اكتشف السودانيون امريكا قبل كلومبس-د. محمد وقيع الله.

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
الخير محمد حسين
مشاركات: 469
اشترك في: الجمعة أكتوبر 06, 2006 2:15 am

اكتشف السودانيون امريكا قبل كلومبس-د. محمد وقيع الله.

مشاركة بواسطة الخير محمد حسين »

وثائق ومقالات ذات صلة بكتاب اللغة النوبية والحضارات القديمة

اكتشف السودانيون أميركا قبل كولمبس؟
آثارهم تملأ الرحب من هندوراس إلى نيفادا!
الحلقة الأخيرة

د. محمد وقيع الله [email protected]
تحدثنا في الحلقة الماضية عن عظمة ملك الحكام النوبيين السودانيين الذين حكموا مصر، وشكّلوا ما عرف في التاريخ بحكم الأسرة الخامسة والعشرين، الذين امتد حكمهم من حدود أثيوبيا الحالية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. وقلنا إن الفينيقيين رمقوا حكم النوبيين لمصر بإعجاب شديد، وإن علاقات التحالف والتعاون التجاري قد توثّقت بين الطرفين، وتطوّرت إلى الدخول في مجال الاستكشاف الجغرافي. ولكن تناول بعض المؤرخين هذه المسألة بشكل مغلوط إذ ظنوا أن النو بيين كانوا مجرّد أتباع للفينيقيين، ونحب أن نبدأ بتجلية هذا الإشكال.
من سيِّد من؟

إن أول من أشار إلى وجود رابطة ما بين النوبيين والفينيقيين، وبين الكشوف الأثرية التي أنجزت في أميركا في عام 1938م ونشرت أخبارها وصورها وتحليلاتها، كانت هي البروفيسور كونستانس إيروين Constance lrwin وذلك في كتاب لها صدر في عام 1963م، وقد أحيت البروفيسور إيرون البحث في تلك المسألة بعد أن تمادى علماء الآثار في تجاهل تلك الرؤوس الأثرية، لأن دلالاتها تعارضت بشكل صريح صاعق مع المستخلصات التي استنتجوها من الكشوف الأثرية السابقة، وبنوا عليها مقدّمات التاريخ الأميركي القديم، وهي مستخلصات تنفي أي وجود أو مأثرة للسود في حقب ذلك التاريخ الطويل.
وقد أكدت البروفيسور إيروين في كتابها ذاك أن البيض الذين وجدت آثارهم بتلك المنطقة كانوا من الفينيقيين، لأنهم اعتمروا الخوذات التي اشتهر بها الفينيقيون، وذلك فضلاً عن أن حضارة الفينيقيين كانت نشطة في ذلك التاريخ بالذات، ولكن فشلت البروفيسور ايروبن فشلا ذريعاً في تفسير موضوع قدوم النوبيين السود مع الفينيقيين آنذاك، ولجأت إلى الافتراض المبتذل بأن النوبيين ما كانوا إلا عبيداً للفينيقيين. وكان ذلك مجرّد اجتهاد أو تخمين قاصر، لأن المصادر التاريخية التي استندت إليها لم تذكر ولو لمرة واحدة أن السود كانوا عبيداً للفينيقيين أو لغيرهم، بل إن السود لم يكونوا مستعبدين إلا في أطوار التاريخ التالية، وكلمة العبد نفسها Slave تدلنا على أن أول الأعراق التي كانت مادة للاسترقاق، في ذلك الزمان بالذات، هو العرق الأبيض من السلافيين.
وتغاضت البروفيسور إيروين في كتابها عن ذكر حقيقة مصادمة لافتراضها باسترقاق الفينيقيين النوبيين، وهي حقيقة أن الفينيقيين أنفسهم كانوا خاضعين في تلك الحقبة لحكم الأشوريين، وأنهم كانوا آنها يدفعون الجزية صاغرين لحكمهم، فكيف يكونوا مستعبَدين ومستعبِِدين في الوقت نفسه، بل كيف يمكن أن يستعبدوا قوماً كنوبيي السودان الأشاوس الذين أصبحوا حكام مصر وساداتها منذ أن فتحها بعانخي وأسس فيها مملكته وجعل الفينيقيين مجرّد أدلاء وحماة لسفنه وبضائعه؟!
وقد انتبه الباحث العبقري إيفان فان سيرتيما في وقت لاحق إلى ما يزين خوذات النوبيين السود التي وجدت بنواحي خليج المكسيك، حيث تزينها نقوش تشير إلى أنواع وأحجام الأتاوات والضرائب التي حصلوا عليها من الآخرين، مما يدل على أنهم كانوا ملوكاً وقادة محاربين تدين وتخضع لهم الأعناق، وما كانوا يدينيون ولا يخضعون لأحد من الناس كائناً من كان.

أهرامات النوبيين بخليج المكسيك:

ثم تضافرت قرائن أخرى على وصول النوبيين إلى تلك الناحية من خليج المكسيك، وهذه القرائن تتصل بنوع الأهرامات المدرَّجة غير متساوية الأحجار التي وجدت هناك، وهو نوع من الأهرامات لم يوجد هنالك قبل فترة الإتصال المشار إليها آنفاً بما بين عامي 800 و680 ق.م.
وقد اكتشفت تلك الاهرامات أول ما اكتشفت في ناحية لافنتا



أي نفس المنطقة التي اكتشفت فيها رؤوس السود والقاعدة التي عليها النقوش، ثم اكتشفت لاحقاً اهرامات أخرى شبيهة بها في عاصمة المكسيك الحالية، وفي شمال جمهورية بيرو. وقد لاحظ العلماء الأثريون وجود تشابه معماري شديد بينها وبين الاهرامات المصرية. كما لاحظوا أن مصمميها راعوا في التصميم، اتجاهات الشمس، وحركة النجوم، كما هو الشأن في الاهرامات المصرية. وإنها أُحيطت مثلها بفناء خارجي، وذكروا أيضاً وجود تشابه في المهام الدينية التي كانت تؤدى بتلك الاهرامات والاهرامات المصرية. (وقد ذكر هذا الأمر الباحث الأثري بيتر تومكنـز في كتابه عن أسرار الأهرامات العظيمة.
Peter Tompkins , Secrets of the Great Pyramids

شهادة الأستاذ الفرد دي بري:

وهنالك شهادة قديمة قيّمة لا يمكن تجاهلها، بخصوص موضوع أهرامات النوبيين بخليج المكسيك، أفضى بها أحد العلماء الأوربيين، وكان قد عمل بمصر وشاهد أهراماتها، ثم قدّر له أن يرى أهرامات خليج المكسيك، وقد أوردت شهادته قبل أكثر من ثمانين عاماً مجلة (الزهراء) التي كان يصدرها السيد المجاهد الإسلامي الكبير محبُّ الدين الخطيب، رحمه الله، وفيها يقول: «المستر الفرد دي بري، المدرس الآن بمدرسة بني سويف الأميرية، ذو خبرة واسعة بأحوال أميركا الوسطى، لأنه جاب بقاعاً عظيمة منها بوظيفة مستشار نباتي للرئيس دياز، وهو يقول إنه رأى أثناء سياحاته أن وجه الشبه عظيم جداً بين المدنية القديمة في أواسط أميركا وبين المدنية المصرية، وفي اعتقاده أن أول مكتشف للقارة الأميركية من أهل القارات الأخرى إنما كان رجلاً مصرياً، ويخيّل إليه أن قارباً مصرياً خرج من سواحل مصر قبل بضعة ألوف من السنين فجرفه التيار حتى بلغ شواطئ أميركا الوسطى، كما قذف الموج سنة 1500م سفينة كابرال البرتغالي أثناء قيامه برحلة إلى الهند، فرمته العواصف على شواطئ البرازيل على غير قصد منه، وبذا استولى البرتغاليون على مستعمرة فخمة.

ويؤكد الأستاذ دي بري أن التشابه المشاهد الآن في أميركا الوسطى بين آثار حضارتها القديمة وبين حضارة الفراعنة في مصر، لا بد أن يكون نتيجة حادث قديم وقع قبل آلاف من السنين لسفينة مصرية طوّحت بها الأقدار فألقتها في تلك الديار، وقام ركابها بوظيفة الأساتذة لسكان البلاد التي آوتهم وأنقذتهم من براثن الأمواج، وأن سكان أميركا الوسطى ما برحوا يقومون منذ عهد طويل بحفلات يخلّدون بها ذكرى ذلك المعلِّم المجهول». (مجلة (الزهراء) القاهرة، بتاريخ أول ذي الحجة 1345هـ). وقد كان من الممكن أن ينسب فضل ذلك المعلِّم المجهول إلى المصريين، لولا أن االكشوف الأثرية دلت على وجوه قوم سود، أتوا في تلك الفترة إلى تلك الناحية بالذات، وأولئك أحرى أن يكونوا من السودانيين الذين حكموا مصر إذاك.!

نقد هذه القرائن الفرضية:

هذه القرائن الفرضية التي ساقها هؤلاء العلماء، لم يسلم رغم وجاهتها من النقد، فقد أشار بعض علماء الآثار إلى أن بناء الاهرامات كان قد توقّف في مصر منذ نهاية عام 1600 ق.م، ولذلك يصعب القول بأن اهرامات المكسيك التي بنيت في وقت متأخر كثيراً عن ذلك التاريخ قد تأثرت بنمط بناء الاهرامات المصرية. وقد ذكر أصحاب هذا الرأي أن وجوه الشبه الملحوظة ما بين اهرامات المكسيك ومصر يمكن أن يرد إلى مؤثر غير مباشر، وتصوروا أن يكون هذا المؤثر مصدراً آخر تأثر بنمط بناء الاهرامات المصرية، أو تأثر به نمط بناء الاهرامات المصرية.
ولكن هذا النقد يقوي في الواقع من فرضية تأثر النمط الذي بنيت به اهرامات المكسيك بنمط بناء اهرامات فراعنة النوبيين. وهو ما تتجه لإثباته آخر حفريات الآثار النوبية حيث أشار أكثر من عالم إلى اعتقاده بأن الاهرامات المصرية إنما تأثرت بالاهرامات السودانية في الأساس، وأن التصور القديم الذي يشير إلى أن الحضارة المروية إنما هي فرع أو امتداد للحضارة المصرية يحتاج إلى إعادة نظر وفق نتائج آخر الحفريات.

ومن ناحية أخرى فلقد ثبت بما لم يدع مجالاً للشك أن فراعنة النوبيين بنوا آخر الاهرامات وكرسوها لعبادة الشمس، كما أعادوا بناء وإصلاح عدد من الاهرامات التي ران عليها الفساد وطرأ عليها البلى، لاسيما في عهدي يعانخي، وتهراقا حيث قام الأول بإعادة بناء معبد الموت، الذي توالى على تشييده كل من تحتمس الثالث والرابع، وزاد عليه رمسيس الثاني بعض الإضافات.
) راجع ما ورد بشأن ذلك في كتاب آركويل عن تاريخ السودان A.J. Arokell , A History of sudun , university of London press , London , 1955 p. 124.).
وقد جاء تهراقا ليشيد صفاً من الأعمدة الصلدة في معبد الكرنك، وأحد تلك الأعمدة لا يزال ناهضاً في مكانه حتى الآن. وقد قام تهراقا أيضاً بإعادة حفر مرتكز السقف لصفوف الأعمدة في معبد آمون رع في جبل البركل، ولا يشبه تلك الأعمدة المصفوفة بذلك النمط إلا مرتكز صفوف تلك الأعمدة التي لا تزال شاخصة للعيان من مخلفات الآثار الأميركية التي يعود تاريخها إلى فترة قيام حكم الأسرة الخامسة والعشرين السودانية لمصر.

ويلحق بشأن الأهرامات من ناحيتها الشكلية أمر آخر مهم يتعلّق بناحيتها الوظيفية، إذ أنها بنيت أيضاً لحفظ جثث الموتى من عظماء القوم. والمعروف تاريخياً أن فن التحنيط اكتشف أولاً في أفريقيا السوداء ثم تطوّر ووصل إلى مستوى راق جداً في مصر الفرعونية، وقد انتقل ذلك الفن إلى نواحي المكسيك، حيث بانَ جلياً أن طريقة التحنيط كانت واحدة حيث تتم إزالة أحشاء الميت، ثم يحشى جسده بمادة الراتنج الحمضية. وقد وجدت بالمكسيك مومياءات نصبت على وضع أفقي، أي مثلما كان يفعل النوبيون بموتاهم، وعليها أغطية تكسو الرأس شبيهة بما كان النوبيون يغطون به رؤوس موتاهم.
واكتشفت في الحفريات المكسيكية بعض الأجساد المحنطة التي تنتمي إلى العرق الأسود والفينيقي، مما ينمُّ على أن القوم كانت لهم صولات وجولات في إطار حضارة الاوليمك، لأن الشخص الذي يحظى جسده بالتحنيط لا بد أن يكون ملكاً أو أميراً أو قائداً دينياً، كما لوحظ على ملابس بلاط المكسيك شيوع اللون البنفسجي فيها، وهو اللون الذي كان شائعاً في البلاط الفرعوني النوبي، ولعله يعود إلى تقديس النوبيين للنيل ولونه. ورغم أن طريقة حياكة القطن كانت مختلفة عن طريقة الحياكة لدى النوبيين وسكان وادي النيل عموماً، لكن أكثر الأشياء التي ظهرت في نواحي بيرو، كانت على شبه وثيق على ما كان يبدو في (طِيبة) العاصمة المقدّسة للفراعنة السود، وقد انتقل فن التحنيط بعد ذلك من نواحي المكسيك ليصل إلى مناطق كولمبيا وبيرو، كما استخدمته قبائل الهنود الحمر الذين كانوا يقطنون نواحي نيفادا، وفرجينيا، وكارولينا الشمالية، والجنوبية، وفلوريدا، والساحل الشمالي الغربي، وأميركا الوسطى..

حديد البجراوية في بيرو:

ويمثل انتقال الحديد الذي كان يستخرج ويصنّع في منطقة البجراوية إلى نواحي بيرو، قرينة أخرى تقوي افتراض وصول النوبيين السودانيين إلى تلك الأصقاع، كما تمثّل دلالة كبرى على تفوّق السودانيين على المستوى التاريخي (العالمي). وهذا أمر لا يزال السود الأميركيون الحاليون يفخرون به. ففي بعض لحظات المنافحة والمصاولة اللفظية مع البيض، يجنح السود الأميركيون إلى الافتخار بأنهم انتقلوا إلى أميركا من قارة كانت متقدّمة عليها، وكانت رائدة للعالم أجمع في الصناعة وفي اكتشاف وتصنيع الحديد.

وفي الواقع فإنهم لا يعنون بتلك المقولة إلا بلاد السودان الحالية، ولا يعنون بها بوجه التحديد إلا دولة مروي القديمة، وعاصمتها البجراوية، التي تقع شمال مدينة كبوشية، وشرق قرية كلي، حيث تأكد تاريخياً أنها أول حاضرة عالمية استخرجت معدن الحديد واستغلته في صناعة الأسلحة خاصة، وكان هو العامل الذي يجلب النصر لهم في حروبهم، هذا ولا تزال بقايا ذلك الحديد مترامية حول تلك المنطقة حتى الآن. وقد نما إلى علم الفينيقيين أن المرويين قد برعوا في تلك الصناعة فجاءوا إليهم لتسويقها عالمياً ونقلوه بسفنهم الضخمة إلى حواضر العالم التي أتيح لهم أن ينفذوا إليها.

وعن طريق تلك الرحلات التجارية وصل حديد البجراوية إلى نواحي بيرو، حيث لم يثبت تاريخياً أن أهالي بيرو كانوا على معرفة بطرق استخراجه وتعدينه، ولا كان يوجد بكثرة في أرضهم، والأمر الذي يرجّح أنهم قد استوردوه من السودان، أن طريقتهم في صبه وتشكيله كانت هي عين طريقة وصب وتشكيل الحديد بدولة مروي القديمة. وقد ذكر المؤرخون أن استخدامات الحديد كانت محدودة في بيرو، حيث انحصر استخدامه تقريباً في اتمام عمليات دفن الموتى، وذلك على خلاف ما كان عليه الأمر بدولة مروي، حيث استخدم الحديد في صناعة الأسلحة، وكثير من أدوات الاستعمال المنزلي، وهذا مما ينسجم مع ما ورد سابقاً من أن أهل تلك النواحي الأميركية، كانوا يقتبسون من أهل مروي كل ما له علاقة بالطقوس ودفن الموتى، ويقصرون عن ملاحقتهم في نواحي الرقي التقني والحضاري بشكل عام..

خاتمة:
وبهذا القول نصل إلى خاتمة هذا المقال الذي اختصرناه من دراسة أوسع نحن بصدد إكمالها، بإذن الله. وقد أوردنا في هذا المقال أهم المعلومات والقرائن التي تشير إلى وصول السودانيين إلى أميركا قبل كولومبس، وذلك في العهد الذي كانت أوربا تعيش فيه في الظلام الدامس، بينما كانت الحضارة السودانية تعيش في أوج الألق والإشعاع. إن الكثير من المعلومات التي احتواها المقال قد تبدو مدهشة للقارئ العادي، ولكن على هذا القارئ ألا يسارع إلى رفض هذه المعلومات لمجرّد أنه لم يسمع بها من قبل، كما نرجو ألا يستبعد أحد إمكانية وصول أبناء الحضارة السودانية القديمة إلى تلك الأقاصي السحيقة، بدعوى أن القدرات التقنية التي احتازوها كانت أقل مما يتطلّب هذا السفر المضني الطويل، فهذا استبعاد ورفض متسرّع، لا يلقي بالاً إلى بعض أسرار التاريخ القديم، التي تحتاج إلى مزيد درس وتفسير، فلقد شهدت عهود الماضي البعيد أنماطاً شتى من العجائب المعجبة، التي ربما يستبعد حدوثها المرء الآن، لولا أن أكدتها الأدلة القواطع.

فقد ثبت -مثلاً- أن الناس كانوا قبل آلاف السنين، في بلاد لا تزال متخلّفة مثل بيرو، يجرون عمليات معقّدة في جراحة المخ، وقد كانت تلك العمليات تنجح في نحو (50%) من الحالات، بينما لم تكن تنجح أكثر من (25%) من الحالات التي أجريت في بريطانيا في القرن التاسع عشر! وثبت أن الناس كانوا يستخدمون الكهرباء في العراق القديمة قبل آلاف السنين! وثبت أن أهل مصر كانوا قادرين، بوسائل لم تعرف حتى الآن على وجه التحديد، على رفع الصخور الضخمة التي يزن الواحد منها مائتي طن إلى ارتفاعات شاهقة عند بناء الأهرام! كما ثبت أن أبناء حضارات قديمة أخرى بذلوا محاولات جادة في استكشاف الفضاء والمحاولة للوصول إلى الكواكب البعيدة! وثبت أن الصينيين القدماء قد تمكنوا من استخدم البارود، وعرفوا أن تعريض رمح للبارود المشتعل، كفيل بقذفه إلى مسافة ألفي ياردة، وتلكم هي بعينها فكرة الصواريخ وسفن الفضاء، التي صممتها وبرعت في تصميمها وتنفيذها الحضارة الغربية المعاصرة!

إن هذه كلها معلومات موثّقة تدل على قدرات ضخمة كانت مشهودة في تقنيات الحضارات الإنسانية القديمة، وهي معلومات ينبغي أن نتسلّح بها لننقي أذهاننا من فكرة الرفض الاعتباطي اليسير الفطير - اللا علمي- للفرضية التي تتحدّث عن تمكّن أبناء الحضارة السودانية من تسخير السفن الضخمة وامتطاء ظهورها لقطع المحيط الأطلسي والوصول بها إلى الغرب الأميركي.

وبعد ذلك نقول إن هذه المسألة لا تزال حتى الآن في طور الفرضية محل الاختبار، وقد جرت بصدد اختبارها أبحاث وتحيلات جادة عديدة. لعل أقدمها وأقواها في الوقت نفسه هي أبحاث وتحليلات البروفسور ليو وارنر صاحب كتاب ( Africa and the Discovery of America) الذي تحدثنا عنه في مطلع المقال، وهو الكتاب الذي يتتبع أصول الكلمات النوبية في لغات الهنود الحمر، ويراقب تطوّر تلك الكلمات، وانتقالها إلى لغات الشعوب التي احتكت بالهنود الحمر، بما في ذلك الفاتحون الأوربيون، ولكن لا يستطيع كل قارئ أن يجاري البروفيسور واينر في مباحثه الصعبة، التي تتناول شؤون لغات عديدة في الوقت نفسه، فهذا ما لا يتهيأ إلا لمن تعلموا (أجرومية) تلك اللغات، وعرفوا مفرداتها، وطرائق كتابتها، ومهروا في فقه اللغة المقارن، وهؤلاء -إن وجدوا- ربما لا تكون لهم الرغبة في تتبع مسألة وصول السودانيين إلى أميركا قبل كولومبس، وقد لا تبدو هذه الفكرة مهمة في نظر الكثيرين منهم!
ولكن يكفي أن العلاّمة ليو واينر قد فتح مجال البحث الجاد في هذا الأمر لعلماء المباحث التاريخية الأثرية والأنثروبولجية، من أمثال البروفيسور سيرتيما، وما على من أراد من القراء أن يتعرّف على القرائن الأشد وثوقاً إلا أن يطلع على كتابين لسيرتيما أولهما: They Came Before Columbus: the African Presence in Ancient America
والآخر يحمل عنوان:

The Black Egypt
وهي قرائن كثيرة قوية، يعضد بعضها بعضاً، وكلها تشير إلى وصول السودانيين إلى أميركا في ذلك العهد البعيد.
ومع اتجاه تلك القرائن لترجيح صحة فرضية وصول السودانيين إلى أميركا قبل كولومبس، فإنه لا توجد دلائل ولا قرائن مضادة تناهض هذه القرائن الإيجابية أو تبطلها، فهذه القرائن تصلح بالتالي مادة واعدة للبحث المتعمّق، وتحفّز العلماء المهتمين لبذل مزيد من الجهد لتقصي الموضوع من أطراف أخرى.

هذا وإذا كان مناسباً أن نرفق خاتمة المقال بتوصية إلى أولي الشأن في بلادنا السودان، فنقول يا حبذا أن يكون لعلمائنا الباحثين السودانيين - لا سيما الشباب منهم- بعض اهتمام واسهام في هذا الموضوع العلمي الكبير، ويا حبذا أن تقوم جهة علمية لها وزنها، كمعهد حضارة السودان، أو قسم الآثار بجامعة الخرطوم، أو أي جامعة أخرى، بدعوة البروفيسور سيرتيما ورفاقه من الأساتذة الغربيين الذين أسهموا في هذا المجال لزيارة السودان، لإلقاء المحاضرات التي تحتوي على نتائج أبحاثهم في المجامع والملتقيات العلمية السودانية، عسى أن يؤدي ذلك إلى إكساب العلماء الغربيين المنخرطين في تحقيق هذا الأمر، معلومات جديدة تنير بصائرهم، وتدفع بهم إلى استكشافات من نواح أخرى، تدعم الفرضيات التي صاغوها بهذا الخصوص.. والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

#اللغة_النوبية_الخير_ابنعوف
أي أحمق يمكن أن يعقد الأمور ، ولكن تبسيطها يحتاج إلى عبقري.
أضف رد جديد