جارتنا فاطمة بت شيخ أحمد

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حامد بشرى
مشاركات: 137
اشترك في: الخميس يوليو 23, 2009 2:21 am

جارتنا فاطمة بت شيخ أحمد

مشاركة بواسطة حامد بشرى »




فاطمة أحمد أبراهيم رقم يصعب تجاوزه علي مستوي الحركة النسائية السودانية وعلي صعيد السياسة السودانية وحتي علي مستوي حزبها الشيوعي السوداني . شيدت وخلفت أرثاً في مسيرة نهضة المرأة السودانية يصعب التراجع عنه رغم أنف الحكومات والديكتاتوريات . تدرجت فاطمة في مطالبتها بالمساواه في الحقوق المدنية والسياسية وأستطاعت أن تحقق نجاحات باهرة لا تزال المرأه في كثير من الدول الصناعية تصبو اليها ، علي سبيل المثال الأجر المتساوي للعمل المتساوي والأجازه المدفوعة الأجر لفترة تمتد لعامين أثناء فترة الحمل والرضاعة أضافة الي مساهماتها الغير محدودة في قانون الأحوال الشخصية وتحديد سن الزواج بالنسبة للفتيات بأن لا تقل أعمارهن عن ثمانية عشر عاماً . تحققت هذه الأنجازات رغم السجون والمطارده والأعتقال التحفظي . ترملت فاطمة وعمرها حوالي 32 عاماً بعد أستشهاد زوجها علي يد دكتاتور أرعن في يوليو 1971 . هذا، علاوة علي مصائب الدهر الأخري التي تكالبت عليها لاحقاً حيث فقدت أخوتها مرتضي وصلاح والرشيد أضافة الي التومة ونفيسه . لم تثنها كل هذه الأحداث الجسام والابتلاءات العظام عن المضي قدماً في تحقيق حلمها الأسطوري في الدعوة والعمل علي مساواة المرأة بالرجل في مجتمع ذكوري شرقي . نجحت فاطمة ورصيفاتها في أتحادهن النسائي بأن تساهم المرأة في أتخاذ أخطر القرارات حينما تم أنتخابها لتكون أول أمرأة في الشرق الأوسط وأفريقيا تشارك الرجل جنباً الي جنب في الجمعية التأسيسية ( البرلمان) في عام 1965 بعد ثورة أكتوبر. تبع ذلك الفوزأنتخابها لعضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني مُشاركةً بذلك علي أعلي المستويات في أتخاذ القرار السياسي داخل حزبها مما جعل الحزب يفاخر بأنه أول حزب في المنطقة يمارس عملياً المساواة في أعلي قمة الهرم الحزبي في قطر كانت ولازالت غالبية نسائه يعانين من الأمية . شكل أنتخاب فاطمة في البرلمان صفعة في وجه الطائفية التي كانت تتحكم في أدارة شئون البلاد وجاء رداً من الشعب السوداني ليعبرعن شغفه بالديمقراطية والمساواة بين المرأة والرجل كأداة فعالة في محاربة الجهل والتخلف ( البيان بالعمل ) . هذه الريادة في الحياة السياسية لحزبها أسهمت في جعلها أيقونة في العمل العام . كان ينظر لأنتخاب المرأة في عضوية اللجنة المركزية لحزبها الذي كان له شرف المبادرة والسبق ، في ذلك الزمان بعين الريبة وعدم الأستحسان من كافة الأحزاب الأخري علي الرغم من أن تمثيل المرأة في كافة مستويات أتخاذ القرار ، يصب في المجري العام للديمقراطية . الشكر والعرفان لفاطمة أذ أن مشاركة المرأة أصبحت اليوم منهجاً تسير عليه الأحزاب السياسية السودانية حتي أن بعضها شكلت أمانات داخل لجانه المركزية لمعالجة قضايا المرأة . يرجع الفضل في ذلك لفاطمة التي ضربت مثالاً مُشرفاً يحتذي به داخل حزبها الذي أولاها ثقته أولاً . لقد شمل فضل مشاركتها في العمل العام كل النساء السودانيات حتي اولئك الذين يكنن عداءً تاريخياً لحزبها ويقفون علي الجانب الآخر من الرصيف. لقد فتحت لهن فاطمة الأبواب التي كانت موصودة أمامهن لحقب طويلة.

علي الرغم من هذه الطفره في نشاط المرأة ودخول فاطمة لعالم السياسة منذ أكثر من ستين عاماً الأ أن الحزب الحاكم ما زال يمارس أعنف صور الأضطهاد ضد المرأة من أعتقالٍ وتعذيبٍ واغتصابٍ .أن القمع والقهر الذي تعرضت له المرأة من هذا النظام لم تذقه حتي علي أيام المُستعمِر. برغم الحزن الذي أصابنا بفقداننا لقامة الأ أنني لم أتمالك نفسي من الضحك سخريةً حينما نما الي علمي أن من مارس تعذيب وأهانة المرأة حد الجلد بالسياط وحلق شعر الرأس سعي أن يشارك في تشيع إمرأة وهبت كل عمرها لمناصرة قضايا المرأة وحقوقها.

بكل فخر يحق لنا جميعا رجالاً ونساءً أن نحتفي بأنجازات هذه القامة التي أوصلتنا الي مصاف العالميه كما أوصلنا له من قبل اديبنا الطيب صالح والدكتورعبدالله الطيب وفناننا التشكيلي أبراهيم الصلحي أمد الله في أيامه وزوج فقيدتنا الشهيد الشفيع أحمد الشيخ حينما تم أنتخابه نائباً لرئيس أتحاد العمال العالمي . أحتفل العالم بفاطمة وبإنجازتها فأنتخبها في عام 1991 رئيسة للأتحاد النسائي الديمقراطي العالمي وقد كانت تلك أول مرة تنتخب فيها امرأة عربية أفريقية مسلمة ومن العالم الثالث. وفي عام 1993 منحت الأمم المتحدة جائزة حقوق الأنسان للأتحاد النسائي السوداني الذي ترأسته فاطمة في فترة من فترات حياتها . وهذه الجائزة عادة يتم اختيار مستحقيها بواسطة لجنة مكونة من رؤساء الجمعية العامة للأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة أحوال المرأة واللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. هذا ما ورد من تعريف لهذه الجائزة بصفحة وكيبيديا . وفي عام 1996 منحتها جامعة كلفورنيا الدكتوراه الفخرية تقديراً لجهودها في الإعلان والدفاع عن قضايا حقوق الأنسان ومكافحة أستغلال الأطفال . وفي عام 2006 تم تكريمها ببرلين بمنحها جائزة أبن رشد للفكر الحر لدورها الرائد في الحقل السياسي وكفاحها المستمر من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية . واخيراً قرر أتحاد طلاب جامعة ليفربول البريطانية ضمها للمرشحين لاطلاق أسمها كأحد " عظماء الجامعة " علي القاعة الرئيسية وكتب موقع الجامعة الأليكتروني في التعريف عنها ، " كاتبة سودانية وناشطة كرست حياتها دفاعاً عن حقوق المرأة والتغيير الاجتماعي وحرية التعبير لأكثر من 60 عاما، فضلاً عن أنها أول امرأة سودانية تدخل البرلمان".

لقد نجحت فاطمة في مشروعها التنويري مستخدمة ( صوت المرأة + الأتحاد النسائي + الحزب الشيوعي) وجعلت منهم أدوات لتحريرالرجل والمرأة علي السواء . أقتنعت المؤسسة الرجالية براجحة الفكرة وأسهمت في ذلك بالوقوف مع المرأة ضد تعدد الزوجات ومحاربة العادات الضارة وأصبحت تساند خروج المرأة للعمل وشجعت الزوجه والأخت بالخروج للعمل العام كل ذلك في وقت كانت فيه أجهزة القمع اللاهوتي والأتهام بالكفر والإلحاد مسلطة علي الرؤوس. كانت فاطمة تمثل "روزا لكمسبيرج" بنكهة سودانية .

كانت فاطمة إمرأة من غمار الناس هي منا ونحن منها . تتواجد حيثما يكون المواطن ، في البقالة وفي الجزارة وفي الصيدلية وفي كشك الجرائد وفي محطات الوقود ، وفي الأفراح والأتراح وعند معاودة المرضي . يحيها المارة وساكني الحي بكلمتين ( أزيك يا استاذه ) ومن هنا يبدأ مدخلها في التعبئه والحراك ضد سلطة الديكتاتوريات بفضح السياسه الأقتصادية الرعناء التي تكوي الوطن قبل المواطن . كانت قفة الخضار والحريات أدواتها للعمل السياسي العام وكانت تشكل بمفردها جهاز أعلامي خطر ضد ديكتاتورية نميري تعمل لها أجهزة أمنه الف حساب . كان وجودها في أي مجمع كافياً لأن يحرك مظاهرة ضد النظام الديكتاتوري القمعي. علي أيام حكم الطاغية نميري وقبل أكتشاف البترول بالسودان كانت طوابير العربات تقف أيام وليالي في أنتظار حصة البترول ، يترك المواطنون أعمالهم ومعايشهم ويسهرون في سيارتهم حتي مطلع الفجرعلي أمل أن يأتي الوقود في أي لحظة لكي يأخذوا حصتهم الأسبوعية التي كانت تكفي بالكاد . تقع واحدة من محطات الوقود علي بعد خطوات من منزل آل أحمد أبراهيم . أثارة هذه الحالة المؤلمة والمسيئة للمواطنين حفيظة فاطمة التي أستفادت من هذا التجمع ليصير في أكثر من مرة بداية للتظاهر . في ذلك الزمان تيمناً بشجاعتها وجسارتها أطلقت الأمهات والآباء أسم فاطمة علي مولوداتهن .

فاطمة تُجاورنا في حي العباسية الذي يدين معظم ساكنوه بالولاء لطائفة الأنصارغير أنهم كانوا يكنون لها أحتراماً منقطع النظير لشجاعتها وجرأتها وسلامة منطقها وحلو معشرها وأستقامة مسلكها وتمسكها بتعاليم دينها الحنيف وهذا ليس بغريب عليها وهي أبنت الشيخ أحمد الذي تعلمت علي يديه أمهاتنا. في هذا الحي الشعبي سكنت فاطمة في منزل متواضع كبقية المنازل المرصوصة علي هذا الشارع تم بناؤه في القرن الماضي علي يد والدها شيخ أحمد . رحلت من الدنيا الي دار الخلود ولم تمتلك منزلاً حالها كحال معظم الشيوعيين في تلك الديار . ومن المفارقات أن سيده أخري تسكن في نفس هذا الشارع في منزل يختلف عن كل منازل الحي . فرقها الوحيد عن الآخرين أنها عضوة المؤتمر الوطني الحاكم . لهذا لم يكن مستغرباً أن تتصدر خطابات التشييع بالهتاف " فاطمة دغرية ديل الحرامية" .

حينما نفذت الجبهة الأسلامية القومية أنقلابها في يوليو من عام 1989 كانت فاطمة خارج السودان حيث حضرت مهرجان الشباب والطلاب العالمي الثالث عشر الذي أنعقد بكوريا الشمالية . وفي طريقها للسودان بعد أنتهاء الأحتفالية توقف الوفد بموسكو . طلب مني (الرفاق ) السوفيت أن أنقل رغبتهم لفاطمة في أن تبقي بموسكو كلاجئة سياسية نسبة للظروف التي يمر بها السودان . رفضت فاطمة الأقتراح بعد أن شكرتهم وكأنها كانت تقرأ المستقبل . التقيت فاطمة كثيراً الأ أنه لم يتسن لي قط سوي مره واحده أن أشاركها أجتماعاً وكان ذلك خارج القطر . لقد حالت البروقراطية الحزبيه وظروف السرية بكل أسفٍ دون الأستفاده من معارفها حتي للأقربين . ذكر لي محدثي علي أيام الطلبة وعند حضورها الي موسكو طلبت من المكتب الحزبي أن يدعو الي أجتماع يضم كل العضوية الأ أن طلبها قُوبل بالرفض بحجة أنها لا تحمل تفويضاً مكتوباً ولم يتم أخطار المكتب بذلك قبل حضورها . أراءها الشجاعة في مواقف كثيرة لم تجد الأستجابة والقبول داخل الحزب .

كلما التقيها تستفسر عن حال والدتي وتسألني (زينب كيفنها ) وكيف البنات ؟ آخر لقاء لي معها كان بالمغرب حينما كانت في زياره للمهندسة ماجدة أبنت شقيقتها نفيسة . عزائي لابنها أحمد وشقيقها الهادي ولبنات أخوتها التومة ونفيسه ولأهلها آل المازون ولعبدالحفيظ وعبداللطيف والدكتور محمود الشيخ (الربع) وطارق الشيخ وماضي وكل الأسرة الكريمه . العزاء لنساء العباسية ولفرع الأتحاد النسائي ولفرع الحزب الشيوعي بالعباسية وللأمة السودانية قاطبة. اللهم أرحمها بقدر ما قدمت لهذا الوطن من تضحية ونكران ذات في سبيل تقدمه لكي تعيش نسائه في ظروف أفضل وأكثر أنسانية.

حامد بشري
29 أغسطس 2017
أتوا / كندا



أضف رد جديد