دعوة لتصفية هيئة علماء السودان وإعادة تعليم منتسبيها

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

دعوة لتصفية هيئة علماء السودان وإعادة تعليم منتسبيها

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...

دعوة لتصفية هيئة علماء السودان وإعادة تعليم منتسبيها
عبدالحي يوسف بما ينطوي عليه يمثل تياراً مهدداً للأمن الداخلي وخطراً على السلام العالمي
(2-1)



[align=left]"نحن لا نلوم الفقهاء على عدم الفهم، ولكننا نلومهم على عدم الصدق"
محمود محمد طه، ديسمبر 1968


بقلم عبدالله الفكي البشير
[email protected]


كشف الشيخ الدكتور عبدالحي يوسف، مرة أخرى، وكما هي عادته، عن جهله وكسله العقلي، شيمة رجال الدين وهيئة علماء السودان في مواقفهم من الجمهوريين ومن المبادرات الخلاقة، ومن النماذج الشبابية المشرفة وذات الأخلاق الرفيعة. فقد تحدث عبدالحي من غير ورع علمي ووازع أخلاقي، عن إحدى سيدات شباب وأبطال ثورة 19 ديسمبر، ثورة العقول والوعي المتنامي، الآنسة ولاء عصام عبدالرحمن البوشي، وزيرة الشباب والرياضة، في السودان. هاجم عبدالحي، خطيب مسجد خاتم المرسلين، في خطبة يوم الجمعة 4 أكتوبر 2019، سعادة الوزيرة ولاء، بلا علم ولا تقوى، قائلاً بأنها: "لا تؤمن بالذي نؤمن به وإنما هي تابعة لرجل مقبور مرتد مغرور زعم أنه صاحب الرسالة الثانية أنكر الصلاة ذات الحركات المعروفة والزكاة ذات المقادير المعلومة وزعم أنه قد وصل إلى ما لم يصل إليه أحد حتى حكم علماء الإسلام في الداخل والخارج بأن هذا الرجل زنديق مرتد وقد أعدم جزاء ردته قبل نحو من (35) سنة في العام 85، هذه المرأة التي تتولى وزارة الشباب والرياضة امرأة جمهورية تتبع ذلك المرتد المقبور ولذلك لا تؤمن بالذي نؤمن به وإنما أبين هذه الأحكام لمعاشر المسلمين والمسلمات...". ثم استرسل في حديثه عن دوري كرة قدم النساء في السودان، قائلاً: "ان الحكومة السابقة طلبت من هيئة علماء السودان فتوى بشأن إقامة دوري كرة قدم نسائي غير أن الرد كان بالمنع وذلك سًدا للذرائع". (صحيفة السوداني، 5 أكتوبر 2019).
ينطلق عبدالحي في كل ما يطلقه من ترهات، كما هو حال رجال الدين وهيئة علماء السودان، من سلطة دينية غير مستحقة، وقد حان أوان تجريدهم منها، أوان الوعي، وبإدعاء، بلا وجه حق، بأنه الوصي على عقول الناس، والحارس للدين، فيعظ الناس وينسى نفسه. وما يحتاج أن يدركه عبدالحي وكذلك هيئة علماء السودان، هو أن خطابهم أصبح فاقد الصلاحية أمام مستوى المخاطبين من الشباب، أبطال ثورة 19 ديسمبر 2018. وأصبح البون شاسعاً بينهم وبين الشباب، ويعود السبب إلى مستوى الوعي والأخلاق التي يتحلى بها الشباب. فكل ما قاله عبدالحي في حق سعادة الوزيرة ولاء، من ترهات وهراء، يعكس مدى مستوى الفقر الفكري، والضحالة المعرفية، ومحدودية الخيال لدى ما يسمى برجل الدين، على شاكلة عبدالحي، وليس في الإسلام رجل دين. فالذي لا يدركه عبدالحي، وكذلك رجال هيئة علماء السودان، أن واقعاً جديداً في السودان قد لاح في الأفق، قوامه المرأة والشباب والوعي والأخلاق. المرأة القادرة على انتزاع الحقوق صانعة الانتصارات والمجسدة للكنداكة في أفق جديد.



ثورة 19 ديسمبر والمرأة السودانية وتجسيد الكنداكة في أفق جديد

[align=left]"التاريخ كله ضد المرأة، لكن عهدنا الجايي [القادم]، عنوانه المرأة".
محمود محمد طه


تقدمت المرأة، كما هي ولاء عصام البوشي، صفوف الحراك الثوري، وكانت عنواناً للثورة. فقد ظلت مقيمة في الميادين العامة من أجل استمرار الثورة، وهي تستنهض الشباب والرجال، فاستطاعت ليس استدعاء الإرث الثوري في أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، فحسب؛ وإنما استدعت إرثاً حضارياً يعود إلى آلاف السنين، ظلت شعوب السودان محرومة منه ومنبتة عنه. بعثت باسم الكنداكة، رمز الملكة العظيمة صانعة الانتصارات، من جوف تاريخ السودان، وجسدتها في أفق الصلابة والعزيمة من أجل السلام والحرية والعدالة. احتفى العالم أيما إحتفاء، بالكنداكة، فقدم الاحتفاء الفرصة لإعادة التعريف للسودان وللشعب السوداني ولإرثه الحضاري، لتكون المرأة السودانية قد انتزعت للمواطن السوداني بعضاً من حقوقه وكرامته في الشارع العالمي. ولهذا، ولكل ما قدمته المرأة من تضحيات واعترافا بحقوقها وفضلها وقيمتها كإنسان، كان من أوجب واجبات الثورة أن يكون نصيب المرأة مساوياً للرجل، لتحصل على نسبة 50% في كل شىء. وعلى الرغم من أنه لم يحدث، وحدث بعض منه، إلا أننا على يقين بأنه سيحدث قريباً، ففيضان الوعي اجتاح مساحات واسعة من الأراضي الراكدة والعقول الآسنة. والآن علينا الشراكة مع المرأة في العمل من أجل كرامة المرأة وانصافها في التشريع، خاصة قانون الأحوال الشخصية، وفي كل التشريعات الموروثة من الحقب السوالف، وتلك التي صممها رجال الدين، وهي تشريعات أقرب إلى شريعة الغابة منها إلى شريعة الإنسان.
كذلك كان من مقومات الواقع الجديد في السودان جيل الشباب الحامل للوعي القادر على تجاوز خطاب عبدالحي وهيئة علماء السودان، وفضح ركاكة مرتكزات ذلك الخطاب وسذاجة حججه وتخلف نظرته. فقد استطاع هذا الجيل من الشباب، وسعادة الوزيرة ولاء إحدى سيداته، وهو يقود ثورة 19 ديسمبر المجيدة، أن يقدم نموذجاً في التضحية والشجاعة، أدهشت العالم، وأعادت طرفاً من كرامة الشعب السوداني في الشارع العالمي. فقد عبر بعض قادة العالم عن احترامهم للشعب السوداني معلم الشعوب. تحدث، على سبيل المثال لا الحصر، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته أمام الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً: إن إحلال السلام في العالم يحتاج لشجاعة كشجاعة السودانيين "تلك هي الشجاعة التي رأيناها مؤخراً بشكل لم يكن متوقعاً وكان مفاجئاً في السودان". كما أستطاع هذا الجيل من الشباب، وسعادة الوزيرة ولاء منهم وكانت معهم في الميدان، أن يبعث بقيم أخلاقية، لم نشهدها ولم نجدها في سجل عبدالحي يوسف ورجال هيئة علماء السودان. فهؤلاء الشباب الأبطال ظلوا بالفطرة السوية يطبقون القيم الأخلاقية التي ينادي بها الإسلام وفقاً للفهم الجديد، تطبيقاً عملياً، كما تجلى في الحراك الثوري وفي ميدان الاعتصام، شجاعة نادرة المثيل، وسلمية مستمرة، وشراكة في النضال، وصدق، وإبداع، ومسؤولية، واشتراكية، كما هي شعاراتهم وسلوكهم. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كان من بين شعاراتهم وسلوكهم في ميدان الاعتصام "عندك خت ما عندك شيل". خرج هؤلاء الشباب من أجل السلام في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وهتفوا من أجل حقوق المهمشين في مختلف أقاليم السودان. فهل يمكن أن يجلس هؤلاء الشباب وهم بهذا المستوى من الأخلاق والوعي ليستمع لترهات عبدالحي؟ يقيني أنه لا مكان لخطاب عبدالحي وهيئة علماء السودان، في الواقع الجديد لسودان المستقبل، إلا أن خيال عبدالحي وهيئة علماء السودان بسبب انفتاحه على الماضي وانغلاقه تجاه المستقبل، لا يسعفهم أن يدركوا بأن هناك مستوى جديداً من المخاطبين في سودان ما بعد ثورة 19 ديسمبر المجيدة. ظهر هذا المستوى من المخاطبين بأنه يمتلك مهارات التعلم الذاتي، وتجسير التواصل مع المبادرات الخلاقة، ولديه قدرات عالية في اعمال الحس النقدي، إلى جانب الانفتاح على التجارب الإنسانية، فضلاً عن الاستعداد التام للتحرر من الأوصياء على العقول، وهم رجال الدين والمؤسسات الإسلامية التقليدية. وأمام هذا المستوى من المخاطبين فإن الخطاب الديني لعبدالحي وهيئة علماء السودان، مصيره، في أحسن الأحوال، التبخر والزوال.


ولاء وتجليات الفرد الحر والمسؤول عن كل ما يقول ويعمل

ما لا يدركه عبدالحي نتيجة لانخفاض سقفه المعرفي والأخلاقي، هو أن الآنسة ولاء عصام البوشي حينما دخلت ساحة النضال الوطني، وقادت الحراك الثوري مع أخواتها وإخوانها الشباب، لم تدخل باسم أسرة أو جماعة أو حزب، ولا بأي صفة سوى أنها فرد حر ومسؤول عن ما يقول ويعمل. ولمّا أبلت بلاء البطلات والأبطال، شيمة شباب ثورة 19 ديسمبر، في الحراك الثوري، وظهرت القيمة الأخلاقية في أقوالها وأفعالها، تم اختيارها وزيرة للشباب والرياضية. فبالقيمة الأخلاقية، وبالكسب الثوري، وبالتكوين العلمي الرصين، وبالخبرة المحلية والإقليمية والعالمية، أستطاعت ولاء أن تنال الثقة وتأتي عبر الشرعية الثورية لتكون من قادة سودان المستقبل، ممثلة للشعب العملاق، وهي إنسانة حرة ومسؤولة أمام الدستور، وأمام الشعب، وقبل ذلك أمام نفسها، وفوق كل ذلك أمام الله. فالدين عند هؤلاء هو الأخلاق وهو العمل. وهذا معنى جديد لم نلحظ أن عبدالحي وهيئة علماء السودان، قد أدركوه، كون الفهم المتخلف للدين لا يسعف في فهم هذه القيم الأخلاقية. هاجم عبدالحي سعادة الوزيرة ولاء وأفتى في حقها، وهو لا يعرف عنها شيئاً، لم يجالسها، ولم يقرأ لها، ولم يستمع إليها، ولم يستشهد لنا بقول من أقوالها أو بنص من كتاباتها، فأين الورع؟ وأين التقوى؟ وأين الوازع الأخلاقي؟ هذا عبث وركاكة وفوضى تجب محاصرتها بالوعي ومواجهتها بالفكر وملاحقتها بالقانون.

الوعي يحاصر رجال الدين ويفقدهم صلاحية الوصاية على العقول

رجال الدين بدعة ستفقد قيمتها وصلاحيتها مع نمو الوعي. ففي الإسلام ليس هناك ما يسمى برجل الدين، ففي الإسلام كل رجل هو رجل دين، وكل امرأة هي امرأة دين. ورجل الدين يجب أن يكون رجل دين على نفسه، لا على الناس وصياً على عقولهم وقيماً على حياتهم. ويجب على الناس أن يتحرروا من هذه الوصاية على العقول. وما لا يدرك عبدالحي وأيضاً هيئة علماء السودان، أن الشباب، أمثال ولاء عصام البوشي، قد قطعوا شوطاً بعيداً في سعة المعرفة وعمقها، وقطعوا شوطاً بعيداً كذلك في حب الوطن وفي تطبيق القيم الأخلاقية، التي ينادي بها الإسلام، وفي السعي لأنسنة الحياة، الأمر الذي يجعل الاستماع لترهات خطاب عبدالحي وهيئة علماء السودان، عبئاً ثقيلاً عليهم، بل كل ما يشتمل عليه خطابهم، هو عند الشباب يمثل تراجعاً أخلاقيا وثقافيا، وطنياً وإنسانياً، ورجوعاً إلى الوراء وإلى الماضي البعيد. ويقيني أنه قريباً ستنتهي مهام رجال الدين ووظائفهم، فالناس في الأحياء بواسطة لجانهم سيتولون إدارة شؤون مساجدهم، ودفن موتاهم... إلخ، وعندها ستصنف وظائف رجال الدين ضمن بند العطالة. ولهذا فإن مواجهة مناخ الإرهاب والهوس الديني الذي يبثه عبدالحي وهيئة علماء السودان، واجب ثوري وثقافي وإنساني، كما سيأتي التناول في الحلقة الثانية.
[/color]
"الحر هو الذي يحب الحرية لغيره كما يحبها لنفسه ويؤذيه منظر الظلم حيث كان". محمود محمد طه
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

دعوة لتصفية هيئة علماء السودان وإعادة تعليم منتسبيها
عبدالحي يوسف بما ينطوي عليه يمثل تياراً مهدداً للأمن الداخلي وخطراً على السلام العالمي
(2-2)


[align=left]"نحن لا نلوم الفقهاء على عدم الفهم، ولكننا نلومهم على عدم الصدق".
محمود محمد طه، ديسمبر 1968


بقلم عبدالله الفكي البشير

إن ما تفوه به عبدالحي يوسف في حق الجمهوريين وفي حق سعادة الوزيرة ولاء عصام البوشي، كما ورد في الحلقة السابقة، يفتح الباب واسعاً للإرهاب الفكري، وهو يعبر عن تيار واسع ومتنامي، الأمر الذي تجب مواجهته ومحاصرته بالوعي. فهذا التيار يهدد التعايش والأمن الداخلي، ويمثل خطراً على السلام العالمي. كما أن مواجهة هذا الإرهاب الفكري يمثل موقفاً ثورياً. وعلى كل فئات الشعب السوداني المرأة والشباب، خاصة المثقفين، القيام بواجبهم الثوري في مواجهة هذا الإرهاب وهذا الصلف الفكري والعبث الأخلاقي. ومن العيب الثوري أن يقف المثقف في خانة المتفرج ويلزم الصمت في مثل هذه المواقف. فدور المثقف ومواقفه وتدخلاته ما هي إلا تعبير عن تجسيد لمعارفه. والمثقف الحر لا يكتمل دوره إلا بتجسيده لمعارفه. والمثقف الحر يجب أن يكون حائلاً بين شعبه وإعادة التاريخ. وفي هذا علينا أن نسترجع التاريخ وندرسه لكي نفهم، فمن لا يدرس التاريخ لا يستطيع أن ينجو من إعادته، كما أن دراسة التاريخ هي شرط للدخول في المستقبل على أسس جديدة. سبق وأن استطاع الهوس الدين أن يحل الحزب الشيوعي ويطرد نوابه المنتخبين ديمقراطياً من البرلمان، ونجح كذلك، وهو نجاح إلى حين، في انعقاد محكمة الردة في 18 نوفمبر 1968، وفي عام 1983 أتى بقوانين سبتمبر (ما سمي بالشريعة الإسلامية)، التي هددت وحدة البلاد، وجعلت المواطن غير المسلم مواطناً من الدرجة الثانية، وقطعت أيادي الناس وأرجلهم بغير وجه حق، ... إلخ، وكل هذه المحطات وغيرها، كانت محطات ظلم وظلام، ومحطات لتأريخ هزيمة الوعي في السودان. وحان الآن أوان انتصار الوعي.
فقد سبق وأن أصدر عبدالحي فتوى بلهاء، في حق الإخوان الجمهوريين، أكد فيها بكل ما أورده من أدلة وخطه من كلمات بأنه يقول بما لايعلم، ويفتي من غير ورع وتقوى، وبكسل عقلي ظاهر. والكسل العقلي، كما يقول طه حسين، يحبب للناس الأخذ بالقديم تجنباً للبحث عن الجديد. فالأخذ بالجديد، بل مجرد النظر فيه، يتطلب النشاط والحيوية واعمال الحس النقدي بما يحمله من تحدي ومواجهة للمسلمات، بينما القديم لا يتطلب سوى الاستمرار في التسليم. وهذا ما ظهر بجلاء في فتوى عبدالحي في حق الجمهوريين. إذ أكدت كل الأدلة التي صاغها في فتواه، على أنه لم يقرأ كتب الفكر الجمهوري، وإنما كان ناقلاً كسولاً لم يترب على البحث العلمي الرصين، ولم ينل شيئاً من الدربة على أخلاق البحث. فهو يأتي بالأدلة من الآخرين، بما اشتملت عليها من أخطاء، ولا يكلف نفسه حتى مراجعتها في مصدرها، ليصحح الخطأ، ويأخذ فضيلة الناقل غير الكسول. وفي هذا المنهج الخديج، لم يكن عبدالحي مبتدعاً، وإنما تلميذاً متبعاً لرجال الدين وهيئة علماء السودان في مواقفهم غير الأخلاقية من الجمهوريين منذ خمسينات القرن الماضي، وحتى يوم الناس هذا.

فتوى عبدالحي يوسف وإعادة انتاج نصوص وحيثيات محكمة الردة 1968


أفتى عبدالحي يوسف ضمن إجابته على سؤال يقول: هل يعتبر الجمهوريون (جماعة محمود محمد طه) من الفرق المارقة؟ وهل يجوز الأكل معهم أو الزواج منهم؟ فأجاب عبدالحي، قائلاً: "فإن الفكر الجمهوري الذي كان داعيته والمنظِّر له الهالك المذموم (محمود محمد طه) قد حوى جملة من المصائب والطامات التي تجعل الحكم عليه بيِّناً واضحاً، ومن ذلك..." ثم أورد خمس نقاط واستشهد ببعض النصوص وأشار لبعض المشايخ الذين كتبوا عن الفكر الجمهوري، إلى جانب بعض المؤسسات الإسلامية. سبق ونشر الدكتور عمر القراي، وهو من الإخوان الجمهوريين، رداً على فتوى عبدالحي. جاء الرد بعنوان: "من محن الوطن.. أشياخ التكفير.. أساتذة جامعات؟!"، ووجد طريقه للعديد من الصحف والمواقع الإليكترونية، يمكن الاطلاع عليه فيها، ومنها موقع الفكرة الجمهورية على الانترنت www.alfikra.org. أوضح القراي بأنه لو كان الشيخ عبد الحي، يملك من الورع، ما يجعله ينقل من كتب الجمهوريين، نقلاً صحيحاً، غير مبتور، لناقشنا الحجج التي أوردها، في فتواه البائسة. "ويمكن لمن أطلع، على كتب الأستاذ محمود، أن يدرك دون عناء، أن معظم ما أورده عبد الحي، مزور، ومحرف، ومبتور بقصد، حتى يعطي فهماً معاكساً". وفصَّل القراي في ذلك، وقدم نموذجاً للبتر وحذف الجمل من نصوص محمود محمد طه، وهو أمر درج عليه الفقهاء ورجال الدين. وسيجد القراء تفصيلاً عن كل ذلك في كتابنا الجديد الذي سيصدر خلال أيام، بعنوان: الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف. رصد الكتاب عبث الفقهاء وكشف مؤامراتهم وكسلهم العقلي. وها نحن نشهد استمرار الفقهاء في مفارقة الأسس العلمية والقيم الأخلاقية في فتاويهم وفي نقدهم للفكر الجمهوري. إن الفقهاء كحال الشيخ الدكتور عبدالحي يوسف، وعلماء هيئة علماء السودان، في حاجة لإعادة تعليم.
معروف أن المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية سبق وأعلنت في 18 نوفمبر 1986 بطلان حُكم المحكمة الجنائية (محكمة المهلاوي) وبطلان حُكم محكمة الاستئناف (محكمة المكاشفي) في حق محمود محمد طه. وقالت المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في بطلان الحكم أن المحكمة في حكمها في يناير 1985 قد استشهدت بحكم محكمة الاستئناف الشرعية بالخرطوم الذي صدر في عام 1968م، وما صدر عن المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي من تأييد لحكم عام 1968م، وما صدر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ثم أوضحت المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية، قائلة: ولعلنا لا نكون في حاجة إلى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم، فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه، أو ما حرصت قوانين الإجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة ، أو انطوى عليه دستور 1973م الملغي رغم ما يحيط به من جدل.. إلخ. ثم أعلنت المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية بطلان الأحكام الصادر من المحكمة الجنائية (محكمة المهلاوي) ومحكمة الاستئناف (محكمة المكاشفي) في حق محمود محمد طه، واعتبرتها كيداً سياسياً. (للاطلاع على التفاصيل أنظر: القضية نمرة م ع/ق د/2/1406هـ، أسماء محمود محمد طه وعبداللطيف عمر حسب الله ضد حكومة جمهورية السودان، الموسوعة السودانية للأحكام والسوابق القانونية، 1986م، السلطة القضائية https://www.sjsudan.org).


دعوة لتصفية هيئة علماء السودان وإعادة تعليم منتسبيها

جاء ميلاد هيئة علماء السودان برعاية الاستعمار البريطاني وتحت التأثير المصري، عندما كوَّن الحاكم العام في 3 يونيو 1901 لجنة العلماء، التي اتخذت عدة أسماء: مشيخة العلماء، مجلس العلماء، هيئة العلماء، قبل أن تصبح هيئة علماء السودان. مثلت لجنة العلماء نواة المعهد العلمي بأم درمان "أزهر السودان" (وأصبحت جامعة أم درمان الإسلامية)، وكانت خدماتها لا تخرج عن ما حدده الحاكم العام البريطاني. فقد حدد مهامها في خمس نقاط كان من بين تلك النقاط: "تكون اللجنة موضع استشارة الحاكم العام في الشؤون الدينية وكل ما يختص بالعلم والعلماء دون أن تكون مكلفة بأن تبتكر النظر في أي موضوع من تلقاء نفسها، بل حتى إذا عرض عليها من الحكومة، أمر من ذا القبيل، كان عليها أن تحرر قرارها بما تراه وتقدمه لجهة الاختصاص التي لها الخيار في العزل بموجب ما تقرره اللجنة". وتعود فكرة ميلادها إلى موقف البريطانيين من الطرق الصوفية، بعد هزيمتهم من المهدية، فعملوا على تقوية علماء الفقه على حساب المتصوفة، وسعوا إلى تقليص نفوذ الطرق والتصوف فعززوا دور الفقهاء والعلماء على حساب المتصوفة، فأنشأوا لجنة العلماء.
مثَّل قيام لجنة العلماء/ هيئة علماء السودان تعبيراً قوياً عن انتقال السودان من حالة الانفتاح الموروث منذ آلاف السنين إلى حالة انغلاق فكري مستمر ومتوسع. فقد مثَّل قيامها، لحظة انتصار للفكر الفقهي وبشكل أخص على المستوى الرسمي، ومن ثم سيطرته وتمدده على حساب الفكر الصوفي، فغدا المعطى الأساس في تشكيل العقل الثقافي السائد. فهيئة علماء السودان ومن خلال جرد متساهل لسيرتها ومواقفها من عباقرة السودان ومن المبادرات الخلاقة، فإنها مثَّلت عائقاً دائماً لمناخ الحرية، ولفرص التقدم الفكري. وما قامت به، ولا تزال تقوم به، ضد الإخوان الجمهوريين، يمثل أنصع دليل على ذلك.
مثل سجل هيئة علماء السودان في موقفها من الجمهوريين منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا، نموذجاً لعدم الصدق وغياب الأخلاق كما عبَّرت عن ذلك بيانات الهيئة وفتاويها ودراسات أعضائها الركيكة الجاهلة. (للمزيد أنظر: عبدالله الفكي البشير، صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، ط1، دار رؤية، القاهرة، 2013). وسيكون هناك تفصيل أكثر عن هذا، وعن دور هيئة علماء السودان في مؤامرة محكمة الردة في نوفمبر 1968، وفي سعيها لتنميط صورة الجمهوريين في الشارع السوداني والإسلامي، وتضليلهم للشعب، من خلال التوظيف لأئمة المساجد في السودان، ضمن كتابنا الجديد الذي أشرنا له آنفاً: الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، درس الكتاب مواقف نحو (275) من رجال الدين والمثقفين. وتناول ترهات وهراء هيئة علماء السودان التي نشرتها عن الفكر الجمهوري وفي حق الجمهوريين، إلى جانب توظيفها، غير الأخلاقي، لحكم محكمة الردة 1968، وتوظيف الفتاوى التي أصدرتها المؤسسات الإسلامية من أعضاء التحالف الإسلامي ضد الأستاذ محمود محمد طه، لتقنع بها غمار الناس. يتضمن الكتاب كشفاً لكل هذا العبث الذي قامت به هيئة علماء السودان، مشفوعاً بالوثائق والأدلة والبراهين النواصع.
لقد حان الأوان مع اندلاع ثورة ديسمبر 2018 المجيدة، ونمو الوعي، وتوفر فرص التعلم الذاتي، التحرر من الأوصياء على العقول، والانتفاض على رجال الدين. ولا يكون ذلك إلا بتجريد المؤسسات الدينية من سلطاتها المتوهمة وغير المستحقة، وأولى خطوات ذلك هو تصفية هيئة علماء السودان، وإعادة تعليم منتسبيها على فهم جديد للإسلام يخاطب احتياجات العصر ويلبي متطلبات إنسانه.
إن تصفية هيئة علماء السودان يصب في استكمال الاستقلال بتحرير الحياة السودانية من الإرث الاستعماري، استعمار العقول والفكر. وبتصفيتها يستطيع السودان أن يلعب دوراً عظيماً في بناء السلام العالمي، لا أن يكون مهدداً له. وبتصفيتها تكون قد تهيأت أهم فرص نجاح التغيير الجذري والشامل في السودان.
"الحر هو الذي يحب الحرية لغيره كما يحبها لنفسه ويؤذيه منظر الظلم حيث كان". محمود محمد طه
أضف رد جديد