معتصم أقرع
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
معتصم أقرع
معتصم أقرع، اقتصادي سوداني، ناشط ثقافي في و/أو عبر أكثر من حقل، مقيم في جنيف (النمسا). عمل، وما يزال يتعاون، مع عدد من المنظات الدولية ذات الصلة بتخصصه في المجال الاقتصادي.
الخطر الاخواني في العهد البرهاني
معتصم أقرع
اعلن الفريق ابنعوف استقالته من رئاسة المجلس العسكري كما استقال نائبه كمال عبد المعروف , وتم تعييين الفريق عبد الفتاح البرهان لرئاسة المجلس العسكري. و عبدالفتاح البرهان هو" قائد القوات البرية السابق والمشرف على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع محمد حمدان حميدتي وقد أمضى أكثر حياته مؤخرا متنقلا ما بين اليمن والامارات"
يبدو ان البرهان هو رمية النرد الثالثة من قبل انقلاب قوش والحرس الاخواني القديم الذي اصيب بداء الحيرة . علي المعارضة ان تدرك ان البرهان اشد خطورة علي أهداف الثورة من ابنعوف . فابنعوف, نسبة لامكانياته وحضوره, كان نكتة سخيفة تدعو للرثاء ولم تنطلي علي أحد . ولكن يبدو ان البرهان يتمتع باحترام وقبول نسبي داخل الجيش لم يكن متوفرا لابنعوف. كما ان البرهان يملك ميزة انه لم يكن في واجهة العمل السياسي الانقاذي داخل البلاد وبذلك ربما لن يكون له من التاريخ ما يكفي لشنقه جماهيريا .
من المرجح ان مجموعة قوش والحرس الاخواني القديم , ومجموعات المصالح المرتبطة بهم , واخرين بنوايا حسنة وعقول ضعيفة, سوف يقومون بـشن حملة لتسويق البرهان كسوداني طيب وبطل شجاع, ونزيه. ولتعزيز ذلك الخطاب سوف يقدم البرهان والقوي التي تدعمه من خلف الستار تنازلات جزئية للثوار حتى يثقوا به ويقبلوا بتسويات يهندسها البرهان وتكون مريحة ومقبولة لقوش والحرس الاخواني القديم .
علي المعارضة ان تكون في اقصي درجات اليقظة والحذر وان تعي بان المشكل لا يدور حول المزايا الشخصية للزعيم وانما يتعلق بـطبيعة النظام وكيفية القيادة. فحتي لو كان البرهان انسانا سودانيا جديرا بالاحترام تظل الحقيقة ان الشعب لا يبحث عن بطل منقذ وانما يبحث عن نظام ديمقراطي حقيقي وقيادة جماعية لا ترتهن الِي بطل منقذ ولا تقبل بان تتعايش مع نسخة محسنة من دكتاتورية الاخوان.
حتى لو قررنا ان نغض البصر عن عورة علامات الاستفهام الكبيرة التي تثيرها ملاحظة ان البرهان حافظ علي وظيفته العسكرية وترقي الِي اعلي الرتب في ظل نظام الانقاذ الثلاثيني فيجب ان لا ننسي ان السؤال المحوري لا علاقة له بمقبولية الشخصية البرهانية ولا بـصفاتها التي قد تكون حميدة وقد تكون مضروبة . السؤال الحقيقي هو أين تكمن القوة ومن يملك السلطة والمال والسلاح والقرار. لذلك فان الحملة التسويقية القادمة للفريق البرهان يجب ان لا تشتت انتباهنا عن ان الهدف الحقيقي لهذه الثورة هو تصفية الدولة القوشية الاخوانية العميقة واقتلاعها من الجذور وارجاع السلطة الحقيقة للشعب ووضعها في ايدي ممثليه الحقيقيين. فهذا الشعب لم يركن الِي احزاب ولا حركات مسلحة ولا بطل فرد لتحريره من نير العسكر والاخوان بل شمر عن سواعد بناته وشبابه واطاح بالبشير الِي مزابل عار التاريخ , لذلك يجب ان لا يركن هذا الشعب الِي أي شخصية فردية برهانية لتقوده الِي النور .
التحدي الاكبر للمرحلة القادمة هو ان لا ندع الحملة التسويقية للبرهان ان تخدع الشعب . وعلي الشعب ان يرفض ويعزل أي حزب أو مجموعة معارضة تقع في فخ البرهانية القادمة عن جهل أو عن غرض. أي مجموعة معارضة تقبل تسوية اومساومة مع البرهانية القادمة لا تفي بشروط تفكيك الدولة الاخوانية وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي تكون عمليا قد انضمت الِي تيار الثورة القوشية المضادة تحت التبريرات المتوقعة مثل ضمان الامن والسلم وحماية المجتمع والدولة من الانهيار. السؤال هو من سوف يحتضن ويعانق البرهانية أولا ؟
ايها الثوار المعارضون , سوف تنبحكم كلاب البرهانية, فلا تكونوها يا شرفاء!!!
الخطر الاخواني في العهد البرهاني
معتصم أقرع
اعلن الفريق ابنعوف استقالته من رئاسة المجلس العسكري كما استقال نائبه كمال عبد المعروف , وتم تعييين الفريق عبد الفتاح البرهان لرئاسة المجلس العسكري. و عبدالفتاح البرهان هو" قائد القوات البرية السابق والمشرف على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع محمد حمدان حميدتي وقد أمضى أكثر حياته مؤخرا متنقلا ما بين اليمن والامارات"
يبدو ان البرهان هو رمية النرد الثالثة من قبل انقلاب قوش والحرس الاخواني القديم الذي اصيب بداء الحيرة . علي المعارضة ان تدرك ان البرهان اشد خطورة علي أهداف الثورة من ابنعوف . فابنعوف, نسبة لامكانياته وحضوره, كان نكتة سخيفة تدعو للرثاء ولم تنطلي علي أحد . ولكن يبدو ان البرهان يتمتع باحترام وقبول نسبي داخل الجيش لم يكن متوفرا لابنعوف. كما ان البرهان يملك ميزة انه لم يكن في واجهة العمل السياسي الانقاذي داخل البلاد وبذلك ربما لن يكون له من التاريخ ما يكفي لشنقه جماهيريا .
من المرجح ان مجموعة قوش والحرس الاخواني القديم , ومجموعات المصالح المرتبطة بهم , واخرين بنوايا حسنة وعقول ضعيفة, سوف يقومون بـشن حملة لتسويق البرهان كسوداني طيب وبطل شجاع, ونزيه. ولتعزيز ذلك الخطاب سوف يقدم البرهان والقوي التي تدعمه من خلف الستار تنازلات جزئية للثوار حتى يثقوا به ويقبلوا بتسويات يهندسها البرهان وتكون مريحة ومقبولة لقوش والحرس الاخواني القديم .
علي المعارضة ان تكون في اقصي درجات اليقظة والحذر وان تعي بان المشكل لا يدور حول المزايا الشخصية للزعيم وانما يتعلق بـطبيعة النظام وكيفية القيادة. فحتي لو كان البرهان انسانا سودانيا جديرا بالاحترام تظل الحقيقة ان الشعب لا يبحث عن بطل منقذ وانما يبحث عن نظام ديمقراطي حقيقي وقيادة جماعية لا ترتهن الِي بطل منقذ ولا تقبل بان تتعايش مع نسخة محسنة من دكتاتورية الاخوان.
حتى لو قررنا ان نغض البصر عن عورة علامات الاستفهام الكبيرة التي تثيرها ملاحظة ان البرهان حافظ علي وظيفته العسكرية وترقي الِي اعلي الرتب في ظل نظام الانقاذ الثلاثيني فيجب ان لا ننسي ان السؤال المحوري لا علاقة له بمقبولية الشخصية البرهانية ولا بـصفاتها التي قد تكون حميدة وقد تكون مضروبة . السؤال الحقيقي هو أين تكمن القوة ومن يملك السلطة والمال والسلاح والقرار. لذلك فان الحملة التسويقية القادمة للفريق البرهان يجب ان لا تشتت انتباهنا عن ان الهدف الحقيقي لهذه الثورة هو تصفية الدولة القوشية الاخوانية العميقة واقتلاعها من الجذور وارجاع السلطة الحقيقة للشعب ووضعها في ايدي ممثليه الحقيقيين. فهذا الشعب لم يركن الِي احزاب ولا حركات مسلحة ولا بطل فرد لتحريره من نير العسكر والاخوان بل شمر عن سواعد بناته وشبابه واطاح بالبشير الِي مزابل عار التاريخ , لذلك يجب ان لا يركن هذا الشعب الِي أي شخصية فردية برهانية لتقوده الِي النور .
التحدي الاكبر للمرحلة القادمة هو ان لا ندع الحملة التسويقية للبرهان ان تخدع الشعب . وعلي الشعب ان يرفض ويعزل أي حزب أو مجموعة معارضة تقع في فخ البرهانية القادمة عن جهل أو عن غرض. أي مجموعة معارضة تقبل تسوية اومساومة مع البرهانية القادمة لا تفي بشروط تفكيك الدولة الاخوانية وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي تكون عمليا قد انضمت الِي تيار الثورة القوشية المضادة تحت التبريرات المتوقعة مثل ضمان الامن والسلم وحماية المجتمع والدولة من الانهيار. السؤال هو من سوف يحتضن ويعانق البرهانية أولا ؟
ايها الثوار المعارضون , سوف تنبحكم كلاب البرهانية, فلا تكونوها يا شرفاء!!!
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
أراء لا تحظى بشعبية: ضد حل جهاز الأمن
معتصم أقرع
المطالبة بحل جهاز الأمن والمخابرات الوطني التي اتت بها قوي اعلان الحرية أمر استعجالي خاطئ تمامًا. إنه تعبير عن تفكير غير احترافي لا يستوعب قضايا التوزيع الحقيقي للسلطة والمسؤولية ولا يفهم أساسيات فن الحكم الحديث كيفية ادارة جهاز دولة.
يفترض هذا التفكير أن جهاز الأمن أكثر إجرامًا من أجهزة الدولة الأخرى. ولكن هذا افتراض خاطيء. بالطبع ، شارك أعضاء جهاز الأمن في التعذيب والاغتصاب والقتل كما هو موثق. لكن من الخطأ تمامًا افتراض أن مسؤولية هذه الجرائم تقع فقط على عاتق كادر الأمن المحدد الذي ارتكب الفعل أو حتى الجهاز ككل. هذه الجرائم هي جرائم يرتكبها النظام كله ، ولا ترتكب فقط من جانب اشخاص أو أجهزة دولة بمعزل عن كامل اركان جهاز الحكم. لو اتفقنا علي ان الجرائم ارتكبها النظام ككل , وليس أفراد معزولون، فهذا يعني أن المجرمين المسؤولين هم جميع قادة النظام في كل وزارة وكل عنصر من عناصر النظام. هذا يعني أن المجرمين الحقيقيين ليسوا ذوي الرتب الدنيا في الأجهزة الأمنية فحسب ، بل هم أيضًا كل من كان اذكي من ان يلوث يده مباشرة بالدماء من كبار الضباط بالجهاز ، وجميع الوزراء الذين أبقوا هذا النظام في السلطة ، وكل ضباط وقادة الجيش البارزين ، وجميع الدبلوماسيين الذين دافعوا عن النظام في العواصم الأجنبية والمحافل الدولية ، وجميع الصحفيين العاملين في التلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة الذين قاموا بالتستر علي اجرم النظام والتبرير له ، و كبار موظفي البنك المركزي ووزارة المالية الذين مكّنوا النظام ، وطبعوا له النقود لتمويل جهاز الأمن حتى لو كان علي حساب حقن السرطان في عروق الاقتصاد. وبالطبع هناك الشرطة التي ساعدت جهاز الأمن وقمعت الشعب نيابة عن النظام. إن فرز جهاز الأمن وتصويره كالمنبع الوحيد الذي انطلق منه كل عنف الدولة هو خطأ سيء.
من ناحية أخرى ، فإن جهاز الأمن مثل جميع أجهزة الدولة ، فإن الجهاز عبارة عن أداة يمكن استخدامها في أغراض وطنية جيدة تحافظ علي مصالح الشعب ، ولكن يمكن استخدامها أيضًا لأهداف شريرة. على وجه الخصوص ، جهاز الأمن هو كلب حراسة وجمع معلومات يمكن استخدامه لحراسة منزل الديكتاتور ، لكن يمكن استخدامه أيضًا لحراسة منزل شعب من الملائكة والأنبياء. قتل الكلب الوحيد المتاح يحرم الشعب من حمايته ويتركهم عرضة لاخطار جسيمة. هكذا الدعوة إلى استعجاال حل جهاز الأمن غافلة عن طبيعته والوظائف الحاسمة التي يخدمها.
تاريخنا السياسي يقول بان أحد الأسباب الرئيسية لقصرة الفسحة ر الديمقراطية السابقة من 1985 الِي 1989 هو الحل الهتافي المبكر لجهاز الأمن ولكن الحركة الديمقراطىة السودانية لم تعي الدرس . تم حل الجهاز وفصل المئات من الضباط المدربين تدريباً جيداً ترك النظام الديمقراطي مكشوفاً وعاري الظهر والجنبات لا شيء يحميه من المؤامرات التي تحاك في الظلام. ليس ذلك فقط , بـل ان الجبهة التربية تلقفت الضباط المفصولين استوعبته في وظائف دولارية في منظمة الدعوة الاسلامية وأجهزة الاسلام الثروي وشركاته وبنوكه. سهل هذا الوضع على الجبهة الإسلامية التآمر علي الديمقراطية وتدبير انقلاب ناجح سام الشعب الويل.
النقطة الأخيرة والتي لا تقل أهمية هي أن السودان موجود في منطقة مليئة بالحروب ، والاجرام العابرة للحدود ، ويحيط به جيران في جميع الاتجاهات صرحوا باحلامهم بضم أراضي السودانية إلى دولهم. علاوة على ذلك ، إنه سر مفتوح أن هناك قوى عالمية وإقليمية كبرى مهتمة بتقسيم السودان. لعبت هذه القوى أدوارًا رئيسية في فصل الجنوب وهي تعمل بصبر وبصمت لفصل مناطق أخرى عندما تنضج الظروف. بالطبع ، هذه القوى لا تنتظر الظروف للنضج من تلقاء نفسها في الوقت المناسب، بـل تعمل بجد لانضاجها وتسبيك الشروط المسبقة للانفصال.
كل ما ذُكر أعلاه يعني أن حل جهاز الأمن االاستعجالي يترك النظام الديمقراطي الجديد مكشوف لانقلابات الثورة المضادة ويضعف من قدرة الوطن علي التصدي للاطماع الأجنبية. أذا كان كامل جهاز الدولة , وبالذات الجيش والبوليس ووزارة الخارجية وبنك السودان مسؤولون عن اجرام مهول في حق الشعب السوداني فلماذا لا نطالب بحل هذه المؤسسات ؟ الاجابة الواضحة ان هذه المؤسسات من الاركان التي لا تقوم دولة حديثة بدونها ومن الاعقل اصلاحها واعادة هيكلتها بما يخدم مصالح الشعب عوضا عن ان تكون ادوات في خدمة دكتاتور وبطانته. ولكن هذا المنطق ينطبق تماما كما هو علي جهاز الأمن. فعلي الداعين لحل جهاز الأمن تنورينا بايضاح لماذا هم لا يدعون الِي حل الجيش والبوليس وقوات الدعم السريع؟ لماذا جهاز الأمن فقط؟
المصلحة الوطنية تعني عدم حل الجهاز ولكن هذا لا يعني تركه كما هو يعربد كما شاء. من الممكن في المرحلة الاولي اعفاء جميع ضباط الجهاز من درجة لواء وما فوق ذلك , ومحاكمة كل من ثبت جرم جنائي ضده بغض النظر عن الرتبة. أما الرتب ادني من لواء فيمكن مراجعة تاريخهم واعفاء بعضهم حسب معايير موضوعية متفق عليها. وعوضا عن المفصولين يمكن تعيين خبرات امنية من رجال ونساء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والنظافة سواء ان اتوا من الجيش أو البوليس أو أجهزة امنية خدموا فيها في فترة الديمقراطية الثانية. ومن الممكن ايضا تعيين خبراء استراتيجيات كبري وكادر بخلفيات قانونية لاعمار الجهاز. اما في لمرحلة الثانية بعد ان تثبت اقدام الديمقراطية المحتملة , فيمكن القيام بتقييم وغربلة اشد دقة تشمل جميع ضباط وموظفي وجنود الجهاز مرة اخري , والتخلص من من لا يصلح ولكن ايضا حسب معايير موضوعية , شفافة ومتفق عليها.
من المؤكد ان مثل قولي هذا سوف يثير حفيظة الكثيرين وبالذات أُولَئِكَ الذين يفضلون الهتاف بحناجرهم علي التفكير بعقولهم. ولكن واجب المثقف هو قول الحقيقة حتى لو كانت لا تحظى بشعبية لان البديل عن ذلك هو الولوغ في الممارسات والكتابات الهتافية والجزافية والتنطع في الطفولة الثورية وتملق حماس الجماهير حتى لو كان هذا الحماس ينقصه التفحص الثاقب في القضية المطروحة. ولكن مثل هذه المخاتلات تخدم انانية المثقف في سبيل شعبية رخيصة حتى لو انكشف الوطن الي مخاطر كبري أو ذهب الِي الجحيم. مرة اخري اتمني ان يقوم الداعون لحل جهاز الأمن بايضاح لماذا هم لا يدعون ايضا الِي حل الجيش والبوليس وقوات الدعم السريع؟ لماذا جهاز الأمن فقط؟
معتصم أقرع
المطالبة بحل جهاز الأمن والمخابرات الوطني التي اتت بها قوي اعلان الحرية أمر استعجالي خاطئ تمامًا. إنه تعبير عن تفكير غير احترافي لا يستوعب قضايا التوزيع الحقيقي للسلطة والمسؤولية ولا يفهم أساسيات فن الحكم الحديث كيفية ادارة جهاز دولة.
يفترض هذا التفكير أن جهاز الأمن أكثر إجرامًا من أجهزة الدولة الأخرى. ولكن هذا افتراض خاطيء. بالطبع ، شارك أعضاء جهاز الأمن في التعذيب والاغتصاب والقتل كما هو موثق. لكن من الخطأ تمامًا افتراض أن مسؤولية هذه الجرائم تقع فقط على عاتق كادر الأمن المحدد الذي ارتكب الفعل أو حتى الجهاز ككل. هذه الجرائم هي جرائم يرتكبها النظام كله ، ولا ترتكب فقط من جانب اشخاص أو أجهزة دولة بمعزل عن كامل اركان جهاز الحكم. لو اتفقنا علي ان الجرائم ارتكبها النظام ككل , وليس أفراد معزولون، فهذا يعني أن المجرمين المسؤولين هم جميع قادة النظام في كل وزارة وكل عنصر من عناصر النظام. هذا يعني أن المجرمين الحقيقيين ليسوا ذوي الرتب الدنيا في الأجهزة الأمنية فحسب ، بل هم أيضًا كل من كان اذكي من ان يلوث يده مباشرة بالدماء من كبار الضباط بالجهاز ، وجميع الوزراء الذين أبقوا هذا النظام في السلطة ، وكل ضباط وقادة الجيش البارزين ، وجميع الدبلوماسيين الذين دافعوا عن النظام في العواصم الأجنبية والمحافل الدولية ، وجميع الصحفيين العاملين في التلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة الذين قاموا بالتستر علي اجرم النظام والتبرير له ، و كبار موظفي البنك المركزي ووزارة المالية الذين مكّنوا النظام ، وطبعوا له النقود لتمويل جهاز الأمن حتى لو كان علي حساب حقن السرطان في عروق الاقتصاد. وبالطبع هناك الشرطة التي ساعدت جهاز الأمن وقمعت الشعب نيابة عن النظام. إن فرز جهاز الأمن وتصويره كالمنبع الوحيد الذي انطلق منه كل عنف الدولة هو خطأ سيء.
من ناحية أخرى ، فإن جهاز الأمن مثل جميع أجهزة الدولة ، فإن الجهاز عبارة عن أداة يمكن استخدامها في أغراض وطنية جيدة تحافظ علي مصالح الشعب ، ولكن يمكن استخدامها أيضًا لأهداف شريرة. على وجه الخصوص ، جهاز الأمن هو كلب حراسة وجمع معلومات يمكن استخدامه لحراسة منزل الديكتاتور ، لكن يمكن استخدامه أيضًا لحراسة منزل شعب من الملائكة والأنبياء. قتل الكلب الوحيد المتاح يحرم الشعب من حمايته ويتركهم عرضة لاخطار جسيمة. هكذا الدعوة إلى استعجاال حل جهاز الأمن غافلة عن طبيعته والوظائف الحاسمة التي يخدمها.
تاريخنا السياسي يقول بان أحد الأسباب الرئيسية لقصرة الفسحة ر الديمقراطية السابقة من 1985 الِي 1989 هو الحل الهتافي المبكر لجهاز الأمن ولكن الحركة الديمقراطىة السودانية لم تعي الدرس . تم حل الجهاز وفصل المئات من الضباط المدربين تدريباً جيداً ترك النظام الديمقراطي مكشوفاً وعاري الظهر والجنبات لا شيء يحميه من المؤامرات التي تحاك في الظلام. ليس ذلك فقط , بـل ان الجبهة التربية تلقفت الضباط المفصولين استوعبته في وظائف دولارية في منظمة الدعوة الاسلامية وأجهزة الاسلام الثروي وشركاته وبنوكه. سهل هذا الوضع على الجبهة الإسلامية التآمر علي الديمقراطية وتدبير انقلاب ناجح سام الشعب الويل.
النقطة الأخيرة والتي لا تقل أهمية هي أن السودان موجود في منطقة مليئة بالحروب ، والاجرام العابرة للحدود ، ويحيط به جيران في جميع الاتجاهات صرحوا باحلامهم بضم أراضي السودانية إلى دولهم. علاوة على ذلك ، إنه سر مفتوح أن هناك قوى عالمية وإقليمية كبرى مهتمة بتقسيم السودان. لعبت هذه القوى أدوارًا رئيسية في فصل الجنوب وهي تعمل بصبر وبصمت لفصل مناطق أخرى عندما تنضج الظروف. بالطبع ، هذه القوى لا تنتظر الظروف للنضج من تلقاء نفسها في الوقت المناسب، بـل تعمل بجد لانضاجها وتسبيك الشروط المسبقة للانفصال.
كل ما ذُكر أعلاه يعني أن حل جهاز الأمن االاستعجالي يترك النظام الديمقراطي الجديد مكشوف لانقلابات الثورة المضادة ويضعف من قدرة الوطن علي التصدي للاطماع الأجنبية. أذا كان كامل جهاز الدولة , وبالذات الجيش والبوليس ووزارة الخارجية وبنك السودان مسؤولون عن اجرام مهول في حق الشعب السوداني فلماذا لا نطالب بحل هذه المؤسسات ؟ الاجابة الواضحة ان هذه المؤسسات من الاركان التي لا تقوم دولة حديثة بدونها ومن الاعقل اصلاحها واعادة هيكلتها بما يخدم مصالح الشعب عوضا عن ان تكون ادوات في خدمة دكتاتور وبطانته. ولكن هذا المنطق ينطبق تماما كما هو علي جهاز الأمن. فعلي الداعين لحل جهاز الأمن تنورينا بايضاح لماذا هم لا يدعون الِي حل الجيش والبوليس وقوات الدعم السريع؟ لماذا جهاز الأمن فقط؟
المصلحة الوطنية تعني عدم حل الجهاز ولكن هذا لا يعني تركه كما هو يعربد كما شاء. من الممكن في المرحلة الاولي اعفاء جميع ضباط الجهاز من درجة لواء وما فوق ذلك , ومحاكمة كل من ثبت جرم جنائي ضده بغض النظر عن الرتبة. أما الرتب ادني من لواء فيمكن مراجعة تاريخهم واعفاء بعضهم حسب معايير موضوعية متفق عليها. وعوضا عن المفصولين يمكن تعيين خبرات امنية من رجال ونساء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والنظافة سواء ان اتوا من الجيش أو البوليس أو أجهزة امنية خدموا فيها في فترة الديمقراطية الثانية. ومن الممكن ايضا تعيين خبراء استراتيجيات كبري وكادر بخلفيات قانونية لاعمار الجهاز. اما في لمرحلة الثانية بعد ان تثبت اقدام الديمقراطية المحتملة , فيمكن القيام بتقييم وغربلة اشد دقة تشمل جميع ضباط وموظفي وجنود الجهاز مرة اخري , والتخلص من من لا يصلح ولكن ايضا حسب معايير موضوعية , شفافة ومتفق عليها.
من المؤكد ان مثل قولي هذا سوف يثير حفيظة الكثيرين وبالذات أُولَئِكَ الذين يفضلون الهتاف بحناجرهم علي التفكير بعقولهم. ولكن واجب المثقف هو قول الحقيقة حتى لو كانت لا تحظى بشعبية لان البديل عن ذلك هو الولوغ في الممارسات والكتابات الهتافية والجزافية والتنطع في الطفولة الثورية وتملق حماس الجماهير حتى لو كان هذا الحماس ينقصه التفحص الثاقب في القضية المطروحة. ولكن مثل هذه المخاتلات تخدم انانية المثقف في سبيل شعبية رخيصة حتى لو انكشف الوطن الي مخاطر كبري أو ذهب الِي الجحيم. مرة اخري اتمني ان يقوم الداعون لحل جهاز الأمن بايضاح لماذا هم لا يدعون ايضا الِي حل الجيش والبوليس وقوات الدعم السريع؟ لماذا جهاز الأمن فقط؟
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
المجلس العسكري يشهر كرت اليمين المفضل: وا شريعتاه!
معتصم أقرع
"جماعات الاسلام السياسي و تجار الدين، كل ما هبشنا جيوبهم و امتيازاتهم صاحوا: وااااي الاسلام فى خطر!".
ابوبكر صالح
اعلن المجلس العسكري تمسكه بان تكون الشريعة أحد اهم مصادر التشريع . وهذا يعني عمليا ان المجلس يدعو الِي تطبيق عقوبة الجلد أو الرجم حتى الموت علي من مارس الحب خارج موءسسة الزواج وقطع يد السارق حتى لو كان فقيرا واعدام من بدل دينه أو تجاوز في نقده لما هو مقدس عند بعض حراس العقيدة. كما يعني تطبيق الشريعة التضييق علي المرأة وجلد شارب الخمر وفصل السودان عن الاقتصاد العالمي لان ”الربا“ جزء اصيل منه.
هل يعني المجلس العسكري بأنه جاد في ما يختص بـأحكام الشريعة أعلاه ؟ الاجابة ربما هي لا , فهذه الاحكام قد تجاوزها عمليا تقريبا كل المسلمون المعاصرون خارج الدوائر الداعشية . أذا كان المجلس العسكري لا يعني ما يقول, وهذه مشكلة اخري , فلماذا التلويح بكرت الشريعة الان؟ الاجابة بسيطة, وهي ان الشريعة منذ استقلال السودان, وقبل ذلك , ظلت كرت اليمين الرجعي الرابح الذي يتم حوله تنظيم والتفاف قوي التخلف والاضطهاد لقطع الطريق علي التقدم في دروب المساواة والحرية.
يستحيل التعامل مع الشريعة الإسلامية في السياق السوداني دون وضعهما داخل اطار هيكل السلطة المجتمعية كأداة فعالة للغاية للاضطهاد الطبقي ، والتمييز بين الجنسين ، وارهاب المثقفين المعارضين وتعميق التمييز العنصري. حقيقة الأمر هو أن الشريعة الإسلامية ، رغم اعتناقها من قبل أهل السلطة والمال ، فإن الأكثر فقراً وضعفاً , ومعظهم من المجموعات الاقليمية والعرقية المهمشة , هم الذين تم جلدهم أو بترهم أو صلبهم أو قطع رؤوسهم. أما في نوادي الصفوة , فان الارهاب باسم الشريعة قد ركز علي قادة الحداثة السودانية من داخل الدين - واقصد الجمهوريون - والشيوعيون من خارجه . فباسم الشريعة تم اعدام العالم , رمز السلام, الاستاذ محمود محمد طه كما تم طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان. بينما تتحمل جماهير النساء تكلفة التمييز ضدهم باسم الشريعة في سوق العمل , وقانون الأسرة وكافة الحقوق المدنية.
كان من ضمن اهم ملامح الثورة السودانية التجاوز العملي للعنصرية ( كل البلد دارفور) وايضا حملت تلك الثورة بشائر المساواة بين الجنسين اذ ان مشاركة المراة في اشعال جزوتها ونجاحها ربما فاق ما قام به الرجال. وقد ظلت ثورة نظيفة تمتعت فيها النساء بكامل الاحترام ليلا ونهارا في كل ارجاء السودان.
لابد ان نزر التوغل في دروب المساواة بعيدا عن تمايزات الطبقة والعرق والدين والنوع قد أزعجت أهل اليمين الديناصوري ايما ازعاج وها هم يلوحون براية الشريعة للمرة الألف لايقاف عجلة التاريخ. في هذا السياق التاريخي علي قوي الثورة والتقدم ان لا تهادن في قضايا علمانية الدولة ومدنيتها بما ان واجب الدولة توفير العيش الكريم واقامة المساواة بين المواطنين , كمان ان عليها حماية حق الفرد في ان يتدين كما شاء ولكن يظل تدين العبد علاقة خاصة بينه وربه لا شان للدولة ولا للاخرين بها. الدعوة لتحرير الدين من قبضة الدولة حزلقة لقوية تعني عمليا الاستسلام للهجمة اليمينية باسم الشريعة, فالدين لا يحتاج الِي حماية أهل الثورة , ولكن الدولة والمجتمع والتقدم هم من يحتاج الِي الحماية من بطش اليمين الديناصوري.
معتصم أقرع
"جماعات الاسلام السياسي و تجار الدين، كل ما هبشنا جيوبهم و امتيازاتهم صاحوا: وااااي الاسلام فى خطر!".
ابوبكر صالح
اعلن المجلس العسكري تمسكه بان تكون الشريعة أحد اهم مصادر التشريع . وهذا يعني عمليا ان المجلس يدعو الِي تطبيق عقوبة الجلد أو الرجم حتى الموت علي من مارس الحب خارج موءسسة الزواج وقطع يد السارق حتى لو كان فقيرا واعدام من بدل دينه أو تجاوز في نقده لما هو مقدس عند بعض حراس العقيدة. كما يعني تطبيق الشريعة التضييق علي المرأة وجلد شارب الخمر وفصل السودان عن الاقتصاد العالمي لان ”الربا“ جزء اصيل منه.
هل يعني المجلس العسكري بأنه جاد في ما يختص بـأحكام الشريعة أعلاه ؟ الاجابة ربما هي لا , فهذه الاحكام قد تجاوزها عمليا تقريبا كل المسلمون المعاصرون خارج الدوائر الداعشية . أذا كان المجلس العسكري لا يعني ما يقول, وهذه مشكلة اخري , فلماذا التلويح بكرت الشريعة الان؟ الاجابة بسيطة, وهي ان الشريعة منذ استقلال السودان, وقبل ذلك , ظلت كرت اليمين الرجعي الرابح الذي يتم حوله تنظيم والتفاف قوي التخلف والاضطهاد لقطع الطريق علي التقدم في دروب المساواة والحرية.
يستحيل التعامل مع الشريعة الإسلامية في السياق السوداني دون وضعهما داخل اطار هيكل السلطة المجتمعية كأداة فعالة للغاية للاضطهاد الطبقي ، والتمييز بين الجنسين ، وارهاب المثقفين المعارضين وتعميق التمييز العنصري. حقيقة الأمر هو أن الشريعة الإسلامية ، رغم اعتناقها من قبل أهل السلطة والمال ، فإن الأكثر فقراً وضعفاً , ومعظهم من المجموعات الاقليمية والعرقية المهمشة , هم الذين تم جلدهم أو بترهم أو صلبهم أو قطع رؤوسهم. أما في نوادي الصفوة , فان الارهاب باسم الشريعة قد ركز علي قادة الحداثة السودانية من داخل الدين - واقصد الجمهوريون - والشيوعيون من خارجه . فباسم الشريعة تم اعدام العالم , رمز السلام, الاستاذ محمود محمد طه كما تم طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان. بينما تتحمل جماهير النساء تكلفة التمييز ضدهم باسم الشريعة في سوق العمل , وقانون الأسرة وكافة الحقوق المدنية.
كان من ضمن اهم ملامح الثورة السودانية التجاوز العملي للعنصرية ( كل البلد دارفور) وايضا حملت تلك الثورة بشائر المساواة بين الجنسين اذ ان مشاركة المراة في اشعال جزوتها ونجاحها ربما فاق ما قام به الرجال. وقد ظلت ثورة نظيفة تمتعت فيها النساء بكامل الاحترام ليلا ونهارا في كل ارجاء السودان.
لابد ان نزر التوغل في دروب المساواة بعيدا عن تمايزات الطبقة والعرق والدين والنوع قد أزعجت أهل اليمين الديناصوري ايما ازعاج وها هم يلوحون براية الشريعة للمرة الألف لايقاف عجلة التاريخ. في هذا السياق التاريخي علي قوي الثورة والتقدم ان لا تهادن في قضايا علمانية الدولة ومدنيتها بما ان واجب الدولة توفير العيش الكريم واقامة المساواة بين المواطنين , كمان ان عليها حماية حق الفرد في ان يتدين كما شاء ولكن يظل تدين العبد علاقة خاصة بينه وربه لا شان للدولة ولا للاخرين بها. الدعوة لتحرير الدين من قبضة الدولة حزلقة لقوية تعني عمليا الاستسلام للهجمة اليمينية باسم الشريعة, فالدين لا يحتاج الِي حماية أهل الثورة , ولكن الدولة والمجتمع والتقدم هم من يحتاج الِي الحماية من بطش اليمين الديناصوري.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
ثمة، بالأساس، عيوب بنيوية، ذات صلة، بدرجات متفاوتة، بجميع الأجساد المعارضة (سنأتي للحديث عنها في سياق لاحق). وطبعا كلمة معارضة، في سياقنا السياسي المعاصر هذا، هي نفسها نسبية. فهناك كيانات تنظيمية تسعي لتغيير محدود، أو مُتَحَكَّم فيه controlled change، وهذه لديها وشائج خارجية غير متكافئة، لا سيما مع القوى الفاعلة دوليا، ذات المصلحة الأعلى في التغيير المحدود، وهو تغيير هدفه الإستراتيجي هو المحافظة على المنظومة الحاكمة، بعد أن بات جلياً فشل كل المجهودات الترقيعية للنظام السابق (وليس البائد، حتى الآن على الأقل).
وبالمقابل، هناك كيانات تنظيمية تسعى لتغيير رادكالي، تكون نتيجته تغيير بنيوي، أو إعادة بناء البيت السوداني على أسس مختلفة جذرياً.
تحالف قوى الحرية والتغيير جاء رجراجاً بسبب ليس التباين فحسب، بين مكوناته، وإنما التناقض أيضا. مثل هذا التحالف لا يمكن أن تتوحد رؤاه. بل إن الحد الأدنى لما يجمعه يتمثل في إسقاط أو تغيير النظام وليس تغيير المنظومة. لذلك فإن هذا المجلس العسكري لديه حلفاء داخل قوى الحرية والتغيير، وهؤلاء الحلفاء، علاوة على مجموعة المجلس العسكري ومجموعات كيزانية أخرى، هم الذين لديهم مصلحة في التغيير المحدود. وهؤلاء جميعا من دفعوا، بنسب متفاوتة، بإتجاه إكساب هذا المجلس شرعية هو يفتقر إليها بالأساس. وللأسف لقد إنقادت كيانات تنظيمية ذات سمعة أفضل وراء هذا التاكتِك. بل حتى تجمع المهنيين، المفترض أنه جاء للوجود بالأساس كإستجابة لضرورة تجاوز تلك العيوب البنيوية التي تسببت في الانحطاط السياسي الذي لولاه لما استمر نظام الإنقاذ لثلاثة عقود. لكن تجمع المهنيين نفسه استجاب - غالباً لعيوب داخلية خاصة به - لكي يصبح أحد المندغمين - رغم المحاولات الاستقلالية المستميتة - في الجسم الرجراج لقوى الحرية والتغيير. هنا يمكننا قراءة اصدار الحزب الشيوعي السوداني لبيانات مستقلة كتعبير عن عدم الرضى عن هذا التحالف الرجراج وربما ليبرأ نفسه من الخيارات السياسية والأخلاقية المحرجة للتحالف.
الحل قالت به العقيرة الملحمية للشارع الثائر: "الحل في البل".- حتى لو أدى هذا لانفضاض هذه الشراكة الهشة، المفتقرة للحساسية الأخلاقية-السياسية-الوجدانية العامة الرفيعة.
عادل القصاص
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الخميس مايو 30, 2019 10:49 am، تم التعديل مرة واحدة.
ماذا نصنع بالدولة المجرمة؟
و ماذا نصنع بالدولة المجرمة؟
سلام يا قصاص و شكرا على جلب مكاتيب معتصم أقرع لهذا المنبر، كونها تحتوي على جملة من التفاكير المركبة في اشكالية التحول الثوري الحاصل في السودان اليوم.
تحت عنوان آراء لا تحظى بشعبية : ضد حل جهاز الأمن ، كتب معتصم الأقرع :
"
المطالبة بحل جهاز الأمن والمخابرات الوطني التي اتت بها قوي اعلان الحرية أمر استعجالي خاطئ تمامًا. إنه تعبير عن تفكير غير احترافي لا يستوعب قضايا التوزيع الحقيقي للسلطة والمسؤولية ولا يفهم أساسيات فن الحكم الحديث كيفية ادارة جهاز دولة.
يفترض هذا التفكير أن جهاز الأمن أكثر إجرامًا من أجهزة الدولة الأخرى. ولكن هذا افتراض خاطيء. بالطبع ، شارك أعضاء جهاز الأمن في التعذيب والاغتصاب والقتل كما هو موثق. لكن من الخطأ تمامًا افتراض أن مسؤولية هذه الجرائم تقع فقط على عاتق كادر الأمن المحدد الذي ارتكب الفعل أو حتى الجهاز ككل. هذه الجرائم هي جرائم يرتكبها النظام كله ، ولا ترتكب فقط من جانب اشخاص أو أجهزة دولة بمعزل عن كامل اركان جهاز الحكم."
طبعا حجة معتصم أقرع تبدو منطقية لولا شبهة "الكُوار" التي تموّه حضور الناشطين السياسيين المجرمين في زحام التعميم الذي يدمجهم ضمن جماعة " موظفي الدولة" الـ " كارير" الذين يؤدون واجبهم الوظيفي " بيزينيس آز يوشوال" و السلام. فجهاز الأمن ليس مجرد " كلب حراسة" مهني محايد سياسيا و يقوم بواجبه في حراسة الدولة التي تستخدمه.لا ، جهاز الأمن هو " كلب حراسة " مُسيّس و واعي بأبعاد دوره. و لا أدري كيف غابت على فطنة معتصم أقرع حقيقة أن جهاز الأمن هو أولا و أخيرا مؤسسة سياسية أولويتها حماية أمن دولة إنقلاب الإنقاذ.و في هذا المشهد تصعب مقارنته بمؤسسات الدولة السابقة على إنقلاب الإنقاذ مثل الجيش و الشرطة و وزارات المالية و التجارة و المواصلات و الصحة إلخ . صحيح أن دولة إنقلاب الإنقاذ عملت على إعادة صياغة مؤسسات الدولة التي وجدتها أمامها لتناسب مشروع الإستبداد السياسي.لكن خصوصية جهاز الأمن تتلخص في كونه خط دفاع دولة الإستبداد السياسي الأول ، و مهامه و أولويات العاملين فيه تتحدد من واقع الإحتياجات الأمنية للنظام، في حين أن أجهزة الدولة الأخرى ـ حتى بعد أعادة تكييفها مع متطلبات النظام الجديد ـ تبقى رهينة لتاريخ و قوانين و تقاليد بيروقراطية تم تثبيتها ، قبل وصول الإسلاميين، عبر عقود طويلة من الأداء اليومي الذي لا يبالي بالتوجه السياسي لمن يتعاقبون على سدة السلطة . و لو سألنا الطيب صالح : "من أين يأتى رجال الأمن؟" لقال : إنهم يخرجون من عباءة المرشد السياسي للمنظمة الحزبية التي انتقتهم و دربتهم. في حين يخرج ضباط الجيش و ضباط الشرطة من المؤسسات الحكومية التي أهلتهم للقيام بأعباء مهنتهم.
هذا الواقع يموضع العاملين في جهاز الأمن في مقام الناشطين السياسيين لا في مقام المهنيين.و خطورة الناشط السياسي تتأتى من كونه شخص حر يختار مواقفه السياسية عن وعي و يتحمل عواقب خياره.
طبعا لا أحد يحجر على الناشط السياسي، الذي كان عاملا في جهاز أمن نظام الإستبداد ، لا أحد يحجر عليه أن يتطور سياسيا و يغير رأيه لدرجة أنه يقبل التعاون مع النظام الجديد الذي كنس نظام الإستبداد البائد. لكن هذا التطور الشخصي لا يعفيه من تبعات المساءلة القانونية في كل جريمة اقترفها باسم الدفاع عن قناعاته السياسية السالفة . و في هذا المنظور فإن جهاز الأمن الذي خدم سياسات نظام عمر البشير المجرم على مدى ثلاثة عقود هو جهاز مجرم، بل هو الجهاز الأكثر إجراما بين أجهزة النظام الإجرامي الأخرى ،، و كل شاة عملت فيه تبقى معلقة من عصبتها.
في كلمته عن ضرورة الحفاظ على جهاز الأمن كرر الأقرع تساؤله للداعين لحل جهاز الأمن و كتب :
"
مرة اخري اتمني ان يقوم الداعون لحل جهاز الأمن بايضاح لماذا هم لا يدعون ايضا الِي حل الجيش والبوليس وقوات الدعم السريع؟ لماذا جهاز الأمن فقط؟
"
و تساؤل الأقرع مهم لأنه ينفتح على السؤال المحرج الكبير، سؤال الدولة السودانية نفسها.و كان الأجدر بالأقرع الإستطراد في تساؤله لغاية " لماذا هم لا يدعون إلى حل الدولة نفسها؟". طبعا سؤال حل الدولة السودانية يروّع الكثيرين ممن تعودوا على وجود هذه الدولة السودانية باعتبارها حقيقة تتعالى على المنازعات الإجتماعية، بينما هي في حقيقة أمرها ظاهرة سوسيولوجية تاريخية تمخضت عنها ملابسات الصراع الإجتماعي الذي جرفنا وسط دوامة تطور مؤسسات رأس المال الكولونيالي. و هي مثلما ظهرت في لحظة انعطافة تاريخية لتطور صراع الطبقات يمكن أن "تنحتر و تنبتر في قنـّيطة " عملاء رأس المال عندما يقتضي حال الثورة المعولمة القادمة.
هذه الدولة الحديثة التي ظل السودانيون يكابدون تقلباتها منذ قرنين من الزمان، هي دولة دوائر رأس المال.دخلت بلادنا و هيمنت على مجتمعاتنا و بدلت من ثقافاتنا و حيواتنا بالعنف و بـ "السوفت باور" بسبيل دمجنا نهائيا في دورة إقتصاد رأس المال.هذه الدولة التي ورثناها من الإستعمار ظلت مخلصة لطبيعتها كدولة أجنبية في يد حكام " وطنيين" يستأسدون على أهاليهم بجاه القوى الأجنبية و عينهم على عطايا المزين التي يجود بها سادة رأس المال فتاتا يغذي حساباتهم المصرفية في البلاد الأجنبية. هذه الدولة الباغية لا بد من حلها، و تصفية مليشياتها العنصرية و تصفية جيشها المترهل الذي لم يحارب أحدا سوى الأهالي العزّل، و تصفية أمنها المسيس الذي ظل ينكل بأبناء الشعب على طور السنين،و تصفية شرطتها البائسة التي لم تخدم الشعب ابدا، و تصفية صيارفتها الحرامية و تصفية قضاءها الخائن التابع للسلطات التنفيدية و تصفية مؤسساتها التعليمية الصفوية التي تنتج الفاقد التربوي المزمن.. هذه الدولة الشريرة الفاشلة لا بد من الإستعاضة عنها بدولة حديثة من نسيج مجتمعنا، دولة تصيغ أولوياتها في أفق الحرية و السلام و الديموقراطية و التنمية العادلة للجميع.و حتى يهل ذلك الزمان الذي سيرعى الحمل فيه آمنا بجوار الذئب و يلعب الطفل كرة الماء مع التمساح و يرث المستضعفون فيه الأرض سنواصل هتافنا مع المعتصمين البواسل " تسقط تاني و تسقط تالت و تسقط رابع و تسقط في مصر و تسقط في السعودية و تسقط في الأمارات و تسيقط في أمريكا ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلادة".
سأعود
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
أجر المناولة
هوّن عليك يا عادل ولا داع للإعتذار. يكفيك أنك انتقيت لنا مكاتيب معتصم أقرع العامرة, و لك أجر المناولة.
و لا يغيب عليك أن الواتساب بزمنه و أنحنا بزمننا.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
من أجل الايضاح، هنا ملخص لمقالتي:
1- السودان بحاجة إلى أجهزة الأمن والمخابرات. لأن جميع الدول بحاجة إليها ولأن السودان ضعيف وأي تراجع في مؤسسات الدولة سوف تملأه الميليشيات.
2. يمكن للحكومة المدنية الجديدة إقالة أو ايقاف جميع كبار الضباط على الفور. ثم يمكن إطلاق عملية إصلاح كاملة لإعادة توجيه الأمن والمخابرات .بناء علي ذلك يمكن فصل المزيد من منسوبي الأمن .وحتى أذا ما تقرر فصل جميع منتسبي الجهاز فبها , لا يوجد في مقالي ما يمنع ذلك . مقالي يقو يمكن فصل الرتب الوسطي والدنيا ل فقط عندما يكون بديلهم جاهزًا للاستلام. حل الجهاز كاملا بدون بديل يخلق فراغا خطيرا سوف تملأه الميليشيات وجهات اجنبية.
3. مقالي لا يدافع عن منتسبي جهاز الأمن من بعيد أو قريب فكل ما يفعله هو التحذير من مغبة الفراغ الأمني الذي يمكن تجنبه بدون تكلفة ثورية.
4 - من أراد الخلاف مع المقال فعليه ان يفند حجة الفراغ الأمني . يمكن الاختلاف حول مقالي بان يقول الرأي الاخر بان البلد لا تحتاج الِي جهاز أمن. أو ان يقول انه من الممكن حل الجهاز كاملا الان وتجهيز بديلا له في المستقبل. أما في حالة قبول فكرة خطورة الفراغ الأمني فان الراي المخالف يمكنه ان يقدم اقتراحات اخري مختلفة للتعامل مع الجهاز الحالي بدون خلق فراغ امني .
5- فيما عدا ذلك فان الاطالات والاثراءات تتناول قضايا اخري لا يتطرق لها مقالي الذي يركز علي اللحظة الحالية هنا الان في هذا الواقع الخطر. اكيد ان هناك قضايا المدي الطويل أو المتوسط التي لا يتطرق لها مقالي رغم اهميتها مثل مشروعية الدولة نفسها و طبيعة جهاز الأمن الايديلوجية والسوسولجية وموقعه في سلاسل السلطة والاستغلال المعولم. هذه قضايا مهمة ويمكن اثارتها في حوارات مستقلة.
معتصم أقرع
1- السودان بحاجة إلى أجهزة الأمن والمخابرات. لأن جميع الدول بحاجة إليها ولأن السودان ضعيف وأي تراجع في مؤسسات الدولة سوف تملأه الميليشيات.
2. يمكن للحكومة المدنية الجديدة إقالة أو ايقاف جميع كبار الضباط على الفور. ثم يمكن إطلاق عملية إصلاح كاملة لإعادة توجيه الأمن والمخابرات .بناء علي ذلك يمكن فصل المزيد من منسوبي الأمن .وحتى أذا ما تقرر فصل جميع منتسبي الجهاز فبها , لا يوجد في مقالي ما يمنع ذلك . مقالي يقو يمكن فصل الرتب الوسطي والدنيا ل فقط عندما يكون بديلهم جاهزًا للاستلام. حل الجهاز كاملا بدون بديل يخلق فراغا خطيرا سوف تملأه الميليشيات وجهات اجنبية.
3. مقالي لا يدافع عن منتسبي جهاز الأمن من بعيد أو قريب فكل ما يفعله هو التحذير من مغبة الفراغ الأمني الذي يمكن تجنبه بدون تكلفة ثورية.
4 - من أراد الخلاف مع المقال فعليه ان يفند حجة الفراغ الأمني . يمكن الاختلاف حول مقالي بان يقول الرأي الاخر بان البلد لا تحتاج الِي جهاز أمن. أو ان يقول انه من الممكن حل الجهاز كاملا الان وتجهيز بديلا له في المستقبل. أما في حالة قبول فكرة خطورة الفراغ الأمني فان الراي المخالف يمكنه ان يقدم اقتراحات اخري مختلفة للتعامل مع الجهاز الحالي بدون خلق فراغ امني .
5- فيما عدا ذلك فان الاطالات والاثراءات تتناول قضايا اخري لا يتطرق لها مقالي الذي يركز علي اللحظة الحالية هنا الان في هذا الواقع الخطر. اكيد ان هناك قضايا المدي الطويل أو المتوسط التي لا يتطرق لها مقالي رغم اهميتها مثل مشروعية الدولة نفسها و طبيعة جهاز الأمن الايديلوجية والسوسولجية وموقعه في سلاسل السلطة والاستغلال المعولم. هذه قضايا مهمة ويمكن اثارتها في حوارات مستقلة.
معتصم أقرع
فراغ معتصم أقرع الأمني
..........
فراغ معتصم أقرع الأمني :ـ
سلام يا عادل القصاص و مثله لمعتصم أقرع ، و شكرا مجددا يا عادل على المناولة الأخيرة التي احتوت على المزيد من تفاكير معتصم أقرع في مفهومه لـ " الفراغ الأمني"، و الذي يضيئ مناقشتنا في اكثر من جانب.
كتب معتصم أقرع :ـ"
من أجل الايضاح، هنا ملخص لمقالتي:
1- السودان بحاجة إلى أجهزة الأمن والمخابرات. لأن جميع الدول بحاجة إليها ولأن السودان ضعيف وأي تراجع في مؤسسات الدولة سوف تملأه الميليشيات. »ـ
أولا بالتبادي اقول بأن هذا الشيئ الذي يسميه معتصم أقرع و آخرون،بـ " الدولة" ليس دولة و لا حاجتين، إنه عصابة من اللصوص أدخل في التنظيم الـ"مافيوزي" منه في مؤسسة الدولة الحديثة، و اعني بـ" الدولة الحديثة" تلك التي تمثل في المجتمع الطبقي كتعبير سياسي عن سلطة الطبقة ، أو الطبقات، المهيمنة في المجتمع. و ذلك مما لا يفوت على فطنة معتصم الباحث العارف بتاريخ الدولة في منظور علم الإقتصاد السياسي.و قد نوّهت في مكتوبي السابق بأن هذه الدولة السودانية ، المزعومة " وطنية" ، هي نموذج جديد لعلاقات القوى التي تتحكم في المجتمع السوداني. و جدّة هذا النموذج تتأتى من كون دولته المتلبسة بلبوس الدولة الوطنية هي صنيعة علاقات القوى التي انصاغت تحت شروط الهيمنة الإمبريالية.
و لو كان لنا أن نسمّي الكيان الإداري ،المتحكم في اقدار السودانيين منذ سقوط دولة سلطنة الفونج، بـ" الدولة" ، فهذه الـ" دولة" [ مع استثناء دولة المهدية] هي دولة أجنبية على المجتمع السوداني. و من واقع هيمنتها المادية و الرمزية ، بجاه قوى رأس المال العالمي ، فغاية طموح هذه الدولة الأجنبية تتمثل في إعادة صياغة حطام المجتمع السوداني قبل الرأسمالي لدمجه في دورة اقتصاد رأس المال بشكل نهائي. و في هذا المشهد يصبح تاريخنا السياسي الحديث سجلا عامرا بوقائع الصراع بين المجتمع السوداني الطامح للحرية و السلام و العدالة ، من جهة، و قوى رأس المال التي أولويتها صيانة مصالح رأس المال في بلادنا بأي ثمن ، من الجهة الأخرى. و لو تأملنا في مفهوم " الأمن" على ضوء صراع تناقض المصالح بين المجتمع السوداني و مجتمع رأس المال ، فالأمن بالنسبة للسودانيين يعني ضمان الحياة الآمنة المسالمة بلا حرب أو عنف يعيق تطور المجتمع المادي و الرمزي. أما الأمن بالنسبة لقوى رأس المال فيعني تأمين قهر السودانيين لضمان استمرارية نهب موارد هم المادية و إلحاقهم كمستهلكين لما ينتجه إقتصاد رأس المال الصناعي.من هذا المنظور يتسيس مفهوم الأمن و يفقد حيدته الإدارية التي تموّه من حضور موظفي أمن الدولة بين من يقف إلى جانبهم من رجال الخدمة المدنية الآخرين.
و بالتالي فجهاز أمن الدولة السودانية التابع للمؤسسة العسكرية هو في حقيقته الطبقية مجرد مليشيا سياسية معسكرة تستخدم القوة لإرهاب الشعب و التجسس عليه لصالح دولة المافيا الملتفعة بلفاع الدين. و حجة معتصم أقرع بأن اي تراجع في مؤسسات الدولة سوف تملأه المليشيات هي حجة غريبة لأنها، من جهة، توحّد بين الدولة و جهاز الأمن و تضفي على الجهاز حيدة سياسية هو بريئ منها.كما أن هذه الحجة قابلة، من جهة أخرى، للتوظيف لصالح صيانة مليشيات النظام البائد ،لأن المتمسكين بالمليشيات مثل "كتائب الدعم" أو "قوات الظل السريع" يملكون الدفع بحجة أن "كتائب الظل السريع" إنما خلقت للدفاع عن الدولة و التخلص منها يكشف ظهر الدولة أمام القوى الأجنبية المتربصة بالسودان. بينما كشفت تطورات الأحداث الأخيرة للجميع أن جهاز الأمن و المليشيات و كتائب الظل و الأمن الشعبي و الأمن الطلابي ماهي إلا مسميات لنفس الجسم السياسي الهلامي الذي انتشر ، كما السرطان، على جلد الجسم الإداري للدولة القميئة المزعومة «عميقة" ، و التي ظلت، لقرون، تعيش عالة على ظهر المجتمع السوداني الذي اثبت اكثر من مرة أنه قادر على مواصلة الحياة و الإنتاج باستقلال عن تطفل جسم هذه الدولة الغريبة المجرمة التي تمتص عرقه و تفرض عليه تنظيمها الإداري و تخبطها السياسي و فساد رجالها الأخلاقي. ماذا نصنع بهذه الشيئ الذي نسميه بالدولة السودانية التي يتصور معتصم أقرع بأنها ستحمينا من أحتمال سقوط السماء فوق رؤوسنا بينما سقفها المتهالك آيل للسقوط فوق رؤوسنا في أي لحظة.
يقول معتصم أقرع بنظرية "الفراغ الأمني» التى تستمد بأسها المنطقي من المقولة العلمية الدارجة بأن «الطبيعة تكره الفراغ ».لكن نظرية فراغ معتصم أقرع الأمني تفقد وجاهتها حين نزج بها في حمأة تركيب الواقع السوداني، واقع جيوبوليتيك الشرق الأوسط الذي" فات الكبار و القدرو" ، كونه ينهض على " كولاج" فريد من إشكاليات صراع طبقات زمن العولمة الذي لم يفرز أحد خيوطه المتشابكة الكثيرة بعد. و يملك بعض المراقبين اليوم أن يشير ناحية ليبيا أو ناحية الصومال أو ناحية اليمن ليقول للملأ : انظروا إلى الفراغ الأمني الحاصل في هذه البلدان. إنه سبب الفوضى الحاصلة فيها، لكن لا مراقب يجرؤ على القول : أنظروا يا حضرات إلى مصر و السعودية و الأمارات و تأملوا في الفراغ الأمني الحاصل في هذه البلدان. ذلك لأن الدولة، دولة دوائر رأس المال الأجنبية المهيمنة في هذه البلاد أعلنت بأن ليس هناك مشكلة أمنية. طبعا لا أحد يسأل مواطني هذه الدول المذعورين المطاردين عن ما إذا كانوا يعانون من مشكلة أمن أو إن كانوا سمعوا بـ" الفراغ الأمني" إياه، لأن «الفراغ الأمني" في هذه الدول يملأه نوع المسؤولين الأمنيين الذين كانوا في انتظار جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول من أجل صيانة هيبة هذه الدولة الغريبة.
يقول معتصم أقرع :ـ
"..
4 - من أراد الخلاف مع المقال فعليه ان يفند حجة الفراغ الأمني . يمكن الاختلاف حول مقالي بان يقول الرأي الاخر بان البلد لا تحتاج الِي جهاز أمن. أو ان يقول انه من الممكن حل الجهاز كاملا الآن وتجهيز بديلا له في المستقبل. أما في حالة قبول فكرة خطورة الفراغ الأمني فان الراي المخالف يمكنه ان يقدم اقتراحات اخري مختلفة للتعامل مع الجهاز الحالي بدون خلق فراغ امني . »ـ
ليطمئن معتصم أقرع بأن لا أحد يقول بالإستغناء عن جهاز الأمن، فالأمن واحد من مبادئ عمل الدولة، مثله مثل جهاز الشرطة و أجهزة الإتصالات و الأجهزة المصرفية و الصحة و التعليم إلخ. و بما أننا، كمجتمع سوداني، سنظل نحيا في شروط دولة رأس المال التي لن نستطيع منها فكاكا في ظرف جيل أو جيلين ، إلا بثورة جذرية محلية و معولمة، يتضامن معنا فيها آخرون ، فأضعف الإيمان هو أن نسعى لمخارجة مجتمعنا من ميراث عمر البشير يأقل الخسائر الممكنة. و في منظور : المال تلتو و لا كتلتو"، اطمح لجهاز أمن مسيّس وفق المبادئ السياسية التي تضمن لمجتمعنا حياة حرة و تنمية إجتماعية عادلة تمكنه من تطوير طاقاته ضمن عالم يسوده السلام و احترام الحقوق الإنسانية و غير ذلك من كلامات الشعراء. يعني بالعربي كدا : جهاز الأمن الذي أورثنا إياه نظام عمر البشير هو جهاز تم تصميمه لخدمة سياسات نظام عمر البشير. و إذا أردنا تجاوز نظام عمر البشير فلا مناص من التخلص من أمن عمر البشير.أما الكيفية التي يتم بها التخلص من أمن عمر البشير فهي مسألة تقنية و سياسية تتم عقب إجلاء الرجال و النساء الناشطين في جهاز أمن عمر البشير خارج هذا الجهاز.لأنه ليس من المعقول أن تخاطب رجال أمن عمر البشير الجالسين على ركام إمتيازاتهم المادية و السياسية المذنبة التي منحها لهم عمر البشير، لتطلب منهم تصميم جهاز أمن مختلف عن جهازهم و مصدر بأسهم، لا يمكن أن تطلب من هؤلاء الناس تصميم جهاز أمن جديد يرعى مصالح كافة السودانيين بصرف النظر عن توجههم السياسي. عندها سيهش رجال أمن عمر البشير في وجهك و يقولون :هوّن عليك يا معتصم أقرع، طبعا سنصنع للسودانيين أفضل الأجهزة الأمنية وفق النموذج السعودي أو المصري الذي يكره الفراغ الأمني و يفرض الظبط و الربط وفق أحكام الشريعة بلا بلا بلا. طبعا تخوف معتصم أقرع الناتج من نظرية " الفراغ الأمني" يتجلّى عند تلك اللحظة الحرجة التي تشرع فيها حكومة النظام الجديد في إجلاء رجال أمن عمر البشير عن الفضاء العام ، لتجد نفسها فجأة " أُمفكُُّو "، بلا جهاز أمن يضبط حركة الناس في الفضاء الذي تديره هذه الحكومة السودانية الجديدة. لكننا يا صاح واقفين" نلكلكو" في وضعية " أمفكو" منذ شهور و لم تسقط السماء فوق رؤوسنا بعد و لم يهجم علينا العدو الخارجي بعد و لم تجتاحنا جيوش داعش و بوكوحرام أو جيش الرب إلخ. لكن حلفاء عمر البشير السياسيين من "قوات الظل السريع" و " كتائب النهب المصلّح" و بقية الحرامية المسلحين بجاه البترودولار ما زالوا يقتلون أبناء و بنات الشعب السوداني على عينك يا تاجر بينما العالم المتحضر ينبح عبر بيانات الإستنكار و الجمل السعودي ماشي في حاله.
ذلك أننا نحيا منذ عقود في عز دولة الفراغ الأمني العريض.
سؤال انصرافي يا عادل : إنتو " الفراغ الأمني " دا ودّ عم " الكسل الثوري" ؟
سأعود
.
ماذا نصنع بالعنف السياسي؟
ماذا نصنع بالعنف السياسي؟
سألت، في مكتوبي السابق عن صلة القربى السياسية بين مفهوم " الفراغ الأمني " الذي جادت به قريحة الأخ معتصم أقرع، و مفهوم " الكسل الثوري" الذي جادت به قريحة الأخ محفوظ بشرى في خيط مجاور، على الرابط :ـ
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 7af6451208
و قد حفزني على هذا التساؤل ،الذي قد يبدو للبعض ضربا في الهزل الذي لا يليق بجسامة الظرف،حفزني عليه اشتراك الكاتبين في إزجاء النصح لجماهير المحتجين حول أفضل السبل للخروج من الأزمة التي تعصف ببلادنا.
ذلك أن معتصم أقرع، من باب حرصه على الحراك الثوري السوداني، ينصح السودانيين المحتجين على تغوّل المجلس العسكري على سيادة البلاد و يشير عليهم بالتروي و ترك التهور الثوري المتمثل في دعاوي حل جهاز الأمن و إدانة أعضاءه بالجرائم التي ارتكبوها دفاعا عن النظام البائد.أما محفوظ بشرى فهو يدعو جماهير المحتجين على نظام البشير إلى ما سمّاه بـ " عقد سياسي جديد" فحواه تصالح الثائرين مع قوات الدعم السريع و تحالفهم مع حميدتي ضد النظام القديم الذي يوصفه محفوظ بصفة «العدو المشترك»ـ. مع هذا « العدو المشترك »يتوقع محفوظ بشرى أن يتوصل الثوار لتصفية الدولة العميقة « في ظل حكومة مدنية »ـ أوكما جرت عبارته :ـ
«
التحالف المرحلي مع حميدتي ضد العدو المشترك، قد ينجز تصفية الدولة العميقة التي ينكر كثيرون وجودها رغم كل الدلائل، كما سيمكن من التعامل مع الفوضى التي قد تحدثها جماعات الهوس الديني لتقتات عليها. بعد انتهاء المرحلة سنكون أمام مليشيا ودولة، وليس كما هو الوضع الآن: اللادولة + مليشيا + جيش مسيطر عليه من قبل النظام الفاسد + نظام كامن سيحول الأوضاع إلى جحيم لأي حكومة.
ما لم يتم العثور على ضباط موثوق أنهم وطنيون ولا يمتون للنظام بصلة، للتحالف معهم ضد الجنجويد وضد الدولة العميقة؛ فإن لا خيار يبدو أمامي غير التعامل مع الجنجويد على ما في هذا من كراهة.
« .
و لعل أكثر مواضع كلام محفوظ تشويقا هو ذلك الموضع الذي يحاول فيه استدراك الـ "جوبكة" الضاربة في وصْفته السياسية باشتراط العثور على " لبن الطير" أو " المصباح السحري" أو "شجرة الإكسير"،أو حتى " تنظيم الضباط الأحرار" المايوي بتاع زمان داك. و ترجمتها في مكتوب محفوظ:"العثور على ضباط موثوق أنهم وطنيون و لا يمتـّون للنظام بصلة، للتحالف معهم ضد الجنجويد و ضد الدولة العميقة" في آن.أين سيعثر محفوظ على هؤلاء" الضباط الموثوق أنهم وطنيون و لا يمتون للنظام بصلة"؟ و لو كان الطيب صالح حاضرا لسألنا "من أين يأتى هؤلاء الضباط الوطنيون الذين لا يمتون للنظام بصلة؟" و ما هي دوافعهم ؟ و ما هويتهم السياسية؟ و مادورهم في الأزمة الحاصلة؟ كل هذه الأسئلة المحرجة تموّه بالكاد حيرة السودانيين تجاه السؤال العويص الذي طرحته امامهم الأزمة السياسية شبه المستديمة، و هو سؤال موقع العنف في مشهدنا السياسي. كيف نعقلن سؤال العنف؟
و ماذا نصنع بشعار السلمية في وجه خصوم يسترزقون من صيانة العنف؟ مندري؟ و ستين مندري؟.لكن محفوظ بشرى بـضباطه الوطنيين ـ الذين يتصورهم في مواجهة الجنجويد و في مواجهة دولة الإسلاميين المزعومة "عميقة"ـ إنما يردنا للمناقشة القديمة حول دور الجيش في ساحة السياسة السودانية.ماذا نصنع بالجيش؟ و هل ينفع الجيش في شيئ بخلاف عمل الإنقلابات و محاربة المواطنين ؟مندري؟ تاني..
سأعود
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
الكيل بمكيالين
بقلم: معتصم أقرع
من أمراض السياسة السودانية انه أذا ارتكب أحد أحزاب الحداثة خطيئة سكت عنها المثقفون والمعلقون. أما أذا ما ارتكب نفس هذه الخطيئة حزب الأمة قامت الدنيا ولم تقعد. أذا كان الحج الِي الأمارات من قبل بعض أحزاب المعارضة خطأ، وهو أسوأ من ذلك، فانه خطأ يقع علي جميع من حج وليس علي حزب الأمة فقط. فقد افتتحت الحركة الشعبية، ومعها حركات من دارفور الطريق الي ابوظبي بذهابها المبكر ومهدت الطريق لتوالي أحزاب نداء السودان وسنت السنة التي اتبعها بعدها حزب المؤتمر السوداني وحزب الأمة. فلماذا حصر التقريع على حزب الأمة؟
العقلية التي تجعل من نقد حزب الأمة موقفا أوتوماتيكيا محددا سلفا وتذهل عن نفس الخطأ أذا ما ارتكبه الأخرون تضر بالتطور السياسي ورفع الوعي ايما ضرر لأنه بنهاية نقد حزب الأمة لا يكون القارئ قد سمع شيئا سوي التكرار عن سوء حزب الأمة للمرة المليارية ولا يتعلم شيئا جديدا وهكذا تفوت فرصة رفع الوعي السياسي وترسيخ أدوات التحليل وتمحيص الفعل السياسي وغربلته لتحديد درجات الصواب والخطأ. وهكذا تحصل أحزاب الحداثة علي حصانة غير مستحقة تتيح لها ان تتوه في المساومات كما شاءت حتى لو كان في ذلك فناء السودان.
ينسب للأمام علي الكرار قوله ان "الحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق فاعرف الحق تعرف أهله". ومثل ذلك فان الباطل لا يعرف بالرجال ولا بأميرة منصورة، وانما بطبيعة الفعل، فاعرف الباطل, تعرف اهله من الرجال والنساء. ولكن أحد جوانب حركة الحداثة السودانية اصرارها علي ان التفريق بين الحق والباطل لا يتم بعد تحديد الباطل وانما يعتمد علي من الذي ارتكبه ولذلك مازلنا ننتج نفس الأخطاء التي تظل أخطاء حتى لو تم ارتكابها بلا جناح ام جكو.
هذه السطور لا تعني اعفاء حزب الأمة من النقد, بل تدعو للمزيد من نقده بصرامة عقلانية وعادلة , وانما تدعو الِي تطبيق نفس معايير نقد الأمة علي جميع الأحزاب واذا ما رفعنا جرعة نقد الأمة نفعل ذلك فقط علي ضوء تأثيره الكبير علي مسار السياسة السودانية وليس بمنطق الكيل بمكيالين. من الواجب انزار جميع الأحزاب بان لا أحد فوق النقد وان المساءلة في محكمة الرأي العام تشمل الجميع ولا تستثني أحدا . فلنوحد معايير الخطاب السياسي مع توحيد المعارضة.
بقلم: معتصم أقرع
من أمراض السياسة السودانية انه أذا ارتكب أحد أحزاب الحداثة خطيئة سكت عنها المثقفون والمعلقون. أما أذا ما ارتكب نفس هذه الخطيئة حزب الأمة قامت الدنيا ولم تقعد. أذا كان الحج الِي الأمارات من قبل بعض أحزاب المعارضة خطأ، وهو أسوأ من ذلك، فانه خطأ يقع علي جميع من حج وليس علي حزب الأمة فقط. فقد افتتحت الحركة الشعبية، ومعها حركات من دارفور الطريق الي ابوظبي بذهابها المبكر ومهدت الطريق لتوالي أحزاب نداء السودان وسنت السنة التي اتبعها بعدها حزب المؤتمر السوداني وحزب الأمة. فلماذا حصر التقريع على حزب الأمة؟
العقلية التي تجعل من نقد حزب الأمة موقفا أوتوماتيكيا محددا سلفا وتذهل عن نفس الخطأ أذا ما ارتكبه الأخرون تضر بالتطور السياسي ورفع الوعي ايما ضرر لأنه بنهاية نقد حزب الأمة لا يكون القارئ قد سمع شيئا سوي التكرار عن سوء حزب الأمة للمرة المليارية ولا يتعلم شيئا جديدا وهكذا تفوت فرصة رفع الوعي السياسي وترسيخ أدوات التحليل وتمحيص الفعل السياسي وغربلته لتحديد درجات الصواب والخطأ. وهكذا تحصل أحزاب الحداثة علي حصانة غير مستحقة تتيح لها ان تتوه في المساومات كما شاءت حتى لو كان في ذلك فناء السودان.
ينسب للأمام علي الكرار قوله ان "الحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق فاعرف الحق تعرف أهله". ومثل ذلك فان الباطل لا يعرف بالرجال ولا بأميرة منصورة، وانما بطبيعة الفعل، فاعرف الباطل, تعرف اهله من الرجال والنساء. ولكن أحد جوانب حركة الحداثة السودانية اصرارها علي ان التفريق بين الحق والباطل لا يتم بعد تحديد الباطل وانما يعتمد علي من الذي ارتكبه ولذلك مازلنا ننتج نفس الأخطاء التي تظل أخطاء حتى لو تم ارتكابها بلا جناح ام جكو.
هذه السطور لا تعني اعفاء حزب الأمة من النقد, بل تدعو للمزيد من نقده بصرامة عقلانية وعادلة , وانما تدعو الِي تطبيق نفس معايير نقد الأمة علي جميع الأحزاب واذا ما رفعنا جرعة نقد الأمة نفعل ذلك فقط علي ضوء تأثيره الكبير علي مسار السياسة السودانية وليس بمنطق الكيل بمكيالين. من الواجب انزار جميع الأحزاب بان لا أحد فوق النقد وان المساءلة في محكمة الرأي العام تشمل الجميع ولا تستثني أحدا . فلنوحد معايير الخطاب السياسي مع توحيد المعارضة.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
الأستاذ سِلِكْ يبدأ من ثانياً
بقلم: معتصم أقرع
من أهم الحيل التي يستخدمها أهل اليمين ضد الحزب الشيوعي السوداني واليسار بشكل عام هي اتهامهم بتقويض الديمقراطية وذبحها في السودان في انقلاب عام 1969 من قبل نميري وضباطه. من المؤكد أن الحزب الشيوعي كان متورطًا في الانقلاب. لكن ليس من الواضح إلى أي مدى كان ذلك التورط.
لا أود أن أتناول درجة مسؤولية الحزب الشيوعي ولا الدفاع عنه. فعضويته وكتابه قادرون علي ذلك. الغرض من هذه المداخلة هو الدفاع عن التاريخ.
في أمس قريب عاد الأستاذ خالد سلك إلى نغمة انقلابيات الحزب الشيوعي ولا ديمقراطيته بقوله إن الممارسة تثبت ذلك في الحزب الشيوعي السوداني أيضاً نفذ انقلابين عسكريين.
ما أود أن أؤكد عليه هنا هو أن الانقلاب الحقيقي ضد ديمقراطية 1964 – 1969 لم يقم به اليسار، بل نفذه اليمين السوداني بقيادة حزب الأمة - أهم حلفاء الأستاذ سلك في نداء السودان - في تحالف مع الإخوان المسلمين والاتحاديين الذين ينتمي عليهم حليفه الآخر، محمد ناجي الأصم. تآمرت هذه القوى اليمينية بخرق الدستور وطرد النواب الشيوعيين من البرلمان وحل الحزب وتهديد الأستاذ محمود محمد طه بالإعدام كمرتد.
في 1965 نظم الإخوان المسلمين ندوة في معهد المعلمين العالي بامدرمان ناقشت البغاء. فنسب طالب ادعى أنه ماركسي، البغاء إلى بيت الرسول وخاض في حديث الإفك بصورة لم ترضي حراس الفضيلة والحقيقة التاريخية. سارعت رابطة الطلبة الشيوعيين بإصدار بيان وضحت فيه أن الطالب ليس عضواً في الحزب الشيوعي، فهو قد عرف بإصدار صحيفة حائطية يهاجم فيها الحزب، إلا أن الإخوان المسلمين واليمين السوداني لم يكن بإمكانه تفويت فرصة نادرة كهذه لتصفية اليسار السوداني بتهييج العواطف واتهام الحزب بالكفر والإلحاد – نفس التهمة التي أصدروها لاحقا ضد الأستاذ محمود. جريمة اغتيال الأستاذ محمود لم يبدأها نميري في 1983، وانما بدأت في حضن الديمقراطية الطائفية الاخوانية موديل 1964 – 1969.
لم يقتصر الأمر على الإخوان فقد قرر أهل اليمين استغلال الحادث لتصفية حساباتهم مع الحزب الشيوعي. فقاد الهيستريا التي قادت إلى مذبحة الديمقراطية، قبل نميري واليسار، شخصيات بقامة إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة والإمام الهادي المهدي ومحمد أحمد محجوب والترابي.
ودفعت أحزاب اليمين مؤيديها لمهاجمة دور الحزب الشيوعي بالأسلحة وطالبت بحله. استجابت الجمعية التأسيسية وتبنت إجراءات علقت اللوائح وخرقت الدستور وانتهكت أعراف الديمقراطية البرلمانية. تقدم محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني ويحرم قيام أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخرى تنطوي مبادئها على الإلحاد أو الاستهتار بمعتقدات الناس. وبصم برلمان الأغلبية الميكانيكية على الفرمان وأقر تحريم قيام أحزاب شيوعية وتم طرد النواب الشيوعيين من البرلمان.
إثر ذلك رفع الحزب الشيوعي قضايا دستورية ضد تعديل الدستور الذي تم بموجبه حل الحزب وطرد نوابه من البرلمان. حكمت المحكمة العليا وأصدرت قراراً يشرف القضاء السوداني إلى يوم الدين أقرت فيه بعدم دستورية التعديلات التي قام بها البرلمان وحكومة اليمين. وهذا يعني بطلان كل ما ترتب عليها من إقصاء للحزب الشيوعي.لكن السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة آنذاك رفض حكم المحكمة العليا ووصفه بانه حكم تقريري، ولاحظ المؤرخ محمد سعيد القدال ان الامام نسف بهذا الرفض أساس الديموقراطية اللبرالية وقوض مبدا استقلال القضاء. وذكر القدال انه اثر رفض الحكومة لقرار المحكمة العليا تقدم رئيس القضاء بابكر عوض الله باستقالة مدوية إلي رئيس وأعضاء مجلس السيادة. واختتمها قائلآ "إنني عملت مافي وسعي لصيانة استقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لأشهد عملية تصفيته وتقطيع أوصاله وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تاريخه."
وبعد مذبحة الديمقراطية والدستور شرعت نفس هذه الأحزاب في اثارة العواطف الدينية واتهام الأستاذ محمود محمد طه بالكفر وتبلور لديها نزوع قوي لمحاكمته بتهمة الردة والمرتد تقتل.
حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وتهديد الأستاذ محمود بالقتل كان انقلاباً كاملاً على الديمقراطية وتقويضاً للدستور وكتماً للحريات الأساسية. لذلك فان انقلاب مايو الذي تورط فيه اليسار وايده الأستاذ محمود لم يكن انقلاباً ضد نظام ديمقراطي. بـل كان حركة عسكرية ضد دكتاتورية مدنية، تعيسة، مهووسة همجية داعشية، ابطالها يمين متخثر لا يملك من أخلاق الديمقراطية مثقال ذرة من خردل. لذلك فإن من واجب الأستاذ خالد سلك وأحزاب اليمين المتشوقة إلى ادانة الحزب الشيوعي أن تفتتح سردية ذبح الديمقراطية السودانية من مبتدأها الصحيح وهو حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين ديمقراطياً من البرلمان ورفض قرار المحكمة العليا وممارسة الإرهاب الداعشي من قبل الدولة ضد الأستاذ محمود بـتهمة الردة. أما بداية السردية بانقلاب العسكر اللاديمقراطي على الحكم في 1969 فهو نوع من التدليس الذي قال فيه الفصيح مريد البرغوثي: "من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من (ثانياً)! ويكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى ينقلب العالم. يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانياً) حتى تصبح سهام الهنود الحمر هى المجرمة الأصيلة، وبنادق البيض هى الضحية الكاملة! يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانياً) حتى يصبح غضب السود على الرجل الأبيض هو الفعل الوحشي! يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانياً) حتى تصبح ستي أم عطا هى المجرمة و أريئيل شارون هو ضحيتها!."
البداية من ثانياً هي حيلة اليمين السوداني المفضلة في البكاء على الديموقراطية السودانية. فيكفي أن يبدأ بكاءهم من 25 مايو 1969 ليصبح اليسار هو من ذبح الديمقراطية بمباركة الاستاذ محمود. ولأنهم ينطلقون من ثانياً يتم تزوير التاريخ بطمس مهزلة حل الحزب الشيوعي والشروع في إعدام الأستاذ محمود.
علي أقل تقدير، إذا شرع الأستاذ سلك في توزيع صكوك الديمقراطية والادانات عليه أن لا يكتفي بشنق الحزب الشيوعي وأن يضيف الِي سرديته دور حلفائه في حزب الأمة والحزب الإتحادي.
بقلم: معتصم أقرع
من أهم الحيل التي يستخدمها أهل اليمين ضد الحزب الشيوعي السوداني واليسار بشكل عام هي اتهامهم بتقويض الديمقراطية وذبحها في السودان في انقلاب عام 1969 من قبل نميري وضباطه. من المؤكد أن الحزب الشيوعي كان متورطًا في الانقلاب. لكن ليس من الواضح إلى أي مدى كان ذلك التورط.
لا أود أن أتناول درجة مسؤولية الحزب الشيوعي ولا الدفاع عنه. فعضويته وكتابه قادرون علي ذلك. الغرض من هذه المداخلة هو الدفاع عن التاريخ.
في أمس قريب عاد الأستاذ خالد سلك إلى نغمة انقلابيات الحزب الشيوعي ولا ديمقراطيته بقوله إن الممارسة تثبت ذلك في الحزب الشيوعي السوداني أيضاً نفذ انقلابين عسكريين.
ما أود أن أؤكد عليه هنا هو أن الانقلاب الحقيقي ضد ديمقراطية 1964 – 1969 لم يقم به اليسار، بل نفذه اليمين السوداني بقيادة حزب الأمة - أهم حلفاء الأستاذ سلك في نداء السودان - في تحالف مع الإخوان المسلمين والاتحاديين الذين ينتمي عليهم حليفه الآخر، محمد ناجي الأصم. تآمرت هذه القوى اليمينية بخرق الدستور وطرد النواب الشيوعيين من البرلمان وحل الحزب وتهديد الأستاذ محمود محمد طه بالإعدام كمرتد.
في 1965 نظم الإخوان المسلمين ندوة في معهد المعلمين العالي بامدرمان ناقشت البغاء. فنسب طالب ادعى أنه ماركسي، البغاء إلى بيت الرسول وخاض في حديث الإفك بصورة لم ترضي حراس الفضيلة والحقيقة التاريخية. سارعت رابطة الطلبة الشيوعيين بإصدار بيان وضحت فيه أن الطالب ليس عضواً في الحزب الشيوعي، فهو قد عرف بإصدار صحيفة حائطية يهاجم فيها الحزب، إلا أن الإخوان المسلمين واليمين السوداني لم يكن بإمكانه تفويت فرصة نادرة كهذه لتصفية اليسار السوداني بتهييج العواطف واتهام الحزب بالكفر والإلحاد – نفس التهمة التي أصدروها لاحقا ضد الأستاذ محمود. جريمة اغتيال الأستاذ محمود لم يبدأها نميري في 1983، وانما بدأت في حضن الديمقراطية الطائفية الاخوانية موديل 1964 – 1969.
لم يقتصر الأمر على الإخوان فقد قرر أهل اليمين استغلال الحادث لتصفية حساباتهم مع الحزب الشيوعي. فقاد الهيستريا التي قادت إلى مذبحة الديمقراطية، قبل نميري واليسار، شخصيات بقامة إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة والإمام الهادي المهدي ومحمد أحمد محجوب والترابي.
ودفعت أحزاب اليمين مؤيديها لمهاجمة دور الحزب الشيوعي بالأسلحة وطالبت بحله. استجابت الجمعية التأسيسية وتبنت إجراءات علقت اللوائح وخرقت الدستور وانتهكت أعراف الديمقراطية البرلمانية. تقدم محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني ويحرم قيام أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخرى تنطوي مبادئها على الإلحاد أو الاستهتار بمعتقدات الناس. وبصم برلمان الأغلبية الميكانيكية على الفرمان وأقر تحريم قيام أحزاب شيوعية وتم طرد النواب الشيوعيين من البرلمان.
إثر ذلك رفع الحزب الشيوعي قضايا دستورية ضد تعديل الدستور الذي تم بموجبه حل الحزب وطرد نوابه من البرلمان. حكمت المحكمة العليا وأصدرت قراراً يشرف القضاء السوداني إلى يوم الدين أقرت فيه بعدم دستورية التعديلات التي قام بها البرلمان وحكومة اليمين. وهذا يعني بطلان كل ما ترتب عليها من إقصاء للحزب الشيوعي.لكن السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة آنذاك رفض حكم المحكمة العليا ووصفه بانه حكم تقريري، ولاحظ المؤرخ محمد سعيد القدال ان الامام نسف بهذا الرفض أساس الديموقراطية اللبرالية وقوض مبدا استقلال القضاء. وذكر القدال انه اثر رفض الحكومة لقرار المحكمة العليا تقدم رئيس القضاء بابكر عوض الله باستقالة مدوية إلي رئيس وأعضاء مجلس السيادة. واختتمها قائلآ "إنني عملت مافي وسعي لصيانة استقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لأشهد عملية تصفيته وتقطيع أوصاله وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تاريخه."
وبعد مذبحة الديمقراطية والدستور شرعت نفس هذه الأحزاب في اثارة العواطف الدينية واتهام الأستاذ محمود محمد طه بالكفر وتبلور لديها نزوع قوي لمحاكمته بتهمة الردة والمرتد تقتل.
حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وتهديد الأستاذ محمود بالقتل كان انقلاباً كاملاً على الديمقراطية وتقويضاً للدستور وكتماً للحريات الأساسية. لذلك فان انقلاب مايو الذي تورط فيه اليسار وايده الأستاذ محمود لم يكن انقلاباً ضد نظام ديمقراطي. بـل كان حركة عسكرية ضد دكتاتورية مدنية، تعيسة، مهووسة همجية داعشية، ابطالها يمين متخثر لا يملك من أخلاق الديمقراطية مثقال ذرة من خردل. لذلك فإن من واجب الأستاذ خالد سلك وأحزاب اليمين المتشوقة إلى ادانة الحزب الشيوعي أن تفتتح سردية ذبح الديمقراطية السودانية من مبتدأها الصحيح وهو حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين ديمقراطياً من البرلمان ورفض قرار المحكمة العليا وممارسة الإرهاب الداعشي من قبل الدولة ضد الأستاذ محمود بـتهمة الردة. أما بداية السردية بانقلاب العسكر اللاديمقراطي على الحكم في 1969 فهو نوع من التدليس الذي قال فيه الفصيح مريد البرغوثي: "من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من (ثانياً)! ويكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى ينقلب العالم. يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانياً) حتى تصبح سهام الهنود الحمر هى المجرمة الأصيلة، وبنادق البيض هى الضحية الكاملة! يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانياً) حتى يصبح غضب السود على الرجل الأبيض هو الفعل الوحشي! يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانياً) حتى تصبح ستي أم عطا هى المجرمة و أريئيل شارون هو ضحيتها!."
البداية من ثانياً هي حيلة اليمين السوداني المفضلة في البكاء على الديموقراطية السودانية. فيكفي أن يبدأ بكاءهم من 25 مايو 1969 ليصبح اليسار هو من ذبح الديمقراطية بمباركة الاستاذ محمود. ولأنهم ينطلقون من ثانياً يتم تزوير التاريخ بطمس مهزلة حل الحزب الشيوعي والشروع في إعدام الأستاذ محمود.
علي أقل تقدير، إذا شرع الأستاذ سلك في توزيع صكوك الديمقراطية والادانات عليه أن لا يكتفي بشنق الحزب الشيوعي وأن يضيف الِي سرديته دور حلفائه في حزب الأمة والحزب الإتحادي.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
في مسألة السنابل وإبراهيمهم
بقلم: معتصم أقرع
لا شك ان حزب المؤتمر السوداني هو أحد اهم الاحزاب علي الساحة ويكفيه تميزا بين الأحزاب والحركات السودانية انه ربما كان التنظيم الوحيد الذي ظهر وارسي جذوره بصورة دامت بلا ارتكاز علي حاضن اجنبي ولا ركون الِي سموم السياسة التي تفرق ولا تجمع مثل الطائفية والعرقية والبندقية والدين المسيس والجهوية التجارية.
ومنذ بروزه في الساحة كحركة طلابية ظل الحزب في مختلف مراحل تطوره وتسمياته لاعبا أساسيا في الحركة السياسية وقدم اسهامات متميزة في الدفع بالحركة الديمقراطية الِي الامام وساهم في ملأ الفراغ المخيف الذي اعقب دخول اليسار في نفقه المظلم تحت ضربات الدكتاتوريات المتتالية وانهيار الكتلة السوفيتية.
وقد امتدحنا حزب السنابل أحيانا وانتقدناه مرات ولكن حين انتقدناه قمنا بذلك مع كامل الادراك لأهميته فلا ديمقراطية بلا أحزاب والمؤتمر السوداني هو حزب الطبقة الوسطي/البرجوازية المتعلمة بامتياز. ورغم ان هذه الطبقة لا تخلو من العيوب وشذوذ الطبع للدرجة التي افضت بسارتر ان يعلن " اقسمت علي كراهية البرجوازية" الا انه يستحيل علي الدولة القطرية بشكلها الحديث ان تستمر في الوجود وتتقدم من غير وجود طبقة وسطي فعالة سياسيا وثقافيا واقتصاديا. وهنا تكمن أهمية حزب السنابل لأنه حزب البرجوازية الوحيد في الساحة الذي يستطيع - ان أحسن التخطيط والأداء, وخرج من شرنقة الشلل المقفولة - جذب كل مكونات الشعب لأنه نظريا علي الاقل مفتوح لكل السودانيين بغض النظر عن الدين والعرق والاقليم والجندر. تتزايد أهمية هذا الحزب طرديا مع أفول جاذبية أحزاب الطائفية التي مثلت الرأسمالية السودانية سابقا , ولكنها تدخل الان مرحلة الخرف السياسي او الموت الدماغي في عصر الجعفرة الختمية . كون المجال مفتوح لتمدد السنابل ليكونوا في طليعة إعادة بناء الوطن لا يعني انهم بالضرورة سيفعلون ذلك وهكذا يظل المستقبل مفتوح علي كل الاحتمالات فالسنابل قادرون علي الابداع كما هم قادرون علي الفظاعة والتسطيح. اذا الكرة في ملعبهم والأيام سوف تبدي والتاريخ سوف يحكم.
الأستاذ إبراهيم الشيخ ربما كان أهم قادة حزب المؤتمر السوداني في كل تاريخه وقد لعب دورا محوريا في تثبيته وتوجيهه الِي ماهو عليه الان ولو تبني السنابل موال الإباء المؤسسين بلهجة أمريكية فلا بد ان يكون الاستاذ إبراهيم كبير اباءهم.
لذلك يأتي خبر اعتزاله للعمل الحزبي صادما لان توقيته هو الأسوأ فسفينة الحكومة الانتقالية تتقاذفها أمواج لجية ومصيرها في مهب ريح صرصر. وبما ان الأستاذ إبراهيم كان من كبار مهندسي التفاوض مع العسكر والأجانب, ذلك التفاوض الذي ولدت من رحمه هذه الحكومة والوثائق الدستورية والسياسية التي تحكم عملها فان الواجب الأخلاقي يفرض عليه عدم الابتعاد عن هذا الوضع المعقد المليء بالألغام الذي ساهم في صناعته ايما مساهمة مما يوجب عليه ان يواصل المشاركة في قيادة مركب الانتقال الِي بر الامان واستكمال مهام المرحلة وصولا الِي انتخابات ديمقراطية سليمة , ولو شاء بعد ذلك اعتزال العمل العام, فله ذلك.
بقلم: معتصم أقرع
لا شك ان حزب المؤتمر السوداني هو أحد اهم الاحزاب علي الساحة ويكفيه تميزا بين الأحزاب والحركات السودانية انه ربما كان التنظيم الوحيد الذي ظهر وارسي جذوره بصورة دامت بلا ارتكاز علي حاضن اجنبي ولا ركون الِي سموم السياسة التي تفرق ولا تجمع مثل الطائفية والعرقية والبندقية والدين المسيس والجهوية التجارية.
ومنذ بروزه في الساحة كحركة طلابية ظل الحزب في مختلف مراحل تطوره وتسمياته لاعبا أساسيا في الحركة السياسية وقدم اسهامات متميزة في الدفع بالحركة الديمقراطية الِي الامام وساهم في ملأ الفراغ المخيف الذي اعقب دخول اليسار في نفقه المظلم تحت ضربات الدكتاتوريات المتتالية وانهيار الكتلة السوفيتية.
وقد امتدحنا حزب السنابل أحيانا وانتقدناه مرات ولكن حين انتقدناه قمنا بذلك مع كامل الادراك لأهميته فلا ديمقراطية بلا أحزاب والمؤتمر السوداني هو حزب الطبقة الوسطي/البرجوازية المتعلمة بامتياز. ورغم ان هذه الطبقة لا تخلو من العيوب وشذوذ الطبع للدرجة التي افضت بسارتر ان يعلن " اقسمت علي كراهية البرجوازية" الا انه يستحيل علي الدولة القطرية بشكلها الحديث ان تستمر في الوجود وتتقدم من غير وجود طبقة وسطي فعالة سياسيا وثقافيا واقتصاديا. وهنا تكمن أهمية حزب السنابل لأنه حزب البرجوازية الوحيد في الساحة الذي يستطيع - ان أحسن التخطيط والأداء, وخرج من شرنقة الشلل المقفولة - جذب كل مكونات الشعب لأنه نظريا علي الاقل مفتوح لكل السودانيين بغض النظر عن الدين والعرق والاقليم والجندر. تتزايد أهمية هذا الحزب طرديا مع أفول جاذبية أحزاب الطائفية التي مثلت الرأسمالية السودانية سابقا , ولكنها تدخل الان مرحلة الخرف السياسي او الموت الدماغي في عصر الجعفرة الختمية . كون المجال مفتوح لتمدد السنابل ليكونوا في طليعة إعادة بناء الوطن لا يعني انهم بالضرورة سيفعلون ذلك وهكذا يظل المستقبل مفتوح علي كل الاحتمالات فالسنابل قادرون علي الابداع كما هم قادرون علي الفظاعة والتسطيح. اذا الكرة في ملعبهم والأيام سوف تبدي والتاريخ سوف يحكم.
الأستاذ إبراهيم الشيخ ربما كان أهم قادة حزب المؤتمر السوداني في كل تاريخه وقد لعب دورا محوريا في تثبيته وتوجيهه الِي ماهو عليه الان ولو تبني السنابل موال الإباء المؤسسين بلهجة أمريكية فلا بد ان يكون الاستاذ إبراهيم كبير اباءهم.
لذلك يأتي خبر اعتزاله للعمل الحزبي صادما لان توقيته هو الأسوأ فسفينة الحكومة الانتقالية تتقاذفها أمواج لجية ومصيرها في مهب ريح صرصر. وبما ان الأستاذ إبراهيم كان من كبار مهندسي التفاوض مع العسكر والأجانب, ذلك التفاوض الذي ولدت من رحمه هذه الحكومة والوثائق الدستورية والسياسية التي تحكم عملها فان الواجب الأخلاقي يفرض عليه عدم الابتعاد عن هذا الوضع المعقد المليء بالألغام الذي ساهم في صناعته ايما مساهمة مما يوجب عليه ان يواصل المشاركة في قيادة مركب الانتقال الِي بر الامان واستكمال مهام المرحلة وصولا الِي انتخابات ديمقراطية سليمة , ولو شاء بعد ذلك اعتزال العمل العام, فله ذلك.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
قحت ووزيرها الذي تستحق
بقلم: معتصم أقرع
عين عباقرة قحت وزير المالية كما عينوا أكثر من نصف أعضاء مجلس السيادة. إنه لأمر معيب أن هذه القحت لم تتحقق بدقة من الخلفية الفكرية والإيديولوجية لمن عينتهم ووضعت مستقبل السودان في يديهم. فمثلا لدى السيد وزير المالية سجل واضح للغاية بشأن موقفه من قضايا الاقتصاد الخلافية. لذا لا ينبغي أن يندهش أي شخص من السياسات التي يطبقها هذا الوزير الآن.
سؤالان يفرضان نفسيهما :
أولا، هل كانت قحت غبية أم جاهلة عندما عيّنت وزير المالية هذا؟
ثانيا، لماذا تكرر قحت رفضها لرفع الدعم وتعويم سعر الصرف ولكنها لا تتخذ أبدًا أي إجراء جاد لتحدي وإيقاف وزير المالية؟
الجواب على السؤال الأول هو أن قحت كان عليها أن تكون على دراية بحقيقة أن وزير المالية هو مؤمن حقيقي ببركات اقتصاديات البنك الدولي وصندوق النقد وهو لم يخفي هذا اليقين الأصولي أبدا ولم يكذب ولم يتظاهر بغيره. لكن قحت عينته بغض النظر عن يقينه الثابت ببركات مؤسسات بريتون وودز لأنها تصورت بـأنه قادر على إصلاح علاقة السودان مع هذه المؤسسات ومع دوائر المال في الغرب. وبهذا المعنى، كانت قحت جاهلة وغبية، لا بخلفية السيد الوزير، ولكن باعتقادها وافتراضها أن المساعدات المالية الغربية وتدفقات الاستثمار تعتمد على ما إذا كان الغرب علي وداد ومحبة مع وزير المالية أم لا. وفي حماقة كاملة الدسم، ظن فلاسفة قحت أن جيوبوليتيك السياسة العالمية يدار وفقًا للروابط والمشاعر الشخصية بين الأفراد، تماما كما تدير قحت المشهد السياسي الداخلي بفقه الشلة. وكان هذا ديدنها في تعيينات هامة اخري في جهاز الدولة.
فيما يتعلق بالسؤال الثاني، فان قحت لا تعارض رفع الدعم بصدق؛ والدليل على ذلك أنها لم تتخذ أي إجراء ملموس لإيقاف الوزير الذي يواصل في تطبيق وصفته بثقة وطمأنينة يحسد عليهما؛ كما انها لم تنبس ببنت شفة ضد طاقم البنك الدولي الذي أتي به الوزير لمساعدته في اجراء جراحته بلا تخدير . كل ما تفعله قحت - بما في ذلك التجمع المهني وبعض الوزراء - هو إعلانات في وسائل الإعلام بأنها ضد رفع الدعم؛ ثم تذهب للنوم قريرة العين لأن الوزير اقنعها بـأن الغرب جعل مساعداته المحتملة مشروطة برفع الدعم. وبما ان النخبة السياسية والاقتصادية متشوقة لتطبيع العلاقات مع رأس المال العالمي، وقد آمنت بـأن إنهاء الدعم هو ثمن يستحسن دفعه لأن الفقراء هم الخاسرون وليس الصفوة السياسية والاقتصادية التي تمثلها قحت. لذا، في نهاية العملية، فإن أمل قحت هو أن يدفع الفقراء ثمن تطبيع العلاقات مع رأس المال العالمي ويدفع الفلسطيني المضطهد ثمن التطبيع مع نيتنياهو، لتستفيد النخبة من تدفق المساعدات الغربية والتمويل والاستثمار الأجنبي لأن هذه النخبة هي الشريك الطبيعي لراس المال الأجنبي ومن رحمها يأتي موظفيه ومستشاريه ومساعديه والمنتفعين منه مباشرة أو بصورة أخرى.
ولكن هذا السيناريو النفعي لن يتحقق حسب توقعات قحت الساذجة. فقد أخطأت قحت الحساب السياسي والسياساتي ألف مرة سابقا؛ وهي أيضا علي خطأ بتصور أن مفتاح الحل يأتي بالانبطاح السياسي والاقتصادي للغرب.
إذا كان هذا هو الحال، فلماذا تتظاهر النخبة القحتية بأنها تعارض رفع الدعم وتعويم سعر الصرف؟ ولماذا تكنتك يسار ثم تتجه يمينًا في أحضان وزيرها الذي يكنتك يمين ويلف يمين شديد؟ الإجابة هي إن الصفوة القحتية وحلفاءها لا يريدون أن يدفعوا الثمن السياسي لهذه السياسات لأن الغالبية العظمى من الشعب يقف ضدها، ومصير هذه المعارضة لها أن تتصاعد يوما بعد يوم إلى أن يحدث انفجارا عظيما أخرا أو انقلاب أو الاثنين معا.
بقلم: معتصم أقرع
عين عباقرة قحت وزير المالية كما عينوا أكثر من نصف أعضاء مجلس السيادة. إنه لأمر معيب أن هذه القحت لم تتحقق بدقة من الخلفية الفكرية والإيديولوجية لمن عينتهم ووضعت مستقبل السودان في يديهم. فمثلا لدى السيد وزير المالية سجل واضح للغاية بشأن موقفه من قضايا الاقتصاد الخلافية. لذا لا ينبغي أن يندهش أي شخص من السياسات التي يطبقها هذا الوزير الآن.
سؤالان يفرضان نفسيهما :
أولا، هل كانت قحت غبية أم جاهلة عندما عيّنت وزير المالية هذا؟
ثانيا، لماذا تكرر قحت رفضها لرفع الدعم وتعويم سعر الصرف ولكنها لا تتخذ أبدًا أي إجراء جاد لتحدي وإيقاف وزير المالية؟
الجواب على السؤال الأول هو أن قحت كان عليها أن تكون على دراية بحقيقة أن وزير المالية هو مؤمن حقيقي ببركات اقتصاديات البنك الدولي وصندوق النقد وهو لم يخفي هذا اليقين الأصولي أبدا ولم يكذب ولم يتظاهر بغيره. لكن قحت عينته بغض النظر عن يقينه الثابت ببركات مؤسسات بريتون وودز لأنها تصورت بـأنه قادر على إصلاح علاقة السودان مع هذه المؤسسات ومع دوائر المال في الغرب. وبهذا المعنى، كانت قحت جاهلة وغبية، لا بخلفية السيد الوزير، ولكن باعتقادها وافتراضها أن المساعدات المالية الغربية وتدفقات الاستثمار تعتمد على ما إذا كان الغرب علي وداد ومحبة مع وزير المالية أم لا. وفي حماقة كاملة الدسم، ظن فلاسفة قحت أن جيوبوليتيك السياسة العالمية يدار وفقًا للروابط والمشاعر الشخصية بين الأفراد، تماما كما تدير قحت المشهد السياسي الداخلي بفقه الشلة. وكان هذا ديدنها في تعيينات هامة اخري في جهاز الدولة.
فيما يتعلق بالسؤال الثاني، فان قحت لا تعارض رفع الدعم بصدق؛ والدليل على ذلك أنها لم تتخذ أي إجراء ملموس لإيقاف الوزير الذي يواصل في تطبيق وصفته بثقة وطمأنينة يحسد عليهما؛ كما انها لم تنبس ببنت شفة ضد طاقم البنك الدولي الذي أتي به الوزير لمساعدته في اجراء جراحته بلا تخدير . كل ما تفعله قحت - بما في ذلك التجمع المهني وبعض الوزراء - هو إعلانات في وسائل الإعلام بأنها ضد رفع الدعم؛ ثم تذهب للنوم قريرة العين لأن الوزير اقنعها بـأن الغرب جعل مساعداته المحتملة مشروطة برفع الدعم. وبما ان النخبة السياسية والاقتصادية متشوقة لتطبيع العلاقات مع رأس المال العالمي، وقد آمنت بـأن إنهاء الدعم هو ثمن يستحسن دفعه لأن الفقراء هم الخاسرون وليس الصفوة السياسية والاقتصادية التي تمثلها قحت. لذا، في نهاية العملية، فإن أمل قحت هو أن يدفع الفقراء ثمن تطبيع العلاقات مع رأس المال العالمي ويدفع الفلسطيني المضطهد ثمن التطبيع مع نيتنياهو، لتستفيد النخبة من تدفق المساعدات الغربية والتمويل والاستثمار الأجنبي لأن هذه النخبة هي الشريك الطبيعي لراس المال الأجنبي ومن رحمها يأتي موظفيه ومستشاريه ومساعديه والمنتفعين منه مباشرة أو بصورة أخرى.
ولكن هذا السيناريو النفعي لن يتحقق حسب توقعات قحت الساذجة. فقد أخطأت قحت الحساب السياسي والسياساتي ألف مرة سابقا؛ وهي أيضا علي خطأ بتصور أن مفتاح الحل يأتي بالانبطاح السياسي والاقتصادي للغرب.
إذا كان هذا هو الحال، فلماذا تتظاهر النخبة القحتية بأنها تعارض رفع الدعم وتعويم سعر الصرف؟ ولماذا تكنتك يسار ثم تتجه يمينًا في أحضان وزيرها الذي يكنتك يمين ويلف يمين شديد؟ الإجابة هي إن الصفوة القحتية وحلفاءها لا يريدون أن يدفعوا الثمن السياسي لهذه السياسات لأن الغالبية العظمى من الشعب يقف ضدها، ومصير هذه المعارضة لها أن تتصاعد يوما بعد يوم إلى أن يحدث انفجارا عظيما أخرا أو انقلاب أو الاثنين معا.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
خطاب الحكومة الاقتصادي: اضافة الإهانة إلى الأذى
معتصم أقرع
كجزء من محاولات تسويق قرار تطبيق اقتصاديات صندوق النقد الدولي في السودان وفقًا لما يسمى بـبر امج يراقبها الصندوق، يصر السيد وزير المالية على ترديد أن الصين قد طبقت مثل هذه الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي. هذا حقا محير ولا يصدق!
يعلم أي شخص يعرف أي شيء عن التنمية أن الصين حققت نجاحها المذهل عن طريق تبني سياسات هي النقيض الكامل لما يوصي به صندوق النقد الدولي للدول الفقيرة.
إن جوهر اقتصاديات صندوق النقد الدولي هو تقزيم دور الدولة الاقتصادي والاعتماد بشكل كامل على قوى السوق وتطبيق سياسات صديقة للغاية لرأس المال الأجنبي وتحرير الاسواق وحركة راس المال والتجارة.
ولكن نهضت الصين من خلال المضي في الاتجاه المعاكس تماما لما يوصي به الصندوق. فقد تطورت من خلال تأسيس دولة تنموية تتدخل بشدة في الحياة الاقتصادية وتقود عملية التنمية من خلال تبني سياسات صناعية جيدة التصميم وممتازة التطبيق. النجاح الصيني، بالذهاب عكس الصندوق، أظهر العيوب التكوينية العميقة لفكر صندوق النقد الدولي مثل ما بينها الفشل الافريقي الذي أتى على أسنة برامج الصندوق التي تم فرضها على دول القارة التي لا حول لها ولا قوة.
إذا كانت هذه الحكومة قد قررت أن الخلاص في التبعية العمياء لصندوق النقد، مرة أخرى، فعلى الأقل عليها احترام الحقيقة واحترام ذكاء المواطن والامتناع عن نشر الجهل والترويج للأباطيل.
يمكن قول الشيء نفسه عن خطاب الحكومة بشأن الدعم. تصر الحكومة مرارًا وتكرارًا على أن الدعم يفيد الأغنياء فقط ولا يفيد الفقراء. بتبني هذا التبرير المتهالك، المبتذل لرفع الدعم، تدعي الحكومة عمليا إن الفقراء لا يأكلون الخبز، ولا يستخدمون وسائل النقل ولا يستهلكون أبدًا أي سلع يتم نقلها. هكذا تفقد الحكومة الفقراء انسانيتهم، وهم ثلثي الشعب، لأن الذي لا يأكل الخبز ولا يستعمل المواصلات ولا يستهلك سلع خاضعة للشحن والترحيل هو أما شيطان أو ملاك ولا يمكن ان يكون ادمي. والجدير بالذكر أن صندوق النقد في تقاريره يردد بأن رفع الدعم سوف تكون له آثار سلبية معتبرة على الطبقات الفقيرة. وهكذا بمثل هذه الدعاية تضع حكومتنا نفسها يمين الصندوق ودونه في ميزان المصداقية.
هكذا يخلط خطاب الحكومة الدعاية بالعبث الجنوني واغتيال العقل والمنطق.
مرة أخرى، إذا قررت الحكومة رفع الدعم، فعلى الأقل عليها احترام الحقائق والكف عن إضافة الإهانة إلى الأذى.
معتصم أقرع
كجزء من محاولات تسويق قرار تطبيق اقتصاديات صندوق النقد الدولي في السودان وفقًا لما يسمى بـبر امج يراقبها الصندوق، يصر السيد وزير المالية على ترديد أن الصين قد طبقت مثل هذه الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي. هذا حقا محير ولا يصدق!
يعلم أي شخص يعرف أي شيء عن التنمية أن الصين حققت نجاحها المذهل عن طريق تبني سياسات هي النقيض الكامل لما يوصي به صندوق النقد الدولي للدول الفقيرة.
إن جوهر اقتصاديات صندوق النقد الدولي هو تقزيم دور الدولة الاقتصادي والاعتماد بشكل كامل على قوى السوق وتطبيق سياسات صديقة للغاية لرأس المال الأجنبي وتحرير الاسواق وحركة راس المال والتجارة.
ولكن نهضت الصين من خلال المضي في الاتجاه المعاكس تماما لما يوصي به الصندوق. فقد تطورت من خلال تأسيس دولة تنموية تتدخل بشدة في الحياة الاقتصادية وتقود عملية التنمية من خلال تبني سياسات صناعية جيدة التصميم وممتازة التطبيق. النجاح الصيني، بالذهاب عكس الصندوق، أظهر العيوب التكوينية العميقة لفكر صندوق النقد الدولي مثل ما بينها الفشل الافريقي الذي أتى على أسنة برامج الصندوق التي تم فرضها على دول القارة التي لا حول لها ولا قوة.
إذا كانت هذه الحكومة قد قررت أن الخلاص في التبعية العمياء لصندوق النقد، مرة أخرى، فعلى الأقل عليها احترام الحقيقة واحترام ذكاء المواطن والامتناع عن نشر الجهل والترويج للأباطيل.
يمكن قول الشيء نفسه عن خطاب الحكومة بشأن الدعم. تصر الحكومة مرارًا وتكرارًا على أن الدعم يفيد الأغنياء فقط ولا يفيد الفقراء. بتبني هذا التبرير المتهالك، المبتذل لرفع الدعم، تدعي الحكومة عمليا إن الفقراء لا يأكلون الخبز، ولا يستخدمون وسائل النقل ولا يستهلكون أبدًا أي سلع يتم نقلها. هكذا تفقد الحكومة الفقراء انسانيتهم، وهم ثلثي الشعب، لأن الذي لا يأكل الخبز ولا يستعمل المواصلات ولا يستهلك سلع خاضعة للشحن والترحيل هو أما شيطان أو ملاك ولا يمكن ان يكون ادمي. والجدير بالذكر أن صندوق النقد في تقاريره يردد بأن رفع الدعم سوف تكون له آثار سلبية معتبرة على الطبقات الفقيرة. وهكذا بمثل هذه الدعاية تضع حكومتنا نفسها يمين الصندوق ودونه في ميزان المصداقية.
هكذا يخلط خطاب الحكومة الدعاية بالعبث الجنوني واغتيال العقل والمنطق.
مرة أخرى، إذا قررت الحكومة رفع الدعم، فعلى الأقل عليها احترام الحقائق والكف عن إضافة الإهانة إلى الأذى.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
في الخدمة المدنية: هل فكرت الحكومة جيدًا قبل اتخاذ هذا القرار؟
معتصم أقرع
قررت الحكومة إعادة تعيين عدد صغير من موظفي وزارة الشؤون الخارجية الذين تم فصلهم من العمل من قبل النظام السابق قبل حوالي ثلاثين عامًا. عندما تم فصل هؤلاء الموظفين ، كانوا صغارًا تمامًا ، فقط في بداية السلم المهني. الآن قررت الحكومة إعادة تعيينهم وترقيتهم للحاق بأقرانهم الذين لم يتم فصلهم. هذا يعني أنهم سيوضعون في اعلي الدرجات الوظيفية بـالوزارة.
لكن إذا أرادت الحكومة أن تكون منصفة وتحافظ على حيادية الخدمة المدنية ، فلا ينبغي أن تقتصر إعادة التعيين على حفنة من الأشخاص. يجب تعميم إعادة التعيين لتشمل كل من تم طرده من وظيفته من قبل النظام السابق وترقيته إلى نفس المستوى الذي بلغته مجموعته المهنية العمرية . وينبغي أن تشمل إعادة التعيين هذه, اضافة لأهل الخدمة المدنية, والقضاء وجميع ضباط الجيش والشرطة والأمن الذين تم فصلهم.
هل لدى هذه الحكومة ما يكفي من الميزانية والوظائف الشاغرة لإعادة تعيين عشرات الآلاف من المفصولات والمفصولين, المدنيين والعسكريين وترقيتهم إلى أعلى الوظائف كناظرات مدارس وأساتذة جامعات وجنرالات جيش وبوليس وامن وعاملات وموظفين عاديين؟
وهل تستطيع الحكومة تحمل الربكة البيروقراطية والكلفة المالية الثقيلة لهذا القرار بما ان تعيين عدد صغير لا يشمل الكل لا يجوز لأنه تأتي معه شبهة تسييس الخدمة المدنية والعسكرية مرة اخري بمنطق الخيار والفقوس؟ فاصلاح الخدمة الحكومية لا يتم الا بتحديد معايير موضوعية وتطبيقها علي الجميع بلا استثناء بغض النظر عن عقلانية هذه المعايير أو عدمه.
وماذا عن الضرر الذي لحق ملايين الأفراد من الشعب السوداني, هل من الممكن تعويضهم ؟ هل من الممكن تعويض اسر الشهداء والشهيدات؟ والمغتصبات والمغتصبين؟ واللائي عذبن والذين عذبوا؟ وهل من الممكن تعويض من حرقت قراهم ونهبت أموالهم وأبقارهم ؟
اذا كان بعض المفصولين يملك مهارات هامة تحتاجها الدولة وكانت هناك وظائف شاغرة فيمكن إعادة تعيينهم ليس كتعويض عن فصلهم السابق وانما لحوجة الدولة لمهاراتهم الحالية , بعد ان يتم فتح الوظائف لمنافسة عادلة متاحة للجميع. مع إعطاء المفصولين افضلية في حالة تساوي المؤهلات مع منافسيهم.
معتصم أقرع
قررت الحكومة إعادة تعيين عدد صغير من موظفي وزارة الشؤون الخارجية الذين تم فصلهم من العمل من قبل النظام السابق قبل حوالي ثلاثين عامًا. عندما تم فصل هؤلاء الموظفين ، كانوا صغارًا تمامًا ، فقط في بداية السلم المهني. الآن قررت الحكومة إعادة تعيينهم وترقيتهم للحاق بأقرانهم الذين لم يتم فصلهم. هذا يعني أنهم سيوضعون في اعلي الدرجات الوظيفية بـالوزارة.
لكن إذا أرادت الحكومة أن تكون منصفة وتحافظ على حيادية الخدمة المدنية ، فلا ينبغي أن تقتصر إعادة التعيين على حفنة من الأشخاص. يجب تعميم إعادة التعيين لتشمل كل من تم طرده من وظيفته من قبل النظام السابق وترقيته إلى نفس المستوى الذي بلغته مجموعته المهنية العمرية . وينبغي أن تشمل إعادة التعيين هذه, اضافة لأهل الخدمة المدنية, والقضاء وجميع ضباط الجيش والشرطة والأمن الذين تم فصلهم.
هل لدى هذه الحكومة ما يكفي من الميزانية والوظائف الشاغرة لإعادة تعيين عشرات الآلاف من المفصولات والمفصولين, المدنيين والعسكريين وترقيتهم إلى أعلى الوظائف كناظرات مدارس وأساتذة جامعات وجنرالات جيش وبوليس وامن وعاملات وموظفين عاديين؟
وهل تستطيع الحكومة تحمل الربكة البيروقراطية والكلفة المالية الثقيلة لهذا القرار بما ان تعيين عدد صغير لا يشمل الكل لا يجوز لأنه تأتي معه شبهة تسييس الخدمة المدنية والعسكرية مرة اخري بمنطق الخيار والفقوس؟ فاصلاح الخدمة الحكومية لا يتم الا بتحديد معايير موضوعية وتطبيقها علي الجميع بلا استثناء بغض النظر عن عقلانية هذه المعايير أو عدمه.
وماذا عن الضرر الذي لحق ملايين الأفراد من الشعب السوداني, هل من الممكن تعويضهم ؟ هل من الممكن تعويض اسر الشهداء والشهيدات؟ والمغتصبات والمغتصبين؟ واللائي عذبن والذين عذبوا؟ وهل من الممكن تعويض من حرقت قراهم ونهبت أموالهم وأبقارهم ؟
اذا كان بعض المفصولين يملك مهارات هامة تحتاجها الدولة وكانت هناك وظائف شاغرة فيمكن إعادة تعيينهم ليس كتعويض عن فصلهم السابق وانما لحوجة الدولة لمهاراتهم الحالية , بعد ان يتم فتح الوظائف لمنافسة عادلة متاحة للجميع. مع إعطاء المفصولين افضلية في حالة تساوي المؤهلات مع منافسيهم.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
آلية الخسارة العليا
معتصم أقرع
تكوين آلية عليا لإدارة الأزمة الاقتصادية، برئاسة الفريق دقلو والطبيبة مريم، قرار لا علاقة له بالبحث عن حلول فنية على مستوى الاقتصاد البحت ولا الاقتصاد السياسى للخروج من المأزق.
لا جديد في الآلية بتاتا، وإنما هي تأتي من باب داوني بالتي كانت هي الداء، لأنها توغُّلٌ في الطريق الذي اختارته الحكومة من يومها الأول، وهو البحث عن مساعدات خارجية، بدلا عن حشد الموارد الوطنية.
فالهدف الوحيد والسقف الأعلى لآلية دقلو والمنصورة هو فتح بلوف المساعدات الخليجية ولا أكثر من ذلك. وفي حالة نجاح الآلية في الحصول على المساعدات التي عجز عن جلبها الشق المدني ذو المقدرات التفاوضية الصفرية، فسوف يكتمل الغسيل السياسي لسمعة الفريق دقلو وتكون حكومة الثورة قد سلمت رقبة البلد سياسيا وعسكريا لقوات الدعم السريع وحلفائها في الخارج.
وهذا يعني أنه، من وجهة نظر مصلحة البلد الاستراتيجية على المدي المتوسط، فإن نجاح آلية دقلو في ملء القرعة الممدودة لا يقل خطراً من فشلها. هكذا تضع الحكومة الشعب أمام خيارات كلها خاسرة.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
تبرعات ملء القربة المقدودة
معتصم أقرع
فهم المشكلة أمر ضروري للتغلب عليها. التشخيص الخاطئ، سواء كان صريحًا أو ضمنيًا، يكفل استمرار المشكلة.
لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية بالتبرعات من الشعب السوداني ولا بالمساعدات الخارجية سواء كانت قاسية المشروطية أم غيره.
رغم انخفاض سقف توقعاتي لاستجابة الشعب، رغم كرمه ووطنيته، دعنا نفترض أن الشعب السوداني جمع تبرعات بقيمة ثلاثة مليارات دولار ووهبها للحكومة كهدية لا تسترد. ستستخدم الحكومة هذه الأموال لاستيراد السلع الأساسية ودفع جزء من ديونها المستحقة وهذا قد يعطي الحكومة راحة لبضعة أشهر. ولكن سرعان ما ستنفد الأموال وستعود المشكلة من جديد. فماذا ستفعل الحكومة حينئذ؟ هل ستتوسل للحصول على تبرعات وعون مرة أخرى؟ من غير المرجح أن يستجيب الشعب الغلبان أصلا بشكل إيجابي في كل مرة لقرعة الحكومة الممدودة دائما.
إن المشكلة الأساسية التي تواجه البلاد هي أن اقتصادها منهوب علي عينك يا تاجر ، يدار بصورة سيئة للغاية كما ان العقبات التي تكبح الانتاج كثيرة للغاية. بدون معالجة هذه المعضلات الأساسية، فإن نداء التبرعات حتى لو نجح لن يعدو ان يكون صب أموال في ثقب ستفين هوكنج الاسود.
تقول الحكمة القديمة حين تعطي أحدا سمكة تطعمه ليوم واحد ولكن لو مكنته من فن صيد السمك تكون قد وفرت طعامه مدى الحياة. ويبدو ان حكومتنا لا رغبة لها وربما لا قدرة لها على مواجهة المشاكل التي تمنع الصيادين من الوصول الِي بحر الاكتفاء الذاتي رغم انه بعد تناول سمكة التبرعات سيظل الشعب السوداني عاجزا عن الصيد.
كان ذلك الرجل من مجلس الأطلسي على حق عندما طلب من الحكومة إيقاف تسرب المال من خزانها التسرب قبل أن تطلب من الاخرين إعادة ملء الخزان المثقوب.
معتصم أقرع
فهم المشكلة أمر ضروري للتغلب عليها. التشخيص الخاطئ، سواء كان صريحًا أو ضمنيًا، يكفل استمرار المشكلة.
لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية بالتبرعات من الشعب السوداني ولا بالمساعدات الخارجية سواء كانت قاسية المشروطية أم غيره.
رغم انخفاض سقف توقعاتي لاستجابة الشعب، رغم كرمه ووطنيته، دعنا نفترض أن الشعب السوداني جمع تبرعات بقيمة ثلاثة مليارات دولار ووهبها للحكومة كهدية لا تسترد. ستستخدم الحكومة هذه الأموال لاستيراد السلع الأساسية ودفع جزء من ديونها المستحقة وهذا قد يعطي الحكومة راحة لبضعة أشهر. ولكن سرعان ما ستنفد الأموال وستعود المشكلة من جديد. فماذا ستفعل الحكومة حينئذ؟ هل ستتوسل للحصول على تبرعات وعون مرة أخرى؟ من غير المرجح أن يستجيب الشعب الغلبان أصلا بشكل إيجابي في كل مرة لقرعة الحكومة الممدودة دائما.
إن المشكلة الأساسية التي تواجه البلاد هي أن اقتصادها منهوب علي عينك يا تاجر ، يدار بصورة سيئة للغاية كما ان العقبات التي تكبح الانتاج كثيرة للغاية. بدون معالجة هذه المعضلات الأساسية، فإن نداء التبرعات حتى لو نجح لن يعدو ان يكون صب أموال في ثقب ستفين هوكنج الاسود.
تقول الحكمة القديمة حين تعطي أحدا سمكة تطعمه ليوم واحد ولكن لو مكنته من فن صيد السمك تكون قد وفرت طعامه مدى الحياة. ويبدو ان حكومتنا لا رغبة لها وربما لا قدرة لها على مواجهة المشاكل التي تمنع الصيادين من الوصول الِي بحر الاكتفاء الذاتي رغم انه بعد تناول سمكة التبرعات سيظل الشعب السوداني عاجزا عن الصيد.
كان ذلك الرجل من مجلس الأطلسي على حق عندما طلب من الحكومة إيقاف تسرب المال من خزانها التسرب قبل أن تطلب من الاخرين إعادة ملء الخزان المثقوب.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
صفوة تتهيب صعود الجبال ستعيش ابد الدهر بين الحفر
معتصم أقرع
عندما دعونا هذه الحكومة في وقت مبكر برفع الاعتماد علي الذات الوطنية الِي أولوية قصوى واختيار الطريق الصحيح لتحقيق ذلك الاكتفاء الذاتي ، مهما كانت المشاق ، لم نكن نطلب منها أن تتخذ فقط خيارًا أخلاقيًا أو سياسيًا ولا حتى ان تنتصر لعزة النفس الوطنية.
فقد اتي شعار الاكتفاء الذاتي كدعوة إلى الواقعية والاعتراف بحقائق الحياة. لن يوفر الخارج طعام الشعب صدقة جارية باستمرار ، أو إذا أطعمك ، فسوف يفعل ذلك بشروط قاسية ومهينة للغاية تكلف الشعب من الرفاه والكرامة أضعاف ما يأتيه من هبات. فالخارج ظل دائما - كما قال كنفاني - يسرق ثروتك ويعطيك كسرة ثم يأمرك بان تشكره , يا لوقاحته.
صحيح أن الصفوة الاقتصادية والسياسية هي المستفيد الحقيقي من التمويل الخارجي الذي يدفع ثمنه الشعب أضعافا سياسية واقتصادية وهذا هو سر لهاث تلك الصفوة وراءه مهما كان الثمن ارتزاقا أو تطبيعا أو رفع دعم أو دفع دية ولكن الصحيح أيضا ان طريق الخراب الذي اختارته الصفوة سوف يدمر المعبد فوق رؤوس الجميع وسيجف مال الخارج, ان اتي, مع أول بوادر الانهيار السياسي الناتج عن تحميل الفقراء ما لا طاقة لهم به من وصفات صندوقية.
الاعتماد علي الذات ليس خيارًا من ضمن متاحات اخري ، بل دعوة لطبقتنا الحاكمة بان تكون واقعية وناضجة ومبرأة من وهم الجيوبولتيك ونقص الكرامة المكتسب. وهو دعوة لها بان تضرب في الطريق الصحيح حتى لو تراءى صعبًا في بداية الرحلة لان من يتهيب صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر.
معتصم أقرع
عندما دعونا هذه الحكومة في وقت مبكر برفع الاعتماد علي الذات الوطنية الِي أولوية قصوى واختيار الطريق الصحيح لتحقيق ذلك الاكتفاء الذاتي ، مهما كانت المشاق ، لم نكن نطلب منها أن تتخذ فقط خيارًا أخلاقيًا أو سياسيًا ولا حتى ان تنتصر لعزة النفس الوطنية.
فقد اتي شعار الاكتفاء الذاتي كدعوة إلى الواقعية والاعتراف بحقائق الحياة. لن يوفر الخارج طعام الشعب صدقة جارية باستمرار ، أو إذا أطعمك ، فسوف يفعل ذلك بشروط قاسية ومهينة للغاية تكلف الشعب من الرفاه والكرامة أضعاف ما يأتيه من هبات. فالخارج ظل دائما - كما قال كنفاني - يسرق ثروتك ويعطيك كسرة ثم يأمرك بان تشكره , يا لوقاحته.
صحيح أن الصفوة الاقتصادية والسياسية هي المستفيد الحقيقي من التمويل الخارجي الذي يدفع ثمنه الشعب أضعافا سياسية واقتصادية وهذا هو سر لهاث تلك الصفوة وراءه مهما كان الثمن ارتزاقا أو تطبيعا أو رفع دعم أو دفع دية ولكن الصحيح أيضا ان طريق الخراب الذي اختارته الصفوة سوف يدمر المعبد فوق رؤوس الجميع وسيجف مال الخارج, ان اتي, مع أول بوادر الانهيار السياسي الناتج عن تحميل الفقراء ما لا طاقة لهم به من وصفات صندوقية.
الاعتماد علي الذات ليس خيارًا من ضمن متاحات اخري ، بل دعوة لطبقتنا الحاكمة بان تكون واقعية وناضجة ومبرأة من وهم الجيوبولتيك ونقص الكرامة المكتسب. وهو دعوة لها بان تضرب في الطريق الصحيح حتى لو تراءى صعبًا في بداية الرحلة لان من يتهيب صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر.