دابة الأرض تحلم بالمُلك

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

دابة الأرض تحلم بالمُلك

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



دابة الأرض تحلم بالمُلك


أيها الناس،
لقد أصبحت سلطانا عليكم،
فاكسروا أصنامكم بعد ضلال واعبدوني.
إنني لا أتجلى دائماً،
فاجلسوا فوق رصيف الصبر حتى تبصروني.
أتركوا أطفالكم من غير خبزٍ،
وأحمدوا الله على نعمته.
إنني يوسف في الحُسن
ولم يُخلق جبيناً نبوياً كجبيني
*
نزار قباني

(1)

أنا دابة الأرض. كتبت تاريخي خارج التعليم، فالمداس باطلة وباطل منْ يشتغل بها، لأنها تهبط الهمّة وتزرع الخوف، وتًبعد مني السلطة. أنا رئيس عصابة، تقتل وتنهب وتسرق. ولي جبل كأُحُد من ذهب، سوف أبيعه على دفعات لأزداد غنى، فأنا كنتُ أحلم وأتمنى، والحلم مُباح للجميع. واليوم أمسك خاتم المُنا في أصبعي وأتمنى، وليلة القدر خير من ألف شهر. دانت لي القطوف كلها... وقطفت. كان الرئيس يحبني ويقربني إليه وقال عني راجل "ضكران"، بل أعطاني رُتبة عسكرية عظيمة تُزين كتفيَّ، ورشحني لأكون سيفه الذي به يبتُر، وأكون طوع بنانه حين يناديني بالهاتف النقال، فأرد عليه وأقبل بعصابتي بالسيارات والسلاح، انتظر الأوامر.
قالوا إني صغير على السلطة، حين جاءتني ترفل في عزّها، وتطلبني، كي أستريح من ضفاف النوم الطويل في الصحاري، أفتِّح عين وأغمض أخرى. ها قد قدمت العاصمة لأن الرئيس " أمير المؤمنين" يطلبني. وخطب أمامنا خطبته، بعد أن استدعاني ضمن مجلس أمنه وقال في جمعنا:

{أنا بشبه الحجاج بن يوسف. أنا حَرَّمْ واقِع من السَّما مية مرَّة، بَعْرِف مِتين أعرِض وتَعرِفوني زي جُوع بَطُنكُم. هوي يا أهل السودان الفَضَلْ. أما واللهِ إني لأحمل الشرَّ بِحمله وأحْذوهُ بنَعله وأجزيه بمِثلِه، وإني لأرى أبصاراً طامِحة وأعناقاً متطاوِلة ورؤوساً تشتهي مُشاركَتي الحُكم والسلطة من أخوانا " السَجْمانين " المالين الساحة، وبَعَد ما مَرمَطّا بيهُم الواطَة، قُلنا نَجرِبُم كان ينفَعْ فيهُم. دة أوان الشّدة بعد الجنُوب ما راح ... إن شاء الله يروح في ستين داهية.

أسمَعوني جاي يا أهل السودان الفَضَل. قُلنا نَساعد " السَّجمانين "، أصحاب اللولوة والنفاق ومساوئ الكلام التِحِتْ تِحِتْ. أنا راخي أضاني وبسمع كل شيء. ولا يغمز جانبي كتغماز التين، ولقد قررت عن ذكاء وبصيرة، وفتّشت عن تجربة وجريت إلى الغاية القصوى. وإنني أمير المؤمنين ..كان عَجَبكُم. أطال الله في عُمري. نثرت كنانتي فعجمت عيدانها واخترت منهم مجلس أمني، أطراهُم عوداً وأطولهم قامة وقلت "الأرض جرّبت الحجر". والله يا "السجمانين" لألحونّكم لحو العصا. ولأقرعنّكُم قرع المروءة ولأعصبنَّكُم عصب السّلمة. ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل، كان تاني واحد فيكُم يفَتح خَشمُو، فإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً، لمَّن جُو الجنوبيون أخدوا البترول كُلو وعدّمونا نفاخ النار، وساعدتُم دول الاستكبار، بعَد دة كفرتُم بأنعُم الله " لا وتر ولا كفر ولا أتر " فأذاقكم الله لباس الجوع والخوف بما كنتم تصنعون. وأنا واللهِ لا أعدكم بشيء ولا أفي، وماشي ساكِتْ وزي ما تجي تجي. أما والله لتستقيمنَّ على طريق الحق الماعارف بودينا وين، أو لأقتل منكم الربع أو الثلث وقيل النصف حسب الفتوى السمعتَ بيها }

(2)

توقفت أنا برهة، وتخيّلت أنه يخاطبنا، ولكنه كان يخاطب المعتصمين. ولم أفهم من حديث الرئيس إلا (ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل ).
وقلت لنفسي: الرئيس مثلي تماماً، بياخد حقو بضراعو. قلت: قد جاءتك الآن الرياسة تجرجر أذيالها. الجد هلا هلا عليو!. دُقَّن يا بنات ... والحكامات التغنّنَّ.
*
قلت: إني أعاف الخوف و الخذلان، فقد تعودت على النفرة وراء المسروق، حتى صرت كالسارق. أسرق كـ " همباتي"، يسرق الجمال والنوق ويوزعها على الفقراء. ولا أترك النوق حتى التي تعيش منها المرأة الوحيدة، فأنا لا أوزّع العطايا للفقراء، بلا ياخُدُم ...، للأغنياء كُل اهتمامي. ولكني لا أكتب الشعر، فمعرفتي باللغة لا تبيح لي أن أكون شاعراً ولا ينبغي لي، ولا أعرف كيف ينطقون الحروف. أتحدث على سجيتي، وأقول أي شيء، فيصبح كلامي مقدساً، وتنقله الصحف والتلفزيونات الأجنبية.
*
ذهبت لزعماء القبائل، و رجال الإدارة الأهلية الذين صنعهم المؤتمر الوطني، وأعطيت كل واحد سيارة فخمة ومال يعيشُم لأولاد أولادُم. فسمعتهم يطيعوني ويهتفوا باسمي. الصعلوق من أولاد عصابتي، كان جانا، يتعلم الدّين و يصلي.. فعرفت أنني سيد كريم ابن أخ كريم. وركبت مركب الملوك، فسيارات عصابتي تحف بموكبي، وتطلق الرصاص ابتهاجاً.
*
أخطرت أبناء قبيلتي بالخارج، أنني في حاجة لمساعدين ومستشارين. وحضروا بالطيارات، في الوقت والساعة. وقدموا الرأي عن يد، ولكنهم ليسوا صاغرين. فقد دفعت لهم أجرهم مضاعفاً، كي يصبحوا أغنياء. قلت إنني لا أرغب السلطة، ولكن تم تعيني نائباً للرئيس المؤقت.
( أها دي فرصة جاتني في مكاني دة..، أرفسا؟)
لا والله حاشا

*
أضف رد جديد