01 مدرسة فرانكفورت: مفهوم النقد ومهمة الفلسفة:

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر زمراوي
مشاركات: 1359
اشترك في: الاثنين فبراير 05, 2007 12:28 pm

01 مدرسة فرانكفورت: مفهوم النقد ومهمة الفلسفة:

مشاركة بواسطة ياسر زمراوي »

مفه[size=24]وم النقد ومهمة الفلسفة، هربرت ماركيوز مسائلا: «كانـط» «هيجل» «ماركس»

1 أكتوبر,2012 منوعات 12,801 زيارة


[font=Arial]ليس من الممكن تناول فكرة الأصول النقدية لمدرسة فرانكفورت دون الإحاطة بالأسس الفكرية لما سمي في تاريخ الفلسفة الألمانية (بالنظرية النقدية). ذلك أنها منذ كانط(Kant) إلى نيتشه(Nietzsche) جعلت من النقد مكونا أساسيا للتأمل الفلسفي، إذ يعتبر الكثير من الباحثين في نشأة وتطور مدرسة فرانكفورت أن «هذا الاتجاه الفكري قد أخذ على عاتقه مهمة نقد الممارسة الديمقراطية داخل المجتمع الرأسمالي من خلال فضح الهيمنة اللا مباشرة لمؤسسات الدولة على مسار تطور الوعي الجماعي، والكشف عن الديناميات «العقلانية» لردع كل محاولة جذرية تمتلك طاقة الرفض».(1)
لقد ظهر مصطلح النظرية النقدية (Théorie critique) بشكل أكثر نضوجا عندما نشر «هوركهايمر»(Horkheimer) عام 1937 دراسة بعنوان: «النظرية التقليدية والنظرية النقدية»، فبين أن اتخاذ مسافة نقدي

01 مدرسة فرانكفورت: مفهوم النقد ومهمة الفلسفة:ة إزاء ما هو موجود هو ما يميزها، أقام هوركها يمر تفرقة حاسمة بين نموذجين أساسيين لاكتساب المعرفة، النموذج الأول هو النظرية التقليدية الشكل الذي ارتبط بالمناهج الوضعية ومحاولة تقليد مناهج العلوم الطبيعية، أما النظرية النقدية فهي على العكس من ذلك تؤكد على الصبغة النقدية للعقل وتجعل الإنسان صانعا لظروفه التاريخية بأسلوب لا يخلو من النقد المستمر فيقول: «إن النظرية النقدية تحافظ على تراث الفلسفة برمتها فهي ليست فرضية ما للبحث تشهد بصلاحيتها في النظام القائم بل عاملا لا ينفصل عن المجهود التاريخي في سبيل خلق عالم ملائم لحاجات الإنسان ولملكاته…تهدف إلى تحرير الإنسان من القيود التي تجثم عليه »(2)، ويقصد هوركهايمر بالتراث الفلسفي للفرويدية والماركسية بالخصوص، ذلك «أن مدرسة فرانكفورت قد أعادت كشف الماركسية على مستوى الطاقة النقدية الكامنة فيها وقدرتها المنهجية على التحليل، بعيدا عن الأغلال الإيديولوجية التي كبلت بها من خلال الممارسات البيروقراطية للأحزاب ورجال السلطة»(3)، بمعنى آخر إعادة إحياء الماركسية باعتبارها فهما نقديا، لكن خارج الخطاب «الدوغماركسي» والاستعانة بالتحليل النفسي الذي فتح دروبا جديدة للنظرية النقدية، فهو أمدها بأدوات منهجية لا غنى عنها في فهم البعد النفسي للإنسان، فأصبح في خدمة النفسانيات الاجتماعية، لكن ما الغاية من هذا التوظيف النقدي؟.
إن النظرية النقدية تأخذ منحى خاصا في المعرفة، ومع ذلك «فإنه لا يمكن أن يتم إعطاء تعريف استباقي لها كما يشير هوركهايمر في دراسته النظرية التمهيدية (السلطة والعائلة) لأسباب تكشف الطبيعة الدينامية الكليانية في المجتمع التي يجب على علم الاجتماع النقدي أن يأخذ علما بها»(4)، فتأسيس «علم اجتماع نقدي» مبني على التحليلات الماركسية، والتراث النقدي الألماني منذ كانط، إنما يراد به فتح الطريق أمام تشريح الدولة وبالمقابل نقد العقل بوصفه ارتهانا كليانيا، وطرح أسئلة ملحة مثل:
لماذا فشل حلم عصر الأنوار بميلاد مجتمع سلمي أكثر تحررا وتقدما وانتهى الحلم بحربين عالميتين؟
لماذا فشلت الثورة السوفييتية وانتهى المجتمع الاشتراكي، الذي كان يعد بغد أفضل إلى التوتاليتارية (totalitarismes)، الشكل الأكثر تعقيدا للعنف الممارس من قبل المجتمع على أعضائه؟.
من أجل فهم الأسس الجوهرية للنظرية النقدية لا بد لنا من استعراض الخلفية الفكرية والفلسفية التي قامت عليها، بالعودة إلى الأب المؤسس للتراث النقدي ألا وهو «إمانويل كانط»(E.Kant)، الذي يتخذ النقد عنده مفهوما جديدا يتعين على النحو الآتي:
1-النقد من جانب ايجابي يحاول تقييم حدود العقل، ومدى إمكاناته في نطاق التجربة الحسية، وهو تقييم هدفه الدفاع ضد نزعة هيوم الارتيابية.
2-النقد من جانب سلبي يتضمن تقييما نقديا للعقل، حينما يحاول تجاوز أسوار التجربة، وفي هذا المعنى يبين تهافت الفلسفة الميتافيزيقية الكلاسيكية، التي كانت تعتقد بإمكانية معرفة ما وراء الظواهر المحسوسة، وضرورة الانصراف به إلى مشاكل الحياة والمجتمع فهي الشيء الوحيد الذي يمكن أن نعرفه بعقولنا، لقد استفاد هوركهايمر من مفهوم كانط للنقد إضافة إلى مفهوم الخيال Imagination- كمفهوم له علاقة بالنقد، لكن بتغيير واضح، فإذا كان الخيال عند كانط هو ملكة تتوسط الملكة العقلية والملكة العملية، فإنه يكاد يصبح عند هوركهايمر ملكة منفردة تتحقق بها الرؤية الثورية للمستقبل، تحرير الإنسان من رباط الواقع.
– يتعلق الأمر إذا بمهمة ووظيفة الفلسفة، هل وظيفتها تحليل الألفاظ والتراكيب اللغوية، على حسب تصور الوضعية المنطقية والعديد من التوجهات الفلسفية المعاصرة؟، لتصبح الفلسفة هي إيضاح اللغة وتحليل مفاهيمها وألفاظها وفحص تراكيبها !، حول هذه الوظيفة يبرز احتجاج مدرسة فرانكفورت وهربرت ماركيوز، «فالاعتراض الذي يحمله ماركيوز للفلسفة المعاصرة ينقسم إلى جانبين: الأول فلسفي، والثاني اجتماعي، فهو يتأسف على أن الفلسفة الاجتماعية الحالية جعلت هدفها الوحيد إعادة تكييف ودمج الناس، فتنزع منهم القدرة على القيام بنقد عقلاني للمضمون الاجتماعي» (5)، وهي بذلك تقر بالإطار الاجتماعي كأنه مسلمة أو بديهة لا تنقض!، عند هذا الحد يقوم موقفه، حيث نجد «اعتراضات ماركيوز في «الإنسان ذي البعد الواحد» ذهبت إلى أبعد من الاحتجاج على النظام الاجتماعي، لقد اعتقد كذلك أن الفكر الفلسفي المعاصر، خاصة الفلسفة التي تسود في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ترزح تحت طابع القبول، وتفتقر إلى صفة النقد.» (6) لأنها ترضخ لتتبع المجتمع وكلامه دون أن تأخذ بعدا نقديا منه، في حين كانت الفلسفة دائما تستنفر الوعي، وتنبهه من خطر اختصاره إلى وعي جامد، إذن هو يرفض «استقالة الفلسفة» وتحولها إلى آلة لشرح وتوضيح اللغة.
لا يفصل ماركيوز بين الفلسفة والواقع فهو يهدف لكشف الأساس الواقعي لأكثر المفاهيم الفلسفية تجريدا، فقد لا تكسب هذه المفاهيم المجردة معناها الحقيقي إلا بارتباطها بسياق العلاقات الإجتماعية، وينفي نفيا مطلقا فكرة التطور التلقائي المستقل للفلسفة، بل يرجع تطورها إلى ذلك التغير العام الذي عرفته المجتمعات البشرية، أي عبر ديالكتيك نقدي، فكل فكر أصيل، شأنه شأن الفلسفة لابد له، أن يخطو هذه الخطوة إلى النقد، فما من إنسان يستطيع أن يفكر حقاً إذا لم يجرد وينقد انطلاقاً مما هو معطى، إذا لم يضع الوقائع موضع تساؤل، إذا لم يربط الوقائع بالعوامل التي سببتها، إن القدرة على التفكير في تجاوز الواقع هي حياة الفكر بالذات والبرهان على أصالته.
ونستخلص من كل ما سبق أن المهمة الأخيرة للفلسفة ستكون مهمة نقدية، ولا مكان تقوم عليه إلا بالعودة إلى جوهرها الأصيل، فلطالما كانت الفلسفة لحظة نقدية للواقع الإنساني، فنقد ما هو كائن يؤسس البعد الأكثر عمقا للسؤال الفلسفي، كونه يدخل في حوار ومساءلة مع الوجود كما هو معروض أمامنا، فالسلب يبقى الطور الأساسي لكل تمايز بين التفكير العادي والتفكير الفلسفي، حيث يعتبر محرك لكل إبداع خلاق، ولا يمكن حصرها في مجال ضيق من الدراسات اللغوية الميتة، بل على الفلسفة الاستفادة من تطورات العلوم الإنسانية، والانخراط في الوجود المتعين لتعرية مواطن الاستلاب الحاصل فيه، وكشف عنف السلطة وإستراتيجيات الهيمنة والسيطرة، لقد كان الفكر دائما في تطلع إلى ما يجب أن يكون، داحضا ما هو كائن، وكان النقد جذوة التفكير التي لا تنطفئ.
لم ترث الفلسفة المعاصرة إلا ميراث كانط النقدي وقامت أمام ثلاث أساتذة أسسوا للحظة النقدية للفكر المعاصر هم: نيتشه-ماركس-وفرويد، ولعل العامل المشترك بين هؤلاء هو البعد النقدي لفلسفتهم، فنقد نيتشه للعقلانية الغربية كونها ليست المصير المحتوم للغرب، وإنما اختيار أفلاطوني لا تنم عن الحلم اليوناني، كما حلم نيتشه بميلاد «الإنسان المتفوق» المتحرر، عبر الحكيم المشرقي «زرادشت» الذي يهزأ من هذا الصنم المسمى العقل، يهزأ من الغرب من مسيحيته وعقلانيته، أما نقد ماركس وفرويد فيحتاج إلى تفصيل أكثر، وستتواصل المسيرة النقدية كذلك مع ماركيوز عندما يحمل عبء نقد الديمقراطية المزيفة، والمجتمع الاستهلاكي ونقد المركزية الغربية، إن الخيط الخفي لفلسفته هو التأكيد على فرضية عميقة هي أن العقل يصطدم في مسيرته مع شساعة مملكة العقل، وأن الانطولوجيا الغربية منذ أفلاطون مرورا بديكارت(René Descartes) وهيجل لم تبرر إلا وجود نوع معين من العقلنة السياسية والاجتماعية، تهمش فيها الكثير من الملكات الذهنية مما سبب نهاية المشروع الانواري (Aufklarüng) بحربين عالمتين مدمرتين أثبتت محدودية العقل.
لهذا على الفلسفة أن تكون «ملتزمة»، بالتأكيد على أن ما هو قائم ليس هو الحقيقة، بل اللحظة التي على الفلسفة أن تنشدها هي التطلع إلى ما يجب أن يكون (التجاوز)، وفتح الوجود الإنساني على كل إمكانياته، أين لا سلطة تعلو سلطة النقد، لينتهي العقل الأداتي لصالح عقل منفتح على الحساسية والخيال وتعدد الأبعاد، والتواصل بين الذات والآخر، وداخل الذات نفسها.
من خلال فعل المراجعة للفلسفة والعلم يبرز ماركيوز مكانة النقد في الفكر المعاصر، وفي علاقته بالمجتمع الحداثي، مستندا على فلسفة النفي الهيجلية التي وجد فيها المرجعية الأساسية لنقد أسس ومبادئ الفكر المعاصر، فهيجل يرى «أن الوجود المباشر للعقل ألا وهو الوعي ينطوي على لحظتين، المعرفة الموضوعية، القائمة في مواجهتها كضد سالب»(1)، وإستنادا على هذا التصور الهيجلي أراد ماركيوز نقد وتفكيك المجتمع الصناعي المعاصر باعتباره «مجتمعا مغلقا»، فزيادة على قدرته في إجهاض محاولة الاعتراض عليه، يملك كذلك القدرة على توظيف جميع طاقات الإنسان المعاصر الجسدية والنفسية لغاياته المادية، فهذا المجتمع يمارس عنفا من نوع خاص، إذا ما عرفنا العنف مع «ارندات» بأنه لاشيء أكثر من التجلي الأكثر بروزا للسلطة»(1)، فبدلا من أن تكون التكنولوجيا قوة تحريرية في خدمة الإنسان المعاصر أمست عقبة في وجه التحرر، بتحويله إلى أداة، وعقله إلى عقل أداتي يخدمانها.
2- هيجل ومفهوم النقد:
تعود كتابات ماركيوز بنا إلى هيجل (Hegel)، المقعد والمنظر الأساسي لمفهوم النقد، حيث أنه ساير النظرية الكانطية في البداية قبل أن ينتقدها، ويتجاوزها إلى فضاء أرحب من النقد، إلى مسائل السياسة والمجتمع، معتبرا أن الحرية تتجسد في تحقق الروح في التاريخ، أو تحقيق الإنسان لذاته في المجتمع، وكل هذا لا يتحقق إلا بالجدل (الإثبات، النفي/ التركيب..).
فكرة السلب أو النفي (Négation)، تحتل مكانة كبرى في فلسفة هيجل، فلا سبيل لفهم الوعي أو الشعور إلا بطريقة ديالكتيكية (إنكار لذاته) بمعنى« أن الجدلية باعتباره حركة نافية كما هي مباشرة تظهر للوعي أولا، لأنها شيء وقع الوعي فريسته ولا يتوقف وجوده عليه نفسه»(7)، ففكرة السلب تشغل الانتقال من الفكرة الواحدة إلى الفكرة المضادة لها، من القضية الموجبة إلى القضية السالبة (الوجود وألا وجود، التشابه والمغايرة) إن السالب في نفس الوقت موجب، «وقد أوضح هيجل هذه التناقضات وطورها ولكن قصد التوفيق فيما بينها في الأخير ضمن مرجع روحي أعلى، فهيجل بطرحه للروح المطلق كواقع أعلى قد تحرر من تلك الورطة التي وضع كانط نفسه فيها…فلقد أصبح هيجل إيجابيا أمام استمرار التناقضات في واقع الوجود البشري»(8). لكن ما المغزى من هذه العودة الماركيوزية لهيجل؟
وفي سنة1941بدأت كل أعمال ماركيوز تظهر بالانجليزية وكان أهمها «العقل والثورة»، كعرض نقدي للوضعية المنطقية، ومواجهتها بتفكير قائم على الرفض، وزعزعة أصول هذه النزعة السائدة في الفكر المعاصر، يستهل ماركيوز كتابه العقل والثورة(Raison et Révolution) بالكلمات التالية: «ألف هذا الكتاب…لا في إحياء هيجل، بل في إحياء ملكة عقلية يخشى عليها خطر الضياع، ألا وهي القدرة على التفكير السلبي»(9)، فالسلب عدو التفكير الدغمائي لأنه يمثل قوة العقل التواصلية المنفتحة، لهذا أخذ ماركيوز على عاتقه مهمة إحياء الطابع السالب (التفكير النافي) في الفلسفة والكشف عن تناقضات الواقع.
إن وجود هذا العنصر للنفي داخل الفكر هو في رأي هيجل وماركيوز الضمان على تطور الفكر نفسه، فالسلب عند هيجل ليس مجرد عملية ذهنية، بل هو كذلك عملية في الواقع، فالصيرورة هي الوجود الواقعي، كما لا يكفي أن نقول بوجود تقابل بين الايجابي والسلبي، وإنما يجب أن نضيف أن كلاهما يبدو في الآخر، فكل ظاهرة في الحياة أو التاريخ لا تقوم منعزلة قائمة بذاتها، إنما لابد من تصورها قائمة متوقفة على ما عداها من ظواهر مرتبطة بذلك –الكل- أو-المجموع- الذي تنتسب إليه، فالعقل الديناميكي حامل للتفكير السلبي، يحرك المجتمع عبر النفي في مراحل، أي ينفي الكيان الموجود ليعود وينفي النفي نفسه، فتنبثق صورة جديدة للوجود وشكل جديد للعقل والحرية، يستعمل مفهوم السلب (Négation) كذلك عند هيجل بمعنى الرفض والإنكار، لقد اعتبر ماركيوز السلب جوهر الهيجلية وقانون الفكر والوجود في آن واحد، فكيف يمكن الربط بينهما؟.
منح الرجوع الماركيوزي للأصول الهيجلية نحتا جديدا لمفهوم النفي(Concept de Négation) الذي يقصد به السلب والرفض، ففي جانبه النظري يعني به النقد، وفي جانبه العملي هو التمرد، فالنفي بالمفهوم الأول هو حالة في الجدل ووظيفة عقلية معرفية، اما الثورة فهي انعكاسه التطبيقي، لكن ما هو الأصلي الذي قدمه هيجل للنفي؟
إن هيجـل شيـد جـزءا هـامـا مـن مشروعـه الجدلي الكبير في«فينومينولوجيا الروح» (phénoménologie de l›esprit) الذي يعد بمثابة المدخل إلى مذهبه الفلسفي ككل على النفي، فهو يتجلى في قوله بهوية الانطولوجيا والمنطق ونظرية المعرفة، «في البداية تقبل هيجل الفرضية الكانطية التي تقول أن العالم يظهر لنا كما هو عليه لان العقل ينظمه بطريقة معينة، لكن بعد مدة يجد ضرورة في معارضة هذه الفكرة الكانطية بسبب نقطتين، بالنسبة لكانط هناك دائما تمايز بين الواقع كما يبدو لنا والواقع كما هو موجود في الحقيقة، الأشياء كما نراها والأشياء كما هي موجودة»(10)، فهذه المقابلات لا تنم عن جوهر الجدل، وتقلص مفهوم النفي.
لهذا سيشير هيجل في كتابه «علم المنطق» «أنه لا يصح القول بان الوجود والعدم قد وجدا أولا ثم لم تلبث أن وجدت الصيرورة»، بل إن الصيرورة هي الحقيقة العينية الكلية الأولى التي ينبثق منها الوجود والعدم، كحقيقتين مجردتين متناقضتين ناقصتين، وليست الصيرورة هنا سوى عملية التناقض مع ما يقترن بها من سلب، «الوجود في نظر المنطق الجدلي مسار من خلال المتناقضات يحدد تطور كل واقع هذا التوحيد بين الذاتي والموضوعي أو هوية الفكر مع الواقع »(11) حاول به هيجل حل ميراث كانط من الثنائيات المنطقية كالمادة والصورة، «هيجل يحدد التقسيم عبر الأزواج المتعارضة، الروح والمادة، النفس الجسد، الإيمان الفهم، الحرية الحتمية، الوجود واللا وجود، التصور والوجود، تناهي اللاتناهي، هذه التعارضات تتمظهر في تجليات تاريخية متناهية عبر تطور الحضارة، فهي مرت عبر شكل التعارض بين العقل والحساسية، التفكير والطبيعة، بمعنى آخر كل هذا متعلق بالمفهوم الكلي المتشكل على الذاتية المطلقة والموضوعية المطلقة »(12).
إن المنطق الجدلي يرفض شكلية وصورية المنطق الأرسطي، وينتقد في نفس الوقت انغماس التجريبية في الواقع وتقبلها إياه كما هو معطى، فالحقائق القائمة الآن، لا تمثل إلا لحظة من تجربة الإنسان التاريخية، فلا يجوز الانخداع لزيف سكونيتها، أي ما هو كائن ليس هو الحقيقة النهائية، وهنا تظهر فكرة السلب التي هي المحور الأساسي داخل الديالكتيك، بل هي قلبه النابض، وتدل عنده إلى حركة تتسم أساسا بأنها الرفض والتجاوز لما هو قائم بالفعل والسعي إلى تركيب أفضل، وهكذا فإن فلسفة هيجل سالبة ونقدية في نفس الوقت، تتداخل فيها النزعة الثورية المتمردة مع الدعوة إلى تجاوز للواقع، بل إن الرفض تمهيد للثورة، لكن« هل يمكن للمخطط الهيجلي أن ينطبق أم لا على الحياة الواقعية؟ هي إشكالية إمبريقية، سؤال لا يطرحه ماركيوز إطلاقا إنه يقبل بهذه الفكرة من دون نقد، ويقبل المقاربة التي يضعها هيجل مع العالم الواقعي، وهنا نشير إلى مسألة تأويل ماركيوز لهيجل! »(13)، فكيف يحل ماركيوز هذه الإشكالية؟
إن الهدف من هذه الإحالة ليس تحليل المشروع الهيجلي، فهذه مهمة أصعب من أن نحيط بها هنا، وإنما إظهار الطابع النقدي الخصب الذي أنبنى عليه الجدل، من حيث أنه سعى حثيثا لبلوغ الحقيقة عن طريق الجدل السالب، واعتبار السلب قوة خلاقة في الوجود والفكر معا، «ويربط ماركيوز بين مفهوم السلب باعتباره القوة المحركة في الجدل وبين مفهوم النقد عند هيجل…فلا يكتفي ماركيوز بإضفاء هذا الطابع النقدي على السلب، بل انه يضفي عليه طابعا ثوريا راديكاليا فيرى في القدرة على التفكير السلبي أساسا لزعزعة الثقة الزائفة التي يشعر بها الإنسان العادي في موقفه الطبيعي حيال ذاته وحيال عالم الوقائع »(14).
لقد وجد ماركيوز في فلسفة هيجل البعد النافي والالتقاء الفعال بين العقل والنزعة الثورية، بإمكانات الانتقال الدائم لتحقق تغير في المجال السياسي والاجتماعي، «إن تلك الأشكال الفكرية التي تناقض العالم القائم تمثل الفكر السلبي، وسلطة السلب أو النفي هي المبدأ الذي يتحكم في تطور المفاهيم، والتناقض هو الصفة المميزة للعقل..»(15).
إن هيجل استطاع أن يجعل من العقل قوة ثورية خلاقة لعوالم جديدة، من خلال فتح إمكانات واسعة للوجود الإنساني، ضد الفلسفة الوضعية التي جعلت من العقل قوة محافظة، تتقبل الوجود كما هو موجود، مستندة إلى تفكير ايجابي ترضخ فيه لأوامره، إن استغلال ماركيوز لجانب المنطق الجدلي (La logique dialectique) كمحرك للصيرورة التاريخية البشرية هو تطبيق واقعي ديناميكي لتحقيق الوثبة، أو بتعبير سياسي لحظة الثورة، أي النفي المطلق حسب السياق الماركيوزي والسلب على حد التعبير الهيجلي، وبناء على هذا اعتبر ماركيوز المثالية الألمانية بأسرها حركة تحريرية، ولاحظ أن هناك ارتباطا عضويا بين الروح المثالية الهيجلية والثورية الرومانسية الألمانية.
عند هذا الحد ينتقل ماركيوز إلى ماركس، فلا سبيل لهذا التحرر الحقيقي إلا بالثورة «التمرد»، الذي يعلن عن نفسه بقول [لا] للعبودية، أو كما عبر عن ذلك «آلبار كامي» (A.Camus) بقوله: «ما الإنسان المتمرد؟ إنه إنسان يقول [لا]..إن العبد الذي ألف تلقي الأوامر طيلة حياته يرى أن الأمر الجديد غير مقبول، فما فحوى هذه «اللا» إنها تعني مثلا أن الأمور استمرت أكثر مما يجب وإنها مقبولة إلى هذا الحد ومرفوضة فيما بعده»(16).
لا نقصد بهذه الإحالة للوجودية أي نوع من المقاربة مع فلسفة ماركيوز، بل مجرد تقاطع حول مفهوم النفي، وخطورة تلاشيه كفكرة للتغيير الاجتماعي في عصرنا، يقول ماركيوز: «فكرة خلق تغيير نوعي في المجتمع الرأسمالي تتبدد وتتلاشى…وعندما تكون عوامل التغيير الاجتماعي الأساسية غائبة عن الأنظار ومنعدمة، ينكفئ النقد على نفسه في قوقعة التجريد»(17).
3- تجربة الاستلهام من ماركس ومحاولة المجاوزة:
ستنطلق قراءات نقدية للنظرية الماركسية خاصة بعد الإخفاقات المتكررة للثورات الاشتراكية في أوروبا (كالمانيا وهنغاريا) وهذه المراجعة اهتمت بعلاقة النظرية بالتطبيق، كنقد ذاتي(مراجعة الماركسيةj التقليدية)، وعلى هذا المستوى تقف محاولة لوكاتش وكورش، ففي كتاب لوكاتش «التاريخ والوعي الطبقي» يؤكد على الامتدادات النظرية للماركسية كونها نظرية نقدية بدأت مع كانط، والامتداد المباشر للطريقة النقدية التي أسسها هيجل بنقده لكانط وفخته، حيث تظهر بوضوح الماركسية وهي كامنة في الهيجلية، فجوهر الجدلية المادية هو قلب للجدلية المثالية، أي طرح قضية البراكسيس(Praxis) والتغير التاريخي الثوري، أما كورش في بحثه «الماركسية والفلسفة» 1923 فيهتم بالقوة النقدية التي تفكك الوضع القائم، بل ينتقد بها الماركسية نفسها، تماما كما استفاد لوكاتش من نقديتها لتوضيح التوتر بين التنظير والممارسة، كونها أهم ما تبقى لديه من التنقيحات والمراجعات الفلسفية للماركسية، أما «ارنست بلوخ» فلم يبتعد عن المسار الفكري النقدي الذي بدا مع لوكاتش إلى ماركيوز وسيبلغ مع هابرمارس ذروته كآلية نقدية للرأسمالية المعاصرة، ومعه النمط الاشتراكي السوفياتي، و«انطلاقا من ذلك يرى بلوخ وجوب استفادة كشف الماركسية كسلاح نقدي ضد كل واقعية تعسفية، النقد ضد الرأسمالية الجديدة وضد النمط الاشتراكي السوفياتية»(18) والإسهام الذي سيقدمه إلى النظرية الماركسية التقليدية هو نقد الماركسية الأرثوذكسية لحساب الماركسية الإنسانية،….. فكيف نستفيد من الماركسية كمعول للنقد؟
أ) الفعالية النقدية الماركسية:
يمكننا مد بعض الجسور الرئيسية التي ولج ماركيوز من خلالها إلى الماركسية كنظرية نقدية، حيث يتتبعها منذ تحول ماركس من النقد الديني إلى النقد الاجتماعي، حينما أخذ هو وإنجلز نقد «بوير» و«فيورباخ»(Feuerbach) للدين وطوراه نحو نقد أكثر جذرية، وجعلاه يتخطى من نقد الدين إلى نقد الاقتصاد والظروف الاجتماعية والسياسية، بل نقد كل سلطة تستغل الإنسان وترى في نفسها الحقيقة، يستشهد ماركس بقول برومثيوس في انتفاضته على الآلهة« «أنا أكره جميع الآلهة» ويضيف لهرمس خادم الآلهة «تأكد أنني لن أستبدل عبوديتك بمصيري البائس، إنني أفضل أن أبقى مكبلا في هذه الصخرة على أن أكون خادما أمينا «لزوس…»(19)، لهذا يرى ماركس أن برومثيوس (Prométhée) أنبل قديسي تاريخ الفلسفة وشهدائها كونه ثار وتمرد على سلطة المستغل.
بذلك يكون النقد الماركسي نقدا مرتبطا بالطبقة المستغلة كونها الصوت المعبر عن النفي، حيث يتم الانتقال من الفكر إلى الممارسة ومن حيز النقد النظري إلى الثورة، لهذا يجب « الاستيلاء على السلطة السياسية من قبل البروليتاريا، من حيث هو وسيلة للإعادة تنظيم المجتمع »(20)، فالنقد الماركسي لا يكتفي بفضح سلبيات الواقع، بل كل نوع من الاغتراب المادي أو الفكري حتى وإن تشكل هذا الاغتراب على مستوى فكري أو عقائدي، حيث يرى أن: «فيورباخ هو الوحيد الذي سيقدم مستوى من التحليل النقدي نحو الجدلية الهيجلية، ويقدم اكتشافا جليلا في هذا المجال، إن الفعل الكبير لفيورباخ هو:
1- على أنه أظهر أن الفلسفة ليست إلا الدين الموضوع على شكل أفكار مطورة عبر الفكر: وليست إلا مظهر آخر من مظاهر الوجود المغترب للإنسان لهذا فهي كذلك مذنبة»(21). وتمتد موجة النقد الماركسي إلى الواقع الإنساني للرأسمالية، فيعتني بتعرية الصلات المعقدة بين الظروف الاجتماعية والأفكار السائدة في عصر معين، إن منهج الجدلية المادية يكشف سيطرة القوى الاقتصادية العمياء على مفاصل المجتمع، كما تتجسد هذه السيطرة في أعلى هيئة في الوجود الاجتماعي ألا وهي الدولة، التي تمثل الطبقة العليا « فالدولة كما حللها ماركس هي أداة سيطرة طبقة على أخرى بواسطة جهاز قمع مؤلف من العسكريين ورجال البوليس وموظفي الإدارة…لا تستخدم إلا للحفاظ على تفوق طبقة أقلية هي البرجوازية على أكثرية الشعب الساحقة أي البروليتاريا، ولذلك طبع العمال الثوري معبر عن إرادة الكادحين المصممة على تأسيس دولة لا طبقية فيها،..تحين ساعة الحرية، ولا يبقى من مبرر لوجود الدولة »(22).
وبعد هذا العرض يمكن الخروج بالنقاط التالية حول آلية قراءة ماركيوز لهيجل وماركس:
1- ضرورة توظيف الماركسية كنظرية نقدية للرأسمالية، كونها فلسفة عملانية جعلت الإنسان قادرا في كل لحظة على أن يغير وضعه «أن يصبح مخالفا لما هو عليه»، أي تحقيق لكل إمكاناته بدافع تجسيد ماهيته الحرة، فالإيجاب هو تقييد للإمكانيات الفعلية للإنسان، ومن ثم لا يفهم الوجود الإنساني إلا في حركته المستمرة.
2- يمكن استنباط نزعة إنسانية من الماركسية، تهدف إلى التحرر خاصة في الكتابات الأولى لماركس كـ«مخطوطات 1844».
03- هناك امتدادات بين هيجل وماركس، ولو أن ماركس رفض بشكل صريح المنهج الهيجلي، ففي رسالة إلى كوغلمان يقول: «إن طريقتي في الشرح ليست هيجلية مادمت ماديا بينما هيجل مثاليا، إن جدلية هيجل هي الشكل الأساسي لكل جدلية ولكن بعد تعريتها من شكلها الصوفي فقط وهذا هو بالضبط ما يميز طريقتي»(23)، ويضيف كذلك: «إن طريقتي الدياليكتيكية من حيث أساسها لا تختلف عن طريقة هيجل وحسب بل وتناقضها بصورة مباشرة وبالنسبة إلى هيجل فإنها عملية تفكير…فالديالكتيك يقف على رأسه عند هيجل بينما ينبغي إيقافه على قدميه»(24)، سوى أن هذا التصريح لن يثني عزيمة ماركيوز، فيقدم مفهوما للسلب مقاربا للهيجلية والماركسية، في نفس الوقت يميزه عن كل من السلب الهيجلي والجدل الماركسي، «فيأخذ السلب عند ماركيوز معنى النفي الكلي الشامل لما هو قائم أمامنا في الوجود، فهو يعارض ما هو حقيقي بما هو واقعي، أي كل ما هو واقعي فيجب تخطيه بواسطة النفي»(25).
إن فكرة السلب هي الخيط الرابط بين مستويين للتحليل، مستوى العلاقة بين كتاب «فينومينولوجيا الروح» و«المخطوطات» من جهة، والربط بين كتاب «رأس المال» و«المخطوطات» من جهة أخرى، مما أتاح تبيين العلاقة بين التنظير الفلسفي في «المخطوطات» والتطبيقات والتحليلية الاقتصادية في «رأس المال» كون «ماركس أعطى لنظريته قاعدة اقتصادية بعد أن أسسها أولا على قاعدة فلسفية »(26)، لقد قلل ماركيوز إلى حد كبير من الفروق الأساسية بينهما، واعتبر أن الأصول التي نبع منها الجدل الماركسي هي أصول هيجلية، والهدف واضح من كل هذه المحاولة، هو إضفاء صبغة مثالية على المادية الدياليكتيكية، بإظهار نزعتها الإنسانية، وعبر إعطاء قراءة نقدية لأصول المادية الجدلية، وإعادة بنائها وفق ما يلائم العصر، لتأسيس نظرية اجتماعية نقدية.
ب) في مفهوم النقيض والديالكتيك السلبي(داخل المجتمع):
لم تواجه الماركسية إشكالية على المستوى النظري، بل سيظهر عدم تطابق لهذه النظرية على الواقع، أين واجه ابرز منظريها «لينين» حالة من عدم تحقق الجدل في حركة التاريخ والمجتمع، واجه فيها الديالكتيك (في الدولة كما في الواقع الاجتماعي/خاصة الرأسمالي) تأزم مريب، واستعصى فيه «نفي النفي»، فكان أن طرح السؤال الشهير «ما العمل؟» وبدت فيه استحالة تجاوز عملي لذلك «الانحباس التاريخي»(Blocage) أو «الانسداد الثوري» الذي كانت تعاني منه الحركة الثورية في العالم، وأخذ رجال هذه الحركة يشعرون بأن التاريخ لا يسير بالصورة الماركسية (المستقيمة) المنتظرة، فنبوءة ماركس حول نهاية الرأسمالية لم تتحقق!!
وبسبب هذه الثغرات، التي زعزعت أوصال التحليل الماركسي للمجتمع والتاريخ، ظهرت على صعيد الفكر الفلسفي محاولات جادة لإعادة النظر في مفهوم «الجدل» نفسه، وبالتحديد في مفهوم «نفي النفي»، ولعل أشهر وأهم محاولة، هي تلك التي قام بها تيودور أدورنو في كتابه «الديالكتيك السلبي» (1966)، فما تصوره للمسألة؟
لقد جرت العادة منذ الفلسفات القديمة إلى ماركس على النظر إلى الجدل على أنه منهج متحرك يسير بالفكر نحو التغيير. ولما قنن هيجل هذا المنهج ضمن ثلاثية الإثبات والنفي ونفي النفي أكد هو نفسه، ومن بعده ماركس، تأكيدا خاصا على أهمية لحظة نفي النفي، أو التركيب، بوصفها لحظة إيجابية تتجاوز التناقض بين الإثبات والنفي، إلى لحظة أعلى وهكذا… لقد انتهي أدورنو إلى التشكيك في حصول «نفي النفي»، لكن قبل الحديث عن هذه الحالة يعيدنا ماركيوز لتحليل لحظة قبلها هي فكرة النقيض، فماذا يقصد بها؟
في الكثير من الأحيان يفهم النقيض على انه ضد الشيء، لكن ليس هذا هو المقصود بلفظ «النقيض» في لغة المنهج الجدلي (الديالكتيك) الذي ينظر إلى الأشياء لا من خلال انفصالها عن بعضها انفصالا «مطلقا، بل من خلال ارتباط بعضها مع بعض بعلاقات جدلية، علاقات تنتهي بالنقيضين إلى شيء ثالث يتجاوزهما وفي نفس الوقت يحتفظ بشيء منهما. والمهم في مجال العلاقات الجدلية هو أن نتاج النقيضين يمثل «دائما» تقدما بالنسبة إلى الطرفين الذين يدين بالوجود لهما. وهذا هو معنى «التجاوز»، ويعبر عنه أحيانا بـ «التركيب»، وفي اللغة الجدلية الفلسفية يسمى «نفي النفي». فنحن ننطلق في تعاملنا مع الأشياء من «إثبات» صفة أو حكم لها.
ولقد تبين لادورنو كما قلنا أن هذه الثلاثية «السحرية» الهيجلية (الإثبات والنفي ونفي النفي) لا تنطبق على المجتمعات المعاصرة التي بقي النفي فيها لا يرقى إلى نفي النفي، ولذلك بقيت كما هي منذ بروز العقلانية التكنولوجيا، تجتر واقعها الذي لم يخرج عن الصراع لأجل إبقاء الحال على ما هو عليه، إذ بقي فيها النظام «المغلق» (بدون تجاوز، بدون تغيير). لأن الفرد ارتبط معه بشكل حيوي، فسادت في «صمت عبادة صنم المال»j والإنتاج في هذا الصدد يقول ماركيوز «إن الإنتاجية سترتد على الفرد، لتصبح هي ذاتها أداة للهيمنة العالمية»(27).
ومع أن أدورنو قد خاض في الموضوع في إطار فلسفي تجريدي فإن مفهوم «الجدل السلبي» كان –ولا يزال- يجد سنده وتبريره في التطورات التي عرفها العالم في القرن العشرين على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والفكري. ومع أن أدورنو لم يجزم بـ«نهاية نفي النفي» فإن ماركيوز حاول إيجاد حل لهذا الانغلاق أو ما يمكن أن يسمى «استقالة البروليتاريا»، والحل لهذه المشكلة السياسية مبتكر، يريد ماركيوز أن نتحرر من عقال المعقولية السائدة عبر إدخال مفهوم النقد، ومفهوم آخر محايث له هو المخيلة، فبعد دخول «المخيلة في السلطة.(يمكن أن نقول)..لنكن واقعيين ونطلب المستحيل»(28). إذن الحل ليس في الخروج على العقل أو إزالته، بل هو في أن يتعقل العقل تعقله «نقد العقل ذاته»، أو ينور العقل تنويره، عن طريق تحريك السلب بداخله.
4 – ماركيوز ومفهوم نقد المجتمع المعاصر:
وتتضح مما سبق مكانة النقد في الفلسفة الألمانية عامة، وداخل مدرسة فرانكفورت خاصة، مما يدفعنا إلى البحث عن تأثيراتها على أعضائها وبالخصوص ماركيوزj، لكن هذا التصور لمفهوم النقد نجده ملزما بمفهوم آخر لا يقل عنه أهمية، إنها فكرة النفي التي لا يمكن إرجاعها فقط إلى النسق الهيجلي، بل إن ماركيوز مارس عليها تعديلات وتحويرات أضفت طابع الخصوصية عليها، فهو لا يحملها معنى القضية السالبة فقط كما هو موجود في المنطق الهيجلي، بل يدفع بها إلى أقصى حدودها ليصل بها في آخر تحليلاتها بأن يقرنها بمفهومه الخاص «الرفض العظيم»، فالرفض العظيم كتصور ناضج ترتب عن النتائج النظرية لفكرة النفي، التي لا تحمل عنده فقط معنى منطقي هو تجاوز القضية السالبة فحسب، بل تحمل كذلك لحظة في الانطولوجيا حين تتحرك الصيرورة نحو مرحلة مغايرة للمراحل السابقة، حينما تأخذ أبعادا تاريخية واجتماعية، أين تتبلور الفكرة النظرية إلى واقع عملي في صورة التمرد، ولو أنها تتلبس في الكثير من كتاباته الوعي السالب (القدرة العقلية على تجاوز الواقع)، وأحيانا تقابل ملكة التفكير الايجابي الجزء الأكثر استعمالا في العقل البشري، «وهكذا فإن العلاقة بين الفكر الديالكتيكي والواقع المعطى هي علاقة تناقض أكثر منها علاقة تطابق»(29).
يعتبر ماركيوز الممارسة العقلانية التي يدعيها المجتمع الحداثي ليست سوى فرض التفكير الايجابي بدل التفكير السلبي، لإبقاء الأوضاع القائمة كما هي، ولعل الترسيم العقلاني هو تقليد غربي قديم حسب تعبير يورغن هابرمارس حيث يقول: « فقد أدرج «ماكس فيبر» مفهوم العقلانية ضمن الشكل الرأسمالي للفعالية الاقتصادية، النموذج البرجوازي للتبادلات حسب حقوق الملكية الفردية والنموذج البيروقراطي للهيمنة. كما أن العقلانية تشير قبل كل شيء إلى ميادين المجتمع الذي يخضع لمعايير القرارات العقلية».(30)
ويضيف ماكس فيبر: هي لا تعني «..إزالة سيطرة الكنيسة بشكل نهائي على شؤون الحياة، بل يعني بالأحرى استبدال القديمة منها بشكل جديد من السيطرة وهي تعني استبدال سلطة متراخية إلى الحد الأقصى وغير موجودة عمليا فيه، بأخرى تخترق كل ميادين الحياة العامة والخاصة فارضا تنظيما للسلوك شديد الوطأة والقساوة»(31). فيواجه العقل الوجود عن طريق المضي قدما في عملية عقلنة كل المجالات الحياتية.
وعليه يطرق أدورنو وماركيوز، موضوع فلسفة التنوير من خلال إثارة أسئلة حول بنية العقل المعاصر. فيتساءل هل الصورة التي وصلت إليها الحضارة المعاصرة هي نتيجة لفلسفة التنوير؟، التي استبعدت الأبعاد المختلفة للعقل وجعلته يقتصر على العقل العلمي والتكنولوجي، وتم استبعاد أبعاد العقل الأخرى، مثل البعد النقدي، والخيالي، والجمالي، والأسطوري..الخ، ونتيجة لاتساع السوق وسيطرة العقل الحسابي أصبح الموجود المادي هو العقل الذي يتحكم في مصير الإنسان المعاصر، وتم إغفال الأبعاد الأخرى كدور العلم التحريري للإنسان مثلا.
لقد أصبح من الضروري نقد العلم الغربي في صورته الجزئية، الذي ساهم في تفتيت الوعي الإنساني، وفي خلق أسطورة المردود والعقل الاستهلاكي –فأي نقد لهذه الحضارة يجب أن يبدأ من نقد العقل أولا-. وإذا كانت فلسفة التنوير تدعونا إلى استخدام العقل في كل شيء، فإن ماركيوز يدعونا إلى استخدام العقل في مجال جديد هو نقد العقل نفسه، بدل استخدامه كماكينة اجتماعية للسيطرة والقمع.
لأن فلسفة التنوير اهتمت بدراسة جهد الإنسان في الإنتاج والتأثير على الطبيعة دون الاهتمام بالحركة الاجتماعية الناجمة عن ذلك، ودون الولوج إلى الأبعاد الأنطولوجية للإنسان.
إذن فالعقل الغربي مهدد منذ ولادته بخطر اللاعقل، إذ كلما اكتسب العقل الدقة والسيطرة على موضوعه ازداد انغلاقا على نفسه، لأنه يفرض على نفسه معايير الدقة التي يفرضها على الموضوع الخارجي. وبالتالي فإن العقل في صورته الراهنة لا يقل عن الأسطورة أو «الصنمية»(31) إذ وقع العقل فيما أراد التحرر منه- كون المعرفة العلمية تسربت إلى العقل الفلسفي المعاصر، الذي أصبح يعتبر التقنية خلاصا للبشرية، وأنها جوهر المعرفة الفلسفية واليقينية. مما يعني التحول الكامل للعالم الطبيعي والاجتماعي وتكيفه وفقها.
التقنية تؤثر في الذات والموضوع والعمل واللغة وكل أنماط العلاقة التي تربط الإنسان بالعالم- أي تحول العلم والإيديولوجيا والفلسفة إلى أدوات في خدمة السيطرة، التي هي بمعنى من المعاني جوهر المجتمع الذي نشأ عنه هذا الاستخدام للعقل.
إذن هي عودة العقل إلى اللاعقل، إلى الخرافة. في هذا الصدد، سيستند ماركيوز إلى مبرر قوي لتفكيك آليات اللوغوس المعاصر «لوغوس الهيمنة» (Logos de la domination)، الذي يقوم بتنظيم كل كبير وصغير في الوجود، خاصة السياسي منه «إن العقلانية التكنولوجية تفسر النقاب عن طابعها السياسي في الوقت نفسه الذي تغدو فيه أعظم ناقل للأكمل سيطرة، بخلقها عالما كليا استبداديا بكل ما في الكلمة من معنى»(32)، لكن ما هي التهديدات التي تحملها هذه العقلانية على وجود الإنسان المعاصر؟
أ)- العقلانية التكنولوجية ونقد العقل الاستهلاكي:
يوضح ماركيوز أن العقلانية التكنولوجية المعاصرة تفرض نوعا من «التفكير الايجابي» الأحادي البعد ونظرة إلى الوجود أحادية الجانب، وتقصي من الذهن كل محاولة للنقد والسلب، فهذا الترويض الفكري الذي تمارسه يفرض جمودا معيقا للتطور السليم للفكر ولتاريخ الأفكار، يحول دون نموها وتغيرها، أي تشكل عائقا إبستيمولوجيا أمام تقدم الأفكار، وتحول دون السلب الرافض للأفكار السائدة، يقول: «إن العقلانية التكنولوجية هي في سبيلها إلى تصفية العناصر المعارضة والمتعالية في الثقافة الرفيعة »(33).
هاهنا نجد لحظة حاسمة يصطدم فيها فيلسوفنا بكل الهيكل العقلي للتنظيم الاجتماعي الحداثي، فالعقلنة التي بينتها تحليلات «فيبر» تصل إلى حدودها القصوى عند ماركيوز، وكأنه يحاول وضع حد لهذا السرطان المستفحل المسمى «العقل التقني»، لكن يجب أن ننبه إلى أن ماركيوز لا يقصد العقل بكليته، وإنما العقلانية العلمية المترجمة إلى سلطات سياسية واقتصادية، التي تستبعد الجدلية السالبة، فهذه العقلانية هي المرحلة الأكثر تقدما للحضارة الصناعية وذلك «أن العقل بوصفه المعرفة النامية والتطبيقية للإنسان، أي بوصفه «فكرا حرا» كان له دور أساسي في خلق العالم الذي نحيا فيه ومع ذلك فقد كان له أيضا دور أساسي في الإبقاء على الظلم والشقاء والعذاب، غير أن العقل والعقل وحده هو الوسيلة الكفيلة بتصحيح أخطائه»(34).
يراهن ماركيوز على تحرر العقل بالعقل، ولو أن هناك عائقا أمامه هو استراتيجيات السيطرة الاجتماعية والتكنولوجية، التي تلبست هي كذلك طابعا عقلانيا، فتحولت بذلك، أي مطالبة بتجاوز وتغيير المجتمع لحظة لاعقلانية، فالتفكير المختلف والنظرية النقدية أصبحت كلها لا معقولة أمام المعقولية الطاغية للمجتمع، ويؤكد: «إن العقلية التكنولوجية للعالم الكلي الاستبدادي هي أحدث شكل أمكن لمثال العقل أن يأخذه»(35)، فهي تفرض نوعا من السلوك والفكر المنغلق، وترفض أي نوع من التعقل غير عقلانيتها الضيقة (عقلانية الاستهلاك الإنتاج والمردودية)، أي ذهنية تمجيد الواقع وإبقاء الأمر على ما هو عليه دون التفكير في تغييره (ترسيخ المقولات الاجتماعية القائمة)، وتقدما واقع مزيف ووعي كاذب لا هم له إلا الإنتاجية، الاستهلاك، الطاعة، وتربط العقل العملي بالعقل النظري ثم وصلهما بالاستغلال الطبقي «وهكذا يتداخل تسلسل العقل الهرمي مع المجتمع الهرمي…فلو تغيرت العلاقة الوثيقة بين عقلانية التقنية وعقلانية الاغتراب، لطرأ، أيضا تغير على بنية العلم بالذات»(36)، إلا أن مصالح الاقتصاديين الضيقة ترفض أي تبديل على بنية العلم، لتبقى التقنية والعلوم في خدمة الآلة التدميرية للاستهلاك [الهلاك]، ينتهي ماركيوز للقول: «..العقل الذي أصبح خادما لكل الجماعات ولكل المصالح الاجتماعية، بحيث أن كل تناقض يبدو لا عقلانيا وكل معارضة مستحيلة.»(37).
إن التأزم الذي يشير إليه ماركيوز هو نهاية العقل عامة إلى التحجر، ومن البديهي «أن الفكر الذي لا يتطور يتعفن» بمعنى أن على كل فكر ينشد الحياة والديمومة لا بد أن يتطور، وهذا التطور لا يتأتى إلا بالنقد والمراجعة الدائمة، هذا هو الحال مع الفكر، فما بالك بالعقل الفلسفي حامل راية التأمل الإنساني، لكن ما يتأسف عليه ماركيوز ونلحظه في المجتمع، هو على العكس تماما لما تطلعت إليه تحليلاته، «فلقد دخلت عناصر العقل الناظمة في صراع مع عناصره الهدامة وعارض الفكر الايجابي الفكر السلبي، إلى أن كفلت منجزات الحضارة الصناعية الانتصار للواقع الأحادي البعد وخفضت من حدة مختلف التناقضات».(38)
ب) التفكير الايجابي وتحجر النقد:
وضع ماركيوز الواقع الراهن موضع مساءلة، هذا لأن إدعاء المجتمع الحداثي بالعقلانية لا عقلاني، فالمدنية التقنية تستعبد الإنسان وتشيؤه (Réification)، وبالأحرى تحوله إلى أداة للعمل المستلب، بل إن الاستغلال يكرس السيطرة المستبطنة والرقابة الداخلية، وينصب ماركيوز نفسه طبيبا نفسانيا للمجتمع المعاصر الذي يعاني من «الفصام»، فهو من جهة يدعي العقلانية، فيتكلم عن الازدهار والتقدم، ومن جهة أخرى يعمل بطريقة لا منطقية، ويطور أسلحة الفناء الذري، إذن فالحفر تحت قشرة الحضارة التي تبدو عقلانية، ينكشف تحت هذا اللحاء الخارجي باطنا مفارقا لما نراه، إنها قوى لا عقلانية تهدد بدمار المدنية الإنسانية، بل يصبح الفكر معها عقائديا دغمائيا متحجرا، لا يرى إلا منهجا واحدا للتفكير هو المسلك الذي تقدمه هذه الحضارة الغربية.
المحاولة النقدية لماركيوز لها مرجعيتها السوسيولوجية، لأن العقل يطغى على آليات الحياة الاجتماعية وأنماطها، ويمكن المنطق الأعلى الدولة أو ما يسميه هوركهايمر «العقل التوتاليتاري»(*) من سحق المعارضة « فالسلطة أصبحت تحل محل العقل، والخضوع محل الحرية، والواجب محل الحق »(39)، مما جعل التفكير في الثورة والتغيير أمرا مستبعدا، وهذا ذو تأثير سلبي كبير على الوعي الطبقي العمالي، كونهم توقفوا عن التفكير النافي الثوري، يقول ماركيوز:« إن القدرة على التفكير السلبي هو القوة الرافعة للفكر الجدلي التي تستخدم أداة لتحليل عالم الوقائع من خلال ما فيه من نقص باطن »(40).
-لقد خلق النظام نمطا من التفكير يطلق عليه اسم «التفكير الايجابي»(Pensée positive) مقابل الفكر السلبي (Pensée négative) الناقد، ففرض فكر أحادي التوجه منكمش يقصي التعدد ويمحو حرية التعبير والفكر، يمارس الوصاية على عقلية الإنسان المعاصر، فحالة الاغتراب والقهر العقليين الحاصلة لم يشهد لهما مثيل من قبل، ذلك لأنها تبرر بواسطة العقل نفسه، مما يجعل ضحاياه هم الذين يحرصون على دوامه، ليستعبد الإنسان باسم العقل، أين العقل الإداري يسير الدولة، ويجهض كل تصور عن نظام يتجاوزه، لأن مخيلة الرأي العام تكيفت وفق ما تريده السلطة العليا للدولة، بسبب العادات الذهنية الجاهزة للإعلان، وما يقدمه من معلومات جارفة تلاحق الفرد في كل مكان يذهب إليه، وتغطي كل مصادره في المعرفة، فهو الممول الأساسي لعقيدة الجماهير، ويوحي أن ما يقدمه هو الحقيقة، وعلى حسب إعتقاد ماركيوز فحرية المجتمع ووعيه مؤسسة عن طريق وكالات الإعلام، فوجدان الناس وصور تفكيرهم مفروضة سلفا، ليغدو الإنسان لا يفكر بل يفكر له، على شاكلة (أفكر لك، أقرأ، لك)، فالعادات الفكرية تؤدي إلى استجابات سلوكية إنفعالية معينة تربط المستهلك بالمنتج، الكل يرغب ويفكر وفق ما يقدمه السوق وأجهزة النظام الثقافي، لقد أضحى العقل في عصرنا يخدع نفسه بنفسه.!
إن تركيبة الدولة المعاصرة تحوي تناقضات اجتماعية وإنسانية، وتتسم بسمة قمعية لجنوحها لأن تصبح مشروعا كليا مطلقا (توتاليتاريا)، فالتنظيم الواسع للمجتمع الحداثي لا يبقي الأفراد بمنأى عن سيطرتها، فتكنولوجيتها تتحكم في الكل، وترسم لعصر: «الاستهلاك أفيون الشعوب الجديد»، وبذلك يمكن «الاعتراف بأن الدولة الحديثة انتهت إلى التوتاليتالية على اختلاف أشكالها»(41).
يتلبس الرأي العام تفكير إيجابي، وهو تفكير يرى في الوضع الراهن أي العالم الذي نعيش فيه أفضل وأكمل العوالم ولا يتطلع خلف هذه الحدود، إنه يرى فيه الانتهاء والتمام، ويؤسس لعقل بدون ذاكرة وخيال نقد، هذه الملكة التي لطالما نوه بها التفكير الفلسفي، بل حتى العادي لما تحمله للإنسانية من إمكانيات للتغيير وبناء عوالم أفضل والارتقاء إلى فضاء أوسع، لكن التفكير المعاصر يبتلع الوعي النقدي السلبي (Négation critique) ويلغي أي محاولة لوضع مسافة بين الوعي والواقع، قمع الوعي الثوري بالتوحيد والدمج القهري، «القبول بالفكر الايجابي هو قبول قسري: قسري لا بحكم الإرهاب وإنما بفعل سلطة المجتمع التكنولوجي وفعالياته الساحقة المغلقة»(42)، على أن هذا التأكيد لا ينبغي أن يحجب عنا حقيقة لجوء السلطة السياسية إلى القوة والإفراط في استخدامها، كما لا يعني أنها أقفلت أبواب ترسانة أسلحتها الإيديولوجية المتنوعة للإعلام والتزييف والتحريف، لتخدير الرأي الناقد، لا تفتأ تستعين بجيش نخبتها المؤدلجة لإجراء عمليات غسل الأدمغة، ونمذجة الآراء وتنميط الخيارات، عن طريق الإقناع الفكري المتواصل والإخضاع النفسي المستديم، الذي طالما تكفلت به مؤسساتها التعليمية والتربوية والإعلامية والدينية….
وهكذا تتضح شدة الهجوم على كل فكر حر كما يعلق ماركيوز «والواقع أن الهجوم على التفكير النقدي المستقل إنما هو جزء لا يتجزأ من السيطرة الشمولية»(42)، وهنا بالضبط تتبين العلاقة بين السلطة والمشروعية التي يضفيها عليها العقل، فلابد من تفحص جدل العقل والسلطة، ولا يفترض هذا إقامة تعارض بينهما كنقيضين، ولا أن نتبع العقل بالسلطة دفعة واحدة فنعطي بذلك الحق للنسق القائم، بل نقد سلطة تدعي المشروعية باسم العقل وهنا إشارة (واضحة إلى إشكالية السياسة والعقل).

(1) طاهر علاء، مدرسة فرانكفورت، منشورات مركز الإنماء القومي، ط01، بيروت، ص 05.
(2) هوركهايمر ماكس، النظرية التقليدية والنظرية النقدية، ت: مصطفى الناوي، عيون المقالات، ط01، بيروت، 1990، ص 77.
(3) طاهر علاء، مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر، نفس المرجع، ص 06.
(4) بول لوران أسون، مدرسة فرانكفورت، ت: سعاد حرب، المؤسسة الجامعية للنشر، بيروت، ص 63.
(5) Maclntyre Alasdair, Marcuse, tard, Nouchka Pathé, Ed Seghers, Paris, 1970, p118.
(6) – Ibid, p 117.
(7) هيجل فيلهم، فينومينولوجيا الفكر، ترجمة: مصطفى صفوان، الشركة الوطنية للطبع الجزائر،1981، ص 83.
(8) حنا أرندت، في العنف، ترجمة: إبراهيم العريسي، دار الساقي، بيروت، ط01، 1992، ص 31.
(9) هيجل، فينومينولوجيا الفكر، مرجع سابق، ص 173.
(10) هوركهايمر ماكس، النظرية التقليدية والنظرية النقدية، مرجع سباق، ص 26.
(11) ماركيوز هربرت، العقل والثورة، ت: فؤاد زكريا، الهيئة المصرية للتأليف، مصر،1970، ص 17.
(12) Maclntyre Alasdair, Marcuse, op, cit, p 36.
(13) هربرت ماركيوز، العقل والثورة، مرجع سابق، ص 224.
(14) Marcuse, L’ontologie de Hegel, Ed, de minuit, Paris, 1972, pp 19-20.
(15) Maclntyre Alasdair, Marcuse, op, cit, p 51.
(16) حسن محمد حسن، النظرية النقدية عند هربرت ماركيوز، دار التنوير، ط01، بيروت، 1993، ص 60.
(17) -Marcuse, Ver la libération, Ed, de minuit, Paris, 1969, p35.
(18) كامو، الإنسان المتمرد، ترجمة: نهاد رضا، منشورات عويدات، ط02، بيروت، 1980، ص 18. البير.
(19) هربرت ماركيوز، الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الآداب، ط03، بيروت، 1988، ص 29.
* أنظر: مونيك بيار فيافر، الماركسية بعد ماركس، ت: سليم نصر، عويدات، ط02، بيروت، 1982، ص97-98.
طاهر علاء، مدرسة فرانكفورت، مرجع سابق، ص 39.(2)
(20) ماركس وإنجلز، حول الدين، ت: زهير حكيم، دار الطليعة، ط01، بيروت،1974، ص 13.
(21) ماركس وإنجلز، مراسلات ماركس وانجلز، ت: فؤاد أيوب، دار دمشقية،1981، ص 551.
(22) Marx Karl, Manuscrit de1844, tard, Emile Bottigelli, Edition Sociale, Paris 1972, p126.
(23) مونيك بيار فيافر، الماركسية بعد ماركس، ت: سليم نصر، عويدات، ط02، بيروت، 1982، ص79-80.
(24) ماركس وانجلز، المراسلات، مرجع سابق، ص 232.
(25) ماركس كارل، رأس المال، ت: صالح عبد الجبار، ج01، دار ابن خلدون، ط10، بيروت، 1982، ص 28.
(26) Maclntyre Alasdair, Marcuse, op, cit, p 18.
(27) Marcuse, Philosophie et Révolution, Ed, Denoël, Paris, 1969, p 43.
* أنظر: أسوالد اشبنغلر، تدهور الحضارة الغربية، ت: أحمد الشيباني، ج02، دار الحياة، بيروت، د.س، ص 762.
(28) Marcuse, Eros et civilisation, Ed, de minuit, Paris, p 88.
(29) Marcuse, Actuel, Ed, Galilée, Paris, 1976, p16.
* يرفض ماركيوز حشره ضمن لواء مدرسة فرانكفورت، فمع أنه لا ينكر استلهامه لبعض مبادئ المدرسة النظرية، إلا أنه عمل جاهدا على إضفاء طابع الخصوصية والتميز على محاولته.
(30) ماركيوز هربرت، الإنسان ذو البعد الواحد، مرجع سابق، ص 172.
(31) Jürgen Habermas, la technique et la science comme Idéologie, op, cit, p 03.
(32) فيبر ماكس، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ت:.محمد علي مقلد، مركز الإنماء القومي، بيروت، ص 17.
(33) نيتشه فريدريك، أفول الأصنام، ت:حسان بورقيه.محمد التاجي، إفريقيا الشرق، بيروت، 1966، ص07.
(34) هربرت ماركيوز، الإنسان ذو البعد الواحد، مرجع سابق، ص 54.
(35) نفس المرجع، ص 91.
(36) هربرت ماركيوز، العقل والثورة، مرجع سابق، ص 23.
(37) هربرت ماركيوز، الإنسان ذو البعد الواحد، مرجع سابق، ص 164.
(38) نفس المرجع، ص 192.
(39) نفس المرجع، ص 45.
(40) نفس المرجع، ص 164.
* أنظر: شاتلي فرونسوا، تاريخ الأفكار السياسية، ت: خليل أحمد خليل، معهد الإنماء العربي، ط01، بيروت،1984، ص 565.
(41) هربرت ماركيوز، العقل والثورة، مرجع سابق، ص 357.
(42) المرجع نفسه، ص 18.
(43) مارسيل غوشيه وبياركلاستر، أصل العنف والدولة، ت: علي حرب، دار الحداثة، ط01، بيروت، 1985، ص 127.
(44) هربرت ماركيوز، الإنسان ذو البعد الواحد، مرجع سابق، ص 238.
(45) هربرت ماركيوز، العقل والثورة، مرجع سابق، ص 389.

أحمـــد عطار
ناقد وأكاديمي من الجزائر
[/size
]
أضف رد جديد