(نُصَّتْ نِهار)-ألف لام التعريف في عامية المركز

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
هاشم محمد صالح
مشاركات: 29
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:25 pm

(نُصَّتْ نِهار)-ألف لام التعريف في عامية المركز

مشاركة بواسطة هاشم محمد صالح »

الناس بالنِّهار دوّاحة ... وُبِهَمْدوا إن ما اْتمسّـت
واللام حايمة (نصّ الليل) و(نُصَّت نِهار) اِدَّسَّـت (1)
لماذا نقول في عامية المركز العربية السودانية:
نُصّ الليل --> ونُطقها {نُصْ صَلْ ليل} ولكنّا نقول: نُصّت نهار --> ونُطقها {نُصْ صَتْ نِهار}(2)

فأين ذهبت (ألف لام) التعريف في (نُصّت نهار)، ومن أين جاءت هذه التاء؟ سأحاول في ما يلي الإجابة على هذين السؤالين. وأرجو الإنتباه إلى أنّني هنا مهتمّ بالنطق لا بالكتابة، فالرسم الكتابي لا يُمثِّل طريقة نطقنا (تَصْويتنا) للكلمات في العامية بِدِقَّة وسيصرفنا عن ملاحظة الأصوات الأصلية (3)، ومتابعة هذا التحليل قد تقتضي تجريب إنتاج الأصوات بقراءة الأمثلة جهراً والتمعُّن في حقيقة وحدات الأصوات المُكوِّنة لها (أي طريقة نطقنا الفعلي لها)، حتى لا يُعمينا الرسم الكتابي عن ملاحظة التصويت الفعلي.
وبدون إرجاء للإجابة وتعليق القارئ إلى انتظار طويل، أقول أن (ألف لام) التعريف قد انصاعت لقاعدة صوتية (طبيعية) عاملة في كل اللغات الإنسانية أودت بها إلى هذا المآل، أي أنّه انتهى بها المطاف لتصبح (تاءاً)، وهذا مما سيأتي تفصيله في حيثيات هذا المقال. وبالإضافة إلى الغاية الآنية، أرجو بتبيان أن هناك قواعد صوتية وصرفية وراء هذا التحوير في (ألف لام) التعريف، تبديد الظنون الشائعة بأنّ العاميّة (أو العاميات أو حتى الهجائن) هي مجرد إبتذال أو تشويه أو تبسيط للغة النموذجية (العليا أو الفصحى)، وأنها بلا قواعد (ومطلوقة ساكت). فهذِه النوعيات كيانات قائمة بذاتها وعلى نفس القدر من التعقيد في قواعدها الصوتية والصرفية والنحوية (4).
يتعلّق الأمر هنا بمركب الإضافة (The Possessive Construct)، الذي يُعرف في نحو العربية بالمُضاف والمُضاف إليه، وهو من نوع:
باب البيت، دكّان الحِلّة، عين الشمِش، صوت الصُفارة، نصّ اليل
والمركب يفيد ملكية الإسم الثاني للأوّل أو صلته بِه، مثلما نجد في الإنجليزية مثلاً: the neighborhood's shop أو The shop of the neighborhood

ففي مثل هذا التركيب في العربية عموماً- كما نلاحظ أعلاه- نضيف الإسم الأول (المملوك) للثاني (المالك) أو ندمجهما معاً. ويجيء الإسم الأول نكرة بينما نُلحق بالثاني أداة التعريف (ألف لام)، إذا كان المُشار إله معلوماً (5) . وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن (اللام) في (ألف لام) التعريف في الإسم الثاني لا تنطق (لاماً) في كلّ الأحوال، وإنما تتماثل في بعض الحالات مع الحرف الذي يبدأ به الإسم الثاني، فَمثلاً:
عين الشمِش --> ونُطقها {عين اشْ شمِش}
وَ صوت الصُفارة --> ونُطقها { صوت اصْ صُفارة}

هذا طبعاً معروف في علم نحو العربية بـ (اللام الشمسية واللام القمرية). ففي اللام الشمسية كما في (عين الشمِش) تتماثل اللام مع الحرف (الصوت) الذي يليها {عين اشْ شمِش}، أمّا اللام القمرية فتبقى كما هي، كما في (باب البيت) {با بَلْ بيت}. سنسمي ظاهرة اللام الشمسية هنا بظاهرة التماثل (Assimilation)، لأنّها ظاهرة لسانية عامّة وتحدث في كلّ اللغات بين الأصوات المتجاورة في الكلمة أو بين الكلمات، والتي تتشارك أو تتقارب في مكان النطق أو المخرج Place of Articulation، وهذا هو الإسم الذي تُعرف به في الـ (Phonology) وهو فرع اللسانيات الذي يعنى بالأصوات ومآلاتها في اللغة الإنسانية.

(1)- تمهيد:
على غير الفهم السائد المغلوط، فإنّ لأي نظام لساني قواعد منظّمة: سواء كان هذا النظام اللساني لغةً مكتوبة أم غير مكتوبة، لغة نموذجية (Standard) أم لهجة (Dialect)، اللغة العربية أم الفرنسية أم لغة النوير أو البجا. ذلك أنّ الكلام اتفاق إجتماعي ولا بدّ أن تكون هناك قواسم مشتركة لإنتاجه حتى يتحقق التفاهم المشترك. هذِه القواعد قد لا ندركها على نحوٍ واعٍ بها لأنّها موجودة في لاوعينا الجمعي، ونحن نرثها كأعضاء في الجماعة الإنسانية المُعيّنة ونستخدم شفرتها لنتعلّم بها لغة المحيط الإجتماعي الذي نعيش وسطه، ومن ثمّ ننتج بها الكلام. في أيّ نظام لساني، إذاً، هناك قواعد صوتية (Phonological Rules) وصرفية (Morphological Rules) ونحوية (Syntactical Rules) بلإضافة إلى القاموس والقواعد الدلالية لتنظيم معاني الكلمات.هذِه القواعد معاً تحكم إنتاج الكلام. (أ) القواعد الصوتية (Phonological Rules) تتعلق بكيفية نطق الأصوات منفردة وفي تداخلها مع بعضها البعض داخل الكلمة وفي الحدود بين الكلمات. الحدود بين الكلمات مهمة في العربيّة، عاميّة كانت أم فصحى لأن هذِه الحدود في العربية محتدمة بالصراع كما منطقة عمليات عسكرية فيها التحام (دوشمان) واحتلال وربما خسارة. (ب) القواعد الصرفية (Morphological Rules)تحكم كيفية تكوين الكلمات واشتقاقها والتحوّرات والتغييرات التي تحدث أثناء ونتيجة لذلك. (ج) القواعد النحوية (Syntactical Rules) تخص الجمل وتكوينها. ولأن الأصوات والكلمات والجمل متداخلة، فهذه القواعد تتداخل أيضاً. فهناك قواعد صوتيّة- صرفيّة وصوتيّة- نحويّة وصرفيّة- نحويّة. موضوعنا هنا يدخل ضمن القواعد الـ (صوتيّة- صرفيّة). فالظاهرة بين يدينا هي تحوير صوتي يحدث أثناء (تركيب الكلمات) أي لدى إنشاء مركّب الإضافة.

وبما أنّنا في مجال الأصوات، يجدر بي أن أذكر أنّ لكلّ صوت في اللغة الإنسانية خصائص وسمات ناتجة عن مكان إنتاجه في المَمر الصوتي الذي يبدأ بأدنى الحلق وينتهي بالفم والأنف، والأعضاء المشاركة في إنتاجه، والكيفية التي يتم بها استخدام الهواء الآتي من الرئتين، ووضعية الحبال الصوتية أثناء إنتاجه. ولنأخذ (الشين) ثم (اللام) كمثالين للتوضيح. فلإنتاج (الشين) مثلاً(6)، يكون اللسان مُنبسطاً وونستخدم الجزء الأمامي منه the front part of the tongue مقارباً للمنطقة الأمامية من سقف الفم خلف الأسنان، ثمّ ندفع بالهواء الآتي من الرئتين لإخراج تلك (الوشوشة) التي في (الشين)، والناجمة عن الإحتكاك في التجويف الذي خلقناه باتخاذ الفم لتك الهيئة. أما هيئة أعضاء النطق في صوت (اللام)، فإنّ الجزء المدبب من مقدمة اللسان the tip of the tongue يرتفع ليلامس المنطقة أعلى سقف الفم خلف الأسنان مباشرةً، وبذلك يصبح طريق الهواء القادم من الرئتين (شبه مسدود) في المقدمة، فيخرج الهواء بالفتحتين الجانبيتين ليعطي الصوت المُميز (اللام). هناك فرق آخر بين إنتاج (الشين) و(اللام) - وهذا يحتاج للتجربة العملية. فإذا انتبهت لتصويتك (بوضع أصبعيك على الحنجرة) أثناء إنتاج (الشين) لوجدت أنّك تكتفي بدفع الهواء الخارج من الرئتين لتحدث الوشوشة، أمّا بالنسبة لـ(اللام) فإنّك تزيد على ذلك "بزمجرة" ناجمة عن اهتزاز الحبال الصوتية. وهذا واضح في تميير الأصوات الثنائية مثل (السين) و(الزين)، فهما تتشاركان مكان النطق (المخرج) وطريقة النطق (الإحتكاك) ولكنهما يختلفان فقط في أن الـ(الزين) يتم إنتاجها بإحداث اهتزاز في الحبال الصوتية "الزمجرة"، أما في (السين) فإن الحبال الصوتية (مرتخية) وخاملة. ولذلك تسمى (الزين) ومثيلاتها (مجهورة) بينما تُسمّى الشين وإخواتها (مهموسة) (7).

(2)- القواعد
وسنحتاج لتفسير التحوير الذي حدث في (نُصّت نِهار) للتعرض أولاً للقواعد التي أنتجته، وأعيد القول أن الباعث الأساسي (The trigger) للتغيير الصوتي الذي نحن بصدده الآن هو مُركب الإضافة. ذلك أننا بإضافة اسم لآخر حسب قاعدة الإضافة قد خلقنا الظروف الملائمة لتفعيل واشتغال القواعد الصوتية والصوتية-الصرفية اللاحقة.
أ- قاعدة التماثل الصوتية-الصرفية وقد ذكرت أعلاه قاعدة التماثل الصوتية، فأضيف أنّ أصل التماثل هو التسهيل بالإقتصاد(8) في الحركة وفي تغيير هيئة الممر الصوتي (الفم). أي أن لا نُكلّف اللسان أو أعضاء النطق الأخرى بالتنقّل أو تغيير الهيئة أثناء نطق سلسلة من الأصوات المتتابعة. فالتماثل إذاًعملية (لا إرادية) من طبيعية عمل أدوات النطق، ولذلك توجد في كل اللغات. فإذا أخذنا تماثل (لام ألف) التعريف في كلمة (الشمس) مثالاً، فـ (الشين) كما ننطقها في العاميّة يكون اللسان مُنبسطاً وونستخدم مقدّمته the front part of the tongue مقارباً لسقف الفم لإخراج تلك (الوشوشة) التي في الشاء. أمّا (اللام) فتتطلّب استخدام مقدّمة اللسان the tip of the tongue لإنتاجها. فبدلاً عن أن نتكلّف اتخاذ وضعية (اللام) ثمّ التغيير لإتخاذ وضعية (الشين)، فإننا عند نطق (اللام) نتهيأ لوضعية (الشين) المجاورة، فتخرج (اللام) (شيناً). مثل هذا التماثل الناجم عن التهيوء لصوت قادم (ويتغييرفيه صوت سابق) يُسمّى إرتجاعي أو تهيوئي (regressive or anticipatory assimilation). كما أنّه تماثل كامل أي أنّ اللام لا يبقى من صفاتها شيء. على أنّ هناك تماثل من نوع آخر. وهنا يتأثّر الصوت اللاحق بخصائص الصوت السابق (progressive assimilation) (تماثل استقدامي)، نجد مثاله أدناه حيث أنّ (التاء) و(الطاء) يتشاركان الخصائص من حيث المخرج والأعضاء ولكن الـ (الطاء) مفخّمة (9)، فتنتقل خاصيّة التفخيم (من الخلف للأمام) إلى التاء للمجاورة:
شوربة طماطم --> (تماثل) {شوربَطْ طماطِم}
سلطة طماطم --> (تماثل) {صلطَطْ طماطِم}
ب- قاعدة إعادة التشطير المقطعي في نطقنا للكلمة فإننا نقسمها إلى مقاطع (syllables) ، وإن كنّا لا نشعر بذلك. فكلمة (شافِع) تنقسم مقطعياً إلى (شا + فِع)، فهي من مقطعين. وفي العامية كما في الفصحى فإن التشطير المقطعي(syllabification) العادي يحدث داخل الكلمة، لكن ما أن نخرج من الكلمة إلى شبه الجملة والجملة، فإنّ الوحدات الصوتية للنطق تتغيير ما أن تتلاحم الكلمات مما يتطلّب إعادة التشطير(10). ففي تركيب الإضافة (المُعرّف) المذكور أعلاه، ندمج كلمتين معاً، وبالتالي وبمجرّد خروجنا عن إطار الكلمة، فقد خلقنا ظرفاً يُحتِّم إعادة التشطير المقطعي (re-syllabification) لأن هذا الدمج قد أوجد ترتيباً جديداً لتلاحم المقاطع وخلق وحدات صوتية جديدة (أكبر من الكلمة). لذلك فإن التشطير يتغيّر على النحو التالي:
كِتاب + الوَلد --> (إضافة) = كِتابَلْ وَلد
فيُلاحظ أنّه في حالة وجود المفردتين كلاً على حدة فإنّ أداة التعريف (ال) تُشطّر (صوتياً) مع مفردة الولد، ولكنّها في تركيب الإضافة تندمج مع كتاب. كما ينبغي أيضاً ملاحظة أنّ (الألف) في (ألف لام) هي في قيمتها وتحقّقها الصوتي مجرد (فتحة).

ج- البنية التحتية
مسالة ثالثة أود الإشارة إليها وهي تتعلق بطريقة هذا العرض والتحليل. يبدأ التحليل الساني عادة من ما يُسمّى (البنية التحتية)، وهي مرحلة أو مراحل يمرّ بها التركيب قبل أن يظهر (يطفو) على السطح. وهذِه الطريقة في التحليل تسمح ببسط المادة اللغوية الخام الأوليّة قبل اشتغال القواعد عليها، كما تسمح بتبيان المراحل المختلفة لتخلّق التركيب. وبذلك يكون التحليل شفافاً، نرى فيه عناصر المادة الأولية الداخلة في التركيب كوحدات منفصلة ومستقلّة (كما في حالة النطق)، ثم تأتي القواعد المختلفة (التي لابدّ من إثبات وجودها وواقعيتها ومبرّراتها) فنبيّن توفُّر شروط اشتغالها، ثمّ نبيّن كيفية ونتيجة أو نتائج اشتغالها على المادة الخام أثناء خروجها إلى السطح. (خلق وحدات نطقية جديدة مثلاً).
(3)- التحليل
نبدأ بالقول أنّه إذا احتجنا الإشارة إلى وقت معيّن في الليل هو مُنتصفه (نُصّ بالعامية)، فإننا نستخدم تركيب أو مركّب الإضافة، ووحسب قاعدتة الواردة أعلاه، ندمج الإسمين (ليل) و (نصّ)، وسيسبق (نصّ) (ليل) لأنّ (ليل) هنا الإسم المالك، ولأننا نشير إلى وقت معلوم لدينا، فالتعبير (معرفة) وستلحق (ألف لام) التعريف بالإسم الثاني (ليل) كما تجري القاعدة. وعلينا أن نأخذ في الحسبان أن الإسم نُص هو في بنيته التحتية اسم ثلاثي يتكرّر فيه حرف الـ (ص) (11)، وأنّ الألف في (ألف لام) التعريف هي في الحقيقة ومن ناحية قيمتها الصوتية (فتحة). البنية الأولى التي نحصل عليها هي:
نُ صْ ص + (ال+ ليل) ولأنّنا سندمج الإسمين معاً حسب قاعدة الإضافة، تشتغل على هذِه (البنية التحتية) قاعدة أعادة التشطير، وهي دمج (ألف لام) التعريف عند النطق بالإسم السابق، فنحصل على:
(نُصْ صَلْ) + ليل وهكذا تخرج للسطح من الناحية الصوتية (النطق) رغم أنّنا نُمثّلها كتابياً بـ (نُصّ الليل).
وحين نحتاج الإشارة إلى وقت مُنتصف النهار، فإننا نستخدم تركيب الملكية نفسه، ووحسب قاعدتة أيضاً، ندمج الإسمين (نهار) و (نُصّ) وسيسبق (نُصّ) (نهار) لأنّ (نهار) هنا الإسم المالك. ولأننا أيضاً نشير إلى وقت معلوم لدينا، فالتعبير (معرفة) ولا بدّ من إلحاق (ألف لام) التعريف بالإسم الثاني (نهار). فتجيء البنية التحتية كما يلي:
نُ صْ ص + (ال+ نِهار) وهنا، ولأنّ اللام في (ألف لام) التعريف تجاور صوتاً يشاركها مكان النطق (النون) يتوفّر الظرف لاشتغال قاعدة التماثل ((Assimilation حيث نغيير (اللام) في تهيوئنا لنطق النون لأنّنا سنبدأ في إخراج الهواء بالأنف، وبذلك تصبح (اللام)(نوناً) فينتج عن ذلك مرحلة وسيطة، هي:
نُ صْ ص + (ان+ نهار)
ثمّ مع دمج الإسمين لتحقيق الإضافة لابدّ أيضاً من إعمال قاعدة إعادة التشطير المقطعي فَندمج (ألف لام) التعريف عند النطق بالإسم السابق (وقد أصبحت (ان) وسنغيّر الألف إلى فتحة، فنحصل على مرحلة وسيطة أخرى:
نُ صْ ص + (ان+ نهار) --> (إضافة) = (نُصْ صَنْ) + نِهار وهنا أيضاً يتوفر الظرف لحدوث تماثل ثانٍ ((Assimilation من نوع آخر، وهو التماثل الإستقدامي هذِه المرّة. ف (الصاد) و (النون) مُتجاورتان (في الوحدة الصوتية الجديدة - (ألف لام) التعريف المتحوّلة (نوناً) + نصّ) ومتقاربتان في مكان النطق، ولكن الهواء في (الصاد) يخرج عن طريق الفم بينما يخرج في (النون) عن طريق الأنف، والنون مجهورة بينما الصاد مهموسة. فبعد إنتاج (الصاد)، وعند لحظة الإنتقال إلى إنتاج (النون) برفع طرف اللسان ليلامس المنطقة خلف الأسنان، إذا أبقينا على اندفاع الهواء باتجاه الفم لا الأنف فإننا نُنتج (تاءاً) لا (نوناً). على أنّ هذِه التاء من النوع الذي يُعرف (بالإنفجاري غير المطلوق) non-released plosive في علم فيزيولوجيا أصوات اللغة Phonetics . ففي الأصوات الإنفجارية مثل الباء والدال والجيم، فإننا نحبس الهواء بالشفاه أو اللسان ونخلق ضغطاً خلفهما ثم نفتح الممر الصوتي للهواء مما يعطي ذلك الطابع الإنفجاري للصوت- خاصة عندما تجيء هذِه الأصوات في أول الكلمة. أما حينما تأتي هذِه الأصوات في آخر الكلمة، ففي الغالب نكتفي باتخاذ الهيئة المطلوب لأعضاء النطق لإنتاج الصوت. جرِّب أن تقول (بصل)، ثمّ (دولاب). ستلاحظ أنّ الـ(باء) في (بصل) انفجارية كاملة التحقّق بينما هي في (دولاب) إنفجارية غير مطلوقة. لهذا فإن (التاء) التي تأتي في آخر الكلمة غالباً ما تكون إنفجارية غير مطلوقة) non-released plosive

(نُصْ صَنْ --> (تماثل ا استقدامي) + نِهار = (نُصْ صَتْ) + نِهار

(4)- الخلاصة
الأصل في تاء (نُصّت نهار) هي (ألف لام) التعريف، فيقتضي مركّب الإضافة الذي احتجنا له أن تكون كلمة (النهار) معرّفة ب،"ال". وقد كان الحافز الأساسي (The trigger) للتغيير الصوتي الذي نحن بصدده الآن هو تركيب الإضافة. ذلك أننا بإضافة اسم لآخر حسب قاعدة الإضافة قد خلقنا الظروف الملائمة لتفعيل واشتغال القواعد الصوتية والصوتية-الصرفية اللاحقة. عملت قاعدة التماثل على تحويل "اللام" في (النهار) صوتياً إلى (نون) مسبوقةً بفتحة (هي الألف)، ثمّ دفعت قاعدة إعادة التشطير المقطعي (re-syllabification) بـ(النون) لتجاور الـ (صاد) في (نصّ). وهنا توفّر ظرف جديد لقاعدة التماثل الإستقدامي التي عملت على تغيير الـ(نون) إلى تاء. وهكذا فإنّ سلسلة من القواعد الصرفية-الصوتية في عامية المركز العربية السودانية قد تكالبت على (ألف لام) التعريف في هذِه الحالة، وانتهت بها لأن تصبح (تاءاً).
______________

(1) بيت الشعر من تأليفي لغرض التوضيح! * أنا مُمتن للصديق (أبو بكر الأمين) الذي أسهم معي في هذا التحليل بمداخلاته االدقيقة في (الفيس بوك) والتي أدهشتني حقّاً. فكنت قد نسيت تماماً أننا درسنا معاً، برفقة يوسف أحمد آدم (سوس) وربما آخرين، مبادئ الـPhonetics في (سجن دبك) على يد الأستاذ الموسوعي إبراهيم محمد علي. كما أتوجه بالشكر لصديقي د. عبد الخالق محمود في جامعة تورنتو الذي قرأ هذا العرض في مراحلٍ مختلفه، واقترح علي تعديلات مهمة فيه. *وأرجو التنبيه أنّني حاولت قدر الإمكان أنّ أجعل هذا العرض مُبسّطاً بتفادي المصطلحات والتسميات المختلفة حتى تسهل المتابعة على القارئ غير المُتخصّص. وعلى أيّة حال هذا الأمر بسيط وليس بالتعقيد الذي تخلعه عليه المصطلحات وتاريخ التقعيد في العلوم الأكاديمية. وأنا هنا لا أهجوها، إنما أشجع القارئ (العادي) على المتابعة بالتجريب العملي حتى يصل معي للنتائج التي أصل لها.
(2) أجريت استبياناً على صفحتي في (الفيس بوك) سألت فيه المتداخلين كيف يقولون:
1- She eats in the middle of the night 2- She eats in the middle of the day
وكان غرضي التأكد من أن طريقة نطقي (نُصًّت نِهار) عامّة عند المتحدّثين بعاميّة المركز. وفضّلت الجملة على السؤال عن صيغة ظرف مباشرة تفادياً للإيحاء. ورغم أنّ ذلك سبب لي مشكلة في أنّ البعض انصرف للفعل واحتمالات التعبير الأخرى، إلّا أنّ الغالبية أجابت عن الظرف. ثمَّ ظهرت مشكلة الكتابة من حيث أنّنا نكتب العاميّة على طريقة الفصحى، فلا تظهر بالتالي طريقة نطقنا العامّي. لهذا، راجعت بعض من كانت إجابتهم (نُصّ النهار) فيما إذا كانوا ينطقونها كما كتبوها أم كـ (نُصًّت نِهار)، وقد أكّد أغلبهم على نطقها لهم كـ (نُصًّت نِهار)، فيما أصرّت أقلّية على (نُصّ النهار). العدد الكلّي 34 أجاب 21 من أول مرة بـ(نُصًّت نِهار) أي 62%. وبعد حذف الإجابات التي لم يرد فيها التعبير وهي 5 يكون المجموع الكلّي 29، وترتفع النسبة إلى 72%. ثم بعد أضافة الذين تراجعوا وعددهم 4، يرتفع عدد الذين ينطقون التعبير كـ (نُصًّت نِهار) إلى 25 إي بنسبة 86%.
(3) الكتابة أصلا وفي كل اللغات ليست معنيّة بتتبع الأصوات وإنما برسم الكلمات، لأنّ الكلمات هي الوحدات المحسوسة التي تحمل المعنى.
(4) السهولة والتلقائية التي نتحدّث بها العامية ناتجة عن أننا نلتقطها بصورة طبيعة في سياق نموِّنا الإجتماعي (كلغة أم)، وصعوبة الفصحى تعقيدها ناجمان عن تعلُّمِنا- أو عدم تعلُّمِنا- لها (بصورة أقرب إلى اللغة الثانية) من خلال مناهج قاصرة في التعليم النظامي.
(5) أي أن هذا المركّب معرفة. أمثلة على المركّب النكرة: غرفة نوم كرسي قماش، لمبة جاز
(6) تُوصف أصوات اللغة في (علم أصوات اللغة أو الصوتيات) إستناداً لثلاث محاور (أ) المخرج والأعضاء المشاركة، طريقة استخدام الهواء، ووضعية الحبال الصوتية. لكني فضلّت الوصف على استخدام المصطلحات تخفيفاً على القارئ غير المتخصّص.
(7) يُمكن إختبار عملية إهتزاز الحبال الصوتية و إدراك الفرق بين الصوت المهموس والمجهور عند النطق، بوضع اليد على مقدم الرقبة، أو وضع أصبعين، كل أصبع فى أذن، حيث نسمع صدى واضحـًا لاهتزاز الأوتار الصوتية فى الأصوات المجهورة، كما فى صوت "ز" مثلاً، فى حين أننا لانسمع هذا الصدى ولا الطنين فى حالة الأصوات المهموسة، كما فى صوت "س" مثلاً. (د. محمد داؤود: صفات الأصوات- بتصرّف)
(8) الإقتصاد خاصية بيولوجية تتشارك فيها كل الكائنات الحيّة وتتلخص في "إنجاز الحركة بأقل قدر ممكن من الجهد". وهو مبدأ عامل بفعالية ومُنظّم في اللغة في كل مستوياتها. أنظر: Alessandra Vicentini - Universita di Milano: The Economy Principle in Language (https://www.mediensprache.net/archiv/pubs/3659.pdf)
(9) التفخيم (ويُسمّى أيضاً الإطباق) هو تلك الخاصّية التي نجدها في الـ (طاء) مقابل الـ (تاء) و(الصاء) مقابل الـ (السين)، فمع التشارك في المخرج وطريقة إخراج الهواء في كل ثنائي على حدة، فإن مؤخرة اللسان ترتفع في الـ(طاء) والـ(صاء) نحو الجزء الرخو الخلفي من سقف الحنك الأعلى، حيث ينتج الصوت هناك.
(10) هذِه القواعد معروفة في علم نحو (الفصحى) التقليدي وتلقّن باسم الإدغام والحذف وأسماء أخرى ضمن علوم التجويد والقراءات.
(11) الأصل في الكلمة في العربية - عاميّة كانت أم (فصحى) أن تكون على ثلاثة (حروف) (صوامت). ومع أنّ هنالك كلمات من أربعة أو خمسة، إلّا أنّ الغلبة للثلاثي (بعض الكلمات التي تظهر في السطح بحرفين هي في أصلها ثلاثيةً.

مراجع خفيفة
(1) د. محمد داؤود: صفات الأصوات
https://www.mohameddawood.com
(2) د. رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللغة

https://ia802607.us.archive.org/20/item ... lougha.pdf
[b]
آخر تعديل بواسطة هاشم محمد صالح في الثلاثاء يوليو 18, 2017 8:25 pm، تم التعديل 5 مرات في المجمل.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

نضت النهار

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا هاشم
مستمخين تمام بس في سؤال إنصرافي:
إنت النهار بتاعك دا مالو نضّا من الصياغ؟
8-)
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ياهاشم،

لم تنقل إليَّ هذه الدراسة معرفة فحسب، وإنما متعة أيضاً.

لقد انتظرنا مثل هذه الإطلالة الخصيبة والمُخَصِّبة طويلاً.


شكراً لك.
هاشم محمد صالح
مشاركات: 29
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:25 pm

مشاركة بواسطة هاشم محمد صالح »

سلام يا حسن موسى وعادل القصّاص،
والسلام موصول أيضاً لناس الحوش بدون فرز. ومامنعتنا من إلقاء التحيّة إلا الكبكبة المصاحبة لرفع الموضوع في المنبر لأول مرّة. وياحسن أرجو أن أكون قد استعدلت للنهار مكانه؛ أمّا الصياغ، فهو بتوفيق من عند "الله". شكراً عادل القصّاص على كلماتك اللطيفة وأتمنّى لك دوام المتعة.
أنزلت رابط الموضوع على صفحتي في الفيس بوك، وقد أورد العديد من الأصدقاء ملاحظات وانتقادات وتعليقات ومقترحات جديرة بالتأمّل والمفاكرة. أنا بصدد استئدانهم لإيرادها هنا.
عنواني على الإيميل: [email protected]
هاشم محمد صالح
مشاركات: 29
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:25 pm

مشاركة بواسطة هاشم محمد صالح »

جرى هذا التداخل بين الصديق عبد اللطيف علي الفكي وبيني على صفحتي على (الفيس بوك) ..
عبد اللطيف علي الفكي:
أقول مستزيداً لتحليلك [ إن التاء في نصصت نهار هي واقية من التقاء ساكنين هما نُصْ نـْـهار أي سكون الصاد في نص والنون في بداية نهار، ولثقل الساكنين جاءت التاء.. فما الذي اقترح التاء هنا؟ هاشم يميل بتحليله أن وجودها هو نتيجة (قاعدة التماثل الاستقدامي هي التي عملت على تغيير الـ(نون) إلى تاء) أ.هـ. أي - كما فهمته - يقصد هاشم أن الصاد في نص غيرت النون الأولى في الـنـنـهار، إلى تاء فصارت نصصت نهار بدلاً من نصصـ . . . ننهار. فهي الواقعة عليها التغيير لأنها ليست أصلية في فاء الكلمة، وإنما جاءت بالادغام. فهل تؤثر الصاد تأثيراً صوتيااً مُـقبلاً في النون فتقلبها تاءً؟ مصطلح [التأثير الصوتي المقبل] عند هاشم هو [التماثل الاستقدامي]. للإجابة خصائص صوت الصاد هو صوت أسناني وصوت احتكاكي وصوت مهموس وصوت مفخم؛ وخصائص صوت التاء هو صوت أسناني وصوت وقفي احتباسي وصوت مهموس وصوت مرقق. فالاتفاق هنا بينهما في خصيصتين هما مخرج الصوت وانعدام اهتزاز الوترين الصوتيين، ولم يتطابقا في خصيصتين. وهو ما ينتهك قانون التأثير أو التماثل، وإذا قلنا أن لام التعريف الشمسية في النهار التي هي اننهار هي التي تحولت إلى تاء، فهذا بعيد لأنهما يشتركان في خصيصتين أيضاً دون ثلاثة. نلاحظ تراكيب شبيهة تسبق فيها عبارة /نص/ كل إضافات العبارات المعرفة باللام الشمسية. مثل: جاني في نصص َ شْـشُغل، ومثل الصبحية مدورة لي نصْصـَ نْـنِهار، إلى آخره؛ فهل نعتبر التركيب الإضافي الواقع تنكيراً وهو /نُصصت نهار/ تركيباً عبارياً فيه التاء هي تاء الوقاية المجهولة صوتياً كما نون الوقاية مجهولة صوتياً في الأفعال المسندة للمتكلم كمفعول به؟

سلام عبد اللطيف
* لقد لمست "كعب أخيل" في تحليلي، وهو أني لم أستطِع تقديم أمثلة مشابهة تتصرف فيها النون بنفس الطريقة، تحت تأثير (الصاد). ففي:
(نُصَن نيل)
(بَصَّنْ نَقِل) لا تتغير النون إلى (تاء) رغم توفُّر الظروف. تبقى هَذِه نقطة ضعف في التحليل إلى أن يتمّ التعرّض لها.
بصراحة فكرت فيها مؤخراً، ولَم استطع حتى الآن، لا العثور على أمثلة من السلوك المشابه، ولا التبرير لهذا التصرّف في هَذِه الحالة وحدها دون غيرها.
لكن من الناحية الحركية والبيولوجية لأعضاء النطق المشاركة وهيئاتها أثناء إنتاج المقطع فالتحليل صحيح وواقعي وله ما يسنده ( . has psychological reality)
* النون هي التي تحولّت إلى تاء، بتوقُّف اهتزاز الحِبال الصوتية وضغط الهواء خلف مخرج الفم بدلاً عن الخروج عن طريق الأنف.
* لا سبيل لتفادي (ألف لام) التعريف، لأنّ هذا ما يقتضيه تركيب الإضافة. فإذا كانت البنية التحتية لنصف الليل:
( نصّ + (ال + ليل)،
فلابدّ أن تكون البنية التحتية لنصف النهار:
(نُصّ + (ال + نهار)
فالمسألة صرفية- صوتية (morphological) عمادها الأساسي المورفيم (morpheme ) (ألف لام) التعريف في الإضافة.
لا أرى ظرفاً نحتاج فيه لـ (تاء الوقاية)، إذ لا فائدة من فصل ساكنيْن بساكن ثالث.
وأشك في (الصبحية مدوّرة لي نُصْصَـ نْنِهار) ..
شكراً على المفاكرة الباعثة لإعادة النظر ..
آخر تعديل بواسطة هاشم محمد صالح في الأحد يوليو 16, 2017 4:36 pm، تم التعديل مرة واحدة.
هاشم محمد صالح
مشاركات: 29
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:25 pm

مشاركة بواسطة هاشم محمد صالح »

ثمّ بعث لي الصديق عبد اللطيف (والذي لا يستطيع دخول المنبر لمشكلة تتعلّق ب(سرّ الليل) بهذا الإستطراد:
-----------
أمثلة للتركيب الإضافي في لهجة أم درمان (هاشم: لهجة المركز) في إدغام اللام الشمسية. فكل الأمثلة أسقطت لام التعريف لفظاً مع تشديد الصامت مع صائته الذي يليها.
قاعدة (1): لفظاً أسقط الصامت محتفظاً بصائته لام التعريف "الشمسية" في التركيب الإضافي الدال على التعريف.
ويقابل هذه القاعدة أدناه التركيب الإضافي الدال على النكرة. لأن الشاهد الذي أتي به هاشم دال على التنكير أي "نُصَّتْ نهار". أي تنكير إضافة المعرفة ذات اللام الشمسية. هاك الأمثلة حصراً على اللام الشمسية في اللهجة:
1 أ- نُصَّ التمرين (لفظاً) نُـصْـصَـ تْـتَـمْرين. تنكيراً ب- نُـصْـ تَـمْرين.
2- أ- نُـصَّ الدكان (لفظاً) نُـصْـصَـ دْدُكان. تنكيراً ب- نُـصْـ دُكان.
3- أ- نُـصَّ الراتب (لفظاً) نُـصْـصَـ رْرَاتِبْ. تكيراً ب- نُـصْـ رَاتِبْ.
4- أ- نُـصَّ الزمن (لفظاً) نُـصْـصَـ زْزَمَنْ. تنكيراً ب- نُـصْـ زَمَنْ.
5- أ- نُـصَّ الناس (لفظاً) نُـصْـصَـ نْـنَـاسْ. ب- نُـصَّ النهار (لفظاً) نُـصْـصَـ نْـنِـهارْ . تنكيراً ج- نُـصْـصَـ(تْ) نِـهَارْ.
6- أ- نُصَّ الصيف (لفظاً) نُـصْـصَـ صْـصِيْفْ. تنكيراً ب- نُـصْـ صِيْفْ.
7- نُـصَّ الضنب (لفظاً) نُـصْـصَـ ضْـضَـنَبْ. تنكيراً ب- نُـصْـ ضَنَبْ.
8- نُصَّ السعر (لفظاً) نُـصْـصَـ سْـسِعِرْ. تنكيراً ب- نُـصْـ سِعِرْ.
9- نُصَّ الشمامة (لقظاً) نُـصْـصَـ شْـشَـمَامَة. نُـصْـ شَــمامة.
تسلك 5ج سلوكاً غريباً في خرق القاعدة 1؛ حيث لم تلتزم بإسقاط اللام الشمسية ليحل محلها صامتها الذي يليها مع الصائت كما في نكرات 1-9 ب، بل أتت بصوت التاء الخالي من الصائت أي التاء الصامتة متوسطاً المقطع ليحل محل النون الأولى في حالة التنكير، كمثل رسيلاتها 1- 9 ب. سؤال هاشم الأساسي وملاحظته كلساني هو – في صياغتي – ما هي المبررات اللسانية، بالمعنى الشامل للعلم، لوجود هذه التاء؟
ما يماثل 5ج هي 6ب نُـصْـ صِيْف، و8ب نُـصْـ سِعِرْ. أي أنَّ بعد الصاد يلي صائت الكسرة كالآتي:
i- نُـصْـ (تْ) نِـهار.
ii- نُـصْـ صِيْفْ.
iii- نُـصْـ سِعِرْ.
نرى الآن أن في i صامت الصاد يليه صائت كسرة مع صامت نون، وفي ii صامت الصاد يليه صائت كسرة مع صامت صاد، وفي iii صامت الصاد يليه صائت الكسرة مع صامت السين. من هذا المجال أو الحقل i – iii نستطيع أن نحصر التأثير الصوتي الـمُقبِل في الصوائت وليس الصوامت.
كالآتي في 10: ـصْـ + نِ في i، وـصْـ + صِ في ii، وـصْـ + سِ في iii.
وتحليلاً كالآتي 11
صوت صامت الصاد (أسناني احتكاكي مهموس مفخم).
صوت صامت السين (أسناني احتكاكي مهموس مرقق).
صوت صامت النون (لثوي أنفي مجهور مرقق)

من هذا التحليل 11 نرى أن صوت الصاد والسين متماثلين ولا يخرقان قانون التماثل لأن الفرق بينهما في خصيصة واحدة فقط؛ وحصراً في التفخيم والترقيق. مما يجعل ii نُـصْـ صِـيْف، وكذلك iii نُـصْـ سِعِرْ يتداخلان دون جلب أي صوت مساعد لتنفيذ ذلك التداخل. أما إذا رأينا صوت النون في خصائصة – كما في 11 -، فهو لا يتماثل مع صوت الصاد. مما أدَّى إلى انعدام تنفيذ التداخل بين الصاد في نص والنون في نهار. ولكي تصل الصاد تداخلاً مع النون جلبت تاءً فكانت / نُـصْـ صَـ(تْ) نِـهار. ورغم هذا التبرير ما زال السؤال قائماً. لماذا جلبت التاء بالذات؟
الجواب: أن صوت الصاد احتكاكي أي يحتك الصوت مستمراً في مرور الهواء، وهذه الاحتكاكية المستمرة تريد أن تتداخل مع صوت النون وصوت النون أنفموي أي يمر الهواء مستمراً عبر الأنف والفم. لذلك عندنا صوتان فيهما النطق مستمر الهواء. الأول عبر الاحتكاك داخل الفم والثاني عبر عبور الهواء خلال الأنف مثل [ ـــْــصـْ ــــْـــنْــ ]؛ لذلك ولتنفيذ التداخل لا بد من انقطاع الصوتين المتداخلين. فتم اقتراح التاء لأنها صوت وقفي أو احتباسي حيث قفل أو احتباس الصوت نهائياً عند النطق به. ولكن نلاحظ الأصوات الوقفية التالية في 12 أدناه:
iv- ــــْــصْـ ءْ ــْنْـ أي جلب صوت الهمزة كصوت وقفي احتباسي مثل التاء. فتكون العبارة /نُـصْـ ءْ نِهار/.
v- ــــــْــصْـ بْ ــــْــنْـ أي جلب صوت الباء كصوت وقفي احتباسي مثل التاء. فتكون العبارة /نُـصْـ بْ نِهار/
vi- ـــْـصْـ ضْ ـــْــنْـ أي جلب صوت الضاد كصوت وقفي احتباسي مثل التاء. فتكون العبارة /نُـصْـ ضْ نِهار/.
vii- ــْـصْـ طْ ـــْــنِـ أي جلب صوت الطاء كصوت وقفي احتباسي مثل التاء. فتكون العبارة /نُـصْـ طْ نِهار/.
viii- ــْـصْـ كْ ـــْــنِـ أي جلب الكاف كصوت وقفي احتباسي مثل التاء. فتكون العبارة /نُـصْـ كْ نِهار/
هذه هي الصوامت المستعملة في العامية ذات خصيصة الوقف والاحتباس. فلماذا لم ينتخب ويستجلب التداخل أيَّاً من iv – viii ليكون بين القوسين (. . .) كما في نُـصْـ(. . .) نِـهار؟ وننبه أنه بحسب قانون التماثل، فالأرجح انتخاب واستجلاب vii فتكون العبارة نُـصْـصَــ ــطْ نِهار وهي الأنسب والأقرب حسب القانون لأن خصائصهما تختلفان في خصيصة واحدة هي أن الطاء وقفيه والصاد احتكاكية، ويتفقان في الخصائص الثلاث الباقية.
ما يبرر استجلاب التاء بدلاً من قانونية الطاء في نُصْـصَـ (تْ) نِهار هو الترقيق الذي يتوسط مفخم الصاد في عبارة ( نُصْ ) تداخلاً نحو ترقيق النون في ( نهار ). لكن هذا التبرير لا يتجاسر طالما الترقيق يشمل كذلك الهمزة والباء والكاف أعلاه في 12 ولم يقع عليهن الانتخاب والاستجلاب اللذان اختارا التاء. وعندي أن الأصل في هذه العبارة هي استجلاب الطاء، ثم حدث تطور نحو ترقيق التاء. وما يبرر هذا التطور أن الطاء تتماثل مع التاء في الخصائص الثلاث ويفترقان فقط في التفخيم والترقيق؛ مما يحقق قانون التماثل بينهما.
والوسيلة التي خدمت هذا التطور هو ما يُطلق عليه النحونة grammaticalization. والنحونة في ظاهرة اللغة هي مسؤولية المخاطب الذي لم يتبيَّن كل التلفظ بياناً واضحاً. وتطلق النحونة على تلك الظاهرة "ثورة تطور الكلام البشري"(Hopper and Traugott: 93, 18). فهي تحدث عبر المخاطب إما باختلاط الأصوات بعضها ببعض، أو الحذف. والتغيير اللغوي في العبارة تدرج كالآتي:
12-
أ‌- نُـصْـصَــ ــطْ نِهار.
ب‌- نـُـصْـصَـ(تْ) نِهار.
التغيير هنا تغيير فونولوجي كما شرحنا أعلاه. أما التطور الدلالي في 12 ب فهذا يحتاج لتفصيل آخر.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

مرفق أدناه مقال الأكرم عجب الفيا رداً على مقال الأكرم هاشم في سودان فور أول يوم 6 يوليو 2017
**


نُصّتْ نهار: التاء للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف .. بقلم: عبد المنعم عجب الفيّا
التفاصيل C نشر بتاريخ: 15 تموز/يوليو 2017 < الزيارات: 195



نشر الأستاذ هاشم محمد صالح بمنبر الحوار الديمقراطي بموقع سودان فوراول بتاريح 7/6 2017 مقالا بعنوان:( نصت نهار: ألف لام التعريف في عامية المركز) استهله بقوله:
"لماذا نقول في عامية المركز العربية السودانية: نص الليل.. ولكنا نقول: نصت نهار..، فأين ذهبت ألف لام التعريف في (نصت نهار) ومن أين جاءت التاء". انتهى.
وبعد شروحات مطولة في علم الأصوات وظاهرة التماثل أو التجانس assimilation بخاصة، يخلص الأستاذ هاشم إلى القول: "الأصل في تاء (نصت نهار) هي ألف لام التعريف فيقتضي مركب الإضافة الذي احتجنا له أن تكون كلمة النهار معرفة بأل. وهكذا فإن سلسلة من القواعد الصرفية- الصوتية في عامية المركز العربية السودانية تكالبت على ألف لام التعريف في هذه الحالة، وانتهت بها لأن تصبح تاء". انتهى.
وردا على الأستاذ هاشم فيما ذهب إليه نقول إن المسألة أيسر مما يظن وهي أن التاء في عبارة: "نصت نهار" للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف.
لكن الأستاذ هاشم انطلق من فرضية خاطئة فانتهى إلى نتيجة خاطئة. وذلك أنه افترض أن المضاف إليه في العربية لا يأتي إلا معرفا بأل، بدليل أن كل الأمثلة التي أوردها في مقاله للمضاف إليه جاءت معرفة بألف لام التعريف حيث جاء:" باب البيت، دكان الحلة، عين الشمس، صوت الصفارة، نص الليل". وفات عليه إدارك أن المضاف إليه في العربية لا يأتي معرفا بأل وحسب بل يأتي أيضا نكرة بدون ألف لام التعريف. مثال ذلك: قلم حبر، كتاب تاريخ، ديوان شعر، كوز ماء، كباية شاي إلخ..
جاء المضاف إليه في كل هذه الأمثلة نكرة بدون أداة تعريف، ولكنه يجوز أن يأتي بأداة التعريف فتقول: قلم الحبر، كتاب التاريخ، ديوان الشعر، كوز الماء، كباية الشاي وهكذا.
والفرق بين قولك: قلم حبر وقولك: قلم الحبر، هو أنه في الأولى لا تتحدث عن قلم حبر بعينه أما في الثانية فإنك تقصد قلم حبر بعينه. الجملة الأولى تدل على نكرة أما الثانية فتدل عل معرفة.
ولذلك نقول في اللهجة السودانية العربية: نص يوم ونص اليوم، نص ساعة ونص الساعة، نص رطل ونص الرطل، نص كباية ونص الكباية إلخ.. هنالك فرق بين قولك: نص كباية وقولك: نص الكباية. فحينما تقول: أديني نص كباية شاي، فأنت لا تتحدث عن نص كباية محدد بل أي نص، ولكنك حينما تقول: شربت نص الكباية، فأنت تقصد نص كباية بعينه.
وقياسا على ذلك فإنه يجوز أن تقول: نص النهار ونص نهار، في الأولى تقول مثلا: "ماشي وين في نص النهار الحار دا". وفي الثانية: نص نهار، جرى العرف اللغوي السوداني على تأنيث كلمة "نص" فصارت "نصت نهار". تقول مثلا: بجيك نصت نهار، فلا يفهم السامع أي نهار تقصد.
إذن التاء في عبارة: "نصت نهار" للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف كما ذهب إلى ذلك الأستاذ هاشم لأنه لا توجد هنا أصلا أداة تعريف لأن المضاف إليه "نهار" جاء نكرة: نص نهار وليس نص النهار. وكل ما هنالك أننا أحلنا لفظ "نص" المذكر إلى المؤنث فقلنا: نصت نهار، بالوقف على التاء.
وليس هذا هو المثال الوحيد في اللهجة السودانية العربية الذي نحيل فيه المضاف إليه المذكر إلى مؤنث حال إضافته إلى نكرة.
فهنالك أمثلة كثيرة ولعل أبرزها تعبير: "قولة خير" للدلالة على قبول خطبة الفتاة. فالتاء في قولة/قولت ليست بديلا عن لام تعريف لأن المضاف إليه "خير" جاء نكرة وأصل الجملة: "قول خير" على وزن "عمل خير" فأدخلت تاء التأنيث على "قول" فصارت "قولة" لأسباب تتعلق بالعرف اللغوي.
هذا، ومن السياقات التي تؤنث فيها كلمة "نص" قولهم: قزازة (زجاجة) نصية. وهذا مؤشر على أن تأنيث كلمة "نص" أمر مألوف في العرف السوداني اللغوي.
ولما كان ذلك فإن كل حديث الأستاذ هاشم والذي بذل فيه جهدا مقدرأ عن اللام الشمسية وظاهرة التماثل في محاولته التدليل على أن التاء في "نصت نهار" منقلبة عن ألف لام التعريف، حديث في غير محلهirrelevant .
النقطة الثانية التي أود أن أقف عندها في مقال هاشم، كلمة "المركز" الواردة في العنوان، إلى ماذا تشير؟ هل تشير إلى العاصمة المثلثة مثلا؟ أم إلى أي بقعة جغرافية؟ وهل نعتبر كردفان ودارفور مركزا إذا علمنا أن عبارة "نصت نهار" تجرى على ألسنة القبائل الناطقة بالعربية هنالك؟
لقد لفت نظري ان كثيرا من الدارسين يجهلون الأطلس اللغوي للهجة السودانية العربية وتصوراتهم عنه يغذيها التوهم والتنميط المخل غاية الإخلال.

https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 9%91%D8%A7
*
هاشم محمد صالح
مشاركات: 29
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:25 pm

مشاركة بواسطة هاشم محمد صالح »

شكراً شقليني على إيراد تعقيب الأستاذ عجب الفيا. وشكراً أيضاً على الوجه (المُتضامن).
فيما يلي تعقيبي على تعقيب الفيا:

استسهال الكتابة: في المنهج "القطع رأسي"

في عجلة بينّة ولأسباب ربما لا تخفى على المتابعين لنقدي لحفرياته، كتب الأستاذ عبد المنعم عجب الفيا في سودانايل بتاريخ 15 يوليو 2017، معقِّباً على تحليلي لتعبير (نُصّت نِهار):
"وردا على الأستاذ هاشم فيما ذهب إليه نقول إن المسألة أيسر مما يظن وهي أن التاء في عبارة: "نصت نهار" للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف.
لكن الأستاذ هاشم انطلق من فرضية خاطئة فانتهى إلى نتيجة خاطئة. وذلك أنه افترض أن المضاف إليه في العربية لا يأتي إلا معرفا بأل، بدليل أن كل الأمثلة التي أوردها في مقاله للمضاف إليه جاءت معرفة بألف لام التعريف حيث جاء:" باب البيت، دكان الحلة، عين الشمس، صوت الصفارة، نص الليل". وفات عليه إدارك أن المضاف إليه في العربية لا يأتي معرفا بأل وحسب بل يأتي أيضا نكرة بدون ألف لام التعريف. مثال ذلك: قلم حبر، كتاب تاريخ، ديوان شعر، كوز ماء، كباية شاي إلخ"..
ولكنّي، وفي صدر مقالي المُشار إليه، أوردت في سياق الحديث عن المضاف والمضاف إليه ما يلي:
"ففي مثل هذا التركيب في العربية عموماً- كما نلاحظ أعلاه- نضيف الإسم الأول (المملوك) للثاني (المالك) أو ندمجهما معاً. ويجيء الإسم الأول نكرة بينما نُلحق بالثاني أداة التعريف (ألف لام)، إذا كان المُشار إليه معلوماً (5)"
مما يعني أنّه- و"الحمد لله" من قبل ومن بعد- لا يفوت عليّ أن تركيب المضاف والمضاف إليه يُمكن أن يكون نكرة كما يمكن أن يكون معلوماً. بل إنّ الرقم (5) في نهاية المقتطف يقود إلى حاشية أعطيت فيها أمثلة للتركيب النكرة بقولي:
" أي أن هذا المركّب معرفة. أمثلة على المركّب النكرة: غرفة نوم، كرسي قماش، لمبة جاز". (1)
أمّا تعرّضي السريع والهامشي للنكرة، فيأتي من أنّ النكرة لا يستوجب ولا يحفز إعمال (قاعدة إعادة التشطير المقطعي) لافتقاره لـ (ألف لام التعريف)، وتحليلي يعتمد على اشتغالها في دفع (النون)- وهي ألف لام التعريف "المتماثلة"- للتعاضد في التشطير مع (الصاد) الأخيرة في (نُصْصـَ)، لتصبح (نُصْصـَن) كمرحلة وسيطة، توصلنا إلى (نُصْصـَت).
ولقد اقترح عليّ بعض الأصدقاء في (الفيس بوك) اعتبار (تاء) (نُصّت) تاءاً للتأنيث، وهي مما يخطر على البال للوهلة الأولى. لكن هذا الإحتمال لا يجيب على سؤال أين ذهبت (ألف لام) التعريف. فتعبير (نُصّت نِهار) يوازي تعبير (نص الليل)، من حيث أنّه معرفة (2) إذ يشير كلاهما إلى وقت معلوم من اليوم. وإذا كانت التاء لتأنيث (نص)، لوجب أن يكون هناك تعبير (* نصّة النهار) (3)، والواضح أنّه لا وجود له. إضافة إلى أنّه ينشأ سؤال آخر عن لماذا تتأنّث (نص) مع (نهار) ولا نجد أثراً لتأنيثها في أيّ تعبير آخر. أمّا (نصّية) التي أوردها الأستاذ الفيا، فتعبير مُختلف تماماً؛ فهي اسم (وصِفَة) مشتق للنسبة، ناتج عن (نصّ) زائداً ياء النسبة المُؤنّثة، كأن تقول (سودانيّة) نسبة (للسودان)، ويجيء التأنيث أو عدمه بقتضى الموصوف، فإن كان مذكّراً لجاءت على (سودانيّ). فليس هناك دليل على تأنيث (نص)- وهي هنا اسم- على سبيل الإطلاق.
وإنّه لمن خطل التحليل اللساني أن تأتي بالأمثلة خبط عشواء. فما علاقة (قولة خير) بما نحن بصدده؟ فلفظة (قولة) المُؤنّثة موجودة في عاميّات السودان كتعبير عن ما يُسمّى في نحو الفُصحى بـ (اسم المرّة)، مثلها في ذلك مثل (قدلة) و(ومرقة) و (دخلة) وهي مُؤنّثة لأن الصيغة (في الميزان الصرفي) التي تأتي عليها مُؤنّثة في ذات نفسها. وبالتالي فهي ليست مثالاً- كما قال الأستاذ الفيا - لأنّنا: "في اللهجة السودانية العربية [.. ] نحيل[.. ] المضاف إليه المذكر إلى مؤنث حال إضافته إلى نكرة."(4) وقوله هذا، إضافة إلى تعميماته من شاكلة: "جرى العرف اللغوي السوداني" و "أمر مألوف في العرف السوداني اللغوي" فقطع ناشف من الرأس لا يقوم على تحليل أو دليل. والشاهد في الأمر أن الأستاذ عجب الفيا لا يتبع منهجاً في التحليل يعتمد على القرائن والقواعد والإستشهادات والأدلّة ويعمد إلى إطلاق القول على عواهنه.
كذلك فإن التحليل اللساني لظاهرة لغوية يعمد إلى افتراض تفسيرات حسب القواعد المعيّنة المعروفة في اللغة أو اللهجة المعيّنة وقد تخطر للمحلل هذِه أو تلك من القواعد ويتمّ ترجيحها وامتحانها حسب وقائع الظاهرة موضع النظر فيستبعد هذِه ويُثبت تلك. ومن ذلك ما فعل الصديق عبد اللطيف الفكي؛ فقد اقترح بداية أن تكون التاء للوقاية، ثم نظر في حالة التنكير، ثمّ عدل عن ذلك كلّه قبولاً بالشواهد التي تنقضها، ومازال ينظر في الأمر. ومن ذلك أيضاً أنّني أيضاً أمّنت على ملاحظته بأن (النون) لا تنقلب إلى (تاء) بالمماثلة في حالات مشابهة مثل (نُصَن نيل) و) بَصَّنْ نَقِل). وعدم اضطراد القاعدة مما يُضعف التحليل أو يضع أمامه أسئلة تتطلّب المزيد من النظر الفاحص والتقصّي. وقد بدا لي مقبولاً أيضاً المثال الذي أورده الأستاذ الفيا "ماشي وين في نص النهار الحار دا" وتدوينه صوتياً [نُصَّن نِهارَل حار]، خاصة وأن بعض المجاوبين على استبياني في (الفيس بوك) وتصل نسبتهم إلى 14%، أصرّوا على أنّ تلك طريقة نطقهم لهذا التعبير. هناك إذاً حالات معارضة (counter examples) لقاعدة التماثل الإستقدامي التي اعتمدت عليها في تحليلي ينبغي اعتبارها. تبقى إذاً لدينا حالتان: 1- الحالة التي عالجتها في تحليلي، وفيها تتحوّل (النون) بالتماثل الإستقدامي إلى تاء) كما في [نُصَّت نِهار] في مقابل [نُصّل ليل] 2- والحالة الثانية حيث تبقى (النون) كما هي، كما في [نُصَّن نِهار]
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا هذا التباين(variation) وهل هو تباين حُرّ لا يحكمه سياق (free variation) أم أنّه محكوم بسياقات تنتظر الكشف عنها(in complementary distribution) ، وهل في هذا إشارة إلى أنّ هذِه الظاهرة تعبير عن حالة إنتقالية من حالات التغيير اللغوي. وكلّ هذا ما يبقى قيد النظر.

وفيما يتعلّق بنقطة الأستاذ عجب الفيا الثانية الواردة في آخر المقال عن تسميتي (عاميّة المركز)، فأجيبه بأنّي أعني ما يطلق عليه البعض (عاميّة أم درمان)، وآخرون (عاميّة الخرطوم). وقد ظنّنت أنّها أوفق نسبة لشقاق نشب بين المعسكرين في أيهما الأصح، نسبة لأنّها تتفادى التحيّز (المديني)، كما أنّها تأخذ في الإعتبار أن طابع هذِه اللهجة حضري إجتماعي ويتمّ فيها تحييد الخصائص (الإثنية) و(المحليّة) و(الإقليميّة) التي في اللهجات الأخرى عن طريق الـ (Dialect Leveling). و(المركز) تصوّر أو مفهوم إجتماعي لا جغرافي يُضفي على هذِه اللهجة سمة كونها لهجة الشرائح الإجتماعية ذات القوة والحظوة، والتي يمتد نفوذها إلى كافة المراكز الحضرية على امتداد القطر. وكنت قد حددتها لأنّها اللهجة التي أتحدثها، وقد بدأت بحثي من اكتشافي أنّي أقول (نُصّت نِهار)، ثمّ استطلعت آخرين للتأكد من عموميتها. ومن بديهيات التحليل اللساني للظواهر الصوتية أو الصرفية أو النحوية تحديد اللهجة أو النوعية اللغوية التي توجد ضمنها. فلم أكن إذاً بصدد رسم أطلس جغرافي للظاهرة، ولم أقل باقتصارها على عامية المركز دون غيرها.
أمّا قول الأستاذ عجب الفيا:
" لقد لفت نظري ان كثيرا من الدارسين يجهلون الأطلس اللغوي للهجة السودانية العربية وتصوراتهم عنه يغذيها التوهم والتنميط المخل غاية الإخلال." فأترك التعليق عليه لفطنة القارئ.
--------------------------

(1) وهذا ما أخذته على حفريات الأستاذ عجب الفيا: العجلة، والأخذ بالظاهر، ثمّ إصدار الأحكام القطعية من دون بيّنات.
(2) وعلى الفيا أن يعيد قراءة الحاشية رقم (2) حول الإستبيان في المقال. فالمجاوبون عليه كانوا يعلمون أنّ المطلوب هو التعبير (المعرفة) المقابل للتعبير الإنجليزي (in the middle of the day) والموازي للتعبير (المعرفة) في العاميّة (نُصّ الليل).
(3) تُستخدم النجمة (*) في التحليلات اللسانية للإشارة إلى أن التعبير مُخالف للنحو أو لا وجود له في اللهجة أو اللغة موضع الدراسة.
(4) فما رأي الأستاذ الفيا في (قولة الحق) و (نومة الليل) و (نومة العَصُر)؛ فالإضافة هنا إلى معرفة وليست إلى نكرة، ومع ذلك تأنّث المُضاف. وعبارة الفيا فيها خطأ غير مقصود؛ فهو يعني المُضاف.
(5) الـ (variation) كأن يكون للكلمة أو الأداة (أو الصوت) شكلان. ويكون (free variation) حين تكون للمتكلّم حريّة اختيار أيٍّ من الشكلين دون التقيُّد بسياق معيّن: مثل قولنا أحياناً (أيوه) وأخرى (آآي) (وأنا غير مُتأكّد من صحة المثال، مجرّد خاطرة). ويكون (in complementary distribution) مثلما في حالة أداة التعريف: فلها شكلان؛ (ألف لام) عندما تسبق حرف (قمري)، و(ألف + حرف شمسي) عندما تسبق حرف (شمسي). بمعنى أنّه حيث تظهر إحداهما لا تظهر الأخرى، بسبب السياق المُقيِّد.
أضف رد جديد