نحو رؤيا حلميّة نافية، للثّورة (بيانٌ فرديٌّ مُكثّفْ)...

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

نحو رؤيا حلميّة نافية، للثّورة (بيانٌ فرديٌّ مُكثّفْ)...

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

نحو رؤيا حُلُميّة نافية، للثّورة
"بيانٌ فرديٌّ مكثّف" *


الإهداء :- " إلى أحبابي الشّفّافين الروحانيين .. ثمّ إلى الحقيقيِّينَ من النّاس .. "

******

الكتابةُ الثوريةُ ليست، في الأصلِ، كتابةً جمعيّةً " ملحميَّةً "، فالثّورةُ في أساسها ميتافيزيقيا شخصية .. لا ثورةٌ، في عينِ وجدي، دونَ ثورةِ الشخصِ العينيِّ الإنسانيِّ في سبيلِ حريَّةِ الشّعور .. الأدبُ الطّبقيُّ لا يعادل الأدبَ الثَّوريَّ الحقيقيَّ، بل هو فقط يعيدُ " إنتاج " ما هو كائنٌٌ اجتماعياً في مستوى " كيفيةٍ اجتماعيّةٍ مغايرة "، يستبدلُ عقلانيّةً ما بعقلانيّةٍ أخرى .. نظاماً ما بنظامٍ آخرٍ .. هو أدبٌ ثوريٌّ .. صحيحٌ هذا .. لكنّه في أُفقية الثورة فقط وليس في عمقها .. هو فهمٌ " نهاريٌّ " للثّورة ليس فيه شيءٌ من " اللُّغزِ "، من " السريّة " المتمرّدة، من الشعرِ الكامنِ في قلبِ اللفظِ النّافي " ثورة "، هو نقيضُ الحضرة الليلية العميقة للثّورة التي تُجرّبُها الذّاتُ الفرديةُ في " آنِ " استيقاظِ الحالةِ الاستثنائيِّ " بحكمِ وجودنا- في- الزّمان " .. هو لا يُوازي، بحالٍ من الأحوالِ، الطموح المجنون – و لذا فهو طموحٌ ثوريٌّ حقَّاً ..! – إلى تحطيمِ نسيجِ الشِّعورِ " اليوميِّ " بالوجود " بالرّاهن العقلانيِّ المطروح – هناك " و افعامه بشفافيّةٍ موجيّةٍ و شبكيّةٍ يحقِّقُها الاتِّصالُ بالوجود من بابِ الوجدِ. ذلك الطموح الذي يدعونا، في عبارةٍ مكثّفةٍ و عميقةٍ، للانتقالِ من السّياسةِِ إلى الشعرِ" 1"، من الوحدةِ الجمعيّة ِ "2" إلى الاتِّصالِ الروحيِّ البادئ من حريّةِ العزلةِ " من التلقائيّةِ بمعناها العميق "، من النّظامِ إلى الفوضى الرّاعشة، الثّورة هي فوضى جمالية راعشة في أساسها الوجوديِّ و ما مستوى " العدل الاجتماعيِّ الأخلاقيِّ " إلاّ أدناها ..

فالثورةُ إذاً مستويان :- المستوى الاجتماعي و المستوى الوجودي. و المستوى الأوّل لا شخصيٌّ و جمعيٌّ و تحقيقُهُ إيجابيٌّ فقط بمعني أنّهُ يمهّدُ للانشغالِ بالمسألةِ الأساسيّةِ " مسألة المعنى أو مسألة :- لماذا نحيا؟! .. ". في قمة المستوى الأوّل نكونُ في حقلِ النِّظامِ و التّماسكِ و جمالِ الأشياءِ " اللاّ طبقيّة " :- و هذا ما أُفضِّلُ أن أُشيرَ إليهِ باسمِ " الجّماليّةِ الرّياضيَّةِ "، أي " جماليّة النّسب و الأنساق " ..

و هذا هو مدى الأُفق الجّمالي للماركسيّة :- الوصول للكيانِ الكبيرِ ذي الجّمالِ " الأبولونيِّ " "3" الذي نموذجهُ " الاتِّساقُ العقلانيُّ بينَ أجزاءِ الكُلِّ " و الذّوبان في نسقٍ عضويٍّ منظَّمٍ يسيِّرُ ذاتَهُ و يُنفي الدّولة، في أقصى حدودِ تحقُّقِهِ ( و هذا ما يعنيه فريدريك أنجلز بمفهومِ " حكومةِ الأشياء " .. ) .. فالمثالُ، أو " ما ينبغي أن يكونَ "، الماركسيُّ الذي تطمحُ له الثّورة، بمفهومها الماركسيِّ، أي باعتبارها لحظةً تاريخيّةً حتميّةً في صراعِ الطّبقاتِ الاجتماعيِّ، غايتُهُ إبدال " الصّراع الاجتماعيِّ " ب"الاتِّساقِ الاجتماعيِّ العضويِّ " بعد زوال الدولة و الطبقات .. و المثالُ الماركسيُّ، بهذا المعنى، ليس " مثال نافٍ "؛ فهو داخلٌ في المستوى الاجتماعيِّ، في مستوى الضّرورةِ و التّكراريّةِ ..

و مثل هذه الثّورة التي تصل بالنّظامِ الاجتماعيِّ إلى أقصى مراتبِ الجَّمالِ " الأبولونيِّ "، إلى أقصى " العدالة في المجتمع "، التي كان يحلم بها إفلاطون، و أيضاً إلى أقصى " العدالة الذّاتيّة "، التي هي موازية للعدالةِ الاجتماعية أو العدالة- في- المجتمع، و التي يُفَرِّقُ إفلاطون بينها ، في تفكيرهِ العقلانيِّ الموضوعيِّ، و بينَ " العدالةِ في المجتمع " في حينَ أنا لا أرى فرقاً عينيَّاً و حقيقيَّاً بين تصوُّري العدالةِ هذين بمقاسِ تفكيرٍ لا منطقيٍّ و لا عقليٍّ – قد أدعوهُ، برضىً، " التَّأمُّلَ الوجديَّ " – إذ أنّ " تنظيمَ " الذّات أو " العدالة في الذّات "، بمفهومِ إخضاعِ الغرائزِ الفرديّةِ لحكمِ العقلِ المتسلّط – الذي تقولُ به الأخلاقيّةُ الإفلاطونيّةُ، بل و الأخلاقيّةُ الفلسفيّةُ الإغريقيّةُ عموماً، إذ قد استبدلت الوثنية الحسيّة الجّمالية القديمة " التي يعرفُ نيتشة مدى عمقها كثيراً ..! " بعقلانيةٍ منضبطةٍ و " وقورةٍ " – ليس سوى " سقوط " "4" للذّات و نفيٌ لها و سيطرةٌ عقليّةٌ باردةٌ عليها "5" من قِبَلِ نسقٍ اجتماعيٍّ تغزوهُ حتى الصميم برودةُ مبدأ المعرفة المنطقية و العملية " الحقُّ ما اتّفقَ السوادُ عليهِ " :- الحقُّ في الاتّفاقِ الموضوعيِّ العقلانيِّ وفقَ قوانينٍ " محدَّدَةٍ " للتّفكير. فالعدالةُ في الذّات، بهذا المعنى، هي " عدالةٌ في المجتمع " قُدّت الذّاتُ على ثوبها و تنزّلت بها إلى حكمِ القيدِ و مسخاً لأصالتها الوجوديّة الخاصّة الغير قابلة للتّكرار. ففعلُ الذّاتِ لا ينبعُ من العقلِ، أو هكذا ينبغي له في أصالته الأولى، بل من الوجد، واستخدامُ العقلِ في الفعلِ هو نفيٌ للوجد، و كلُّ تفكيرٍ عقليٍّ خالٍ من الوجدِ، الشّوقِ، و ذلك الإبهام الذي يرعشُ الروح، الذي هو أساسُ الشّعرِ، بل هو الشِّعرُ الذي هو " حقيقيَّةُ " الإنسانِ و أُلوهيَّتهُ معاً، هو تفكيرٌ " نهاريٌّ " نافٍ للمعنى و هو، بالتّالي، تفكيرٌ موضوعيٌّ " أبولونيٌّ " غايتُهُ الاتِّساق و الالتحام.

و الثورة، في مستواها الوجوديِّ " اللاّ اجتماعيِّ، و التي هي حقيقتنا الأصلية، تتجلّى في رفض
" الابتذال اليوميِّ"، في :- " و لتقضي عمركَ حزناً غريباً أو فرحاً قدسيّاً، و لكن لا للاّ شيء العبثيّ .. و لتسمو فوق المبتذل اليومي، و لتسمو فوق المبتذل اليومي " "6"، و في رفضِ " النّهاريّة " "7" في سبيل إقامةِ الوعدِ الليليِّ الغامضِ في الشّعورِ، هي ثورة الشّعور، هي إحالةُ كلِّ أشياءِ العالمِ إلى شعر، هي انتقالٌ من العلمِ، الذي هو آفةُ هذا العصر، إلى السِّحرِ، إلى الحريّة التي من بينَ ألوانِ وجداناتِ تحقيقها أن تُقِمْ حيثُ :- " كُنْ صموتاً، و احجب نفسك و دع أحلامكَ/ و أشواقكَ تُشرق و تغربُ في حنايا قلبِكَ، / اطّرح كنوزكَ جانباً، حتى تتمكّن نجومُ الليلِ العميقِ من النّفاذِ في بهجةٍ إلى روحكَ ..... " ثمّ : " فاغتذ على أحلامكَ و لا تُحرِّكْ ساكناً. عشْ في نفسِكَ فهناكَ عالمٌ بأكملهِ من الوجود يموجُ داخلَ روحكَ .. عالمٌ من الفكرِ، و الأفكارِ المسحورةِ، غيرَ أنّ الضَّوضاء التي تنبعثُ من الخارجِ تُصيبُها بالصّممِ .. و وهجُ النّهارِ يُصيبُها بالعمى، فتنقطعُ أغانيها .. أُوّاه .. اسكُتْ، و أُنْصِتْ .. ". "8"

و الثورةُ، بهذا المعنى و بهذا المستوى الإنسانيِّ جدّاً و الإلهيِّ جدَّاً في آنٍ واحدٍ، هي حلُمنا المطلق، فمن ليس لهُ حلُمٌ يمتدُّ في المطلق، في استحالةٍ جميلةٍ ما، في استحالةٍ جميلةٍ ما، فهو غير حقيقيٍّ، فالحقيقيُّ، الأصيلُ، من حقَّقَ فرديَّتَهُ، هو من دخلَ في الشِّعرِ بألوانِ وجده الفائضة في حيويَّتهِ و خضمِّ أُلوهيَّتِهِ المفارق للأمورِ " الباهتة الضّروريّة " و " ريحَنَتْهُ "، أو حتى أدخلتهُ، الشِّعريّةُ في مملكةِ الظُّلمةِ الموحيةِ، أي في زمان " تفتُّحِ ظلمةِ موحيةِ الكلمات " "9"، فالأصيلُ هو اللاّ متوافقُ المطلق، هو الحرُّ، كما و هو، كذلك، الجّماليّة الرّاعشة، هو اللَّطافة.

24 و 25 أبريل 1985

هوامش و إضاءات :-

1. تشوّق نورمان براون، في ردِّهِ على هيربيرت ماركيوز، لذلكَ. نُشر ذاك الرد في ملحق كتاب الأخير المسمّى " فلسفةُ النّفي" و جاء فيهِ نداءُ نورمان براون لنا بأن " نتجاوز السياسة إلى الشِّعر ".
2. مفهوم " الوحدة الجمعية " المعنيُّ هنا يقتربُ لي هنا كثيراً من ما يفهمه الرومانسيُّ العظيم جان جاك روسو عن " الإرادة العامّة " التي يفرقها عن " إرادةِ الجّميع "، إذ تشير الأولى عنده إلى معنى إحصائي " تجميعي" منظِّم، إلى الأغلبية الميكانيكية، بكلِّ ما في هذه العبارة من مدلولات و ملتحقات، فيما الثانية مفعمة بمعنى أخلاقي، بل شعوريٍّ حيٍّ.
3. نسبة إلى إله الفنّ الإغريقيّ " أبولونيوس "، فأبولونيوس، في رمزيَّةِ ديانات ما قبل أرسطو، يُعارض بديونزيوس، فالأوّلُ هو إله النظام و الاتساق " الجمالية المتسقة التأمُّليّة "، و الثاني هو إله الخصوبة و الخمر و الحيوية " المدمّرة ربّما " .. وكلّنا يسمع عن عبادة ديونيزيوس و أسرارها ..
4. لفظ " سقوط " هنا لا يشير إلى أيِّ معنى أخلاقيّ، بل هو فقط تسميةٌ مفعمةٌ بالانفعال " أو أرجو لها أن تكونَ كذلك"، لأقلّ مقامٍ تبلغه الذات عند انسلاخها عن وجودها، عن سيولتها الشعورية، عن " دفقتها الحيوية " – إذا استخدمنا لفظاً برجسونيّاً – كما أنّ " السقوط "، في مفهومي الوجودي الخاص، مختلفٌ هنا عن " سقوط " مارتن هايدقر السلبيّ الاتجاه و المعنى إذ يعني السقوط عند مارتن هايدقَر فقط ميل الإنسان إلى أن يفقد ذاته الحقيقية في خضمِّ مشاغله الحالية، واهنماماته الوقتية، فاصلاً نفسه عن ماضيه - أنظر صفحة 30 من (مارتن هايدقَر:- ما الفلسفة؟ ، ما الميتافيزيقيا؟ ، هولدرلن و ماهية الشعر – ترجمة فؤاد كامل و محمود رجب – مراجعة و تقديم د. عبد الرحمن بدوي / دار الثقافة للطباعة و النشر – القاهرة 1974.
5. قد يسنخدم نقولا بيرديائيف " العارف الروسي لفظ " الإحالة الموضوعية " لتمثيل موقفٍ وجوديٍّ كهذا، لكني أرى أنّ تعبيري المستخدم هنا " سيطرة عقلية باردة " أقوى محمولاً لأنّ فيه إشارة إلى ظلالٍ وجدانيّةٍ هي أساس "لحالة" قبل أن يسحقها العقل ببرودته الخالدة.
6. من " قصيدة منثورة أو مقال كالقصيدة :- استبصار الحزن الغريب – إبراهيم جعفر/ نشرت بملحق صحيفة " الصحافة " السودانية الثقافي/ 3 فبراير 1983 ".
7. أي في رفض " خندق الفهم "، و تلك عبارة استخدمت في رواية هنري ميلر
" مدارالجّدي " و تداعى لي منها وجدانٌ أو استبصارٌ يربطها بالقولِ إنّا، في الحقِّ ، " لا نفهم " و " لا فهمنا " هذا هو السّرُّ، هو الجّمالُ الذي يعلو بنا على " خنادقِ الفهمِ " التي نبنيها بأنفسنا لنحمي بها ذواتنا، لنفني بها ذواتنا و نذوِّبُها في الموضوع الخارجيِّ.
8. من شعر الشّاعر الروسيِّ تِيُوتْشِفْ – أنظر صفحة " 302 " من كتاب " الحلم و الواقع "، تأليف العارف الروسيِّ نقولا بيرديائيف / ترجمة فؤاد كامل / مراجعة : علي أدهم – سلسلة نصوص فلسفية – الهيئة المصرية العامة للكتاب.
9. من قصيدة " موت الشّاعر " – 23 مايو 1980 – إبراهيم جعفر ".


* من مسودّة كتابي المُسمّى تداعيات أنطولوجيّة...
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 1:16 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

قلتُ يا شيخ مازن:-
".
الفوضي لا تتحقق إلا نظاماً ...
.
.
و في هذا ما يحزن"

ويقول إبراهيم جعفر:-

بلى. هذا معتبرٌ بحكم الضرورة والزّمكانية- حتى من قبل، أو قل "من تحت" عينِ "أبولونية" الإتساق السياسي-الإجتماعي التي وصفتها الرؤيا إياها بأنها غاية منتهي الحلم الجمالي للماركسية أو في ما يُشبه هذا من عبارات". لكن تلك "الفوضى الجمالية الراعشة" تظل، لو تيسّر انفتاحنا عليها، ممكنة بالمعنى الوجودي (أو، إن شئت، الانطولوجي-الكينوني") وقد تتحقق للأنسيِّ الطبيعيّ [أي المحكوم بسيرورة ثلاثي الطبيعة-المادة-الإجتماع) في لحظات تعالٍ (أو تجاوزٍ) كينونية نادرة أو استثنائية ومن هنا جاء توصيف الرؤيا التي نُسجَتْ عبارتُها فيها بأنّها "حلمية أو نافية". خلاصة العبارة هنا قد تكون هي القولُ، ببساطةٍ، إنّ "محاولة النّور تلك" (في عبارةٍ مستعارةٍ من أنس مصطفى) ممكنة التحقق أنطولوجياً- وقد كانت، كما تعلم يا قرمبوز (زي ما بسميك مامون التلب)، هنالك لها أمثلة تحقق إنسانية عينية في المتصوفة وأصحاب التديّن الحر الفردي بمختلف هيئاتهم وخلفياتهم التدينيّة السماويّة وغير السماويّة. مع ذلك يظلُّ حزنك ذاك مميّزاً، خصوصاً في هذا العصر واليوم، الحالة/الوضعيّة الإنسانيّة بانميازٍ أسيان (كما شُهِدَ في فلسفاتٍ مثل وجوديتي هايدقر وسارتر وفي ما سمّي بعبثية كامو، كما وفي سوداوية لوتريامون وإنسانيّة كافكا المجروحة- كأمثلة فحسبْ).

غايتو الله كريم! سلام...!
أضف رد جديد