ضد تنازلات قيادة قوى الحرية والتغيير

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

ضد تنازلات قيادة قوى الحرية والتغيير

مشاركة بواسطة Isam Ali »




هل قامت اﻻحزاب الموجودة فى ق ح ت بتفجير الثورة الحالية ؟ هل قام التجمع الوطنى الديمقراطى تفجير اﻻنتفاضة فى مارس/ابريل 1985 ؟ هل قام اجتماع اﻻحزاب فى الجبهة الوطنية فى 26 اكتوبر بتفجير ثورة اكتوبر 64؟ اﻻجابة فى كل الحالات لا صلدة ..لا يهم اختلاف التركيبة الحزبية فى التحالف المكون فى تلك القيادات؛ المهم ماجنيناه من نتائج ، المهم هو تفريط التجمعات الحزبية فى اكتوبر ، و التجمع الوطنى وافراغ اﻻنتفاضة من شحنتها الثورية فى ابريل ، وما تفعله ق ح ت لافظع انتهاك يمكن ممارسته بحق اهداف ثورة سبتمبر الماجدة .
هم لا يفجرون هذه الثورات ، ويتمايز عطاء بعضهم فى مناهضة والنضال ضد الديكتاتورية العسكرية ؛ ولكنهم ينتهون الى قيادتها وبغض النظر عن عطائهم ، يجدون مقاعد متساوية فى هيئة القيادة . بعض العطاء المذكور فى التعامل مع مصادرة الديمقراطية على يد انقلاب ما سمى الحركة اﻻسلامية ( الكيزان ) كان فى وجهة اﻻصلاح ، مجرد اﻻصلاح ، يقف على السطح ، يغطيه اﻻعلان العالى للغة الديمقراطية واحيانا الثورية ؛ والحركة التى لا تهدأ لبعض اﻻحزاب ، ولكنها تحرص على اﻻبتعاد عن حوش الثورة الملئ بالصعاب ووعود الديمقراطية الجذرية . وعندما تجلس هذه اﻻحزاب على سدة القيادة فى ق ح ت ، تستمر فى ممارسة نفس السياسة بتعديلات مناسبة ، فكل اناء بما في ينضح ، فمن اين لهم غير ما يحتويه ؟
تقوم المساهمة السياسية لبعض اﻻحزاب الموجودة فى ق ح ت ، على تعديلات سطحية لسيناريو الهبوط الناعم ، وهو سيناريو جاءت احدى صيغه بذهاب السفاح الساقط البشير ، واحلاله بشرذمة اخرى من العساكر ، وهو سيناريو وافق عليه الساقط المخلوع فى خطابه بعطبرة ، واتخذ شكل تكوين اللجنة اﻻمنية وعضويتها من حكام اﻻقاليم . قبلت بعض احزاب ق ح ت بهذا السيناريو ، وغنت له اﻻغانى اﻻيديولوجية البائسة : مثل " انحياز المجلس العسكرى للثورة ، وخلوه من الرغائب فى التمسك بالسلطة ، وان الجنجويد حميدتى بصدد اعادة انتاج نفسه ، الم يرفض اطلاق الرصاص على اﻻعتصام ! .. الخ” و كان اللحن اﻻخير "عصفورة فى اليد ولا الف طايرة " عزفته الجوقة التى ذهبت الى اديس ابابا ، كما ورد فى التصريح المنسوب لعمر الدقير!.
لم تنجح الثورة فى تكوين قيادتها ، وان نجحت فى تكوينها على مستوى اﻻحياء والمدن والقرى ، اﻻ انها لم تأسسها على مستوى البلد . وكانت النتيجة غياب صوتها الشجى فى اجتماعات ق ح ت وفى لجنة التفاوض ، وبأثر غيابه توالت التنازلات المذلة التى قدمتها ق ح ت الى مجلس اللجنة اﻻمنية الممثل الشرعى للنظام الساقط . وباثر غيابه تعلن ق ح ت( على لسان الدقير – لو صح التصريح) هزيمة الثورة.
ماسبب ذلك ؟ ما الذى يقود بعض تلك اﻻحزاب الى اتخاذ مثل المواقف الذليلة ؟ انها المصالح الطبقية ، وسبل تحقيقها . وتأتى الدولة القائمة – تلك الكريهة الموروثة من البنية اﻻستعمارية بتعديلاتها وتغيراتها البنيوية السياسية واﻻدارية ، التى خصت البلد ؛ بما فيها اﻻوليجارشية البيروقراطية العسكرية– كاحد افضل اﻻدوات لخدمة تلك المصالح الخاصة بالبرجوازية المحلية ، والبرجوازية اﻻستعمارية -الجديدة ( او النيوكلونيالية ) . وقد انتج ضعف البرجوازية السودانية وتبعيتها للرأس المال العالمى ومكونه اﻻقليمى، ذلك الجهاز المشوه ؛ والذى تبنته واعتمدت عليه فى ادارة وتحقيق مصالحها الطبقية . وقد انتج هذا الجهاز فى مسيرة استمراره الدولة الكليبتوقراطية ( اى دولة الحرامية ) ، تعوس فى الفساد وتحميها اﻻجهزة اﻻمنية .
لا احد فى ق ح ت يطلب ادخال تغييرات جوهرية لجهاز الدولة البعد-استعمارية ، واعلى التعبيرات المطالبة ﻻدخال التعديلات عليه ، هى تعبير قسمة السلطة والثورة ، وهو شعار وقف فى حد التعبير او الشعار السياسى ، ولم يتجاوزة للدرس العميق الذى يمكن ينتجه الفكر السياسى . وهو فى حاله هذا لا يمكن ان نتوقع منه سوى انتاج نفس جهاز الدولة مع توزيع نسخة منها فى اﻻقاليم او ما
نسميه اﻻن بالهامش .
دعى ماركس فى البيان ، كما دعى لينين فى الدولة والثورة الى تحطيم حهاز الدولة البرجوازى ، واقامة جهاز مصيره التلاشى كلما تطور اﻻنجاز فى تحقيق البنية اﻻشتراكية . لايغتقد ماركس ولا لينين ان جهاز الدولة بنية متسامية فوق الوجود اﻻنسانى اﻻجتماعى ، تمنح اﻻحزاب وحكوماتها خصائصها وخصائص برامجها تلتصق بها كالقدر ؛ بل العكس انهم الناس او الجماهير من يحددون لجهاز الدولة ادواره وطرائق عمله . لينين مثلا يجلب للمعادلة بعدا ثالثا لبعدى جهاز الدولة والسلطة ، وهو بعد القوة. وهو البعد الذى ظهر فى تصديه لكاوتسكى ،حيث اعتبر كاونسكى البرلمان ( والانتخابات الديوقراطية التى تنتجه) كافيا لتوفير الحرية للجميع والتى من خلالها ( حرية صحافة ، اضرابات .. الخ )يمكن للبروليتاريا ان تحقق مصالحها ، ان تمارس ما تملكه من قوة من اجل ذلك؛ فالبرلمان البرجوازى يضمن حقوق اﻻقلية . اعترض لينين على الفكرة البرجوازية اﻻنتهازية ، وحدد ان اﻻقلية المقصودة هى دائما اقلية اخرى من اﻻحزاب البرجوازية ، اما احزاب الطبقة العاملة فنصيبها دائما حالات الطوارئ واﻻحكام العرفية واﻻعتقال بدعوى تهديد اﻻمن والسلام اﻻجتماعى ، واحيانا الحرب اﻻهلية .لاتمتلك الطبقة العاملة وفئات الكادحين حرية ، فحريتهم رهينة باحتيازهم على جهاز الدولة ، واستخدامه فى ممارسة للقوة التى تحقق ارادتهم فى التغيير الراديكالى

انها قوة الجماهير الثورية التى اسقطت سلطة عبود العسكرية ، واسقطت الصيغة اﻻولى التى اخرجتها احزاب الجبهة الوطنية كبديل (حكومة انتقالية لمدى 6 شهور يترأسها عبود) ، تولت اسقاطها ليلة المتاريس المجيدة . انها قوة الجماهير التى اسقطت ابنعوف واللجنة السياسية لزين العابدين ، والتى حققت قبول مجلس اللجنة اﻻمنية لتصور السلطة فى شقيه مجلس الوزراء والهيئة التشريعية . تجلت فى اقامة المتاريس – كذلك – بعد ان فتح كبرى الحديد ، فاقامتها الجماهير فى الشوارع المجاورة . انها قوة الجماهير الثورية لاتجد موقعها فى ق ح ت ، فاﻻخيرة لا تمثل سوى الاحزاب الذين تضمهم عضويتها . وهى التى قبلت التنازلات المهينة بصدد المجلس السيادى وغيره .
ما الحل ؟ ما العمل ؟ الحل ببساطة هو ان تتولى جماهير الثورة قيادتها الحقيقية . كيف ؟ بان تكون اﻻجسام الممثلة للجان المقاومة فى احياء المدن والقرى والتنسيقيات بينها ، ليتم تمثيلها فى ق ح ت . هناك بعض لجان المقاومة موقعة فى اعلان الحرية والتغيير ، واعتقد ان احد الكناكات ( ميرفت) عضوة فى القيادة ، وعضوة فى وفد التفاوض ، (وقد يكون فهمى لوضعها ليس دقيقا ) لكن تظل الحقيقة ان بعض لجان المقاومة موقعا على اﻻعلان . لجان المقاومة فى اﻻحياء حقيقة ثورية ، وقيادتها للنشاط الثورى من مظاهرات مليونية ، واختراع اﻻعتصامات ، وابداع العصيان والذى تم تنفيذه قبل المواعيد التى حددها تجمع المهنيين ، كل ذلك حقيقة ثورية اخرى ، وحقيقة انصع .فهى اللجان موجودة وفى مستوى تنظيمى فعال ، ومستوى من التفكير الثورى عال، وممارسة هى اﻻجمل فى العالم . وجودهم الممثل لقوى وجماهير الثورة فى ق ح ت هو الخطوة الثورية والمنطقية – لذلك- الوحيدة المتبقية . وهو وجود لا يحتاج ﻻذن احد او موافقته ، هو وجود القوة يسعى لجهاز السلطة ليحقق وحدتها الثورية . ان الصراع الذى تقوده القوى المعادية للثورة ، ممثلة فى مجلس اللجنة اﻻمنية ، ورصيده من القوى اﻻيديولوجية والسياسية واﻻمنية لنظام الكيزان المنهار فى مجرى السقوط الشامل ؛ هذا الصراع ضد ق ح ت ( او ضد الثورة باﻻحرى) هو صراع من اجل السلطة والقوة واحتياز اكبر قدر منها ، يفرغ الثورة من اهدافها الجذرية ، ويمحل بذورها فى تربة الشهور اﻻولى من الفترة اﻻنتقالية .لا يهم كثيرا اذا ذهب هؤلاء القتلة فى اللجنة اﻻمنية او جاء غيرهم ، يلبسون قماش الفضيلة الذى انتزعوه من اجساد الكنداكات قبل اﻻغتصاب ، لا يوجد بين هؤلاء سوى القتلة مؤسسى المليشيات ، سوى تخرجوا من السنة الثالثة ابتدائى او كلية الهندسة فى جامعة الخرطوم . هذا الصراع الدائر يجبر فى كل مرة لصالح اللجنة اﻻمنية لنظام السفاح المخلوع . فى كل جولة مفاوضات ، كسبت اللجنة اﻻمنية تنازلا ، ولا زالت جتى و ق ح ت تفاوضها من خلال الوساطة، كما جاء فى التصريح المنسوب للدقير . ة سوف تستمر ق ح ت فى تقديم التنازلات الان وفى اثناء الفترة اﻻنتقالية للعساكر الذين " انحازوا للثورة " ورفضوا قتلنا فى بدئها ، وستتحول الثورة الى نسخة من قسمة السلطة والثورة وفقا لواحد من سيناريوهات خرط الطريق المضللة المشهورة التى اباها شعبنا ، واخذ الطريق العديل الذى يودى للبلد . ان الحل فى تنظم لجان المقاومة لجانها فى اﻻحياء ، وتكون هذه اللجان تنسيقياتها( واحدة او اكثر) وقد ترى اللجان او التنسيقيات امكان او ضرورة شكل تنظيمى يضم هذه التنسيقيات على مستوى المدينة او جمع من القرى المجاورة ، هى فى النهاية اشكال من اﻻبداع التنظيمى تقوم به هذه المقاومة الثورية ، فهم اجدر واعرف بحصائص مناطقها . لنضرب مثالا : تقوم لجان المقاومة ( لجنة واحدة او اكثر ) فى حى ما باﻻتصال والتنسيق مع لجنة مقاومة اخرى فى الحى المجاور ، وحسب الظرف الملموس يمكن ان تقام هيئة تنسيقية تربط بين هذه اللجان . لنفترض ان هذا الحى هو العباسية، فاذا نجح هذا المسعى فى حى العرب وحى المهندسين والموردة .. الخ ، يمكن ان تتوفر لدينا تنسيقية لجان المقاومة فى ام درمان القديمة، وتنسيقية او تنسيقيات مدينة ام درمان ، مدنى ، القضارف ، معسكرات اللاجئين ، سنجة .. الخ . تتقدم تنسيقيات المدن والقرى المختلفة للتوقيع واﻻنضمام على اﻻعلان ، ويتم مناقشة طرائق وشكل تمثيلهم فى ق ح ت وفى لجنة التفاوض .

سخر لينين من كاوتسكى ، وكان يقول عنه العالم العلامة، ويتهمه بتزييف ماركس وانجلز، وتزييف المعنى الحقيقى للديمقراطية البرجوازية ، مستخدما تعقيد المفاهيم والمقولات المنتجة فى علوم الفلسفة ، مستعينا بجمالية اللغة اﻻلمانية لذر الغبار فى اعين الطبقة العاملة وفئات الكادحين . اخذ لينين نفسه وسماه المرتد كاوتسكى ( بدون حمولة دينية للكلمة ). ونحن نسأل يا قيادة قوى الاعلان، هل بينكم كاوتسكى ؟ نريد ان نعرف من اﻻحزاب دعم هذه التنازلات كلها ، التنازل اﻻول ( من مدنية بالكامل الى وجود محدود للعساكر القتلة ) ، والتنازل الثانى والثالث حتى اﻻخير ، نريد ان نعرف ، وماهى حججهم، نريد نشر هذه الوقائع الخاصة بالتنازلات، فهى ليست اسرار طالما عبرت عن قناعات صاحبها ، وهى من حق الثورة وجماهيرها وشهدائها . نريد ان نعرف هل يستمر الثوار ترديد الشعار: الدم قصاد الدم … ما بنقبل الدية ، ام ستتناوله التنازلات والتحقيقات المغشوشة. نريد ان نعرف هل يبنكم كاوتسكى ؟ ومن هو ؟
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

تنازلات و حركات

مشاركة بواسطة حسن موسى »





تنازلات و حركات




كتب عصام علي:

" هل قامت اﻻحزاب الموجودة فى ق ح ت بتفجير الثورة الحالية ؟ هل قام التجمع الوطنى الديمقراطى تفجير اﻻنتفاضة فى مارس/ابريل 1985 ؟ هل قام اجتماع اﻻحزاب فى الجبهة الوطنية فى 26 اكتوبر بتفجير ثورة اكتوبر 64؟ اﻻجابة فى كل الحالات لا صلدة « ـ

..لا يهم اختلاف التركيبة الحزبية فى التحالف المكون فى تلك القيادات؛ المهم ماجنيناه من نتائج ، المهم هو تفريط التجمعات الحزبية فى اكتوبر ، و التجمع الوطنى وافراغ اﻻنتفاضة من شحنتها الثورية فى ابريل ، وما تفعله ق ح ت لافظع انتهاك يمكن ممارسته بحق اهداف ثورة سبتمبر الماجدة .
هم لا يفجرون هذه الثورات ، ويتمايز عطاء بعضهم فى مناهضة والنضال ضد الديكتاتورية العسكرية ؛ ولكنهم ينتهون الى قيادتها وبغض النظر عن عطائهم ، يجدون مقاعد متساوية فى هيئة القيادة . »ـ


يا عصام سلام ،
أنا توقفت عند كلامك في ما بدا لي تعميما يتجاهل أوجه التركيب الماثلة في كل حالة من حالات الثورة السودانية، و هو تعميم يقفز فوق تعقيدات مسار حركة الثورة السودانية بطريقة لا تترك للقارئ حيزا يلتقط فيه انفاسه ليتأمل نقديا في ثنايا هذا المسار العامر بالإلتباسات. و في نظري، الـ " ضعيف"، يبدو لي أن ملابسات التغرير بثورة أكتوبر 1964 تختلف عن تلك التي أودت بثورة "ماريل" [مارس أبريل ]1985 بين براثن الإسلاميين،كما أن كل واحدة من هاتين الثورتين تتمايز ـ و كثيرا ـ عن ثورة السودانيين الراهنة الآيلة للتشظي بفعل الفاعلين السودانيين و كفيلهم السعودي الخليجي الذي حمله اسلاميو الترابي [ مع تأسيس منظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم 1980] على مسرح السياسة السودانية، مع النميري ثم مع سوار الدهب، ليتسنى لهم إختطاف ثورة 1985..
ثورة أكتوبر 1964 حصلت في لحظة تاريخية فريدة التقت فيها مصالح الأحزاب اليمينية الطائفية المحافظة، بما فيها حزب الأخوان المسلمين، مع الأحزاب و التنظيمات اليسارية على اسقاط ديكتاتورية الفريق عبود.كان مشروع الأكتوبريين هو إسقاط نظام عبود [ تسقط بس] "و بعدين الله كريم ». و في خاطر احزاب اليمين الطائفي احتلال كراسي الحكم بعد اجلاء العسكريين و السلام.
و ديكتاتورية عبود قامت على بيروقراطية عسكرية يعرف السودانيون انها استلمت السلطة بتواطوء مشهود مع الحكومة المدنية لحزب الأمة [عبد الله خليل] و بموافقة "السيدين « . أو كما قال الفريق إبراهيم عبود أمام القاضي صلاح الدين شبيكة، رئيس لجنة التحقيق في أسباب إنقلاب نوفمبر 1958 :ـ
« ـ »
عبد الله خليل هو صاحب الفكرة بتاعة الإنقلاب أساسا، و هذا أمر معروف للجميع، و قد نفذنا الإنقلاب لإنقاذ البلاد. لو عبد الله خليل قال :بلاش الحكاية، كنا في ثانية ألغينا كل شيء لأن الأمر صدر منا للقوات، و كان يمكن بإصدار أمر مضاد إيقاف كل شيء.. « 
"لما عملنا الإنقلاب لم نكن نعتقد أنه شيئ غير مشروع لأنه تم نتيجة لأوامر متسلسلة من سلطات  الجيش بدأت بأمر وزير الدفاع"،
[ ـ انظر خمسون عاما على ثورة أكتوبر السودانية،ص 454، تحرير حيدر إبراهيم علي ، عبد السلام نور الدين، محمد محمود و عبد الوهاب همت، نشر مركز الدراسات السودانية ، 2014]ـ
اليوم ينظر الكثيرون لقيام سلطة مدنية في البلاد باعتبارها الحل الأمثل الذي يخارج الشعب السوداني من الأزمة السياسية الراهنة ـ بالفعل ـ دون أن يخطر ببالهم أن السلطة المدنية تنطوي على هشاشة بنيوية تجعلها رهينة للإنتحار السياسي على نهج عبد الله خليل و ابراهيم عبود.غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة.
المهم يا زول ، اليوم يعرف القاصي و الداني الطبيعة العضوية للتواطوء السياسي بين الإنقلابيين و قادة النظام المدني الذين دفعوهم دفعا ـ بل قل : أمروهم أمرا مباشراـ لمصادرة الديموقراطية حين استشعروا أن هذه الديموقراطية لا تخدم مصالحهم. و في تلك الفترة العصيبة التي خرج فيهاالسودان من قبضة جيوبوليتيك الإستعمار ليجد نفسه في عز جيوبوليتيك الحرب الباردة، كانت قضية السيادة في صدارة هموم الحركة الشعبية التي تجسدت في أسئلة الحرب الأهلية في الجنوب و سؤال "حلايب" و قضية " المعونة الأمريكية" موضوع منازعة سياسية بين الفرقاء السياسيين في البرلمان الوليد.
و لو تمعنّا في إفادة الفريق عبود أمام لجنة تقصي الحقائق لما غابت علينا تلك الإشارة العابرة لما سماه الفريق عبود بـ " حكاية المعونة الأمريكية"، و ذلك في قوله:»و حكاية المعونة الأمريكية أجزناها لأننا اعتبرنا أنها في الصالح العام".ترى هل كانت " حكاية المعونة الأمريكية" واحدة من أسباب إنتحار الديموقراطية الأولى في السودان؟ مندري؟

و حين قرر" السادة" استعادة السلطة التي عهدوا بها لعسكريي عبود، لم يكن في حسبانهم حضور عامل جديد في الساحة السياسية السيودانية، هو الوعي السياسي الديموقراطي ، الذي نما و تطور في سنوات نضال الحركة الشعبية ضد ديكتاتورية عبود ، و عي جديد بقيمة الشعب ككيان فاعل تخلق في وسط قطاعات واسعة من المجتمع السوداني. هذا الوعي الجديد الذي قادته قوى اليسار السوداني و في قلبها حزب الشيوعيين السودانيين، كان هو العقبة الرئيسية أمام مساعي القوى اليمينية المحافظة لإستعادة السلطة السياسية من يد عسكريي عبود.
لقد خرج شعب ثورة أكتوبر 1964 للشارع و اسقط نظام عبود في حركة سياسية غير مسبوقة في بلدان أفريقيا و الشرق الأوسط. لكن حركة اكتوبر كانت حركة حواضر لأن قطاعات شعبية كبيرة في الأرياف ظلت ترزح تحت نفوذ الطائفية و العشائرية.و أظن ان تفاؤل التقدميين السودانيين بتجربة أكتوبر كان في اصل تمسكهم الشهم باستراتيجية العمل الدؤوب لإستقطاب الجماهيرالشعبية في كل السودان لصالح قضية التغيير و هزيمة الطائفية دون اللجوء للتكتيك الإنقلابي. حتى ظهر في المسرح لاعبون جدد لم تحسب لهم القوى التقدمية حسابا.هؤلاء اللاعبون الجدد اسمهم " تنظيم الضباط الأحرار" و هويتهم السياسية : فصيل مسلح و مُعسكر من فصائل الطبقة الوسطى الحضرية، أما أفقهم السياسي فهو لا يتجاوز حدود التجربة الناصرية و حزبها الواحد. هذه الطبقة الوسطى الحضرية العربسلامية التي أعطت نفسها حق القوامة السياسية على الشعب، لم يكن يراودها ادنى شك في كونها تجسد الأمة السودانية بحالها . وباسم الشعب الأكتوبري انتحلت جماعة ا"لضباط الأحرار " السلطة بانقلاب عسكري في 1969 على زعم أن ثورتهم هي امتداد طبيعي لثورة اكتوبر، و افتتحت بذلك عهدا طويلا من هيمنة الطبقة الوسطى العربسلامية على السودان.و سيرة هيمنة الطبقة الوسطى العربسلامية تفيض عن سعة هذه الكلمة القصيرة و لا بد أننا سنعود لبحثها في براح آخر، لكني هنا بصدد التعليق على الإلتباسات التي بدت لي في المقابلة التي جرت في كلمتك بين ثورة أكتوبر 1964 التي اسقطت الفريق عبود و ثورة " ماريل" 1985 التي اسقطت المشير جعفر نميري و ثورة ديسمبر 2018 التي اسقطت الفريق عمر البشير [ حتى اشعار آخر].
بعد ثورة اكتوبر 1964،وجد السودانيون انفسهم في شرط سياسي ديموقراطي الغلبة فيه لقوى المحافظة الطائفية و العشائرية.و لم تتورع هذه القوى التقليدية عن استخدام الأداة البرلمانية لإستبعاد الخصوم السياسيين فكان تحريم الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان و تصعيد الدعوة لدستور اسلامي يهمش الشعوب السودانية غير المسلمة.و هي دعوة لم يكن خافيا فيها الدعم السياسي و المالي من قوى الرجوع الإقليمية مثل السعودية و الأمارات التي كانت ـ في زمن الحرب الباردة ـ تنضوي تحت راية المعسكر الأوروأمريكي . و التنويه بشرط الحرب الباردة مهم في هذا السياق لأن تنظيم "الضباط الأحرار" الذي دبر الإنقلاب على النظام البرلماني في 1969 كان يعول تعويلا كبيرا على الدعم السياسي و المادي الوافد من المعسكر الشرقي و حلفاءه الإقليميين. ضمن هذه الملابسات البالغة التعقيد يمكن فهم التأييد السياسي الكبير الذي لقيه نظام " الضباط الأحرار" من طرف القوى التقدمية في السودان و في مقدمتها حزب الشيوعيين السودانيين. بل أن هذا التأييد اليساري لثورة مايو 1969 انزلق في لحظة ما إلى نوع من موقف استحواذي لهذه الثورة التي رفعت شعارات " الجبهة الوطنية الديموقراطية" التي رفعها الشيوعيون السودانيين.و في إطار التملّك الرمزي لـ " ثورة مايو 1969 » يمكن تفهم الإنقلاب الذي قاده ضباط شيوعيون في مجلس الثورة على المايويين في يوليو 1971 و الذي سمّاه الشيوعيون السودانيون بـ" حركة 19 يوليو التصحيحية" بينما هو إنقلاب على إنقلاب و السلام. سلام شنو يا زول ؟، دا إنقلاب على مجمل تقاليد العمل السياسي السلمي الذي راجت فيه بين السودانيين تلك المقولة الغميسة بكون" إختلاف الراي [ بين السياسيين العربسلاميين ] لا يفسد للود قضية".بعد يوليو 1971 استقر العنف كملمح ثابت في الممارسة السياسية السودانية في كافة أنحاء البلاد و قد استفدنا من " مساعدات «  الأخوة في العروبة » في مصر السادات و في ليبيا القذافي فعاد لنا النميري خائضا في بركة من الدم السوداني الأصيل.و قد يقول قائل انها كانت خطوة نحو المساواة في الممارسة السياسية السودانية و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

قلت في مطلع كلامي أن القوى السياسية الطائفية و العشائرية التي سعت لإسترداد السلطة من عسكريي الفريق عبود في أكتوبر 1964، فوجئت بأنها ليست وحدها في مواجهة العسكريين الذين عهدت إليهم بالسلطة في 1958.و أن هناك كيان سياسي جديد و مهم اسمه الشعب ، شعب الحواضر الأعزل المسالم المسلح بالوعي الجديد و الذي خرج ينازعها و ينازع العسكريين في مآلات السلطة في السودان. لكن من يتأمل في الوضع السياسي الراهن الذي يتهيأ فيه عيال المهدي و عيال الميرغني لاسترداد السلطة السياسية من يد العسكريين المتأسلمين لا يستطيع ان يتجاهل حضور شعب الحواضر الأعزل المسالم المسلح بوعي سياسي جديد ألهمه منازعة العسكر المتأسلمين و عيال السادة الطائفيين في نفس الوقت. بيد أن شعب الحواضر لا يقف وحده هذا الشعب المقاوم ينتصب اليوم في صيغة التعدد لأن حركته تتجاوز الحواضر لجملة هوامش السودان، مثلما تتعدد أساليب حركته بين المقاومة السلمية و المقاومة المسلحة في اكثر من جبهة. ضمن هذا الواقع الجديد الذي يشهد فيه عيال السادة التفتت المنتظم لبنى الولاء الطائفي سيكون من الصعب على عيال السادة الطائفيين ان يفرغوا حركة الثورة الراهنة من شحنتها و تسنم قيادتها كما حدث بعد أكتوبر 1964.و ربما كان وعي عيال السادة بهذه الصعوبة المستجدة هو ما يحفزهم لتبني سياسة " الإعتدال" و " الهبوط الناعم"و " جرادة في الكف ".. إلخ ،التي تتيح لهم اللعب على حبل المعارضة مع الثوار و حبل الموالاة مع فلول نظام عمر البشير و كفيله السعودي الخليجي. المصري
تبقى المشكلة الأساسية هي أن السودانيين ، على إختلاف مشاربهم السياسية، توصلوا لقناعة سياسية بسيطة و صلدة هي ان نظام الإسلاميين السودانيين، بعد ثلاثة عقود، من التخبط السياسي، لم يعد في وسعه طرح أي مشروع اجتماعي يعول عليه في مخارجة البلاد من مسلسل الأزمات المتلاحقة، و أن الوقت قد حان للسير في وجهة جديدة. لكن كون السودانيين توصلوا لمثل هذه القناعة لا يعني ان الكفلاء الإقليميين في السعودية و الخليج و مصر يقاسمونهم نفس القناعات.و أما الكفلاء الدوليون في أمريكا و روسيا و الإتحاد الأوروبي و الصين و الإتحاد الإفريقي فأسكت خليهم ساكت.

سأعود

أضف رد جديد