الدقير والفركه

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
منصور المفتاح
مشاركات: 239
اشترك في: الأحد مايو 07, 2006 10:27 am

الدقير والفركه

مشاركة بواسطة منصور المفتاح »

الدقير والفركه

هكذا يسمونه أحد فرسان قريته...عاش فجر حياته فى الكبور يحسن زربها بشوك السدر...ويرعى سدرها الذى يجود بالنبق...كما
يرعى السنط الذى الذى يغدق عليه بالقرض والحراز بالخريم...فهو كالبيئى لا يهمل السنمكه ولا الخروع...وحتى ذكر أم خيرفون
يجد عنده فائق العنايه...وفى الكبره يقدل الزباد البرى ويقفذ الأرنوب...ويحتفى ويحتفل الصبر تحت وفوق شون الفول السودانى..
.وتتوزع الكبره بهندسه لم تسجل براءة إختراعها...غير انها تجعلك وكأنك فى غرف فى إهرام خوفو لا بل أعجب من ذلك...فلكل
بهم كر وكل كر طوع له الطبيعه لتوائم الحاجه... وبكرته لها مساحتها ولها علق شبالها المتعثكل والمتسلق لشجر الطندب وذلك خير
ما تغتات...كما لها مضارب كسع الجره بالقرب من طشاتة الماء للشراب...وبالقرب من ذلك توجد على شعبة تتوسط تلك الطشاته
صرر موكاة بها ملح الحجر للسقية...وللبقرات أيضا من المساحات ما يسمح لها بالحركه وفقا لطول الحبل من الشايه وعلى مقدار اللحاق
بالكوديق...الذى يحفظ منه لموسم الجدب أو الطلاقات...وفى الكبره كذلك كلاب مدربه وصياده وحراسه للحيوانات وحين ترعى خارج
الكبره....والدقير مسلح بكل أسباب الحياة وأسباب الدفاع من أجلها...فهو ظريف لا يبخل على نفسه بما تشتهى....فيفصل الجلاليب
والقمصان والسراويل الطويله...وله طلبيات مع كل سائق ذاهب إلى بورتسودان وصية مدفوع حقها...بأن يأتوه بالسواكنيه والشوتال...
ويصر ويدقق على لون الكنتله والبنايك....فهو جلاب للداقريس وخراش له وكذلك عزام أجرب لا يبخل به ابدا...يسقيه من لبن البكره
ويرتوى مما علقه فى السعن منه على تلك الشعبه فى شق الكرنق الذى يقيم فيه...ودائما ما يحتفظ بالتمر إلى جانب السكر لشراب الشاى...
ولأنه ظريف فلشايه طقوس... يختار له الحطب الذى لا يرسل دخانا يعلق فيه...وله براد وكفتيره عند الوساع...وكلاهما متقنات النظافه...
كما لا يخلو الكرنق من كل مستلزمات الشاى من حبهان وقرفه وقرنفل وجنزبيل جاف...وكذلك جاف النعناع...ويخيرك إذا كنت ضيفه
بأيهم ترغب أن يكون شايك... كما إنه لا يشرب الشاى إلا بكباية الشوب ذات السطور المضلعه...وفى أثناء تجهيز الشاى والذى عادة
ما يكون معه قنقر مشوى بريشه لا يفسخه عنه أو بطاطس مسلوقة كانت أم مشويه....فهو جذاب للحديث جزل العباره فكاهى يضحك قبلك
فى حكوته بصوت مجلجل يفتق شعب رئته وشعيرات القلب والدماغ...وفى الكبرة تلك له بئر راجل أو على عمق متر ونصف...لقربها من
البحر...وبها يسقى ما يزرعه داخل الكبره من بنضوره وبطيخ وعجور وباميه وأسود وكل ما يحتاج إليه...ولكنه يزرع الزراعه الواسعه
خارج الكبره...فهو كذلك رجل يحب الطرب عراض لا شبيه له وهزاز لا يضاهى...وركاز للصوت وكأن من يضربه يجالد ساق من
شجرة سنط...ثابت لا يتزحزح غير أنه يزح طاقيته الحمراء حتى تغطى حواجبه...ويبتسم عند كل صوت حتى ترى ضروسه مع زغاريد
الحسان وتشجيع أخواته...كما إنه لا يذهب إلى المناسبه وإلا رافعا خروف الفطور أمامه...فأصبح خروفه كالسبر أحسبهم سيطالبونه به إذا
أخلف...ولكنه عادل لايفرق فى ذلك بين فقير وضعيف...ولأنه بشوش هشاش يحبه الناس...ولأنه يحب الخير للناس فكذلك دائما ما يسأل
عن مشروع زواجه...ومتى ينوى ذلك وفى من يرغب أن يتزوج....وقد صار ذلك السؤال رهن رؤيته من أى شخص إمرأة كانت أم
رجل كبيرا كان أم صغيرا.... حتى أعلن ذات مره فى مجمع عام أنه قرر أن يتزوج...فكانت فرحة الطير فى الجو وفوق غصونه قبل
فرحة الناس لذلك الإنسان... فحدد العروس وحدد الزمان وأستعدت كل المنطقه لذلك الحدث الميمون وتمت كل الإجراءت اللازمه حتى جاء
اليوم المشهود الذى إحتفل الناس الفرحه ذلك إحتفالا منقطع النظير...ورد له الكل أفضاله عطاء سخيا...ثم بدأت حياته الأخرى التى كان
لزام عليه أن يحققها...فتغير روتينه بعض الشئ عما أعتاد عليه...فما عاد ينام فى كرنقه ولا يصنع شايه بيديه ولا يعوس عصيدة داقريسه...
ولكنه مسموح له أن يذهب إلى زراعته ويرعاها ويراعى سعيته ثم يعود قبل المغرب...وهكذا إلى أن رزقه الله من الذرية ولد وبنت....
وكانت صويحابات زوجته دائما ما يقولون لها بأن الدقير من المفترض أن يشتغل فى المدينه وأخذت الزوجه تعيد نفس الأسطوانه على زوجها
ليل نهار إلى أن أقنعته...فباع كل السعيه وترك الزراعه حتى البكره العزيزه والحماره باعهما...للبحث عن عمل فى المدينه...فجاءه من
هو فى موقع أن يجد له عملا ولأن للدقير أياد سالفه عليه...قال للددقير تأتينى غدا فى المكتب بعد أن وصف له كيف يصل إليه...وفى
الصباح الباكر رتب الدقير أموره وعلى بركة الله ذهب إلى صديقه وفقا للوعد حتى دخل عليه وحياه فى مكتبه... فطلب صديقه من المراسله
أن ياتى بشاى للدقير...ثم أخذ يشرح له عن أنهم يحتاجون إلى فراش وبالضروره أن يكون فى المكتب السابعه صباحا...وأن المرتب كذا
من النقود....فوافق الدقير الذى أخبره صديقه أن هنالك بص يأتى به كل يوم من الساعه الرابعه صباحا كل عمال القريه...فأخذ الدقير
يمارس ذلك البرنامج وعمل كثيرا من الصداقات فى البص للأنس ذهابا وإيابا لأكثر من عامين...وفى ذات يوم لم يصح الدقير فى مواعيده
ليشرب الشاى ويجهز للبص إلا أن سمع صوت جاره الدقير الدقير البص...فقام مزعورا ولبس جلابيته من على السلك حيث وقعت عمامته
فوق السرير وذهب للمركوب عند باب الغرفة فى عجل ثم جاء وأخذ من السرير العمامه...وهو يعدو إلى البص ربط العمامه ووجد السائق
على حر من الجمر...فصعد وجلس فى مقعده فإذا بشلته يجلجلون ضحكا عليه...فأنبرى أحدهم أفو الدقير الليلة عمتك فركه فتلمسها فإذا بها
الفركه...فلعن الفراشين والبصات والسواقين والركاب مترجلا عن البص خاتما آخر رحله لتلك الوظيفه مقررا خط رجعته الى الكبره والزراعه.

منصور

أضف رد جديد