتني بالطفل القاصر أو يتولّى أمر الشخص من ذوي العاهات. مثلما تدل على قيّم المعرض في الغاليري أو في المتحف ـ"  
. و قد صارت القوامة على الفنانين اليوم من بين الصناعات المستحدثة التي تتطور و تتخلق في ثنايا عالم الفن المعاصر. وفي كل حال تلتقي معاني القوامة عند علاقة الوصي و الفنان القاصر التي تفترض أن الوصي يملك شفرة فهم الفنان و يفسر أسباب عمله للجمهور.ـ.
و في خاطر القوم صارت القوامة على الفنانين صنعة لا يُستغنى عنها، لأن القيم يملك مفاتيح العلاقة بين الفنان و جمهوره و بين الفنان و رعاته , و وضعية الوسيط بين النقائض تمنح القيّم حظوة الحَكَم بين أطراف العلاقة المركبة التي تصنع تاريخ الفن بين الفنانين و جمهورهم و رعاتهم.ـ فالقيم الذي ينظم تظاهرة فنية تجمع عدة فنانين يصبح بالضرورة أكثر أهمية من اي واحد من الفنانين الذين اختارهم لمعرضه.و هو وحده، لا شريك له، يملك سلطة تقديم و/أو تأخير زيد أو عبيد من الفنانين حسب تصوره الشخصي للمرامي الجمالية و السياسية لمعرضه.و في هذا المشهد، مشهد التراتب السلطوي يبيح القيم لنفسه أن يسدي النصح للفنان في خصوص ماينبغي و ما لا ينبغي عليه عمله، مثلما يبيح لنفسه عرض عمل الفنان حسب الطريقة التي يراها هو ، مثلما يبيح لنفسه وضع عدد من الفنانين معا على زعم أنهم يمثلون فئة مفهومية يعرفها القيم وحده،دون مراعاة لوجهة نظر الفنانين موضوع التصنيف.و هكذا ينمسخ القيّم بالتدريج لنوع من فنان خامته الفنانين و أعمالهم و مكان و زمان العرض و أداته السلطة التي خولها إياه الراعي الواقف على رقابة تحقق اجندته السرية و المعلنة من وراء الكواليس.ـ
و تحت شروط الفقر و البؤس المادي الذي يعانيه الفنانون الأفارقة المقيمون في القارة الإفريقية ، فإن أي قيّم أوروأمريكي يفد عليهم من الخارج هو بمثابة المسيح المنقذ الذي يملك ، بجرة قلم، أن يرفعهم لدائرة الضوء في مؤسسات العرض الأوروأمريكية.لهذا السبب فمن الصعب ـ و لو شئت قل: "من الحماقة"ـ أن يقوم الفنان الإفريقي الشاب المقيم في كمبالا أو في الخرطوم أو في باماكو أو الرباط بالإعتراض على الطريقة التي قرّر القيّم الأوروأمريكي أن يعرض بها عمله في حواضر أوروبا أو أمريكا.بل أن العدد المتنامي من الفنانين الأفارقة الذين تمكنوا، في النهاية، من تطوير حساسية مفهومية تتيح لهم عقلنة موقف المداهنة الجمالية الواعية بالنسبة للشروط التي يطرحها القيّم الأوروأمريكي، إنما يؤكد على واقع الهيمنة الآيديولوجية الأوروأمريكية على الافارقة[ و قيل على جملة المبدعين غير الأوروبيين] المتحركين في أرض الفن.و في مشهد الهيمنة ينخرط الفنان الإفريقي ، عن طواعية،في ثنايا سوء الفهم الإرادي الوافد في متاع القيم الأوروأمريكي.و هو سوء فهم يشمل تفاصيل صناعة الفنان الإفريقي مثلما يشمل عموميات الثقافة الإفريقية.ـ
سأعود
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في السبت إبريل 29, 2017 9:31 am، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شبهات حول الهوية

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا ياسر

نص " شبهات حول الهوية" موجود على هذا الرابط

https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... e8b44bab27

و شكرا على عنايتك
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الديموقراطية و التنمية ،القسمة الضيزى

مشاركة بواسطة حسن موسى »




الديموقراطية و التنمية
القسمة الضيزى
في الكتاب الجماعي،" ملهمات الحداثة، دراسات في الثقافة كتنمية في إفريقيا"، و الذي يضم مساهمات نخبة من " خبراء" الثقافة الإفريقية الذين سعوا لإقناع الجهات " الغربية" [إقرأ : "الأمريكية"]، المانحة للعون المادي المفترض فيه النهوض التنموي بمجتمعات إفريقيا، تبدأ كل مساهمة و تنتهي بضرورة إعلاء شأن الثقافة كرافعة ذات أولوية في تنمية مجتمعات القارة الإفريقية.لكن الثقافة التي يعقد القوم عندها آمال التنمية في إفريقيا تبقى في حدود التعريف الجزئي للثقافة الذي يحصرها في أشكال التعبير الجمالي من آداب و فنون، [ يعني بالعربي كدا : "سياسة" سَكّو، نو، "نيت"، "مي يو»..]، ربما لأن السياسة ، كممارسة ثقافية، تفتح الباب لريح النقد في موضوع الديموقراطية كأساس ضروري لأي تنمية إجتماعية في إفريقيا أو في غيرها،كون الديموقراطية تشرعن الخصومة و تقننها و تيسر الحوار الفكري بين الفرقاء و تؤسس للشفافية و الرقابة الشعبية في أداء الأجهزة السياسية و الإدارية.و قد صارت ثقافة الديموقراطية في القارة الإفريقية بمثابة " تابو" مستديم، مجرد التنويه به يعكنن مزاج سادة سادة إفريقيا الجدد، و أعني بـ " سادة سادة إفريقيا " جملة غيلان رأس المال المعولم و سعاليه التي تتواطأ مع طغاة البلدان الإفريقية ، تدعمهم ضد شعوبهم و تتقاسم معهم غنيمة سوء التنمية الإفريقية في صمت مدو. "الديموقراطية ترف لا تطيقه إفريقيا"، كما جرت قولة شهيرة لـ "جاك شيراك"، رئيس وزراء فرنسا في مطلع التسعينيات..في هذا ،المشهد، مشهد تغييب الديموقراطية من آفاق التنمية الإفريقية، يحتفي الـ "خبراء" من كل مشرب و مأكلة ،بالثقافة الإفريقية [ إقرأ: بالتعبير الجمالي للأفارقة ] كمدخل للتنمية الإجتماعية، و قد فيهم من يتجاسر و يستغني عن التنمية الإجتماعية بـ "التنمية الثقافية"، كما كان نظام جعفر نميري في سودان السبعينيات يستغني عن التنمية بعرض صورها في معارض التنمية العاصمية" معرض الثورة الزراعية" و " الثورة الصناعية" و " الثورة التعليمية" و الأجر على الله .ـ

و في مقدمة " ملهمات الحداثة" يحيي محررا الكتاب رؤية الدكتورة "ألبرتا آرثرز "لقضية التنمية، كما عبرت عنها في مؤتمر البنك الدولي لعام 1992، المنعقد تحت عنوان"الثقافة و التنمية في إفريقيا جنوب الصحراء". و الدكتورة "آرثرز"، أستاذة الأدب الإنجليزي في جامة "هارفارد" سابقا و مديرة شعبة الآداب و الفنون في «روكفلر فاونديشن» ، هي أيضا بين خبراء البنك الدولي في موضوع التنمية الثقافية. و رؤيتها التي يتبناها كل المساهمين في الكتاب بدون استثناء، هي أيضا رؤية البنك الدولي التي يمكن تلخيصها بضرورة العمل على تثبيت الثقافة كأساس للتنمية الإجتماعية.و في هذا المشهد وردت كلمة الدكتورة آرثرز في ختام مقدمة صلاح حسن و فيليب آلتباك. :ـ
« 
صار جليا أن هناك مهمة معرفية كبيرة أمامنا، و أن هناك جهد مشترك كبير لا بد من إنجازه
، بين المحترفين الأفارقة و المحترفين الآخرين، و بين الشعوب الإفريقية و الشعوب الأخرى....في مجال الإنتاج الثقافي،...فالمؤرخون و الفنانون و المراقبون الثقافيون و المنظرون و العلماء الإجتماع و الكتاب، يقفون كلهم على قدم المساواة.إنهم يقتسمون العالم و لا يجتزئونه فيستغني فيه كل بنصيبه منه.و الحدود التي بينهم مسامية تسرّب التأثيرات المتبادلة وإنتقالتها في إتجاهين. و في هذا المعني فهناك تناقض مثير للإهتمام بين مصطلح " ثقافة" ومصطلح " تنمية".و رغم أننا درجنا على اعتبار التنمية تتوجه من الشمال نحو الجنوب، ينبغي علينا ان نفكر بالثقافة على نحو مختلف.فهي تتحرك في إتجاهات عديدة. إنها تستعصي على التوقعات و لا تذهب في إتجاه واحد".ـ و على أثر "آرثرز" يذهب صلاح حسن في مساهمته، الواردة في الكتاب تحت عنوان :ـ
The Modernist Experience in African Art,Toward a Critical Understanding


يذهب إلى الدعوة لأن يستعيد الأفارقة مبحث الفن الإفريقي من الغربيين.و يقول :ـ
« .. »
"إلى يومنا هذا، فإن دراسات الفن الإفريقي بقيت، بشكل غالب،مباحث غربية.إن الدراسات في الفن الإفريقي ظلت في إسار الحساسية الغربية و بقيت تعبر عن ردة فعل الجماليات الغربية أزاء الثقافة البصرية الإفريقية." [ص 39].ـ
و ضمن التوصيات التي يتوجه بها صلاح حسن للجهات المانحة فهو يؤكد على أن " الحاجة لتشجيع البحث و التدريب في مجال الفنون البصرية في القارة يجب أن يكون أولوية .و هناك الكثير الذي ينتظر الإنجاز في هذا المجال.و على كل حال تبقى غايتي النهائية هي تشجيع البحث و التوثيق و التنظير بواسطة الأفارقة في حقل ظل لعهد طويل تحت سيطرة غربية.فهذا سيمكن المزيد من الأفارقة من أن يتولوا أمر الخطاب الذي يعالج تاريخهم و ثقافتهم و فنونهم.و إذا قبلنا بتحرير المعرفة كخطوة نحو التحرر الحقيقي، فإن الإستجابة الضرورية تبدأ من هنا. و هذا يمكن تحقيقه عبر وسائل شتى.و الأمثلة في بناء مؤسسات فنية تلتزم بمباحث الفنون البصرية الإفريقية و تشجيع نشر الدوريات و المطبوعات الأخرى التي تركز على هذا الحقل."[ص57].ـ

هذه الدعوة لـ " قسمة العالم بالتساوي بين الافارقة و الآخرين"
« They share the world »
و التي تتبناها "آرثرز" ، تبدو كتنويع أمريكي لـ "قسمة الإكزوتية" التي طرحها "جان هيوبير مارتان" صاحب معرض " سحرة الأرض"[1989] و معرض"قسمة الإكزوتية" [2000].فقد طرح " مارتان" فكرة المساواة التامة بين الثقافات و قرر عليها أن كل ثقافة هي بالضرورة "مُؤَثْنَنَة"[من "إثنية »] و"مؤكزتة"[من "إكزوتية"] بالنسبة للثقافات المغايرة، و ذلك ليسوّغ عرض نتاج ثقافة الأبوريجين الأوستراليين أو ثقافة الأفارقة أو ثقافة هنود أمريكا على قدم المساواة في معرض واحد مع نتاج الثقافات الأوروبية المعاصرة.ـ هذه المساواة التي تسوّغ عكس إتجاه المبادرة الثقافية من الجنوب ناحية الشمال ،"هي فكرة قديمة عزيزة على "ميشيل ليريس"، الأب غير الشرعي للفن الأفريقي المعاصر. وكان" ليريس" قد أطلق ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم "النظر الراجع" لمعالجة الوضعية المذنبة للباحث الاثنولوجي المبعوث إلى المستعمرات من قبل مؤسسات السوق الرأسمالي. وفي خصوص علاقة الباحث الاثنولوجي بالدولة الاستعمارية يقول "ليريس" في كتابه "خمس دراسات في الاثنولوجيا" "مهمتنا الاثنولوجية ما هي إلا تكليف من طرف الدولة. ونحن آخر من يتبرّأ من عواقب السياسات التي تمارسها الدولة وممثلوها على هذه المجتمعات التي اخترناها نحن كموضوع للدراسة »ـ"..
يقول "ليريس" "اذا نظرنا للاثنوغرافيا كأحد العلوم التي ينبغي أن تساهم في تأسيس فكرة انسانية حقيقية، فنحن، بلا شك، نصاب بالحسرة على كون هذا العلم الاثنوغرافي يبقى آحادي الجانب. أعني أنه اذا كانت هناك اثنوغرافيا غربية تدرس ثقافات الشعوب الأخرى فان العكس غير موجود ".."و من وجهة نظر معرفية فهناك نوع من اختلال في التوازن يزيّـف منظور البحث ويؤمّن على ميلنا الاستعلائي. وهكذا تجد حضارتنا نفسها بعيدا عن متناول الفحص والدراسة الذين يمكن أن تباشرهما تجاهها هذه المجتمعات التي نجعل منها موضوعا لبحثنا ».ـ
وهكذا يبدو أمر "ليريس" في حقيقته أمر اصلاح طموح، اصلاح مزدوج يستهدف صيانة الكفاءة المنهجية للعلم الاثنولوجي مثلما يستهدف صيانة الكرامة الانسانية لطرفي الظاهرة الاثنولوجية. و في هذا المشهد يطرح "ليريس" مفهوم "قسمة العلم الاثنوغرافي" بالتساوي بين الفرقاء. وذلك في مطلع الخمسينات كما يشهد بذلك خطابه أمام "جمعية العاملين العلميين، قسم العلوم الإنسانية" والمعنون "الاثنوغرافيا أمام الاستعمار".
و فكرة "القسمة" العادلة في مشهد "ليريس" تقوم على "أن يتم تدريب باحثين اثنوغرافيين في البلدان المستعمـَرة و اتاحة الفرصة لهم كي يبعثوا عندنا في أوروبا ليدرسوا ويبحثوا في أساليب حيواتنا". لكن "ليريس" الشاعر الألمعي والمناضل التقدمي المعادي للاستعمار [الـ "واقع من السما سبع مرات"]، أدرى بأن الأمر، أمر القسمة العادلة، ليس بالبساطة التي يبدو عليها، كون مجمل العلائق بين المستعمِـرين والمستعمَرين تبقى ملغومة بواقع الهيمنة وأحكامه. ولذلك فهو يقول مستدركا "المشكلة هي أن هؤلاء البحّاث سيعملون وفق المناهج التي علمناهم إياها وأن الاثنوغرافيا التي سينتجونها تبقى أسيرة نظرتنا ومناهجنا"
Leiris pp. 106-111

Michel Leiris, Cinq Etudes d’Ethnologie, Paris, Denoël/Gonthier, 1969, p.87

أنظر نصي"من إخترع الأفارقة؟[5]،على الرابط :ـ
https://sudan-forall.org/sections/plasti ... usa06.html

لكن "صلاح حسن"و " مارتان" و "آرثرز"يتجاهلان واقع المنازعة الطبقية المعولمة التي تتحكم في ميزان علاقة القوى بين الشمال الصناعي المهيمن و الجنوب الزراعي الرعوي المقهور.هذا الواقع يكذب قسمة الثقافة كما يكذب قسمة العالم في الجذور و في التفاصيل، لأن معظم القوامين الأوروأمريكيين ومخدّموهم في دوائر راس المال المعولم يحتكرون حق هندسة قسمة العالم و يعرفون منهجها و غاياتها بدون أي شراكة ممن هم خارج طائفة أهل الحظوة الطبقية.و في هذا السياق، فالأفارقة ـ و غير الأوروبيين عموما ـ بحكم موقفهم في خانة الضعفاء ـ ليسوا في موقف يسمح لهم بنقد أو بمعارضة الفضاء المعرقن الذي يهيئه لهم القوامون الأوروأمريكيون في محافل الثقافة العالمية، مثل المؤتمرات و المهرجانات و المعارض إلخ..ـ
وفكرة "عرقنة" الثقافة الأوروبية تسوّغ لـ "مارتان" تأسيس مفهوم المساواة بين كافة الثقافات بلا استثناء، على طموح إنساني نبيل فحواه تحقيق وحدة الأعراق والثقافات المتعددة سعيا إلى اليوتوبيا العالمية [وقيل "العولمية"]. وفي هذا الأفق تكتسب كل ثقافة مشروعيتها من رغبتها في الاندغام في اليوتوبيا الأوروبية، تحت رعاية أوروبا، التي، باسم حظوتها التاريخية الموروثة من عهد الاستعمار، ترى نفسها بشكل طبيعي كصاحبة المبادرة[اقرأ "مالكة المبادرة"] ومن ثمّ فهي تعطي نفسها حق احتكار إدارة المشروع الطوباويي وتعريف
الشروط التي يتحقق على هديها.
"و ذلك تحت رعاية مؤسسات رأس المال المعولم التي تتحكم فيها بلدان دول حلف الأطلسي من شاكلة " البنك الدولي" و " صندوق النق الدولي " و خلافه. ـ




و بيكاسو الـ " توريرو" الزنجي

قلت في مقالتي[ التاسعة] أعلاه أن " جان هيوبير مارتان"، القيّم على معرض " سحرة الأرض"، حين دعاني للمشاركة في معرضه الثاني " قسمة الإكزوتية"، نصحني بالعناية بهويتي الثقافية و التحسب من مخاطر النزعة التحديثية في الفن.و ذلك ـ كما جرت عبارته ـ لأن " تبني الموقف الحداثي في التعبير يمكن أن يعتبر تقدما يعارض الظلامية و الجمود المفهومي القديم، لكن الموقف الحداثي يملك أيضا أن يعتبر فقدانا للهوية و إمتثالا للهيمنة الثقافية و , السياسية و الإقتصادية للغرب". [في خطابه بتاريخ 8 مارس 1999].و قد أوقعتني نصيحته في حرج، كوني ـ رغم مناهضتي المزمنة للمنظور الإكزوتي للفن غير الأوروبي ـ كنت راغبا في المساهمة في هذا المعرض المهم. و ذلك، من جهة أولى، لأن معرض "قسمة الإكزوتية" يمثـُل كنموذج للمناهجية[ ميثودولوجي] المعارضية الأوروبية التي خلّقت فضاء العرض بحيث يشمل الفنانين غير الأوروبيين في نوع من " رزيرف هندي" يضمن ـ في نفس الوقت ـ استبعادهم من فضاء الفن الأوروبي المزعوم " مين ستريم آرت"[ ترجم: "الفن الرسمي"].و عليه فالفنان غير الأوروبي الذي لا يقبل بمكانه في " رزيرف الفن الإكزوتي" يجد نفسه ،في " الزاوية العمياء"، خارج حقل النظر الذي يتحكم فيه الأوروبيون..أمام هذه الوضعية لا يتبقى لي سوى هامش مناورة ضيق يعوّل على قابلية الجمهور الأوروبي الواعي بالحدود العرقية في النهج الإكزوتي ، على إختراق غشاء الجمالية العرقية حتى يتمكن من الوصول للمضامين الإنسانية في عملي، و من جهة ثانية ،كنت أعوّل أيضا على تعاطف «مارتان»، القيّم الرئيس، الذي كان يعرف عملي منذ سنوات،كنت أعوّل على سماحته المناهجية في "تهريب" عملي لمساحة العرض في هذا المعرض الضخم، لكن خاب ظني و رفض قيّما العرض التنفيذيين [ « تيري برات " و "تيري راسباي"] عرض أعمالي.و أظن ـ غير آثم، أنني لست سوى واحد بين فنانيين كثيرين غير أوروبيين ، تضطرهم ملابسات تنظيم فضاء العرض الأوروبي للقبول بشروط قيّمي المعارض الأوروبيين.و في مقدمتها شرط الإمتثال للتعريف الهويولوجي للآخر.و لعل أقدم حالات مرض "الإمتثال الهويولوجوي" [ وعفوكم حتى أجد عبارة أفضل] في مشهد الفن الأوروبي هي حالة سيدنا "بابلو رويز بيكاسو" كرم الله وجهه ،الذي دأب سدنة فضاء النظر الأوروبي الحداثي على إحالته لهوية اسبانية إكزوتية خارجة من تلافيف الخيال الأكزوتي للطبقة الوسطى الفرنسية لمطلع القرن العشرين. فـ «هؤلاء الناس» الذين منحتهم الثورة الصناعية حظوة النظر المتعالي على إسبانيا، ككيان قرونوسطوي نصراني بدائي، لم يقبلوا بيكاسو كفنان حديث يمارس الرسم على منهج البحث و التجريب ،[كما بول كلي و موندريان و كاندنسكي و ماتيس ]، و إنما اختزلوه لصورة الإسباني البدائي الـ «توريرو» [ مصارع الثيران] الذي يباشر مشكلات الإبداع كما يواجه الـ " توريرو" الثور الهائج في حلبة المصارعة فيموت أو يقتل موضوعه،لكن بيكاسوا عمّر قرنا من الزمان يمارس فنه في هامش إبداعي مستضيق يحاصره حرس النظر النقدي المعرقن.و قد انسحبت صورة الـ " توريرو"ـ فيما وراء مقام الفن ـ لمقام السيرة الشخصية لبيكاسو، بالذات في جهة علاقاته العاطفية مع النساء اللواتي ارتبطن به.[ و في هذ الصدد أنظر كتاب مولانا «جون بيرجر»، صعود و سقوط بيكاسو [1965]، الذي هو، في نظري الضعيف ، من أقوى النصوص النقدية التي عالجت سيرة بيكاسو ، كفنان حديث مستوحش و محاصر بالإلتباسات المفهومية، ضمن سياق تناقض المصالح الطبقية في أوروبا مطلع القرن العشرين.ـ
John Berger,Success and failure of Picasso,
Penguin Books,1965 .ـ
و قد قبل بيكاسو دور الفنان الإكزوتي البدائي و لبّى مطلب انتليجنسيا الطبقة الوسطى الفرنسية على أكمل وجه حتى أن بحثه عن الروح البدائي انتهى به لمعقل البدائية الأصيلة في ذلك الجغب المعتم في الجمالية العرقية الأوروبية، و الذي صار يعرف بالـ «آر نيغر»،أو" الفن الزنجي"ـ
Art Nègre
على ذريعة هذا "الفن الزنجي" ، ميد إن باريس ، سعت مؤسسة القوامة الفرنسية، في مطلع القرن العشرين، لتسويغ إكتشافات بيكاسو التشكيلية البالغة التنوع ،كمجرد إحتمال في البدائية الزنجية، و ثبّت القوم في أدبيات بيكاسو أصل تيار "التكعيبية" في فن النحت الزنجي.ـ" أها، و من ديك و عيك"، إنفرض بيكاسو في مشهد الفن الإفريقي الحديث كنوع من أب غير شرعي لأجيال التشكيليين الأفارقة، [بل و أجيال الفنانين الزنوج من كل القارات]، الذين صاروا يشرعنون استقرارهم في مشهد الفن الحديث على نسَب "البدائوية" [ بريميتيفيزم] الإسبانية الحنيفة و الأجر على الله..و "قميص عامر" البدائي، الذي خاطوه في مشغل العرقية الفرنسية و فرضوه على بيكاسو ، حتى ارتضاه لنفسه، صار عملة رائجة في سوق الجمالية العرقية، حتى أن بيكاسو نفسه جاد به على الفنان الكوبي "ويفريدو لام »في واحدة من شطحاته البدائوية الرعناء، حكاها " جان لوي بودرا"في كتابه" لام الخلاسي »ـ"
(Lam Métis,Edition Dapper, 2OO1),(p.75).

، في جلسة ضمت بيكاسو مع "لام" و "ميشيل ليريس" ،قال بيكاسو لـ «ميشيل ليريس»، عرّاب الفن الزنجي الفرنسي حينذاك،:" يا "ليريس"، علّم «لام» الفن الزنجي".ـ
فقال "ليريس" أنه اصطحب "لام "و طوّف به على محلات الأناتيك و العاديات الباريسية ليريه الأقنعة و المنحوتات الزنجية التي تحمل ملامح الفن الزنجي، و التي شغف بها نفر من فناني مطلع القرن في باريس.و قولة بيكاسو الرهيبة تكشف عن كون « الفن الزنجي» يملك أن يصبح موضوعا للتعلّم، و هي قولة يمكن أن يستنتج منها أن الناس ـ على إختلاف أصولهم العرقية و الثقافية ، يستطيعون « تعلُّم» الفن الزنجي. لكن واقع الفن الزنجي في نسخة باريس يكشف عن كون فرص « تعلّم» الفن الزنجي تبقى مقتصرة على الوافدين من خارج حدود حضارة الحداثة الأوروبية.مثل «لام» الإفريقي و «بيكاسو» الإسباني و »جوزيفين بيكر » الآفروأمريكية التي كانت تدهن جلدها «الأبيض» بالسواد حتى تبدو لجمهورها في صورة الإفريقية "الأصيلة"..ـ
وبيكاسو لم يكن يخفي محبته الكبيرة لـ " ويفريدو لام"، بل كان بطريقة ما يعتبره إمتدادا لشخصه.كما جرت عبارته الرهيبة لـ "لام":ـ
لم يخب ظني فيك أبدا،فأنت رسام حقيقي، و لذلك قلت ،من أول لقاء بيننا، أنك تذكرني بشخصي ". [ الرابط :ـ
https://fr.wikipedia.org/wiki/Wifredo_Lam
ـ
حماس بيكاسو الكبير لـ "لام" يجد تفسيره في كون الرجل لم ير في "لام" سوى الفنان الإفريقي البدائي الوافد من الدغل الإفريقي.و ذلك من اللحظة التي عرف فيها أن "لام" ينحدر من أم كوبية سوداء و أب كوبي صيني الأصل.طبعا اب "لام" الصيني لا يعني بيكاسو في شيء ، مثلما أن أم "باراك أوباما" البيضاء لم تكن تعني أنصار أوباما و خصومه الأمريكان في شيئ،فالجميع نظروا لأوباما كأسود و انتحلوا له هوية الزنوجة و نأوا به عن صفته الواقعية كمواطن أمريكي من أب إفريقي "أسود" و أم أمريكية "بيضاء".، ربما لأن الشخص الهجين في خاطر القوم هو زنجي بالضرورة، ضرورة النظر العرقي الذي يصنف الناس حسب مواقعهم من اللون الأبيض، و يتعامل مع الشخص الهجين كتجسيد لإنحطاط مزعوم بصفاء مزعوم للعنصر الأبيض.و في هذا المشهد يمكنني أن أستطرد بأن نسب الصلحي العربي، أيضا، لم يعد يعني قوّامي معرضه في الـ"تيت مودرن" في شيئ.ـ
حين عُرض عمل الصلحي في صالات متحف الـ "تيت مودرن" اللندنية،2013، نظم القوّامون الفنأفريقيون إلى جانبه معرضا لفنان إفريقي معاصر من "بنين" [ ميشاك قابا]ـ
Meschac Gaba (Benin)
و معرض "قابا" كان بمناسبة إقتناء متحف الـ" تيت مودرن" لتأثيث "قابا" الموصوف بـ "متحف الفن الإفريقي المعاصر"ـ و قد كان "قابا قد وعد بإهداء عمله لمتحف التيت مودرن.و قد قام المصرف النيجيري الصاعد "جي تي بي"
G.T.B.
بدفع قيمة " الهدية " للفنان،في إطار إتفاقية تعاون مشترك بين المتحف البريطاني و المصرف النيجيري.[ للإستزادة في موضوع التعاون بين المصرف و المتحف أنظر الرابط
https://gtbank.com/corporate-citizenship ... artnership

ـ ]ـ"
و " جي تي بي" تدل على " قارانتي ترست بانك"و هو مصرف نيجيري تأسس في مطلع التسعينيات و في أقل من عشرة سنوات صار من أكبر المصارف الإفريقية. بل هو اليوم بين المؤسسات المصرفية المهمة في بريطانيا..
https://en.wikipedia.org/wiki/Guaranty_Trust_Bank

و قد نجانب الدقة لو قلنا أن مصرف الجي تي بي النيجيري إكتشف وحده المنافع المتكنزة في رعاية الفن الإفريقي المعاصر،و في صدارتها تبييض وجه المؤسسة المالية من شبهات الدنس الديني المرتبطة بتجارة المال في خاطر النفسية الدينية [النصرانية و المسلمة] السائدة، مثلما فيها أنسنة المؤسسة المالية النيجيرية التي تتضخم في مجتمع يوغل في الفقر و سوء التنمية.مصرف التي جي بي سار على درب الرعاية الفنية الواسع الذي عبّده له غيلان رأس المال المعولم في العالم الأوروأمريكي، قبل إكتشاف الفن الإفريقي المعاصر بعشرات السنين، و قبل أن يتنبه سادة إفريقيا الجدد لأن الفن يمكن أن ينفعهم في شيء.ـو الـ" روكفلر فاونديشن" و "فورد فاونديشن" و "موبيل أويل فاونديشن" و شل فاونديشن " و تويوتا فاونديشن"و " توتال فاونديشن" و"داعش فاونديشن"[ " القاعدة فاونديشن"سابقا] و غيرها من مؤسسات رعاية الثقافة الإنسانية الناشطة في مشهد الفن العالمي، ما هي سوى الطرف الظاهر من آيس بيرغ "العلاقة المحرّمة" بين عالم المال و عالم الفن .
..

لو نظرت في سيرة بعض معارض الفن الإفريقي المعاصر الكبيرة ،التي تم تنظيمها في أوروبا و أمريكا في العقود الأخيرة ،لفهمت بسهولة ما الذي يحفز هذا الراعي أو ذاك لصرف الأموال في دعم معارض الفن الإفريقي المعاصر بينما مجال نشاطه بعيد كل البعد عن محافل الثقافة الجمالية.ـ فمعرض " آفريكا ريميكس"الذي يعتبر أضخم تظاهرة فنية تعرض الفن الإفريقي المعاصر في العقود الثلاثة الماضية،ما كان له أن يقام ما لم تتضافر عليه مؤسسات الرعاية الكبيرة من وزن شركة "إي.أون"التي تبيع الكهرباء و الغاز في بريطانيا و شركة "توتال" للبترول الفرنسية، وغيرهاـ "
« e.on », »Total »,


أما معرض " النظر في إتجاهين"ـ
Looking Both Ways
الذي نظمه " متحف الفن الإفريقي بنيويورك"
Museum for African Art
فقد تعهدت برعايته مؤسسة " ألتريا"الأمريكيةالتابعة لمجموعة شركات"ألتريا قروب

Altria Group, Inc.
و التي كان اسمها في السابق[ قبل 2003] مجموعة شركات فيليب موريس
Philip Morris Companies Inc
أكبر شركات إنتاج و تسويق التبغ في العالم . ـ
و حسب مركز الشفافية في العمل العام
Center for Public Integrity
فقد أنفقت أ"لتريا"بين 1998 و 2004 مبلغ 101 مليون دولار على جماعات الضغط للتأثير على سياسة الولايات المتحدة بصدد التبغ.و هذا الجهد المالي يجعل من لوبي "ألتريا" ثاني أكثر اللوبيات نشاطا في الولايات المتحدة.و من بين مناشط مجموعات الضغط التابعة لـ " ألتريا » نجد تحالف تقدم الساوند سايانس، الـ
The Advancement of Sound Science Coalition
التي نشطت كجماعة ضغط علمية لتفنيد حجج مؤسسة« الإتفاق العلمي» حول تأثير الإنسان على التحولات المناخية
scientific consensus on anthropogenic climate change.
.
و قد يتساءل الناس عما يجعل شركة"ألتريا"للسجائر تهتم بالفن الإفريقي المعاصر؟
لا أستبعد أن يكون لـ "ألتريا" خططا لتسويق تبغها وسط الأفارقة في المستقبل البعيد، لكن إهتمام "ألتريا" الراهن بالفن الإفريقي المعاصر و دعمها لمتحف يعمل من أجل الفن الإفريقي يبدو كمحاولة لتجميل وجه الشركةالتي تسوق منتجا سيئ السمعة [ سرطان الرئة و الحلق] وسط الأمريكان و الأوروبيين.و إختيار "ألتريا" للفن الإفريقي المعاصر يمكن فهمه بالطبيعة المستجدة لهذا الفن الذي لا يعرفه أحد، بما يجعل من الفن الإفريقي المعاصر أرضا بكر يمكن لألتريا أن تنال فضل تقديمه و إحتكار صورة المحسن الأكبر بين جمهور الفن الإفريقي في العالم الأوروأمريكي.

و قد بلغ الأمر بالحكومات، في المجتمعات الأوروأمريكية حد سن القوانين المالية التي تمنح إعفاءات ضريبية و تسهيلات إجرائية و جمركية كثيرة للمؤسسات التجارية التي ترعى الفنون، ربما لأن الجميع تنبهوا لحقيقة الممارسة الفنية كمكون هام في تدعيم الـ"سوفت باور"[ السلطة
الناعمة؟] التي لا يستغني عنها أي ضالع في صراع السلطة و الثروة في العالم المعاصر.ـ

.[ للإستزادة في موضوع الإعفاءات الضريبية لمدة خمسة سنوات، التي تمنحها الدولة الفرنسية للمؤسسات التجارية و للأفراد الذين يشترون الأعمال الفنية من الفنانين الأحياء و يتعهدون بعرضها في محل عام لخمس سنوات. انظر الرابط
https://www.legifrance.gouv.fr/affichCo ... e=20080212

].ـ

و هذه فولة تفيض عن سعة مكيالنا الراهن الذي نباشر به تأثير مؤسسات رعاية الفن الإفريقي المعاصر على تطور فن الأفارقة. و هو موضوع طويل متشعب الأطراف يستحق أن نخصص له مبحثا مستقلا..ـ

سأعود
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »

سلام للكل

السؤال الذى شيبنى.. ماذا يستفيد الغرب من تطور افريقيا الثقافى والعلمى؟
طبعا الجنة ووجه الله والحور العين.. دى كلها ما واردة.
Freedom for us and for all others
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الجنة و وجه الله و الحور العين، نسخة الغرب

مشاركة بواسطة حسن موسى »




كتب محمد عثمان أبو الريش



"السؤال الذى شيبنى.. ماذا يستفيد الغرب من تطور افريقيا الثقافى والعلمى؟
طبعا الجنة ووجه الله والحور العين.. دى كلها ما واردة. »ـ

سلام و نيخاو يا محمد عثمان
و الله متابع دريبات المناقشات العويصة التي فتحتها أمامنا في خيوطك الأخيرة ، مثل خيط "حرب الآثار" الفرعونية السودانية بين مصر و قطر ، ثم خيط "حرب حلايب" و ما كان من أمر السيادة الوطنية السودانية التي تسوّغ عليها يا صديق ـ حسب ما فهمت ـ التحالف مع نظام الصيارفة الإسلامجية في الخرطوم ضد نظام الصيارفة العلمانجية في القاهرة، يعني ما فضل ليك إلا " حرب مياه النيل" و "حرب الفواكه المصرية الملغومة بفيروس الإيدز"،أو " حرب تجارة أعضاء السودانيين في مستشفيات مصر إلى آخر الحروب الغبية التي تترصدنا في ثنايا جيوبوليتيك الشرق الأوسط ،[إقرأ "الشرق الأهبل" و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه].. فترفق بنا يا صديق ينوبك ثواب و أجر من عنده .أقول :خيوطك جبارة لكن و الله "شهرين سجن ما فاضين"، و زحمة المشاغل تجعلني أكتفي بموقف المسوّف الذي "يراعي ساكت" حتى يفتح الله علي بفجوة في حائط الأولويات المتراكمة ليل نهار فأنفذ منها إليها.و أنا أتوقف هنا ـ في عجلة من عجلات الشيطان إياها، عند سؤالك في دوافع الغرب[ترجم : منظومة دول حلف شمال الأطلسي، "ناتو" أو العالم الأوروأمريكي و يمكن أن تضيف عليها الصين و روسيا و اليابان و غيرهم من المجتمعات المصنعة التي لا تستغني عن بترول الأفارقة و غازهم الطبيعي و ثرواتهم المعدنية والزراعية و الحيوانية و مواردهم البشرية و منافعهم الإستراتيجية التي لا تحصى]. أقول : أتوقف عند سؤالك عن عناية " الغرب" بتطور إفريقيا الثقافي و العلمي الذي هو في عمق مناقشتنا التي تتوسل لعقلنة إشكالية الثقافة و التنمية في مجتمعاتنا بوسيلة النظر النقدي في ظاهرة الفن الإفريقي المعاصر الذي يقوم عليه قوّاموا "الغرب" البواسل بينما الأفارقة مشغولين بحروباتهم الرعناء. طبعا " الغرب" لا يطمع في " الجنة و وجه الله و الحور العين" و أنت أدرى .. " الغرب" يطمح لدمج مجتمعاتنا في آلية السوق الرأسمالي بشكل نهائي حتى يتسنى للقلة المهيمنة ـ بجاه رأس المال أن تواصل مراكمة الإمتيازات المادية و الرمزية على حساب ال99 في المئة من سكان العالم. و هو لا يتورع عن استخدام القوة المادية [الجيوش] و القوة الرمزية الـ " ناعمة"، [ سوفت باور] ، بسبيل بلوغ الهيمنة الشاملة على المجتمع العالمي.طبعا كل هذه التفاكير فايتة أضانك من زمان ، لكني يا صديق بصدد الكيفية التي يمنهج بها القوم فعاليات الـ " سوفت باور" في مشهد الفن المعاصر الذي ينوبنا منه حظ الـ " فنأفريقانية" المريبة التي ألبسونها إياها كما يُلبَّس المجنون قميص الـ "كاميزول" الذي يمنع الحركة. و لا بد أنك لاحظت أن هذا الخيط الذي بدأ في تفاصيل حركة التشكيل السودانية التي تخص ظاهرة فنية محلية مثل "مدرسة الخرطوم" قد تطور لتفاصيل حركة "الفن الإفريقي المعاصر" التي تتخلق في مشهد العولمة الذي يمسك بأزمّة الفوضى فيه حرس رأس المال الذين هم أبعد ما يكونون عن هموم الأفارقة و أولوياتهم الحياتية .و غاية مكاتيبي هي تمليك الناس مفاتيح فهم هذه العلاقة المركبة المتخلقة بين المحلي و العولمي، و هي شغلانة عامرة بالمزالق و أنواع التلاف المفهومي.ـ.
غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة و يولي الأصلح و كذا..
سأعود. ـ
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رسالة لسيدريك فانسان

مشاركة بواسطة حسن موسى »



//////
رسالة إلى " سيدريك فانسان"
إيميل بتاريخ 4 فبراير 2004

سيدريك فانسان" باحث ،[دكتوراة في أنثروبولوجيا الفن المعاصر]، يعمل بالتدريس في مدرسة الدراسات العليا في العلوم" الإجتماعية بباريس
EHESS
و في مدرسة الفنون و التصميم بـ "تولون
Toulon
"
هذه الرسالة طرف من مراسلات حول الفن الإفريقي المعاصر، ظلت ممتدة من 2001 حتى اليوم.و لو تسنى لي براح فسابذل ترجمتها العربية هنا حتى تعم الفائدة. .

…...................................


عزيزي سيدريك
شكرا على ملاحظاتك الشيقة في موضوع إلتباسات العلاقة بين الفنانين و القوامين.و أظننا نحتاج للكثير من العبر حتى نعرض التركيب الكبير لهذه العلاقة التي تعكّر مشهد العلاقة التقليدية للفنان والـ" كيوريتور". و هي علاقة صارت ـ مع كل معرض جديد ـ موضوعا للإختراع من طرف
القوامين أكثر مما هي عليه في طرف الفنانين .ـ
لاحظت، منذ فترة،أن من يتحدثون عن علاقة القوامين و الفنانين في فرنسا، يستخدمون عبارة كيوريتور"، [في رسمها الإنجليزي] :ـ"
« curator »
أكثر من عبارة "قوميسيرالمعرض" :ـ
« Commissaire d’exposition »
و لا أدري إن كان هذا الميل ينفهم بسطوة التعبيرات الإنجليزية في الخطاب الثقافي الفرنسي أم هو تعبير في طبيعة علاقة القوى التي تجمع القوّام و الفنان، في زمان صار البعض يزعمون فيه أن مركز الفنان صار في متناول الجميع، أو كما جرت عبارة للفنان الجنوب إفريقي "كنديل جير" »صار هناك فنانون أكثر مما يلزم ".ـ [أنظر جير في كتالوغ معرض "النظر في إتجاهين" و مجلة "تيليراما" عدد 27 سبتمبر 2002].ـ
Kendell Geers dans le cataolgue de Looking Both Wyas et le Télérama du 27 Septembre 2002
أقول قولي هذا و أنا مدرك أني لا أملك الوقت الكافي و لا الأدوات اللغوية المناسبة للخوض في التفاكير التي يستدعيها المصطلح لكني لمست في عبارة «كيوريتور» أنها تسوّغ لمن يتلبّسها نوعا من سلطة مادية و معنوية على الأشخاص الذين يقعون في طائلة عنايته.ـ بينما الـ «قوميسير» تحيل صاحبها لمقام التكليف الإداري، لأن الـ "قوميسير" هو، المُكلّف و المأمور و المنظّم أو المنسّق المُعين من قبل سلطة أعلى ليتولى تنظيم التبادل بين أكثر من جهة..يقول المعجم الفرنسي [ روبير ] أن الـ"كيوريتور"
Le curateur
عبارة ذات محمول قانوني تعرّف الشخص المكلف بالوصاية على القاصر أو الشخص مختل العقل وإدارة شؤونه و رعاية مصالحه.
« la personne qui a la charge d’assister un mineur émancipé dans certains actes, d’administrer les biens ou de veiller aux intérêts d’ue autre personne – spécialement : « Curateur à la personne d’un aliéné » (Petit Robert)..
و يحضرني تعريف طريف للممثل أطلقه مخرج سينمائي معاصر للممثل [ أظنه لارس فون تريار]، قال فيه " الممثل هو مثل أنبوب اللون، تعصره فيخرج اللون من رأسه .و أظن أن الفنان المعاصر انمسخ لأنبوب لون في يد القيّم الذي صار فنانا. ذلك أن القيّم الذي ينظم معرضا لفنان فرد، يجد نفسه بالضرورة في علاقة ثنائي متكافئ الأطراف. داخل هذه العلاقة فالقيّم يفاوض و يحاور نديده.لكن نفس القيّم، حين ينظم معرضا جماعيا فهو ينمسخ ـ بجاه السلطة الإدارية التي يخوّلها إياه الراعي ـ إلى نوع من حكم يتعالى على جملة الفنانين موضوع تنظيمه.إنه كما الإله الصغير،لا شريك له ، و من علياء حظوته يملك ـ لو شاء ـ أن يعلن نفسه فنانا خامته الفنانين المتوفرين طوع بنانه، دون أن يتجاسر أي منهم على انتقاده بخلط الأدوار. و اليوم حين أتأمل في مواقف عدد من القوّامين المعاصرين أجدهم مرتاحين في وضعية الفنان.بل هم فنانون حقيقيون بحكم إنفرادهم بالسلطة داخل فضاء العرض. و في هذا المشهد فقد صارت القوامة على المعارض عند البعض نوعا فنيا جديدا يتقدم مقنعا بقناع "الفن الإفريقي ؟" زهيد الثمن. لقد صار في إمكان القوامين اليوم أن يصنعوا الفنانين و أن يعرفوا لهم فئاتهم المفهومية و موضوعاتهم و مهامهم و شروط ممارساتهم.بل هم يملكون ـ حسب الميزانية ـ أن يجتذبوا النقاد و المؤرخين الذين يقبلون " اللعبة"، و في الغالب يقبل الجميع "اللعبة" [ و لا أستثني شخصي] و الرزق على الله. و وسط هذا البازار الكبير لا أحد يسائل المشروعية الفكرية و الأخلاقية و السياسية التي يسوّغ عليها قوّاموا الفن المعاصرين صفة منظمي العالم التي انتحلوها لذواتهم . ـ
لكن إن كان القيّم يخلق الفنان من عدم [ تقريبا] فمن يخلق القيّم؟.ـ
يقول المثل الفنأفريقاني غير المعروف :ـ
Enwezor knows better !
[ ]ــ
«  أوكيوي إنويزور"، لمن يجهلونه ،هو منظم معارض نيجيري،ولد في شرقي نيجيريا 1963 و سافر إلى نيويورك في 1983 ليدرس العلوم السياسية في «  جيسي سيتي ستيت كوليج »،له كتابات نقدية في الفن و الأدب.و هو ـ مع صلاح حسن و شيكا أوكيكي ـ من مؤسسي مجلة
NKA
"إنكا"للفن الإفريقي المعاصر و فنون الدياسبورا" التي كانت تصدر عن "مركز أفريكانا" بجامعة كورنيل.[ نيويورك].ـ،
و قد اختارته لجنة معرض "دوكيومنتا" الألمانية ليقوم على معرض «دوكيومنتا 11» في عام 2002، بعدها نظم عددا من التظاهرات و البيناليات المهمة مثل بينالي البندقية لعام 2015
و إنويزور يمثل اليوم كمنظم المعارض الإفريقية الأكثر شهرة في مشهد الفن المعولم.ـ
][
"
في المحاورة مع "ديريك كونراد موراي
Derek Conrad Murray
التي نشرت في مجلة "إنكا"رقم 18، عام 2003
NKA N°18, 2003)
يجيب "أوكووي إنويزور" على التساؤلات حول علاقته مع رعاة الـ "دوكيومنتا 11 »[و هم بين مؤسسات تجارية كبيرة من وزن شركة الإتصالات "تيليكوم" و "فولكسواجن"ـ
(Telekom et Volkswagen)
و يحاجج ـ بطريقة" لننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب" ـ لكن خصومه مثل " مايكل كيميلمان" و"بليك قوبنيك"،ـ
Michael Kimmelman , Blake Gopnik
يؤاخذونه على كون معرض الدوكيومنتا 11 صار أدخل في نوع "التمرد الأنيق"أو"التمرد الذي ترعاه الدولة"ـ
و نقدهما الاساسي يتركز على التناقض بين المزاعم التحررية الثورية لمشروع يهدف للتغيير الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي و الدعم المالي للمشروع الذي يأتي من مؤسسات و شركات هي في قلب النظام الإقتصادي الرأسمالي المذنب.و فوق ذلك يزايد نقاد إنويزور عليه بكونه جاحد بنعمه اليد التي تطعمه .ـ
ماذا يقول إنويزور؟
«ليت العالم كان بمثل هذه البساطة »
" لا نحن سذّج و لا نحن أغبياء ، وعندما يتعلق الأمر بحقيقة إنجاز مشروع في ضخامة الدوكيومنتا فلا بد من التساؤل : من أين يأتي المال إن لم يكن من الدولة و البيوتات التجارية الراعية؟لنكن واقعيين.فنحن نحيا في العالم الواقعي. و السؤال هو : »أنظرواإلى ما استطعنا إنجازه ».من جهة، هم يشتكون من أن المعرض سياسي و من الجهة الأخرى، فهم يشتكون من كون الدعم المالي للمعرض يأتي من طرف الرعاة التجاريين.و هذا حديث لا معنى له. »ـ
(NKA N°18, 2003)
و انويزور محق لكن نقاده محقون أيضا حين يشيرون لغياب المعنى في هذه الشراكة الغريبة بين الأضداد : من جهة جماعة " المحسنين الخيرين "[ بما فيهم من قوّامين و فنانين]، مقابل جماعة الـ " أشرار" المكونة من رجال الدولة الإمبريالية و الرعاة الأثرياء الرأسماليين. و ليس هناك حكمة أنجع من حكمة الحكاية الإفريقية المعروفة ـ [ في ظلمة الليل الإفريقي البهيم فكل حكمة ناجعة هي إفريقية بالضرورة]. و هاكها ـ إن لم تكن قد سمعتهاـ
 :ـ قالوا أن أهل قرية عهدوا إلى أحكمهم و أسنهم مهمة القضاء بين الناس، و الحقوا بخدمته شابا توسموا فيه الفطنة و علو الهمة ليساعده.و في أول قضية وجد القاضي الجديد نفسه أمام رجل يدافع عن حقه ببلاغة نافذة حازت إعجابه. فما كان من القاضي إلا أن عقب على مرافعته بقوله :ـ "يابني فعلا أنت على حق ».لكن الطرف الثاني في القضية دفع بمرافعة سديدة أنفذ في بلاغتها و حسن منطقها،و لم يملك القاضي إلا أن يقول له :ـ "فعلا يا بني أنت أيضا على حق ». و هنا سارع مساعد القاضي و احتج : ـ "لكن يا مولاي القاضي لا يعقل أن يكونا، كلاهما على حق ".فالتفت القاضي العجوز نحو مساعده و قال له : ـ "فعلا يابني أنت أيضا على حق". . ـ
. و هكذا ، فإنويزر، الذي يعرف أن نفقات إقامة معرض في ضخامة الدوكيومينتا لا يمكن أن تخرج من جيوب الفنانين الثوريين الراغبين في تغيير العالم و إنقاذه من فساد رأس المال. يعرف أيضا أنه يمكن أن يطلب المال من الرأسماليين لتمويل معرض ضخم للفنانين الثوريين الفقراء الذين يتوعدون العالم بالتغيير على نفقة الأغنياء المذنبين.ـ
ترى ما الذي يحفز أثرياء العالم عل الإنخراط في مغامرة الإلتباس المفهومي التي يعرضها عليهم إنويزور؟ طبعا نحن الفنانون الفقراء نتمنى لو أن الإمبرياليين صاروا كلهم نمورا من ورق، ونحلم لو أن الأثرياء تبلّدوا وفقدوا المقدرة على تمييز مصالحهم، أو قل أدركهم وباء الإنتحار أو أنهم ماتوا من الإكتئاب و الإحساس بالإثم من جراء مراكمة الأموال التي يقال أنها لا تصنع السعادة و غير ذلك من كلام الشعراء. لكن إنويزور يراهن على حصانين يجريان في إتجاهين متعاكسين.فهو، من جهة أولى ، يعوّل على فطنة المستثمرين الأثرياء الذين يعرفون أن قيامهم بعرض الفنانين المعاصرين ـ و لو كانوا من أشد الناس تطرفا في ثوريتهم ـ هو عمل بلا مخاطرة سياسية حقيقية، لأن صفة " الثورية" في الفن، صارت اليوم ماركة تجارية[ "ليبل" و "لوغو"] مثل غيرها من علامات التجارة المفهومية التي يدبر شؤونها سدنة صناعة الثقافة المعولمة. فضلا عن كون الفن المعاصر نفسه ، كممارسة مقتصرة على الفصيل المحدود من أهل الحظوة الثقافية البورجوازية، هو ،في نهاية التحليل، لا يلمس القطاعات الشعبية الواسعة التي يمكن أن يحفزها الوعي الثوري على التمرد و تهديد مصالح القلة المهيمنة على مقدرات العالم. و من جهة ثانية فإنويزور يراهن على الإستثمار العاطفي البدائي لجمهور فني أقعدته الهزائم الرمزية الكبيرة لفترة ما بعد الحرب الباردة في وهدة اليأس الآيديولوجي فزهد في حلم التغيير الثوري الذي راج في القرن العشرين وأصبح يتحرى العزاء في الشرارات الثورية المعقّمة التي تضيئ أركان المعارض المعولمة الكبيرة التي تدفع نفقاتها دوائر رأس المال متعددة الجنسيات.في هذه المعارض الـ " ثورية" الفارهة يقف إينويزور و شركاه في موقف كهنة الديانة المعولمة الجديدة ، وذلك على حد المدلول الديني النصراني القديم لعبارة الـ "كيوريتور" الذي يعرف الشخص الذي يساعد القس أو الكاهن في إنجاز شعائر العبادة.ـ
و هكذا فـإنويزور أبعد ما يكون عن حال الجاحد الذي يعض اليد التي تحسن إليه، لأنه عارف أن هذه اليد لا تمنح إلا ما عزمت هي على منحه من فتات، و على أساس "طلب" هي التي تعرّفه من واقع إحتياجها. ذلك أنها يد مهيمنة تضبط " العرض" كما تضبط " الطلب" في نفس الوقت.إنويزور الذي يعرف كل هذا ينحني و يلتقط" قشرة الموزة المعفنة" و يأكلها و هو حامد شاكر لكرم رعاته الأماجد [ أنظر أحاجي موز الفنأفريقانية في الخيط" حسن موسى في معرض آفريكا ريميكس"، على الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... f864871d19
]
و بعدها يلتفت ناحية جمهور المعرض و يخاطبه بقوله : » لنكن واقعيين" ، بيضة في اليد اليوم أفضل من دجاجة موعودة في الغد . [ هذا مثل مغربي حقيقي].و لا يملك الجمهور إلا أن يصفق معجبا بقدرات ههذا الحاوي الذي تمكن من تجميع هذا العدد الكبير من الفنانين غير الأوروبيين و عرض أعمالهم في تظاهرة عالمية في أهمية الـ " دوكيومنتا 11 ».ـ
و من جهة أخرى تبقى حجة منتقدي إنويزور ، على بساطتها الكبيرة، صالحة بعناد غريب.فهؤلاء القوم هم ثوريون و طوباويون ورومانسيون لا يقيمون إعتبارا لمعطيات الواقع الموضوعي و خلافه،[ في "وخلافه" يمكن إدراج صفة " و عنصريون" ، بالنسبة لبعضهم، ممن نوّهوا بالأصل العرقي لشخص إنويزور بأسلوب يفتقر للبراءة]، فضلا عن كون صعود إنويزور، الأسود الإفريقي،الذي يظل في نظر الكثيرين شخصا غريبا على عالم الفن ـ[ أظنه وفد من مجال الدراسات الإقتصادية للتحقق]،لإدارة الدوكيومنتا مازال يدهش أو/و يستفز الكثيرين.ـ
المهم يازول، أظن أن حجة منتقدي إنويزور الـ "ثوريين" صالحة لأنك لا يمكن أن تكون ثوريا و رأسماليا في نفس الوقت.فما العمل؟إن النتيجة المنطقية للموقف الأخلاقي المزعوم هي إدانة كل التظاهرات الفنية التي ترعاها المؤسسات الرأسمالية العابرة للجنسيات و الدول الإمبريالية.و هذا الموقف يعني إدانة مجمل التظاهرات الفنية للقرون الماضية بذريعة كونها تظاهرات فنية استبعدت المضطهدين و الثوريين لأنها تمت في حضن آيديولوجيا الطبقة البورجوازية المهيمنة.مشكلة هذا التحليل هي في كونه يزكي ـ في الغالب بلا نقد ـكل أطروحات الهامش أو ثقافة " تحت الأرض"[أندرغراوند"].أو " الثقافة المضادة" بوصفها فنا " بديلا"[ ألتيرناتيف"]، أو " ضد"[ كاونتر] «  الفن الأصلي"، أو " الفن الرسمي" الذي تتبناه آيديولوجيا الطبقة المهيمنة.مشكلة هذا الفن " المضاد" هي في كونه يعرّف نفسه بالنسبة لـ " الفن الرسمي". و هكذا تخلص " الطليعة"لأن تصير "مؤخرة" لأن الطموح السري لكل حركة طليعية هو أن تحتل محل الفن الرسمي و تنتحل لنفسها الإعتراف الذي يتمتع به.و في هذا المشهد أتساءل عما حفز هؤلاء النقاد " النزهاء"لزيارة معرض الـ "دوكيومنتا11 «؟.و ما هي الصحف التي كلفتهم بتغطية الحدث؟و بمناسبة الصحف، هل هناك صحيفة تملك أن تفلت عن طوائل سلطات رأس المال في عالمنا؟هل هناك فرقة ناجية من رقابة " بيغ بروذر" القائم على سوق النشر و الأعلام العالمي؟.ـ
لقد قلت أعلاه بأن كل من طرفي هذه المنازعة على حق و على غيره في آن.لكني أنا بدوري " على حق".كيف؟لأن كل تاريخ الفن المعاصر فالت بالضرورة عن منطق الحق و الباطل لأنه ظل يتخلق خارج منطقة العقلانية الأخلاقية.و لتفهم هذا التاريخ يلزمنا تفحّصه من ناحية سوسيولوجيا السلطة، لأن قابلية السلطة على البقاء تتخلق خلال إعادة إنتاجها للبدائل المواتية لإستمراريتها و القمينة بإعتراض سبيل البدائل الحقيقية التي قد تتمخض عنها حركة المجتمع في واقع الصراع الطبقي .و اليوم نجدنا أزاء سلطة معولمة تخترع ثقافتها الخاصة و تسميها "الثقافة" مثلما تخترع ثورتها الخاصة و تسميها " الثورة".و في نظري فتاريخ الفن["الإفريقي؟"] المعاصر هو في حقيقته تاريخ السلطة المعولمة حين تتملك فضاء الفن الـ "إفريقي" المعاصر باعتباره واحدة من روافع الهيمنة الثقافية.هذه السلطة الثقافية المعولمة هي التي تعرّف ما هو فن و ما هو " لافن"أو ما هو " ضد الفن". السلطة الثقافية المعولمة تبتلع كل شيئ و تجتر الـ " بدائل" الثقافية حسب أولويات بقاءها.ـ
ما العمل؟ و كيف الخروج من هذه المتاهة و نحن لا نملك سوى الخرائط الزائفة التي فبركتها لنا السلطة المعولمة؟ هل نهجر الفن حسب ما عرفته لنا سلطات العولمة؟أو نهجر الفن في مبدأه جملة و تفصيلا؟و هل بالإمكان هجران الفن فعلا؟ و هل الأزمة الأخلاقية المعاصرة التي تلغم الفن المعاصر هي فرصة أمام الفنانين الذين مازالوا يعتقدون في الفن كوسيلة خلاص ؟أم هي بشائر هزيمة خرافة"الفن" [ على نهج الهزائم الحضارية الكبيرة التي انتظمت تاريخ الإنسانية مثل هزيمة خرافة السحر و هزيمة خرافة الدين و هزيمة خرافة الثورة إلخ] ؟ مندري؟ لكني زاهد في موقف الإختيار الجبري بين إنويزور الذي يستجدي مال الدوكيومنتا من جهة و نقاده الذين يكتبون في صحف " وول ستريت" من الجهة المعاكسة.و سأظل أبحث عن "دريب قش" مغاير.ـ
سيدريك، ما زال هناك الكثير من الأسئلة في موضوع الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالفن[ الإفريقي؟] المعاصر و أظن أن من الجور أن ننتظر الإجابة من طرف الفنانين وحدهم، مثلما أظن أن من الجور أن ننتظر من الأفارقة وحدهم ان يقدموا الإجابات الناجعات لأسئلة الأزمة الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية المركبة التي تعصف بمجتمعات القارة .ذلك أن كل هذه الأسئلة المعقدة المتشعبة تتجاوز حدود الفن المعاصر مثلما هي تتجاوز حدود القارة الإفريقية.و مثلما يحلم الأوروبيون بوحدة أوروبية فالأفارقة أيضا يحلمون بـ " الولايات الإفريقية المتحدة" و هم على يقين من أن حلمهم لن يتحقق بدون عون سخي من طرف الإتحاد الأوروبي.طبعا لا يخطر ببال الأوروبيين ، و هم فين في غمرة إنشغالهم بالحلم [أو الكابوس؟] الذي تجسده وحدة أوروبا، لا يخطر ببالهم أن وحدتهم الأوروبية لا يمكن أن تتحقق بدون تضامن الأفارقة مع الحلم الأوروبي.و يوم يتسنى للأوروبيين أن يعوا هذه البداهة، بداعة صناعة التضامن بين الشعوب، ربما أمكن لنا أن نخوض في سيرة الأزمة الأخلاقية للفن [ الإفريقي؟] المعاصر.
مع خالص الود
حسن
4فبراير2004
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »


سلام يا حسن
ااسف ان كانت كتاباتى خالية من الرفق.. وكنت وما زلت اعتقد ان للمجتهد أجر إن أخطأ وأجران إن أصاب.. ,أكيد سوف اراجع هذه المقولة ثم أتصرف وفق النتيجة.
Freedom for us and for all others
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و "مدرسة كمالا"..

مشاركة بواسطة حسن موسى »




و " مدرسة كمالا"ـ

قلت في خيطي عن استاذتنا كمالا اسحق أن سماحة كمالا الجمالية ألهمتها المحافظة على موقع وسطي يجعلها على مسافة شبه متساوية من جملة الفرقاء المتنازعين في ساحة التشكيل السوداني.بل هي تمثل اليوم ، عبر كتابات و تعليقات الكثيرين على معرضها و على شخصيتها، كما لو كانت مخلّصة يسوعية بعثت بها العناية لتخلص التشكيليين السودانيين من شقاقاتهم المتناسلة عفو الخاطر. لكن الوقوف في موقف " السماحة المفهومية " يملك في بعض الحالات، بالذات في مثل حالة كمالا التشكيلية الواقفة بين فئات الخرطوميين و الكريستاليين و الإسلامانيين و الماركسيين و الهلمجرّاوين ،يملك أن يموّه، تحت غشاء المجاملات السودانية المألوفة، إما كيدا عاليا في فنون البقاء ،أو لا مبالاة غامرة تجاه كل الهرج و المرج الدائر من حولها بينما هي عاكفة على حكّ و جوهها العديدة مستغنية بها عن سواها. و أعرّج ـ هنا ـ على سيرة كمالا بناءا على الإضاءات النقدية العديدة التي صاحبت مساهمتها في معرض «  مدرسة الخرطوم » الشارقي.ــ

في معرض "مدرسة الخرطوم" الذي نظمته "مؤسسة الشارقة للفنون" في 2016 و أشرف عليه الصديق صلاح حسن الجرّق عرضت كمالا مجموعة من أعمالها " الحروفية الإسلامية" كقرينة على إنتماء مزعوم لتيار " مدرسة الخرطوم" في نفس الوقت الذي عرضت فيه "ندوة في مكعبات زجاجية" كقرينة على إنتماء مزعوم آخر للمدرسة " الكريستالية".و أنا أستبعد " الإنتماء" المزعوم" تجاه تيار "مدرسة الخرطوم" مثلما أستبعد الإنتماء الـ "مدعوم" تجاه تيار " المدرسة الكريستالية"، لأني لا أصدق أنتماء كمالا لمدرسة الخرطوم أو لمدرسة الكريستاليين أو لأي مدرسة أخرى. و ربما ساغ لي عقلنة موقف كمالا ،التي ارتضت صفة " الفنانة الكريستالية"ـ و لو شئت قل مع القائلين:"الفنانة التي أسست المدرسة الكريستالية" مثلما ارتضت ، في السابق، صفة فنانة " مدرسة الخرطوم » من باب «  البحر لا يبالي بالزيادة و لا بالنقصان"، و شرحها أن كمالا لا تبالي باي صفة يوصفونها
طالما الرزق جاري و الأجر على الله، و ذلكم موقف يمكن أن نطلق عليه «  مدرسة كمالا ».و ذلك لأني أعتقد أن كمالا ، في وحشتها المفهومية الكبيرة،آثرت السلامة ، مرة مع رهط " مدرسة الخرطوم" و مرة مع رهط الكريستاليين. و موقف إيثار السلامة عندها يكشف عن التعقيد الكبير الذي يلف تجربتها. فكمالا وجدت نفسها ،من جهة أولى ، جهة ناس مدرسة الخرطوم،، وجدت نفسها في محيط مفهومي يهيمن عليه غيلان "مدرسة الخرطوم" المدعومين من طرف السلطات السياسية المحلية مثلما هم مدعومون من طرف السلطات الثقافية الدولية.و في هذا المشهد فهي لم تغامر بمواجهة رواد "مدرسة الخرطوم" في الأرض التي يتكشف لها فيها الحد المفهومي لمدرسة الخرطوم كخيار وطنوي و ذكوري بطرياركي ، و هو الحد الذي تبدأ فيه تجربتها الفنية المغايرة كفنانة طورت عملها المتفرّد باستقلال عن المزاعم الجمالية العربية الإفريقية التي يدافع عنها سدنة " مدرسة الخرطوم" . و من الجهة الثانية ، جهة " الكريستاليين" فكمالا انتهزت سانحة نادرة تمثلت في دعوة تلاميذها الشباب الذين هيّأوا لها مخرجا مشرّفا من ضيق "مدرسة الخرطوم" التي فقدت كل جاذبيتها المفهومية و السياسية تحت حركة النقد التي تمت في السبعينيات و التي ساهم فيها أعضاء المدرسة الكريستالية بشكل غير مباشر.و في نفس الوقت لم يكن بوسع كمالا ، "أستاذتنا"،الإقتراب من حركة عصابة "العصاة" التي جمعتنا ـ نحن تلاميذ كمالا في قسم التلوين ـ مع بولا و هاشم صالح و باردوس و اب سفة و الباقر و النور حمد و محمود عمر و علاء الدين الجزولي و كوثر إبراهيم و أحمد البشير الماحي و عمر الأمين، و بابكر كنديو و أحمد سيد أحمد و خلف الله عبود و دار السلام عبد الرحيم.ربما لأن حركتنا كانت موصومة سياسيا بقربها ، الحقيقي أو المزعوم ، من حزب الشيوعيين السودانيين. و هي وصمة كانت ، في الزمان " النميروي"،، مما ينفـّر "العقلاء" عن الإنخراط في دروب التهلكة السياسية الأكيدة.و أذكر أن بولا كان ـ في ثرثراتنا ـ يشبّه إنخراط كمالا في «مدرسة الخرطوم» بـ "عربية الفرملة" التي تتبع القطار الذي يسحبها بدون إرادة مستقلة.ذلك أن كمالا لم تبد حماسا حقيقيا للإنتماء لمدرسة الخرطوم مثلما هي لم تنف أبدا إنخراطها في "مدرسة الخرطوم" حين يوصّفها آخرون بهذا الإنتماء. لكن يبدو أن كمالا "الكريستالية" وجدت ضالتها في درب " الكريستالية" الذي جرجرها إليه محمد شداد و نايلة الطيب و الدرديري فقبلت أن تمهر " البيان الكريستالي" باسمها و راق لها أن تغمر تلاميذها بنوع من أمومة تقريبية، مفهومية و تقنية، جعلت منها فنانة كريستالية قبل ظهور الكريستالية نفسها.أو كما عبرت ، أكثر من مرة ،بأن لوحتها " ندوة في مكعبات زجاجية" تجد اصلها في تجربة تأملاتها لإنعكاسات وجوه النساء على زجاج مترو الأنفاق اللندني حينما كانت طالبة تدرس الفنون في الكلية الملكية في لندن في سنوات الستينيات. و رغم أن معظم طلبة قسم التلوين من تلاميذ كمالا ،لا يجهلون أن لوحتها «  ندوة في مكعبات زجاجية » قد نفذت في منتصف السبعينيات , ـ كان ما نخاف الكضب ـ في الفترة التي سايرت فيها كمالا تيار الكريستالية الوليد، إلا أن هذه اللوحة صارت ـ بقدرة قادر ـ نوعا من الأثر التأسيسي للمدرسة الكريستالية.و ذلك بجاه الأدب الجائر المتأخر الذي صاحب معرضها الإستعادي في «  مؤسسة الشارقة للفنون » و الذي عمّده صلاح حسن تحت عنوان :ـ "نساء في مكعبات زجاجية" ،[ و أحيانا "نساء في مكعبات بلورية »]. ترى ما الذي حفـّز صلاح حسن لتسويغ صورة كمالا كـ «عرّابة» للكريستالية و تقديمها على الأشخاص الحقيقيين الذين تخلقت الكريستالية بجهودهم [ محمد شداد ونايلة الطيب و الدرديري محمد فضل]؟ ، مندري؟. و ربما أمكن تفهم حركة صلاح حسن، قيّم المعرض، من زاوية توافقها مع مشروعه الرئيسي المتمثل في بعث «مدرسة الخرطوم» ضمن مشهد الفن المعولم كإحتمال سوداني للفن الإفريقاني المعاصر.و في إطار مدرسة الخرطوم يستحوذ صلاح على أداة مفهومية تتيح له تنظيم الفنانين السودانيين ضمن فئات مفهومية توافق هواه . و صلاح أدرى بكون الهوى يفقد مشروعيته الفكرية حين تكذبه معطيات الواقع الإجتماعي الذي تمخضت عنه الفئات المفهومية لفن السودانيين.و هذه الفولة ـ فولة هوى صلاح حسن، تستحق أن نفرد لها مقاما مستقلا بذاته سيما و صاحبنا ماثل بيننا كأحد أعمدة الفن الإفريقاني و فنون الدياسبورا الإفريقية الذين لا يمكن تجاهل مساهماتهم المفهومية الجليلة في تخليق ذهنية جيل بحاله من دارسي الفن الإفريقي المعاصر... و كذا.

و قد حيرني العنوان الذي صدّر به الصديق عيسى الحلو المقابلة التي أجراها مع كمالا بمناسبة معرضها في " مركز شبرين" فكتب " كمالا و مدرستها الكريستالية" [1 ]ـ
و عيسى، رغم أنه من مثقفي الخرطوم الذين عاصروا و تابعوا دقائق حركة التشكيليين السودانيين في العقود الأربعة الأخيرة ، إلا أنه في هذه المقابلة فضّل أسلوب " قص و الصق" على مساءلة مسلمات التيار الغالب و كفى الله المؤمنين شر القتال.و إذا كان عيسى الحلو يبيح لنفسه الحديث عن " كمالا و مدرستها الكريستالية" فلا جناح على محرري الصحف الشرقأوسطية الذين ينسبون لكمالا أنها " ابتدعت" و " أنشأت" و " أسست" المدرسة الكريستالية. أو كما جاء في مقال صحيفة " الخليج" :ـ"

" تحدثت كمالا إسحق عن أسلوبها في العمل الفني بوصفها واحدة من أبرز الفنانين والرسامين ورواد الحداثة في السودان، وهي التي امتد تأثيرها كمعلمة إلى جيل من الفنانين السودانيين الشباب، وكرائدة لواحدة من الحركات الفنية المفاهيمية المهمة والمعروفة باسم المدرسة "الكريستالية" التي أنشأتها بالتعاون مع عدد من طلابها السابقين " . [ 2]ـ-


أو كما جاء في " الإتحاد" :ـ
« معرض «نساء في مكعبات بلورية» للفنانة كمالا إسحق، وهي من أوائل الفنانات السودانيات التي تعلمت في إنجلترا ودرست فيها فنون الجداريات، وفي السبعينيات ابتدعت مدرسة جديدة هي المدرسة الكريستالية.  »[3][.ـ.

و تبدو كمالا ، في هذا المشهد الغميس،مشهد الناس الذين يجودون عليها بمتاع مفهومي لا يدرون اصله،تبدو كمن " صحا من نومه و لقى كومه" فـ "كفّنت الميتة" السهلة و مسحت خشمها و حمدت ربها.و المشكلة ـ في نظري الضعيف ـ تتلخص في أن المتاع المفهومي المجاني الذي حمله إليها صلاح حسن ينطوي على هدية مسمومة غير قابلة للهضم في منظور المنهج الجمالي الذي يميز عملها الفني كرسامة تمكنت عبر السنين من بناء صناعة حرفية متميزة ،
Craftsmanship
،هي صناعة التشكيلية اليدياء التي ينهض الرسم عندها كممارسة عملية، الصورة فيها هي حاصل جهد حرفي حقيقي مضمونه المفاوضة المركبة المستديمة بين نظر الرسام و يده و أداته و مسنده . و قراءة سريعة للأدب الكريستالي المبذول في وسائل الأعلام تجعل القارئ يلمس التناقض بين مبدأ "توفير الجهد"و إزدراء «الصناعة الحرفية» [ مقابل إعلاء شأن الرؤيا الفلسفية للأثر] من جهة، و المنهج اليدوي الذي تباشر عليه كمالا صناعتها المميزة ، من الجهة الأخرى.ـو هنا ينهض تساؤل مزعج:ـ لماذا قبلت كمالا بمثل هذه الهدية المسمومة؟ مندري؟..و أظن ـ آثما ـ أن هناك أكثر من طريقة لتفهم موقف كمالا :فمن المحتمل أن كمالا بأدبها و بكرم روحها السوداني الجم ـ ذلك الأدب الذي يجعل السودانيين " يدخلون في أضافرينهم" ـ قد قررت ابتلاع الهدية المفهومية المسمومة ا،لتي حملها إليها منظموا المعرض ملفوفة في غلاف الإلتباسات المفهومية ،لأن رفضها يعني فركشة المحفل الخليجي المنصوب بكرم حاتمي غير مسبوق في سجل التشكيل السوداني. و من المحتمل أيضا أن كمالا لم تنتبه للتلبيس المفهومي الجائر الذي يترصدها في ثنايا الرؤية الكريستالية للفن لأنها رأت أن المحفل بالنسبة لها هو فرصة ،لا تتكرر كل يوم، فرصة تتيح لها أن تعرض عملها في فترينة خليجية مرموقة مبذولة للجمهور العربي و غير العربي في فضاء العولمة الخليجية، و بعد داك " اللي في الألب في الألب" و كل شاة بين الشياه المعنية بهذه المنازعة، [شاة الجمهور و شاة الفنان و شاة القيّم]، تظل معلقة من عصبتها.ذلك أن منازعتنا تتجاوز كمالا و مدارسها مثلما تتجاوز معرض الشارقة لتعانق اسئلة جيوبوليتيك الفن الحديث في سودان العولمة الحار الجاف المتلاف
سأعودــ
هامش


[1 ]
.[ الرأي العام 27 يناير 2015]،
[2]ـ
See more at:
https://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/ ... AuZot.dpuf

[3]ـ
،ـانظر الرابط
https://www.alittihad.ae/details.php?id= ... ticle=full


...........
......
أضف رد جديد