اَلْبَدِيْلُ اَلْمُقْتَرَح لِاقْتِلَاْعِ اَلْمُتَأسْلِمِيْن

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

اَلْبَدِيْلُ اَلْمُقْتَرَح لِاقْتِلَاْعِ اَلْمُتَأسْلِمِيْن

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-295033.htm

*

الْبَدِيْلُ اَلْمُقْتَرَح لِاقْتِلَاْعِ اَلْمُتَأسْلِمِيْن وَإِدَاْرَةِ اَلْسُّوْدَاْن ..! - د. فيصل عوض حسن

أوضحتُ في مقالي السابق المُعَنْوَن (أَوْلَوِيَّاْتُ اَلْتَغْيِيْرِ اَلْمَنْشُوْدِ فِيْ اَلْسُّوْدَاْنْ)، أنَّ نجاح التغيير في السُّودان، مرهونٌ بتجاوُز جميع الكيانات السُّودانيَّة القائمة (مدنيَّة/مُسلَّحة)، لافتقادها الفكر (الاستراتيجي) وللقيادات (النموذجيَّة) القادرة على تحديد الأهداف وكيفيَّة بلوغها، وتركيز غالبيَّتهم على مصالحهم الماليَّة والسُلْطَوِيَّة! وسأتناول في مقالتي هذه، البديل المُقترح لقيادة عمليَّة التغيير، وإدارة السُّودان عقب اقتلاع المُتأسلمين.
وفق المُعطيات الماثلة، فإنَّ الشباب السُّوداني (المُستقِل) هو البديلُ الأمثل لقيادة التغيير في السُّودان.. شبابٌ يعملُ فقط لأجل البلد (الأرض والشعب) واستقرارها ونهضتها، دون وصاية الانتهازيين الموصوفين بقادة ورموز مُتكَلِّسة وعاجزة عن تقديم ما يُفيد البلاد والعباد! ويأتي تعويلي على الشباب، لأنَّهم أكثر (صِدْقاً) ومرونةً في التعاطي مع المُستجدَّات العصريَّة ومُتغيَّراتها، وارتفاع طاقاتهم وإبداعاتهم وطموحاتهم، وعدم التقوقُع/الجمود في الماضي (المُحَرَّف) في كثيرٍ من تفصيلاته! بخلاف ذلك، فإنَّ الشباب، خاصَّةً المُؤهَّلين أكاديمياً ومهنياً، يُعتبرون محور ارتكاز التنمية بكافة صورها ومجالاتها، ومن ذلك تحقيق التغيير المنشود وإنجاح العمل السياسي. ولكي ما ينجح شبابنا، فهم بحاجةٍ مَاسَّةٍ لمرجعيَّةٍ يتَّفقون عليها، تُنسِّق أعمالهم وتُديرُ شؤونهم وتدعم تحقيق أهدافهم، في ظل التحدِّيات الخطيرة التي تُواجه السُّودان حالياً، وتحديداً مُشكلتي الولاءِ والجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة، بعدما رَسَّخَ المُتأسلمون لثقافة التشرذُم ونَيْلِ (الثروة/السلطة) بالقُوَّة، وتوزيعِ المناصبِ الدستوريَّةِ (اتحاديَّة/ولائيَّة) تبعاً لمعياري السلاح والجَهَوِيَّة، مما زاد الهوَّة بين أبناء الوطن، واستدامة المُتأسلمين وخياناتهم على نحو ما نراه الآن!

وكمرجعيةٍ للعمل الشبابي، أُجَدِّد دعوتي السابقة بتشكيل مجلس قومي من كل أقاليم السُّودان، وفق التقسيم الإداري التالي: دارفور، كردفان، الشرقي، الأوسط، النيل الأبيض، النيل الأزرق، الشماليَّة والخرطوم، وبمُعدَّل شابَّينِ اثنين/للإقليم (16 عُضواً)، يختارهم أبناءُ الإقليم المعني بأعمارٍ تتراوح بين 20-45، بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو أنواعهم (ذكور/أُناث)، وبما يضمن تمثيل كل السُّودانيين في الحكم. ويُمكن لأبناء كل إقليم، التواصُل مع نظرائهم بالأقاليم الأخرى، سواء بالأحياء السكنيَّة أو الجامعات، أو ذوي التخصُّص/المجال الواحد، لإنضاج الفكرة واختيار مُمَثِّلي الأقاليم المُختلفة. ويأتي على رأس مهام هذا المجلس، اقتلاع المُتأسلمين بأسرع وقت وتحديد الطرق/الأساليب المُناسبة والفعَّالة لتحقيق ذلك، وإدارة السُّودان (بعد التغيير) لفترةٍ انتقاليةٍ لا تقل عن خمس سنوات، يُمكن بعدها إعادة انتخاب أعضاء المجلس وتجديد الثقة فيهم، أو اختيار آخرين بحسب رغبة أبناء الإقليم المعني.

بالنسبة لتشكيلة حكومة ما بعد التغيير، يُشكِّل مجلس الشباب المُقترح لِجَاناً من الأكاديميين (المُستقلِّين) بمُختلف المجالات (3 خُبراء/للجنة)، ويُمكن للمجلس الاستعانة ببيت خبرةٍ عالمي في الهيكلة المُؤسَّسيَّة، ليضعوا/يُحدِّدوا شروط ومُوهِّلات المناصب الوزاريَّة المعنيَّة، وفقاً للكفاءة والتخصُّص فقط (المُؤهِّلات العلميَّة والخبرات العمليَّة)، بعيداً عن عوامل الفُرْقَةِ/الشتات كالميول الحِزبيَّة أو الديانة أو النوع أو الإقليم وغيرها. ثُمَّ يتم ترشيح ثلاثة أسماء (بالتسلسل) لكل وزارة، وتبريرات اختيارهم ليختار المجلس أحدهم، مع دمج/ضغط الوزارات بالإبقاء فقط على الوُكلاءِ، وإلغاء بقيَّة المناصب كوزير الدولة وأمين عام الوزارة وغيرها تقليلاً للإنفاق. وكمثال، يُمكن دمج وزارات الزراعة والري ووزارة الثروة الحيوانية ووزارة البيئة في وزارةٍ واحدة هي وزارة الزراعة والبيئة، مع إنشاء إدارات مُتخصِّصة (الإدارة العامَّة للزراعة، الإدارة العامَّة للثروة الحيوانية، الإدارة العامَّة للثروة السمكية ... إلخ)، وكذلك دمج وزارات النفط والمعادن والكهرباء في وزارةٍ واحدة هي الطاقة والتعدين، واتباع نفس الآلية في بقيَّة الوزارات. وهذا أيضاً بالنسبة للأقاليم، نكتفي فقط بحاكم الإقليم دون وزراء، واستبدالهم بإداراتٍ عامَّة، كالإدارة العامَّة للشئون المالية (بدلاً عن وزير المالية) والإدارة العامَّة لشئون الزراعة وهكذا، وتعمل هذه الإدارات تحت إشراف حاكم الإقليم، ولكن وفقاً لمُوجِّهات الوزارة الاتحاديَّة المعنية.

هذه الآلية كإطارٍ عام قابلة للإثراء، وربَّما تكون مُقترح عملي (واقعي) للخروج من أزمة إدارة الدولة التي صنعها المُتأسلمون، ثم البناء عليها وتطويرها باستمرار بما يدعم نهضة السُّودان وتسييره، ويُمكن البدء فيها منذ الإعلان عن تشكيل مجلس الشباب القومي. وهي إجراءاتٌ تضمن من جهة تقليل الإنفاق العام، ومن جهةٍ ثانية نَزَاهة وحُرِّيَّة اختيار أبناء السُّودان لمُمثِّليهم بأنفسهم، ويُمكن إشراك الشيوخ والقيادات الأهليَّة في اختيار مُمثِّلي المجلس القومي، إذا رأى أهل الإقليم المعني ذلك. ومن جهةٍ ثالثة، سيُشرف المجلس الشبابي، على كافة مراحل إعداد الدستور الدائم للسُّودان، وإجراء أي انتخابات تجري بعد ذلك وفقاً لهذه المُعطيات، وذلك بالتنسيق مع الحكومة المُقترحة ومن يرونه من الوطنيين المُستقلِّين. وهذا المقترح، سيُساهم أيضاً في إنهاء إشكاليَّة التهميش، عبر وجود تمثيل دائم لكل إقليم في المجلس الشبابي، والذين يُمكن استبدالهم بآخرين مُستقبلاً حسب رغبة أهل الإقليم المعني، ووفق اللوائح التي سيعتمدها المجلس في اختيار أعضائه، وفترات التجديد لهم وغيرها من الإجراءات التنظيميَّة. وبالنسبة لنظام الحكم (فيدرالي/مركزي/لامركزي)، يتم الاحتكام لمبادئ الإدارة العلميَّة الرَّصينة، حيث يتم اختيار النظام الإداري وفقاً لتوفُّر مُقوِّماته وعوامل نجاحه (إداريَّة، اقتصاديَّة/ماليَّة، ثقافيَّة/معرفيَّة، اجتماعيَّة وسياسيَّة)، بعيداً عن الارتجال و(دَغْدَغَة) مشاعر البُسَطاء. وبعبارةٍ أُخرى (مَدْ الرِجِلْ قَدْرَ اللِّحَافْ)، وهو ما تتَّبِعْهُ جميع الدول المُتقدمة وتستند إليه الإدارة العصريَّة.
بصفةٍ عامة، تعتمد فكرة مجلس الشباب، على اختيار قيادات (شبابيَّة) من كل أقاليم السُّودان، تتمتَّع بالوعي والقبول والاحترام، ليُشرفوا على إحداث التغيير وتشكيل حكومة انتقاليَّة، مُؤهَّلة وقادرة على تسيير الدولة والنهوض بها، استناداً للإرادة الشعبيَّة الحقيقيَّة والرُّوح الوطنيَّة الصادقة والتأهيل العلمي اللازم. ويأتي هذا الطرح بعدما عَجَزت جميع كياناتنا المدنيَّة والمُسلَّحة و(نُخَبِهَا) عن إنقاذ ما تبقَّى من السُّودان وأهله، ولم يعد لديهم ما يُقدِّموه رغم الفرص العديدة التي وجدوها وأهدروها. ففي الوقت الذي يبيع فيه البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة أراضينا، ويُهدرون مُقدَّراتنا التي لن تتوقَّف على سواكن، أو بورتسودان التي ستلحق بها بعد أُسبوع من الآن، يُنادي المُغامرون وتُجَّار النضال بخوض انتخابات 2020، ويصفوها بأنَّها أحد أشكال (المُقاومة)، ثُمَّ (يعجزون) في الاتفاق على قائمة مُرشَّحي نقابة واحدة هي نقابة المحامين، والتي (سَقطوا) فيها كما كان مُتوقَّعاً، لأنَّهم لا يُعْمِلون (الفكر الاستراتيجي)، وطموحاتهم قاصرة ولم تَرْتَقِ لإزالة المُتأسلمين، (المُسبِّب) الرئيسي لكل أزماتنا الحاليَّة والقادمة، ولا يتعلَّمون من الدروس والعِبَر ولن يتعلَّموا. ومن مظاهر عجزهم/فشلهم أيضاً، مُناداة بعضهم بإخضاع السُّودان للوصاية الدوليَّة، وهناك الأكثر (انحطاطاً) الذي شارك المُتأسلمين إجرامهم، وأَقْبَلَ (ذليلاً) على فِتات موائدهم المسمومة صعوداً على جماجمنا..!
لقد آن الأوان ليأخذ الشباب فرصته كاملةً لإدارة وتسيير السُّودان، ولا أتمنَّى أن أرى جيلاً رَّابع يُدمِّره المُتأسلمون، كما حَطَّموا آمال وأحلام ثلاثة أجيالٍ مُتتاليةٍ من شبابنا، أخذاً في الاعتبار حقيقتين هَامَّتين، أُولاهما أنَّ العصبيَّة والجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة الماثلة الآن، صنعها المُتأسلمون وتَاجَرَ بها المُغامرون تحقيقاً لأهدافهم ومطامعهم الماليَّة والسُلطَوِيَّة، ولننظر للمُتأسلمين و(قادة) الكيانات (مُسلَّحة/مدنيَّة) وأُسرهم، سنجدهم يحيون جميعاً في (دَعَّةٍ) وأمان، ونحن وحدنا (كشعبٍ) دفعنا الثمن تشريداً وتجويعاً واعتقالاً وقتلاً واغتصاب، وسندفعه أكثر ما لم نُطِحْ بهم عاجلاً غير آجل! والحقيقة الثانية، تتمثَّل في خطورة تقسيم السُّودان تحت أي مُسمَّى، لأنَّها ستقود لتلاشي وتذويب ما تبقَّى من البلاد وأهلها تماماً. وبعبارةٍ أُخرى، إنَّ انفصال أي جُزءٍ من البلاد سيكون مصيره فشل ذلك الجُزء وبقيَّة الأجزاء، وزوال السُّودان بكامله كنتيجةٍ نهائية، مما يُحتِّم توحُّد جميع السُّودانيين لإنقاذ ما تبقَّى من بلادنا، وتهيئة عوامل النهضة والاستقرار لأجيالنا القادمة.

إنَّنا في عصر العلم والتخصُّصيَّة، بعدما انتهت عهود (الوصاية) والجمود، وكثيرٌ من الدول يقودها شبابها، وأثبتوا قُدرتهم على إدارة ونهضة أوطانهم، كفرنسا ورئيسها الشاب، الذي شَكَّلَ حِزبه وفاز بحكم إحدى أكثر الدول تَقَدُّماً وتَحضُّراً وعَراقَة، في أقل من ثلاث سنوات، وهناك رئيس وزراء كندا وطاقمه الشبابي وغيرهم الكثيرين. وأنتم يا شبابنا السُّوداني – رغم الظروف غير المُواتية التي تحيونها – تفوقون نظرائكم بالدول المُشار إليها مهارةً، قياساً بنضالاتكم الوطنيَّة ومواقفكم البطوليَّة والإنسانيَّة، وتضحياتكم المشهودة بأرواحكم ومُستقبلكم وثباتكم وصدقكم، الذي يفتقده الكثيرون من الموصوفين بقادة ورموز.
فليثق شبابنا في قُدراته وذاته، وليبتعدوا عن المُتكلِّسين والمُنبطحين، ولا ينتظروا دعماً من المُجتمع الدولي الطَّامع في مُقدَّراتنا والداعم الرئيسي للقَتَلَة وسافِكِي الدماء، وليتَّحدوا ويستفيدوا من وسائل التواصُل الحديثة، في تعزيز وتنسيق الجهود لاقتلاع المُتأسلمين والمتآمرين والمُتراخين معهم. فلتتحرَّكوا بأسرع ما يُمكن لإنجاح الثورة الحقيقيَّة، وبالطبع ستجدون وطنيين لن يبخلوا عليكم بالمشورة لإنضاج مسيرتكم الميمونة.. وللحديث بقيَّة.

[email protected]

*

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-294718.htm


المقال الأول :

أَوْلَوِيَّاْتُ اَلْتَغْيِيْرِ اَلْمَنْشُوْدِ فِيْ اَلْسُّوْدَاْنْ ..! - د. فيصل عوض حسن


في الوقت الذي تَتَخَبَّطُ فيه ما يُسمَّى المُعارضة وتحالُفاتها، ويفشلون في الاتفاق على أبسط الأمور كالقائمة الانتخابيَّة لنقابة المُحاميين، يتَسَارَع إيقاعُ المُتأسلمين التدميري وأزماتهم المصنوعة بكافة مناحي حياتنا، بدءاً بإشعال الفِتَن الجَهَوِيَّة وتسليح المليشيات والقبائل، وإفقار وتجهيل وتشريد وتجويع الشعب، مروراً ببيع أراضينا ومُقدَّراتنا والامتناع عن تسديد أقساط القروض، التي نالوها باسم السُّودان وأحالوها لمصالحهم الشخصيَّة، انتهاءً بتشجيع الآخرين لاحتلال أراضينا، والسَعي (بدعمٍ دولي وإقليمي سافر) لتمزيق ما تَبقَّى من بلادنا.

تَوقَّعنا – كشعبٍ سُّوداني – قيام كياناتنا ونُخَبِنَا السُّودانيَّة بأدوارهم الأصيلة، وقيادة التغيير المُفضي لإزالة البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة، ومُحاسبتهم ومُحاكمتهم على جرائمهم المُتراكمة والمُمتدَّة، وإعادة بناء وتأهيل السُّودان على أُسُسٍ علميَّةٍ وعمليَّةٍ سليمة، إلا أنَّ غالبيَّة الموصوفين بـ(قادة/رموز) والنُخَب التَّابعة لهم، آثروا (الانبطاح) للمُتأسلمين وسادتهم الخارجيين، و(التآمُرِ) معهم ضد السُّودان أرضاً وشعب، وبعضهم (يتخَبَّط) يُمنةً ويُسرى، ولم تتجاوز إسهاماته بيانات الشجب والتضامُن، التي لا تُسمِن ولا تُغني من جوع! ويُمكن القول، بأنَّ غالبيَّة السُّودانيين (فَقَدوا) ثقتهم بما يُسمَّى مُعارضة وقادتها، وتَرَسَّخَت قناعاتهم بحتميَّة (تَجَاوُزهم)، بعدما فشلوا في تطوير ذاتهم، ناهيك عن إنقاذ البلاد والعباد من براثن المُتأسلمين!

والواقع، أنَّ المُعارضة السُّودانيَّة، عموماً، لا تملك (رُؤى) ناضجة لإحداث التغيير وإدارة السُّودان لما بعده، رغم ازدحام كياناتها بذوي المُؤهلات/الدرجات الأكاديميَّة العُليا، ويغلُب الارتجال على مُمارسات تلك الكيانات، ولا تعرف الفكر والعمل (الاستراتيجي)، كتقييم الماضي وقراءة وتحليل الحاضر، داخلياً (نقاط القُوَّة والضعف) وخارجياً (الفرص والمُهدِّدات)، وتحديد الأهداف المُستقبليَّة وكيفيَّة تحقيقها. وبعبارةٍ أُخرى، فإنَّ مُمارساتنا السياسيَّة بعيدةٌ تماماً عن مبادئ الإدارة العلميَّة الرَّصينة، إذ لا يعمل الساسة على (بلورة) غاياتهم لواقع، وإنَّما (ينتظرون/يأملون) تحقُّقها، أو ما يُعرف بالتواكُل، وهو حديثٌ ينطبق على الجميع دون استثناء. والأسوأ من ذلك، عدم التمييز بين الوطن (الأرض والشعب)، وبين الحزب/الكيان الذي ينتمي إليه الفرد/السياسي، والخلط المُخل والـ(كارثي) بين كلٍ منها، حيث يحتل الوطن مُؤخرة اهتمامات الجميع، وهو ما يؤكد الاعتقاد بأنَّ العمل/الصراع السياسي السُّوداني، يستهدف المنافع السُلْطَوِيَّة والماليَّة بالدرجة الأولى! أمَّا بقاء الدولة وتطوُّرها واستقرار أهلها، فلا يحتل مكاناً لدى الساسة والكيانات المُختلفة، ويتجلَّى ذلك بوضوح في سيادة الـ(ولاء) خصماً على (الكفاءة)، والضجيج الأجوف بدلاً عن الحلول الموضوعيَّة (العَمَليَّة).

ومن التحدِّيات التي تُواجه كياناتنا أيضاً، غياب القيادات (النموذجيَّة)، القادرة على (تحديد) الأهداف/الآمال وترتيبها، واختيار الوسائل/الأدوات المُلائمة لبلوغها وفق الموارد المُتاحة، وتقدير وتحليل المُستجدَّات والمتغيِّرات الدَّاخليَّة والخارجيَّة واستشراف المُستقبل. فالقيادة السياسيَّة، وإنْ بَدَتْ فرديَّة، لكن جوهرها الأصيل يعني فرد ونُخبة وقادة فرعيين وجماعة/مُواليين، يعملون في إطارٍ من القيم المعرفيَّة والأخلاقيَّة، لإدارة وتسيير العمل في الكيان/الحزب المعني، وبما يخدم المصلحة الوطنيَّة الكُلِّيَّة في المُحصَّلة. وتبرز هذه الإشكالية بصورةٍ أكثر وضوحاً، في عدم مُراجعة الموصوفين برموز/قيادات سياسيَّة وتقديسهم، بغض النظر عن الكيان/الحزب المعني، واتجاهاته الفكريَّة (ماركسيَّة، رأسماليَّة، طائفيَّة، قوميَّة، إسْلَامَوِيَّة)، وعلى كافة المُستويات (عُليا، وُسطى/قطاعيَّة)، رغم الفشل الذي اعترى غالبيتهم، واستنفاذ كل ما لدى بعضهم وعجزهم، وتجاوُزهم لقواعد ومُوجهات أفكارهم التي يُنادون بها، وعدم مُراعاتهم للعُمر واختلاف الأجيال، وفجوة الأفكار وأسلوب الحياة.

وهناك أيضاً، الصراعات حول المناصب داخل الحزب/الكيان المعني وخارجه، وتغليب الخاص على العام، وسيادة الديكتاتوريَّة والانفراد باتخاذ القرار، ودوران الكيان المعني حول شخصيَّة الهرم/الزعيم، الذي يستحوذ على كل الصلاحيات، دون رُؤيةٍ موضوعيَّةٍ لترقية وتطوير حزبه/كيانه أو مُؤيِّديه، وبالتالي دولته وشعبه وحماية مصالحهم ومُقدَّراتهم. وفي كثيرٍ من الأحوال، إنْ لم نقُل جميعها، يرفض الزُعماء/الرموز عمليَّة الإحلال والتجديد، اللازمة/الضروريَّة لاستمرار الحزب/الكيان المعني، ويُعرقلون ترقية الأفراد والقيادات بمُختلف المُستويات، ولا يعقدون اللقاءات/المُؤتمرات التنظيميَّة للتقييم والتقويم، والتخطيط للمُستقبل في ضوء المُعطيات والنتائج المُتحقَّقة، وهو ما قُلناه أعلاه في شأن الإدارة العلمية، والتي بدونها لا يُمكن تحقيق أي تقدُّم، في عالمٍ بات لا يُقر بغير العلم وتطبيقاته في العمل، مما أسفر عن اختلالاتٍ كبيرة، أفْضَت لانقسام عددٍ من القُوَّى السياسيَّة المدنيَّة والمُسلَّحة، وفشلها في أداء أدوارها الأصيلة وفي مُقدِّمتها إحداث التغيير المنشود!

إنَّ حاجتنا الماسَّة و(الحتميَّة) للتغيير في السُّودان واقتلاع المُتأسلمين، وإيقاف إجرامهم المُتزايد والمُتراكم ومُحاسبتهم ومُحاكمتهم، تحتاج بالضرورة لتجديد الفلسفات السائدة والطَّاغية على مُمارساتنا السياسيَّة، وتعزيز مبدأ المنافع العامَّة، بما يتماشى مع المُتغيرات والمُستجدَّات المُعاصرة، والاستفادة من التنوُّع الذي يتمتَّع به السُّودان، وتشجيع تبادُل المنافع التي يُتيحها هذا التنوُّع وإكمال بعضنا البعض، واستلهام الدروس من التجارُب المُعاصرة كالاتحاد الأوروبي الذي اتَّحد تبعاً لمبدأ تبادُل المنافع، بدلاً من الفُرقة والشتات والانعزالية والاحتراب، وهو مطلبٌ يُمكن تحقيقه في إطار استراتيجية رصينة مع المُتابعة والتقييم والتقويم. ونحتاج كذلك، لتشجيع مبدأ العلميَّة والتجارُب الفعليَّة والعقلانيَّة في التفكير، بدلاً من الاعتماد على أمزجة وأفكار الآخرين المنقولة من الخارج، والتي أضَرَّت بالسُّودان ومسيرته السياسيَّة كثيراً، مع تغيير التفكير النمطي السائد في المُجتمع، والتركيز على ما يُمكن تحقيقه، وفق المُعطيات المُتاحة (ماليَّة، ثقافيَّة، اجتماعيَّة ونفسيَّة...إلخ). والأهم من هذا وذاك، نحن مُطالبون بتعظيم الشأن القومي (أي تراب البلد) على ما دونه من جوانبٍ أُخرى، كالاتجاهات الحزبيَّة والولاءات الضيقة التي تعلوا على البلد، ليكن هدفنا الأوَّل والأهم هو السُّودان والمُحافظة على استقراره وتطويره، وتلافي المُمارسات المُرتكزة على الفرديَّة، وتعزيز روح الجماعة والفريق الواحد أو الشعب.

هذه الأولويات اللازمة لإحداث التغيير المنشود، يصعُب تحقيقها في ظل كياناتنا السُّودانيَّة القائمة، وقياداتها/رموزها المُتكلِّسة التي تُعيق جهود التغيير الحقيقيَّة، لتقاطع هذه الغايات مع الأطماع والمرامي الشخصيَّة والعائليَّة لتلك الرموز، ولعجزهم وفشلهم في طرح وتطويع الفكر الاستراتيجي الرصين لخدمة الشأن العام، وهو ما نحتاجه بشدَّة لإصلاح البلاد وإعادة بنائها، وإحداث المُواءمة بين البدائل الاستراتيجيَّة ومُفاضلتها، مع المُتابعة والتقييم والتقويم الدائم. وبعبارةٍ أُخرى، علينا الإسراع بتهيئة وتكوين مرجعيَّة نَتَّفق عليها، لتحل مكان كياناتنا الهُلاميَّة والفاشلة الماثلة، وتُشرف على تشكيل (رُؤية) استراتيجيَّة رصينة، لإحداث التغيير وتحديد ملامح إدارة السُّودان، على أن يجري إنضاج وترصين هذه (الجهة المرجعيَّة) لاحقاً، عقب نجاح التغيير، لتقوم برعاية حركة الفكر الاستراتيجي، وتقاريره ودراساته التحليليَّة والاستشرافيَّة، وإعداد وتجهيز السياسات والبرامج الواقعيَّة، الداعمة لإعادة بناء السُّودان وحمايته واستدامة تطوُّره، ومُواكبة للمُتغيرات والمُستجدَّات الداخليَّة والخارجيَّة. فالبناء الاستراتيجي الذي يحتاجه سُّوداننا الحالي، عقب التدمير الإسْلَامَوِي الماثل، يجب أن يشمل نظامنا الحياتي بالكامل، بدءاً بالإنسان وترقية وعيه في كافة الأصعدة.

الوقت لم يعد في صالحنا أبداً ولا مجال للتلكُّؤ والتسويف، بعدما ثَبُتَ لنا تماماً بأنَّ بقاء البشير وعصابته، سيقود لضياع ما تَبقَّى من السُّودان وهَلَاكُ أهله، وأصبح بمقدورنا التمييز واختيار الجانب الصحيح بموضوعيةٍ وتدبُّر، ودون وصايةٍ من أحد، فإمَّا ثورةٌ حقيقية نصنعها ونرعاها نحن السُّودانيُّون للخلاص والانعتاق، وهذا خيارٌ يتطلَّب قدراً عالياً من الحكمة والإرادة، واستعداداً كبيراً للتضحية لبلوغ الحرية المنشودة، أو البقاءُ في استكانتنا انتظاراً لحتفنا المحتوم على أيدي المُتأسلمين، لصالح سادتهم المُغامرين والطَّامعين الخارجيين، ولابد لنا من اختيار أحد المسارين دون رماديَّة.. وللحديث بقيَّة في مقالنا القادم، عن البديل المُقترح وآلية عمله، ومُتطلَّبات ومُقوِّمات النجاح والتطوير والاستدامة.

[email protected]
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

قرأ الواحد منا الكثير من المقالات والمقترحات ، ولم يوفق في تناول جرعة بتلك الدسامة .
وهي مقدرة رائعة توفرت لأحدهم هو دكتور فيصل .
أضف رد جديد