زينب الضي، الرقابة على دستورية القوانين،مقترح لاكتمال الثورة
- نجاة محمد علي
- مشاركات: 2809
- اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
- مكان: باريس
زينب الضي، الرقابة على دستورية القوانين،مقترح لاكتمال الثورة
الرقابة على دستورية القوانين، مقترح لاكتمال الثورة
زينب محمود الضي *
النضالات والتضحيات العظيمة التي ظل يقدمها السودانيون منذ خروج الاستعمار من ثورات وانتفاضات يتباهون بها أمام العالم، لم تحدث أي تغييرات حقيقية في طبيعة وشكل الدولة السودانية، كما لم تنصف المهمشين والمقهورين من السودانيين سواءً كانوا في الأطراف أو حتى وسط وشمال البلاد، فهنالك دائماً متآمرون ورأس مال طفيلي متربص لأي حراك يمكنه أن يقود إلى تغيير في بنية الدولة يعرض مصالحهم للخطر. فهم يعملون بكل جدية لإعاقة وعرقلة التحول الحقيقي الذي يقود إلى التغيير، مستخدمين تارةً ذريعة الدين والإسلام وتارةً أخرى خدعة حاضنات اجتماعية محددة وإفهامهم بأن التغيير سيضر بمصالحهم. لذا نجد أن كل الثورات العظيمة التي قام بها الشعب السوداني ابتداءً من ثورة أكتوبر 1964 وأبريل 1985 ومن ثم ثورة ديسمبر 2018 التي ضحينا فيها بأعز شبابنا.
كل هذه الثورات لم تؤتِ أكلها، أحدثت تغيرات شكلية وحافظت على ملامح الدولة المشوهة، التي يطالب كل السودانيين شباباً وشيباً بتغييرها.
الثورات المحمية بالسلاح التي شخصت الأزمة السودانية متمثلة في تهميش رباعي الأضلاع غير منتظم الشكل، سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي.
إن التغيير لا يمكن له أن يحدث إلا بثورة عارمة محمية بالسلاح، بدأت من جنوب البلاد لتمتد إلى مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق لتواصل امتدادها حتى شرق السودان ومن ثمَّ دارفور، قدمت ملايين من الشهداء من أجل أن يحدث تغيير يفضي إلى سودان يسع الجميع، ثورة وصلت بيوت معظم السودانيين، لولا قضية انفصال الجنوب الذي تعرض شعبه للقهر والظلم والعنصرية الممنهجة، وفشل محاولتهم في البحث عن وحدة ترضي الجميع، جعلتهم يختارون بناء وطنٍ آخر وترك كل ما بنوه وعمروه خلفهم.
فالتجارب مع المتآمرين على التغيير ليصبح السودان دولة نفتخر بها جميعاً، المتآمرين الذين يظهرون في المرحلة الحاسمة من الثورات الشعبية ليحولوها لمكاسب سياسية خاصة، توجب علينا أن نتحمل المسئولية التاريخية ووضع خطة متكاملة لإكمال الثورة الشعبية الأخيرة التي تم إجهاضها ومعالجتها دستورياً، وذلك بوضع مبادئ دستورية عليا تكون هاديةً ومرشدةً لنا كسودانيين، تغير في بنية الدولة وتؤثر على الوعي الجمعي المشوه الذي أنتجته الأيدولوجيات المتناقضة مع واقع السودان ومجتمعاته، ووضع آلية متفق عليها للرقابة الدستورية تمنع صدور أي قانون أو نصوص دستورية تخالف هذه المبادئ.
عليه، في هذه الورقة سنتناول مبحثاً هاماً جداً يتعلق بالرقابة على دستورية القوانين وحماية المبادئ الدستورية.
قبل طرح الفكرة، لا بد من نبذة تعريفية عن الرقابة على دستورية القوانين وأهميتها. هنالك نوعين من الرقابة الدستورية، الرقابة القضائية والرقابة السياسية وهذه الرقابة تتحدد حسب طبيعة كل بلد والنظام السياسي الذي يحكمها ومدى الثقة في القانونيين والنظام العدلي الذي يحكم البلاد.
ماهي الرقابة على دستورية القوانين؟:
لنتعرف على هذه المعادلة، لا بد من تفكيكها، نبدأه بالقانون. اذاً ما هو القانون؟
سأتناول التعريف الاجتماعي للقانون الذي يقول إن القانون هو مجموعة القواعد التي تحكم العلاقة بين أفراد المجتمع ومخالفة هذه القواعد يتبعها عقوبات. هنالك التعريفات الفلسفية من فقهاء القانون مثل هانس كلسن وهوب واوستن ومعظم فقهاء القانون الوضعي، ثبتوا أن القانون هو القواعد القانونية التي تصدر من السلطة ويتبعها عقاب. وهذا التعريف وفي الفقرة التي تتعلق بالعقاب هو ما أدى إلى الخلاف في طبيعة القانون الدولي كقانون، طالما لا يتبعه عقاب.
نعود لموضوعنا في القانون وهو مجموعة القواعد التي تحكم أو تنظم المجتمع وينقسم إلى درجات. أعلى هذه الدرجات هي الدستور، ويسمي أحياناً بأبو القوانين أو القانون الأسمى، بمعنى أنه لا يمكن لأي قانون آخر أن يخالفه. وهذا ما يقودنا إلى موضوع حماية الدستور والمبادئ فوق الدستورية أو الBlock ، كما يطلق عليه في بعض الدساتير بمعنى المواد الجامدة الغير قابلة للتعديل بإجراءات عادية.
فالدستور هو القانون الأول وهو الذي يوضع بواسطة الشعب، يليه القانون العاديOrdinary Law ، وبعده اللوائح والقوانين التي توضع بواسطة السلطة التنفيذية.
عندما نتحدث عن أن الدستور هو القانون السامي بمعنى أن القوانين العادية حتى التي يسنها البرلمان أو اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية يجب أن لا تخالفه.
الرقابـــــــة:
الرقابة إذن هي أن نمنع أي قانون آخر أو سلطة أخرى أن تخالف الدستور، وخاصة المبادئ الجامدة فيه أو ما يسمى بالمبادئ فوق الدستورية، كمسألة علمانية الدولة أو طبيعة نظام الحكم.
اختلفت الدول اختلافات عدة على مسألة الرقابة الدستورية تتماشى حسب النظام السياسي ومدى التناغم بين السلطات التي تحكم البلد المعني. انحصرت فكرة الرقابة من حيث الموضوع إلى رقابة امتناع ورقابة الإلغاء، ومن حيث الإجراء الي رقابة سابقة ورقابة لاحقة.
رقابه الامتناع بمعني إذا وجد أن القانون الذي يجب تطبيقه يخالف للدستور يجب الامتناع عن تطبيقه. وهذا النوع من الرقابة ممارس في دول عديدة مثل مصر والسودان. قانون جهاز الأمن السوداني قانون مخالف للحريات أي مخالف لمبدأ من مبادئ الدستور، إلا أن المحكمة الدستورية لم تقم بإلغائه عند ممارستها عملية الرقابة بل تمتنع عن تطبيقه في الواقعة المعنية فقط.
النوع الثاني من الرقابة يسمى برقابة الإلغاء، وهذا النوع تقوم به محكمة متخصصة تسمى المحكمة الدستورية مهمتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور.
الرقابة من الناحية الاجرائية تندرج في الرقابة اللاحقة: تقوم بها المحكمة المختصة (الدستورية) بعد صدور القانون وبعد تطبيقه بمعنى إلغاء القانون بأثر رجعي.
الرقابة السابقة: فالقانون بعد صدوره من البرلمان وقبل عرضه على الإجازة من رئاسة الجمهورية لا بد من عرضه على المحكمة الدستورية لمراجعة عدم مخالفته للدستور. إذا كان مخالفاً يتم إعادته إلى البرلمان مرة أخرى لتعديله.
كما يمكن الجمع بين الرقابتين كما حصل في تعديل دستور فرنسا ٢٠٠٨.
كل هذه النماذج من الرقابة يمكنها أن تكون رقابة قضائية تقوم بها محكمة دستورية في الظروف العادية في دول تتمتع بمؤسسات منسجمة وعقد اجتماعي متماسك ونظام عدلي عادل غير موجه سياسياً وأيديولجياً.
كما أن تجاربنا في السودان في سلطه المحكمة الدستورية في مراجعة دستورية القوانين تتمثل في قضية برمه ناصر ضد جهاز الأمن التي خلصت إلى إلغاء النصوص القانونية المخالفة للدستور حيث رأت المحكمة بجواز إلغاء القوانين إذا كانت متعارضة مع الدستور.
ولكن ماذا عن إلغاء النصوص الدستورية إذا كانت متعارضة أو مخالفة للدستور؟ ترى المحكمة الدستورية في القضية سابقة الذكر عدم جواز سلطتها في إلغاء النصوص الدستورية. ونرى أن للأستاذ نبيل أديب رأي مخالف وهو أن هذه التفرقة في إلغاء القوانين أو النصوص الدستورية إذا كانت مخالفة للدستور تمنع المحكمة الدستورية من القيام بدورها كحارسة للدستور، حيث أن الفقه متفق على جواز الأولى ومختلف على بعض من الثانية. إلا أن ما أغفله القانوني الضليع نبيل أديب هو أن الدستور كقانون سامي أو أبو القوانين، كما تطرقنا إليه عند بداية تعريفنا للقانون كقواعد وأحكام تنظم العلاقة بين الشعب أو أفراد المجتمع، إلا أن هذا المجتمع لم يتشكل بعد مجتمعاً منسجماً في الحالة السودانية، إذ أن هنالك مجتمعات متعددة ذات ثقافات مختلفة وهو ما أدى إلى رفض لهذه القوانين التي تسنها الأنظمة السياسية الموجهة اجتماعياً وثقافياً.
الرقابة السياسية على دستورية القوانين:
تناولنا أهمية الرقابة على دستورية القوانين خاصه الرقابة القضائية. إلا أن الوجه الثاني هو الرقابة التي نقترحها في ورقتنا، وهي الرقابة السياسية على دستورية القوانين، حيث تقوم بها هيئة سياسية لمراجعة تطابق النصوص الدستورية والقوانين مع المبادئ الدستورية وعدم تعارضها معه. كما هو ممثل في اللجنة الدستورية في الدستور الفرنسي لسنه ١٩٤٦الذي يتكون من ١٢ عضواً: رئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) إضافة إلى سبعة أعضاء يختارهم البرلمان وثلاثة أعضاء يختارهم مجلس الشيوخ. طريقة عرض القوانين بطلب من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان.
دستور الجمهورية الخامسةCinquième République :
وتعرف بأنها ثورة قانونية حيث الآلية التي تقوم بعملية الرقابة هنا هي المجلس الدستوري، حيث أن تكوينه يراعى فيه الحيادية العالية لأعضائه. وهو يمثل الثورة القانونية الحقيقية ويتكون من تسعة أعضاء، يتم اختيارهم بواسطة رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ، إضافة إلى رؤساء الجمهورية السابقين، حيث يقيد رئيس الجمهورية في التعيين من كبار القانونيين على أن يكون من بينهم رئيس المجلس مع سقف زمني مدته ٩ سنوات على أن يتم التجديد كل ثلاثة سنوات. القرارات تصدر بأغلبية ٧ أصوات.
عضو المجلس لا يحق له العمل بأي وظيفة أخرى كما لا يجوز له الجمع بين عضويته ورئاسة أي حزب سياسي.
في الحالة السودانية نتفق جداً مع الأستاذ نبيل أديب في مساله جواز الرقابة على النصوص الدستورية المعارضة للدستور إلا أن الآلية التي تقوم بها هذه الرقابة خاصة في دولة مثل السودان تعاني من عدم الثقة بين مكوناتها السياسية تفتقر لمجتمع منسجم ومبادئ وقيم متفق حولها تقود هذا المجتمع، إضافة إلى السبب الجوهري وهو عدم الثقة في القضاء الذي ظل موجهاً لمدة أكثر من الثلاثين عاماً، أن يتم تكوين آلية سياسية لمراقبة الدستور تتألف من شخصيات متفق عليها يتمتعون بالحيادية. تكون لها سلطة الفصل بعدم إلغاء النصوص القانونية المخالفة للدستور كما سلطة إرجاع النصوص الدستورية المخالفة للدستور إلى البرلمان لتعديلها مرة أخرى.
مراجــــــع:
Les institutions de la France, découverte de la vie de la République.
نبيل أديب، سلطه المحكمة الدستورية في مراجعة دستورية القوانين، ٦اغسطس ٢٠١٨.
* زينب محمود الضي، دبلوماسية سابقة وباحثة في موضوع العدالة الدولية بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية وبجامعة باريس-نانتير
.