تعقيب على إستطلاع: تشكيليون ضد صالات العرض

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صلاح حسن عبد الله
مشاركات: 212
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 11:40 am

تعقيب على إستطلاع: تشكيليون ضد صالات العرض

مشاركة بواسطة صلاح حسن عبد الله »

هل سنموت قبل أن نصل إلى أرض الميعاد

تعقيب على إستطلاع: تشكيليون ضد صالات العرض ( نشر بجريدة الراى العام عدد 20 / 5 /2005 )

شكرا للأخ الاستاذ يحيى فضل الله على نشره لإستطلاع الاستاذ محجوب كبلو وهذه مساهمة مني رأيت أن أفرد لها بوستا منفصلا على أمل مواصلة المناقشة في نفس الموضوع، ووفاء مني لوعد قد قطعته على بعض المشاركين.

ورقة ( إشكالية صالة العرض) كانت طرحاً شائقاً وموفقاً من علاء الدين الجزولى فى إفتتاحية منتدى الأربعاء التشكيلى بمقر الإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين مساء الإربعاء 4 / 5 / 2005م ، بعد أن حرص علاء الدين ، ومع بداية التحضير للندوة ، على ما أسماه بـ ( ضبط العنوان ) . فتوصل إلى صياغة لعنوان لاشك أنَّه يشكل موضوعاً يشغل حيزاً كبيراً من الإهتمام لدى التشكيليين وبقية المهتمين ، بل وحتى لدى الآخرين ممن نأووا بأنفسهم عن المزاحمة على بوابات صالات العرض ، أو زهدوا فى ذلك ربما لإحساسهم بفداحة المشكلة عند وقوفهم عند هذه البوابات ، أو ربما خشية الخوف من الإتهام بعدم القدرة على الإستيعاب فى مسألة ربما رأووا أنََّه من الأفضل لهم الإستغناء عنها والإستعاضة عن ذلك بأشياء أخرى .
ما يستحق الإنتباه فى ما طرحته الورقة كونه يجىء ، فى هذه المرة ، من أحد التشكيليين ( علاء الدين الجزولى ) ، وهو تشكيلى متخصص فى صناعة الصورة والتى تعنى أول ماتعنى بصالة العرض . ولما كان هذا الطرح يطرح لأول مرة على هذا النحو المكثف ، وبكل هذا الزخم ، وكل هذا الكم من المعارف والقدرة على الإمساك الجيد باطراف الإشكالية ، فهو بذلك يبقى طرحاً جديراً بتمديد المناقشة حوله ، ويبقى فى حاجة إلى تشريح أوسع لمفاصل هذه الإشكالية .
تكلم علاء الدين فى البداية عن تاريخ نشوء الصالة ( فى شكلها كصالة لعرض الأعمال التشكيلية ) حيث نسبه إلى فرنسا وإلى السيد صمويل بنج الألماني الأصل على نحو أكثر تحديداً . ولكن علاء الدين لم يتطرق إلى أى نوع من أنواع الإشكالات التى ربما تكون قد واجهت الصالة فى منشئها على نحو ما يثير لدينا الآن كل هذه المجادلات . وقد كان على حق فى حديثه قبيل الندوة عن أنَّ الحديث عن تاريخ نشوء الصالة يحتاج إلى بحث كامل ، مفصل ومنفصل . ولكن فلدينا من الشواهد ما قد يفيد فى المداخلة حول الإشكالية التى واجهت صالة العرض فى تاريخها . فعرض الأعمال التشكيلية فى غرب أوروبا ( منشأ تقليد صالة العرض ) عرف كنشاط خاضع للحماية من قبل جهة ما ( الكنيسة ، رجال الدين ، الملوك ، الأمراء ، النبلاء ، التجار الأثرياء . . . إلخ . . . إلخ ) . وقبيل نشوء حركة الحداثة فى باريس ( موطن هذه النشأة ) كانت الرعاية الرسمية للعمل التشكيلى تتم من قبل الإمبراطور نابليون الثالث فى ما عرف بـ ( الصالون ) . وفى عام 1863م قدم مانيه لوحته ( غداء على العشب ) لعرضها فى الصالون ضمن مجموعة من الأعمال لفنانين آخرين . ولكن هيئة المحكمين رفضت عرض لوحة مانيه باعتبارها عملاً شائناً مع رفضها لمئات اللوحات الأخرى . يومها رفع الفنانون المرفوضون والناقمون إلتماساً إلى الأمبراطور نابليون الثالث الذى رجح أن يكون هنالك إجحافاً ما فى حق اللوحات التى رفضت . ولكنه سمح بتنظيم معرض خاص باللوحات والمنحوتات المرفوضة اطلق عليه إسم ( صالون المرفوضات ) الآن باونيس - كتاب الفن الحديث - ص 10.
كان صالون المرفوضات هو بداية النذر الأولى لحركة الحداثة فى غرب أوروبا والتى شملت مدىُ اوسع من الأعمال التى تطورت وعرفت فى ما بعد باسم الأعمال التجريدية . جرأة التشكيليين الذين ترسموا حركة الحداثة من داخل صالون المرفوضات ، أى خارج إطار الحماية الرسمية ، كلفتهم من الإلتزامات ما لم يكن ليقوى عليه إلا فنان مثل ( مايكل انجلو ) على نحو ما يعبر عنه الأستاذ ألان باونيس . كانوا أشبه مايكونون بالمغامرين صوب المجهول . ولا شك أنَّ تلك هى خاصية من خاصيات العمل الإبداعى ، أى إستبطان التاريخ وهضمه واستيعابه ثمَّ المغامرة نحو المستقبل ( المجهول ) . وتلك مسألة مكلفة جداً ، وصلت بـ ( رينوار) أحد مؤسسى حركة الحداثة إلى الحد الذى جعله يعلن عن خيبة أمله فى ردود فعل الجمهور تجاه المعارض الإنطباعية الأولى حتى أنَّه إضطر إلى العودة مرة أخرى يلتمس عرض أعماله داخل الصالون ، بعد أن أسر إلى أحد تجار اللوحات - دوران روبل - ( من الصعب أن تجد فى باريس كلها خمسة عشر محباً للفن فى وسعهم أن يبدوا إعجابهم بصورة ما دون تزكية من الصالون أولاً ) المصدر السابق ص 53 .
ترى كم عدد المعجبين اليوم فى الخرطوم ممن يمكن أن يبدووا مثل هذا الإعجاب تجاه أى عمل تشكيلى بدون أى تزكية من أى جهة كانت ؟ هل يكون عددهم خمسة عشر شخصاً ، أى نفس الرقم الذى حدده رينوار كمقياس لخييبة أملة فى ما أقدم عليه ؟ أم ينقص أم يزيد ؟
بالطبع فإنَّ المقارنة هنا ليست دقيقة إلى هذا الحد ، لأنَّ الفارق بين الحالتين كبير جداً . فحركة الحداثة نشأت على خلفية الحماية الرسمية ، بينما حركتنا التشكيلية لا حامى لها ولا راعىٍ يرعاها . وربما كان فى ذلك للحركة التشكيلية ما يتيح لها فرصة التطور باقل قدر ممكن من الوصاية من الجهة التى تقدم الحماية. إلا أنَّ المسالة ليست على النحو من البساطة ، لأنَّ الحماية فى شق منها توفر المناخ الذى يتيح للحركة فرص النمو والتطور . وفى نفس الوقت فإنَّ الحماية نفسها تفرخ من ناحية أخرى مناخ الوصاية المكلف هو الآخر بكل مخاطره . نسحب مسار المناقشة هنا قليلاً لنقترح شكل الحماية الجماعية بدلاً عن الحماية البلاطية أياً كان شكلها ، وهو أمر قابل للمفاكرة حوله فى مجال آخر .
وجه آخر من وجوه الإختلاف بين واقع حركتنا التشكيلية وبين واقع نشوء حركة الحداثة هو أنَّ نشوء حركة الحداثة قد تمَّ وفقاً لقوانين تطور الحركة الإجتماعية فى موطن الحركة نفسها ، بينما حركتنا الإجتماعية تتطور فى ظل شروط لم نكن نحن طرفاً فى صياغتها ، بمعنى أنَّ تطورنا الذى يتم الآن هو تطور قسرى سواء عن طريق سطوة رأس المال الأجنبى أو عن طريق قوة السلاح . إضافة إلى أنَّ نشاة حركة الحداثة لم تعرف ما نعرفه الآن من المصطلحات من نوع الخصخصة ، تحريرالأسعار ، إتفاقيات تحرير التجارة الدولية ، . . . . إلخ . . . إلخ . كما لم تعرف هيمنة رأس المال الضخم على نحوما نشهده اليوم فى تمدد الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات عابرة القارات ولم تعرف حتى واقعاً كواقع العولمة ، تقنية المعلومات . . . إلخ . . . إلخ .
إذا كان التشكيلى على عثمان قد تمكن من إنشاء صالته فى نهايات الثلاثينات أو بدايات الأربعينات من القرن الماضى ، على نحو ما يوضحه علاء الدين ، إذاً فكيف نفسر سر التدهور الذى بلغ مدىً أصبح فيه الحديث عن الإشكالية نفسها يأخذ كل هذا الحيز من الإهتمام . الإشكالية ليست هى إشكالية خاصة بالصالة نفسها بقدر ماهى إشكالية خاصة بما يعرض داخل الصالة او حتى خارجها ، أى شكل الممارسة نفسه . نأخذ مثلاً التشكيلى موسى كزام جحا الذى لم يلتفت فى أى يوم الأيام إلى أى صالة من صالات العرض ، و لم يسأل عنها أو عن إشكالياتها . وصنع جمهوره لنفسه ، منذ عشرات السنين ، بعيداً عن الصالات ، بل وبدون الحاجة للصالات نفسها ، بل وحتى بدون الإحساس بخيبة الأمل التى عبر عنها رينوار . جمهور جحا وجمهور على عثمان هو نفس الجمهور الذى سبق ان تكلم عنه حسن موسى فى حديثه عن التشكيليين الذين تطلق عليهم عادة صفة ( الهواة ) رغماً عن إحترافهم لمهنة التشكيل ( التشيكليون الهواة هم الذين ساهموا بقدر أساسى فى إبتدار حركة التشكيل الحديثة فى بلادنا قبل أن ينزل الى الساحة خريجو مدرسة التصميم ومدرسة الفنون الجميلة وما شابه . . . إلخ . . . الخ . وقد إستطاع أفراد مثل على عثمان وجحا وأحمد سالم والعريفى وعيون كديس وغيرهم بمجهوداتهم الذاتية ، منطلقين من حدبهم الحميم على الممارسة ، إستطاعوا أن يخلقوا حركة للتشكيل ذات جمهور واسع يتابع إنتاجهم ويعرفه ويميزه من وقت مبكر من تاريخ حركة التشكيل الحديث فى السودان ) . كتاب مساهمات فى الأدب التشكيلى ص 27 . فشكل الممارسة لدى هؤلاء ( الهواة ) لا يحمل أى مواصفات من نوع المواصفات مما أنتجته حركة الحداثة الغرب أوروبية .
بالطبع فإنَّ ماطرحه علاء الدين الجزولى لن يجد القبول بكل هذه الأريحية . مثال لذلك ما جاء على صفحات ( الرأى العام الثقافى – عدد 13 / 5 / 2005 ) . ففى سبيل تعزيزه لوجهة نظره قدم محرر الراى العام الثقافى الأستاذ محجوب كبلو أطروحة الأستاذ إبراهيم الصلحى ( إنَّ عدم توافر دور العرض ومتحف الفنون من أهمَّ عوامل ضعف الذائقة وسوء العلاقة بين الناس والتشكيل – جريدة الرأى العام عدد 29 / 4 / 2004 م ) . . قدمها الأستاذ محجوب كبلو كأطروحة ( تصادم بقوة ما ذهب إليه بيان الحديقة التشكيلية من عدم جدوى صالة العرض كوسيلة مثلى فى هذه المرحلة من وعينا التشكيلى والذى يتضمن إستدراكاً صائتاً ضدها - الراى العام عدد 13 / 5 / 2005 ) . لقد قدمت أطروحة الأستاذ الصلحى فى إتجاه تعزيز المسلمة الأولية بجدوى صالة العرض ، قدمت كمرجعية غير قابلة للنقض .
إنَّ مايثير الدهش فى ذلك هو انَّ الإستشهاد بأطروحات أحد رموز الحركة التشكيلية يجىء من داعية مناهض لـ ( الترميز ) . فكيف نفسر الإستثناء هنا ؟ أم أنَّ مناهضة الترميز هى مناهضة إنتقائية ؟
هل سنرمز حركة الحداثة ثمَّ نوبٍّخ أنفسنا ونتهمها بضعف الذائقة بعد ذلك ؟ إنَّ ذلك أشبه بـما يكون بـ ( جلد الذات ) فى عبارة ما لعبد المنعم الخضر، وذلك هو امر ليس من العدالة فى شىء .
ولعله من الغريب ان نجد انَّ محاكمة ( الذائقة ) تتم هنا دون محاكمة الوسط الذى يحتضن هذه الذائقة . هو نفس الوسط الذى دعى بيان الحديقة التشكيلية للسيطرة عليه ( إمتلاك الفضاء ) بحيث يصبح الفضاء كله هو لوحتنا .
عبارة ( عدم جدوى صالة العرض ) لم ترد فى بيان الحديقة التشكيلية وهى من إستحداث المحرر. بالطبع فمن الممكن ان يقال انَّ ذلك قد فهم ضمناً . إلا أنَّ مثل هذا الإستنتاج ينتج هو الآخر إشكالية أخرى من نوع مختلف : فهل كانت صياغة بيان الحديقة التشكيلية مستعصية إلى هذا الحد ؟ إذا كان الأمر كذلك فكيف تسنى للمحرر ( الأستاذ محجوب كبلو ) ان يستهل ليلة الأربعاء 3 / 10 / 2001 م ( ليلة إعلان بيان الحديقة ) ، ببيت السويد بالحديقة الدولية بقصيدته : ( فى طرفى قصى من البلدة . . الحداد الخفى يصلح غرايبل المطر ) ؟ فما الذى حدث حتى يصـدر إستطلاعه بما يشبه الإثارة ( تشكيليون ضد صالة العرض ) ؟ مع أنّ احداً من التشكيليين لم يذهب إلى ذلك .
المسالة وما فيها هى أنًّ إستثارة الأسئلة حول إلإشكالية موضوع المناقشة ليست جديدة باى حال من الأحوال على الساحة التشكيلية . راجع فى ذلك ورقة على الامين ( إشكالية العمل التشكيلي - النحت نموذجاً – مركز الدراسات السودانية / 2001 معرض اميمة حسب الرسول ) وورقة محمد عبد الرحمن ابوسبيب ( إشكالية التذوق - معرض عصام أحمد عبد الحفيظ ، دار النشر بجامعة الخرطوم ، معرض المليون كتاب ، ينائر 1990 ) نفس الطرح الذى تواصل بمستوى آخر فى ورقة الدكتور محمد الحسن على ( سقوط اللوحة المؤطرة - المركز الثقافى الألمانى - 2001 ) ، بل وراجع فى ذلك كل أطروحات تيار الشبان التشكيليين ( كتاب مساهمات فى الأدب التشكيلى ص124 – ص 183 ) .
الجديد فى الطرح هذه المرة انَّ هنالك إضافة ما قد تمت بوضوح نظرى أضاف الفضاء كله كلوحة يشملها العرض التشكيلى. وهو طرح لم يكن مصادفة . ذلك أنَّ تراكم المعرفة النظرية على جبهة التشكيل هوالذى جعل مثل هذا الطرح ممكنا
إنَّ العرض الذى قُدِّم لوجهة نظر علاء الدين به كثير من التشويش بداية من العنوان أعلاه ( تشكيليون ضد صالة العرض ) وانتهاءاً بالفقرات التى جاءت مبتورة من داخل نص بيان الحديقة التشكيلية . هو نفس التشويش الذى يشمل العمل التشكيلى داخل صالة العرض وخارجها ويشمل العمل النظرى على ساحة التشكيل أيضاً . وحتى التشكيليون الذى بذلوا جهداً ليس سهلاً فى سبيل إستقصاء الإشكالية فلن نزعم لهم إنفلاتاً تاماً من أسر هذا التشويش . راجع فى ذلك أطروحة الأستاذ على الأمين ( . . والصالة فى هذا الأداء تقوم بدور شبيه بدور التجربة المعلمية التى تؤدى بعيداً عن السياق العام ثمَ بعد التأكيد منها تطرح على الملأ . وهى بهذا ليست كافية ولكنها ضرورية على كل حال ) وتلك هى أطروحة تكاد ان تطابق اطروحة أبوسبيب التى وصل فى تحليلاتها إلى إقتراح لحل إشكالية الـ (FINE ART ) بطريقة المؤتمرات العلمية . ويومها قدم أبوسبيب إقتراحه باعتبار أنَّ حضور المؤتمر العلمى يقتصر على أناس محددين هم من توفرت لديهم فرصة حضور المؤتمر وأتيحت لهم القدرة على التعامل مع ما يدور داخل المؤتمر ، ولكن عائد ما يدور داخل المؤتمر يعود على الآخرين ، ممن لم يتسن لهم حضور المؤتمر ، بشكل آخر ، أى عن طريق التلقى غير المباشر . وبنفس الكيفية إقترح أبو سبيب حلاً لإشكالية تذوق ( الفنون الجميلة ) يقوم على إفتراض أمكانية وصول عائد المعارض إلى الآخرين ، ممن لا يتسنى لهم حضور المعرض ، بطريق آخر غير مباشر أيضاً . ولكن كيف يمكن وصول عائد اللوحة الذى لايمكن تلقيه إلا عن طريق النظر المباشر وعن طريق العين المدربة التى لا تنفصل عن الذهن على نحو ما يقول الكريستاليون ، وهم محقون فى ذلك ، كيف يمكن وصول هذا العائد إلى هذه العين بطريق آخر غير مباشر ؟ هل يمكن ان نتصور تلقى العمل التشكيلى بدون حاسة النظر ؟ أو تلقى الموسيقى بدون حاسة السمع ؟ وعلى كل فإنَّ الحل الذى قدمه أبوسبيب يعنى أن يتم هذا الحل بطريقة أن ( يظل الوضع كما هو ) على نحو ما تقول إدارات المحاكم المصرية عندما يستعصى عليها الحل . وهو نفس ما يمكن ان يقودنا إليه تحليل الأستاذ على الأمين . ترى لماذا إختصت إشكالية التذوق بالفنون الجميلة الـ (FINE ART ) وحدها ، بينما هى لا تشمل بقية أجناس وأنواع الفنون الأخرى ( المسرح ، الموسيقى ، الأدب ، الشعر ، وقيل حتى الفنون التطبيقية ) حتى تقدم لها الحلول على طريقة المؤتمرات العلمية أو التجربة المعملية ؟
أتفق كثيراً مع علاء الدين فى ما اورده حول إشكالية صالة العرض ، ولكن ، وبالنظر إلى نموذج على عثمان وجحا وغيرهم من هؤلاء الفنانين الهواة المفترى عليهم ، فإنَّ تشخيصاً أكثر دقة يفيدنا أنَّ إشكالية ما يعرض داخل صالات العرض هو إشكالية تشمل الأعمال التجريدية قبل غيرها من الأعمال التشكيلية الأخرى . وهنا فلا مناص من خوض المسألة فى هذا المستوى من المباشرة ، أو ( الدخول فى بطن الغول كما يقول عبد الله بولا ) لفحص شكل الممارسة الذى ورثناه كاملاً عن مركز الثقافة الغرب أوروبية بعد ان إكتملت شروط تطوره لدى من طوروه هناك فى غرب اوروبا . فهل نحن ملزمون إلى هذا الحد بما انجزه مركز الثقافة الغرب اوروبية بهذا الشكل التلقائى قبل أن نتعرف عليه وبدون أن نفحصه وننقده ؟
لن يفيدنا كثيراً ان نحاول تحريك الصالة جغرافياً بطريقة أن نغادر الصالات المتخصصة إلى الشوارع التى ربما نعتقد أنَّها رحبة ، أو أن نغادر الفنادق إلى الأندية حيث الأحياء الشعبية أو . . . أو . . . إلخ . تحريك الصالة جغرافياً لن يفيدنا فى شىء بقدرما يفيدنا تحريك مفهوم وشكل الممارسة نفسها . وبدون اى محاولة لتحجيم آفاق الحلول الى تنظر الحركة التشكيلية فإنّ الحديث عن نموذج على عثمان وجحا لا ياتى من باب الدعوة للإنغلاق داخل تجربتيهما والعودة مرة أخرى لترسم نموذجيهما . يلينا من ذلك النظر فى المفهوم المقابل والمتمثل فى ترسم نموذج تجربة حركة الحداثة الغرب اوروبية والتى إعتمدت المفهوم الفلسفى للتجريد ، بينما مركز ثقافتنا السائدة ( العربية ) لا قبل له بهذا المفهوم الفلسفى للتجريد ولم يعرفه فى تاريخه . المفهوم الفلسفى للتجريد هو مفهوم نشأ عن الحاجة العلمية (scientific ) لما انتجته الحركة الإجتماعية فى غرب أوروبا كحركة إعتمدت العلم (science ) كمنهج حياتى يومى ( راجع فى ذلك كتاب مساهمات فى الأدب التشكيلى ص 136 إلى ص 141 ) ، بينما واقع حالنا يفيدنا انَّ علاقتنا بالعلم (science ) مازالت ضعيفة وواهية . أو بالأصح فما زلنا مستهليكن للـ ( العلم ) بكل طفراته الخرافية التى ينجزها أمام أعيننا كل يوم . وهكذا ، وبتعقد علقة التلقى هذه فن يكون امامنا من سبيل سوى النظر إلى إشكالية صالة العرض وشكل الممارسة التشكيلية داخلها إلا من خلال النظر إلى واقع حركتنا الإجتماعية ككل ، بكل تشوهاتها وبكل واقعها المزرى والمترهل .
كان علاء الدين حريصاً على التأكيد بأنَّه ليس ضد صالة العرض . وبقدر ما أكد ذلك فبقدر ما كرَّس إهتمامه للدعوة لـ( إمتلاك الفضاء) حتى يصبح هذا الفضاء كله هو لوحتنا ( راجع فى ذلك بيان الحديقة التشكيلية ) . ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؟ فعلاء الدين هنا ينتقل بالإشكالية من مستوى إلى مستوى آخر . وفى كليهما فإنَّهما لن يؤكدا إلا شيئاً واحداً وهو أنَّ الإشكالية هى إشكالية لاتهم التشكيليين وحدهم بل إنَّ كل اطراف الحركة الإجتماعية مدعوة بل هى مسئولة عن النظر فى هذه الإشكالية أكثر من كونها مجرد طرف مراقب للإحداث وللمساجلات حول الإشكالية والتى لا مناص لأى طرف من هذه الأطراف من مواصلة رصد وتحليل كل تجليات مظاهرها . ويبقى الطريق إلى ذلك هو نفس الطريق الطويل الشاق ؛ طريق لن تكفيه ندوة واحدة او مجموعة من الندوات ولا مقالة واحدة او مجموعة من المقالات ، ولا معرض واحد او حتى مسلسل طويل ورهيب من المعارض ، هو طريق التغيير الإجتماعى الشامل الكامل بكل نتوءاته وتعرجاته وتكلفته الباهظة .
كان سيزان ( أبو الحداثة ) يتساءل قبيل موته بقليل ( يا ترى هل سأكون مثل موسى فأموت قبل ان أصل إلى أرض الميعاد ؟ ) ألان باونيس – كتاب الفن الحديث - ص 51 . وللتشكيليين أيضاً أن ينتساءلوا : هل سنكون مثل موسى فنموت قبل أن نصل إلى أرض الميعاد ؟
وعلى كل حال فإنَّ ميعادنا ، لا محالة ، قادم وأرضنا أيضاً قادمة . وهى أرض لن تكون خصماً على أى أرض صالحة أخرى بل إضافة لها
.
صلاح حسن عبد الله
[email protected]
أضف رد جديد