إضاءة حول التوسط في حلّ المنازعات

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

إضاءة حول التوسط في حلّ المنازعات

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



إضاءة حول التوسط في حلّ المنازعات


ونحن نحتفل بالسلام، نرجع برهة لنعرف كيف صار الأمر إلى هذه النهاية المرجوة ، ودور الوسطاء . فقد تناقلت الأخبار منذ زمان، قبيل توقيع وثائق السلام الأخيرة في كينيا ، والذي شُربت على أنخاب التوقيع عليها كل من تراث المدنية الغربي والشعبي السوداني في الحفاوة ، السودانوية حينا والإسلامية على الضفة الأخرى من شاطئ النـزاع ، وكذلك شمبانيا الوساطة التفاوضية وسط بسمات أصحابها يوم 31 ديسمبر 2004، الذين تتأرجح في أيديهم ما يسمى في لغة السياسة العصا بيد والجزرة بالأخرى . ولتقريب الرؤى يشعل الوسطاء قناديل الوعود بالدعم، والمال والإسناد حتى يتقرب المتفاوضون من بعضهم وصولاً للتوقيع. وحصاد الاتحاد السوفيتي السابق عندما وُعد مُهلكوه بدعم وإسناد اقتصادي للعبور من جحيم الاشتراكية كما كانوا يرونها، إلي الجنة التي تسمى بالديمقراطية والنظام الرأسمالي ،كثُرت الوعود وكان القبض ... لا شيء يذكر ! .
لنعد لنظم إدارة المفاوضات ودور الوساطة ، نضيء عليها ما نراه نحن من تقنيات عمل الوسطاء ، حتى تنجلي الإجابة على الأسئلة التي تدور بأذهان الجميع :
لِم كان التفاوض مرهِقاً ؟
ولِم امتد كل هذا الزمان ؟

هل افتقد المتفاوضون الحِس الوطني بأن الوقت لا يهم والموت لا يهم، أم أن التفاوض بما فيه من تعقيد أكبر من إمكانات المتفاوضين، أو أن الدعم الاستشاري الذي أعده المتفاوضون من لجان فرعية ، كانت تعتبر الأمر كتابة نوايا وقراءة فاتحة الاتفاق وينتهي الأمر ؟ .
فجميعنا يعلم علم اليقين أن الحماقة تطفح عند أول إحساس بالغضب، وفقدان الصبر عند الغضب إرث جيني لدينا لو صح التعبير !، إذ لا يوجد تفسير مُقنع لمفاوضات دامت سنوات، حتى أن بعض أعضاء اللجان التفاوضية المؤثرين قد خرجوا من دائرة التفاوض أو غيبهم الموت أو أخرجهم عدم القدرة على إدارة الغضب. سمعنا أن الوسيط اضطر لتقديم الدعم الفني لتأهيل المتفاوضين، وتدريب الجميع على أسس وتقنية إدارة التفاوض والمواجهة، وتلقينهم الطرائق العلمية للتفاوض ، وتجنب المراوحة دون نتائج ، أو إهدار الوقت . واختلطت رؤى ومصالح الوسيط الأقوى ودخل بثقله : ـ

ـ ( نريد حلاً عاجلاً للأزمة ) !.
نعود لطرائق الوساطة في حل المنازعات ، ومحاولتنا الإضاءة عليها : ـ
سئل يوماً نحات خشب مشهور عن طريقة تشكيله للحصان من كتلة خشبية . وكان رد النحات البارع بسيطاً ومباشراً ، فقد قال : ـ

( خُذ قطعة من الخشب وانزع منها كل شيء لا يبدو مثل الحصان ) .
إن الوسطاء الجِياد مثلهم ومثل نحاتي الخَشب ، يتعلمون تحليل القضايا بالرجوع إلى شبكة النزاع
Conflict Grid ، وهي أداة ابتُكرت لتلخيص متغيرات التشخيص الأساسية في أي وساطة . فقد اعتبرت شبكة النزاع خريطة معرفية لجمع المعلومات ولتحليل المشكلة إلى أجزائها ومكوناتها الرئيسة . وقد خُصصت المرحلة الوسطى من الوساطة ( الاجتماعات المغلقة ) ، وبصفة أساسية لجمع البيانات استناداً على الفئات التي تتكون منها شبكة النزاع . وتجميع بيانات شبكة النزاع عن طريق المحادثة مع الأطراف أثناء الاتصال الأول ، والاجتماع الافتتاحي ، والاجتماعات المغلقة . وتستخدم المهارات المتعارف عليها والخاصة بالاستفهام، والإنصات الجيد ، والإفصاح عن النفس ، وذلك لاستدعاء المعلومات ، وتوضيح معناها وتنظيمها للاستخدام في المفاوضات التالية . كما يمكن استخدام التقارير المكتوبة ، وأخبار الصحف ، وأي مصادر تسهم في تحديد الأطراف والمصالح والحقائق المتعلقة بالنزاع ، والحلول المحتملة . وشبكة النزاع يمكن استخدامها كمرشد للأنشطة الأخرى كالتخطيط الاستراتيجي، وتحديد كل الأطراف المشاركة والبيانات التي تهم كل طرف لكي يوقع على الخطة النهائية .

أول ما يتعين معرفته :

من هم أطراف النزاع ؟ ( الأطراف الرئيسة ) ، وما هي الجهات التي يتبعونها ؟ .
تحوي شبكة النزاع خمسة أطراف ، ويمكن أن يقل العدد أو يزيد . ويتبع كل طرف لآخرين يشرفون عليه ، ويشير بعض الوسطاء أنه من الواجب على قائد الفريق الرجوع إلى مجموعة من خمسة منسقين ليحصل على موافقتهم على أي شيء توصل إليه خلال المفاوضات ، وقد يرجع المفاوض من إحدى الدول إلى برلمان بلاده كي يحصل على موافقته على معاهدة أبرمها ، أو إلى مشورة الفئة الممسكة بالسلطة في النظم الشمولية ، وأخذ الموافقة . ومن المعرفة الشخصية للأفراد المشاركين ، يدخل الوسيط الاجتماعات المغلقة ، يحلل الوسيط الأفراد أو الجماعات الذين لو تم أخذ مصالحهم بعين الاعتبار ، يقترب الحل .
تتكون شبكة النزاع من الآتي : ـ

1/ عدد الأطراف موضوع النزاع على صفيفة أفقية .
2/ تصطف تحت قائمة الأطراف المصالح ( النقط المثيرة للمشاعر )
3/ وتصطف تحت المصالح قائمة الحقائق الأخرى .
4/ تصطف تحت الحقائق الأخرى أفضل بديل أمام كل طرف للاتفاق المطروح للتفاوض .
5/ وتصطف تحت الحقائق الحلول المحتملة .
6/وبعد إجراء الحسابات لكل ما ورد أعلاه يتم استخلاص :
( نص واحد للحلول المتكاملة ) .
قد يرغب الوسيط بعد تحديد أطراف النزاع ، في معرفة أربعة أشياء عن كل طرف متورط في النزاع : ـ
• ما هي مصالح هذا الطرف ؟
• ما هي الحقائق الأخرى التي تشكل أهمية لهذا الطرف في هذا الخلاف ؟
• ما هو أفضل بديل أمام هذا الطرف للاتفاق المطروح في هذا الخلاف ؟
• ما هي الحلول الممكنة بالنسبة لهذا الطرف ؟
يستطيع الوسيط الحكيم أن يطلب في الاجتماع الافتتاحي ، مناقشة طريقة اشتمال الوساطة على الأطراف المشاركة في النزاع ، وترتيب اجتماع مغلق معها . لكن الأهم هو استعمال القواعد الآتية :
1/ تحديد الأطراف التي يمكنها المساعدة .
2/ تحديد الأطراف التي قد تتراجع عن مواقفها في المراحل الأولى .
3/ مساعدة الأطراف الرئيسة في العثور على الطرق المناسبة للإفادة من الأفراد الآخرين في عملية الوساطة .
• المصالح : ـ

هنالك أقصوصة كلاسيكية عن البرتقالة ، وهي تروى في معظم الندوات عن المفاوضات . إذ تقول الأقصوصة :
{ تنازع طفلتان على البرتقالة الأخيرة في المنزل ، ثم ذهبتا إلى والدهما لحلّ النزاع . ولكن الوالد بدلاً من قطع البرتقالة إلى نصفين ، ويعطي كل منهما نصفاً ، فقد سأل كل منهما أولاً ماذا تريد أن تفعل بالبرتقالة . قالت الأولى إنها جوعانة ، وتريد أن تأكل البرتقالة . وقالت الأخرى أنها تعجن كعكة وتريد أن تأخذ قشر البرتقالة لتضعه فيه . وعلى الفور جاء الحل المتكامل بتقشير البرتقالة وإعطاء قلبها للأخت التي تشعر بالجوع ، وإعطاء القشرة إلى من تصنع الكعكة . } .

لا شك أن المصالح هي جوهر الخلاف في أي نزاع . والمصالح الخفية تتحكم في الصراعات والنزاعات . وأنت كوسيط لن تتعرف عليها إلا إذا أفصح عنها أحد الأطراف ، أو باستنتاجها من السلوك ، إذ لا يتحدث المتنازعون غالباً عن مصالحهم فيما بينهم ، بل يتكتمون هذه المصالح ، ويطالبون بأمور معينة أو يعلنون عن اتخاذ مواقف محددة . وهم غالبا لا يثقون في الطرف الآخر بصورة تسمح بالإعلان عن هذه الأمور ، خوف أن يستخدمها الطرف الآخر ضدهم إذا كُشفت حقيقة هذه المصالح ذات الأهمية الكبيرة . ولا شك أن الفرصة التي توفرها الوساطة ، تعمل على تمكين الأطراف المتنازعة من مناقشة هذه المصالح مع طرف ثالث موضع ثقة ، وهو الوسيط كاتم الأسرار . إذ يقوم بتيسير عملية الاتصال فيما يخص المصالح والخيارات التي لم تستطع الأطراف التوصل إليها حتى هذه اللحظة .
تضم المصالح التقليدية الآتي : ـ

• الترضية الكاملة .
• التخلص من المشكلة بصفة نهائية .
• تجنب تكاليف التقاضي ( الوقت والمال ) .
• تجنب الضغط العصبي
• الاعتراف بالأذى ( الاعتذار ) .
• حماية السمعة والحفاظ عليها .
• إيجاد سابقة يمكن الاستناد عليها فيما بعد .
• العقاب .
• تبرئة النفس ( حق معترف به ! ) .
• إنقاذ ماء الوجه .
• توفير الوقت .
• تقدير قيمة العدل والعدالة .
الحقائق الأخرى التقليدية : ـ
• تاريخ النزاع .
• التكاليف / الخسائر المرتبطة بالنزاع .
• المحاولات السابقة للحل .
• صفات أطراف النزاع .
• الإطار التنظيمي .
• المعايير الموضوعية المرتبطة بالنزاع .
• القانون الواجب تطبيقه .
البدائل التقليدية للاتفاق المطروح للتفاوض : ـ
• التعايش مع الموقف كما هو ( الاجتناب ) .
• الرجوع إلى سلطة أعلى ( سلطة أعلى ضاغطة ) .
• اتخاذ تصرف من جانب واحد ( اللعب بالقوة ) .
نص واحد وحلول متكاملة : ـ

بمجرد أن تنتهي من إنجاز مثل هذا التحليل لكل طرف من الأطراف ، تصبح في موقف يسمح لك بصقل الحلول المحتملة التي حددتها ، ووضع نص واحد لحل متكامل يمكنه أن يلم شمل الأطراف المتنازعة . وقد استعيرت عبارة نص واحد أو نص منفرد من الكتابات التي قدمت لأول مرة أثناء برنامج هارفارد للتفاوض ، وأسهم كل من (فيشر ) و( أوري ) في انتشاره عن طريق كتابهما ، ( الوصول إلى نعم ) Getting to Yes . وتقتضي فكرة النص الواحد أنه يجب أن تكون هنالك قائمة واحدة بالسلوكيات التي يتفق عليها أطراف النزاع :
وهل يتفق فيها الأطراف على عدم الاعتداء على المصالح التي سبق تحديدها ؟ .
وهل يتماشى الاتفاق مع الحقائق الأخرى ؟ .
وهل يعتبر أفضل البدائل المتاحة لكل طرف ؟.

قد يبدأ الوسطاء بالأوراق التي يقدمها الأطراف عند البداية ، ولكن سرعان ما يساعدون الأطراف على التحرك بسرعة والابتعاد عن أوراق المواقف لرؤية ما تكون عليه معلومات شبكة النزاع من المصالح ، والحقائق الأخرى ، والبدائل المتاحة لكل طرف ، والحلول الممكنة .إذ لا يوجد أصعب من محاولة التوفيق بين المواقف التي تأتي عن طريق مجموعات متعددة من الوثائق المكتوبة . سوف يشكُر المفاوض الحذِر أو الوسيط هؤلاء الذين تحملوا جهد تجهيز الوثائق ، ثم يبدأ بالاستفسار والاستجواب للإطلاع على هذه الوثائق بحثاً عن المصالح ، والحقائق الأخرى ، والبدائل ، والحلول الممكنة . وتكون النتيجة النهائية هي النص الواحد التي توصل إليه الوسيط ، و يحتوي على الخطوات التي اتفق عليها ، وتبلورت لتخدم كل الأطراف . وللنص اللغوي أهميته اللاحقة ، لأن الصياغة المُثلى تُنجِب معنى واحداً ، إلا إذا رغب الأطراف في العمومية مخرجاً من إرهاق التفاوض ، أو أن المُهلة الزمنية لا تكفي .

عبد الله الشقليني

15/1/2005

المرجع : الوساطة في حل المنازعات
تأليف : كارل أ . سليكيو
ترجمة د. علاء عبد المنعم
أضف رد جديد