شجاعة نهلة: د. محمد أحمد محمود
- عثمان حامد
- مشاركات: 312
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm
شجاعة نهلة: د. محمد أحمد محمود
الأعزاء بسودان فور أول
كل التحايا العطرة، وعامكم سعيد
مرفق مقال لصديقنا د. محمد أحمد محمود: شجاعة نهلة
وقد بعث لي به محمد، مساء اليوم، فأرتأيت أن نتشارك قراءته، بعد أن أكد لي هو رغبته في ذلك. وبهذه المناسبة، فإني أعتذ ر للأصدقاء عن إنقطاعي عن المشاركة بسودان فورل، طوال الفترات الفائتة، وربما اللاحقة، بسبب مهام أكاديمة ضاغطة، ولكني بالتأكيد متابع، في أحايين كثيرة، لبعض الكتابات والمشاركات. وأهو: العين بصيرة، واليد قصيرة.
عثمان حامد
**** ******* ********
شجاعة نهلة
محمد محمود
في أمسية الخميس 17 يناير 2013 أطلت نهلة محمود على الملايين من مشاهدي القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني عبر فقرة "للتفكير" (4thought) القصيرة التي تبث بعد أخبار السابعة مساء وتحدثت عن الشريعة وضرورة رفض ومقاومة محاولات تطبيقها وتطبيعها في بريطانيا. وكانت فقرتها ضمن فقرات أخرى تعالج قضية "ماذا تستطيع الشريعة أن تقدّم لبريطانيا؟" وكانت نهلة واضحة وضوحا تاما لا لجلجة فيه في إجابتها على السؤال عندما أعلنت أن الشريعة لا مكان لها في بريطانيا ويجب ألا يكون لها مكان في أي بلد من بلاد العالم لأنها تميّز ضد النساء وتعاملهن كمواطنات من الدرجة الثانية.
عندما انقلب الإسلاميون على الديمقراطية في السودان عام 1989 كانت نهلة طفلة صغيرة، وتدرجت في مراحلها التعليمية في ظل سيطرتهم على النظام التعليمي وهيمنتهم الاجتماعية وهيمنة خطاب مشروعهم لأسلمة وعي المواطنين وإعادة صياغته. إلا أن نهلة كانت تملك من القدرة على الشك وسلامة الحس الأخلاقي ما جعلها تتساءل عن صحة ما تسمع كل الوقت. وكانت محظوظة إذ دخلت كلية العلوم بجامعة الخرطوم وتخصصت في علم الأحياء الذي فتح لها باب الشك والرفض على مصراعيه، كما أخبرتني، عندما درست نظرية التطور. فتحت نظرية التطور – وهي أساس علم الأحياء المعاصر في تفسير سيرورة الحياة منذ بدايتها – عينيها على زيف الوعي الذي ظلت تتغذي به منذ طفولتها، ووضع دارون في يديها أدوات تحرير وعيها وأخرجها من منطقة عالم الأسطورة لمنطقة العقل والعلم.
إلا أن وعي نهلة كان يحمل عنصرا آخر بالإضافة لنزعتها العلمية وهو وعيها النسوي. أدركت رغم كل مجهودات طمس وعيها وتطويعه أن البنية الذكورية للدين تستهدف المرأة وأنها لا يمكن أن تجد حريتها وكرامتها الإنسانية داخل هذه البنية. أدركت بوعيها النافذ المتسائل وحسها الأخلاقي، ورغم كل ما أحاط بها من ضجيج وضغوط وترهيب وترغيب، أنها لا يمكن أن تقبل بصورة الدين عنها، ولا يمكن أن تخضع لدونيتها المتصوّرة التي تجعلها "ناقصة عقل" وتجعل الرجل "قوّاما" عليها. كشفت لها معرفتها العلمية أنه لا يوجد أساس لتفوق "نوعي" للرجل على المرأة وأدركت بحسها الأخلاقي أن المساواة بين الرجال والنساء هي الوضع الأخلاقي المطلوب والأمثل.
وفي حالة نهلة فإن شجاعة الفكر هذه تحوّلت لشجاعة قول وفعل منذ وصولها لإنجلترا. إن إنجلترا، بديمقراطيتها العلمانية، لا تتيح للمسلمين فحسب حرية التعبير عن آرائهم ومواقفهم وإنما تتيح أيضا للمسلمين السابقين حرية التعبير وحرية نقد الإسلام (وهي الحرية التي حاول بعض المسلمين الانقلاب عليها عندما أحرقوا في إنجلترا رواية الآيات الشيطانبة لسلمان رشدي). ولا شك أن نهلة أدركت إدراكا عميقا أن حريتها في إنجلترا للتعبير عن آرائها كمسلمة سابقة تنطوي على ثمن اجتماعي كبير وربما أيضا على خطر. ويتمثل الثمن الاجتماعي في واقع نهلة كامرأة سودانية، وهو واقع مسلم ومحافظ (وحتى في المهاجر والمنافي فإن واقع السودانيين لا يزال في عمومه واقعا مسلما ومحافظا) والخروج على هذا الواقع ومواجهته (وخاصة خروج المرأة عليه) يتطلب شجاعة قول وفعل كبيرة. أما الخطر فيتمثل في احتمالات عواقب نقد الإسلام إذ أصبح عنف الإسلاميين وسيفهم مشرعا في كل أرجاء العالم (ومثال أيان حرسي الصومالية ليس ببعيد). وهكذا وعندما ظهرت نهلة في القناة الرابعة وأعلنت لكل العالم أنها تعارض الشريعة وتقف ضد ظلمها للمرأة فقد كانت قد عبرت حاجز الخوف وأكّدت على امتلاكها لشجاعة استثنائية وقدرة على الارتفاع لمستوى مسئوليات أكبر.
لقد قررت نهلة ألا تكتفي بمجرد وصفها كمسلمة سابقة وأن ترتفع لمستوى مسئوليات العمل من أجل تغيير واقع النساء في بلدها وباقي البلاد العربية والمسلمة. لقد أدركت أن الشريعة تمثل قيد عبودية المرأة في البلاد المسلمة وأن هذا القيد من الممكن أن يمتد أيضا لبريطانيا وقررت أن تساهم في العمل على كسره. وانكسار هذا القيد يتطلب وبالدرجة الأولى معركة فكرية متواصلة لتحرير الوعي وهزيمة الخوف، وهي معركة تقف النساء في خطها الأول لأنهن الخاسر الأكبر عندما تنبعث الشريعة. إن ما عبّرت عنه نهلة يمثل في تقديرنا ميلاد استعداد جديد وسط بعض قطاعات جيل الشباب في البلاد العربية والمسلمة تتميز بقدرتها على نقد الدين ومواجهته من غير خوف.
إن الإسلام اليوم هو الدين الأعنف وسط الأديان الكبري في رفضه لحرية نقده (وهكذا فإن جريمة الردة غير موجودة إلا في بلاد مسلمة)، إلا أن هذا وضع لا يمكن أن يستمر طويلا إذ لابد من أن يقبل المسلمون عاجلا أو آجلا بأن العالم قد تغيّر وأن الإسلام لا يمكن أن يحاط بسياج يميزه عن باقي الأديان. وبما أن الشريعة هي الوجه العام للإسلام، وبما أن المرأة المحجّبة أو المنقبة أو المغيّبة عن الفضاء العام هي الوجه الاجتماعي للشريعة فمن الطبيعي أن ينشغل الناقدون للإسلام بنقد الشريعة والتركيز على نقد موقفها من المرأة. وبالطبع من حق المسلمين أن يدافعوا عن الإسلام وعن الشريعة وعن موقفهم من المرأة، إلا أن الاستمتاع بهذا الحق وممارسته تعني أيضا وبالمفابل الاعتراف بحق نقد الإسلام ونقد الشريعة. إن دخول الإسلام في دائرة حضارة حقوق الإنسان واستمتاعه بما تكفله هذه الحقوق من حق غير المسلمين أن يعتنقوا الإسلام يعني وبالضرورة قبوله لحرية نقده وحرية المسلمين للخروج منه وحماية هذه الحرية بالقانون في كل بلاد المسلمين.
(*) محمد محمود أستاذ سابق في كلية الآداب بجامعة الخرطوم وكان رئيسا لقسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز بالولايات المتحدة. سيصدر له في مارس 2013 كتاب (نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية) عن مركز الدراسات النقدية للأديان.
[email protected]
- عثمان حامد
- مشاركات: 312
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm
- محمد أبو جودة
- مشاركات: 533
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm
[align=justify]
الأخ والأستاذ/ عثمان حامد
أطيب التحايا
وشكراً على إشراكنا المقال، أو محاولة إشراكنا، ولعله التشريك بنا، مَنْ يدري ..!
في رأيِّ أنّ المقال عادي، من حيث صِبغة صائغه ومناوله، وكذلك المكتوب عنه ومنه، وهذا مالم أكُن أتوقّعه على كل حال! ففي مجيء هذه الافتكارات
على مثل هذه الصياغة، تبريد لسخونة الحديد، قديمه والجديد! إن كان لا يُحسن الطّرق عليه وهو "غير ساخن". فالمقال، خيرُ مثال لمقولةْ: دوماً يحومون حول الحِمَى! ولا يستجرأون.. كأنّما يريدون غيرهم أن يتجرّأوا لا يلوون على "دين"! والحوامة حول الحِمى، ساهلة ماهلة باهلة. ليست مُنتهى الشجاعة، أن يكون فحوى تعبيرك، تنظيري ليسه مبني على أيِّ تجربة صالحة الفسيلات قد بدأتْ تُبَتِّق ثمراتها، أو هيَ على سبيل التبتيق. ليس شجاعة أن تُعبِّر بنفس تعبيرات تنظيرية قد مجّــتها "القنوات المحلية"، وأحياناً أصحاب السوط بذات أنفسهم! ولم تُحدِث أو تُحدِّث عن رؤىً ركينة، جديرة أن تُتــَّــبَــع.
هل قضية المرأة، هي الخَيَّة الرئيسة للشريعة...؟
إذن ما أسهلها من خَيَّةٍ قابلة للرّتق، ولو تاكتيكياً .. هل الأسطورة دوماً هيَ فراغ، عدم، فناء؟ أم هي وجه آخر من عُملة الــ عقل والعقلانية؟ إن لم تكُن بِتلاّت وسِبلاّت ونواة زهرة العقل الطامحة لتغيير يأتي بالطبيعة والمكتَسَب(ولا أقول كقولهم: الكسب! .. فقد أضحى بهم وبآلهم: ود كَبْ).. باعتقادي، ليس من عَقلٍ بلا أسطرة! والأسطرة، في مذهبي، ممّا قليلُه مُفيد وكثيرُه مُهلِك، وِفقاً للواعية، والآنية الوعاء... الروح والوجدان والتاريخ والتهيُّؤات والأحلام والأنغام والأنسام، من أُنس الوجود للعقل السليم الذي هو في المكان السليم والوقت السليم والرّوح غير السَّقيم بلأواء الزمان المحاق.
لك وافر الشكر
وغير قليلٍ من مودّات
محمد أبوجودة
----
تم التعديل لـتكبير حرف الكتابة، بالإضافة لإعادة بعض التنسيق.
الأخ والأستاذ/ عثمان حامد
أطيب التحايا
وشكراً على إشراكنا المقال، أو محاولة إشراكنا، ولعله التشريك بنا، مَنْ يدري ..!
في رأيِّ أنّ المقال عادي، من حيث صِبغة صائغه ومناوله، وكذلك المكتوب عنه ومنه، وهذا مالم أكُن أتوقّعه على كل حال! ففي مجيء هذه الافتكارات
على مثل هذه الصياغة، تبريد لسخونة الحديد، قديمه والجديد! إن كان لا يُحسن الطّرق عليه وهو "غير ساخن". فالمقال، خيرُ مثال لمقولةْ: دوماً يحومون حول الحِمَى! ولا يستجرأون.. كأنّما يريدون غيرهم أن يتجرّأوا لا يلوون على "دين"! والحوامة حول الحِمى، ساهلة ماهلة باهلة. ليست مُنتهى الشجاعة، أن يكون فحوى تعبيرك، تنظيري ليسه مبني على أيِّ تجربة صالحة الفسيلات قد بدأتْ تُبَتِّق ثمراتها، أو هيَ على سبيل التبتيق. ليس شجاعة أن تُعبِّر بنفس تعبيرات تنظيرية قد مجّــتها "القنوات المحلية"، وأحياناً أصحاب السوط بذات أنفسهم! ولم تُحدِث أو تُحدِّث عن رؤىً ركينة، جديرة أن تُتــَّــبَــع.
هل قضية المرأة، هي الخَيَّة الرئيسة للشريعة...؟
إذن ما أسهلها من خَيَّةٍ قابلة للرّتق، ولو تاكتيكياً .. هل الأسطورة دوماً هيَ فراغ، عدم، فناء؟ أم هي وجه آخر من عُملة الــ عقل والعقلانية؟ إن لم تكُن بِتلاّت وسِبلاّت ونواة زهرة العقل الطامحة لتغيير يأتي بالطبيعة والمكتَسَب(ولا أقول كقولهم: الكسب! .. فقد أضحى بهم وبآلهم: ود كَبْ).. باعتقادي، ليس من عَقلٍ بلا أسطرة! والأسطرة، في مذهبي، ممّا قليلُه مُفيد وكثيرُه مُهلِك، وِفقاً للواعية، والآنية الوعاء... الروح والوجدان والتاريخ والتهيُّؤات والأحلام والأنغام والأنسام، من أُنس الوجود للعقل السليم الذي هو في المكان السليم والوقت السليم والرّوح غير السَّقيم بلأواء الزمان المحاق.
لك وافر الشكر
وغير قليلٍ من مودّات
محمد أبوجودة
----
تم التعديل لـتكبير حرف الكتابة، بالإضافة لإعادة بعض التنسيق.
آخر تعديل بواسطة محمد أبو جودة في السبت مارس 23, 2013 2:22 pm، تم التعديل مرة واحدة.
- عثمان حامد
- مشاركات: 312
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm
Dear Mohamed Jodah
Thank you for your comments.
Osman
ارفعوا أيديكم عن نهلة وأسرتها
محمد محمود
(1)
الحملة الشرسة التي تتعرض لها نهلة محمود والمضايقات المستمرة والابتزاز الذي تتعرض له أسرتها في السودان تكشف عن خوف حقيقي من "ظاهرة نهلة"، وهي ظاهرة تمثّل التحدي الأكبر للإسلام المعاصر عندما يصبح قوة قهر ديني وسياسي واجتماعي ويبتعد عن منطقة الضمير الحر.
إن شجاعة نهلة الاستثنائية تقلب قواعد "اللعبة النفاقية" التي تسود مجتمعنا (وباقي المجتمعات الإسلامية) وتجبر الرافضين للإسلام على "التقية" وحتى التظاهر بالإسلام وممارسة شعائره. ومن الطبيعي أن ينزعج الإسلاميون من "ظاهرة نهلة" لأن نهلة نشأت وترعرعت بعد استلابهم للسلطة وفي ظل مشروعهم وكانت، مثل غالبية بنات جيلها، مسلمة متدينة صادقة التدين. إلا أن نهلة تميزت أيضا بالذكاء والقدرة على تحريك ملكتها النقدية وتميزت فضلا عن ذلك بحس أخلاقي متسائل. وكان من الطبيعي أن يجعلها ذلك تتساءل عن الصورة التي يقدّمها الإسلام للمرأة وعن كل مظاهر التفرقة والتهميش لها كأنثى. ولاشك أن هذه التساؤلات خطرت ببال الكثيرات من النساء، إلا أن نهلة تنتمي لذلك القسم من النساء اللائي امتلكن ما يكفي من الشجاعة لاجتياز حاجز الخوف. ومما ساعدها على هذه القفزة تخصصها العلمي وانفتاحها على المعارف العلمية التي حرّرتها من قبضة الرؤية الاسطورية التي قدّمها الدين لها كأساس لفهم بداية الكون والحياة.
وبالإضافة للأسئلة الكبيرة كان لابد لنهلة (وبنات جيلها اللائي نشأن في ظل هيمنة المشروع الإسلامي) من مواجهة الأسئلة المباشرة المتعلقة بنوعهن كنساء. ما كان من الممكن لنهلة أن تقبل أنها "ناقصة عقل" كما يخبرها الحديث ومنهجها المدرسي وكل أجهزة الإعلام التي تصيح أبواقها صباح مساء. ما كان من الممكن، وهي الذكية المتعلمة، أن تقبل أن شهادتها على النصف من شهادة الرجل لمجرد أنه رجل. ما كان من الممكن أن تقبل أن حقها في الميراث على النصف من حق الرجل. ما كان من الممكن أن تقبل "القهر الزواجي" الذي يهبط بإنسانية الأنثى ويختزلها لمتاع جنسي (من الممكن أن يصبح متعدد الأطراف) ويحوّل العلاقة الزوجية لمؤسسة قهر ذكوري تعطي الرجل حق ضرب زوجته إن نشزت عليه. ما كان من الممكن لنهلة أن تقبل وضع "مواطن الدرجة الثانية" حتى لو قبلت به غالبية النساء حولها.
(2)
وعندما توفّرت الفرصة لنهلة وهي تعيش في مجتمع حرّ لا يحجر على الرأي ويهب المؤمن وغير المؤمن حقوقا متساوية في التعبير أعلنت أنها ترفض الإسلام لأن شريعته تميّز ضدها كامرأة. وإعلانها الشجاع هذا سبقه في واقع الأمر نشاطها في التبصير بعواقب الشريعة، وهو نشاط لا يزال مستمرا ولن يتوقف لأن نهلة تؤمن إيمانا عميقا بقضيتها وتريد المساهمة في تحرير الآخرين من أسر الرؤية الدينية وانتهاك حقوق المرأة والتمييز ضدها.
لقد استغرقت مقالة نهلة المقتضبة في نقد الرؤية الإسلامية والشريعة على القناة الرابعة أقل من دقيقتين (دقيقة و 39 ثانية بالضبط)، لتجد نفسها منذ تلك اللحظة الصريحة والشجاعة في مواجهة عاصفة من الشتائم والسباب والتخوين والتهديد ظلت تتعاظم وتتصل حلقاتها لتصل مرحلة تعريض أسرتها في السودان للمضايقة المستمرة والابتزاز. ونحن لا نستغرب مثل هذه الحملة ولا نستغرب لغتها إذ أن دعاة المشروع الإسلامي (وكل من دار في دائرتهم) عودونا على شيئين: على رفضهم لحرية الفكر وعلى فجورهم في الخصومة وقدرتهم الفذة على الإقذاع وفحش اللغة والدعوة لاستباحة الدم. إلا أننا نفهم أيضا ما يدفع حَمَلة المشروع الإسلامي لمثل رد الفعل المحموم هذا. إن الإسلاميين يدركون ما تعنيه "ظاهرة نهلة" في نهاية الأمر، إذ أنها ظاهرة من الممكن أن تنتشر انتشار النار في الهشيم. إن الحملة المقذعة التي يقودها إسلاميو نظام الخرطوم ومنتفعوهم ضد نهلة حملة ذات هدفين: اغتيال شخصيتها وتحويلها لرمز كراهية في ذهن كل مواطن سوداني من ناحية، وتخويف وإرهاب كل من يفكر في النقد العلني للإسلام أو الشريعة.
وحملة الإسلاميين ومنتفعيهم الضارية المقذعة تنقل الأمور الآن من مرحلة "ظاهرة نهلة" لمرحلة "قضية نهلة" ونعني بها واجب كل المدافعين عن حرية الفكر والتعبير في السودان على الاصطفاف حولها والتضامن مع حقها في الدفاع عن حريتها في التفكير والتعبير. يجب أن يفهم كل مواطن في السودان أن الخروج من الإسلام ونقده حق مشروع للمواطن السوداني يقع ضمن الحقوق الأساسية التي يتيحها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقّع عليه السودان، وهو إعلان تعلو قيمه على قيم الشريعة خاصة عندما تجرّم الشريعة حرية الفكر والتعبير تحت مادة الردة.
إن قضية نهلة لم تعد الآن قضية فردية معزولة بل أصبحت قضية حرية الفكر والتعبير في السودان بامتياز. ونرى على ضوء ذلك أن كل الأحزاب السياسية التي تقود العمل المعارض وكل قادة الرأي مدعوون للتعبير بوضوح عن مساندتهم لحقها في حرية التفكير والتعبير (حتى إن اختلفوا معها في الرأي). إن قضية الحرية لا تتجزأ، والسكوت عن قهر الأفراد وتعرضهم للتهديد والإرهاب سيؤدي في نهاية الأمر لقهر كل من يسكتون، أفرادا كانوا أم جماعات.
(3)
إن قبول قهر نهلة وقبول الدوس على حريتها وحقوقها هو قبول لقهر كل مواطن سوداني وقبول الدوس على حريته وحقوقه. إن حق الإنسان في الحياة وحقه في الحرية يعلو على كل دين لأن رفض الدين، أي دين، لا يمكن أن يكون مسوغا لسلب الإنسان حقه في الحياة والحرية. لقد مارست نهلة حقها المشروع في رفض الإسلام وهي تملك حقا مشروعا آخر هو حق التعبير عن رأيها. والمؤمنون بالإسلام يملكون حق الرد على من خرجوا من الإسلام وتفنيد حججهم، إلا أنهم لا يملكون حق تجريمهم ومعاقبتهم كمرتدين لأن الخروج من الإسلام (أو أي دين من الأديان) حق إنساني مشروع وليس جريمة.
إننا نناشد أحزاب المعارضة ونناشد قادة الرأي أن يرفعوا صوتهم عاليا ضد قهر حرية الفكر والتعبير، وأن يطالبوا بإلغاء المادة 126 من القانون الجنائي التي تجرّم إعلان الخروج من الإسلام ونقده وتعتبره ردة عقوبتها القتل. إننا نناشد أحزاب المعارضة وقادة الرأي أن يؤكدوا على ضرورة التمسك بمباديء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة المادة 18 التي تعلن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة." إن هاتين الحريتين، حرية الفكر وحرية التعبير، هما الحريتان الأساسيتان اللتان تشكلان ركيزة باقي الحريات في المجتمع وبدونهما لن تتوفر الضمانة الحقيقية لازدهار الديمقراطية في مستقبلنا.
(*) محمد محمود باحث وأكاديمي سوداني عمل بالتدريس في كلية الآداب بجامعة الخرطوم وكان رئيسا لقسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز بالولايات المتحدة. سيصدر له في نهاية مارس 2013 كتاب (نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية) عن مركز الدراسات النقدية للأديان.
[email protected]
Thank you for your comments.
Osman
ارفعوا أيديكم عن نهلة وأسرتها
محمد محمود
(1)
الحملة الشرسة التي تتعرض لها نهلة محمود والمضايقات المستمرة والابتزاز الذي تتعرض له أسرتها في السودان تكشف عن خوف حقيقي من "ظاهرة نهلة"، وهي ظاهرة تمثّل التحدي الأكبر للإسلام المعاصر عندما يصبح قوة قهر ديني وسياسي واجتماعي ويبتعد عن منطقة الضمير الحر.
إن شجاعة نهلة الاستثنائية تقلب قواعد "اللعبة النفاقية" التي تسود مجتمعنا (وباقي المجتمعات الإسلامية) وتجبر الرافضين للإسلام على "التقية" وحتى التظاهر بالإسلام وممارسة شعائره. ومن الطبيعي أن ينزعج الإسلاميون من "ظاهرة نهلة" لأن نهلة نشأت وترعرعت بعد استلابهم للسلطة وفي ظل مشروعهم وكانت، مثل غالبية بنات جيلها، مسلمة متدينة صادقة التدين. إلا أن نهلة تميزت أيضا بالذكاء والقدرة على تحريك ملكتها النقدية وتميزت فضلا عن ذلك بحس أخلاقي متسائل. وكان من الطبيعي أن يجعلها ذلك تتساءل عن الصورة التي يقدّمها الإسلام للمرأة وعن كل مظاهر التفرقة والتهميش لها كأنثى. ولاشك أن هذه التساؤلات خطرت ببال الكثيرات من النساء، إلا أن نهلة تنتمي لذلك القسم من النساء اللائي امتلكن ما يكفي من الشجاعة لاجتياز حاجز الخوف. ومما ساعدها على هذه القفزة تخصصها العلمي وانفتاحها على المعارف العلمية التي حرّرتها من قبضة الرؤية الاسطورية التي قدّمها الدين لها كأساس لفهم بداية الكون والحياة.
وبالإضافة للأسئلة الكبيرة كان لابد لنهلة (وبنات جيلها اللائي نشأن في ظل هيمنة المشروع الإسلامي) من مواجهة الأسئلة المباشرة المتعلقة بنوعهن كنساء. ما كان من الممكن لنهلة أن تقبل أنها "ناقصة عقل" كما يخبرها الحديث ومنهجها المدرسي وكل أجهزة الإعلام التي تصيح أبواقها صباح مساء. ما كان من الممكن، وهي الذكية المتعلمة، أن تقبل أن شهادتها على النصف من شهادة الرجل لمجرد أنه رجل. ما كان من الممكن أن تقبل أن حقها في الميراث على النصف من حق الرجل. ما كان من الممكن أن تقبل "القهر الزواجي" الذي يهبط بإنسانية الأنثى ويختزلها لمتاع جنسي (من الممكن أن يصبح متعدد الأطراف) ويحوّل العلاقة الزوجية لمؤسسة قهر ذكوري تعطي الرجل حق ضرب زوجته إن نشزت عليه. ما كان من الممكن لنهلة أن تقبل وضع "مواطن الدرجة الثانية" حتى لو قبلت به غالبية النساء حولها.
(2)
وعندما توفّرت الفرصة لنهلة وهي تعيش في مجتمع حرّ لا يحجر على الرأي ويهب المؤمن وغير المؤمن حقوقا متساوية في التعبير أعلنت أنها ترفض الإسلام لأن شريعته تميّز ضدها كامرأة. وإعلانها الشجاع هذا سبقه في واقع الأمر نشاطها في التبصير بعواقب الشريعة، وهو نشاط لا يزال مستمرا ولن يتوقف لأن نهلة تؤمن إيمانا عميقا بقضيتها وتريد المساهمة في تحرير الآخرين من أسر الرؤية الدينية وانتهاك حقوق المرأة والتمييز ضدها.
لقد استغرقت مقالة نهلة المقتضبة في نقد الرؤية الإسلامية والشريعة على القناة الرابعة أقل من دقيقتين (دقيقة و 39 ثانية بالضبط)، لتجد نفسها منذ تلك اللحظة الصريحة والشجاعة في مواجهة عاصفة من الشتائم والسباب والتخوين والتهديد ظلت تتعاظم وتتصل حلقاتها لتصل مرحلة تعريض أسرتها في السودان للمضايقة المستمرة والابتزاز. ونحن لا نستغرب مثل هذه الحملة ولا نستغرب لغتها إذ أن دعاة المشروع الإسلامي (وكل من دار في دائرتهم) عودونا على شيئين: على رفضهم لحرية الفكر وعلى فجورهم في الخصومة وقدرتهم الفذة على الإقذاع وفحش اللغة والدعوة لاستباحة الدم. إلا أننا نفهم أيضا ما يدفع حَمَلة المشروع الإسلامي لمثل رد الفعل المحموم هذا. إن الإسلاميين يدركون ما تعنيه "ظاهرة نهلة" في نهاية الأمر، إذ أنها ظاهرة من الممكن أن تنتشر انتشار النار في الهشيم. إن الحملة المقذعة التي يقودها إسلاميو نظام الخرطوم ومنتفعوهم ضد نهلة حملة ذات هدفين: اغتيال شخصيتها وتحويلها لرمز كراهية في ذهن كل مواطن سوداني من ناحية، وتخويف وإرهاب كل من يفكر في النقد العلني للإسلام أو الشريعة.
وحملة الإسلاميين ومنتفعيهم الضارية المقذعة تنقل الأمور الآن من مرحلة "ظاهرة نهلة" لمرحلة "قضية نهلة" ونعني بها واجب كل المدافعين عن حرية الفكر والتعبير في السودان على الاصطفاف حولها والتضامن مع حقها في الدفاع عن حريتها في التفكير والتعبير. يجب أن يفهم كل مواطن في السودان أن الخروج من الإسلام ونقده حق مشروع للمواطن السوداني يقع ضمن الحقوق الأساسية التي يتيحها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقّع عليه السودان، وهو إعلان تعلو قيمه على قيم الشريعة خاصة عندما تجرّم الشريعة حرية الفكر والتعبير تحت مادة الردة.
إن قضية نهلة لم تعد الآن قضية فردية معزولة بل أصبحت قضية حرية الفكر والتعبير في السودان بامتياز. ونرى على ضوء ذلك أن كل الأحزاب السياسية التي تقود العمل المعارض وكل قادة الرأي مدعوون للتعبير بوضوح عن مساندتهم لحقها في حرية التفكير والتعبير (حتى إن اختلفوا معها في الرأي). إن قضية الحرية لا تتجزأ، والسكوت عن قهر الأفراد وتعرضهم للتهديد والإرهاب سيؤدي في نهاية الأمر لقهر كل من يسكتون، أفرادا كانوا أم جماعات.
(3)
إن قبول قهر نهلة وقبول الدوس على حريتها وحقوقها هو قبول لقهر كل مواطن سوداني وقبول الدوس على حريته وحقوقه. إن حق الإنسان في الحياة وحقه في الحرية يعلو على كل دين لأن رفض الدين، أي دين، لا يمكن أن يكون مسوغا لسلب الإنسان حقه في الحياة والحرية. لقد مارست نهلة حقها المشروع في رفض الإسلام وهي تملك حقا مشروعا آخر هو حق التعبير عن رأيها. والمؤمنون بالإسلام يملكون حق الرد على من خرجوا من الإسلام وتفنيد حججهم، إلا أنهم لا يملكون حق تجريمهم ومعاقبتهم كمرتدين لأن الخروج من الإسلام (أو أي دين من الأديان) حق إنساني مشروع وليس جريمة.
إننا نناشد أحزاب المعارضة ونناشد قادة الرأي أن يرفعوا صوتهم عاليا ضد قهر حرية الفكر والتعبير، وأن يطالبوا بإلغاء المادة 126 من القانون الجنائي التي تجرّم إعلان الخروج من الإسلام ونقده وتعتبره ردة عقوبتها القتل. إننا نناشد أحزاب المعارضة وقادة الرأي أن يؤكدوا على ضرورة التمسك بمباديء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة المادة 18 التي تعلن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة." إن هاتين الحريتين، حرية الفكر وحرية التعبير، هما الحريتان الأساسيتان اللتان تشكلان ركيزة باقي الحريات في المجتمع وبدونهما لن تتوفر الضمانة الحقيقية لازدهار الديمقراطية في مستقبلنا.
(*) محمد محمود باحث وأكاديمي سوداني عمل بالتدريس في كلية الآداب بجامعة الخرطوم وكان رئيسا لقسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز بالولايات المتحدة. سيصدر له في نهاية مارس 2013 كتاب (نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية) عن مركز الدراسات النقدية للأديان.
[email protected]
- محمد أبو جودة
- مشاركات: 533
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm
من الأساطير التي عشنا بها مليّـاً حـَفـِيـّا بعهد الصِّبا، أننا كُنا نُطارد أيّما كَلبٍ تُحدِّثه القائلة، بذهابٍ للنهر؛ نقول له: (سيــد اللِّســان جاك) .. فيرجع الكلب عن النّهر "القديم" ! ليس كرجوع القمرة لي وطَنْ القماري، بل رجوع ذاك الأسد المذعور من صياح الدَّيـــَــكا في المُطالعة الابتدائية! وللحكاية نهاية تتَّصِلُ بالحِمار.
----
التحايا عزيزي عثمان
----
التحايا عزيزي عثمان
-
- مشاركات: 106
- اشترك في: الاثنين نوفمبر 19, 2007 9:48 pm
- محمد أبو جودة
- مشاركات: 533
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm
الأخ العزيز/ عوض
أطيب التحايا لك، وشكري على تساؤلك.
بالطبع لستُ ضد مقال الدكتور كمقال، ولا مع طرحه. من الممكِن أكون بحاول أكتب ما يعتمل في دماغي (تحليليا) و عشان كده لم تفهمني؛ ولا أنا
متوقّع أن أكون مفهوما منذ البداية، ذلك أنني لم أثِق بعد في تخيّر أولوية محددة - من بين مداخل متعددة- للمدخل الذي ألج من ناحيته، في كرش هذا الفيل.
ويا سيدي، أنا مع البحث والتحليل وعرض النتائج في أيِّ موضوعة تحتاج بحثاً وتحليلاً وعرضاً للنتائج لكن لمّا ترتبط "الموضوعة" المطروحة
بغباش "الأنا" النرجسية، وتفور فيها وحولها الملابسات والتدليسات، فــَــ مَــنْ ذا الذي يجي "واقعاً" إيديهو في اضنينو وأنفه، مُغمِّضاً عينيه قائلاً: يا حمدوبا وسرور!
خشية الغرق في شِبِر "ثارة"
سأكتب بالطبع مُحلِّلاً باللِّي ح يطلع في إيدي؛ وأرجو أن يكون قريباً حسمي لأيِّ المداخل أركُن.
المطروح مُريب، وطارِحُه ورَبعِه، أشدّ ريبة..
فهات، عزيزي الدكتور، ومثلك جديرٌ بأن يُعين على تخيُّر المداخل في نقض الرِّيــَبْ