اعادة اكتشاف لينين : تأطير "ما العمل؟"

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

اعادة اكتشاف لينين : تأطير "ما العمل؟"

مشاركة بواسطة Isam Ali »

سلام للجميع
وسلام لحسن


الـ " خيانة" يا عصام ،و أعني بها خيانة الهم الديموقراطي الذي يجمعنا ضد الإستبداد الظلامي،أنا شايفها في أصل الفكرة اللينينية كفكرة رسولية [ في المعنى النصراني للعبارة]التي تسوّغ للبورجوازيين الصغار إنتحال هوية الأمة بحالها بذريعة تملكهم للوعي الثوري الذي سيحقنونه في جسم البروليتاريا، وسيلتهم لتحقيق يوتوبيا السعادة على الأرض.

حسن موسى



فى مجرى النقاش لورقة عبدالجبار " البندر فوانسيو .(... ) وقدن " فى موقع الحوار الديمقراطى ، حضرت سيرة لينين - بمداخلات من حسن – و فكرة قيادة الصفوة البرجوازية الماركسية للحزب ، زاعمة تمثيل مصالح الكادحين فى البلد . ودفعنى هذا الى استحضار جزئى للكتاب المذهل للارس لى ( Lars T. Lih) الماركسى الكندى بعنوان : " Lenin Rediscovered :What Is To Be Done In Context. والذى يمكن ترجمته الى " اعادة اكتشاف لينين : تأطير " مالعمل ؟" . الكتاب تصدى لقناعات ميثولوجية عن لينين ، يسميها لارس لى "شروحات الكتاب/المرجع المدرسى " نسبت خطأ مثل تلك المفاهيم الشائعة للينين ووجدت طريقها لقناعات البعض ومنهم الديمقراطيين الثوريين كما فى حالة حسن فى تعليقه اعلاه . اقول ان الكتاب مذهل – وهى فكرة عامة عند معظم قارئيه – لان لارس لى قرا كمية من الادب مذهلة حقا . فقد قرا الاعمال الكاملة للينين بالروسية ، وكل الادب ذو الصلة بالموضوع المكتوب بالالمانية والفرنسية والانجليزية . قرأ كل الترجمات المتوفرة لكتيب "ما العمل " بالذات الترجمات الانجليزية والتى حددت طريقة و ومحتوى فهم لينين للناطقين والقارئين بالانجليزية ، وقام باعداد ترجمة جديدة بمنهجية شرحها وسنتعرض لها لاحقا ، ليبلغ حجم الكتاب اكثر من 860 صفحة . قام لارس لى بهذا العمل بدون اى دعم من اى مؤسسة رسمية . لارس لى يدرس يملك سيرة مهنية واكاديمية عجيبة فهو استاذ الموسيقى فى جامعة ماكغيل بمونتريال ولكنه متخصص فى الاقتصاد السياسى ( دكتوراة – برنستون) ويكتب فى التاريخ السياسى لروسيا فى اوقات فراغه (اى بدون اى عون من المؤسسات الداعمة للبحث) وناشط فى الحركة الثورية الاشتراكية فى كندا ، امريكا واروبا .
نحصص هذا البوست لمادة كبيرة وممتدة لينين ، وهذا سبب افتراعه منفصلا عن بوست عبدالجبار ، ارجو ان يصادف ذلك قبول الجميع .
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

المقدمة

مشاركة بواسطة Isam Ali »

ترجمة سريعة للمقدمة







الخطأ الاساسى الذى ارتكبه اولئك المحاججون ‘لما العمل؟ ‘ فى الوقت الحاضر،
هو انهم نزعوه كليا خارج سياق تاريخى محدد ، خارج لحظة تاريخية محددة
– مضى عليها وقت طويل – من تاريخ تطور حزبنا .

لينين 1907



حظى الكتاب بشعبية كبيرة وسط من توجه لهم خطابه . فالاستجابة للاسئلة التى طرحها الكتاب ارتبطت جذريا بالظروف الملموسة لحركة الديمقراطية الاشتراكية فى روسيا العشرينات (1901-1902 ) ، وهى كما يتضح فترة قصيرة . ففى 1903 انجز الاشتراكيون بنية مكتملة لحزب وطنى ، تجاوزت مرحلة وهموم تكوينه السابقة .

وفى النظام الجديد فى روسيا السوفيتية ، ومن خلال التجربة المذهلة ، تكاثر الانتباه لمجموعة قناعات القائد ، وعمليا وجهت بؤرة الضوء الى " ما العمل؟" بالذات بعد 1920 بعد طباعة اعماله الكاملة . غيرت ثورة 1905 المشهد السياسى فى روسيا . اصبح "ما العمل؟" ذكرى فى حرب المقالات التى اشتهرت فى ضحى الامس , ولم يذكره لينين بعد 1907 باى حال من الاحوال .
فى 1917 اصبح المؤلف رئيسا لاول دولة اشتراكية فى العالم ، شعر الكثيرون فى الغرب ان الكتيب هو المفتاح لكامل التجربة ، والمصدر الرئيسى لادق تفاصيلها السياسية المهولة . وفى قول احد اشهر المتخصصين فى روسيا السوفيتية " ان الحجج والنكهة ل "ما العمل؟" ، استمرت مضغمة فى نظام القيم والمعتقدات فى النظام السوفيتى . تظهر فى تصريحات خرتشوف كما كانت حاضرة فى تصريحات استالين ولينين .

لقد كان ذلك اسوأ اختيار لواحد من اثار لينين . فقد كُتِبَ للمجادلة ضد خصوم محددين ، بصدد سياسات محددة ، فى لحظات محددة ، ولكنها عابرة . ولم يكتب لشرح قناعات لينين لمجموعة قارئين ياتون فى المستقبل . واذا اردنا ان نبحث فى هذه القناعات فعلينا ان نعالج الاستنتاجات بصددها من خلال الوقوف على اختياراته السياسية ، والمناقشات التى اثارتها فى اطار ومحتوى الافتراضات التى تشاركها مع القراء المعنيين فى ذلك الوقت . وهى المعلومات التى لاتجدها فى اى لغة ترجمت لها اعماله ، حتى ان المتخصصين يواجهون صعوبات بالغة فى تحديد الظروف المحيطة بتلك الكتابات .

اعتبر المتخصصون "ما العمل؟" الوثيقة المؤسسة للبلشفية ، الناقلة لجوهر فكر لينين . وهى استنتاجات جاءت فى شح من معرفة صحيحة بالمحتوى ، بالذات الظرف الخاص بالحركة الديمقراطية الاشتراكية العالمية ، وفى قلة من معرفة الظروف المحلية الخاصة بنفس الحركة فى روسيا ، ومحتوى صراع المناظرات و الجدال الحاد بين الفصائل المتعددة فى اواخر 1901 . لم يحسنوا قراءة "ما العمل؟" ولم يفهموا لينين ، ورفعوا تلك الصورة – وليدة غياب الفهم - الى مستوى "المرجع ".
هذا "المرجع" هو العائق الاساسى لاعادة التفكير الجاد حول لينين ، حيث انه مصدر قناعة الجميع بانهم يحتازون على فكرة اساسية لما يمثله لينين . ولذلك يأتى هذا الكتاب – والترجمة الجديدة ل"ما العمل؟" - لتوفير خلفية معلوماتية اساسية ، تساعد فى اعادة التفكير الجاد بصدد لينين ، تساعد فى اعادة اكتشافه .

كان لينين ايرفورتيا ( وايرفورت هى المدينة الالمانية التى استقبلت مؤتمر حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الالمان ، الذى احتفل بنجاحهم فى اسقاط قانون بزمارك المعادى للاشتراكية ، وقدم فيها برنامج جديد للحزب ، سمى برنامج ايرفورت وارتبطت به تعليقات كثيفة من تروتسكى ، قائد الحزب و الاب الروحى للاشتراكية فى ذلك الحين - المترجم) . وقد حدد برنامج ايرفورت مهمة الحزب – المهمة التاريخية – بانها حصول البروليتاريا على جهاز الدولة واستخدامه لتقديم الاشتراكية . يقول كاوتسكى ان الحزب يقوم " بجلب الاخبار السعيدة " الى البروليتاريا التى تسقبلها بحماس . ولانجاز المهمة خلق الديمقراطيون الاشتراكيون حزبا من نوع جديد ، مكرسا لجلب التنوير والتنظيم لصفوفها ، ويسعى الحزب لتحقيق هدفها النهائى وهو بناء الاشتراكية . هو حزب يقوم على الانضباط ، حزب مركزى ومنظم على مستوى الوطن وديمقراطى ، يسمح بالاستخدام الفعال للتخصص وتقسيم العمل .

احتدم النقاش حول امكانية تطبيق النموذج الالمانى للحزب فى روسيا القيصرية ، والى اى مدى . لم يكن الجدال تجريديا بل قام على وقائع التجربة ، حيث تم تأسيس المنظمة فى منتصف 1890 فى مجرى تراكم ومعرفة بالفرص ، والحدود الفعلية والممكنة لمنظمة تعمل تحت الارض فى ظروف العمل السرى . فى هذا الخضم من الجدل وصراع الافكار بين مجموعات الاشتراكيين ، يسهل تماما تحديد موقع لينين ؛ فقد كان مع تلك المجموعة التى كانت تقدم اكثر الافتراضات ثقة فى الامكانيات العملية لحركة جماهيرية تعمل تحت الارض . ضمن الثوريين الروس كان الماركسيون اكثر ثقة من الشعبيين فى منتصف 1890 . ضمن الماركسيين كان الارثودوكس (التقليديون) اكثر ثقة من الاقتصادويين . ضمن التقليديين كانت حلقة الايسكرا (البولشفيك) اكثر ثقة من المنشفيك . ضمن البولشفيك كان لينين اكثرهم ثقة .

مثلت نجاحات تجارب الحركة العمالية فى اروبا مصادر ثقة لينين فى الطبقة العاملة ، وكذلك تجارب الديمقراطيين الاشتراكيين الملهمة فى المدى الاروبى ؛ كما انبنت ثقته وقامت فى افتراض قدرة الطبقة العاملة الروسية على الاستقبال الايجابى لرسالة الحزب الالمانى . كان لينين يحاجج ان الفئات المتقدمة من العمال هم اصلا ديمقراطيون اشتراكيون ملتزمون ، وهم فى موقع يمكنهم من نشر الرسالة الى مدى ابعد ، حيث انه يمكن قبولهم من قبل العمال كقيادتهم الطبيعية . حكم تجريبى فى الثقة ، يمكن اسناده على الاعتقاد فى القدرة المكينة على الاستمرار الوطيد فى نشاط العمل السرى (تحت الارض) . كانت منظمات العمل السرى تحطم باستمرار من قبل البوليس . ( عمر المنظمة السرية يبلغ 3 الى 4 شهور) كان مستحيلا التواصل بين المنظمات المحلية ، الاضرابات ، المظاهرات ، حملات توقيع المذكرات كلها كانت تعبر جريمة مخالفة للقانون . لكى تتمتع بالثقة فى استقرار منظمات العمل السرى فلابد ان تجترح افتراضات بطولية حول استمرار وجود الناشطين المستقر فى عناد ، وحول اخلاص وثبات التزامهم ، وحول قدراتهم على التفادى الذكى للبوليس ، وعلى الثقة فى امكان زرعهم لجذور حامية تشرئب متوهجة فى المحيط العمالى . قدم لينين كل تلك الافتراضات . ان حقيقة قيادته لحمله تستهدف رفع مستويات الاحتراف للناشطين فى العمل السرى (تحت الارض ) ، تُثبّت قناعاته بالثقة الوطيدة فى تطوير قدراتهم ، مما سينعكس ايجابيا على قدراتهم فى البقاء والاستمرار والتغلب على صعوبات العمل السرى ، وهى ثقة دافئة عميمة مستقرة فى صدره لم يشاركه فيها الاخرون .
يمكن بلا شك العثور على اخلاص لينين للايرفورتية ، وافتراضاته القائمة على الثقة بروسيا ، مبثوثة فى كل كتاباته قبل واثناء وبعد كتابته ل"ما العمل؟" , وقد كانتا العامل البنائى لكامل مناقشات الكتيب . ولرؤية ذلك بوضوح علينا النظر الى المحتوى الدقيق ، الوضع الذى واحهه لينين فى 1901 حين كتابة المخطوطة . ان الشعور بالضغوط وضرورات الاستجابة السريعة ، والحماس الجدالى ، دفع القراء الى افتراض ان لينين كان يستجيب لازمة . ولكن ستوضع مناقشته تحت ضوء مختلف قليلا ، عندما نفهم انه كان يستجيب لفرصة . راءها لينين فى اقتراب العاصفة الثورية فى روسيا . ففى اثناء كتابة "ما العمل؟" خص لينين جريدة الايسكرا بمقال ذكر فيه : " علينا ان نستخلص قناعة جديدة فى القدرة الكونية للحركة العمالية ، نقودها نحن ، عندما نشاهد كيف يتم تحويل الحماس المشتعل من الطبقة الثورية المتقدمة الى الطبقات والفئات الاجتماعية الاخرى – كيف ان هذا الحماس المنير يقود ليس فقط الى انبعاث متدفق لايصدق فى الروح الثورية فى الطلاب ، بل ايضا للصحوة الجزلاء فى القرى التى تستشرى الان ."

القلق بصدد العمال :

كتب ابراهام اشر - مؤرخ امريكى محترم – " واجه الماركسيون الروس مشكلة اصابت الراديكاليين فى سنين السبعينات (1870 ) وانتصبت لهم عقبة كأداء : الدواخل السياسية للجماهير . فلو رفض الناس – الذين يوقرهم عاليا عديد من الراديكاليين الروس – التزحزح باتجاه النشاط السياسى ، فكيف يمكن انجاز الثورة ؟ تعامل لينين مع موضوع الدواخل السياسية للجماهير، وحلله باكثر الاشكال عمقا فى كتيب "مالعمل ؟"" . وهذه عبارة تقف ناقصة ، هل نحن نتحدث عن نفس ذلك ال لينين ؟ عن "ما العمل؟" ؟ لقد وصفت لينينا متحمسا كتب " ما العمل فى خضم نهوض ثورى، بينما بتحدث اشر عن لينين قلق متشائم يحاول ان يفهم مالذى جرى ، واى الاخطاء اُرتكبت ؟ بالنسبة لى لم يكن لينين محللا باردا او قلقا متشائما وانما كان واثقا يتدفق حماسا ، كتب كتابه فى زمن نهوض ثورى روسى . يعكس اشر هنا صورة لاتفاق قوى بين المتخصصين اسميه " تفسير الكتاب/المرجع المدرسى " وذلك لانه على الاقل ابتداءا من منتصف الخمسينات (1950) وجدت هذه القراءة السلبية ل " مالعمل؟" طريقها الى داخل مراجع العلوم السياسية ومراجع التاريخ الروسى ، ومن هناك الى اى مراجع ثانوية توفر لها سببا لذكر لينين . تم تدوير الفقرتين او الثلاثة الشهيرات اللائى خلقن الاساس النصى لهذه القراءة/التفسير ، تدور بشكل لانهائى من مرجع الى كتب التاريخ المشهورة الى مخطوطات متخصصة الى المراجع مرة اخرى لتعود الدورة من جديد .
فى وصف تفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " ساحصر اهتمامى باولئك الذين دعموا قراءاتهم ببحث تاريخى يقوم على الحقائق . هؤلاء يمكن تقسيمهم الى فئتين ، الاكاديميون والناشطون السياسيون . قام المؤرخون الاكاديميون بارساء حجرالاساس لتفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " ، ومثلوا الجيل الاول بعد الحرب فى الدراسات السوفيتية .

بدأت الدراسات الاكاديمية بواسطة هؤلاء فى الخمسينات (1950) الباكرة ، كما يدأت فى الاختفاء فى السبعينات الباكرة (1970) ، وقد تكرّست لدراسة جوانب مختلفة من الثورة والحركة العمالية فى الفترة التى كتب فيها لينين "ما العمل؟" . يلعب الكتاب نفسه دورا غريبا لدرجة ما فى هذه المؤلفات . فمن ناحية ليس هناك فحص تفصيلى ل"ما العمل؟" كنص ؛ ومن ناحية اخرى يوفر الكتاب وبشكل ثابت ما يمكن تسميته بالمفصلة (المعلاق )اوالشماعة السردية لهذه المؤلفات . ففيه ومن خلاله اظهر لينين نفسه ، وخلق البلشفية فى فعل يكاد يكون كافعال الالهة .

فى السبعينات (1970) بدا الناشطون فى التقاليد التروتسكية اصدار قراءاتهم التاريخية للكتيب . وقد كتبوا (تونى كليف ، جون مالينو وقريبا بول لابلانك) فى ردفعل على المتخصصين الاكاديميين ، ولكن غالبا برغبة لجلب دروس لينينية لحركتهم المعاصرة . كان موقفهم ملائما جدا ، ولكن لم يكن خاليا مما يوقعه تحت طائلة النقد . بالرغم من الاختلافات السياسية بينهم والاكاديميين الا انه كان هناك تداخل كاف فى تفسيراتهما ل"ما العمل؟" يبرر تضمين الناشطين للمؤيدين لشروحات "الكتاب/المنهج المدرسى" ويمكن تلخيص موقف الناشطين كالاتى : ‘نعم ، ولكن ..‘ .
العقيدة الاساسية لشروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" هى ان الكتيب عبّر عن قلق لينين بخصوص العمال . ففيه اظهر لينين ‘عدم ثقة بالجماهير ، وقناعة بان الوعى الاشتراكى يحظى به القليلون منهم ‘. قلق ينطلق من افتراض متشائم بخصوص الميل الاصلاحى الطبيعى للعمال ، وهذا ما قاد الى تجديداته النظرية والتنظيمية . الاساس النصى لهذه الاوصاف ، هو تصريحاته بصدد موضوعة التلقائية/العفوية والوعى . كان لينين يخشى التطورات التلقائية /العفوية للحركة العمالية ؛ وطالب بتحويلها او حرفها من مجراها الطبيعى وبتوجيهها من الخارج بواسطة غير العمال ، تحديدا بواسطة المثقفين الثوريين البرجوازيين . حقيقة لن يكون الامر مبالغة اذا قلنا ان الاساس النصى من الكتيب لهذه الصورة للينين ، ليس فقط كتابا واحدا ، ليست فصلا من كتاب ، ليست فقرتين مشهورتين من ذلك الفصل تقتطف بشكل حتمى ، بل فقط 3 كلمات وجدت فى تلك الفقرات هى "التلقائية/العفوية " ، " حرف (او تحويل)" وكلمة "من الخارج" ( تكتب فى الانجليزية كwithout) from) - المترجم ) وفى الروسية هى كلمة واحدة ) .

ازمة هى سبب قلقه (بصدد العمال) ، تطور هدد رؤيته للعالم وسممت تفاؤله القديم . قاد الاختلاف حول طبيعة الازمة الى انقسام رئيسى داخل شروحات "الكتاب/المرجع الدراسى" . الغالبية نسبت التحول عند لينين الى صعود التحريفيين . يقولون ان لينين كان تحريفيا فى عميق دواخله ، ووافق على ميول العمال المتدرجة نحو الاصلاح ، يبتعدون عن الاشتراكية . يقول ادم اولام بروفسور العلوم السياسية فى هارفارد : " بالرغم من ان المحاججة كانت موجهة نحو التحريفيين الالمان وتابعيهم المفترضين الروس ، لكنه كان هناك اتفاق اساسي بين لنين وادوارد بيرنشتاين : قوى التاريخ لاتجعل من العمال طبقة ثورية ، فالتنظيم العفوى للعمال يقودهم لا الى الثورة ، بل الى الصراع من اجل تقدم او تحسين الاحوال فى المجال الاقتصادى والمهنى . فلماذا اذن يكون برنشتاين تحريفيا ولينين ماركسى اورثودكسى؟ لان برنشتاين يؤمن بضرورة ان يتبع حزب العمال ميل العمال ، وينحنى الى العمالية الاصلانية للعمال الصناعيين ، بينما لينين يعتقد بتحويل العمال القسرى الى الماركسية الثورية " .

التفسير الثانى لتحول لينين الى القلق هو ما يمكن تسميته بتفسير"العامل المغرور" ؛ يقول ريجينالد زلنيك فى نهاية 1890 " علم لينين ان بعض من اكثر العمال صدامية واخلاصا ، منخرطون الان فى رفض درامى لوصاية المثقفين عليهم ، نوع من اتجاه "حب العامل " الذى اعاد ارجاع صدى ميول كهذه فى اجزاء من اروبا ، وهى ميول حاربها لينين بقوة لا تلين"
كان هولاء الاكاديميين - ممن اخترعوا هذه التفسيرات - يرون لينين كشخص مدفوع بعدم ارتياح عميق ، او حتى غضب كبير ، من مشهد العمال يأخذون مصيرهم باديهم . والرغبة فى ابعادهم من المواقع القيادية كنتيجة طبيعية .
اذا هذا التشاؤم اللينينى ( المكتشف حديثا ) قاده الى رفض الماركسية الاكثر تفاؤلا، يمثلها النموذج الديمقراطى الاشتراكى الغربى ، باخلاصه المميز للميول الثورية "التلقائية/العفوية" للعمال . لينين مستعد دائما لاعادة تفسير ماركس ، بينما يدعى – طبعا – انه يتبع المنهج حرفيا وباخلاص .

رَفْضُ لينين للماركسية - كما فهمها الديمقراطيون الاشتراكيون فى غرب اروبا - قاده منطقيا الى رفض البنية الحزبية الشعبية الجماهيرية المفتوحة ، والمنظمة ديمقراطيا ، والمرتبطة باتحادات نقابية مهولة ، وقاد – بالتالى - افكاره نحو الصيغة التأمرية ، وافكار التروييج للثورة ، وفكرة الحزب من نوع جديد يتكون من ثوريين متخصصين ، يتم تجنيدهم من صفوف المثقفين ، يكرسون للنشاط التآمرى (العمل السرى). وبالطبع قاد هذا الى الانشقاق بين من بقوا متمسكين بالديمقراطية الاشتراكية لاروبا المتحضرة ، واولئك الذين جددوا تقاليد روسيا البربرية .

اذا جمعنا كل تاكيدات "الكتاب/المرجع المدرسى " يظهر لنا ان "ما العمل ؟" – ذلك التجديد النظرى و التنظيمى العميق - كدستور للبلشفية والمصدر النهائى للاستالينية . وبطرح الصلة العميقة بين الكتيب والاستالينية تستغنى شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" عن الاشارة الى مركزية الحريات الديمقراطية فى برنامج لينين . بالطبع و من المؤكد ان المتخصصين الذين كتبوا فى التاريخ السياسى للديمقراطية الاشتراكية فى روسيا فى تلك الفترة ، قد انتبهوا الى ان لينين ومجموعة الايسكرا ، اصروا وبقوة على الحاجة الملحة للحرية فى روسيا ، ولكنهم تكلموا عنها بطريقة لا تعلنها بوضوح . فقد وضعوا اقل قدر من التاكيد على موضوعة الحرية ، بينما وضعوا تاكيدات عالية لاقل تلميح ( باهت فى كثير من الاحيان) يشير الى قلة صبره ، يريد تخطى المراحل ، يقفز الى الاشتراكية ..الخ . واحيانا يصيبك الانطباع بان اصراره على الحرية السياسية اصبح يبدو قطاعيا وطائفيا .



يتبع
آخر تعديل بواسطة Isam Ali في السبت يوليو 22, 2017 2:02 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »



التفسيرات من قبل الناشطين (كليف ، مولينو ولابلانك واخرين ) ترفض قطعيا الصلة بين " ماالعمل؟" والاستالينية . الصورة الكلية للينين تتعارض بقوة مع صورة الاكاديميين ، ومع ذلك و فيما يخص الموضوع الخاص ب"ما العمل؟" فان التعارض اقل قوة من التقاطع مع الاكاديميين ، مع اختلافات بسيطة. يحكى الناشطون الحكوة التالية :
عانت الديمقراطية الاشتراكية فى غرب اروبا المؤسسة على الماركسية ، من رؤية للتنظيم السياسى تقريرية ومميتة . التجاوز العظيم الى التنظيم الطليعى اتى به لينين فى "ما العمل؟" ، بالرغم من ان لينين لم يكن واعيا بفرادته واعتقد انه كان يطبق مفاهيما ماركسية قياسية . إتجه لينين فى ذلك الانجاز الى إنتاج معادلات او نماذج او مقولات بصدد التلقائية/العفوية ودور المثقفين ، كانت احادية الجانب وبالتالى خاطئة . ولكنها فقط طرائق لينين فى فعل الاشياء ، فى التصرف . فهو يتجة بعيدا فى اتجاه معين يحتاجه فقط للتاكيد على نقطة محددة . فى 1902 احتاج ان يتجه بعيدا نحو تأكيد اهمية المركزية ولذلك اكد اهميتها فى كل منعطف .
قادت مقولات لينين الى انقسام الديمقراطية الاشتراكية الروسية ، وذلك لان المنشفيك استمروا مخلصين للموقف الديمقراطى الاشتراكى السلبى الجبرى الحتمى الاقتصادوى المرتبك الذى يحدد العلاقة بين الحزب والطبقة ، ولكن مواقف لينين استمرت فى التطور ، تحديدا فى استجابة لثورة 1905 ‘ حيث تخلص من الصفوية التى شابت "ما العمل؟" و "خطوة الى الامام .." ‘ لقد تقدم كثيرا امام البولشفيك ، فعندما اراد ادخال عمال اكثر فى لجان الحزب ، عارضه زملاؤه الذين لازالوا يتمثلون روح "ما العمل؟" .

اذا يتفق الحركيون مع الاكاديميين فى ان لينين انجز تجاوزا اصيلا ولكن بشكل عفوى فى مجال التنظيم الحزبى . وقد مثل التنظيم الطليعى قطعا بائنا مع التقاليد فى غرب اروبا . كما يتفقان ان معالجات لينين لمسالة التلقائية والوعى هى جوهر "ما العمل؟" ، وفى هذا الصدد يتفق الحركيون والى حد كبير مع الاكاديميين على انها صفوية ، ويتمثل الفرق فى ان الحركيين يعتقدون بان لينين راى لاحقا انها وحيدة الجانب ، وبالتالى لا يمكن الزعم بانها تمثل قلب رؤيته . واخيرا يتفقان بان الرسالة التى قدمها الكتيب هى "القلق بصدد العمال " ، واحتاج الامر ثورة 1905 ليغير رايه ، وبالرغم من ذلك استمر رفاقه فى ابعاد العمال عن اللجان الحزبية.

كما يجب ان يكون واضحا الان، فانا ارفض كل المقترحات المركزية لتفسيرات "للكتاب/المرجع المدرسى" . الفكرة المفتاحية لرؤية لينين لم تكن القلق بصدد العمال ، بل الفرح بامكانياتهم ووعدهم . المعالجات الخاصة بالتلقائية/العفوية لم تكن قلب "ما العمل؟" وانما هى بعض ما علق من مناظرات وحجاج هجومى (فلو ان خصم لينين بوريس كريشيفسكى لم يستخدم الكلمة فى نقده للايسكرا الذى نشر فى سبتمبر فى 1901 ، لما ظهرت فى الكتيب الذى نشر بعدها فى غضون بضعة شهور ) . لقد كانت تلك صيغا مربكة ، ويجب وضعها بين قوسين حتى يتم اعتبار كل الادلة الاخرى بصدد رؤية لينين . لم يكن "ما العمل؟" استجابة مكتئبة لازمة ، وانما استجابة مشرئبة لفرصة مواتية . لم يرفض الكتيب النموذج الغربى للحزب الديمقراطى الاشتراكى ، بل استحضره فى كل منعطف . من المؤكد ان لينين دعم فكرة الحزب الطليعى ، لان ذلك كان الفهم العام لماهية الحزب الديمقراطى الاشتراكى . لم يؤيد "ما العمل؟" مركزية عالية او حزب تآمرى صفوى ، متاح فقط للثوريين المتخصصين من الانتلجنسيا . لم تكن المواقف التى طرحت فى الكتيب سببا للانقسام فى 1904 . الموقع المركزى للحرية السياسية فى البرنامج اللينينى ، تجعل من المستحيل خلق اى صلة مباشرة بين "ما لعمل؟" والاستالينية .

كيف لهذا الاتفاق و لهذا الخطأ ان يتم ويستمر لكل هذا الوقت الطويل ؟ ان الرؤية السياسية لهؤلاء الكتاب لايمكن ان تكون حاسمة فى تقديم تفسير ، بالذات اذا اعتبرنا التحالف الغريب المذكور عاليه بين الكتاب المنحازين ضد لينين والاخرين المنحازين له . احد تفسيرات هذا الاتفاق إنه يرجع الى تحالف مشابه قام فى 1904 . ففى ذلك الوقت كان تروتسكى ولوكسمبورج – وهما من ابطال الناشطين الحركيين – مناشفة ، او على الاقل مستعدين للعمل معهم لمنازلة لينين . وتستمر حتى الان مجموعة صغيرة من الجمل من تروتسكى ولكسمبورج يتم الاستشهاد بها لتصبح جزءا من دعائم شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" .

سبب اخر هو الافتتان العام بالسؤال الخاص باتجاهات لينين حول "التلقائية/العفوية" . وهو تمرين غير منتج – لاسباب ساذكرها لاحقا - فواحد من النتائج السيئة للتركيز الحصرى على هذه القضية ، هو صغر حجم وشح القاعدة النصية التى تم استخدامها لتأكيد وجهة نظر لينين ، حيث ان لينين – وببساطة - لم يتحدث كثيرا عن هذا الموضوع . هما فقرتان ، بابعاد كل شئ اخر فى الفصل الثانى من الكتتيب . فصل واحد اذا استبعدنا باقى الفصول ، كتيب باستبعاد كل شئ اخر كتبه لينين فى الايسكرا فى الفترة (3-1900) . ولا عجب ان تظهر بعض المفاجأت عندما ناخذ فى الحسبان مجموعة اوسع من اثار لينين المكتوبة . واهمال كتابة لينين فى الايسكرا فى تلك الفترة يثير الدهشة والاستغراب بالذات فى موقف الناشطين.

لايمكن فهم لينين فقط بقراءة ما كتبه . ثلاث محتويات او اطر اساسية تم تجاهلها بشكل كبير بواسطة شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" . الاطار الاول الديمقراطية الاشتراكية العالمية – اسميها الرؤية الايرفورتية . شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" كما شروحات الناشطين لهما دوافع مختلفة للتجاهل هذا الاطار . بستمتع الاكاديميون المتخصصون فى دراسة روسيا بتقفى الجذور الروسية لتفكير لينين ، ويميلون الى عدم تحصيل معرفة تفصيلية بالديمقراطية الاشتراكية الالمانية . ااما لناشطون التروسكيون فقد ورثوا ازدراءا للاممية الثانية ولكاوتسكى تخصيصا ، وعفاهم هذا من اجراء اى بحث حقيقى لارائهم الفعلية .

والاطار الثانى هوالعاصفة الثورية المتنامية فى روسيا فى منعطف القرن . بالطبع كان جمع المتخصصين على معرفة بالازمة الروسية ، تراكم زخمها المتوهج فى 2-1901 ، ولكن يبدو ان ذلك لم يكن له اى تأثير فى عرضهم لصورة لينين كرجل يملاء الفضاء باغنيته القلقة . ففى الوقت الذى كتب فيه "ما العمل؟" كان كامل براح الفكرة الثورية مدعوما وزاخرا بالطاقة من وراء وبسبب رغبة العمال فى اظهار عدم الرضى السياسى الغليظ فى الشوارع العامة .

الاطار الثالث هوالافتراضات المشتركة بين المساهمين فى الجدال الحامى وسط الديمقراطيين الاشتراكيين . فاذا لم نلاحظ ان الجميع اعتقد ان تنفيذ النموذج الالمانى لايمكن ان يتم الا فى صورة مشوهة سرية تعمل تحت الارض ، فاننا سنضيع اهمية اطروحات لينين . اذا لم نعقل ان لينين اعتقد كليا ان قراؤه وحتى خصوصمه سيرون سوء الاقتصادوية ، فاننا سنضيع او نخسر اهمية مجادلاته .

فكرة "المرجع المدرسى" عن القلق بصدد العمال :
ادم اولام هو من حولها الى ثيمة اساسية فى "المرجع المدرسى" . يقول : " ‘ لمحاربة التلقائية/العفوية ..‘ العبارة الادبية التى تقترب من ان تكون سخيفة ، وبطريقة تتضاعف فى الظروف الابتدائية لصياغتها او لانتاجها . من سيحرف الحركة العمالية المتنامية فى روسيا من مجراها الطبيعى ؟ مجموعة من الثوريين لا تتعدى قبضة اليد - بعضهم فى سجون القيصر - يعملون من خلال جريدة تطبع فى الخارج . لكن العبارة الادبية هذه تحتوى جوهر اللينينية ، اى التصور :ان التطور الطبيعى للقوى المادية ، والاستجابة الطبيعية من الناس لذلك التطور ، سوف – وفى الوقت المناسب – تقود بعيدا عن توقعات ماركس بصدد اثار التصنيع فى العامل . انت لا تهجر الماركسية لانها اخفقت فى ان تتنبأ بسيكولوجية العامل فى دولة صناعية متقدمة . انت ‘تحسن ‘ وتطور هذه السيكولوجية فى اتجاه ثورى بوسائل حزب . انه اداء غير منطقى بامتياز . انت ترفض الافتراضات الاساسية لايديولوجيتك ، ومع ذلك تدعى الاستمساك بارثودكسية صلدة . حجتك عقلانية ومادية ، ومع ذلك تذهب ناشرا لاسطورة الثورة ، وضرورتها ، التى اكدّتَ – قبل لحظة مضت – ضرورتها التى سوف يحسها العامل بشكل اقل فاقل . "

احيانا يقترحون افتراضات لم يتفوه بها لينين . مثلا ريتشارد بايبس يلخص مقالة للينين كتبها فى 1899 بالقول بان " افتراض لينين غير المصرح به ان اغلبية الشعب هى فعلا او امكانا رجعية ، نتيجته غير المنطوقة هى ان الديمقراطية تقود الى الرجعية ". ذلك صحيح تماما ، فلينين لم ينطق هذه الافتراضات ابدا . افتراضات لينين المنطوقة كلها كانت بصدد غالبية الجماهير تقتحم قلعة الاستبداد من اجل تحقيق الحرايات السياسية الديمقراطية ، باعتبارها الخطوة الضرورية التالية نحو الاشتراكية .

احيانا اخرى يتم التعامل مع الادلة المباشرة – يتم اعادة تفسيرها - لتؤكد ان لينين كان يطرح وجهات نظر مختلفة ، بطريقة تجعل منه غير مفهوما ، ومن حججه صيغا مفككة لايجمعها اى رباط . نقرأ فى كتاب مهم فى التقاليد الاكاديمية كتبه الفرد مير (Alfred Meyer) بعنوان اللينينية ، ان لينين اتجه لافتراض ان العامل مصاب والى الابد بعلة الوعى غير الكافى ، بغض النظر عن مدى سؤ ظروفه . ومع ذلك – مرة اخرى ، لان مير عارف واكثر وعيا من الغالبية – يبدا مباشرة بجعل لينين غير مترابط . ويضيف مباشرة : " كماركسى ارثودوكسى ، ينفى لينين الموضوعة التحريفية الخاصة بفقد العمال لوعيهم الطبقى (او انهم لم يمتلكوه بداءً) . ثم بعد قليل نقرأ :" بينما هى حقيقة انه بشكل عام نفى العقلانية كصفة للعامل ، ولكنه لم يحافظ على هذه الوجهة بشكل يخلو من التردد . بل على العكس سمح لنفسه ان يقاد بعيدا بتقييم متفائل غير عادى للوعى العمالى " !

تصر تقاليد " القلق بصدد العمال " فى الاكاديميا المعاصرة ، على فكرة عدم التماسك عند لينين . وقد طرحت الدراسات الاكاديمية الباكرة نوعا من التحول المفاجئ عند لينين بعد "ما العمل؟" . ولكن حديثا زاد عدد مرات التحولات والتحولات المضادة بشكل كبير . كتب روبرت ماير و آنا كرايلوفا دراستين منفصليتين ، قدما فيهما ما اسميه فرضية التخبط مزدوج الوجه : عانى لينين ازمة قناعات مباشرة قبل "ما العمل؟" ثم مر بتغيير جذرى فى ارائه بعد ذلك مباشرة ، مما يجعل "ما العمل؟" غير مرتبط بماضى لينين ولاحاضره . فكريلوفا مثلا، تقرر ان وجهة نظر "ما العمل؟" فى العمال هى ‘متناقضة بشكل صارخ ‘ مع كتابات لينين السابقة ، وان "ما العمل؟" فى حد ذاته يمثل ‘ انسايكلوبيديا ‘من الشك الحداثى ، وانه مباشرة بعد نشر "ما العمل؟" وضع لينين حدا لشكوكه بتبنى وجه نظر جديدة كليا للعمال ، باعتبارهم محفزين تماما بغريزة طبقية .

ومن الطرق الاخرى لاستبعاد او تجاهل الادلة الشاذة بخصوص افكار لينين، هى الادعاء وببساطة ان لينين كان منافقا ، بوعى منه او بدون وعى . فوفقا ل ريجينالد زلنك (Reginald Zelnik) لم يكن باستطاعة لينين ان يكون واضحا فى التعبير عن قلقه بخصوص العمال ، وذلك بسبب المترتبات السياسية الخطرة للافصاح عن افكاره الحقيقية ، حتى لنفسه . نفس الموقف يعبر عنه الناشطون ، وكأنهم يعرفون قناعات لينين افضل مما يعرفها . يكتب جون مالينو مثلا " لم يكن لينين يعى فى تلك المرحلة ( 1904) انه انحرف – باى درجة اساسية – عن الارث الديمقراطى الاشتراكى " وبالتالى ربط نفسه بالمساق العام للحزب الالمانى ونجومه ككاوتسكى واوغسطت بيبل . وهنا نحن نترك مع الصورة التالية : لم يكن هناك فى روسيا من قراء نصوص كاوتسكى الواسعة بشكل منتبه وكثيف وبكل الاعجاب كلينين ، ومع ذلك يبقى كليا غير منتبه للانحرافه الاساسى عن كاوتسكى ! .

‘ثنى العصا‘ (Bending the stick) من طرفها فى اتجاه محدد ؛( والمقصود بالعبارة ان لينين كان يستخدم المبالغة لشد الانتباه لموضوعة محددة ، او التركيز حصرا على موضوعة واحدة وغض النظر عن المواضيع الاخرى . ثم بعد ذلك يتجه الى وضع العصا لاصلها المستقيم - المترجم) كانت الجهاز المفضل للناشطين لتفسير ما يسمى بالاشياء الشاذة (anomalies) . بالطبع فان لينين اتجه لوضع تأكيدات حصرية فى بعض الاوقات على نقطة او عدد قليل من النقاط . بالتأكيد نحتاج ان نضع ذلك فى الاعتبار ، عندما نحاول أن نفهم تصريحاته . بالرغم من ذلك فان ذلك الرجوع المتكرر الزائد الى تفسيراته ، ينتهى بأن يجعل لينين يبدو كقائد غير كفؤ وغير مفهوم . تونى كليف من كبار المقدرين للينين ، ومع ذلك فأن تصويره له فى الفترة من1895 الى 1905 لا ينتج صورة جاذبة ؛ حيث يكتب ان لينين اعتقد فى 1895 أن " الوعى الطبقى ، متضمنا الوعى السياسى ، يتطور اتوماتيكيا من ثنايا الصراع الاقتصادى " . وبعد عدد من السنين ابتعد من تلك القناعة المتطرفة . بكتب كليف " انه ذلك الخوف على الحركة من نمو الاقتصادوية الروسية والتحريفية الالمانية فى النصف الثانى من 1899 ، هو الذى حفز لينين لثنى العصا مرة اخرى بعيدا عن التلقائية ، والصراع الاقتصادى اليومى المجزأ ، وفى اتجاه تنظيم الحزب السياسى فى نطاق الوطن " . ‘ان ثنى لينين للعصا حتى تصل الى التأكيد الزائد الميكانيكى فيما يخص التنظيم فى "ما العمل؟"‘ كان عملا ‘اجرائيا مفيدا تماما ‘ ، حيث أن ‘الخطوة الضرورية الان ، كانت للنهوض ، على الاقل فى جانب الوعى السياسى للجماهير، بشغف للفعل السياسى ‘ . ولكن ، كما يوضح كليف بجلاء ، فى الوقت الذى جلس فيه لينين لكتابة "ما العمل ؟" كانت الاقتصادوية فى حالة من واضحة من التضعضع ، ‘ وقد اصبح العمال القوة النشطة للمعارضة السياسية للقيصر ‘ واضح جدا هنا أن لينين كان بعيدا عن الواقع ، حتى إنه ثنى العصا بالتحديد فى الاتجاه غير المرغوب !

استخدم لينين شخصيا صورة ‘ ثنى العصا ‘ فى بعض تعليقاته على "ما العمل؟" . وبناءا على اهمية هذه الصورة فى التناول للكتيب ( بالذات من قبل الناشطين الحركيين) فانه يجب ام نكون واضحين تماما فى قناعاتنا بصدد مالذى قاله لينين على وحه التحديد . فهناك طريقتين لفهم صورة ‘ ثنى العصا ‘ . فلو ثنيت العصا فى اتجاه ما ، فانت تثنيها فى الاتجاه الاخرلارجاعها الى الوضع المستقيم ، وفى هذه الحالة فانت تشرح لماذا ثنيتها فى هذا الاتجاه تحديدا وليس اى اتجاه اخر ، او – بشكل اقل مجازا – لماذ اخترت ان تحدد بعض النقاط من دون النقاط الاخرى . او – الطريقة الاخرى – ان العصا ثُنيت بحزم فى احد اتجاهات ، وانه عليك ان تثنيها بشدة فى الاتجاه الاخر ، فى توقع انه وفى حالة اطلاقها فانها ستستقيم . اى وبشكل اقل مجازا ، فانت تبالغ او تعمل على زيادة تأكيد وجه نظرك لتلفت انتباه الناس اليها .


يتبع
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »


اعادة اكتشاف لينين :

الى الان ، يبدو الامر وكانى الشخص الوحيد فى مجابهة المجال الدارس للينين ، ولحسن الحظ فالامر ليس كذلك . فالدراسة هذه تمثل جزءا من تقاليد التفسير الممتدة لكتيب "ما العمل ؟" ومنذ تاريخ صدوره . وفعلا عندما ننظر الى تفسيرات " الكتاب/المرجع المدرسى " فاننا نجد انها تحتل موقعا فى الاقلية .
لقد رأينا كيف ترجع تفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " الى منشورات لوكسيمبورج وتروتسكى فى 1904 . هناك مفارقات مرتبطة بوضعهم كأيقونات رسولية اطلقت سراح العواقب الشيطانية ل "ما العمل ؟" . لم تذكر مقالة لوكسيمبورج كتيب " ما العمل ؟ " مطلقا ، وحصرت مقالة تروتسكى نقدها فى ضربات طائشة لبعض من ملاحظات لينين العابرة . وجّه المقالان ضرباتهما على خطايا لينين الانقسامية فى اثناء وبعد المؤتمر الثانى فى اغسطس 1903 ، ولم يبذلا جهدا لارجاع تلك الخطايا الى كتيب " ما العمل؟" . والاكثر اهمية – اذا استمعنا لما يقولانه فعلا – نجد ان نقدهما للينين يسبب اضرارا مميتة لتفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " . والمثال الناصع هنا هو دور المثقفين ، طالما ان لوكسيمبورج وتروتسكى هاجما وبضراوة عداء لينين للمثقفين . وسنرى لاحقا ان لوكيمبورج وتروتسكى يشاطران عددا من تفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى" يرونها كخصائص فريدة لصفوية لينين .

وفى الاثناء ، يتم تجاهل كامل لقراءة متسعة انجزها احد خصوم لينين لكتيب " ما العمل ؟ " . ففى سلسلة من المقالات فى 4-1905 نشرها الكساندر بُتريسوف – عضو مجلس تحرير فى جريدةالايسكرا ( الشرارة ) مع لينين ، وخصم لاحق – حلل فيه " ما العمل ؟" كتعبير كلاسيكى عن الرومانسية الفخيمة ، والتفاؤل الخادع للذات من قبل النشطين فى العمل السرى ( او تحت الارض) . فاولئك الناشطون (practiki كما يكتبها لى – يشرحها لاحقا – المترجم) امتلكوا فكرة غير حقيقة لما يمكن انجازه ، والدعم الذى يمكن توقعه من قبل الجماهير . صحيح ان لينين انتقد الناشطين وبشكل حاد ، ولكن ذلك كان على طريقة المدرب الرياضى قبل بداية الشوط الثانى ، يملأ لاعبيه بالحماس المستشيط ، يحرضهم بانه يمكنهم ان يؤدوا بشكل افضل ، بشكل افضل كثيرا مما فعلوا .. وعليه فإن هذا الطقس جعل من لينين بطلا ، بالتحديد للاولئك الناشطين.

لقد اظهر نقد بُتريسوف المعادى ولكن المفكر ، نقطة مهمة . ان الطعنة النجلاء التى تهدف تفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " لتوجيهها ، هى ان تشاؤم وعدم ثقة لينين فى الجماهير هى شيئا سيئا . وبالنتيجة فان اى قراءة تؤكد ثقة لينين فيهم تعتبر قراءة متحيزة للينين . هذه الدراسة ليست ضد او مع لينين . هدفها ان تعطى رصدا دقيقا لرؤية لينين وتقريراته العملية فى مجرى تجربته . يفتح بوتريسوف امكانية ان ثقة لينين كانت رؤية خاطئة للواقع ، قادرة على تسبيب الاضرار العميقة ؛ وهذه الامكانية لايمكن قياسها الا فى مجرى الاعتبار الواسع الكلى لجامع الحياة العملية للينين .

تحليل مطول اخر لكتيب "ما العمل؟" جاء فى 1905 من ناشط جورجى مغمور حينها ، اسمه دزوجاشفيلى (Dzugashvili ) عرف لاحقا باسم استالين . قدم استالين دفاعا حيويا عن " ما العمل؟" ضد نقاده المنشفيك ، الذين اعتبروا الكتاب معاديا للعمال . بالرغم من ان استالين كان بلشفيا شرسا إلا ان دفاعه عن الكتيب توافق مع تحليل بوتريسوف فى نقطة رئيسية : ثقة لينين فى قدرة العمال على ايصال الرسالة الديمقراطية الاشتراكية . لقد كانت مقالة استالين مساهمة فى المناظرات الجدالية التامة فى 1904-1905 التى خاضتها مجموعة لينين (مثل بوجدانوف ، فوروفسكى وليادوف) . ولم تكن كتابات اولئك البولشفيك تدافع عن اى شئ يشبه شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" باى درجة من الدرجات.

انتقلت حركة الديمقراطين الاشتراكيين بعد 1905 الى قضايا اخرى وازمات اخرى ، ولم يجر ذكر "ما العمل ؟" مرة اخرى ، حتى من قبل مؤلفه ، خارج اطار تاريخ الحزب . وباسترجاع الذكرى ، فقد راى اقرب العاملين معه وكاتبى سيرته ( زينوفيف ، كامينيف وكروبسكايا ) فى الكتيب وثيقة مميزة ، ولكنها – بالتاكيد – ليست وثيقة متجاوزة او وثيقة دستورية للبلشفية . تمثل عبارة زينوفيف مدخلا مناسبا لعرض وجهة نظرى بصدد الاختلاف بين الارثودوكس والاقتصادويين :
سيقول الناقد الاقتصادوى : ‘ ماذا يعنى ، فى وجهة نظركم ،
ان الطبقة العاملة هى المسيح؟‘ على ذلك نحن اجبنا ونجيب الان :
ان المسيح والمسيحية ليست لغتنا ونحن لا نحب مثل تلك الكلمات؛
ولكنا نقبل المفاهيم التى تحتويها: نعم الطبقة العاملة وبمعنى محدد
هى المسيح ودورها هو دور مسيحى ، لانها هى الطبقة التى ستقوم
بتحرير العالم اجمع ... نحن نتفادى المصطلحات شبه الدينية كالمسيح
والمسيحية ، ونفضل المفاهيم العلمية : الهجمنة البروليتارية .

قد يكون ممكنا تحديد الدور الذى لعبه " ما العمل ؟" فى البلشفية اللاحقة ، بالنظر لمساهمة الاجيال التى اتت الى الحزب بعد جيل زينوفيف ، مثلا نيكولاى بوخارين والذى انضم للحزب بعد 1905 بعد ان جاءت ومرت دورة "ما العمل؟" . اذا كانت هناك اشارة واحدة للكتيب فى كل كتابات بوخارين ، فاننى لم اعثر عليها . الكتيب غائب عن لستة الكتب الدراسية التى تقدم للقادمين الى الحزب ، والمضمنة فى المطبوعة الحزبية ‘ الف باء الشيوعية ‘ والتى ساهم بوخارين فى كتابتها فى 1919 . كتب بوخارين مرتين عن وضع لينين كمنظّر اصيل ، وعن مساهمته فى المعرفة الماركسية ؛ وفى المرتين لم يذكر " ما العمل؟" ، بل لم تظهر موضوعة التنظيم الحزبى اطلاقا .

اذن "فالكتاب/المرجع المدرسى" ، هو - وبشكل عام - اختراع انتجته ظروف ما بعدالحرب . صعد الى منطقة زاعقة ، واحد اسباب صعوده هو النسيان العظيم لما مثلته الديمقراطية الاشتراكية الدولية ما قبل الحرب . وقد سببت رياح ثورة اكتوبر ذلك الفقد العظيم للمحتوى ، حيث انها قسمت اليمقراطية الاشتراكية الى قسمين ، واعطت الاسم ‘ الديمقراطية الاشتراكية ‘ للقسم المعتدل . وفى اليسار خلق اولئك الذين لم تكن لهم جذور عميقة فى الدولية الثانية ( لوكاتش ، جرامشى وكارل كروش) نظرية ، اقترحت ان اللينينية هى الرفض المبدئى للماركسية القدرية التى وسمت الدولية الثانية وكاوتسكى تحديدا . وهى نظرية لم يشاركهم فيها لينين . وفى نظرى ان الاصرار على رؤية تباعد عظيم بين تروتسكى فى جانب ، ولينين ، تروتسكى ولوكسمبورج فى الجانب الاخر قد اصابت الناشطين فى التقاليد التروتسكية بسؤ فهم عميق لابطالهم . نسيان عظيم مشابه تم فى التقاليد الاكاديمية ، بسبب التركيز الحصرى على روسيا ، مما انتج سؤ فهم اعمق لابطالهم المناشفة والاقتصادويين .

لم تمر شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" فى الحقل الاكاديمى بعد الحرب بدون تحديات . فقد تمكن اثنان من معلمىً من الجيل الذى خلق "الكتاب/المرجع المدرسى" هما جون بلاميناتز (John Plamenatz ) و روبرت تاكر (Robert Tucker ) ، من رؤية الحماس والضرورة وراء "ما العمل؟" . وفى السنين القريبة استمرت فى الظهور تحديات مُصّرة وراكزة تواجه شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" يحفل بها الدرس الاكاديمى . ولم ينتج عن ذلك اى نوع من النقاش الاكاديمى بين هاتين الوجهتين حول معنى الكتيب . فالمناصرون لتفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " لم يلتفتوا لاى تحدى معتبر واجه شروحاتهم المستقرة . كما اسلفت ، إنه من الصعب العثور على اى تحليل مناقش للكتيب فى مرحلة دورة لايسكرا او الادب التاريخى عموما . لم يطلع اى من المُتحَدّين بوظيفة وضع " ما العمل؟" فى محتوى تاريخى ، او شرح تلك الفقرات التى جعلت من شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" امرا ممكنا ( وهى التصدى للعفوية ، الوعى من الخارج ، تحويل الحركة العمالية ، وما شابه ) وهذا ما ستتصدى له هذه الدراسة .

تعليق وترجمة :

يقوم الكتاب على ثلاثة اجزاء . يتفحص الجزء الاول الديمقراطية الاشتراكية القائمة على البناء النظرى لماركس . اقترحُ مصطلح الايرفورتية كلافتة لهذا البناء النظرى ، واطرح لينين كايرفورتى روسى ، رأى الديمقراطية الاشتراكية الروسية كحلقة من سردية كبرى . كان لينين بين 1900-1903 عضوا فى هيئة تحرير جريدة الايسكرا ( الشرارة) غير القانونية . وطالما رأى الجميع "ما العمل؟" باعتباره التعبير الكلاسيكى عن رؤية الايسكرا ، فقد كرّستُ فصلا لشرح تلك الرؤية وتفاعلها مع الازمة الثورية المتنامية فى روسيا .
يفحص الجزء الثانى المحتوى الجدالى المباشر ل "ما العمل؟" ، وذلك بالنظر الى الاطراف المجادلة الرئيسية فى الحزب الديمقراطى الاشتراكى الروسى ، الذين وصل لينين الى تحديد مواقفه فى المناظرات ضدهم . قام الصراع بشكل اساسى حول جدوى نموذج الحزب فى التربة الروسية ، بالتحديد فرص الانتشار الناجح للوعى الديمقراطى الاشتراكى فى روسيا .
يستكشف الجزء الثالث عالم "ما العمل؟" ، النظرة للعالم المضمنة فيه ، ومصادر طرحه التنظيمى . عقد الحزب العزم على الجمع بين اساليب العمل السرى ومهام غرز الجذور الاشتراكية فى الارض العمالية ، امرٌ شهدت به بعض النجاحات فى بقاع متناثرة فى روسيا فى التسعينات (1890) . كانت مساهمة لينين هى جعل اسس هذه المؤسسة الجديدة مشهودةً ، وبنيةً راسخة ، بالاتكاء عليها والانطلاق منها ، يمكن للناشطين ان يجترحوا المعجزات .
ملحق مع الكتاب ترجمة جديدة لنص "ما العمل؟" من الاصل الصادر فى 1902 . توجد الان اربعة ترجمات الى الانجليزية ، ظهر اولها فى 1929 عندما ترجمت اعمال لينين الى الانجليزية والالمانية والفرنسية بواسطة السلطة السوفيتية . انجزت النسخة الانجليزية بواسطة جو فاينبرج ، والذى قام باختيارات الترجمة الابتدائية ، وهى التى حكمت كيفية قراءة " ما العمل ؟" بالانجليزية ومنذ ذلك الوقت . ما تلى ذلك من ترجمات ادخلت تعديلات غير جوهرية ولكنها احسن حالا . هدفت الترجمات الى جعل لينين مقروءا ومفهوما بدون اللجؤ الى تعليقات وشروحات واسعة . هى بلا شك ترجمات مفيدة ، اقر بالدين لها وانا اترجم النص من الروسية مباشرة .
تظل الحقيقة البسيطة ان " ما العمل ؟" كتيب لايمكن فهمه بدون شروحات واسعة . تسعى هذه الترجمة الى تحقيق اهداف مختلفة ، هى الاتساق و الجلاء فى المصطلحات الاساسية . وهو هدف يقتضى اولا اختيار ترجمة محفزة للمصطلحات المفتاحية . ثانيا ان يتم اجلاء (او مقابلة) المصطلح الروسى بنفس الكلمة الانجليزية ، كما لايتم استخدام الكلمة الانجليزية لاجلاء اكثر من كلمة روسية . ثالثا : يتم ترجمة الكلمات الروسية ذات الارتباط القريب ببعضها بطريقة تحفظ تلك الصلة بينها ، كلما امكن ذلك .
التباين بين "الوعى" و"التلقائية" يعطى مثالا مركزيا لاهداف الترجمة . فهو تباين مصيرى بالنسبة الى شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" ، ومع ذلك لا يحظى القارئ المحصور على النص الانجليزى بفهم مناسب له . فمن ناحية فالكلمة الانجليزية (consciousness) اى الوعى يمكن ترجمتها الى مصطلحين روسيين مرتبطين ولكنهما متمايزين تماما (soznanie) و (soznatel'nost ) . وبعد اعتبار جاد لاستخدامات لينين لهذين المصطلحين قررت استخدام ‘ الانتباه ‘ للاولى (اى awareness) و ‘ القصدية ‘ (اى purposiveness) للثانية .
من الناحية الاخرى فالكلمة الروسية التى ترجمت الى التلقائية (او العفوية ) وهى كلمة (stikhiinost) يتم ترجمتها احيانا الى صيغة الوصف ك ‘ابتدائى‘ او ‘اولى‘ ( elemental) . وقد يئست من ايجاد ترجمة مناسبة للمصطلح حيث انه مشاكس يلتف فى خصوصياته وعصىٌ على فرض فهم له من خلال الترجمة ، فاحتفظت بالكلمة الروسية .

اذا فى التراجم الانجليزية تمثل كلمة انجليزية واحدة (consciousness) كلمتين روسيتين متاميزتين ، بينما كلمة واحدة روسية (stikhiinyi) يتم التعبير عنها بكلمتين انجليزيتين متمايزتين ((spontaneous and elemental) اى (تلقائى وابتدائى/أولى) . اللغة الانجليزية تقابل بين الوعى والتلقائية ، وبالتالى تحدث تشويها ما يسكن فى ثنايا نص لينين .
احيانا تقوم الترجمات الموجودة بلف بعض المصطلحات فى دثار الغموض ، فمثلا الكلمة الروسية konspiratsiia تتم ترجمتها الى الكلمة الانجليزية 'conspiracy' اى المؤامرة . وهى لاتعنى كذلك ابدا ، فهى تشير الى القوانين والاجراءات الواجب اتباعها حتى تستطيع المنظمة العاملة تحت الارض البقاء والاستمرار ، تعنى تحديدا الفن الراقى لتفادى الاعتقال . الترجمات الاولى كانت منتبهة لهذا المعنى ولذلك تُرجمت الكلمة احيانا الى السرية .

وبالتالى فالنتيجة تصبح غير مقبولة لاى راغب فى التعامل مع ارث لينين من خلال الترجمة الانجليزية . فبناءً لتفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى" يقف لينين فى "ما العمل؟" مع بنية تنظيمية حزبية قائمة على التآمر . كيف يمكن تقييم هذا الادعاء والكلمة الروسية مخفية ، ولاظهارها احتفظت بالكلمة كما تنطق فى الروسية .
فى بعض الاحيان فالترجمة التى تبدو واضحة يمكن ان تكون مضللة ولحد كبير . فالكلمة الروسية Professiia تعطى نموذجا لذلك ؛ فهى كثيرا ما تعنى – او تقابل الكلمة الانجليزية – trade اى حرفة ، وهى بالتالى تلعب دورا مهما فى بلاغة الكتيب ، بالذات عندما اخذ لينين عن كاوتسكى حجته القائلة بان الصراع الاقتصادى ينحى الى التركيز على حرف محددة ، بينما الصراع السياسى يعمل على توحيد كامل الطبقة . ولكن الكلمة تظهر ايضا فى تعبيره المحتفى به والذى يترجم الى " الى ثوريين بالمهنة " او "الثوريين المحترفين " ولكنى اعتقد انه علينا احترام الربط اللغوى فى نص لينين ، ونترجمها الى ثوريين بالحرفة . وساوضح فى الباب الثامن لماذا تظهر هذه الترجمة - التى تبدو ركيكة - اقرب الى نية لينين . وهناك قاموس للمصطلحات يحوى كل الترجمات المغايرة والمختلفة عن الترجمات السابقة ، وتوجه القارئ الى المناقشات المرتبطة فى التعليقات المصاحبة .

تحتوى الترجمة على مجموعتين من الشروحات . تختص الاولى بفقرتين ، اما الثانية فتختص بباقى الكتيب . اسمى الفقرتين ب "الفقرات الفضائحية " – وهى الجمل التى يتم تدويرها بشكل لا نهائى الخاصة ب "من الخارج" (from without) و"محاربة التلقائية" ، وهى قلب شروحات "الكتاب/المرجع المدرسى" ، وقد كرست لهما قراءة مطلوبة لاجل فهمها بشكل صحيح .


انتهت المقدمة
نواصل مع عرض بعض من الكتاب
آخر تعديل بواسطة Isam Ali في السبت يوليو 22, 2017 2:06 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

يكتب لارس لى عن تاثر لينين الكبير بالايرفورتية بعد اطلاعه على مساهمة كاوتسكى المعمقة التى كرسها لمناقشة قرارات احد مؤتمر الحزب الديموقراطى الاشتراكى ، وانتجت كتابه " برنامج ايرفورت ". وقد ترجم لينين المساهمة الى الروسية . يقول لارس لى ان المساهمة جعلت من لينين ايرفورتيا قحا ، لانه راى فى تجربة الحزب الالمانى نموذجا يمكن ان يقدم اجابات لاسئلة تطرحها الحركة الثورية فى روسيا . مساهمة كاوتسكى توفر المحتوى الذى بدونه لايمكن فهم نص لينين فى "ما العمل ؟"
فى الفصل الثانى يعرض لى مفاهيم كاوتسكى ، ونعرضها بشكل سريع فيما يلى
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

للايرفورتية

مشاركة بواسطة Isam Ali »


ترد عبارة ‘ الديمقراطية الاشتراكية هى دمج الاشتراكية وحركة الطبقة العاملة ‘ مرارا فى كتابات لينين . يحدد ذات مرة ان ‘ صيغة الدمج ‘ هى مساهمة كاوتسكى لاعادة انتاج الفكرة الرئيسية للمانفستو الشيوعى . وهوهنا يربط بين المانفستو الشيوعى وبرنامج ايرفورت لكاوتسكى . والربط يستحضر التعبير عن فكرة مفتاحية هى فكرة المهمة/الرسالة ، اى المهمة التاريخية للطبقة العاملة للحصول على السلطة ، والعمل على تشييد البنية الاشتراكية . إذ يحدد البيان الشيوعى ان " الهدف المباشر للشيوعيين هو نفسه ذات الهدف تقصده كل الاحزاب البروليتارية الاخرى : تكوين البروليتاريا كطبقة ، الاطاحة بحكم البرجوازية ، الحصول على بنية القوة السياسية "
تشير ‘ صيغة الدمج ‘الى استراتيجية سياسية وتنظيمة ، كثيرا ما اهملها الدرس التحليلى . فهى تشير الى ضرورة توفر بعض الظروف السياسية المحددة ، تقترح مهام سياسية محددة ، وتشير الى ضرورة بناء منظمات محددة ، كما تشير الى ضرورة تقييم قوى اجتماعية محددة وتصنيفها كقوى صديقة او كقوى معادية . ‘ صيغة الدمج ‘ اذن هى عملية لا تتحقق الا فى مجرى العمل لانجازها . وهى بهذا المستوى تعتبر قضية اساسية ، وردت فى المقام العالى فى كتاب انجلز "ظروف الطبقة العاملة فى انجلترا “ والذى اقتطف منه كثيرا كل من كاوتسكى ولينين . بقول انجلز " ان الدمج بين الاشتراكية والشارتية - اعادة انتاج الشيوعية الفرنسية فى انجلترا - سيكون الخطوة القادمة . عندها فقط ستكون الطبقة العاملة هى القائد الحقيقى لانجلترا . وفى الاثناء ستستمر التطورات السياسية والاجتماعية التى تدعم هذا الحزب ، تدعم هذا التجاوز الجديد للشارتية " . وقد مثل هذا بالنسبة لكاوتسكى ولينين جوهرالبنية السياسية الواجب اتباعها . فقد فرغ انجلز هنا من تبيان صيغة الدمج ، فانعكست فى معالجات اقسام البيان الشيوعى الثلاثة . يعالج القسم الاول الخاص ‘ بالبرجوازية والبروليتاريا ‘ الحركة العمالية ، والثانى يعالج موضوعة الاشتراكية ، اما الثالث ‘ الادب الاشتراكى والشيوعى ‘ يعالج السؤال الخاص بكيفية دمج الاثنين ، ويكتمل التعبير عن الاستراتيجية السياسية المضمنة فى صيغة الدمج . كان ماركس قد اشار الى تحطم كل الصيغ الاشتراكية عدا تلك التى تمد يدها الى الحركة العمالية . فهى القوة التى ستعمل على تحرير نفسها كواجبها بالذات ، وهنا تنطرح واجبات الاشتراكيين فى هذا الاطار ، اى الاشتراكيين الذين يقبلون السردية الماركسية ، ينخرطون فى تنظيم الطبقة السياسى لكى تنجز انتباهها الى وضعها ومهمتها ، تنجز وحدتها التنظيمية ، وتحتاز على المعارف المتنامية فى تطور مرتبط بالاشتراكية العلمية . يقول انجلز فى ‘ الاشتراكية : الطوبائية والعلمية ‘ " انها المهمة التاريخية للبروليتاريا الحديثة – انجاز ذلك الفعل الذى يحرر العالم . ان هدف التعبير النظرى لحركة البروليتاريا – الاشتراكية العلمية – هو التفسير الراسخ للظروف التاريخية الخاصة بالفعل التحررى وبالتالى طبيعته . بانجاز ذلك ستعمل الاشتراكية العلمية على تحضير الظروف وتحديد طبيعة الفعل الذاتى للبروليتاريا ، باعتباره الانتباه الى ذاتها كطبقة . وبالرغم من قهرها اليوم ، الا انها مدعوة الى هذا الفعل العظيم " .

يمثل عرض صيغة الدمج عند انجلز وتناولها عند كاوتسكى ولينين ، قضية بارزة فى فى احضار الاهمية القصوى لهما وفهم مساهمتهما ، فقد مثلت العبارة الرئيسية المحددة لجوهر المذهبية السياسية لكليهما . وبالرغم من ذلك ، يكاد يكون مستحيلا ان تجد ذكر لهذه القضية فى اى من الادب المرتبط بتفسرات المرجع المدرسى ، الامر الذى يسمح برؤية " ما العمل ؟" بشكل ضمنى كمساهمة ماركسية تحريفية .
ياتى منطق صيغة الدمج متأصلا وبشكل عميق فى البيان الشيوعى . فالبيان يقرر ان الشيوعيين " يصارعون من اجل تحقيق اهداف ومصالح الطبقة العاملة الواقعة مباشرة على مرمى اليد ، ولكنهم ايضا يمثلون صوت الحركة المستقبلية انطلاقا من صوتها الحاضر " . وتمثل هذه العبارة مشروع الخطة الماركسية المحددة والمؤدية الى الاشتراكية .

تتضمن صيغة الدمج استراتيجية سياسية ، يعبر عنها الشعار المنادى بان تحرر الطبقة العاملة ، هو امر تنتزعه الطبقة بنفسها . ويترتب على ذلك ان مهام الاشتراكيين تتحلق حول تأكيد ان الطبقة " متوحدة فى تركيبها تقودها المعرفة " . تتجلى وحدتها البنائية التركيبية ، فى تنظيمها المنضبط فى اوطانها وبين الامم . ، بينما تقدم الاشتراكية العلمية بنية ومحتوى المعرفة . يقول انجلز " انه نداء التاريخ يوجهه للبروليتاريا الحديثة ، يلزمها بانجاز ذلك الفعل المجيد للتحرر العالمى . ان مهمة الافصاح النظرى لحركة البروليتاريا – الاشتراكية العلمية - هو تقديم الشروحات المعمقة للظروف التاريخية لمهمة التحرر ولطبيعتها . وبانجاز ذلك تجلب الاشتراكية العلمية شروط وطبيعة الفعل الذاتى للبروليتاريا وترفعه الى وعى طبقة يتم استدعاءها لتحقيق ذلك الواجب/االرسالة الكبرى بالرغم من ظروف قهرها القائمة " .

تطرح صيغة الدمج ضمنا – وفقا لماركس فى البيان الشيوعى – ضرورة نضال البروليتاريا من اجل الديمقراطية الليبرالية . فوفقا لاوصافه يقول ان الاشتراكيين هم مجموعة من المثقفين الذين " قاموا بقذف اللعنات ضد الليبرالية ، ضد الحكومة التمثيلية ، ضد المنافسة البرجوازية ، الحريات البرجوازية للصحافة ، الحقوق البرجوازية ، الحريات والمساواة البرجوازية " . كانوا متحمسين لاستخدام المطالب الاشتراكية كحجة لتشويه سمعة اى سعى من اجل الحريات السياسية ، حتى اصبحوا ادوات فى يد طبقة النبلاء والحكومات الاستبدادية الالمانية . يختلف الشيوعيون الالمان عنهم تماما ، " والذين يقاتلون الى جانب البرجوازية – عندما تظهر نفسها كقوى ثورية – ضد الاستبداد الملكى ، ملاك الاراضى الاقتطاعيين والبرجوازية الصغيرة " . لقد كان اصرار الديمقراطيون الاشتراكيون الروس على الحريات السياسية موقفا مبدئيا تتشاركه كل حركة الديمقراطيون الاشتراكيون الماركسية فى اروبا ، الامر الذى ميزهم عن كل الاشتراكيين والثوريين وحركات الطبقة العاملة الاخرى .

فيرديناند لاسال :


استحضره لينين فى بعض الفقرات المهمة فى "ما العمل؟" . لقد كان تاريخه كقائد لحركة الديمقراطية الاشتراكية قصيرا مقارنة بتاثيره . فقد سألته مجموعة عمالية المانية عن رأيه ، بصدد افضل المسارات السياسية للحركة العمالية . فى رده ( اشتهر برسالة مفتوحة ، كما سمى ايضا بالمنفستو ) اقترح لاسال تنظيم حزب سياسى عمالى مستقل يهدف الى تحقيق حق الاقتراع العام . وقد ارتبط شخصيا بعملية بناء الحزب ، والتى انتهت فى غضون اقل من سنتين بوفاته . تمثلت مساهمة لاسال فى منح صيغة الدمج بعدا روحيا عندما تحدث عن مهمة /رسالة الطبقة العاملة ، مربوطة باستراتيجية سياسية مضمنة فى ثناياها ، تعبر عن نفسها على مستوى الوطن . اقترح لاسال الوجود المستقل للطبقة العاملة بحيث تشكل كتلة سياسية رابعة ، تنفصل عن الطبقة البرجوازية التى كانت تمثل الكتلة السياسية الثالثة فى المجتمع الالمانى . تعبر الكتلة الرابعة عن تطابق المصالح الذاتية للطبقة العاملة ، و تضامنها الطبقى فى اتجاهها الى تنفيذ مهمتها التاريخية. حددت رسالة لاسال المفتوحة ان المهمة التاريخية ترسم للطبقة شخصيتها الاخلاقية ، ترفع مبادئ طبقتها الى مبادئ انسانية عامة تقود كلية المجتمع . يقول للحركة العمالية بانها الصخرة التى ستشيّد عليها كنيسة المستقبل . يقترح استمرار حضورهم فى حياة الطبقة العاملة فى المصانع فى اوقات العمل ، فى اوقات الراحة ، فى التجمعات من كل نوع . ويقول ان ذلك هو الطريق لتسريع الوقت تاخذه المرحلة التاريخية لانجاز اهدافها . ليس كافيا تحقيق مصالح حياتية للطبقة ، كما انه لايتطلب تحقيق انفصال الكتلة السياسية الرابعة للطبقة العاملة ، فالاخيرة تهدف الى انجاز حركة سياسية على مستوى الوطن منخرطة فى التحريض العام لكامل الطبقة .
اعتقد لينين ان مساهمة لاسال تمثلت فى وضع الاستراتيجية السياسية المضمنة فى البيان الشيوعى فى متناول النشاط السياسى ، فقد حول فكرة المهمة التاريخية الى سياسة عملية .

حزب من نوع جديد : نموذج الحزب الديمقراطى الاشتراكى

عبر الاشتراكى الامريكى عن اعجابه الكبير بالحزب الديموقراطى الاشتراكى ، وصرّح مأخوذا : هناك فى المانيا اشتراكيون اكثر من اعداد الناس فى اسبانيا او المكسيك ، او من اعداد الناس فى هولندا وبلجيكا والدنمارك والنرويج مجتمعين . وذكر مجموعة خصائص تجعل من الحزب منظمة من نوع جديد لم تعرف من قبل . يقول عن الحزب " يدار بشكل ديمقراطى ، ويمتلك شخصية لم تعرف فى السياسة الامريكية " ويقول كذلك " ينجز عملا دعائيا على مستوى عال ومدى فسيح " .

فى 1878 اصدر بسمارك قوانين معادية للاشتراكية صادرت الوجود القانونى للحزب باستثناء شديد الغرابة ، وهو امكانية الحزب ترشيح مناديب للبرلمان . وقد انتهت تلك الفترة ( فى 1890 ) بفوز باهر للحزب باغلبية مقاعد البرلمان ، الذى الغى القوانين الجائرة ، وارسل المستشار الحديدى للغياب . وقد حظيت التاكتيكات التى اتبعها الحزب فى تلك الفترة ، باهتمام عال من قبل الديمقراطيين الاشتراكيين الروس الذين عانوا القهر المطلق بكل اصنافه وتعبيراته . اهم تلك التاكتيكات كانت رسم الدور الذى تلعبه منظمات المنفى فى اعطاء صوت استمرارية و وتوفير حس بالاتجاه .فقد اصدر الحزب - تحت قيادة بيرنشتاين - جريدة الديمقراطى الاشتراكى الاسبوعية من سويسرا لتوزع داخل المانيا . وقد لعبت الجريدة دورا مؤثرا فى ربط القيادة ببقية جسم الحزب ، وابقت السياسة على قيد الحياة والتنفيذ . يقول البريطانى توماس كيركوب " اظهر الديمقراطيون الاشتراكيون صبرا ، عزيمة وانضباطا ، وفى غياب اى شكل من اشكال التنظيم الرسمية ظهرت اشكال تنظيم حقيقية وفعالة من خليط العقل والهدف ، لم يوجد لها مشابه فى محيط الحركة العمالية على نطاق العالم " وذهب للاشادة بنجاح صمودهم واستمرارهم فى وجه قوانين القمع الفظة ،" وفى الحقيقة اعطوا دليلا لكل المزايا العالية التى تناسب الافراد والمنظمات للعب دور عظيم فى التاريخ " .

فى سنين التسعينات (1890 ) تخقق نموذجا للحزب، كان تعبيرا عن التحام الاشكال الجديدة لمؤسساته ، والتى قامت كتجسيد للاستراتجية السياسية الماركسية . والتى تنادى بتوفير النظر المتعمق والتنظيم للحركة العمالية من اجل حمل مهمتها/رسالتها العظيمة ؛ وذلك من خلال التأكيد على وظيفة الحزب التعليمية. كان الافتراض المفتاحى للنموذج الحزبى " بينما ان شروط تجربتهم قد توفر للعمال امكانية الانيحاز الى الديمقراطية الاشتراكية ، ولكن تحديدا فان الوعى الاشتراكى كان يجب تدريسه وتعلمه " . نلك الدفعة التعليمية تسندها آلة تحريضية متقنة ، ضخمة ومسهبة . يقوم عليها كادر مقتدر ، يدعو للمشروع الجديد فى كل مدينة فى المانيا ، تدعو له الوسائل المؤثرة من صحف ، منشورات ، دراسات ، روزمانات والتى يطرح فيها المذهب الاشتراكى باستقرار واستمرار فيقترب من الاذهان وينغرس. بلغ عدد الجرائد الاشتراكية فى 1890 ال 75 جريدة ، تصدر منها 39 جريدة يومية . وهى جرائد خصصت لفئات متعددة من الطبقة العاملة ، كالشباب والنساء والاندية الرياضية ، والمشتغلين بالفن والمسرح ومحبى الشطرنج ...الخ . كل منها ارتبط بكلمة عامل ،مثلا نادى كرة القدم العمالى ، الكورال العمالى ، نادى الكتاب العمالى .. الخ ، وذلك الى جانب التحديد/الوصف الاساسى للنشاط السياسى ، الوضع الاجتماعى ، التنظيمى والمرجع الفكرى كما فى الحركة العمالية ، حزب العمالى /العمال والطبقة العاملة . فكلمة عامل مثلت الشفرة الاساسية لحركة الديمقراطية الاشتراكية . يقتطف لينين من كاوتسكى " العامل ليس فردا معزولا . فهو يشعر بالقوة كجزء من منظمة قوية تمثل فردانيته الى جانب تمثيلها الكل الحزبى . فهو يساهم فى الصراع ، وباخلاص تام ، كجزء من كتلة عامة ، بلا احتمال للفائدة الشخصية او الشهرة ، ينجز واجباته فى جبهة العمل المكلف بها ، بانضباط اختيارى يملاء جماع مشاعره وفكره " . وتلك كانت احدى خصائص النموذج الحزبى الذى زكّت تميزه وحازت على انتباه لينين .

ميزة اخرى مثلت ملمحا تجديديا للنموذج الالمانى ، نبعت من استراتيجية المنفستو ، هى حقيقة انه كان حزبا ممتدا عبرما مثلته الامبراطورية الالمانية من وطن . وميزة اخرى مثلت اهمية قصوى عند لينين هى ان الحزب لم يقف فقط لتمثيل مصالح الطبقة العاملة ،او مشروع التحول الاشتراكى ، وانما من اجل كل مبادئ الديمقراطية والقيم الانسانية فى المجتمع ككل .


يتبع
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

[b]
كاوتسكى وقيادة الطبقة [/b]:

اقتطف لينين فى " ما العمل ؟" فقرة طويلة لكاوتسكى لدعم وجهة نظره . كُتِبَ كثيرا عن العلاقة بين وجهة نظر لينين وموقف كاوتسكى المسجل فى الفقرة المذكورة . ولكن معظم المناقشات جانبت النقطة الرئيسية ، حيث ان الدين الحقيقى لكاوتسكى كان اقدم من ذلك كثيرا ، واكثر عمقا .
لقد أُعتبرَ كاوتسكى كاهم المنظرين للحركة الديمقراطية الاشتراكية الدولية ، واكثرهم تاثيرا . كتب برنامج ايرفورت فخلق تاثيرا مشهودا فى الناشطين الروس . ترجم الشاب لينين الكتاب فى 1894 الى الروسية ، فى زمن كان يحقق فيه هويته كثورى ديمقراطى اشتراكى ( كان فى الرابع والعشرين من عمره) . لقد امتلك برنامج ايرفورت تاثيرا هائلا على ذلك الجيل من الثوريين ، يتم تجاهله الان وبشكل يثير التساؤل والشكوك .

الى جانب ‘برنامج ايرفورت ‘ اشير الى كتاب كاوتسكى ‘ البرلمانية ‘ ، كنص استخدمه لبناء رؤية كاوتسكى . وقد ذكره لينين فى " ما العمل ؟" كمرجع لبعض مناقشاته المبدئية . تأتى اهمية الكتاب ليس فقط باقتطاف لينين ، وإنما لان الكتاب يطرح المنطق الذى يكمن خلف ما اسماه الروس ، استراتيجية الهجمنة البروليتارية فى الثورة الديمقراطية .

دوائر الانتباه :

( او دوائر الوعى .. كما ورد سابقا ، فلارس لى يترجم الكلمة الالمانية و الروسية الى الانتباه بدلا عن الوعى - المترجم) .
اسمى هذا الرسم البيانى : دوائر الانتباه لكاوتسكى . ولنوضح النقاط المرتبطة به .


الطبقة العاملة
البروليتاريا
الحركة العمالية



الطبقات العاملة -> البروليتاريا -> الحركة العمالية -> الديمقراطية الاشتراكية
(عفوا : لم استطع رفع الشكل ، ولكنه اربعة دوائر متداخلة ، الدائرة الداخلية تحدد اليمقراطية الاشتراكية، وهكذالتمثل الدائرة الخارجية الطبقة العاملة )

النقطة الاولى – مهمة جدا لفهم "ما العمل؟" – هى ان المصطلح ‘ الحركة العمالية ‘ المستخدم فى صيغة الدمج ، هو مصطلح فنى ( تكنيكالى) يرد بمعنى محدد فى خطاب الديموقراطيين الاشتراكيين . فاالحركة العمالية ليست البروليتاريا ككل ، ولا هى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين . انها البروليتاريا المصادمة ، ذلك القسم منها تلهمه روح جياشة بالمقاومة المنظمة .
فى اى لحظة ، يحظى الاعضاء فى الدوائر الخارجية بانتباه اقل ، اى انتباه اقل الى وضعهم الطبقى ، مصالحهم الاساسية وبالتالى مهمتهم التاريخية . ومع ذلك اذا نظرنا الى الوضع فى مدى زمنى اطول ، نجد ميلا عند الدوائر الداخلية الى التمدد . تصبح الديمقراطية الاشتراكية اكبر لتغطى اكبر جزء من كلية البروليتاريا ، وفى النهاية تندمج كل الدوائر فى دائرة الانتباه الكامل . بالرغم من ان كاوتسكى لا يشرح بشكل تفصيلى ميكانزمات وعمليات الانتقال بين الدوائر الا أن الرسم - كتمرين فى التفكير - يقترح انه فى اسوأ الاحوال فان الاشتراكية حتمية . ومع ذلك ( يضيف مباشرة ) فان ذلك هو بالتاكيد اسوأ السيناريوهات ، ذلك لان الاشتراكية تصل بعد " عدد كبير من تجارب سؤ الفهم ، الاخطاء والتضحيات غير الضرورية ، والانفاق غير المفيد للطاقة والزمن " .

اسمى ذلك حجة ‘ عاجلا او اجلا ‘ . وهى حجة ترد بتواتر فى كتابات الديمقراطية الاشتراكية ، كوسيلة لجمع الادعاء بالحتمية ، مع الحاجة الملحة الاساسية للتبشير وسط العمال . بعد رسم هذا السيناريو ، يعود كاوتسكى من التمرين النظرى الى العالم الحقيقى ، ليفسر القوى العاملة حقيقة فى تمدد حلقات الانتباه . اولا هناك القوة التى تأتى تلقائيا من حركة العمال : روح المقاومة . وهذه المقاومة بحد ذاتها قادرة على قيادتنا الى الاشتراكية ، ولكن هذه النقطة تكاد تكون غير مهمة فى العالم الحقيقى . ما هو اكثر اهمية هو ان روح المقاومة ( الى جانب الملامح الاخرى للبروليتاريا الصناعية ) تجعل من العامل قادرا على استقبال " الاخبار السعيدة " تجلبها الديمقراطية الاشتراكية . وطالما ان الحركة الاشتراكية ورسالتها يوجدان فى الواقع ، فاننا نحصل على ضرورة طبيعية جديدة: اى عامل يستطيع ‘ عاجلا او اجلا‘ ان يقرر انه وفى الحياة الواقعية فان الديمقراطية الاشتراكية هى القوة النشطة التى تحول الحركة العمالية بنشر الانتباه . تتأكد الديمقراطية الاشتراكية من ان البروليتارية الصدامية هى الارض الخصبة المثالية للتجنيد وبالتالى تركز جهودها عليها . لاتنبع الديمقراطية مؤكدا بشكل اتوماتيكى من الحركة العمالية ، انها - بالاحرى – قوة تبصّر محددة توفرها حصرا مساهمة ماركس وانجلز .

والان يمكننا فهم معنى " الثقة " فى المحتوى المضمن فى الديمقراطية الاشتراكية . ففى حالة اسوأ السيناريوهات ، نجد ان الديمقراطية الاشتراكية "تثق " ان العمال سيعملون على تقديم الاشتراكية . اما فى السيناريو المرتبط بالحياة الواقعية ، فان الديمقراطيين الاشتراكيين واثقون ان الحركة العمالية سوف تسمع وتستوعب رسالة الديمقراطيين الاشتراكيين ، بمجرد ان تكون فى وضع لاستقبالها . حتى العامل غير المتعلم يستطيع ان ينجز ذلك التفهم و يحصل على نفاذ البصيرة. ان توقيت البصيرة النافذة غير مرتبط بشكل وثيق بدرجة التطور الراسمالى . وقد اشار كاوتسكى الى تقدم التفكير السياسى للطبقة العاملة الروسية قياسا بنظيرتها فى انجلترا . فالامر يتوقف على نوعية القيادة الطبقية اكثر مما يتوقف على تطور القوى المنتجة .

اذن فاننا نرى ان دوائر الانتباه ( الوعى) تتحول باستمار فى علاقتها مع بعضها . فالصيغة الاساسية تُعرّف الديمقراطية الاشتراكية كحالة دمج بين الاشتراكية وحركة الطبقة العاملة . ولكن محتوى الخطاب هو فقط من يخبرنا عن مستوى الانتباه المتحقق عندما يكتب الديمقراطيون الاشتراكيون مصطلح " الحركة العمالية " . فالخطاب يحدد اذا كانوا يقصدون الحركة العمالية قبل وجود الديمقراطية الاشتراكية ( محددة فقط بالمقاومة الصدامية) او بعد تحولها بواسطة رؤى وفعالية تنظيم الديمقراطية الاشتراكية .
يرجع معظم سوء الفهم لاورثودكسية هذه او تلك من الصيغ الى بعض الغموض المحيط بها . من الافضل الانتباه الى السردية التى تجرى على المستوى التأسيسى . ففى جانب ، نجد الحركة العمالية محفزة بروح المقاومة ، وفى الجانب الاخر نجد الديمقراطية الاشتراكية تحركها مفاهيم ضرورة الدمج . تحرك القوى الداخلية لكل منهما فى اتجاه الاخر ، تقود فى النهاية الى التحامهما .

يتبع
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

الفطنة والتنظيم :
يمكننا الان ان نرى ان الاهداف المفتاحية للديمقراطية الاشتراكية كما لخصها كاوتسكى :
" الاشتراكية الديمقراطية هى حزب من البروليتاريا المصادمة ؛ فهو يهدف الى تعليمها ،
الى تنظيمها ، الى نشر قوتها الاقتصادية والسياسية بكل السبل المتوفرة ، لقهر اى وضع
يمكن السيطرة عليه ، وبالتالى مدها بالقوة والنضوج والذى سيمكنها فى النهاية من الوصول
الى السلطة والاطاحة بحكم البرجوازية ".


وقد وردت هذه الاهداف ضمن مناقشة متسعة ، ولكنى ساركز على الثيمات ذات التأثير الاكبر على الديمقراطية الاشتراكية الروسية . وتشمل الاهمية الاصلانية للحريات الديمقراطية ؛ القوة التى يمنحها تجلى هدف واضح نهائى ، للصراع هنا والان ؛ القيمة العالية التى تُعطى للتنظيم والانضباط الحزبى ؛ احساس الحركة الخاص والفخيم برسالتها الجليلة .

لا تنهض – ابتداءا - مهام تعليم وتنظيم الطبقة على مستوى الوطن ، اذا غابت الحريات الديمقراطية . فالمنظمات السرية تكون بديلا ناضب الفعالية للمنظمات المفتوحة الجماهيرية فى خوض الصراع الطبقى على المستوى الوطنى . الدور المؤثر للاعلام الحزبى يعتمد كثيرا على الحريات السياسية . ولذلك ليس هناك اسوأ من الاستهانة بها من قبل الحزب ، فهى بمثابة ‘ الضوء و الهواء ‘ فى صيغة التشبيه التى استخدمها كاوتسكى وقبله انجلز وبعدهما الديمقراطيون الاشتراكيون الروس ؛ فقد ورد فى وثيقة المؤتمر الاول للحزب " تعتبر الحريات السياسية بمثابة الهواء النقى . فهى الظرف الاساسى لتطورها الحر وصراعها الناجح من اجل الاصلاحات الجزئية و تحررها النهائى ." و " ذلك الذى يدع الحريات الديمقراطية تضمحل او يمنعها – الذى يمنع البروليتاريا من الصراع من اجل الفوز بتلك الحريات ، تعمل من اجل تعميمها – ذلك الشخص يعتبر من اسوأ اعداء البروليتاريا " .

اذن فحزب سياسى يمتد على نطاق الوطن – ليس منظمة اقتصادية واسعة – هو اعلى شكل من اشكال الصراع الطبقى . وهوتحول فى الصراع الطبقى الى المرتبة العالية تحققه عملية الدمج بين الاشتراكية والحركة العمالية ؛ تقترب بعده الحركة من تحقيق هدفها . يكتب كاوتسكى : " فالان تحتاز كل جوانب الصراع اهميتها ، حتى تلك التى لاتحقق انجازات عملية مباشرة ، فانها تساهم فى ترقية وتقدم الانتباه الذاتى للطبقة وهيبتها ، و وحدتها الرفاقية وانضباطها . والان ، هناك عدد من المعارك يبدو انها تنتهى الى هزائم ولكنها فى الخقيقة تعادل الانتصار . فكل اضراب وكل مقترح تشريعى مرفوض ، كان من شأنه خدمة مصالح البروليتاريا ، كل ذلك يمثل خطوة للامام نحو هدف بناء وجود انسانى يليق بالكرامة الانسانية " .

يطرح هذا الهدف الانسانى النهائى ضرورة الالمام بالصورة الكبرى . يكتب كاوتسكى :
" اليوم ، وفى مجتمع يضم سوقه العالم اجمع ، فى عالم تسمه عمليات التحول المستمرة
(...) فانه يستحيل على الطبقة العاملة ممارسة صراعها الطبقى بذكاء ونجاح بالاتكاء
فقط على الحس السليم . يصبح من الضرورى لكل مصادم ان يوسع افقه من خلال الفهم
العلمى ، يدرك عمليات القوى الاجتماعية المعقدة تجرى فى الزمان والمكان ( ...) وذلك
من اجل ترتيبها فى علاقات اكيدة مع او ضمن العمليات الاجتماعية ككل
."
ان العواقب الوخيمة لغياب فكرة الهدف النهائى يظهرها ما آل اليه مصير الطبقة العاملة الانجليزية . فالقوة الفردية للاتحادات النقابية ، لم تكن تعويضا لما ترتب من روح ضيقة ذاتية ، قادت الى ‘ الارستقراطية العمالية ‘ . كان من المفترض ان يكونوا ابطالا للجماهير ، ولكنهم تصرفوا كقاهريها .

انهى هذا الجزء بكلمات كاوتسكى فى كتابه " الطريق الى السلطة " ، والذى نال تقديرا عاليا من لينين . وهى كلمات نادرا ما تجد اثرا لها فى المراجع الثانوية الناقدة ، بالرغم من انها تمثل جزءا حيويا لمحتوى " ما العمل ؟ " :
" اليوم تشكل صفوة البروليتاريا فئة ابعد نظرا ، اكثر ايثارا والاشد جرأة ،
وهى التى اتحدت فى اكبر التنظيمات الحرة فى بلدان الثقافة الاروبية .
وبالمثل فان البروليتاريا سوف – ومن خلال الصراع – تاخذ على عاتقها
اصطحاب العناصر الابعد نظرا والاكثر ايثارا من كل الطبقات ، ستنظم و
تعلم وتضم الى صدرها حتى العناصر الاكثر تخلفا ، تملؤهم ببهجة الامل و
الرؤية الوسيعة . ترفع صفوتها الى قمم الثقافة ، تجعلها قادرة على قيادة
تحول اقتصادى كبير يكون قادرا فى النهاية على انهاء الشقاء ينبع عن
العبودية ، الاستغلال والجهل .
مرحى لاؤلئك المنادون للاشتراك فى هذا الصراع العالى وهذا النصر المجيد
"

قيادة الجماهير ( سيناريو الهجمنة ):

يقول كاوتسكى ان الديمقراطية تستبطن ميلا لان تكون جزبا يمتد على ارجاء الوطن وبشكل متزايد . ولكى تصبح كذلك – اى كحزب شعبى - فهى تعمل على تمثيل العمال الصناعيين ، بل على تمثيل كل الفئات الكادحة والمستغَلة ، وبالتالى الغالبية العظمى من السكان ، اى ما يسمى بالجماهير ( او الشعب ) . هذه السمة مثلت اهمية كبيرة للاشتراكيين الروس . فالحزب الديمقراطى الاشتراكى يستطيع تمثيل مصالح جميع فئات وطبقات الكادحين بافضل مما يفعله اى حزب اخر . يطرح هذا فكرة برنامج الحد الادنى ، وهى نفس الفكرة التى يتيح منطقها ان نطلق عليها برنامج الحد الاعلى ، اى اعلى ما يمكن انجازه قبل حكم البروليتاريا . فادنى تبدو مضللة فى حساب مجموعة مقاييس تنتج تحولات اجتماعية وسياسية واسعة فى المانيا الامبريالية ( ديمقراطية تمثيلية ، حريات سياسية ، تسامح دينى ، نظام صحة وطب اجتماعى ، قوانين حماية للعمل .. الخ ) . وفقا لكاوتسكى فإن بعض هذه المطالب لن يدعمها الا حزب ضد رأسمالى . بعضها يمثل - وبشكل رسمى - جزءا من برنامج ‘ البرجوازية الديمقراطية ‘ . ولكن – وهذه نقطة مهمة - لن يقوم بتبنيها والدفاع عنها سوى الديمقراطيون الاشتراكيون . هذه القضية الخاصة بتبنى والدفاع عن مصالح الطبقات والفئات الكادحة فى المجتمع ، تطرح فكرة الهجمنة . تعبر الفكرة عن امل الديمقراطيين الاشتراكيين فى القيادة لمكون متعدد الطبقات والفئات الاجتماعية فى روسيا . فهى هنا تعنى منطق الاستراتيجية السياسية فى معناها المتداول اليوم . الفكرة الرئيسية هنا بصدد استراتيجية الهجمنة هى ان البرليتاريا الروسية هى القوة الوحيدة القادرة على قيادة الثورة الديمقراطية البرجوازية التى ستسقط الفيصر . بدت الاستراتيجية للبعض كمثيرة للدهشة ، وحتى متناقضة بالنسبة للمنطلقين من الماركسية . فالثورة المناطة بالديمقراطية الاشتراكية هى الثورة الاشتراكية وليست البرجوازية .
ما اود توضيحه هنا ان استراتيجية الهجمنة ، تنبع من المقدمات المقبولة للتفكير الديمقراطى الاشتراكى وهى :
المقدمة الاولى :ان الحريات الديمقراطية هى ضرورة مطلقة للديمقراطية الاشتراكية . يترتب على ذلك ان تحقيق الديمقراطية فى البلدان التى تحكمها الانظمة الديكتاتورية ، يقع بشكل اساسى على عاتق البروليتاريا .
المقدمة الثانية : ان الجماهير صاحبة مصلحة فى الحريات السياسية . الديمقراطية التمثيلية (البرلمان) توفر منبرا يصعده منتقدى المجتمع الحالى ، يفضحونه امام الشعب .
المقدمة الثالثة : ان مصالح البرجوازية فى الحرية الديمقراطية تتعارض عكسيا مع نهوض مصالح البروليتاريا . بالطبع لا تعارض البرجوازية احتياز الحريات الديمقراطية من اجل مصلحتها ، وقد لاتمانع من الحصول على مساعدة البروليتاريا فى الحصول عليها ، طالما تأكدت ان البروليتاريا لن تستخدمها بطريقة خطرة .

لقد كان الروس من الاوائل الذين استخدموا مصطلح الهجمنة لوصف القيادة البروليتارية للثورة البرجوازية . وكانت الفكرة ببساطة ان الحريات الديمقراطية لهى بالاهمية بمكان لأن تترك للبرجوازية . فهى تستخدمها لتحقيق مصالحها فقط، بينما الديمقراطية الاشتراكية ستقود الشعب ، وتستخدم الحريات الديمقراطية لانجازاكثر الدساتيرالديمقراطية المتاحة . لقد جعلت الحريات السياسية من الديمقراطية الاشتراكية مشروعا ممكنا ، وعليه فواجب الديمقراطية الاشتراكية ان تجعل من الحريات السياسية واقعا ممكنا .
وفقا لسيناريو الهجمنة ، تضطلع الديمقراطية الاشتراكية بقيادة ليس فقط الحركة العمالية والبروليتاريا ، بل كل الحركة الشعبية الجماهيرية . وهكذا نجد انفسنا فى مجرى الدائرة الخارجية لدوائر الوعى المذكورة سابقا . فهناك يوجد غياب الفهم ، التارجح بل حتى العداء . يشرح كاوتسكى تعقيد منظومة التوقعات :
فى الوقت الذى ينمو فيه حجم العاملين فى القطاع الصناعى ، وتنمو اهمية القطاع الاقتصادية ، ينمو معه ذكاؤهم ، كذلك ينمو الانجذاب لما تتيحه البروليتاريا على عدد من الفئات الاجتماعية ، لاتنتمى اليها كليا ، ولكنها قريبة منها فى مستوى المعيشة وعلاقاتها الاقتصادية . يقوى هذا الجذب كلما كبر الاستقلال المعرفى الثقافى والتنظيمى للبروليتاريا ، وكلما تعاظمت وحدتها كطبقة .
ان الطبقات فى المجتمع لاتوجد متمايزة بشكل صارم كما هى فى الفكر النظرى , وعليه فهناك درجات متوسطة متعددة بين الطبقة العاملة باجر والفئات العاملة الاخرى ، المزارعين ، الفنيين ، صغار الحرفيين ، مثلما هناك تمايز بينهم والمثقفين . ذلك التأرجح بين البروليتاريا ورأس المال ، يقوم به افراد او مجموعات كاملة من هذه الطبقات والفئات الاجتماعية ، يقررون بشكل اوضح لصالح البروليتاريا او ضدها ، بالاعتماد على التاثرات الشخصية الذاتية الخاصة ، او الاوضاع والظروف التاريخية و/اوالموقع الاقتصادى . وعليه فإن اجزاءً من المزارعين ، البرجوازية الصغيرة والمثقفين ، يمكن ان يقفوا موقفا معاديا للبروليتاريا ، وينجذب جزء نامٍ بثبات ، وخصوصا فى الفئات الاجتماعية الفقيرة ، الى البروليتاريا ويتبنى قضيتها ، فيكبر جيشها ، يسير تحت رايتها . "

الديموقراطية الاشتراكية كاخبار سعيدة :


لقد استطلعنا اراء كاوتسكى بصدد عدد من الموضوعات ، وسنرى صداها فى كتابات لينين . ان قوة هذه الاراء لا تاتى فقط لموقعه الضخم فى الحركة الديمقراطية الاشتراكية الدولية . فوجهات نظره المتعددة تتحد وتتركز بثلاثة طرق : بالسردية التى احتوت على منطق صيغة الدمج ؛ بسطوة البيان الشيوعى ؛ و بفخامة الديمقراطية الاشتراكية المتحققة فعلا وواقعا فى المانيا .
تجمع صيغة الدمج كل حجج كاوتسكى المتعددة الى بعضها . امتداد دائرة الانتباه ، الانفصال الابتدائى بين الاشتراكية والحركة العمالية ، جبهتى الحرب الحجاجية ضد الذين رفضوا التركيبة ( SYNTHESIS ) الماركسية العظيمة ، الحريات السياسية كالضوء والهواء للبروليتاريا ، القوة التى يهبها هذف نهائى ملهم ، الحاجة الى حزب منضبط حديث على المستوى الوطنى ، الحاجة الى تنفيذ الواجبات الديمقراطية التى تهاب البرجوازية توليها ، واخير ا الاحساس الذاتى للديمقراطية الاشتراكية بمهمتها التاريخية ، كل ذلك ينبع من صيغة الدمج المذكورة .

تم استخدام صيغة الدمج فى روسيا كقالب للتطور بواسطة مارتوف ، عندما كتب عن السيرة التاريخية لصراع الطبقة العاملة الروسية فى 1900 . يقول " تتكون الحركة العمالية الاشتراكية العالمية المعاصرة من تيارين ، استمرا فى التطور المستقل ولوقت طويل . " ويتبع ذلك سرد مشابه للتطورات الغربية التى رصدها كاوتسكى فى برنامج ايرفورت ، لينتهى بامانى تُشتهى :
" اتت الاشتراكية الى الحركة الاقتصادية للطبقة العاملة ، كلّفت نفسها
بواجب الافصاح عن المصالح العامة لهذه الحركة , وفى الاثناء جاءت
الطبقة العاملة الى الاشتراكية : بدأت جماهير العمال ترى فى الاشتراكية
هدفها النهائى لمسيرة حركتها التاريخية . وعليه تحقق الالتحام بين الحركة
العملية للعمال مع الفكر النظرى – وعليه تحقق ما سماه لاسال اتحاد العلم مع
العمال . اصبحت فكرة الاشتراكية هى فكرة الطبقة العاملة ، واصبح الحزب طليعتها .
هذه هى الطريقة التى جرت بها الاحداث فى كل البلدان . وبالحديث عن تاريخ
الحركة الثورية الروسية ، فانه يجب – كذلك – تفقى اثر تطور الصراع الاقتصادى
لجماهير العمال وتطور الفكر الاشتراكى الى اللحظة التى اصبح فيها تراثا للبروليتاريا "


وفى بقية الكتيب تقفى مارتوف اثر تداخل الاشتراكية مع الحركة العمالية بطريقة اظهرت جوهرها الاساسى والملامح المحلية للقصة الروسية . كان على الديمقراطيين الاشتراكيين فى روسيا القيصر وتحت ظل حكمه المطلق، ان تحمل عبء مهام الوظائف التى تولتها النقابات فى الغرب ، تحديدا ‘ اعطاء شخصية منظمة ومعقولة للحركة العمالية الابتدائية ( او التلقائية ) ‘ . ولقد ساعدت الثقة التى اكتسبها الديمقراطيون الاشتراكيون فى هذا النشاط ، فى انجاز مهامهم الاساسية وهى " زرع الانتباه للمصالح الطبقية للبروليتاريا فى صفوف الجماهير ، وضرورة الوحدة فى الصراع من اجل الاشتراكية ، فى تحقيق الحريات السياسية باعتبارها الخطوة الاولى فى الطريق الى التحرر الكلى من الاستغلال " .

هذه المقتطفات تثبت تفسيرى لعبارة ‘ الانباء السعيدة ‘ ، والذى يؤدى الى انه وبناء عليه فان المهمة الذاتية للديمقراطية الاشتراكية هى جلب الانباء السعيدة النابعة من مهمتها التاريخية العالمية الى الطبقة العاملة ، تثق فى تلقى الطبقة لها ،تسعى الى تنفيذها .


اواصل
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

شكراً عصام على الكشوفات اللينينية، بكرها وفرها المعرفي، مستمتعين... واصل كفاحك 🙂
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »


سلام يا الوليد
وشكرا على الموآزرة والتشجيع
وعفوا اتاخرت عليك شوية



القسم الاول
الفصل الثانى الايرفورتية الروسية


موقفنا هو الاتى : نشترك فى كل الافكار الاساسية للماركسية - كما هى معروضة
فى البيان الشيوعى وفى برامج الديمقراطيين الاشتراكيين فى غرب اروبا

لينين (1900)

يمكن لمساهمة لينين ان تقودنا الى السردية الديمقراطية الاشتراكية وهى تنشأ وتتحقق فى روسيا ، وتكشف نفسها للوجود . كْرّس الجزء الاكبر من الاربعة مجلدات الاولى من اعماله الكاملة ، لمناظرات مع الشعبويين ، ودراسة الزراعة الروسية بما فيها عمله الكبير " تطور الرأسمالية فى روسيا" ؛ الى جانب كتابات صغيرة هدفت الى تعريف الديمقراطية الاشتراكية . كتب ولمرتين منفصلتين مشروعيين لبرنامج الحزب صاحبتهما تفسيرات وتعليقات مرتبطة ببعض القضايا المثارة . مجموعة ثالثة وجهت الى زملاء الحزب . ضمت قائمة كتاباته فى فترة التسعينات (1890) الاتى : 1- من هم اصدقاء الشعب (1894). 2- فردريك انجلز 3- مسودة وشروحات للبرنامج 4- اهداف الديمقراطيين الاشتراكيين الروس 5- مجموعة مناشير/بيانات احتجاجية . 6- مجموعة كتابات لمجلة .7- مشروع للبرنامج .

من المتوقع ان نجد المكونات البنائية للبرنامج الايرفورتى المعروضة فى الباب السابق ، معبر عنها فى تلك الكتابات ( صيغة الدمج ، الاخبار السارة ، الحرية السياسية ، قيادة الجماهير ، الهجمنة والاممية ) . بالطبع لم تكن رؤية لينين هى نسخة باهتة لتجربة الحزب الالمانى ، فلم يكن ذلك اصلا متاحا باعتبار ظروف القهر القيصرى والغياب الكامل لاى فسحة من الحريات الديمقراطية . لم يرَ الشعبيويون امكانية استلهام النموذج الالمانى وغرسه فى الارض الروسية وفضلوا الارهاب كوسيلة لخوض الصراع . وفضل الاقتصادويين فى الحركة الديموقراطية الاشتراكية النضال الاقتصادى الى حين تحقق الحريات الديمقراطية .

كان على لينين ان يوضح للمتشككين ان الايرفورتية الروسية هى موقف سياسى متماسك ومنسجم . ويمكن المرور على معالجته لمكونات البرنامج الايرفورتي فى بعض ماكتب .
اصدقاء الشعب (1894)
فى الرابع والعشرين من عمره كتب لينين مانفستو جدالى بعنوان ‘من هم ‘اصدقاء الشعب ‘ هولاء، وكيف يحاربون الديمقراطيين الاشتراكيين ؟ " . عبر الكتاب عن استيعاب كامل لمنهج مطروح ، كما عبر عن حماس مشبوب لاظهار قوته ومداه ، وذلك بالتصدى لكل المتواجدين و القادمين الجدد فى والى الحيز الديمقراطى الاشتراكى المرتبطين بتفسيرات مغايرة . اعتقدت كروبسكايا ( زوجة لينين ) " ان الكتاب امتلك تاثيرا اكبر مما امتلكه " ما العمل ؟" ، لانه امتلك تأثيرا ضخما فى تحديد موجهات وملامح الطريق الذى خطته الحركة الثورية ، بينما اضطلع " ما العمل ؟" بوضع خطة ثورية اشارت الى مهام محددة ." .

طرح الكتاب استراتيجية سياسية مكتملة للديمقراطيين الثوريين . وقد اظهرت المعالجات النظرية والبرنامجية لينين كمثال نادر لشخص يدخل المجال السياسى وهوحامل لوجهة نظر حول العالم تكاد أن تكون كلية الاكتمال . لقد مثل الكتاب الصيغة الموجزة ولكن المعبرة عما عناه لينين بالديمقراطية الاشتراكية . فى الكتاب عنت كلمة عامل العمال الحضريين كاحد اقسام البروليتاريا الروسية التى تعانى الاستغلال الرأسمالى . وبعد تحديد دور الديمقراطيين الاشتراكيين فى تركيز كل الانتباه وكل النشاط على العمال الصناعيين الحضريين ، استمر لينين فى رسم اهداف هذا النشاط :
”عندما تستوعب الفصائل المتقدمة من هذه الطبقة افكار الاشتراكية العلمية ، فكرة الدور التاريخى للعامل الروسى – عندما يتم استعياب تلك الافكار بشكل واسع – وعندما يتم تكوين منظمات مستقرة فى اوساط العمال والتى تحول الحرب الاقتصادية غير المنظمة الى صراع طبقى هادف ، عندها سقوم العامل الروسى ، المرتقى الى قمة كل العناصرالديمقراطية ، باسقاط السلطة المطلقة وسيقود البروليتاريا الروسية ( جنبا الى جنب البروليتاريا فى كل البلدان) على عرضات الطريق الواسع للصراع السياسى المفتوح الى الثورة الشيوعية المنتصرة ." .

يمثل هذا المقتطف عبارةً فصيحةً فى الولاء الايرفورتى ؛ فصيغة الدمج تظهرها كلمة الاستيعاب للاشتراكية العلمية سابقة الوجود ، لا تأتى من الطبقة العاملة بل هى تستوعبها . فكرة الاخبار السعيدة تنبع من النشر الواسع لدور العمال التاريخى فى تحويل الحرب الاقتصادية الى حرب طبقية تقود الى بناء الاشتراكية . كما هى تعكس ايضا فكرة دوائر الانتباه ينطلق من الطلائع المتقدمة من العمال الى طبقة البروليتاريا . استقلال التنظيم الحزبى تعبر عنه الصيغة التى تحدثت عن التنظيم يقوم على الصراع الطبقى للبروليتاريا ويهدف ال الاطاحة بالطغيان . فكرة الحريات السياسية تتأتى من عملية الاطاحة بالنظام الشمولى ، التى تفتح الطريق للصراع السياسى . فكرة الهجمنة تأتى فى السياق الذى حدد فيه ارتقاء العامل الى قمة العناصر الديمقراطية فى دور قيادى بارز . اما فكرة الاممية فتأتى فى الاشارة الى مصاحبة البروليتاريا فى كل الاوطان لانجاز الثورة الشيوعية .

فى الرد المتصدى لاولئك الذين ادعوا صداقة الشعب ، وهم الشعبويون ، استهدف لينين فكرتهم التى حددت ان ماركس والديمقراطية الاشتراكية مناسبان للغرب ؛ ففيه تعامل ماركس مع حركة عمالية خلقتها الراسمالية ، بينما بالمقابل فى روسيا ، لم تستطع الراسمالية فعل ذلك . وطرحوا السؤال: هل كان ماركس صائبا فى التنبوء بقدرة الراسمالية على جعل الحركة العمالية الروسية اشتراكية؟ مثلت اجابة لينين افضل العبارات التى عكست جوهر رؤيته حيث كتب :
" إنه فقط ذلك الذى يحمل اضطلاعا سصحيا على الحقائق ، هو من يشجع فكرة ان ماركس عمل مع بروليتاريا جاهزة الصنع . لقد عالج ماركس برنامجه الشيوعى حتى قبل 1848 . اى نوع من الحركة العمالية وجد فى المانيا فى ذاك الوقت؟ فى ذلك الوقت لم توجد حتى الحريات السياسية ، وكان عمل الشيوعيين محصورا فى دوائر سرية (كما هو حالنا الان ). انها الحركة العمالية الديمقراطية الاشتراكية هى التى حققت الدور الثورى و التوحيدى للرأسمالية - وقد ابتدأت هذه الحركة لاحقا بعد عقدين من الزمان ، بعد ان اُنجز الاشتغال العميق على المذهب الاشتراكى العلمى ، عندما انتشرت بشكل اوسع الصناعات الكبيرة ، وعندما وُجدت مجموعة من الناشطين الموهوبين لنشر ذلك المذهب فى محيط العمال .

إن عرض الحقائق التاريخية امام الضوء المعتم و الخاطئ ، و نسيان العمل الضخم الذى بذله الاشتراكيون من اجل جلب الغائية والتنظيم للحركة العمالية يسهل الوصول الى الاستنتاجات الخاطئة . وفوق كل ذلك َنسْبُ فلاسفتنا الاجلاء لماركس وجهة نظر بلهاء عن التاريخية الجبرية . فقد حدثونا إنه وفقا لماركس ، فان التنظيم وتبنى العمال للاشتراكية يحدثان من تلقاء نفسهما وعليه – كما يبدو - فاذا نظرنا للرأسمالية ولم نر حركة عمالية ، فسيكون سبب ذلك ان الرأسمالية لم تنجز مهامها ، وليس لاننا لانزال نعمل بلا همة على مهمة التنظيم والدعاية بين العمال . هذه الخدعة الركيكة والجبانة لفلاسفتنا المحليين لا تستحق دحضا : فهى عاطلة ومهجورة بنشاط الديمقراطيين الاشتراكيين فى كل البلدان ، و يتم دحضها فى كل ندوة يخاطبها اى ماركسى تختاره .

الديمقراطية الاشتراكية – كما قال كاوتسكى وبشكل عادل تماما- هى دمج والتحام الحركة العمالية مع الاشتراكية . ومن اجل ان يظهر العمل التقدمى للراسمالية بيننا وفى كل الاماكن الاخرى، فعلى اشتراكيينا ان يتولوا انجاز مهام عملهم بكل الطاقات المتاحة : عليهم ان ينجزوا تفاصيل فهم ماركسى للواقع و للتاريخ الروسى ، بينما هم يبحثون بشكل ملموس كل اشكال الصراع الطبقى ، و كل اشكال الاستغلال والتى هى مبهمة – بشكل خاص – ومخفاه فى روسيا . ابعد من ذلك ، عليهم نشر تلك النظرية ، جلبها الى العمال ، ومساعدتهم على استيعابها واستخراج شكل من اشكال التنظيم يناسب ظرفنا المحلية ، من اجل نشر الديمقراطية الاشتراكية ومن اجل تماسك العمال الصلد فى قوة سياسية وضاحة . لم يدع الديقراطيون الاشتراكيون ان اكملوا العمل الايديولوجى للطبقة العاملة ( فلا تلوح للعيان نهاية ظاهرة له ) ، بل على العكس فقد اكدوا باستمرار بانهم قد ابتدأوا فى ذلك ، وان هناك الكثير من العمل يظل مطلوبا قبل الوصول الى خلق اى شئ مستقر" .

يقول لينين هنا - تماما كما فعل فى " ما العمل ؟" - ان على الديمقراطيين الاشتراكيين جلب النظرية الاشتراكية الى العمال من الخارج ( from without ) . وهنا ينهض السؤال : لماذا لم تثر هذه الفقرة – فى سنة 1894 - نفس الحس الفضائحى كما فعلت فى " ما العمل ؟" ؟ فلو كانت النسخة منها فى 1902 تجديفية ، فهى ايضا فى النسخة المكتوبة فى 1894 .
السبب فى ان الاكاديميين لم يجفلوا من كفرانية " من الخارج " فى صيغتها الواردة فى 1894 ، هو ان الثقة القائمة فى ‘صيغة الدمج ‘ قد تم طرحها بشكل واضح وفصيح يصعب معه تجاهلها . لماذا يصر لينين على حقيقة انفصال الحركة العمالية والاشتراكية فى اروبا الغربية ولمدى عقود من الزمان ، حتى ظهرت الديمقراطية الاشتراكية الالمانية . هل لانه امتلاء بالشكوك فى غياب الميول الثورية للطبقة العاملة ؟ لا ، لانه – بالاحرى – كان بصدد دحض التوجهات المتشائمة لخصومه . وعليه فهو يطرح حجته – تقريبا – كالاتى : انتم تقولون بانه لاتوجد حركة عمالية ثورية فى روسيا ؟ حسنا – ربما يكون ذلك صحيحا – ولكن الحركة العمالية فى غرب اروبا لم تكن ثورية فى بدايتها ، فانظر مالذى جرى هناك ! اذا فانتظروا قليلا حتى نشمر نحن الديمقراطيون الاشتراكيون عن سواعد الجد وننخرط فى العمل ، وسترون حركة عمالية ثورية ناهضة . ان عبارة " ‘تاريخ كل الاقطار‘ / ‘من الخارج ‘" تأتى دائما فى نفس هذا السياق الحجاجى القاصد لدحض التشكيك فى الفرص المتسعة للديمقراطية الاشتراكية فى روسيا الاتوقراطية .




يتبع
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

[size=18]مهام الديمقراطيين الاشتراكيين الروس (1897) :

تُعتبر وثيقة مهمة لنا كمنشغلين بتفسير " ما العمل؟" وذلك فى مستويين ، اولا : فقد تَسببتْ فى انفجار مناظرات حادة فى ميدان الصراع الفكري ، انتهت بعد اربعة سنوات من طبع " ما العمل ؟" . ثانيا : تعمل وثيقة "مهام " كوزنة الميزان للارثودكسية (او غيابها) فى معالجات نص "ما العمل ؟" . قام لينين باعادة نشرها 3 مرات فى 1902 ، 1905 و 1907 بمقدمة فى كل مرة ، تعكس هدفا معلنا هو تأكيد استمرار وجهة نظره فى ما احتوت من قضايا . وهو ما يثير اشكالا مقيما لتفسيرات "الكتاب/المرجع المدرسى " . فاما ان الهرطقة الموجودة فى " ما العمل؟" قد سبق التفوه بها فى وثيقة "مهام" فى 1897 - وهنا تظهر الاشكالية وهى كيف نشرح قبولها الكامل من الحزب وقيادته - او ان لينين مر بتجربة تحول فى وقت ما بين 1897 و1901 ، ورفض حينها الوجهة الحقيقية للديمقراطية الاشتراكية التى عرضتها وثيقة "مهام" . ولكن كيف نفسر استمرار لينين فى التعبير عن افكاره المرفوضة لدى قرائه وحزبه وفى مناسبات متكررة ؟ التفسير المعتاد هو ان لينين مهرطق لاواعى يدمن خداع ذاته ، ولكن الم يكن ممكنا ان نجد ان افكاره الباكرة كانت افكارا محرجة ،على الاقل بدون وعى ؟

كان صوت وثيقة " مهام " اقل فى حدته الجدالية من " اصدقاء الشعب " و "ما العمل ؟" . وقد شرح لينين انه طالما ان الناس يدركون الان ما تمثله الديمقراطية الاشتراكية ، فلا توجد حاجة الى دفاع حام مستميت عن اسسها . لقد انحصرت اهدافه - فقط – فى تبديد التعصب المضاد والذى يدعى غياب اهتمام الديمقراطية الاشتراكية بالصراع السياسى ضد الاتوقراطية . لم يكن يدرك انه سيخوض مرة اخرى وسريعا ، فى الدفاع عن المبادئ الاساسية ، ولكن هذه المرة ضد زملائه الديمقراطيين الاشتراكيين. فقد كان دفاعه عنها فى 1897 موجها ضد الذين انتقدوا الديمقراطية الاشتراكية لتجاهلها الصراع السياسى ، بينما توجهت معاركه فى السنين اللاحقة ضد الذين انتقدوا الاشتراكيين لانشغالهم المهووس بالصراع السياسى الثورى .

ردَّ لينين فى هذه الوثيقة على الشكوك المثارة بصدد امكانية تطبيق الاستراتيجية الايرفورتية فى الظروف الروسية . رفضَ احد اشكال التشكيك قيمة التنوير التى يطرحها اسلوب الحزب الالمانى ، متسائلا : الا تركز هذه الاستراتيجية كثيرا على عمال المصانع بينما تتجاهل الغالبية العظمى من العمال المستغلين فى روسيا ، والذين لايقعون تحت تعريف تلك الفئة ؟ شكل اخر من الشكوك رفض الاسلوب التنظيمى للحزب الالمانى : الا يعتبر هذا التنظيم الجماهيرى للحزب مستحيلا فى روسيا الشمولية ؟ واذا كان ذلك صحيحا ، فان الاشكال السرية تظل هى الطريقة الوحيدة لانجاز الحريات السياسية المطلوبة لحركة جماهيرية حقيقية . تناول لينين مسألة الاسلوب التنويرى للحزب الالمانى ، واستخدم مصطلحان مركزيان بالنسبة للحزب الروسى ، وهما الدعاية والتحريض . ونحتاج هنا لفحص المعنى الخاص لهذين المصطلحين بالذات بعد ان احتاز التحريض لاحقا على بعض الارتباطات السلبية وبعض من السمعة الشائنة .

بالنسبة لنا تعنى ‘ البروباجندا‘ او الدعاية شعارات مبسطة تهدف الى استغلال لاعقلانية الجماهير . وعليه يلوم احد الاكاديميين لينين بسبب دعوته لاستخدام البروباجندا للتغلب على الاعتدال الطبيعى للعمال . ولكن ، فقد عنت البروبجاندا فى الخطاب الديمقراطى الاشتراكى النقيض على وجه التحديد . فقد عنت دراسة كثيفة ومتعمقة ، تضم مدى واسع من المعرفة الاجتماعية . وقد تم نقد الدعاية ، ليس لانها اختصار رخيص للطريق ، يُمَكّن من الحصول على دعم غير منظور ، وانما لانها – بالاحرى – طريقة كثيفة للعمل تشتغل على انتاج مجموعة صغيرة من الافراد العارفين .

يقترن بالتبروباجندا فى معناها الا خير ما نسميه بالتحريض : وهى روتوريكا مبسطة تهدف الى الاستفادة القصوى من انتهاكات وهبات غضب محددة . بالطبع لم يوافق اليمقراطيون الاشتراكيون على ان التحريض يقوم باستغلال لا عقلانية العمال . وانما اعتبروه وسيلة تعليمية شديدية الحيوية ، مفيدة تماما فى فى توصيل ما اعتقدوه الرابط بين الانتهاكات اليومية والرأسمالية والاتوقراطية . لم يتأتَ التأكيد على الدعاية والتحريض من قناعة متشائمة بفشل العمال فى تحقيق السناريو الماركسى ، وانما نهضت من قلب النموذج الديمقراطى الاشتراكى الالمانى والاستراتيجية السياسية الماركسية التى تؤسس له . لقد عنت الدعاية والتحريض جلب الاخبار السعيدة للعمال .

فى تفسير لينين ، يبدأ انتشار دائرة الانتباه منطلقا من الحقيقة الاساسية بصدد مهمة العامل , تُعلّم الدعاية الاشتراكية العامل الدور المركزى للديمقراطية الاشتراكية الدولية والطبقة العاملة الروسية ؛ بينما تقود الدعاية الديمقراطية الى الحقيقة التى تقرر ان الصراع الناجح من اجل قضية العامل يكون مستحيلا بدون الحريات السياسية ومقرطة النظام الروسى السياسي والاجتماعى . يؤكد لينين " اثناء نشر الدعاية وسط العمال ، لايمكن ان تتفادى الديمقراطية الاشتراكية مواجهة الاسئلة السياسية ، لايمكن ان تتجاهل الاعتبارات السياسية ، وتعتبر اى محاولة لتفاديها او اسكاتها اخطاءً عميقة وتراجع عن المبادئ الاساسية للديمقراطية الاشتراكية " . فالتحريض اذن يُبرز هذه الحقائق باشكال مبسطة ، يطرحها فى دوائر واسعة بدمجها مع المشاغل اليومية للحركة العمالية .
فى تصديه للنقد الخاص بالتركيز على العمال الصناعيين ، ياتى لينين بشكل اوضح مما سبق فى تناول الطرق التى يرى فيها انتشار دوائر الانتباه ليصل الى مركزها . يركز الديمقراطيون الاشتراكيون على عمال المصانع ، ليس رغبة فى تجاهل الجمع الوسيع لجماهير العمال ، وانما لان التركيز على عمال المصانع هو اكثر الاشكال العاقلة لاستخدام الندرة فى الموارد المتاحة . ففى روسيا يستمر العامل- الاشتراكى فى حالة اتصال شخصى مع الفئات المتأخرة يعمل على بذر الافكار الاشتراكية ، الصراع الطبقى والاهمية الفائقة للحريات السياسية فى محيطهم . وعليه فانه يتصور انتشارا للانتباه يكاد يكون متدفقا ، لاتوقفه العوائق :
" ان التحريض وسط الفئات المتقدمة للبروليتاريا يمثل الطريق المضمون و الفريد تجاه ايقاظ كل البروليتاريا الروسية . ان نشر الاشتراكية وفكرة الصراع الطبقى وسط العمال الحضريين ، يصب – حتما - هذه الافكار فى قنوات ضيقة وذات مدى محدود . ولكن من الضرورى ان تغرز هذه الافكار جذورا عميقة بدءا فى المحيط الاكثر جاهزية لترتبط بها هذه الطليعة من حركة العمال الروس والثورة الروسية "

توجد الدائرة الاخيرة لللانتباه خارج محيط جماهير الطبقة العاملة ، وهى التى تحيط بالعناصر الديموقراطية ، تلك القطاعات من الناس ( الشعب ) القادرة على منح دعم نشط للتحول الديمقراطى ، ولكنهم بالكاد مفتوحون للافكار الاشتراكية فى الوقت الحاضر . يريد لينين تنظيم هؤلاء الناس ، ولكن ليس مباشرة بواسطة الديمقراطيون الاشتراكيون . ينطلق لينين من قناعة بالبديهية الماركسية الاساسية وهى ان الحراك السياسى الحيوى يأتى من مصالح طبقية معقلنة بوضوح ، وقد كان يرى ان الاحزاب غير الحزب الديمقراطى الاشتراكى هى التى يمكنها حقيقة ان تحرك العناصر الديمقراطية . التواصل بين هذه العناصر فى اقصى دوائر الانتباه والحزب الديمقراطى الاشتراكى ، يتحقق عن طريق اضطلاع الحزب بدور قيادى فى صراع المجتمع من اجل الاطاحة بالنظام الاتوقراطى . تتكون هذه القيادة بشكل اساسى من عملية كشف الانتهاكات التى تقوم بها الاتوقراطية بحق كل طبقات المجتمع الروسى . عندما ترى العناصر الغاضبة العمال الثوريين الحقيقيين يقفون فى صفهم ، فان ذلك يشجعهم على الانخراط فى حركة سياسية نشطة للتخلص من القيصر البغيض .

مقالات لجريدة العامل (1899 )

لم تعمر الجريدة طويلا حيث صدر منها عددان فقط . كتب لينين 3 مقالات لم ينشر اى منها فى العددين . ولقد ناقش لينين فترة الجريدة فى كتابه " ما العمل ؟" .
وتنبع اهمية المقالات من انها طرحت – لاول مرة - الافكار التنظيمية التى اصبحت الارضية التى بُنيتْ عليها انشطة مجموعة الايسكرا ( الشرارة) فى السنوات التى تلت : دور الجريدة المركزية فى تحقيق وحدة الحزب ، الحاجة الى تخطى المحلية ، ضرورة غرس ثقافة العمل السرى ، واخيرا ، الحاجة الى برنامج يتسم بالوضوح – وهى القضايا التى اتجه " ما العمل ؟" الى الدفاع عنها .
هنا سنتناول خفيفا بعض النقاط لنكمل الصورة الايرفورتية عند لينين .

" لايمكن تخفيض الديمقراطية الاشتراكية الى بنية بسيطة مشغولة بتقديم الخدمات الى الحركة العمالية : انها ‘ دمج الاشتراكية مع الحركة العمالية ‘ ( باستخدام تعبير كاوتسكى الذى اعاد انتاج الافكار الرئيسية للمانيفستو الشيوعى ) : فواجبها هو جلب مُثل اشتراكية محددة الى الحركة العمالية الناشطة ، ربط الحركة العمالية بالقناعات الاشتراكية والتى تقف على منجز العلم المعاصر ، لترتبط بالنضال السياسى المنظم من اجل الديمقراطية كوسيلة من اجل انجاز الاشتراكية - وبكلمة واحدة لتحقيق التحام هذه الحركة الناشطة مع حركة الحزب الثورى فى كلية وضّاحة صلدة غير قابلة للكسر "

وهكذا فالاقتطاف اعلاه يعيد ما كان لينين يقوله فى كل مقالة عالجت البرنامج الحزبى منذ 1894 عندما كتب "اصدقاء الشعب " . يُعّبر لينين هنا عن جوهر الخطة التنظيمية التى عرضها لاحقا فى " ما العمل؟" ، تحديدا استخدام جريدة الحزب الوطنية كأداة لخلق بنية حزبية موحدة وعلى نطاق الوطن . يؤكد لينين ان مشروعه يقوم على " تاريخ الاشتراكية والديمقراطية فى اروبا الغربية ، تاريخ الحركة الثورية الروسية وخبرة حركتنا العمالية " .

لقد كان على خطة لينين ان تأخذ فى الاعتبار اختلافات اساسية مع التجربتين الروسية والاروبية . فالجريدة فى التجربة السابقة للثوريين الروس لم توطد استهداف توزيعها الى جماهير واسعة من الشعب ، وهو هنا فى التجربة المقترحة يتجاوز التكنيك القديم الى جريدة جماهيرية واسعة تؤسس لصلة ثورية وطيدة ومستقرة . تركز الاختلاف الاساسى مع التجربة الاروبية فى امتلاك الاخيرة لوسائل اخرى جماهيرية للاتصال بالشعب . فقد امتلكوا وسائل البرلمان ، الدعاية الانتخابية ، الندوات الجماهيرية ، النشاط المفتوح وسط النقابات العمالية .. الخ . " فى حالتنا تمثل الجريدة الثورية البديل لكل ذلك – واقصد تماما كل ذلك - حتى الوقت الذى نستطيع فيه تحقيق الحريات السياسية . بدون جريدة ثورية ، فانه من المستحيل الحصول على اى نوع من التنظيم الواسع لكلية الحركة العمالية " .

دعم لينين مشروع الجريدة الثورية بتأكيده لخصائص عالية حاضرة فى روسيا " يتواجد ضمن شباب العمال شغف وتَوّجه متدفق نحو افكار الديمقراطية والاشتراكية " ، وعليه – يعتقد لينين - فلو استطعنا اقناعهم باهمية التنظيم ، فان خطة جريدة مستمرة لن تكون مجرد حلم . ان التوزيع الناجح سيكون ممكنا ، لاننا يمكن ان نوجه نسخا الى حيث يكون العامل مسيطرا على ظروف محيطه ، بمئات الطرق التى تتجاوز يقظة البوليس .
لقد عبّرتْ مقالات جريدة العامل عن المنطق المؤسس لخطة لينين : يجب علينا بناء حزب يشبه قدر الامكان الحزب الالمانى فى ظروف الشمولية القائمة بيننا ، حتى نستطيع اسقاط القيصر والحصول على الحريات السياسية ، يجب علينا بناء حزب - باكبر قدر من الامكان - يشابه الحزب الديمقراطى الاشتراكى الالمانى .

مشروع برنامج لحزبنا (1899)

لقد كانت وثيقة "المشروع " ضمن المقالات الثلاثة التى ارسلت لجريدة العامل ولم تنشر . وبالتالى فقد كانت نوعا من المناقشة اكثر منه وثيقة فعلية تقترح مشروع برنامج للحزب . مثل البرنامج الايرفورتى الى جانب مشروع كتبته مجموعة بليخانوف سابقا ، مثلا النصوص المرجعية الاساسية لوثيقة " المشروع " . بالطبع كان على البرنامج الايرفورتى ان يخضع لتعديلات حتى يلبى مكونات ووقائع الظروف الروسية . وقد حدد لينين موضوعين يحتاجان الى تأقلم مبدع : انعدام الحريات السياسية وموضوعة المزارعين . ناقشنا الموضوعة الاولى بشكل كاف فى هذا الفصل ؛ وقد مثلت المعالجة التى قدمها لينين لموضوعة المزارعين فى المقالة ، المرة الاولى لتقديم مقترح لاستراتيجية الحزب بصدد المزارعين فى روسيا . واصل لينين مناقشتها والدفاع عنها فى الايسكرا ، وطالما لم يناقشها لينين فى " ما العمل ؟" فسنكتفى فقط بالاشارة العجلى .

ينادى البرنامج الايرفورتى الاشتراكيين ان يصبحوا منبر الشعب ، وان يعملوا على الدفاع المستميت عن مصالحهم الانية غير الاشتراكية ، وان يوفروا كل دعمهم لكل المعارك المناضلة من اجل الحريات السياسية . سيسأل كثير من الناس هل هذه الاستراتيجية ممكنة حتى فى حالة المزارعين ، طالما (قيل) ان الماركسين ينظرون الى المزارعين بازدراء لامكانياتهم العقلية ، يعتبرونهم عوائق تليدة فى طريق التقدم الاجتماعى ..الخ . بالرغم من خلو هذه الادعاءات من اى اساس فى الرؤية الماركسية ، الا ان لينين يتقدم بدفوعات قوية لاحساسه بوجود شكوك موضوعية وسط الديمقراطيين الاشتراكيين تستحق المعالجة والدحض . وهى شكوك تتعلق بمصالح المزارعين وحصائصهم الثورية .

يمكن تلخيص وجهة نظر لينين حول مصالح المزارعين كالاتى : ان التطور الاقتصادى الحديث يقضى على فرص وجود واستمرار انتاج صغير مستقل . وهى عملية حتمية لايوجد ما يمكن عمله حيالها . ويمكن النظر لموضوعة ضياع الاستقلالية فى ثلاثة محتويات مختلفة . المحتوى الافضل لاصحاب الحيازات الصغيرة ( صغار المزارعين ) هو المجتمع الاشتراكى تحت حكم الطبقة العاملة . فى هذه الحالة سيتم فقدان الاستقلال بشكل تطوعى بدون قهر. فتمام هذه العملية فى المجتمع الرأسمالى يتم بتكاليف انسانية اعلى : المصادرة ، الافقار والدمار . ولكن الاكثر سوأ هى المحتوى الثالث : يواجه المزارعون التدمير الرأسمالى وهم مقيدون فى نفس الوقت بالنظام الاتوقراطى ، وبالقيود التى يفرضها كميون المزارعين وبالاعتماد الاقتصادى الزائف على مالكى الارض من النبلاء . ان محاولة حماية المزارعين ضد الراسمالية بصيانه والحفاظ على مثل هذه القيود هى عملية تخلو من العقل . انها لن توقف الرأسمالية ،بل ستمنع المزارعين من استخدام و استغلال مواردهم بالصورة التى يرونها . على العكس ، يتوجب على الديمقراطيين الاشتراكيين ان يناضلوا من اجل ازالة كل هذه القيود ، وان يعملوا على استقطاب دعم المزارعين لازالة اكثر القيود قبحا وهو الاتوقراطية القيصرية .

فى نقده للاصوات الجديدة فى الاشتراكية الديمقراطية ، عبر لينين عن تقته الاعلى فى العمال مقارنة بخصومه . وفى مناقشات مع زملائه فى الحزب حول المزارعين اظهر لينين ثقة مماثلة . كان رهانه على انهم يستطيعون تحقيق استقلالهم وتحديد غاياتهم بشكل متنام اكثر واكثر . سيفهمون مصالحهم بشكل افضل ، وسيفهمون ان افضل الطرق لتحقيقها تمر عبر النضال الثورى تحت قيادة الديمقراطية الاشتراكية البروليتارية . فاذا لم تستجب الديمقراطية الاشتراكيه فانها ذاهبة الى موات ؛ اما اذا لم يستجب المزارعون ، فانه مما يسبب الاسف ولكن الحياة و الصراع يستمران . ومع ذلك فقد وضع لينين امالا على المزارعين ، يعتقد البعض الان انها كانت متفائلة بشكل غير واقعى . وعلينا الاحتفاظ بهذه الاطروحة عندما نقيم المناقشات عن التشاؤم المفترض بصدد العمال فى " ما العمل؟".
حدثت تغيرات كبرى فى تسعينات القرن التاسع عشر فى المجتمع الروسى كما فى الحركة العمالية بشكل خاص ، وقد عكس خطاب لينين تلك التغيرات . ففى غالب الحال دعمت تلك التغيرات قناعاته الايرفورتية . بدأت الحركة العمالية فى الخروج فى اضرابات صدامية ، بدأت فى قبول القيادة الديمقراطية الاشتراكية وفرضت التنازلات تقدمها السلطة . فى 1898 خطت صيغة الدمج خطوة كبرى الى الامام وذلك بتكوين حزب العمال الديمقراطى - الاشتراكى . لم يكن للينين يدا فى ذلك ، الامر الذى زاد ثقته فى عالمية صيغة الدمج التى تنبأت بتوجه فى كل البلدان نحو تكوين الحزب العمالى المستقل كاعلى شكل من اشكال الصراع الطبقى .

لماذا نقرأ " ما العمل ؟" ؟ لمعظم الناس لايقع الاهتمام بالكتاب بسبب السياسات المحددة التى ايدها ، بل بالاطار العام للافكار التى تم استخدامها لتبرير تلك السياسات ، طالما انه من المفترض ان يحدثنا الكتاب عن القيم الجوهرية التى طبقها لينين لاحقا على الاوضاع المختلفة . ولكن اذا كان الامر كذلك ، نكون قد انتهينا من عملنا . لم يطور لينين اى قيم جوهرية بين 1899 واواخر 1901 . فحص " ما العمل ؟" لن يخبرنا اى شئ لم نكن نعرفه من قبل . ومع ذلك فاننا سنستمر لنعطى خلفية ملموسة للسياسات الملموسة والصراعات حولها التى احتواها الكتيب . هذا المحتوى يشكل ضرورة لفهم الكتيب كحادثة او واقعة فى حياة الديمقراطية الاشتراكية الروسية . كما انه من الضرورى ازالة سوء الفهم الذى منع القراء من رؤية القلب الايرفورتى ل " ما العمل ؟ " .


نواصل
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و لينين مؤطرا

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا عصام
متابعين و مستمتعين
بهذه الكتابة العامرة
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

سلام ياحسن
عساك بالف خير
وشكرا على المتابعة والمؤازرة المشجعة .




الفصل الرابع
خصوم الايرفورتية الروس

وهم خصوم لينين فى الصراع الفكرى والذين مثلوا الاخرين الاكثر اهمية ، من وجهة نظر " ما العمل؟" ، حيث ورد ذكر احدهم ( او اكثر ) فى كل صفحة من صفحات الكتيب . وهم الينا كوسكوفا ( وثيقة كريدو ) ، تاختاريف ( جريدة الفكر العمالى ) ، بوريس كرشيفسكى ومارتينوف وسافينكوف ( مجلة قضية العامل ) و ناديزدين من مجلة الحرية .
لايمكن فهم " ما العمل ؟ " بدون فهم مواقف هؤلاء ، ولماذا عارضهم لينين . تقف مجموعة " قضية العامل " كبطل لدراما الصراع مع مجموعة الايسكرا حول قيادة الحزب فى 1901. فقد اصدرت المجموعة نقدا لاذعا للايسكرا مستهدفا الاعداد الست الاولى من الجريدة . وفى ذلك الوقت كان لينين يعمل على كتيب " ما العمل ؟" ، و كان يقول انه يعمل فى الكتيب ضد مجموعة " قضية العامل" .

تمثلت استراتيجية لينين الجدالية فى ربط المجموعة بالاقتصادوية ، بالرغم من انهم كانوا معارضين شرسين لها كايديولوجيا ، على عكس مجموعة وثيقة كريدو وجريدة الفكر العمالى . وبالرغم من افلاس الاقتصادوية فى 1901 ورفضها من كل اطياف الديمقراطيين الاشتراكيين ، الا ان هدف لينين لم يكن اثبات خطأ الاقتصادوية – فالجميع يعرف ذلك – وانما هدف الى اخذ الاشكال التى عبرت بها " قضية العامل " عن نقدها للايسكرا ، ليوضح انها تمارس نقدا يلوك فى اخطاء ايديولوجية لعينة . فهم ليسوا سوى نسخة مشوشة من كريدو وجريدة الفكر العمالى .

سنخصص هذا الفصل للمعارك الفكرية التى خاضها لينين ضد كريدو وجريدة الفكر العمالى ، وهما مجموعتان متمايزتان ، الا ان ما يجمعهما هو شكهم فى مناسبة النموذج الالمانى كحزب طبقى سياسى يمتد على ارجاء الوطن الممتد فى روسيا البهية .
قبل تناول تفاصيل ربطهم بالاقتصادوية – الخطيئة الجهمة بالنسبة للديمقراطيين الاشتراكيين – نحتاج الى تسليط النظر الفاحص على المصطلح ، الذى لعب دورا ليس فقط فى الصراع الفكرى فى ذلك الوقت ، وانما فى التعليقات اللاحقة التى تناولت " ما العمل ؟ " . لقد نجح " ما العمل ؟ " بشكل كبير فى الصاق يافطة الاقتصادوية على " قضية العامل " ، وقبله على حتى الذين عرفوا بموقفهم المعارض للاقتصادوية الكلاسيكية لمجلة كريدو وجريدة الفكر العمالى . فى هذا التعليق نخصص الاقتصادوية لموقف كريدو ومجلة قضية العامل . تحديدنا للمصطلح بهذه الطريقة سيمكننا من فهم مايجرى فى " ما العمل ؟" ، حيث ان لينين بنى قضيته على بنية ووضعية المفارقة فى حالة مجلة "قضية العامل " خصم الاقتصادوية الواضح، حيث جادل انها مذنبة بخطيئة الاقتصادوية . وهنا بأتى حكمى على اتهام لينين بانه لم يؤسس على الحقائق ، ولكن حتى اولئك الذين لا يوافقوننى ، فانهم لن يفقدوا اى شئ من الوضوح ، بتعريف الاقتصادوية الروسية باعتبارها " الموقف الذى تم الدفاع عنه بطرق مختلفة بواسطة كريدو وجريدة الفكر العمالى .

هناك سؤ فهم عام وهو مساواة العبارة " انا ضد الاقتصادوية " ، بالعبارة " انا ضد الصراع الاقتصادى بما هو كذلك ، اى، ضد الاضرابات ، النقابات ، وقوانين المصنع " . لكن الاقتصادوية تعنى ايديولوجيا ، وهى فى هذه الحالة : " تقليص للصراع الاقتصادى يتم الدفاع عنه باعتباره اما مسالة مبدئية او تاكتيك يجرى مستقرا على المدى الطويل " .
للاقتصادوية معنى خاص لدى الديمقراطيين الاشتراكيين ، يمكن فهمه بشكل افضل اذا نظرنا لمعنى كلمة ‘ السياسة ‘ فى مناقشات القرن التاسع عشر التى دارت بين الثوريين الاشتراكيين . فقد عنت السياسة – وبشكل اساسى - الاصرار على اهمية الحريات السياسية ، و – فى المحتوى الروسى – الاصرار على الاولوية الملحة لاسقاط الاتوقراطية من اجل الحياز على الحريات السياسية . وهذا ما كان يتبادر الى الذهن عندما يقال ان الشعبويين والفوضويين " يرفضون السياسة " . ولكن – تحت هذا التعريف – فان بعض الانشطة السياسية المحددة – مثلا العمل من اجل سن قوانين العمل ، او حتى من اجل الحصول على حقوق سياسية جزئية من النظام – تعتبر غير سياسية . اى شخص حصر نفسه بشكل مبدئى على هذه الانشطة يعتبر اقتصادويا . فلهذه الاسباب ، حتى فى ذلك الوقت – كان الاحساس بان المصطلح اخرق ومضلل . وقد اعتزر لينين عن استخدامه فى " ما العمل ؟" وشرح بانه كان استسلاما لاستخدام عام . وعندما نحيط بهذه الافتراضات التى تمثل الخلفية الماثلة للمصطلح ، يصبح المصطلح دقيقا بشكل كاف عند استخدامه كيافطة سياسية .

الكريدو : ‘كوسكوفا‘ و ‘بروكوبوفيتش‘

لو اعتبر المانفستو انجيلا - اذن - فوجهة نظرنا هى الكفر المبين ( سيرجى بروكوبوفتش) .

لقد حاز الكريدو على سمعة تكاد تكون ميثولوجية فى التاريخ الديمقراطى الاشتراكى الروسى . فقد تبادلت المجموعات المختلفة اتهام بعضها بمحاولة تطبيق برنامج الكريدو . فما هو الكريدو ؟ هو عبارة عن درافت ابتدائى من خمس صفحات كتبتها ‘ الينا كوسكوفا ، كجزء من مناقشة خاصة بين مجموعة من شباب الديمقراطيين الاشتراكيين فى بيترسبيرج فى 1899 . بالتاكيد لم تكن معدة للنشر . وقد نشرت فىى الغرب بعنوان فخيم : الكريدو بدون علمها وبدون اسمها . قراءها لينين فى منفاه فى سيبيريا ورد عليها بمذكرة " احتجاج الديمقراطيين الاشتراكيين بروسيا " .

تحركت كوسكوفا وزوجها بروكوبوفتش فى المجال الروسى بحثا عن بيت سياسى ، فمرا على انواع متعددة من الشعبويين المتأخرين ليستقروا بين الديمقراطيين الاشتراكيين لعدد من السنين . وبسرعة انضما الى ما كان يعرف بالجناح التقدمى للحركة ، تحديدا التحريفيين المرتبطين بادوارد بيرنشتاين ، وبعدها احتلا موقعا بين الديمقراطيين الاشتراكيين والليبراليين .
لحسن الحظ ، فلدينا العديد من اثارهما المكتوبة الى جانب الكريدو ، منها كتاب لبروكوبوفتش بعنوان " الحركة العمالية فى الغرب : مقالة فى التحقيق النقدى " . وقد ذكر العدد العاشر من الايسكرا ان الكتاب حظى بمعجب روسى وحيد هو سيرجى زوباتوف ؛ وهورئيس البوليس والذى حاول انشاء نقابات عمالية قانونية معادية للاتجهات الثورية .

قطع دوائر انتشار الانتباه :

تتجمع كتاباتهما لتكون هجوما منسقا ومدبرا على الايرفورتية ونموذجها . فكتاب بروكوبوفتش " ولاء ايرفورت " مثل هجوما مباشرا لكاوتسكى وكل مكونات النموذج عدا الحريات السياسية . فلم يرفضا الحريات السياسية كقيمة ، ولكنهما لم يباليا باهميتها ، وقد حاججا ان اسقاط الاتوقراطية لم يكن ذا اهمية لحظية او قائمة وعاجلة . فيما يخص القيادة الجماهيرية والهجمنة ، اعتقدا ان الديمقراطية الاشتراكية هى التى تحتاج الى ‘الاعتراف بالمجتمع ‘ والتنازل عن عقيدتها . ولقد رفضا ‘النماذج الغريبة ‘ المستوردة – بالذات نوذج الحزب الالمانى – الى الارض الروسية .

ومع ذلك استمر بروكوبوفتش وكوسكوفا فى اعتبار نفسيهما كديمقراطيين اشتراكيين ، وذلك لانهما افترضا ان الديمقراطية الاشتراكية ترفض النموذج الايرفورتى الذى ينتمى الى الماضى . من المؤكد انهما لم يكونا مجرد تابعين خانعين لبرنشتاين . فقد اعتبروه مفيدا ، ولكنه متحدث يعبر بشكل مضطرب عن تحول كبير فى رؤيا الحزب . ولقد انتقده بروكوبوفتش بسبب بذله لاوقات طويلة فى تصحيح المذهب الاشتراكى – وكأن الحزب يقوده فعلا مذهب . واعتقد ان ما يستحق الرفض هو بالاحرى الصورة الذاتية الاسطورية لحزب يقوده مذهب . يقول بروكوبوفتش – ساخرا من لاسال – " الجماهير غير منتبهة الى اى ‘ افكار تاريخية كبرى ‘ يجب عليها تحقيقها فى الواقع ؛ وحقا – هل هذه الجماهير قادرة على تنكب مسعى هادف لتحقيق هذه الافكار ؟[/i] " .

لقد تصور الايرفورتيون استراتيجيتهم السياسية كحلقات من انتشار دوائر الانتباه ، والتى تهدف الى اقتحام كل عقبات تقف فى مسار توسعها . لقد حاولت كوسكوفا و بروكوبوفتش العمل على تخريب هذا السيناريو . اولا : قفلا انتشار الانتباه فى جذره ، بانكار ان يكون لبرنامج الحزب حاويا لاى شئ عدا الاهداف التى يمكن تحقيقها بشكل آنى ومباشر . فلن تحتاز البروليتاريا على السلطة فى المستقبل القريب ، وبالتالى فان وضع هدف اشتراكية وسائل العمل فى البرنامج ، او الحديث عن جهاز الدولة المستقبلى هو مسألة طوباوية وتمرين طفولى . فى حقيقة الامر فان ما يسمى ‘ببرنامج الحد الادنى ‘ فى الحزب الالمانى ، اى ذلك البرنامج المسمى بالعملى والجزء غير الاشتراكى فى برنامج الحزب ، هو طوباوى كذلك ، طالما ان عدد من هذه الاصلاحات غير مقبولة لدى قوى المجتمع البرجوازى المعاصر . نفس المنطق ينطبق على روسيا . وطالما ان الاطاحة بالاتوقراطية ليست من الاجندة المباشرة الانية ، فان المطالبة به يجب ان تزال من برنامج الحزب .

نصب بروكوبوفتش عائقا اخر لانتشار الانتباه ، تمثّل فى طرحه لمفهوم تمييزى للبروباجاندا فى مقابلة التحريض . يجب ترك وظيفة خلق انتباه جديد للمصالح الاساسية للبروباجاندا ، بينما يقتصر التحريض على المساعدة فى تطبيق المصالح التى انتبه لها العمال من قبل . ولكن هذه يعنى بالطبع ان المهمة والتى بها تعّرف الديمقراطية نفسها – نشر الانتباه - يجب ان تقتصر على عدد صغير – كما يبدو – من الافراد الهامشيين . يكتب بروكوبوفتش :
" يمكن للبروباجاندا بخصوص المستقبل والاشتراكية وكل البقية ، ان تخدم فى الوقت الراهن كوسائل ممتازة لجذب الافراد من المثقفين ومن بين العمال ( فى اغلبية الحالات النوع العاطفى الذين لا يتميزون بقدر عال من الغائية ) ، ولكن ليس الجماهير ، ابدا "
( وهذه ال "كل البقية " المُستخِفة ، تاتى فى ثوب من البلاغة الغشيبة ) .
وفى المقابل ، يصبح التحريض وسط جماهير العمال ، ممارسة زائفة بطريقة ما ، عندما يتدخل فيه المثقفون الثوريون . يكتب بروكوبوفتش :
" وكما ان التحريض الاقتصادى يبدأ فقط عندما تبدأ حركة اضراب من تلقاء ذاتها وسط جماهير العمال ( بدون التدخل المباشر للمثقفين ) ، كذلك يمكن للتحريض السياسى ان يبدأ عندما يشرع العمال بانفسهم ( بدون المثقفين الثوريين ) فى خوض الصراع ضد الاتوقراطية " .

هل طرح بركروبوفتش وكوسكوفا اى تصور للقيادة الطبقية ؟ نعم وهذه طريقة عملها : يساعد الديمقراطيون الاشتراكيون الجماهير فى التنظيم على اساس تصوراتهم لمصالحهم . ( فالمحاولة لزيادة وتوسيع فهمهم لمصالحهم على مستوى جماهيرى ، هى محاولة مستحيلة ، فضلا عن إنها غير مرغوبة ) . فوظيفة الديمقراطيين الاشتراكيين هى محاربة العفوية ، اى محاربة حالة غياب التنظيم والانضباط . ( راجع مناقشة ترجمة العفوية/الابتدائية/الاولية ، فى المقدمة – المترجم ) . عندما تدخل هذه المنظمات الجماهيرية فى الصراع من اجل مصالح العمال ، سيواجههم القمع القيصرى ، وهو التجربة التى ستوسع مداركهم بمصالحهم الطبقية . ليس التحريض من قبل الحزب ، بل الحياة هى من تجعل العامل منتبها بشكل اكثر – فاكثر – بمصالحه الجديدة .. طالما هى تنمو فى اعتماد حصرى على ظروف الزمان والمكان ، فان انتباه الجماهير يجعل من محاولات التدخل لفرض مجرى على الطبيعى لتطور الحركة العمالية ، محاولات عديمة الفائدة ، غير مثمرة تماما .

لم يكونا قلقين بصدد سيادة او سيطرة المثقفين الثورين على الطبقة العاملة ، لقد اعتبروا ان محاولة " تثوير العقول " بشكل جماهيرى هى اهدار كبير للوقت . لقد اضمرا اعجابا بتجربة حزب العمال البلجيكى ، وقد تساءل برتراند من قيادته : " ماهو سبب نجاح حزب العمال المستمر حتى الان ؟ المثل الاشتراكية ام برنامجنا للاصلاحات العملية ؟ " وكانت اجابته : الاصلاح ، طالما ان المثل الاشتراكية تجذب فقط الجزء المستنير والمثقف من الطبقة العاملة " . ومما يلفت النظر تلخيص بروكوبوفتش للحس العام للاشتراكيين البلجيك كالاتى : " الجماهير كالاطفال ، تلفتهم العروض البصرية الملموسة . كالاطفال تنجذب الجماهير فقط بالنتائج الحالية والانية الماثلة ، وليس بمثل عالية مجردة " .

لقد افترض الايرفورتيين – مثل بليخانوف ولينين – ان الحياة فى جزء من اختبارها كعوائق سياسية ، يصطدم بها العمال فى صراعهم الاقتصادى ، ستكون مصدرا مهما لزيادة الانتباه الطبقى . فى مخطوطه المسمى ب " الدليل " عقّب بليخانوف ان القيادة الصحيحة يمكنها أن تُسّرع التطور التاريخى ، واستخدم نسخةً من حجة " عاجلا او آجلا" :
" شيئان فقط يعرفهما العمال : مصالحهم الملموسة المعقلنة بوضوح ، ووضعهم ضمن الطبقات الاخرى . وهو وضع يحتاج سبره الى قدر من التحليل . هل يعرف العمال – دائما - مصالحهم و موقعهم ضمن الخرطة الطبقية للمجتمع ؟ نحن الحزبيون وبنظرتنا المادية للتاريخ نعتقد ان الاجابة هى : ليس دائما . نحن لا نشك ان انتباه الناس يتحدد بواسطة وجودهم الاجتماعى . ان ظهور جوانب جديدة للواقع هى اسباب ظهور محتوى جديدا للانتباه . ولكن هذا التحديد للانتباه بواسطة الوجود الاجتماعى ، هو عملية كلية يتم اكتمالها فى مجرى فترات متطاولة . ولهذا السبب فان العمال لا يعرفون دائما ‘ مصالحهم الحقيقية ‘ . ولهذا السبب – مثلا – فبعض العمال الالمان لا يدعمون الديمقراطيين الاشتراكيين ، بل يدعمون ‘ المفكرين الاحرار‘ او حزب الوسط او حتى كبار ملاك الاراضى " .
اذا لم يعقل العمال مصالحهم الحقيقية بشكل فورى او اتوماتيكى ، اذن فهناك دور لما سماه بروكوبوفتش مستخفا " المثقفين العضويين/الثوريين " . ويظهر تعقيب بليخانوف عدم الاتفاق الرئيسى :
" يريد السيد بروكوبوفتش ان يقول ان انتباه الجماهير دائما ما يتخلف عن التطورات التى تتم فى مجال العلاقات الاجتماعية . وهذ صحيح ، قليلا او كثيرا . ولكن النتيجة المنطقية الوحيدة التى تترتب على ذلك هى ان المثقفين العضويين ( ولن يختلف الامر اذا اتى اولئك من الانتلجنسيا او العمال) سيستخدمون كل الوسائل فى متناولهم وقدرتهم لتأكيد أن انتباه العمال لا يتخلف – الاقليللا جدا – وراء تطور العلاقات الحقيقية لمجتمع محدد . ان هدف الناشط العضوى هو بالتحديد الاتى : دفع التطور المتزايد باستمرار للانتباه الذاتى للبروليتاريا " .

وفى جذر المسألة لم يكن الموضوع مع او ضد المثقفين ، وانما كان قيادة مُلهَمَة وقادرة على الهام الاخرين . لقد رأى بليخانوف مهمة الديمقراطيين الاشتراكيين كتسريع للتطورات التاريخية بزيادة الانتباه الطبقى ، بينما اصاب القلق كوسكوفا و بروكوبوفتش من محاولة الديمقراطيين الاشتراكيين قهر او حتى انتهاك مجرى التطور ؛ وقد سخر بروكوبوفتش من فكرة القيادة والالهام باعتبارها خداع ذات لايجدى . فهى ما يشبه فكرة قرع ابواب القلوب المغلقة .
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »



الايرفورتية كاستيراد للغريب :

نتناول الان برنامج الكريدو ، والذى مثل معالجة تطبيقية لكوسكوفا بعد الاضطلاع على نقد بروكوبوفتش للديمقراطية الاشتراكية الغربية ، وتجربة اتخاذها كنموذج يلهم التجربة فى روسيا . يقول ملخص هذه القراءة : تتبع التاكتيكات دائما الطريق الاقل مقاومة . وفى الحقيقة فان الظروف هى التى تحدد التاكتيك وبدقة عالية ، وبالتالى تجعل من كل هذه القرارات التاكتيكية الصادرة من القيادة ، قرارات غير ذات صلة . وفى حالة الديمقراطية الاشتراكية الالمانية ، فقد فرضت الظروف مرحلة ‘ سالبة ‘ عارضت فيها البروليتاريا نفسها مع المجتمع وحلمت بالثورة ، والان تغيرت الظروف ، ويجد الحزب نفسه فى مجرى عملية مغايرة هى عملية ‘الاقرار بالمجتمع ‘ .
فى حالة روسيا ، فان ظروف القهر القيصرى قلّصت الامكانات بشكل كبير ، مما جعل التاكتيكات االتى تم فرضها عن طريق ‘الخط الاقل مقاومة ‘ مجرد تاكتيكات هزيلة حقا :
" فى روسيا ، لن يقود الخط الاقل مقاومة فى اتجاه النشاط السياسى . سيجبرنا القمع السياسى المذهل الى التحدث كثيرا عن السياسة ، وان نركز انتباهنا تحديدا على هذه المسألة ، ولكن ذلك لن يدفعنا الى اى نوع من النشاط العملى . فى الغرب ، قويت وتشكّلت القوى الضعيفة للبروليتاريا بدفعها فى خضم النشاط السياسى . بالمقابل فى روسيا تقف هذه القوى الضعيفة امام حائط من القهر السياسى . ليس فقط انه لاتوجد طرق عملية للنضال ضد هذا القهر ، وبالتالى لا توجد طرق عملية للتطور، ولكن حتى اضعف اشكال التحرك العملى يتم خنقها بشكل منظم بحيث لايمكنها النمو .
واذا اضفت الى ذلك ان طبقتنا العاملة لم تتلقى ارث الروح التنظيمية التى ميزت المناضلين فى الغرب ، فالصورة الناتجة تدعوا الى الكآبة ، وقادرة على اقعاد اكثر الماركسيين تفاؤلا فى لجة التشاؤم . ان الصراع الاقتصادى صعب ، صعب للغاية ، بل هو مستحيل – وهوصراع يتم خوضه فعلا بواسطة الجماهير . إن اعتياد العامل الروسى للتنظيم بواسطة هذا الصراع - يتم دفعه الى اعلى فى كل دقيقة - ضد النظام السياسى ليتمّكن فى النهاية من خلق شكل من اشكال الحركة العمالية – يستطيع ان ينتج المنظمات التى تناسب الظروف الروسية .
فى الوقت الحالى يمكننا القول بقدر من التأكيد ان الحركة العمالية الروسية فى حالة اميبية ، ولم تكون شكلا تنظيميا على الاطلاق . ان حركة الاضراب والتى يمكن ان تحدث على اى مستوى من التنظيم ، لايمكن القول بانها تمثّل شكلا متبلورا من الحركة الروسية . ان الاشكال غير القانونية لا نتج اى حالة من الانتباه من الناحية الكمية ، ناهيك عن ان تكون ذات فائده فى الظروف الحاضرة ".
اذن ، ما الذى اعتقدت كوسكوفا بامكان تحققه فى روسيا تحت ظل الاتوقراطية ؟ نوع ما من الحركة العمالية غبر السياسية ، والتى يمكنها انتاج اشكال تنظيمية ‘ تناسب تماما الظروف الروسية ‘ ، تتفادى الارتباطات بحركة ثورية سرية باعتبار انعدام الصلة ؟. إن وجود حركة عمالية قادرة على الصراع ضد سلطة القمع السياسى ، لهو امر مستحيل – تعتقد كوسكوفا - ناهيك عن اسقاطها الثورى . وبناءا على هذه المقدمات طرحت كوسكوفا برنامج العمل التالى:
" إن الحديث عن حزب العمال السياسى المستقل – جوهريا - ليس سوى نتيجة لتلك العملية التى قامت على استيراد مهام و نتائج اجنبية الى ارضنا . فالماركسية الروسية لازالت تعرض مشهدا يثير الاشفاق . فادنى محاولة لتركيز الانتباه على تبديات ذات طبيعة سياسية ليبرالية ، تثير احتجاجات الماركسيين الارثودوكسيين ، والذين ينسون ان هناك مجموعة كاملة من الظروف التاريخية تمنعنا من ان نكون ماركسيين غربيين ، وتطلب منا ماركسية اخرى ، مناسبة وضرورية للظروف الروسية .. للماركسى الروسى توجد نتيجة واحدة فقط : هى المشاركة بمساعدة الصراع الاقتصادى للبروليتاريا ، والمشاركة فى انشطة المعارضة الليبرالية . " .


لخص لينين فى " ما العمل ؟ " ، (وبدقة كافية كما يبدو لى ) برنامج كريدو قائلا :
" دع العمال يخوضون الصراع الاقتصادى ( الصراع النقابى – اذا تحدثنا بدقة – لان ذلك يتضمن نوعا محددا من السياسة العمالية كذلك ) ؛ ودع المثقفين الماركسيين يندغمون مع الليبراليين فى الصراع السياسى . ".
ولينين هنا يمارس الحذر فى ذكر ان الصراع الاقتصادى يتضمن ما يمكن تسميته – كما يجرى الان - " بسياسة مجموعات الضغط " ، فى مقابلة/ تناظر لعملية تغيير النظام /السلطة . جزء كبير من حجاجه الفكرى فى ثنايا " ما العمل ؟ " يركّز على ان خصومه من الديمقراطيين الاشتراكيين ، قد انخرطوا – بدون انتباه – فى تطبيق برنامج الكريدو .

إن تعليق لينين الذى يقول فيه – بالنتيجة – ان وجود شئ يمكن الاشارة اليه ك " السياسة الاقتصادية " ، يدفع بقضية مهمة وهى : ما معنى القول بان الاقتصادويين رفضوا الصرراع السياسى ؟ كوسكوفا بنفسها كتبت فى 1906 ان اى حديث عن رفض الاقتصادويين المبدئى للصراع السياسى هو كذبة كريهة ، تنتمى الى تلك المناهج السياسية التى تساوم بقوة الحزب الديمقراطى الاشتراكى ( اى تساوم بتماسك او اسقلال الحزب ) . ولقد اعتقدت كوسكوفا و بروكوبوفتش - حقا – ان الحريات السياسية مهمة جدا ، وان تنظيم الحركة العمالية سيقود الى الى دعم عمالى حقيقى الى توسيع الحقوق السياسية فى روسيا ، طالما ان العمال سوف يستمر دفعهم للنهوض ضد غياب حقوقهم السياسية .
ومع ذلك رفضت كوسكوفا ( و بروكوبوفتش ) وبشكل حازم الصراع السياسى بالمعنى الايرفورتى الروسى . فبداءً لن يشنَ اى صراع للحقوق السياسية بواسطة حزب سياسى عمالى مستقل . اكثر من ذلك ، اوضحت كوسكوفا وبوضوح ان النظام الدستورى لا يمثل جائزة كبرى . واشارت الى ان البرجوازية الرجعية فى الغرب الدستورى تدفع العمال الى الخوف من ضياع حقوقهم الراسخة . وسوف تتعلم البرجوازية الروسية – وبلا شك – من رصفائها فى الغرب . وعليه " فانه نوع من التفكير الطوباوى الاعتقاد بان اسقاط الاتوقراطية سيدفع البرجوازية الروسية الى تغيير الموقف السياسى من الطبقة العاملة . يجب الا نتوقع اى فوائد محددة من دستور فى روسيا " .

لقد وقفا موقفاً مضاداً لاى تحريض يهدف الى اسقاط الاتوقراطية . البربوجاندا مقبولة فى هذا الخصوص ، لانها وبالتعريف غير عملية وتستهدف افراد هامشيين . ولكن لان التحريض ( والتعبئة ) هو باستمرار دعوة للعمل ، وطالما ان الدعوة للهجوم الفورى على الاتوقراطية لا يمكنها الا ان تنتهى فى حمامات الدم ، فانه يترتب على ذلك ان على الحزب ان يخاف التحريض السياسى باكثر مما يفعل المستهدف بالتحريض . ليس ذلك فحسب ، بل يجب على برنامج الحزب الا يذكر الصراع السياسى المباشر ضد الاتوقراطية . " ومن اجل المستقبل ، فانه يجب علينا ان نتجنب وبكل قوانا حتى ما بشبه الحريض فى الوقت الحاضر " .

انه اغراق فى التبسيط ان يقال " لم يعاضد الاقتصادويون الصراع الاقتصادى " ونترك الامر على هذا المستوى من الطرح . فلقد امتلك الايرفورتيين الروس رؤيا قامت بشكل رئيسى على النموذج الالمانى ، لتؤسس حزبا سياسيا عماليا مستقل ، يخوض الصراع من اجل التحول الديمقراطى فى روسيا . رؤيا وقفت كوسكوفا وبروكوبوفتش معارضين لها ، وبنت – كوسكوفا - ضدها قضية مثيرة للاعتبار .
ما كتبه اليكساندر بوتريسوف ( محرر فى الايسكرا انتقل لاحقا الى يمين المنشفيك ) فى 1909 عن الاقتصادوية ، انها بشكل عام تنطبق على كوسكوفا وبروكوبوفتش : وهى نتاج ‘لخيبة امل‘ فى العمال ، وفى خيبة الامل فى تخلف ، وتلقائية وغائية الحركة الاضرابية . " هذه الحركة الملموسة للبروليتاريا الملموسة لا تتفق مع مهمتها التاريخية فى التحرر العالمى " .

وكما قالت كوسكوفا فى الكريدو ان الصورة التى رسمتها وبروكوبوفتش كانت محبطة وكافية ان تدفع اكثر الماركسيين تفاؤلا الى قاع الاحباط . لقد اعتقد الزوجان ان الحزب الروسى خدع نفسه " بالتطبيق المنهجى لطريق تطور غربى على ظروفنا " . وقد حددا موقفهما المفارق القاطع لبعض المعالجات فى البيان الشيوعى ، وقالا لو اعتبر المانفستو انجيلا ، فلتكن وحهة نظرنا كفرا .
بالنسبة للينين فان المانفستو هو حقا انجيل الديمقراطية الاشتراكية العالمية . وقد كان مؤلف كاوتسكى عن تاريخ الحركة العمالية فى غرب اروبا مصدر الهامٍ اساسيٍ للينين . وقد اعتقد ان التحدث الى العمال الروس عن الاشتراكية وعن اسقاط الاتوقراطية هو اكثر الاستعمالات المنتجة الممكنة لاستخدام الموارد المتاحة ، وهو الماركسى الذى رفض الاستسلام للاحباط ، وتصدى للكريدو بحماس واثق كبير .
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »



جريدة الفكر العمالى :

ابتدأت فى الصدور كجريدة سرية فى سانت بيترسبيرج فى 1897 حتى 1902 ، وتوقفت بعد ان اصدرت ستة عشر من اعدادها . وقد طرحت نفسها باعتبارها الصوت المعبر عن عمال المدينة . اُعتبِرت الجريدة ابتداء من عددها الخامس ، الجريدة الرسمية للحزب الديمقراطى الاشتراكى بالمدينة . ولكنها سريعا ما اصبحت – الى جانب الكريدو ومجلة قضية العامل - الصوت العالى المعبر عن الاقتصادوية المتطرفة . لم يجادل لينين جريدة الفكر العمالى فى " ما العمل ؟ " بل استخدمها باعتبارها مثالا مشهورا للموقف الاقتصادوى ليثبت ان مجلة قضية العمال - هدفه الاساسى – تتبع خطاهم فى المسار المشين .

لم تكن جريدة الفكر العمالى محبوبة فى اوساط الديمقراطية الاشتراكية ؛ لماذا ؟ تحظى الاجابة على هذه السؤال باهمية قصوى فى فهمنا ل " ما العمل؟" . هنالك توجهان نحو " الفكر العمالى " يتمايزان على اساس الموقف من القضية الاساسية المرتبطة بالسؤال : هل تكلمت الجريدة بصوت واحد ام خاطبت جماهيرها باصوات متعددة ؟ فاذا كانت الجريدة قد تكلمت بصوت واحد ، يجب عندها ان نعتبر وجهة نظر ادارة التحرير معبرة – على الاقل - عن بعض عمال بيترسبورج . وفى هذه الحالة يظهر هجوم لينين على الجريدة معبرا غن توتره الخاص ( المفترض ) بصدد وجهة نظر العمال – وهو استنتاج ينسجم بلطف مع تفسيرات " الكتاب/المرجع المدرسى " . ولو انه – فى الجهة المعاكسة – وجدت اصوات متعددة متناقضة متجاورة على صفحات الجريدة ، فان مثل ذلك الاستنتاج لايحتاج الى متابعة.

يرجع الادعاء بتحدث الجريدة بصوت واحد الى1904 عندما حاجج فلادمير اكيموف ( عضو سابق فى هيئة تحرير جريدة الفكر العمالى ) ان الديمقراطيين الاشتراكيين الروس معادين للجريدة ، تحديدا لانها جريدة عمالية . ولقد رأى فى موقف الايسكرا تبنيا للموقف المتعالى نحو العمال الحقيقيين تعكسه افتتاحياتها. نفس الاعتقاد نجده طافحا فى اعمال وايلدمان ، مؤلف الدراسة التفصيلية الوحيدة عن جريدة الفكر العمالى . يقول : "حملت الجريدة رسالة متسقة (...) وعارضت طريقة تفكيرها المجرى الرئيسى للديمقراطية الاشتراكية سوى فى القناعات النظرية لمؤسسيها ، او فى الفلسفة العملية لناشطيها تحت الارض فى روسيا " .

عبرت الجريدة عن مسعى العمال من اجل التحرر الذاتى ، وقد استنتج وايلمان – ومعه زيجينالد زلنك وجيرالد سيرش – ان عداء لينين لمسعى العمال الى التحرر الذاتى هو المفسر لموقفه القلق بصدد العمال . فى نهاية 1890 ، يقول زلنك ان لينين " عرف – من على بعد – ان بعض عمال روسيا الاكثر صدامية ، والاكثر اخلاصا ، انخرطوا فى رفض درامى لوصاية المثقفين ، تدفعهم نزعة من نوع ‘ حب العامل ‘ رددت صدى نزعات مماثلة فى اجزاء اخرى من اروبا ، وهى النزعات التى حاربها لينين بكل قوة " .
وفى كلمات سيرش فان ما يسميه لينين بالاقتصادوية هو" تلك النزعة وسط العمال فى التسعينات (1890) الساعية الى التحكم على حزبهم " . و طالما هو ملتزم بمفهوم صفوى لهجمنة المثقفين فى الحزب الثورى ، لم يكن باستطاعته سوى ان يكون معارضا لتلك النزعات العمالية . وقد صمم " ما العمل ؟" ليمثل اسلحته الثقلية فى حملته للابعاد المنظم للعمال من المواقع القيادية .

وجهة النظر البديلة – التى تقول بتحدث جريدة الفكر العمالى باصوات متعددة – ترجع الى بعض قراء الجريدة المبكرين من الديمقراطيين الاشتراكيين ؛ منهم بليخانوف وافراد مجموعة " التحرر العمالى " ، لينين وليادوف . وهؤلاء يحملون افكار ووجهات نظر متعددة بصدد " الفكر العمالى" . اصر هؤلاء على التفريق بين اصوات العمال الذين كتبوا للجريدة وبين اصوات هيئة التحرير . لم يكونوا راضين عن اصوات هيئة التحرير ، واكدوا انه ليس من حقها التحدث باسم عمال بيترسبورج ، وان وجهة نظر هيئة التحرير غير ملتزمة بالديمقرطية الاشتراكية .

بعد الاستماع الى الجانبين ، وبعد قراءة اعداد المجلة ، وفحص المادة القيمة التى جمعها وايلدمان ، يظهر التوجه الثانى باعتباره الاكثر اقناعا . لقد غالت مساهمة وايلدمان/اكيموف فى تقدير الوحدة فى صوت الجريدة ، وقللت من تقدير حجم الاستياء من قبل الديمفراطيين الاشتراكيين من وتجاه وجهات النظر التى عبرت عنها هيئة تحرير الجريدة . وفيما يخص لينين فان معارضته لجريدة الفكر العمالى نبعت من خلفية اختلافات حقيقية متعلقة بالبرنامج الحزبى ، وليس من عداء لسعى العمال الى التحرر الذاتى . إن عداء لينين لموقف هيئة تحرير جريدة الفكر العمالى ينتمى الى موقف يُعبّر عنه اتفاق عام ، يضم حتى الدّ اعداء الايسكرا مثل مجلة قضية العامل .

ثلاث انواع من الادلة تدعم هذه النتيجة او التلخيص . الاول معلومات عن من هو الذى سيطر حقا على الجريدة . الثانى وجهات النظر المتناقضة التى وجدت التعبير عنها فى الجريدة . الثالث الاتفاق او الاجماع بين عدد من القارئين المطلعين من الديمقراطيين الاشتراكيين . ولنفحص هذه الخطوط من الادلة .

رعاة جريدة الفكر العمالى :

نهتم هنا بالاعداد الثمانية الاولى فقط ، لانها الاعداد التى فجرت النزاعات فى الوساط القيادى للديمقراطية الاشتراكية . من سيطر على المادة المحررة ؟ و من خاطبت ؟. وسنتتبع ذلك فى هذه الاعداد عددا وراء عدد ، لان الجهة الراعية للجريدة استمرت فى التغير .
العدد الاول والثانى – اكتوبر وديسمبر 1897 . وهما العددان اللذان صدرا تحت رعاية مجموعة من عمال بيترسبيرج الى جانب بعض المثقفين المتعاطفين . لم يحظ العددين بتوزيع واسع .
العدد الثالث يوليو 1898 : اختفت المجموعة العمالية نتيجة الاعتقال ، فوقف اصدار الجريدة بعد العدد الثانى . نشأت مجموعة جديدة اغلبيتها من المثقفين ، وبمبادرة من كارل اوغست كوك تم طباعة الجريدة فى برلين . وكوك مثقف من اصول عمالية وقوقازى من المهاجرين الى المانيا ، وليس له جذور فى بيترسبيرج .
العدد الرابع يناير 1899 : شهد هذا العدد انضمام تاختاريف ( مهاجر من بيترسبيرج ) الى هيئة التحرير . وقد قدمته كوسكوفا (كاتبة الكريدو ) الى كوك . وهنا اثارت الافتتاحية والمادة المحررة – لاول مرة -المواقف العدائية من قبل الديمقراطيين الاشتراكيين .
العدد الخامس والسادس يناير-ابريل 1899 : شهد العددان تغيرا كبيرا فى وضع الجريدة . فقد اصبحت الان - وبعد مناقشات بين مجموعات بيترسبيرج والجريدة – الناطق الرسمى باسم المجموعة الديمقراطية الاشتراكية فى المدينة . وغدت جريدة مؤثرة يتطلع لقراءتها ناشطى الديمقراطيين الاشتراكيين فى كل روسيا . كانت النتيجة المباشرة للوضع الجديد انفجار الصراع بين مجموعة بيترسبيرج و كوك حول محتوى المادة المحررة . ولم يوزع العدد الخامس فى بيترسبيرج بعد استلامه ، وصدر العدد السادس بدون كلمة افتتاحية للعدد .
العدد السابع يوليو 1899 ، وملحق منفصل فى سبتمبر من نفس السنة : اثناء العمل فى العدد السابع حطمت الاعتقالات مجموعة بيترسبيرج ومعظم لجنة الديمقراطيين الاشتراكيين . قررت هيئة التحرير فى الخارج ان تمضى قدما باصدار المادة المعدة ، بجانب اضافة مواد اخرى لم تجيزها المجموعة الغائبة فى معتقل بيترسبيرج . تلقى الملحق نفس المعالجة . وقد احتوى كامل الملحق ( 36 صفحة )على مادة نظرية تعليمية ، وخلى من اى مادة موجهة الى العمال .
العدد الثامن فبراير 1900 : على اثر ملحق العدد السابق ، نشطت المناقشات حول كيف يتم التعامل مع هذا ‘ السخف ‘ من جريدة تدعى تمثيل صوت العمال فى سانت بيترسبيرج ، ومع ذلك تنشر تحت التحكم المطلق لهيئة تحرير تسكن فى خارج البلاد .

تكونت بعد العدد الثامن مجموعة " منظمة العامل " فى بيترسبيرج ، و تولت مهمة ادارة تحرير الجريدة . وقد كان تاختاريف هو المهندس لهذا التحول/التطور . اوضح لينين وبشكل جلى ان نقده "للفكر العمالى " لا يشير للاعداد الحالية للجريدة .
توضح هذه السيرة التاريخية ان التحكم فى تحرير " الفكر العمالى " لم يكن ثابتا او مستقرا . قامت الصراعات بين المجموعات المحلية فى بيترسبيرج ، كما انفجرت بين مجلس التحرير الخارجى ، وبين المجموعات المحلية ومجموعات من المهاجرين الروس الى الشتات الاروبى . وهى صراعات عبرت عن نفسها بوضوح على صفحات الجريدة . بعد اصدار العددين الاولين . جاء صوت هيئة التحرير من الخارج ، ولم يكن فى مستطاع كوك او تاختاريف الادعاء بتمثيل صوت عمال بيترسبيرج .

صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »


الاصوات المتعددة لجريدة الفكر العمالى:

وتضم قائمة الاصوات المتميزة الاتى : المساهمون ، رسائل القراء من العمال ، هيئة تحرير العدد الاول ، مواد تحريرية مختصرة فى الاعداد 4 الى 8 ومقالات تاختاريف .
لقد مثلت المساهمات المرسلة من عمال المصانع – تصف ظروف العمل فى المصانع والصراع الاقتصادى - قلب الجريدة النابض وسبب نجاحها . لم تعكس هذه الرسائل اى عداء للمثقفين او رفض للثورة ضد القيصر . باحت رسائلهم بآمالهم المعلقة على ما اسميه استراتيجية التسامح المتواجدة بواقع الحال ، وساشرح ذلك لاحقا .
بجانب رسائل المصنع ، كتب بعض العمال رسائل تعلق على مواضيع الجريدة ، او مطالبة بطرح مادة تحرض على الاعمال الثورية . فمثلا كتبت مجموعة من العمال فى المنفى رسالة تحى الصراع من اجل تحسين الظروف المعيشية ، من اجل الحريات السياسية و من اجل التحرر النهائى للطبقة العاملة .

و الان نتناول اصوات هيئة التحرير والتى مثلت المصدر الرئيسى للامتعاض والضيق بمجلة الفكر العمالى . ولنبدأ بافتتاحيتين فى العدد الاول ، وهى الافتتاحيات التى عبرت عن لسان حال المجموعة المؤسسة للجريدة . كتبت احدى الافتتاحيتين بواسطة عامل (بولياكوف ) ، وكتب الاخرى المثقف بوجوراز ، بالطبع لم يكن ذلك معروفا فى وقتها . ونتيجة لمحدودية التوزيع لم يعرف هذين المقالين الا بعد اعادة نشرهما . وقد اعيد طباعة الافتتاحية المكتوبة بواسطة المثقف فى 1898 . اما الافتتاحية التى كتبها العامل بولياكوف فقد اعيد نشرها فى 1902 فى كتاب لتاختاريف بعد طباعة " ما العمل؟" ؛ اى ان وجهة نظر لينين فى جريدة الفكر العمالى لم تتأثر بالا فتتاحية التى كتبها العامل بولياكوف ، وكما قال تاختاريف ان الافتتاحييتين تتركان انطباعيين شديدى الاختلاف .

النقطة المركزية لافتتاحية المثقف هى ان العامل العادى لن يشترك بحماس فى الحركة العمالية الا اذا ساهم فعلا فى الصراع اليومى من اجل المصالح الاقتصادية . بغض النظر عن مزايا هذه النقطة ، فقد دافعت عنها الافتتاحية بطريقة اوقفت الجميع على حافة التوتر . ما الذى منع الحركة قبلا من اشراك العمال فيها على اساس المصالح الاقتصادية ؟ هل هو المثقف التائب والذى كرّس نفسه للحركة ، فقط ، لاسباب سايكولوجية ذاتية ؟ هل هم العمال المثقفون المعزولون عديمى الارتباط ؟ والذين هم الوحيدون القادرين على الاخلاص الحقيقى لاسباب غير اقتصادية ؟ الانشغال بالمثل السياسية ، اى باهمية الحريات السياسية ؟ هذه ‘العوائق ‘لا تتم ازالتها الا عندما يؤكد العمال التحكم فى مصيرهم ، وذلك "بنزعه من ايدى هؤلاء القادة / الموجهون " اى من المثقفين الديمقراطيين الاشتراكيين .

وعندما تطلعت الافتتاحية الى المستقبل لم تتنبأ باى دور ايجابى للمثقفين ‘ غير التائبين ‘ ولا العمال المتقدمين فى ادوار قيادية ، او اى التزام قوى من عوام العمال بالحريات الديمقراطية ، او على الاقل لم تشر لتلك القضايا . وانطلق كاتب المقالة فى التنبؤ بتوسع الحركة العاملة منتقلة من نجاح الى اخر بدون دليل على احتياجها الى تضحيات او معارك ثورية .
" والان ن بطبيعة الحال لن يشك احدا، فان البوليس ( الجندرمة ) لن يستطيع ايقاف ( حركة العمال) من التطور التدريجى المستقيم ... فى هذا الصراع ، تعتبر اى خطوة للامام تحسنا فى حياة الفرد ، كما تعتبر وسيلة جديدة لانتصارات ابعد " .

لعلنا نذكر فكرة كاوتسكى ان الحس بالمهمة التاريخية سيحفظ الحركة العمالية فى اوقات الهزيمة واوقات التراجع ؛ وفى المقابل فان محرر الجريدة بدى متاكدا تماما ان مثل تلك الهزائم لن يحدث ، وبدى – حقيقة – معاديا لفكرة ان ينجز العمال افعالا تفيد الاجيال القادمة . و قد لخص تعقيب ليادوف رد الايرفورتيين قائلا :
" بعد تحرير انفسهم من قيادتهم/الموجهين السابقين ، يفترض على العمال ان يحرروا انفسهم – كذلك- من ايديولوجة هؤلاء القادة/ الموجهين ، وان يتخلوا من الصراع من اجل الاجيال القادمة – وان يذهبوا الى السجن و المنفى ، يعانون الجوع فى الضراب عن الطعام ، يموتون فى اوقات القهر الحكومى – وكل هذا باسم تحسن فورى فى ظروفهم المعيشية الخاصة ! فقط المثقف شبه المتعلم هو من يتصور نفسه المفسر لاارادة ورغائب العمال ، هو فقط من ينسب لهم هذه الوجهة السخيفة من الاعتقاد ، وهذا المستوى من انخفاض الافق " .

اختلفت المقالة الافتتاحية العمالية بشكل رئيسى فى النقطة المفتاحية ، وهى الحس بالمهمة التاريخية ، حيث حددت :
" ان وضعنا التاريخى كطبقة عاملة هو انه فى نفس الوقت الذى نعمل فيه من اجل تقدم اوضاعنا المعيشية ، فنحن نعمل ايضا على اكمال عمل المجتمع . نحن الطبقة الاخيرة . بعدنا لايوجد احد . ان سيادة الطبقة العاملة هى السيادة الكونية او – بشكل افضل – المساواة الكونية فى الحقوق ، وعلينا التضال من اجل تحقيق هذا : عندها فقط يمكننا ان نقول اننا لم نعش بلا جدوى ، وسيؤكد اطفالنا ذلك " .
ليس هناك اثر فى المقالة لعداء عمالى تجاه المثقفين . صحيح ان المقالة تنادى " ان التقدم فى موقعنا كعمال يعتمد علينا كعمال " ، ولكن هذه التمييز موجه ضد الراسماليين وليس المثقفين . وتشجّع المقالة العمال على التفكير فى انفسهم كطبقة ، وعليها رفض التجزؤ المنتشر : " لا يكون التجزؤ بلا نتائج . واحدى هذه النتائج هى ان بعض الدوائر التى فقدت قيادتها ، ذهبت تبحث عن اعادة التواصل والارتباط من خلال زملاء فى مصانع اخرى ، بينما – وطوال الوقت - كان فى امكانهم استعادة الصلة من خلال احدهم لا يبعد عنهم سوى ورشة اخرى فى نفس المصنع " .

لا ترفض المقالة ‘المثل السياسية ‘ ولا تنظر مستقبلا فقط لتحقيق التقدم الاقتصادى . وقد رأت وحدة الطبقة العاملة كوسيلة لمواجهة قوى القمع الاتوقراطى للسلطة القيصرية . وهكذا فقد عكست الجريدة فى عددها الاول الصادر من المجموعة المؤسسة ، اختلافات فى الصوت والتصور ، ولم تكن باى حال من الاحوال لسان حال للمثقفين من مجموعة التأسيس .

ونستمر فى رصد الاصوات المتعددة لنناقش الاعداد 4 الى 7 وملحق الاخيرة . توجهت الافتتاحيات هنا بالرد على بعض رسائل القراء المنتقدة لبعض مواقف الجريدة . نحت الافتتاحيات هنا نحو الاساءة متجنبة مناقشة حقيقة للمواضيع المثارة . وبهذا لعبت دورا كبيرا فى ابتعاد الديمقراطيين الا شتراكيين عن المجلة .
من غير المعروف كتاب هذه الافتتاحيات ، ولكن المرشحين الاكبر احتمالا هما اما كوك او تاختاريف او كلاهما .

جاءت الجملة البرنامجية الاكثر تفيصلا من قلم تاختاريف ، فالافتتاحات الرئيسة لهذه الاعداد ، زائدا مقاله بعنوان " حقيقتنا " فى ملحق العدد السابع ، تؤسس لجهد طموح يهدف الى عرض والدفاع عن وجهة عمل للديمقراطية الاشتراكية . لقد اثار الملحق بكامله اكثر الكتابات الاحتجاجية التى كتبها لينين فى 1899 بعنوان " ميول متراجعة فى الديمقراطية الاشتراكية " .

اجد بعض الصعوبة فى الامساك بالمعتقدات الاساسية لتاختاريف . فعندما خرج من روسيا لم يتوقع احد ان ينضم الى مجلة الفكر العمالى ، فقد سبق وان احتاز على اعجاب مجموعة " تحرر العمل " – اى مجموعة بليخانوف – والتى سبق ان نشرت له مقالة عن الاضرابات العمالية فى بيترسبيرج ، اعتبرت كنشيد وطنى للايرفورتية الروسية . من الواضح ان تاختاريف غير موقفه الفكرى والسياسى . فم الذى حدث ؟ بعد هجرته من روسيا اصبح تاختاريف ذا صلة بحزب العمال البلجيكى والحركة العمالية الانجليزية .

فى التسعينات خلقت حركة الانتعاش الاقتصادى وحداثة عهد الحركة العمالية وضعا كانت فيه حركة الاضرابات محتملة من قبل السلطة ، فتمكنت بالتالى من احراز بعض النجاحات . بالنسبة لبعض العمال بدى ان هذا الوضع سيستمر الى الابد ، وانه سيسمح للحركة العمالية بالتوسع والنمو الى نقابات ضخمة مصادمة فى اطار الشمولية المطلقة لحكم القيصر . وكانت الفكرة انه لو توحد العمال ، فان العدو سيتراجع . واسمّى هذه التوقعات باستراتيجية التسامح كامر واقع . ستستمر حركة الطبقة العاملة فى التواجد والنمو بدون الحاجة الى الاسقاط الثورى للقيصرية . فى مقالاته الافتتاحية وفّر تاختاريف الاساس النظرى لهذا الموقف المتفائل ، وذلك بادعائه ان التقاليد/العادات/العرف كانت اساس القانون ، وبالتالى فان التشريع القانونى ليس ضروريا . فى احد افتتاحياته رد تاختاريف على الاعتراض الواضح القائل ان القهر سيعيق نمو الحركة العمالية قائلا : " لايزال القانون الروسى لا يعترف باى حق للعمال بتكوين اتحادات لتحسين ظروفهم . حتى الان يعترف القانون بحق العمال فى تكوين جمعيات العون المتبادل السلمية . ولكن الحياة نفسها وباكبر قدر من الالحاح تدفع العمال الى تكوين اتحادات صدامية لتنظيم الاضرابات من اجل زيادة المرتبات ، تقصير ساعات العمل .. الخ . والى ان يقوم قانوننا بالاعتراف بالحق فى الوجود القانونى لهذه الاتحادات ، فانها ستستمر فى الوجود السرى . لقد قمعت الاتحادات بداءا فى كل مكان ، ثم جرى بعد ذلك احتمالها ، ثم اصبحت بعد ذلك تقليدا او عرفا ، ثم تم الاعتراف بها قانونيا واخيرا هاهى تتم حمايتها بواسطة القانون ." .

لقد عبّر تاختاريف عن استراتيجية التسامح فى رسالة ضد السياسة وبشكل اكثر افصاحا . بالتاكيد فان توسيع الحريات السياسية هو امر جيد ، ولكن تركيز الاهتمام المهووس ببرلمان غير موجود ، بدلا عن الاجسام التمثيلية الموجودة هو نوع من الثورية العدمية . منازلة البوليس السياسى هو موضوع جانبى للاهتمام الا لدى المثقفين الثوريين . ( قد اثارت العبارتين الاخيرتين غضب لينين فسجله فى " ما العمل ؟" ) . يقول تاختاريف ان الحرية السياسية هى ليست امرا يصارع من اجلها ، فهى تحدث – هكذا – عندما تصير الحركة العمالية اقوى ويزداد الاعتراف بها . ويترتب على سيناريو التسامح الحادث بامر الواقع ، انه ليس هناك حاجة محددة لحزب سياسى ثورى . و بالتالى ليس هناك حاجة الى ثورة ؛ فاهداف الحركة العمالية يمكن تحقيقها تحت ظل الاتوقراطية القيصرية . يقول " نحن نفهم بالصراع المحدد ( او الخاص ) ذلك الصراع الذى يخوضه العمال ضد رؤسائهم ، من اجل مصالحهم المحددة (او الخاصة ) . ونسمى الصراع السياسى ذلك الصراع الذى يخوضه العمال من تحسين موقفهم العام من المصلحة العامة لكل العمال " .

لقد رفض لينين فى " ما العمل ؟" تلك العبارة بكل السخرية المجيدة ، تعريف تاختاريف للصراع السياسى هو ما يسميه لينين السياسة النقابية فى مقابلة السياسة الديمقراطية الاشتراكية ، التى تهدف الى الاسقاط الثورى للقيصرية على اساس مصلحة المجتمع ككل .

صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »




ردود فعل القراء :

يعكس تاريخ ردود الفعل من قبل الديمقراطيين الاشتراكيين تلقيا ايجابيا للعددين الاول والثانى . اشاد فلاديمير ايفانشين - المحرر فى جريدة "قضية العامل " - بظهور جريدة الفكر العمالى باعتبارها اول جريدة عمالية فى روسيا ، واعتبرها دليلا ناصعا على الوجود الحى والمتنامى للحركة العمالية الروسية .
اتى الهجوم الحقيقى على الجريدة عند صدور عددها الرابع . وهو العدد الذى اسمع صوت تختاريف وكوك من خلال افتتاحياتها . ففى هذا العدد كتب تاختاريف مقالا مطولا طاعنا فى اولوية الحريات السياسية ؛ ومقالا قصيرا اجتهد فيه ليكون مسيئا للمثقفين كمجموعة . وقد عقب عليه كولتسوف من مجموعة بليخانوف ناقدا النغمة المعادية للمثقفين ، بينما اشاد بالرسائل والمقالات التى يبعثها العمال الى الجريدة . فى العدد السابع ردت الجريدة على كولتسوف فى مقالة قصيرة . وقد سببت صيغة ونفس الكتابة اضرارا للجريدة بقدر الاضرار التى سببتها هرطقتها البرنامجية فى مقالاتها الطويلة . قالت جريدة الفكر العمالى فى ردها : ان النظرية الثورية والتنظيم بواسطة المثقفين لدوائر صغيرة من العمال المتقدمين لاسقاط الاتوقراطية ، هى نظرية عفى عليها الزمن ، تخلوت من المعرفة الحقيقية بالواقع .

بافل تيبلوف محرر جريدة " قضية العامل " ، هاجم مواد العدد السابع وكذلك ملحقها . وقال ان الافتتاحيات لا تتحدث بصوت جريدة الفكر العمالى ولا بصوت الديمقراطية الاشتراكية . ووصف اللغة واساليب الصراع التى تستخدمها المجلة بالعدوانية وغير الرفاقية . عارض تيبلوف وبشدة موقف الجريدة المعادى للمثقفين ، واعتبر المادة المنشورة – بالذات فى الملحق – تعكس موقفا كاملا من الرفض للارث الثورى الروسى . واخيرا انتقد النبرة المعادية للسياسة فى العدد السابع فى مقال تاختاريف . فقد انتقد البيانات الخاصة المحتفلة بعيد اول مايو الصادرة من لجان الديمقراطيين الاشتراكيين ، لانها طرحت مطالب سياسية عامة لاتتناسب مع المطالب العمالية الحقيقية ، والتى هى مطالب اضيق كثيرا وغير سياسية . واشار الى ان المقال يناقض موقف الحريدة نفسها ، والتى سبق ان عبرت فى تصريح بمناسبة اول مايو عن أن :" كل الرفاق ، وباصرار لا يعرف التعب ، لانظهر الخوف من الجندرمة ، سننال ... الحق فى الاضراب ، الحق فى الالتحاق بعضوية الاتحادات العمالية ، الحق فى انشاء صناديق التبرعات ..حرية التعبير والصحافة ، الحرية السياسية " .

اثار ملحق العدد السابع حفيظة لينين وهو فى المنفى السايبيرى . فالى جانب المقالة البرنامجية التى كتبها تاختاريف ، حوى الملحق مقالة لادوارد برنشتاين ، كما احتوى على مقالات عن شيرنبشيفسكى ( احد ابطال لينين فى الارث الثورى الروسى) هدفت المقالات الى تشويه سمعة التقاليد الثورية الروسية . فى تعقيبه فرّق لينين بين الجانب المفيد والجانب المؤذى لجريدة الفكر العمالى :
" طالما ان جريدة الفكر العمالى ، وهى تكيف نفسها لتكون فى متناول الفئات الدنيا من البروليتاريا ، استمرت فى العمل بشكل دؤوب لتفادى الاشتراكية كهدف نهائى وتفادى الصراع السياسى ؛ ولم تعلن – صراحة – عن موقف يعبر عن ميولها الخاصة ، فان عدد من الديمقراطيين الاشتراكيين يهزون رؤسهم متمنين انه وبتطور واتساع عملهم ، ان تتمكن مجموعة جريدة الفكر العمالى من التحرر من حدودهم الضيقة .
ولكن وعندما يبدأ الناس الذين انجزوا فى السابق عملهم الطبقى التمهيدى فى بث الضوضاء فى كل اجزاء اروبا ، متجاوزين لموضة النظريات الانتهازية ، معلنين الرغبة فى وضع الديمقراطية الاشتراكية الروسية فى الوضع المستعد للطبقة المستعدة لعدد من السنين القادمة ( اذا لم يكن الى الابد ) ، عندما – وبكلمات اخرى – يبدأ اولئك الذين عملوا طويلا وبشكل مفيد على برميل من العسل ، فى صب مغارف من القطران عليه ، وعلى مرأى الجميع ، اذن علينا النهوض الحازم ضد هذه الميول التراجعية " .

سنناقش مقالة لينين المهمة فى مناطق اخرى من تعليقنا . فقط نشير هنا الى انه حصر تركيزه على السؤال العملى حول هل ستستجيب الحركة العمالية الروسية الى جاذبية فكرة الثورة ، ام لا . علّق لينين على موضوعة العمال – المثقفين فى الملحق : " يقول ر.م ( اى تاختاريف ) ‘ ان توجهات الفئات المتقدمة من العمال نحو مثل هذه الحكومة ( الاوتوقراطية ) يمكن فهمها بسهولة ، كما يمكن فهم توجهات العمال نحو رؤسائهم ‘ . هذا يعنى – ان الحس العام السليم يؤدى – الى ان الفئات المتقدمة من العمال ليسوا اقل غائية او استهدافا من المثقفين من الاشتراكيين ، وباتالى فان القول بان ما تهدف اليه مجلة الفكر العمالى من فصل بين الاثنين هو نوع من اللغو المضر . وهذا يعنى ان الطبقة العاملة الروسية ، قد خلقت اصلا ، ودفعت الى الامام و بشكل مستقل ، عناصر لتكوين حزب سياسى عمالى مستقل " .

فى 1902 صدر كتاب عن تاريخ الحركة العمالية فى بيترسبيرج ، اصدره تاختاريف ، كتب جزئيا كرد على " ما العمل ؟" . كرس معظم الكتاب لمجلة الفكر العمالى . ولو ان هناك شخصا واحدا مسئولا من السمعة السيئة التى نالت الجريدة ، فهو بلا شك تاختاريف ، فافتتاحياته فى الاعداد الرابع الى السابع وملحق العدد السابع ، هى السبب الذى كان وراء الادانة الواسعة لها وسط دوائر الديمقراطيين الاشتراكيين . فى 1902 تغير المناخ الثورى عن الاعوام 1899- 1898 ، وتحول تاختاريف الى داعم لجريدا الاسكرا . مايثير الاعجاب فى الكتاب ان تاختاريف اعتذر عن افتاحياته ، وطلب عدم لوم جريدة " الفكر العمالى " وتحميلها مسئوليتها . وفسر تجارب الاعداد4 -7 بانتقال مسئولة ادارة التحرير الى الخارج تحت سيطرة مجموعة من المهاجرين ، وبعيدا عن المجموعات الاولى التى تحملت مسئولية تكوينها .

كل هؤلاء النقاد حددوا ان افتتاحيات "الفكر العمالى " لم تعكس فكر ووجهات نظر العمال بشكل عام ولا مجموعة الجريدة فى بيترسبيرج . هذه التحديد بلا شك ياتى اكثر اقناعا من الذين ارتبطوا بتجربة الجريدة عن قرب ومنهم تاختاريف .

عمال مقابل مثقفين ؟

ادعى تاختاريف ان مثل هذه القضايا الملموسة ، كانت وراء الدوافع التى انجزت جريدة الفكر العمالى .
" نهضت " الفكر العمالى" ضد الموقف الذى نشأ فى المنظمات الديمقراطية الاشتراكية الروسية ، والذى اخذ فيه المثقفون لانفسهم – بتاثير نهوض الحركة الديمقراطية الاشتراكية الروسية – دور القائد/الموجه الحصرى ، وطردو العمال من مواقع القيادة لحركتهم " .
تحول اجتماع بيترسبيرج فى اوائل 1897 الى رمز للصراع المفترض ، فاشتهر . حضر ذلك الاجتماع مجموعة من الناشطين فى طريقهم الى المنفى السايبيرى بينهم لينين ومارتوف ، الى جانب عدد من الناشطين لم تلحقهم يد العسف . كان للنسيان ان يكون مصير هذا الاجتماع ، لولا ذكر لينين له –عرضا - فى " ما العمل ؟" ، كاول حالة تبدى للانقسام اللاحق بين الاقتصادويين والارثودكس . وفقا للينين فان الاختلاف نشأ حول هل يجب اعطاء الاولوية لصندوق دعم الاضرابات العمالية ام لجمع وتنظيم الثوريين . فى كتابه الصادر فى 1902 نازع تاختاريف رصد لينين للموضوع فى الاجتماع ، مدعيا ان لينين و ‘ قدامى المحاربين ‘ الاخرين ، عارضوا دخول العمال فى لجان الحزب . بعد ذلك توالت ذكريات المشتركين فى الاجتماع ترصد ما جرى . ( ملحوظة : لم يكن تاختاريف مشتركا فى الاجتماع ، واعتمد على ما رصدته زوجته لما دار فى الاجتماع ) .

لقد رأى وايلدمان واخرون فى هذه الاجتماعات اشارات مبكرة للانقسام المركزى للديمقراطية الاشتراكية الروسية . لقد اراد العمال تولى امر ثورتهم ، بينما اصر لينين وصحبه على احتكار المثقفين للقيادة . انه بالتتحديد هذا التحدى العملى وليس اى تحريف ايديولوجى هو ما اثار قلق – بل خوف - لينين . ليس من اهداف هذا التعليق كتابة تاريخ الديمقراطية الاشتراكية الروسية – والذى نحتاجة لاستكشاف هذه الموضوعة بشكل محيط ، ولكنى ساوضح باختصار خطوط اسبابى لرفض تفسيرات وايلدمان .

اولا : هل وجد على وجه الاطلاق اى شخص قام بالاعتراض على دخول العمال فى الهيئات القيادية ، لانهم عمال ؟ اننى اجد هذا غبر قابل للتصديق ( ملحوظة : بعد كتابة هذه الكلمات وجدت تصريحا صدر فى اوائل 1903 من احد المشاركين فى تلك الاحداث ب . آى . جولدمان ، والذى رد على تلك الاتهامات الخاصة برغبة قدامى المحاربين فى ابعاد العمال ( بما هم كذلك ) . " انفى نفيا كاملا اننا قلنا شيئا يشبه هذا ، ولم نفكر مطلقا بهذا الشكل السخيف .) . بعد فحص عدد من التوصيفات المختلفة للاجتماع اخلص الى انه لا يوجد سبب لقبول رصد تاختاريف لموقف خصومه . والحقيقة ان رصد تاختاريف لايتهم وبشكل واضح ودقيق خصومه بالسعى الى عزل العمال بشكل مبدائى كما يوعز وايلدمان واخرين . ويبدو وصف ليادوف ( من المشاركين فى الاحتماع ) للمزاج العام وسط مثقفى الحزب ، اكثر معقولية . " كان الوضع المثالى لكل الناشطين هو تسيير و العمل على انجاز الامور بطريقة تضع العمال القاصدين (purposive w. ) على قيادة العمل الحزبى . بالفعل كانت هناك نقاشات حول مدى درجة قاصدية هذا العامل او ذاك وكفايتها لتولى اعباء القيادة . ولكن كان الناشطين الاكثر خبرة – بينما لا يمجدون وبشكل تلقائى كل واى عامل كما يفعل المبتدئون – يعتبرون العمال القاصدين اندادهم ، واعتبروا مشاركتهم كقياديين/موجهيين ليست فقط مرغوبة وانما ضرورية .

ثانيا : باعتبار ان هناك بعض من عدم الرضا بين عمال بيترسبيرج بصدد قلة المشاركة فى قيادة هيئات الديمقراطية الاشتراكية ، يمكننا قبول ادعاء تاختاريف ان هذا الموضوع الهم جريدة الفكر العمالى ابتداءا او لاحقا . يكتب تاختاريف بالاستناد على ادلة كتابية ( فقد كان فى غرب اروبا عندما ظهرت الجريدة فى بيتسبيرج فى 1897 ) ، فهو يشير الى الافتتاحية فى العدد الاول التى كتبها احد المثقفين ، كما يوفر نصوص لم تنشر ، ارسلها عمال الى الجريدة ، ولكن هذه الوثائق الشيقة لم تقول ما قوله لها تاختاريف . معظم المادة المعادية للمثقفين التى نشرتها الجريدة ، اضيفت بواسطة ادارة التحرير فى الخارج ( الاجنبية) ، ولم تكن مرتبطة بالقضايا التنظيمية المحلية .
لقد قامت بالفعل مجموعة عمالية فى بيترسبيرج تأسيسا على الصراع التنظيمى : وهى مجموعة التحرر الذاتى للعامل . وقد اشتكى مانيفستو المجموعة من منع العمال من التواجد فى مؤسسات الحزب القيادية . ويبدو امتعاض المجموعة الممثل للفئات المتقدمة بعيدا عن تاكيدات مجلة الفكر العمالى على عموم العمال و الصراع الاقتصادوى .

ثالثا : هل مثل نوع الصراع المذكور من قبل تاختاريف المعنى الحقيقى للانقسام اللاحق بين الاقتصادويين والارثودوكس ؟ يجيب جوهر تحليلات وايلدمان بالايجاب . بالطبع هناك انواع مختلفة من التوتر بين عضوية الحزب القادمين من خلفيات طبقية مختلفة ، ولكن ، وبالرغم من ذلك ، لا ارى دليلا على صراعات اساسية بين ما يسميهم وايلدمان " محبى العمال " ضد الاخرين الذين يؤمى اليهم باعتبارهم "كارهى العمال" . لا ارى تيارات فعلية وسط الديمقراطية الاشتراكية يمكن وصفها بشكل مفيد كإما منحازة الى المثقفين او ضد-عمالية . لقد كان هناك تيار ضد المثقفين ، وكرد فعل كان هناك موقف ضد- ضد – مثقفين ، اى موقف رافض لاى سياسات ابعادية تستهدف المثقفين . ولكنه كان صراعا غير اساسى حيث ان الديمقراطية الاشتراكية كانت كلها ضد استبعاد المثقفين كما ظهر بردود فعلها على " الفكر العمالى" .

نشبت بعد نشر " ما العمل ؟ " صراعات جادة حول وضع ‘ لجان العمال ‘ فى عدد من المنظمات الحزبية فى المدن الروسية ، انتهت بحل اللجان الخاصة بالعمال لصالح لجان ( او فروع ) موحدة . تحتاج هذه الفترة الى معرفة تفصيلية ( انظر الفصل التاسع ) . قناعتى هى ان حملة جريدة الايسكرا ضد هذه اللجان لم تكن تدفعها اى وجهة نظر او رؤيا معادية للعمال او اى موقف يصدرمن عدم الثقة ، بل بثقة عالية فى امكانية تمثيلهم الكاملة فى فروع موحدة بدون اى حاجة لفكرة تمييز ايجابى . وهى بالضبط موضوعة النقد المنشفيكى للينين .

ولننتقل الى موضوعة اخرى : هل طرحت جريدة الفكر العمالى فلسفة للقيادة مختلفة جذريا عن الديمقراطية الاشتراكية الروسية الاورثودكسية ؟ يقول وايلدمان بنعم ، والذى لخص روح افتتاحيات تاختاريف - والتى راى فيها روح الجريدة ككل - كالاتى : " كان للمبادرة العمالية لوحدها ان تحدد وجهة الحركة متفادية الحاجة الى " قيادة الديمقراطية الاشتراكية " (او بعبارة اخرى) اللجوء الى " العفوية " بدلا عن " الوعى " ."
عبارة وايلدمان هى محاولة لمد نفسيرات الكتاب/ المرجع المدرسى الى ابعد من " ما العمل ؟" الى الديمقراطية الاشتراكية ككل . فهو يساوى ‘العفوية ‘ بالمبادرة العمالية و ‘ الوعى‘ بقيادة الديمقراطية الاشتراكية ؛ ثم يحاجج ان "الفكر العمالى " مع ‘التلقائية ‘ وبالتالى ضد قيادة الديمقراطيةالاشتراكية . ولكن هذا التصريح يخطئ مرتين . فالتلقائية هى ترجمة للكلمة الروسية ( stkhiinost) ، وهى الكلمة الروسية التى تعنى فوضوى او مشوش او غير منظم ، وان كل حجة الاقتصادويين – كانت – ان الحاجة العاجلة للحركة العمالية الروسية هى التنظيم ، والتى عنوا بها " الوعى " او القصدية " اى منظمة واعية او منظمة قاصدة او ذات اهداف محددة . ومن الناحية الاخرى وبما ان الجريدة كانت تناصر المبادرة العمالية ( هل كان هناك احد ضدها؟) فهى من المؤكد لم تكن ضد القيادة الديمقراطية الاشتراكية . لقد انفصلت عن التيار العام الديمقراطى الاشتراكى بداءا على اساس الامكانات العملية لتلك القيادة .
لقد اشترك الاقتصادويون والديمقراطيون الثوريون فى الاعتقاد بوجود مستوا من التنظيم عفوى ولكنه لا يكفى وغير مرغوب ويجب احلاله بتنظيم قادرمحدد لاهدافه او غرضه ( purposive ) وفى اسرع وقت ممكن . تركز النقاش جوهريا حول : ماهو اسرع وقت يمكن فيه انجاز ذلك ؟ وعلى اساس هذه القضية العملية ، نجد الاختلافات والانقسامات المعتادة . اصر الاقتصادويون على وجود مستوى منخفض من القصدية ( الوعى ) لدى العمال ، بينما اصر الاورثودوكس على وجود مستوى اعلى من الانتباه ،حاضرا الان ، واصروا على ووجود الامكانية الملموسة لتطور سريع للحركة .
آخر تعديل بواسطة Isam Ali في السبت يوليو 22, 2017 2:24 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

العامل القاصد وانتشار الانتباه

مشاركة بواسطة Isam Ali »

الفصل السادس


العامل القاصد وانتشار الانتباه

نلتفت الان لما تبقى من محاورى لينين فى " ما العمل ؟ " وهم : الرسالة المشتركة فى 1901 والتى طرحت نقدا لايسكرا منطلقا من وجهة نظر اقتصادوية ، مقالة بوريس سافينكوف فى مجلة قضية العامل عن الحركة العمالية فى بيترسبيرج فى 1900 ، الى جانب الكتابات الوافرة للصحفى الديمقراطى الاشتراكى نيدزدن . لايحتاز اعضاء هذه المجموعة على اى اهمية خاصة فى الحركة الديمقراطية الاشتراكية الروسية عكس المحاورين السابقين ممن مر ذكرهم ، ولكنهم لعبوا دورا هاما فى " ما العمل ؟ " .

تمثلت الاشكالية المركزية التى تربط هذه المجموعة فى قضية انتشار الانتباه وسط الطبقة العاملة الروسية . ماهى المجموعات المتواجدة وسط الطبقة العاملة واى وجهات نظر تحمل ؟ ماهى القوى المحددة لوجهات النظر تلك ؟ ما مدى سرعة وقوة انتشار الانتباه وسط الطبقة العاملة ؟ اختلفت درجات الثقة التى حملها المناقشون فى قدرة درجة انتشار الانتباه التامة على ان تخلق وجهة عامة ثورية ضد القبصرية وسط الطبقة العاملة . ودرجة الثقة هنا تُطرح كعنصر مفتاحى يحدد الموقف الشخصى من تاكتيكات الحزب .

تشككت " الرسالة المشتركة " فى عملية انتشار الانتباه ، وعليه دافعت عن تاكتيكات حزبية غير طموحة ، وطالبت الايسكرا بتحاش الجدال ، ونصحت ضد تعظيم اثر القيادة بكل انواعها . اما سافينكوف فقد كان اكثر ثقة فى انتشار استشراف ثورى وسط العمال . وعليه نادى بفعالية حزبية اعلى تستثمر فى هذا التحول فى التطلعات الثورية ، وقد تركزت شكوكه ليس فى العمال ، وانما فى الموارد والقوى المتاحة للعمل الحزبى . اعتقد نيدزدين ان روسيا توجد على عشية الثورة ، وان غالبية العمال على اهبة الاستعداد لخوض المعركة ، الان . وبالتالى كان يشك فى اى استراتيجية تقوم على الانتشار البطئ للانتباه ، بواسطة المناهج او الوسائل المعتادة من الدعاية المكثفة ، او حتى بواسطة المقالات المضجرة فى الجرائد ، والتى تسميها الايسكرا ‘ بالتحريض السياسى ‘ . وهو ينادى بما سماه بالتحريض السياسى الحقيقى ، اى العودة الى العمل ، فهوالذى يحرك الجماهير المتوثبة ، واذا لم يقوم الديمقراطين الاشتراكيين بقيادتهم الى العمل فورا ، فان الجماهير سوف تتخطاهم وتدوسهم كالعصف المأكول.

فى مواجهة كل حالة ، جلب لينين نفسه الى موقع الثقة العالية - مقارنة بكل منهم - في حال انتشار الانتباه . وفى مقابلة شك " الرسالة المشتركة " ، اكد لينين ان العمال على كامل الاستعداد ليصبحوا ثوريين ، وان القيادة الصحيحة يمكن ان تحدث فرقا . رحب لينين بقراءة سافينكوف الواثقة للمزاج العمالى ، ولكنه اعترض على شكه التنظيمى ، واكد انه يمكن انجاز تقدم واسع فى التنظيم الحزبى فى ظل الموارد البشرية المتاحة الراهنة . وفى التعقيب على شك نيدزدين ، اكد لينين ان انتشار الانتباه يجب ان يظل الهدف الرئيسى للعمل الحزبى ليس فقط فى اجواء الهدوء السياسى ، وانما ايضا فى اوقات النهوض الثورى .
العامل القاصد ( Purposive Worker ) هو الشخص الاساسى فى عملية انتشار الانتباه . فهو – كنوع اجتماعى وكشخصية فى السردية الديمقراطية الاشتراكية – يحتل موقعا مركزيا بالنسبة الى النزاع العملى بين لينين وخصومه الفكريين . وقبل الانتقال الى تفاصيل النزاع ، لنلقى نظرة على العامل القاصد .

العامل القاصد :

يتحدث الديمقراطيون الاشتراكيون عن ال (soznatel'nyi rabochii ) كعامل يمتاز بدرجة صحيحة من (soznanie ) . ووفقا للترجمة المعتادة ، فالشخص موضوع المناقشة هو العامل الواعى الذى يمتاز بدرجة صحيحة من الوعى , ووفقا للترجمة المتبناه فى هذه الكتابة فالشخص المعنى هو (هى) العامل القاصد بدرجة صحيحة من الانتباه .
اخترت هذه الترجمة للكلمات الروسية المذكورة ( بين قوسين اعلاه) بعد عمل فهرسة لكل استخداماتها فى " ما العمل ؟" والكلمات المرتبطة بها . فوجدت ‘ القصدية ‘ مرتبطة بكلمات مثل ‘ الطاقة ‘ ، ‘ المبادرة ‘ ، ‘منهجى او نظامى ‘ ، ‘ التوجيه ‘ و‘ الموهبة القيادية ‘ . بالمقابل ارتبطت كلمة الانتباه ‘ بالمعرفة ‘ و ‘ وجهة نظر‘ . لقد استخدم لينين فى " ما العمل ؟ " كلمة (soznanie ) بمعنى يقل فيه البعد السياسى لتعنى الكلمة مجرد الانتباه البسيط للعالم وللافعال العادية للفرد . ( مثلا يقول لينين : ان الاداء المنخفض للناشط يمكن غفرانه ، طالما امتلك انتباها بضرورة تحسينه ، فالكارثة الحقيقة هى فقدان ذلك الانتباه ) .

تُظهِر هذه الارتباطات العلاقة بين ‘ الانتباه ‘ و ‘ القصدية ‘ كمصطلحات فى الخطاب الديمقراطى الاشتراكى ؛ وابسط طريقة للتعبير عن تلك العلاقة هى ان ‘ الانتباه ‘ هو معرفة تقود الفعل ، بينما ‘ القصدية ‘ هى فعل او عمل تقوده المعرفة . ( فى الروسية تشترك هاتين الكلمتين فى جذر واحد هو الفعل " يعرف " . وقد كرّس الاستخدام المتكرر للكلمة فى " ما العمل ؟ " معناها كمعرفة ، فالعبارة ‘المعرفة السياسية‘ تبدو معادلة للعبارة ‘الانتباه السياسى‘ ) . الانتباه ليس فقط معرفة محايدة ، بل هى نوع المعرفة التى تفرض و تدفع الى العمل . القصدية هى نوعية العمل ، يحققها احساس واضح وصلد بالهدف او الغاية ، وبفهم صلد بالوسائل لتحقيقه ، فهى قاصدة .
يمكن للعمال ان يكونوا قاصدين قبل احتيازهم لانتباه اشتراكى . تندفع مقاصدهم بواقع ظروفهم ، وتدفعهم الى الانخراط فى المقاومة ضد مستخدميهم المستغِلين ، عندها يعرف العمال ان الفعل القاصد ممكن ، وبعدها يعرفون أن التحرك والفعل الجماعى هو – فقط - الذى يحظى بفرص النجاح ، ويبدأون فى صقل وسائلهم اكثر فاكثر لتحقيق اهدافهم بفعالية . بالمقابل فالانتباه هو امر متعلق بالاعتقاد الفكرى ، بتعليم الاشتراكية العلمية . بالطبع فان فكرة المهمة المضمنة فى هذه التعاليم ليست مجرد قضية ثقافية ، فهى ايضا مسألة عاطفية و بعمق ، وتترتب عليها اثار عملية متعددة . ومع ذلك فانتباه الديمقراطى الاشتراكى هو وبشكل اساسى مسألة متعلقة بالنظر العقلى . وعليه يمكننا القول تقريبا ان القصدية هى صفة او قيمة نوعية للحركة العمالية ، والانتباه هو قيمة الاشتراكية . وعليه تغدو "صيغة الاندماج " هى اجتماع الانتباه والقصدية معا .

العامل القاصد – يعرف ايضا ايضا بالعامل المتقدم ، العامل المثقف ، العامل الثورى .. الخ – هو الشخص المركزى فى السردية الديمقراطية الاشتراكية .( ملحوظة : ان مصطلح العامل القاصد هو مطلح اساسى عند لينين ، لكن ليس فى " ما العمل ؟" فقد استخدم العمال المتقدمين او الاكثر تقدما .) ولكنها ايضا اسم لمجموعة اجتماعية فى روسيا استخدمت اسم " العامل القاصد " ليعكس تصورهم الذاتى وتطلعاتهم . يساعد النظر الى هذه المجموعة فى طرح مقدمة للاختلافات العملية حول مسألة انتشار الانتباه فى روسيا .
اعتقدت مجموعة "العامل القاصد" انها توفر القيادة الطبيعية للحركة العمالية ، ولكن كانوا – وفى نفس الوقت – منتبهين الى احتمالات التهميش و اليأس . فى مذكراته كتب سيمين كناتشيكوف ( عامل من اصول فلاحية ، اصبح لاحقا بلشفيا ؛ كتب مذكراته فى 1920 ) عن ذلك الحس باليأس قائلا : " عادة ما يحدث بعد ان يصبح العامل قاصدا ان يصير الى حالة من عدم الرضا عن محيطه الاجتماعى ؛ فيبدا بالاحساس بوطئته ، ويجنح عندها نحو تحديد علاقاته الاجتماعية باناس يشبهونه ، يرغب فى قضاء اوقات فراغه بطرق اكثر عقلانية واغنى ثقافيا . فى تلك اللحظة تبدأ مأساته الشخصية .. يرى العامل القاصد النشط نفسه كرجل موكول للخراب ، يحلق فوق راسه وعيد السجن ، المنفى ، الجوع ، الحرمان واحيانا الموت ".

يهدف العمل السرى للحزب الديمقراطى الاشتراكى الى جذب العامل القاصد ، ومده بسردية يجد نفسه فيها كاحد ابطالها . فى مذكراته يقتطف كناتشيكوف مطولا من مقال فى الايسكرا ، يوصف استراتيجية حلقات العمل السرى فى العمل الدعائى ، والتى تشبه نوعا من مراسيم العبور من العامل القاصد الى مناضل فى صفوف الحزب . تؤسس الكورسات لممارسة تنتج نوعا من الرحلة العلاجية تحقق الانتقال من اليأس الى درجات الثقة المستقرة.

العامل القاصد فى سيناريو لينين :

وهوسيناريو اسس للبرنامج السياسى الذى طرحه لينين ، ولكنه ايضا يؤسس لتوجهات التجنيد وسط العمال ( الكناتشيكوف ) الروس . ان النبرة الفخيمة و الملحّة التى عبرت عن السيناريو ، ليست اقل خواصه ومميزاته التى استهدفت استقطاب مجموعته . يقول لينين ان العامل القاصد هو ‘ البطل الاصيل ‘ والذى ابدى ‘ تطلعا شغوفا نحو المعرفة ، ونحو الاشتراكية ‘ . فلهم قوة كافية من الارادة – رغم القمع السائد فى بيئتهم – للاستمرار فى الدراسة ، ولخلق عامل قاصد فى ذواتهم ، اى ‘ ديمقراطى اشتراكى قاصد‘ "وعامل مثقف" . يقول لينين لهؤلاء الابطال ، ان الديمقراطى الاشتراكى هو حزبهم – حزب يتجه نحوهم ، حزب – فى نهاية الامر – يتملكونه ، يخضع لارادتهم .
" وجود هذا العامل المثقف -" انتليجنسيا العمال " - فى روسيا متحقق اصلا ، وعلينا بذل كل الجهود لتاكيد إتساع هذ الوجود ، وبشكل مستمر ، و لتوفير احتياجاتهم من المعرفة ، وان يأتى من صفوفهم قيادة الحزب العمالى الديمقراطى الاشتراكى .....( عند مقابلة تلك الاحتياجات ) يستطيع العامل المثقف ان يمسك بيديه بقضية العامل الروسى وبالتالى بقضية الثورة الروسية " .
وبينما يؤكد وجهة نظر العامل القاصد العالية بصدد ذاته ، كذلك يعالج سيناريو لينين مخاوفهم من التهميش والعزلة ؛ ويؤكد لهم انهم سيحظون برفاق يسمهم الحرص والشغف .

" النقطة المركزية هى : ليس صحيحا ان الجماهير لن تستطيع فهم فكرة الصراع السياسى . فاكثر العمال تخلفا يستطيع فهم هذه الفكرة ، تحت الشروط الاتية : اذا عرف المحرض ( والعمل الدعائى ) سبل الوصول اليهم بطريقة تنجح فى توصيل هذه الفكرة ، لو عرف كيف يترجمها لهم فى لغة مفهومة ، بينما يعتمد على الحقائق ، يعرفونها فى مجرى حياتهم اليومية ... يحدث نفس الشئ فى الحياة السياسية : بالطبع فقط العامل المثقف هو من يستطيع استيعاب الفكرة العامة للصراع السياسى وتتبعه الجماهير العامة لانهم يمتلكون احساسا بائنا بقلة ونقصان حقوقهم السياسية ... تقودهم مصالحهم اليومية المباشرة الى الصدام مع كل انواع ‘ مظاهر القهر السياسى " .

من المؤكد ان سيناريو لينين واجهته بعض الشكوك فى اوساط الديمقراطيين الاشتراكيين ، وارتفعت بعض الاصوات بالحجج المحذرة او حتى النقيضة . لقد رهن لينين وجوده السياسى واستمراره على وجود فئة متقدمة من العامل القاصد ، والذى :
" يعرف كيف يحتاز على الثقة الكاملة من قبل جماهير العمال . انهم مجموعة من العمال يوقفون حياتهم كليا الى قضية تنوير وتنظيم البروليتاريا . عمال يقبلون الاشتراكية بطريقة قاصدة كليا ، وهم عمال حتى هم يعملون على انتاج نظريات اشتراكية . " .
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

ما الذى قاله المراقبون والشهود على تلك الحقبة ؟
الرسالة المشتركة :


فى سبتمبر 1901 كتبت مجموعة من منفيى الداخل من الديمقراطيين الاشتراكيين رسالة ناقدة تختلف مع الايسكرا ( والتى صدر منها- حينذاك - حوالى الستة اعداد ) . كُتِب النقد بشكل جيد ليعكس وجهة نظر تنطلق من اقتصادوية كلاسيكية . قرر لينين نشر الرسالة فى الايسكرا مع تعقيبه . وقد ذكر لينين انه يمكن النظر الى مقالته باعتبارها خطوطا عريضة ل " ما العمل ؟ " وَضعتْ اعمدة الجدل الفكرى للكتيب .

يمكن اعادة صياغة حجة الرسالة المشتركة كالاتى : الخطأ الاساسى لايسكرا هو المبالغة فى تقدير اثر القيادة التى يوفرها الحزب الديمقراطي الاشتراكي . الظروف المادية هى التى تقرر النتائج وليس جهود الايديولوجيين مهما كانوا مُلهمِين . يعبر هذا الخطأ عن نفسه بعدد من الطرق . ايسكرا كانت شديدة القسوة على الناشطين فى السنوات الاخيرة . قيادة الصراع الاقتصادى هو افضل ما يمكن عمله ، فى ظل الظروف المادية الملموسة . ولان ايسكرا تضع ضغوطا زائدة من اجل الاستقامة والسداد النظرى ، فهى تمارس الصراع الفكرى بروح غير رفاقية ، وتخلق صراعات غير ضرورية . واخيرا : لقد قاد التأمل النظرى ايسكرا الى ان تحدد اسقاط الاتوقراطية كهدف مباشر و آنى للديمقراطيين الاشتراكيين ، وواضح ان الطبقة العاملة الروسية لم تراكم بعد القوة الكافية لانجاز مثل هذا الهدف . على الايسكرا ان تشعر بانها حددت هدفا شديد الصعوبة ، ولانها تطلب المساعدة من قوى معارضة صفوية مثل زيمستفو ( حكومات محلية نتاج بعض الاصلاحات الليبرالية اجراها القيصر ). فالآمال المعقودة على هؤلاء تقود ليس فقط الى المبالغة فى تقدير موقفهم المعارض ، بل اسوأ من ذلك الى التخلى عن وجهة النظر الطبقية . الايسكرا ترمى التناحر الطبقى فى الغموض وتدعوا العمال الى المساومة وعقد الصفقات .

ويمكن اعادة صياغة رد لينين كالاتى : إن اقامة تعارض بين ‘ العناصر المادية ‘ و ‘ الايديولوجيا ‘ يُمثّل سخريةً من الماركسية ، باعتبار ‘ الايديولوجيا ‘ – اى القوى السياسية المتعددة للمجتمع تعمل بنشاط لخلق الدعم لقضية ما – هى نفسها جزء من ‘ العناصر المادية ‘ . الاكثر اهمية من هذا الخطأ النظرى ، هى الدوافع التى تكمن خلفه : الرغبة فى تحويل اللوم عن تقصير الناشطين فى الحركة الديمقراطية الاشتراكية الى العمال . فى الحقيقة ، فان النهوض فى الحركة العمالية الروسية يجرى على قدم وساق ، يتم فى قفزات وقفزات ، دفعت بكل المجتمع الى حالة من التحفز المشرئب . لقد تخلّف الناشطون الى مواقع متأخرة عن هذه الحركة . بالطبع فانه يمكن غفران النقص فى حركة الناشطين باعتبار توفر ارادتهم فى تحسن الاداء ؛ ولكن ما لايمكن غفرانه هو التبرير النظرى لهذا التخلف بشكل مبدئى - تبرير يمكن تسميته ‘ بالاقتصادوية بالمعنى العام للمصطلح ‘ . وستحارب الايسكرا مثل هذه التبريرات بكل قواها ، و الحدة هنا فى النقاش تكون مناسبة تماما .

يقول لينين مواصلا : تقول الرسالة المشتركة ان ‘ وجهة النظر الطبقية ‘ تقتضى ان نضع تاكيدات اقل على الغضب العام ضد الحكومة ، وهو الغضب المنتشر فى اتساع يعم روسيا اليوم . ولكن ، طالما ان على الديمقراطية الاشتراكية ان تكون فى مقدمة الصفوف فى الصراع من اجل الديمقراطية ، فالايسكرا تفتخر بعملها فى رفع وتائر عدم الرضى السياسى ، وتتمنى فقط لو انها فعلت اكثر . فروسيا تمر بحالة من تفجر الحركة الديمقراطية للشعب ككل . لو رفضت الديمقراطية الاشتراكية لعب دور قيادى لهذه الحركة ، لتولته الديمقراطية البرجوازية . ويمكن لهذا ان يحدث ؛ فقد حركت احداث الربيع القوى غير الديمقراطية الاشتراكية ، بينما لو اننا قمنا بواجباتنا بشكل كاف ، لزادت القوة الصدامية العمالية ، والتى اظهرتها تلك الاحداث ، ولزادت هيبتنا وسلطتنا .

ما سقناه من اعادة صياغة حجج الطرفين يوضح نقاط الخلاف الرئيسية بينهما . كما يوضح ان القضية المطروحة فى النقاش هى قضية عملية اكثر منها نظرية . يرى لينين اندفاعا ثوريا فى الارض الروسية يتحقق بين صفوف الطبقة العاملة ، كما يتحقق بين الفئات الاجتماعية الديمقراطية العريضة . والرسالة المشتركة تسجل شكا بصدد الاثنين . ان النقاش النظرى حول ‘ العناصر المادية ‘ هو ببساطة انعكاس للاختلاف العملى . تشك الرسالة المشتركة فى تأثير الايديولوجيا بسسب من شكها فى تراكم القوة لدى الطبقة العاملة فى الوقت الماثل . يعتقد لينين ان اختيارات القيادة يمكنها ان تحدث فرقا ، وذلك لتقاؤله بالنهوض الشعبى .

شهادة قيمة : بوريس سافينكوف
فى ابريل 1900 نشرت مجلة قضايا العامل مقالا بعنوان " حراك بيترسبيرج والمهام العملية للديمقراطية الاشتراكية " بقلم بوريس سافينكوف . حاول سافينكوف انطلاقا من ملاحظاته فى معايشة التجربة ، ان يوضح ‘ درجة النضوج السياسى ‘ ( = الميول الثورية ) لعمال بيترسبيرج ومعظم الاقسام المتقدمة من البروليتاريا الروسية .

لقد جلبت المقالة شاهدا شديد الاهمية لعدد من النقاط الحاسمة التى وردت فى " ما العمل ؟ " . اولا ، فقد دعمت وجهة نظر لينين المتفائلة بصدد انتشار الانتباه السياسى الراهن وسط العمال الروس . وبسبب من تفاؤله نادى سافينكوف بحزب اكثر تنظيما ، مركزى ، حزب يصر على مستويات عالية من حذق العمل السرى . مثل لينين ، اشار سافينكوف الى الانقسام بين الاقتصادويين والسياسيين داخل الحزب باعتباره ضعف مؤسف يجب تجاوزه . اثارت المقالة اعجاب لينين واكد تميزها بسبب صدقها وحيويتها . ولكن لينين تمهل امام مابدى له كوقفة من شك ، فبالرغم من ان سافينكوف نادى بتغيرات تنظيمية فى نفس الوجهة التى نادى بها لينين ، الا انه بدى كمن يشير الى ان هذه الاصلاحات تبدو غير قابلة للتحقيق ، طالما ان قوى المثقفين تعانى الضعف ، وان ظروف الحياة فى المصنع جعلت من مساهمة العمال فى منظمات الديمقراطية الاشتراكية امرا فى غاية الصعوبة. ولقد رد لينين بحزم ان الديمقراطين الاشتراكيين يمكنهم ان يتعاملوا وبشكل فعال مع المتعاطفين من صفوة المجتمع ، بل اكثر من ذلك يمكنهم بل يجب عليهم ان يعملوا على تجنيد العمال فى صفوف منظمات الحزب .

وفقا لسافينكوف فان القيمة المميزة للحركة الثورية الراهنة تمثلت فى :
" الظهور الطبيعى والمتنامى المستمر للعامل القاصد الثورى من صفوف البروليتاريا من جهة ، ومن الجهة الاخرى التحام النشاط الحلقى ( اى البروباجاندا المكثفة تجاه الافراد ) مع التعبئة والتحريض الجماهيرى ، ونجاح الاخيرة . ولقد سبب هذا الالتحام – وبدرجة معينة – ظهور فئة متطورة سياسيا فى صفوف العمال ، تحتل موقعا متقدما بين العمال الثوريين وسائر الجماهير . " .
اى ان هناك صلة وارتباط نشط بين مجموعة صغيرة عالية الالتزام من خريجى حلقات النشاط الدعائى ، والتغيرات المستمرة فى الرؤيا السياسية لجماهير العمال . يقرر سافيكوف ان هناك فئة متوسطة تنهض بين صفوف العمال تنشط سياسيا ، مما يعد تأيدا متميزا لمناقشة وتأكيدات لينين فى كتابات الاحتجاج غير المنشورة والمكتوبة فى سنين ال1899 . ايضا لاحظ استخدام كلمة " الطبيعى " ، حيث ان عدد من الكتاب كان مقتنعا بفكرة تشاؤم لينين بصدد التطور الطبيعى للاحداث .

يشير سافينكوف الى ثلاث فئات فى هذه الحركة ، العمال القاصدون الثوريون ، فئات متوسطة وفئة الجماهير . العمال القاصدون الثوريون – ذوى العزم اعداء الاتوقراطية – هم للاسف قليلون ، ولكنهم نشطون ، محرضون ومنظمون ذوى كفاءة . وهم افضل – فعلا – من المثقفين الثوريين . ولقد اجتهد سافينكوف فى التحذير من المبالغة فى تقدير نفوذهم فى خلق الفئة الاولى . صحيح ان للمثقفين الثوريين صلات مع هذه النوعية من العمال ، الا ان النمو السريع لهذه الفئة من العمال يجد اسبابه العميقة فى : المستوى الثقافى العالى – يستمر فى التطور – وفى تقدم الحركة الثورية الروسية . وعليه فانه من ‘الحتمى والطبيعى‘ " ان تدفع الحياة كل العمال المشتعلين بالطاقة وبالجرأة فى طريق الثورة الممتد " .

الفئات المتوسطة – اى الفئات المتقدمة من البروليتاريا – هى الفئات التى يقل عددها ، وتعتبر اقل ‘ تطورا ‘ عن فئة العمال الثوريين . يهتمون بالسياسة وبشغف ، اكثر مما يفعلون بمصالحهم الاقتصادية ، تصيبهم مجلة قضية العامل بالضجر . وهم هدف الادب التحريضى الاساسيون . يتحصلون على الكتب ، يحافظون عليها ويتبادلونها فى الخفاء وبانتباه عميق .
اما المثقفون الثوريون ، والذين يمارسون التحريض وجها لوجه ، فيملكون تأثيرا كبيرا على هذه الفئة المتوسطة ، بالرغم من انهم لايحتاجون – كثيرا – الى توجيه فى النشاط الحزبى السرى . " فالمثقف فى تلك الحلقات الدراسية هو غالبا من قدامى الزملاء يتوقع منهم ان يقدموا بعض التفسيرات ، ولكن ليس التوجيه الفكرى فى هذا او اك من الاتجاهات " .

اما فئة الجماهير ، فيملكون فكرة واضحة عن مصالحها الاقتصادية اكثر من مصالحها السياسية ؛ وبالرغم من ذلك فليس هناك شكوك بصدد مزاجها الثورى . يقل اتصال المثقف الثورى مع هذه الفئة ، ولكنها تمارس القراءة متى ما تحقق توزيع مناسب للكتاب الممنوع . تقود تقديرات سافينكوف للتركيبة الطبقية العمالية الروسية الى طرح التنبؤ الجسور التالى :
" لايملك عموم جماهير العمال فى بيترسبيرج الى الان انتباه واضح الى مصالحهم السياسية ، ولكن مجرى تطور حركة الثورة الروسية ، كما يعكسها النمو العددى المستمر للعمال الناضجون سياسيا ، يقودنا الى هذه النتيجة : فى المستقبل القريب ستاخذ حركة عمال بيترسبيرج طابع الصراع الجماهيرى للبروليتاريا من اجل تحررها الاقتصادى والسياسى "
وهى النبوءة االفذة لتى تحققت فى خلال سنة فى احداث ربيع 1901 .

انتقلت كتابة سافينكوف الى الصراع بين الاتجاهات السياسية والاقتصادوية وسط الديمقراطيين الاشتراكيين فى بيترسبيرج . وقد قدم تفسيرات مشابهة جدا لتلك التفسيرات التى قدمها لينين فى كتاباته فى 1899 . فالاقتصادوية تعكس فقط المطالب الانية للاقسام الاقل تطورا من البروليتاريا . والاقتصادويون يعرفون تماما السخط يقابل النظام السياسى ، يجرى عميقا وسط الجماهير ، حتى وان لم يجد بعد التعبيرات المتماسكة تعكسه الجملة السياسية . وبالتالى فان التحريض القائم حصريا فقط على المصالح الاقتصادية غدى عملية تجاوزها الزمان ، وان استمرار حضور هذه النزعات الاقتصادوية لهو امر مضر للحزب .

تماشت بقية مقالة سافينكوف مع روح مساهمة لينين بصدد الاصلاح الحزبى ، وضرورة الوحدة التنظيمية للحزب ، وضرورة اتقان العمل السرى . ومع ذلك وصف لينين فى " ما العمل ؟ " سافينكوف بالاقتصادوى وذلك لانه دعم مجلة قضية العمل ضد جريدة الفكر العمالى لانها عبرت عن ميول سياسية وثورية عكس جريدة الفكر العمالى . ووصف لينين له بالاقتصادوى لا يقوم على اى اساس ، فهو لم يكن اقتصادويا فقط ، بل دخل فى مسيرة متحولة انتهت به الى الحزب الاشتراكى الثورى ، والى وحدته السرية التى اعتمدت الارهاب والاغتيالات كوسيلة لتحقيق الثورة .

لم يكن وصف لينين لسافينكوف بالاقتصادوى مؤسسا على الوقائع . دوافع لينين لذلك كانت ان يجعل منه شاهدا يمثل اهمية كبيرة على التطورات العملية التى دفعت بالاقتصادوية الى مواقع مجافاة الحقيقة . ومع ذلك لقد رأى لينين التشابهة فى رؤيتيهما ، وقد اقتطف عبارة سافينكوف " لقد تسارع نمو الحركة العمالية ليتفوق على نمو التنظيمات الثورية " . وقال ان تلك الملاحظة تؤكد صيغتى حول القيادة التى تخلفت مقارنة بتفجر ونمو الانتباه فى حركة الطبقة العاملة .

تعتبر مقالة سافينكوف – وبشكل خاص - مفيدة لنا ، لانها تطرح النقاط الاساسية بشكل اوضح مما فعل لينين ؛ وعليه فسافينكوف يمثل شاهدا مهما ليس للينين وانما – ايضا – لهذه الكتابة .
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


الأكرم : عصام علي المحترم

تستحق الدراسة والترجمة التي تقدمت بها الإشادة بهذا النزوع إلى قصة فلاديمير إليتش لينين ، وكتابه ( ما العمل ) . وأشياء كثيرة فكرية أسهمت في القفز بمجتمع زراعي في غالبه إلى ما يٌسمى باختصار المراحل .
للينين قصة أكبر من التقييم الظالم الذي حاق بسيرته من جراء ما يسمى بانهيار الاتحاد السوفيتي ، بعد 70 عاماً من إنجازه الفكري ، وقيادته العملية للحزب البلشفي منذ ذلك التاريخ القديم . ولا أحد فوق النقد ، ولسنا مثاليين في إبقاء الآخرين : إما بجانب الشياطين أو الملائكة ، كما في الأتوبيا الدينية , ..
...
لك منا الشكر الجزيل ،
وسوف نسهم في هذا الموضوع الفكري بقدر ما يتيسر لنا من وقت .
أضف رد جديد