الصادق المهدي والرجم بالكلمات/ د.محمد محمود

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

الصادق المهدي والرجم بالكلمات/ د.محمد محمود

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

الصادق المهدي والرجم بالكلمات
محمد محمود

1
كتب السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام طائفة الأنصار (الصادق صاعدا) بتاريخ 26 سبتمبر 2018 مقالة بعنوان "قضية الآنسة وئام شوقي" تستحقّ في تقديرنا وقفة تأمل ومراجعة للموقف الذي تطرحه. ولابد من التأكيد بداية أننا مع اختلافنا الفكري والسياسي مع الصادق إلا أننا لا زلنا من ناحية نعتبره رئيس وزرائنا الشرعي، ونقدّر من ناحية أخرى مساهماته التي لم تنقطع في الكتابة عن الشأن السوداني والشأن العالمي. والاختلاف الفكري أو السياسي مع الصادق يجب ألا يعمي أي شخص عن وزنه في الساحة السودانية والساحة الخارجية.
والصادق المهدي له ثلاث شخصيات متداخلة ومتشابكة وهي شخصية المثقف والسياسي ورجل الدين (بهذا الترتيب الذي يعكس مسيرته). وعندما ننظر لحركة الأنصار في سياقها التاريخي الكبير الذي ينتظم الجد الأول والجد الثاني والحفيد فإننا نجد أن الديني والسياسي متّحدان في حالة محمد أحمد المهدي بمعنى أنه أمسك بالزعامتين في يده (متمثّلا النموذج النبوي)، وأن الديني والسياسي انفصلا في حالة عبد الرحمن المهدي بمعنى أنه أمسك بالزعامة الدينية إلا أنه ترك الزعامة السياسية لسياسيين من طبقة الخريجين، ولكن الديني والسياسي ما لبثا أن عادا ليتركّزا في يد الحفيد.
وعندما نقرأ مقالة الصادق فإننا نجدها تعبّر عنه كزعيم ديني وسياسي (بهذا الترتيب). وإطار المقالة إطار ذو غلاف ديني تقليدي إذ تستهلّه البسملة وتختمه عبارة "والله ولي التوفيق". وفي الحيّز القصير للمقالة يذكر الصادق عشر ظواهر ينتظمها خيط قضية الشباب وأزمته الراهنة وهي: التنصير، والمجاهرة بالإلحاد وسط الشباب المتعلّم، والاستلاب الثقافي وسط من يعيشون في المنافي، وانتشار التطرّف الديني، ومشكلة المخدرات، وانتشار الحالات النفسية، والشعور بالغربة عن السودان، والمشروع الحضاري وسقوطه، وفضل الظهر، وسياسات النظام المستندة على التمكين.
وخطاب الصادق ذو المركزية الإسلامية يجعله ينظر لمجموع هذه المشاكل من زاوية ما يصفه بـ "مفارقات الواقع المعهود". وهو في هذا ينطلق من نظرة محافظة تجعل "الواقع المعهود" هو المرجعية، وهي مرجعية يريد الصادق من ورائها أن يجعل الإسلام في نهاية الأمر هو مرجعية الواقع السوداني الثابتة الغير قابلة للمراجعة أو التغيير.
2
إن واقع الحال أن الكثير من مظاهر أزمة الشباب كانت موجودة قبل انقلاب الإسلاميين، إلا أن النظام الإسلامي كان لحظة فارقة إذ فرض أعنف وأكثف استبداد في تاريخ السودان الحديث بعد استبداد الدولة المهدية. وكانت أكثر القطاعات تضرّرا بهذا الاستبداد هم الجنوبيون، ثم أهل المناطق المهمّشة في الشمال، ثم النساء، ثم الشباب، ثم الأقليات الدينية وفي مقدمتها المسيحيون. وهذا الواقع الاستبدادي وما استتبعه يجعلنا نقول إن الترتيب المنطقي لظواهر المقالة يتطلّب وضع الظاهرتين الأخيرتين عن سقوط المشروع الحضاري وإفلاس سياسة التمكين في صدر ظواهره العشرة لأن وجود النظام يمثّل المقدمة المنطقية والسبب الذي تولّدت عنه باقي الظواهر.
ولكن لماذا قلب الصادق هذا الترتيب المنطقي ليضع التنصير وما يصفه بـ "المجاهرة بالإلحاد" وسط الشباب المتعلّم في صدر مفارقاته؟ رغم أن الصادق قد لاحظ أن هناك في "أوساط بعض الشباب ثورة اجتماعية هي جزء من رفض للواقع الاجتماعي الراهن" إلا أنه على ما يبدو فوجىء وصُدم مثله مثل باقي القوى المحافظة بثورة وئام شوقي وما قالته. هذه الصدمة هي التي استفزّت الصادق ليكتب لأن ما قالته وئام شوقي، حسب تعبيره: "يمثل ثقافة بدأت تظهر على أقوال وأفعال كثير من أبنائنا وبناتنا ... " ولأن الصادق بمنطلقه المدافع عن "الحلّ الإسلامي" يرفض هذه الثقافة فقد أصبحت وئام شوقي رمزا وتجسيدا لمعاني "المفارقة للواقع المعهود" بالمعنى السلبي للمفارقة، وهكذا عَكَس الترتيب المنطقي لظواهره ليبدأ بالتنصير وما يصفه بالمجاهرة بالإلحاد.
صحيح أن الخروج عن الإسلام في السودان حيث غالبية الناس يدينون بالإسلام يمثِّل "مفارقة للواقع المعهود". ولكن ما الذي يجعل ذلك مشكلة من مشاكل الشباب التي تضعها في قائمة تشمل المخدرات والمشاكل النفسية؟ أليس من حقّ المواطن السوداني المسلم أن يخرج من الإسلام ويصبح مسيحيا أو لادينيا لو شاء؟ وعندما نقرأ عبارة "المجاهرة بالإلحاد" فإن ما نلاحظه في الحال أن ما تضمره من أن الصادق لا يستغرب وجود لادينيين (وبالطبع هو وجلّ أفراد المجتمع يعلمون ذلك) ولكن ما يصدمه هو "مجاهرتهم" بالإلحاد. والسؤال البسيط في هذه الحالة: ألا يملك اللاديني حق التعبير عن معتقداته مثلما يملك المسلم أو المسيحي ذلك الحقّ (ونلاحظ أنه في حالة المسيحي لا يتحدّث عن "المجاهرة" بالنصرانية)؟ ما هو اختيار الصادق للمجتمع السوداني في نهاية الأمر --- هل يريد مجتمعا تسوده حرية الفكر والتعبير أم مجتمعا يسوده الاستبداد الديني؟ هل يريد مجتمعا صادقا أم مجتمعا منافقا؟ إن الحديث عن "مفارقة الواقع المعهود" لا يمكن أن يكون غطاء لسلب الناس حقّهم في حرية الفكر والتعبير وكأن "الواقع المعهود" معطي ثابت لم يلحقه التغيير في الماضي ولن يخضع للتحوّل في المستقبل (ونلاحظ أن الصادق حذر في استخدامه للّغة هنا، لأنه يستخدم تعبير "مفارقة الواقع المعهود" ويتجنب لغة الشريعة عندما تصبح هذه المفارقة مفارقة للإسلام لأنها تسميها "كفرا"، وردّها على تلك المفارقة في القانون الجنائي السوداني هو المادة 126 التي تجرّم "الرِّدّة" وتعاقب عليها بالإعدام). لقد شارك الصادق بحماس وفعالية في القرن العشرين في حلّ الحزب الشيوعي وقهره بدعوى أنه حزب ملحد (وكأن الإلحاد جريمة في ظل النظام الديمقراطي)، وهاهو يتحدّث اليوم لشباب القرن الواحد والعشرين بنفس خطاب الهيمنة الدينية الذي خاطب به السودانيين في الماضي (وهو خطاب كان السودانيون قد سمعوه أيضا في القرن التاسع عشر من المهدي).
3
ولكن ماذا عن وئام شوقي التي يحمل عنوان مقالته اسمها موحيا بأنها موضوعه الأساسي؟ عندما نفرغ من المقالة نجد إن الصادق قد ظلم وئام شوقي على مستويين --- ظلمها بتغييب صوتها، وظلمها بأن جعلها وجه أزمة شباب اليوم وضياعهم. إن منهج "التشخيص المحيط والتعامل الجاد مع التحديات التي تواجه مجتمعنا" الذي يتحدّث عنه يتطلّب أول ما يتطلّب في هذه الحالة وهو يعالج "قضية الآنسة وئام شوقي" الاستماعَ لصوتها. إن صوت وئام شوقي الذي غيّبه الصادق هو صوت "قضيتها" --- قضية المرأة. وفي تلك الأمسية التاريخية كان صوت وئام شوقي الثائر وأصوات نساء شجاعات أخريات مثل عائشة الكارب وعزّة تاج السر وأسيل عبدو وويني عمر وإيناس مزمل وغيرهن ترفع عاليا راية ثورتهن على كل مظاهر قهر النساء والتمييز ضدهن --- رفضن رفضا باتا انتهاك الختان لأجسادهن ورفضن زواج القاصرات ورفضن العنف ضد المرأة. طرحن بوعي عال ووضوح وثبات ما يعانين في ظل تمييز الشريعة وما يعملن على تحقيقه (فعلن ذلك غير هيّابات ما ينتظرهن في غدهن من حملات تشويه وتلطيخ وتهديد).
لم يهتمّ الصادق بصوت النساء هذا وبقضاياهن وبآلامهن، وقصارى إشارته كانت في إطار هجومه على مؤسسة النظام الدينية الرسمية وأهل النظام باعتبارهم يسكتون "على كبائر الكبائر وينشطون في إدانة اللمم في الأزياء". وكلمة اللمم تعني "صغائر الذنوب"، واستخدامها يعبّر عن إدانة الصادق الضمنية لما لبسته لبنى حسين مثلا، التي يتحدّث عنها بما يشبه السخط المُضمر معيبا على النظام أنه صنع لها "بطولة" (ويمتدّ هذا الاتهام بصناعة البطولة أيضا لمريم يحيى، رغم أنه في حالتها لا يمكن للصادق أن يتّهم النظام بالاهتمام بصغائر الذنوب إذ أنها، حسب ادّعاء النظام، ارتكبت كبيرة الخروج عن الإسلام واعتناق المسيحية، تلك الكبيرة التي يضعها الصادق في صدر قائمته). إن موقف الصادق وهو يتحدّث بهذه الطريقة عن قضية الزِّي لا يستجيب لحقّ النساء في أن يخترن ما يلبسنه ولا يحمل أي تعاطف مع محنة النساء وهن يتعرّضن يوميا لإذلال وإهانة حماة قانون النظام العام.
إن ارتفاع صوت المرأة السودانية المتحدّي وهي "تجاهر" (لو استعرنا تعبيرا من تعابير الصادق) برفضها لقهر الشريعة ما كان بالأمر الذي من الممكن أن يصمت الصادق بإزائه، إذ أن المواجهة التي أصبحت وئام شوقي وجهها صارت حسبما يقول: "قضية رأي عام لا يمكن لمثلي أن يسكت عنها وعن تداعياتها". ولكن ما الذي يعنيه الصادق بكلمة "مثلي"؟ ولماذا التدخّل في هذه القضية بالذات والسودان ذاخر بالقضايا التي لن تترك له لحظة راحة إن أراد ألا يسكت عنها؟ إن الصادق قد انتبه في الحال، وهذا ما يُحمد له، أن تلك المواجهة التي انتصرت فيها مرافعة المرأة عن قضيتها في وجه مرافعة رئيس هيئة فقهاء السودان تحمل في أحشائها تحدّيا استثنائيا للشريعة إذ أن المقهور الأكبر قد كسر قيده وأعلن ثورته العلنية على تمييز الشريعة. من الذي من الممكن أن يواجه هذا الوضع؟ من الواضح أن المؤسسة الدينية الرسمية لا تملك المصداقية للقيام بهذه المهمة (وكان هذا واضحا من أداء رئيس فقهائها)، ونفس الأمر ينطبق على النظام الذي لم تثمر تجربته إلا عن "صدود عن الشعار الإسلامي". إذن لا يبقى لها إلا هو --- إمام الأنصار وحامل راية ما يصفه "بالفكر الصحوي".
4
وفيما يتّصل بالمرأة نجد أن هذا "الفكر الصحوي" يواجه تحدّيين: تحدّيا يأتي من تيار داخل الإسلام يصفه الصادق "بالفكر الانكفائي"، وتحديا من خارج الإسلام يصفه "بالفكر الوضعي". سنركّز هنا على الفكر الانكفائي والصحوي. يقول الصادق عن الفكر الانكفائي إنه يستخدم النصوص لتكريس دونية المرأة. وللتمثيل على موقف هذا التيار يقتبس قولين: قول لعبد العزيز بن باز وآخر لعبد العزيز آل الشيخ. يقول بن باز في معارضته لعمل المرأة إن: "انشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل، وخسران الأمة انسجام الأسرة وانهيار صرحها، وإفساد أخلاق الأولاد". أما آل الشيخ فيقول في معارضته للاختلاط: "وأمر الاختلاط بين النساء والرجال محرم ظاهر التحريم ... " ( مقتبس في الصادق المهدي، حقوق المرأة الإسلامية والإنسانية (القاهرة: 2010)، ص 180).
أما الفكر الصحوي فإنه يرى "أن للإسلام تاريخيا قصب السبق في تحرير المرأة، وأن المجتمع الإسلامي لحق به الانحطاط، وأن في تاريخ الفكر الإسلامي بشأن المرأة نظرة عادلة وأخرى دونية. وأن الفكر الإنساني بشأن المرأة قد خطا خطوات واسعة نحو العدالة والمساواة، وأن استصحاب هذا التطور ينبغي أن يقوم على استنهاض المفاهيم العادلة في التراث واستخدام أساليب التجديد المشروعة ليتخذ تحرير المرأة مشروعية دينية وثقافية ويتجنب التبعية العمياء للوافد." (السابق، ص 181 – 182).
وهكذا يتّضح لنا أن الفكر الصحوي الذي يتحدّث عنه الصادق هو فكر ذلك التيار الإصلاحي وسط المسلمين المعاصرين المعادي للتيار السلفي والذي يحاول الجمع بين الانفتاح على معارف وقيم العصر والتمسّك بالحل الإسلامي في نفس الوقت (وأكبر ممثل لهذا التيار في السودان هو محمود محمد طه). والصادق حالة خاصة وغير متّسقة وسط ممثلي هذا التيار. فهو صاحب سلطة دينية خاصة تنبع من كونه "إمام الأنصار"، وهي سلطة تستند بدورها على السلطة الخاصة لمحمد أحمد المهدي ومن المفترض أن تستمدّ منها (مثلما تستمدّ سلطتها السياسية المستندة على الولاء الطائفي للأنصار). والسؤال الذي يثور على ضوء تصنيف الصادق: أين نضع فكر المهدي فيما يتّصل بالمرأة؟ هل هو انكفائي أم صحوي؟
دعنا نقرأ من رسالة عامة وجّهها المهدي لكافة أتباعه بتاريخ 18 جماد أول 1301 (16 مارس 1884). يقول المهدي بعد اقتباس الآيتين 24: 30 – 31 (النور) اللتين تأمران المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج وعدم إبداء النساء لزينتهن:
وما دام أن طلب الله هذا معلوم، وأن أكثر الناس في هذا الزمن لا يقفون إلا بالحَجْر والحجاب وجب أن نحجر جميع النساء من الخروج والمشي بطرقات الرجال الذين لا عصمة لهم ولهن بهذا إلا بهذا الحجر سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم: باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء، وقد قال صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة ... : ما أحسن ما تكون عليه المرأة؟ فقالت: ألا يراها رجل ولا ترى رجلا. فعجبه صلى الله عليه وسلم هذا الجواب فقال: ذرية بعضها من بعض. والذي تراءى من ذلك أن تمنع النساء جميعا من الخروج إلى الأسواق والطرقات إلا بنت صغيرة لا تشتهى أو مُتَجَالَّة [كبيرة] ومن انقطع أرب [بُغية] الرجال عنها. وحتى الإماء الشباب يمنعن من الخروج، إلا في محل لا يكون به رجال. ومن خرجت بعد التنبيه بثلاثة أيام تضرب مائة سوط زجرا لها وعبرة لغيرها. (الآثار الكاملة للإمام المهدي، جمع وتحقيق محمد إبراهيم أبو سليم (الخرطوم: 1991)، ج 2، ص 263 – 264).
وإذا وضعنا في اعتبارنا أن ما يصفه الصادق بالفكر الانكفائي هو في الواقع فكر المدرسة السلفية فإننا نرى أن المهدي، السلفي التفكير، كان انكفائيا حسب تصنيف الصادق. (حول سلفية المهدي انظر محمد إبراهيم أبو سليم، الحركة الفكرية في المهدية (الخرطوم: 1989)، ص 164 – 165).
والمأزق الذي واجهه الصادق بوصفه "إمام الأنصار" واضح. فإن كان ملتزما التزاما خالصا بمهدية المهدي فلابد له من قبول ما يقوله عن المرأة. فمحمد أحمد المهدي لم يأخذ مباشرة من محمد فحسب وإنما كان ذا مقام خاص في مهديته، فهو خاتم المهديين الذي لا مهدي بعده، وهو صاحب ذلك الفضل الخاص الذي يجعل العامي من أنصاره في رتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني ويجعل "مرتبة العالم التابع له كمرتبة النبي المرسل" (أبو سليم، الحركة الفكرية، ص 167). ورغم تلك السلطة الدينية الهائلة التي أسبغها المهدي على نفسه قرّر الصادق مفارقة خياره السلفي الانكفائي والانحياز لخيار "الصحوة"، إذ ما كان من الممكن أن يدعو مثلا لما قاله المهدي عن حَجْر المرأة ونفيها نفيا تاما من الفضاء العام انسجاما مع الأمر القرآني بغضّ البصر. وعندما ننظر لطبيعة هذا الخيار فإننا نرى أثر ما أملته ضرورات التكيّف مع العصر.
5
والصادق تحرّر من فقه المهدي عبر طريقين. فالمهدي كان قد أفتى بإلغاء المذاهب، وادّعى بأن فقهه فقهُ أخذ مباشر من القرآن والسنة. أما الصادق فقد عاد للمذاهب (ما يصفه في فقرته أعلاه "بالتراث"). ومن ناحية أخرى انتبه لضيق ومحدودية مصادر الفقه الإسلامي وإمكانياته فاقتنع بضرورة رفده بمصادر "الفكر الإنساني". وهو في هذا يعكس حساسية تجديديي القرن العشرين الذين فتحوا باب الاجتهاد ليصنعوا نسبا للإسلام يصله بكل ما راق لهم من أفكار.
وعندما نأتي للمرأة فإن موقف الصادق الفقهي الصحوي أبدى بعض المرونة، إلا أنه لم يتخلى تخليا تاما عن التمييز ضدها. لنأخذ مثالين على ذلك. المثال الأول يتعلّق بالأسرة، حيث يقول الصادق: "لابد للجماعة، أي جماعة، من رئاسة. الأسرة كجماعة رئيسها الأب" (حقوق المرأة، ص 108). وهكذا نجد أنه يرفض البنية الأسرية القائمة على مبدأ المشاركة لينحاز للموقف الذكوري التقليدي. أما المثال الثاني فيتعلّق بزواج المسلمين من غير المسلمين. وهنا يتحدّث الصادق عن حق الرجل المسلم في الزواج من الكتابية ويدافع في نفس الوقت عن عدم السماح للمسلمة بالزواج من الكتابي. (السابق، ص 108 – 109). ماذا عن باقي الأديان؟ يصمت الصادق عن ذكر هذه المسألة لأن المرجعية التي ينطلق منها لا تعترف بباقي الأديان ولا يتمّ التزاوج مع معتنقيها إلا إذا دخلوا الإسلام (وينطبق هذا بالطبع على اللاديني أو اللادينية).
6
إن الأرضية الفكرية التي يستند عليها الصادق هي نفس الأرضية التي تستند عليها مدرسة الإخوان المسلمين. وهو لن يقدّم للسودانيين، وخاصة النساء، شيئا مختلفا عما قدّمته هذه المدرسة. فالصادق من المعادين للعلمانية (رغم حديثه عن الديمقراطية، وهي نظام لا يمكن قيامه بدون علمانية تفصل الدين عن الدولة) ومن المدافعين عن بعث الشريعة وعلى الأخص تحكيم عقوبات الحدود من رجم وبتر للأطراف وجلد وقِصاص، وهي عقوبات كرّس كتابه العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي للدفاع عنها. ورغم ادعائه بأنه لا يوجد تعارض بين الإسلام وبنود وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا أنه من المدافعين عن التمييز ضد المرأة، وهو في واقع الأمر لا يملك إلا أن يميّز ضدها طالما أنه ينطلق من الشريعة. (ولعل محمود محمد طه كان أحكم منه عندما فرّق بين الإسلام والشريعة، إلا أن حكمة طه هذه لم تحرّره من قبضة الشريعة إذ كان أيضا من المدافعين عن عقوبات الحدود).
ها هي مأساة السودانيين مع "الحلّ الإسلامي"، إذ أنهم يرون الآن رأي العين ويلمسون لمس اليد، وهم يكتوون بجحيم الحكم العسكري الإسلامي، فشله وإفلاسه وخَواءه الأخلاقي. ووسط كل هذا يأتيهم الصادق إماما ليحدثّهم عن "فكر صحوي" سينقذهم. إلا أن مشروع الصادق "الإنقاذي" هذا لا يقدّم لهم جديدا يبدّل واقعهم لأنه سيسجن حقوقهم وديمقراطيتهم في سجن دولته الدينية. والمرأة السودانية أول المدركين للطبيعة القهرية للدولة الدينية لأنها تعاني كل يوم من أيامها من مرارة وإذلال ومهانة العيش تحت الشريعة.
صرخة المرارة هذه النابعة من ألم الشعور بالإذلال والمهانة هي ما أطلقته وئام شوقي، إلا أنها أطلقت أيضا صرخة ثورة وعزم على المقاومة. وفي ظننا أن الصادق لم يسمع صرخة المرارة (وهي صرخة لا يسمعها عادة المدافعون عن الشريعة)، إلا أنه سمع صرخة الثورة والمقاومة، وكان هذا ما صدمه وأنذره بالخطر لأنه رأى في الحال شرخ "مفارقة للواقع المعهود" يهدّد بانهياره.

محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان.

يمكن قراءة المقال بصيغة بي دي أف بإدخال هذا العنوان:
https://gallery.mailchimp.com/bccb7fbf5 ... _Youth.pdf


محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »



شكرا يا اخ عثمان حامد

ولكن اين نص كلمة الصادق؟

Freedom for us and for all others
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رابط كلمة الصادق في قضية وئام

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا ابو الريش
أهي كلمة الصادق المهدي في الرابط دا

https://www.alsadigalmahdi.com/قضية-الآنسة-وئام-شوقي/
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »

حسن أب كم
شكرا على الرابط ولقد قرأت المقال ونقاطه العشر.
اتفق مع ما سطره قلم السيد الصادق المهدى جملة وتفصيلا.. وابصم بالعشرة على كل جملة فيه..
تحليل علمى من الدرجة الاولى .. ومهما اختلفنا مع الرجل فإن إعطاء كل دى حق حقه من علامات الحياد العلمى الواجبة على كل باحث او ناقد.
هذا تحليل إجتماعى دقيق ولم يقدم الرجل حلا.. بل أحال المشكلة الى فرصة اخرى للبحث بواسطة جهات اخرى.
Freedom for us and for all others
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



الإمام الصادق المهدي

قضية الآنسة وئام شوقي صارت قضية رأي عام، لا يمكن لمثلي أن يسكت عنها وعن تداعياتها، ولا يمكن حصرها بين متفهمين وراجمين.

إن ما قالته الآنسة وئام في برنامج (شباب توك) يمثل ثقافة بدأت تظهر على أقوال وأفعال كثير من أبنائنا وبناتنا. وكثير من الآباء والأمهات يدركون هذه الحقيقة، ففي أوساط بعض الشباب ثورة اجتماعية هي جزء من رفض للواقع الاجتماعي الراهن، ولا يجدي معه التعامل مع الظواهر الفردية مهما انقسم حولها الرأي. بل تمثل المظهر الأخف من عوامل تدل على تغيرات كثيرة في المجتمع السوداني تتطلب تشخيصاً محيطاً، وتعاملاً جاداً مع التحديات التي تواجه مجتمعنا.

إنها تدور حول عشر مفارقات للواقع الاجتماعي المعهود:

أولاً: في مناطق كثيرة، لا سيما المناطق المصنفة سابقاً بالمناطق المقفولة ووصفت بالجنوب الجديد في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، حركة تنصير وردة عن العقيدة الإسلامية. حركة تجاوزت المناطق التقليدية فسمعت بأذني في قاعة المصارف في الخرطوم أحد أبناء قبيلة بقارية يقول بلهجته بعقيدة مسيحية. وهنالك مقولة أحد النازحين حيث كتل بشرية بالملايين محرومة عند ما قال له مسؤول حكومي: كيف تمنعون مسؤولين حكوميين من دخول معسكركم وهم مسلمون مثلكم وترحبون بزيارة الكفار؟ رد عليه: واحد قصفك بالقنابل، وأحرق قراك، وشردك، وآخر مد لك يد العون الإنساني غذاء، ودواء، ورعاية. بالله أيهما الكافر؟

ثانياً: هنالك لأول مرة في أوساط شبابنا المتعلم مجاهرة بالإلحاد، ومجاهرة بعلمانية معادية للدين، فمعلوم أن هنالك علمانية محايدة في أمر الدين ولكن هنالك أخرى معادية للدين.

ثالثاً: ومن نتائج النزوح السوداني بأعداد كبيرة واستقراره في بلاد غربية أن عدداً كبيراً من أبناء وبنات هؤلاء اللاجئين صاروا مستلبين تماماً. قالت لي سيدة سودانية في مدينة أكسفورد: يا فلان "أولادي هؤلاء دا طرفي منهم" نحن نسكن داراً واحدة ولكن لا نتحدث لغة واحدة، ولا نشترك في قيم واحدة، نعيش مع غرباء. هذا ما كررته لي سيدة في السويد قالت لي عندي ولد وبنت من أنجح الناس في الحياة ولكنهما قالا لي: نحن قد تخلينا من السودان وصرنا سويديين. وفي اجتماع مع بعض الآباء في برلين قالوا لي أوضاعنا المادية والاجتماعية من حيث السكن والرعاية الصحية والتعليم جيدة. ولكن أولادنا ما عادوا أولادنا. هذا اتجاه الاندماج في المجتمعات الغربية على حساب الهوية الدينية والقومية والوطنية.

رابعاً: ولكن هنالك ردة فعل مضادة في الاتجاه الآخر لدى الشباب الذين وجدوا المجتمعات الغربية طاردة، فصاروا تربة خصبة لتجنيد داعش إذ أن اثنين من أولاد أخ يساري اتجها نحو داعش فمات أحدهما في الميدان والثاني في السجن. هذه الظاهرة التي ظهرت في بعض أبنائنا وبناتنا من أسر ثرية كما في طلاب جامعة د. مامون حميدة.

خامساً: وكثير من شبابنا دفعه التأزم النفسي إلى تعاطي المخدرات التي صارت منتشرة بصورة وبائية، ويتاجر فيها كثير من القطط البدينة المحمية، حتى قال وزير داخلية سابق: في كل أسرة لدينا الآن مدمن أو مدمنة.

سادساً: وقال بعض الأطباء النفسيين إن ثلثي شبابنا يعانون من حالات نفسية.

سابعاً: والنسبة الأكبر من شبابنا لا يشعرون بأن السودان وطنهم، ولأسباب مختلفة هم مستعدون أن يركبوا الأهوال للهجرة لأوربا. مأساة صورها صاحبها في رواية "جعلت البحر وطناً". وقد قابلتُ هؤلاء في كثير من عواصم أوربا وأكثرهم في حالة يرثى لها.

ثامناً: المشروع الحضاري الذي تأكد لكثيرين أنه يقول ما لا يفعل، فوصل إلى قمة النفاق والتلاعب بالشعار الديني، أفرز عبارات استهزاء بهذا الشعار، مثل تسمية زي معين: الشريعة طرشقت، وآخر فصل الدين من الدولة، وعبارة هذه دقن حميدة وهذه دقن خبيثة وهلم جرا.

تاسعاً: أما فضيلة فضل الظهر فقد تحولت في المناخ الأخلاقي الهابط إلى ممارسات إجرامية واسعة النطاق.

عاشراً: نعم هنالك أسباب موضوعية نتيجة للضائقة الأمنية، والضائقة الاقتصادية، وآثار الثقافات الوافدة، وانتشار وسائل الفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي ما صنع مجالاً مفتوحاً لقاعدة واسعة من الشباب لتتأثر وتؤثر بعوامل كثيرة. ولكن هنالك أسباب مهمة طارئة على البلاد، أهمها رفع شعار إسلامي وجعله أساساً لشرعية التمكين واحتكار السلطة والمال، ما أدى لردة فعل مضادة، وصدود عن الشعار الإسلامي من باب:

إذا فعل الفتى ما عنه ينهى فمن جهتين لا جهة أساء

هذا والمؤسسة الدينية الرسمية، الموصوفة بعبارات ضخمة وإدعاءات كبيرة، تسكت عن أسوأ أنواع المظالم، بل تقبل وظائف الظلمة، ولا تعترض على ممارساتهم إذ يقتلون المواطنين، وينهبون المال العام، ويسومون شرف الوطن في الخارج، يسكتون عن أية نصيحة أو نقد، يمارسون إجماعاً سكوتياً على كبائر الكبائر، وينشطون في إدانة اللمم في الأزياء، أو في الكلام عن المساواة في حقوق وواجبات الزوجية.

وهم إذ يفعلون هذا مع أوضاع العالم المعاصر إنما يصنعون لضحاياهم بطولة في عالم اليوم كما كان في حال مريم، ولبنى، وغيرهما.

ختاماً: في هيئة شؤون الأنصار سوف ندعو لحلقة دراسية لتشخيص الحالة الدينية والاجتماعية في السودان وتقديم المشروع البناء المنشود.



https://www.sudantribune.net/%D9%82%D8%B ... 9%82%D9%8A
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


تحية للبروفيسور محمد محمود
دوماً يتحفنا بنظراته الثاقبة لشؤون الذين يكتبون .
*
أذكر هنا أن السيد الصادق المهدي قام بكتابة نعي للراحل نُقد سكرتير الحزب الشيوعي عند رحيله .
فكتب مقال رددنا عليه : وأحاول أن أجلبه لكم
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

بسم الله الرحمن الرحيم
مدونة على شاهد قبر محمد إبراهيم نقد
بقلم: الإمام الصادق المهدي
21 اكتوبر 2012م

...قال نبي الرحمة (ص): "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ" وظيفة هذه المقولة أن نجعل من محاسنهم بوصلة تربوية للأحياء، وأن نترك الحساب الكلي للعالم بالسرائر، القائل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
الإسلام دين الإنسانية، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) تكريم لكل البشرية.
وقف النبي (ص) لجَنَازَةٌ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟، إذا رأيتم الجنازة فقفوا.
وديننا يثمن مكارم الأخلاق من حيث هي، لذلك ألزم النبي (ص) نفسه بحلف الفضول المبرم قبل الإسلام وقال: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ".وثمن مكارم الأخلاق حتى المعروفة قبل الرسالة، وقال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".وديننا يعلي شأن العدل من حيث هو، لذلك قال ابن تيمية: إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة على الظالمة وإن كانت مؤمنة. وبعد ذكر لأهل الكتاب جاء في القرآن: (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).
بعد هذه المقدمة وعلى ضوء ما أعرف من سيرة الأستاذ الراحل أسدد دينا له:فإن وفاء الحر للحر ذمة وإن ذهبت في المجد شتى مذاهبه
أقول بأنه:
المناضل في سبيل الوطنية والعدالة الاجتماعية الذي لا كل ولا مل ولا تزحزح ناشطاً من الركاب للتراب.الاشتراكي الذي لم يمنعه التزامه بالانفتاح على الآخر بلا تعصب. الحداثي الذي لم يمنعه التمسك بالتحديث من إدراك محمولات التراث الروحي والثقافي والوطني لمجتمعه.الحزبي المدرك لحدود الحزبية وأهمية التوجه القومي لبناء الوطن.المثقف المبرأ من استعلاء كثير من المثقفين، حتى كأن رتبهم العلمية صيرتهم اكليروسا تجب له السمع والطاعة.
المتواضع، الذي لا تدل بساطة سلوكه ومظهره على نفاسة مخبره.
المحاور الذي مهما اختلفت معه وجادلته لن تخسر وده.
المتفرغ للعمل العام بفدائية ولكن لم يجففه تيبس بعض المتفرغين.
لي مع الراحل مواقف كثيرة أذكر مهما:
قبل حل حزبهم بواسطة الجمعية التأسيسية اجتمعنا بهم: الأمير نقد الله بصفته وزير الداخلية وأنا، في دارهم وقلنا لهم إنها موجة استقطبت أغلبية النواب من كل الأحزاب ولم يبق لمعارضيها كلمة ويستحسن الانحناء للعاصفة تجنبا للصدام، وكان هو من القائلين بالتجاوب.
وفي سجن كوبر صلى معنا الأعياد، وصام رمضان، وشارك في كل الأنشطة بلا انتقاء.
وبعد سقوط حائط برلين طلبت اجتماعا معه ومع زملائه وناشدتهم مراجعة الموقف من الدين والديمقراطية كمنهج للتقدمية السودانية يتجاوز التجربة السوفيتية، وفي وقتها لم يقبلوا مقولتي، وقلت لهم لأهمية الأمر أسلمكم رأيي مكتوبا وردوا علي كذلك، وقد كان. وبعد عامين التقينا بعد ما حدث من تطورات وبكل شجاعة أدبية اعتذر عن سلبية الموقف من مناشدتي.
عندما زار المرحوم دارفور التقاني وقدم تنويرا عن رؤيته عن الوضع في دارفور واتفقت معه أن يقدم تنوير زيارته لقيادات وكوادر حزب الأمة في داره وقدم تنويرا وفيه ملاحظته: أن كثير مما يدور في دارفور هو فوران على السطح ولكن القواعد ما زالت تدين بالولاء لحزب الأمة وكيان الأنصار. وهذا من الخصال الحميدة التي زينت شخصية نقد أن يكون رئيس حزب ويقوم بتنوير كوادر حزب آخر في داره ويقدم شهادة لصالح حزب الأمة وهو رئيس حزب سياسي آخر.
أقول ونحن في هذه الساحة: إن بلادنا بعد ربع قرن من التخبط والصدام تواجه الآن استقطابات حادة: بين فقه الإفراط وعلمانية التفريط، وإثنية عربية أفريقانية، واجتماعية بين جزيرة من الأغنياء ومحيط من الفقراء، هذه الاستقطابات الحادة تؤججها عوامل داخلية وروافع خارجية إذا لم نحقق تغييرا يتجاوزها لبناء الوطن وفق هندسة قومية جديدة سوف تدمر الوطن.
هندسة كان فقيدنا مؤهلا فكرا ومزاجا للمشاركة فيها بعقله وقلبه، ولكن المعاني التي جسدها سوف تكون حاضرة رغم غيابه على حد تعبير شكسبير: إن البعد يمنح المشهد سحرا.
أرجو لحزبه وقيادته أن يمضوا في ذات الطريق الذي انتهجه في حياته.
العالم كله يتجه لنبذ الفكر الإقصائي، ويتحلق حول آفاق توافقية، فالفكر الصحوي الإسلامي يصالح الأصل بالعصر، ولاهوت التحرير يصالح الاعتقاد المسيحي بحركة العدل الاجتماعي، ومنظومة حقوق الإنسان صارت ثوبا يغطي الإنسانية كلها بمواثيقه ومعاهداته، وأدوات المساءلة الدولية: محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، عوامل توحيد للقيم والمبادئ الإنسانية.
كان الفقيد أيقونة في محراب سودان الحرية، والعدل، والتنمية، والسلام، ونشهد له في هذا المجال خيرا، ونسأل له الرحمة، ولأهله وزملائه حسن العزاء: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). لقد كان خيرا حسن الأخلاق، وما خالف به الإحسان فأمره للرحيم الرحمن القائل في الحديث القدسي: "إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"، ما جيره البصيري مادح نبي الرحمة:
لعَلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ
https://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2 ... c=flatview


*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



قراءة في مدونة الإمام "الصادق" على شاهد قبر" نُقُد" . .. بقلم: عبد الله الشقليني

التفاصيل
نشر بتاريخ: 29 تشرين1/أكتوير 2012


لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإِنِّي لأَوْجَلُ ** على أَيِّنا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
وإنِّي أَخُوكَ الدَّائِمُ العَهْدِ لم أَحُلْ ** إِنَ ابْزاكَ خَصْمٌ أَوْ نَبا بِكَ مَنْزِلُ
(معن بن أوس المزني )
أيصدق البيتان الشِعريان عندما نُقارب بين علائق السياسيين و آثار المشيب الذي يضيء النهار من تجارب أصحابه في الدنيا ؟
(1)
ليس لنا إلا أن نعيد بشائر الذين أوصونا بتوقير الكبير ، ومدّ فراش الود له، على أن نلقى إمام الأنصار في موضع الندى ، لا موضع السيف . لاسيما وهو عالٍ بأحمال التاريخ ، من إرث السيف المسلول عند جده الأول ، ومن بعده تربى في بيت " حداثة الغُبش" عند الإمام السيد "عبد الرحمن المهدي" |1|. تجربة مرت ،شكّلت جزءاً من تاريخ الوطن القديم الذي وصلت إشعاعات شمسه إلى حاضرنا. صناعة أتت أكلها بوجه آخر ،حين صار الإمام" الصادق" في موضع تاج السلطة التنفيذية التي اقترع عليها الناس . ورشّحه البرلمان ليكون رئيساً للوزراء لمرات عديدة. و لن يزايد أحد على شعار " السودان للسودانيين " الذي انطلق بنُصرة الإمام "عبد الرحمن المهدي" منذ العشرية الثانية من القرن العشرين .
بشائر التوقير تأتي أيضاً بالحفاوة بالرأي الآخر حين يرى النصوص بمنظار جديد . يقرأ كتابها ويعيد قراءته ، ليتسع صدر القارئ حتى اكتمال الفكرة . فالاقتباسات المدونة على شاهد قبر الراحل الأستاذ "محمد إبراهيم نُقد " بدأت بالعتبات الموازية من أيقونات العنوان والمقدمات والمقتبس . فتجلّت البنية السطحية منها والعميقة . وكلها مدونة في معمارية النص . تكشف قصة البناء وأصل التأسيس الذي سطره الإمام في مدونته على شاهد قبر السيد " محمد إبراهيم نقد ".
يقولون : الدجاجة المُحمَّرة حين تتوسط موائد المُترفين تكون محشوة بالمفاجآت .
(2)
عندما كتب " المرزوقي، أبو أحمد بن محمد بن الحسن "|2|، في مقدمة شرح ديوان الحماسة عن شرف المعنى وصحته ، وجزالة اللفظ واستقامته والإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه ومناسبة المستعار منه والمستعار له ومعضلات اللفظ والمعنى ،فهو قد أفاض وكان من أقرب النقاد اهتماماً بالمعنى منذ زمان . تلك الفتوحات النقدية جاء بها الأقدمون وتطورت من بعدهم إلى حاضرنا لترشدنا إلى قراءة ما صمت عنه النص .
(3)
نعود للمقدمة أو العتبات التي أبحر السيد الإمام بمركبها لتكن فاتحة يستعين بها للتدوين على شاهد قبر الراحل السيد" محمد إبراهيم نُقد "سكرتير الحزب الشيوعي السوداني ،ثم نحاول قراءتها وفق ما تحفر هي في النصوص المكتوبة . ونمتد إلى ما سكت عنه النص ، وترك لنا دليلاً نسترشد به لنتعرف على خفايا نستنطقها من حبال تربط العتبات بصلب الموضوع . استخدم "الصادق المهدي" آليات البلاغة من ( البيان والبديع و علم المعاني ) بخبرته في تبيان موضوعه. ونرى المقدمة تراوح مكاناً بين الوضوح وما خَفيَّ من وراء النصوص. ففي حضرة صاحب الشاهد في مرآة صاحب المدونة : الكثير من التقدير . و أيضاً الكثير من الغموض في فهم علاقة صاحب الشاهد بالدين في نظر صاحب المدونة . رغم أن تراث الراحل الفكري كان واضحاً بيّناً وفق ما قرءنا وسمعنا وعرفنا .
عام من الغيبة الكُبرى . صورة بحق تتضخم ببعده القسري وفق الإرادة و المشيئة . زادها الغياب بريقاً .
(4)
أول عتبات المدونة هذا النص :
( قال نبي الرحمة (ص): "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ" [1] وظيفة هذه المقولة أن نجعل من محاسنهم بوصلة تربوية للأحياء، وأن نترك الحساب الكلي للعالم بالسرائر، القائل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [2]. الإسلام دين الإنسانية، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [3] تكريم لكل البشرية. وقف النبي (ص) لجَنَازَةٌ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟ [4]، إذا رأيتم الجنازة فقفوا. وديننا يثمن مكارم الأخلاق من حيث هي، لذلك ألزم النبي (ص) نفسه بحلف الفضول المبرم قبل الإسلام وقال: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ" [5]. وثمن مكارم الأخلاق حتى المعروفة قبل الرسالة، وقال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ" [6].
وديننا يعلي شأن العدل من حيث هو، لذلك قال ابن تيمية: إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة على الظالمة وإن كانت مؤمنة.
وبعد ذكر لأهل الكتاب جاء في القرآن: (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)
[7]. )
https://www.sudanile.com/2008-05-19-17-3 ... 14-26.html

(5)
عندما يتخير السيد الإمام نصوصاً مقتبسة من الذكر الحكيم ، فقد انتقى اللفظ الحامل والمعنى القائم والرباط الذي ينظمهما . ومن ثم اقتبس ما يراه من عتبات لنصه .فقوله (وأن نترك الأمر للعالم بالسرائر )، تخفي الكثير من الظنون والاشتباه لدى الإمام عن أن سيرة السيد " نُقد " الدينية مشكوك في أمرها ، بل أن الراحل ملتبس في عقيدته وفق ما عرفه صاحب المدونة. واقتبس الإمام من النص القرآني (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الأعراف156. وذهب الإمام مذهباً في انتقاء رحمة مولانا ومالك أمرنا صاحب الوقت التي وسعت كل شيء . ومن خفوت يخفي النص أن من ضمن كل شيء :" نُقُد" صاحب الشاهد . إذ أن النص المقتبس اتسع ليس لأهل الدين والعقيدة ، بل لكل شيء : الإنسان العابد والتقي والمنافق والخارج عن الملّة والكافر والحيوان والنبات وغيرهما . وتلك دعوة حسنة على اتساعها ، ولكنها تُخفي أن الذي انتقى جزءاً من الآية الكريمة وقد انتقى منها منْ تشملهم الرحمة وما يشمله النص القرآني من رحماتٍ على سعتها . ولنا أن نسعد بتلك الأريحية في استبعاد القريب !. وفي الآية القرآنية : سعة رحمة المولى في رحابتها ،مع أمنية مُضمرة علها تنال " نُقد " في مُقبل أيامه القادمات من بعد الرحيل ! . وأعقب النص بأن الإسلام دين الإنسانية يكرم كل أبناء آدم . والقراءة الخفية أن الذي يجمعه بالسيد نُقد ( أنه من سلالة آدم ) ،يبعُد هو عنه ببيدٍ دونها بيد . ولكن الآية كاملة : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70،تتحدث عن عوالم أكبر من النص المجتزأ . وتشمل ضمن ما تشمل ما لا يجمعهم دين ولا ثقافة ولا إرث ولا رحم ولا رفقة طيبة . أما إيراد عتبة النص القرآني : {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }آل عمران115 . أما لن تكفروه بمعنى : لن تعدموا ثوابه بل تجازون عليه |3| . و نقرأ الباطن الخفي أن الإمام لن يعدم ثواباً سيجازى عليه بطلب الرحمة للفقيد ، وليس هناك من نص يماثل مثلاً ( أن يسكنه مسكن الصديقين ) كما تعودنا في سائر الدعوات المنقولة عن السلف لموتى المسلمين !. وهنا يستبين المكنوز من المعاني الخفية التي سكت عنها نص المدونة على شاهد قبر الراحل السيد " محمد إبراهيم نُقد " قدس الله سره" .
(6)
مثل تلك القراءات تأتينا أيضاً من اقتباسات أصحاب السلطان من الإسلاميين و التكفيريين ، الذين يستحضرون ما يشاءون من آي الذكر الحكيم ، ينتزعونها من صيغة اللفظ والمعنى والدلالة والتاريخ ، لتكن قضية عامة يتخذون منها أجزاء متفرقة كوسيلة لخدمة معنى جديد أرادوه أن يستنصروا به في كتابة الرأي ، ودعم إيديولوجية الفكرة الخفية. فهم الناطقون بالنصوص المقدسة والأحاديث الشريفة لدعم الفكر الإيديولوجي الذي يتسول النص ليربطهم بالقداسة رباط مُحكم ، وهو استحضار خفي يقول لنا أن صاحب المدونة إمام الأنصار وحامل راية الإسلام منذ تاريخه القديم وإلى حاضره ، اختلفت وسائله وتوحدت أهدافه في دولة دينية مأمولٌ أن تتحقق في السودان ! . هذا النص المكتوب يلتقي بنصوص المتطرفين السلفيين والتكفيريين في رواءهم ومقاصدهم ولا يختلف عنهم إلا اختلاف مقدار . وقد شهدنا ذلك حين جاء صاحب فكرة (الإنقاذ ) في مؤتمراته الإسلامية أوائل التسعينات عندما كان الحاكم الحقيقي للإنقاذ ، يجلس في مكتبه بشارع البلدية وسط الخرطوم تحت سِتر " التقيّة" بالعمل الطوعي الذي تموله الدولة،و من يدٍ خفية وظاهرة يدير شئون الدولة ويراقب تفاصيل ما يجري ويعطي الأوامر . فرابطة الدين عند الإسلاميين هو المعنى الأوحد للوطنية في دستورهم ، ولو حاول بعضهم التخفي تحت النص الملتبس ( الدولة المدنية ) ، والتي يمكن تفسيرها عندهم في التفاصيل على أنها في حدها الأدنى ( تلك التي لا يرتدي أصحابها جُبّة العسكر) ! . فليس هنالك عند الإسلاميين مواطنة أخرى يلتقون فيها مع جميع سكان السودان الذين نقتسم معهم ما تبقى من الوطن ، بل قطيعة مع الجميع وتكفير خفي أو وصم بالنفاق لكل من يختلف معهم في أمر السلطة والحكم . وهي دعوة ألا نلقى بعضنا البعض ، بل أن نتفجر أشتاتاً متناثرة !.
(7)
أيصل المكر السياسي القديم حياته الجديدة بدم جديد يملأ الشرايين ،بأن الشيوعيين كَفَرة ، وأنه السّر في التداوي بأعشاب النصوص المقدسة ، لعلها تكون علاجاً من التباس الفِكر ومخاتلة الاقتباس ،ليصبح المقال مُباركاً لفظاً ومعنى ؟ .أيفر المرء عن المختلفين معه فراره عن المجزوم ؟!. إن التكفير المبطن للراحل السيد "محمد إبراهيم نقد " أو تهمة النفاق المبطنة والتي نقرأها في باطن المعاني المستترة ، تكشف أنها قضية كل الذين قاموا بخرق الدستور عام 1965 م بدعوى كُفر الشيوعيين وأتباعهم وخروجهم جميعاً عن الملّة ، وطرد نواب الحزب الشيوعي السوداني الأحد عشر من البرلمان ، وحلّ حزبهم بذات القضية المهلهلة التي تم بناءها على أن الطالب( شوقي محمد علي ) الذي كان في عامه الأول بمعهد المعلمين عام 1965 هو عضوا في الحزب ،و ليس كذلك فحسب ، بل عضو فاعل في الحزب الشيوعي السوداني وربما قيادي !!،والذي تحدث عن قصة الإفك بذات رؤى وأحاديث "‏مسطح بن أثاثة‏ "أو "عبد الله بن أبي بن سلول " قبل أن تنزل الآية التي برأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} " ، وكان الطالب حينذاك في سن التاسعة عشر . وكان قد خرج عن الحزب الشيوعي السوداني منذ 1964 كما قال هو بذلك، أي قبل عام من القضية التي تم تأسيس حلّ الحزب الشيوعي عليها !!. و هذا الطالب لم يلتق في حياته بأي من قيادات الحزب الشيوعي آنذاك ( راجع لقاء شوقي محمد علي بعد أربعين عاماً على حادث الإفك – صحيفة السوداني – نقلته سودانيزأونلاين ) |4| . ومَكَرَ برلمان السودان آنذاك ، ومكرت سلطة التشريع بالتضامن مع السلطة التنفيذية لتكسر قرار السلطة القضائية التي حكمت بعدم شرعية حل الحزب الشيوعي أو طرد نوابه . فأين هو "حلف الفضول" في إعادة الحق لأصحابه ؟!. علماً بأن المعروف في أبجديات الدساتير الديمقراطية فصل السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية عن بعضهما !!!.
كانت تلك وصمة في جبين الطائفيين والإخوان المسلمين . مكروا من أجل الكراسي ، وانقلبوا على الديمقراطية بفوضى ضربت أطنابها باسم الدين حين رفعوه على أسنة رماحهم ، وإطلاق شفرة العنف لحماية الدين ، والدين منهم برئ . انتهجوا مسلك الانقلابيين في كل زمان ، ولا يختلفون عنهم إلا اختلاف مقدار! . أما قصة أن السيد " محمد إبراهيم نُقد " قد أمّن على الانحناء للعاصفة في تلك الفترة ، فذاكرة الشعوب السودانية مدونة ومكتوب تاريخها ، لا شفاهة تزروها الرياح . و حين يخرج علينا نص السيد الإمام بأن السيد " نُقد " قد وافقه على قضية الإذعان لقرار حلّ الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان ، وهي قضية جاء بها السيد الإمام ليقول لنا من الباطن أننا لا نعرف التاريخ ، أو أنه لا توجد للشعب ذاكرة تعرف تفكيك أيقونة المكر السياسي القديم والعبث بالمؤسسات الديمقراطية في كل مرة ، ومن أجل الكراسي ، بلا رؤية في قضايا الوطن وهموم أهله ، اقتصادهم وثقافاتهم ومصالحهم. وحزب الإمام " حزب إسلامي " مثل كل الأحزاب الإسلامية ، ليس له إلا منظور المنقول عن السلف واجتهادات عصور خلت في السلطة والدولة ، التي عجز الجميع على إيجاد نص لها في الذكر الحكيم . سبقهم عجز الصحابة الأجلاء عند اجتماعهم تحت " سقيفة بني ساعدة " ، إذ لم يجدوا نصاً يركنون عليه حين تجمعوا طلباً للسلطة قبل أن يتم تجهيز النبي الأكرم للدفن ! . ومن بعد زمان قصير جاءت دولة الأباطرة الذين جمعوا السلطة الدينية والدنيوية، لتكن مرشداً لجميع الطامحين اليوم في الحكم الإسلامي ،يستقبلون به القرن الحادي والعشرين! .
أما الدولة المدنية في نظرهم فهي قصة تلاعب بالمصطلح : من الإسلاميين منْ يرى أنها التي لا يلبس أهلها لباس العسكر !! . فدولة المواطنة ومساواة المرأة بالرجل وعدم التفرقة بسبب الدين أو الجندر أو العرق أو المنطقة أو اللغة أو الدين أو الإعاقة أو الثقافة ...الخ من مواثيق حقوق إنسان القرن ، فلا يعرفون عنها إلا أنهم السباقون إليها بفكر السلف. وعند كشف التفاصيل يأتوننا " بالقطعيات " !!
(8)
أما أنموذج " جنازة اليهودي " فقد أضمر الإمام ألا يقولها صراحة ، ولبيب القراءة يعيد فهم النص أن السيد الإمام قد اختار من الأحاديث ما يوافق تصوره المُبطن عن كُفر أو نفاق سكرتير الحزب الشيوعي ، بل وكفّر من معه في حزبه أو لعنهم بالنفاق من سكوت ، عند قراءتنا للنص الذي اختاره دون غيره ، وهو ما نرى أنه كاد أن يقول " إن أنتم إلا كاليهود " !! .
هذا هو ما تيسر لقراءتنا عما سكت عنه نص المدونة . وهو منهاج في النقد لا يسبح في السطح ، بل في عميق بحور الفكرة المختبئة من وراء النصوص المكتوبة . ونترك السيرة الحسنة الطافية في السطح عن الراحل السيد " محمد إبراهيم نُقُد" وهي خير ما كتب الإمام في مدونته ، وتكشف الوجه المشرق الذي نعرفه في شخص الإمام العام والخاص . ويقول المثل :
(الحقُ ينام أحياناً ، ولكنه لا يموت أبداً )
الدين المعاملة ، وهو حرية يمارسها المجتمع بأشتاته المتنوعة ، المتآلفة في السراء والضراء .لا يتعين أن يُكْرَه عليها أحد . ولا نوزع صكوك الإسلام والتكفير والنفاق على من نختلف معهم في أمر الدولة والحكم . تلك قضية الدولة المتحضرة التي نراها آتية ولو بعد حين . وهي قضية تُخْرِج الأديان عن آلية الدولة و أسس الحكم ، وتبقيها في حضن المجتمع ترضع من أثداء تعرف المحبة ولا تعرف الكُره ، لتكن للجميع شرائعهم وأديانهم يختارونها بحرية دون إكراه . يربط بينهم قانون مشترك للمواطنة يحكم كل أصحاب الديانات ويحكم شركاء الوطن والوطنية .

المراجع :
|1| مقال الدكتور حسن محمد موسى ، السير عبد الرحمن المهدي وحداثة الغبش، 2007
|2| مقدمة شرح ديوان الحماسة، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون ، القاهرة ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،1951 .
|3| من تفسير الجلالين .
|4| https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1142326253
عبد الله الشقليني
26/10/2012
https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 9-5/46120-
*
أضف رد جديد