من حديث العين
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
من حديث العين
مِن حديثِ العَيْن
"على الكاتب أن يكون نذيرا وليس بشيرا"
(من معرض إجابة على أحد أسئلة حوارٍ أجراه معي أسامة عباس؛ نشَرَه في ملف ثقافي كان يشرف على تحريره في مطلع هذه الألفية)
لعل ذاكرة العددين منَّا ما تزال تحمِل، وذاكرة القليلين منهم ما تزال تتحمَّل، الانتقادات المتثائبة، التي غُصَّت بها الساحة السياسية-الإعلامية بُعَيد قطع الطريق أمام انتفاضة مارس-أبريل 1985، وهي انتقادات كانت، في معظمها، معارضِةً، بل شاجبةً، لموقف الحركة الشعبية لتحرير السودان من "مجلس سوار الدهب/الجزولي دفع الله الانتقالي"، الذي وصمه الشهيد جون قرنق – محقِّاً، كما كنت وما أزال أرى – بأنه "مايو 2". ولو كان قرنق ما يزال حياً، لمَوَضَع مجلس اللجنة الأمنية هذا في مرتبٍة مماثلة، قبل أن يفيق لسان الكثيرين منَّا - متأخراً كالعادة، ليصِمَ مجلس اللجنة الأمنية هذا بأنه "الإنقاذ 2" و "المجلس العسكري الانقلابي"؛ والتوصيفان سديدان طبعاً، رغم العَماء والتعامي.
بالرجوع – على سبيل المثال فحسب – إلى عبارة مفتاحية للتغريدة البصيرة لجان-بابتيست غالوبان – والشكر لعلي بابكر حمزة الذي جاد علينا بها – فإن "فكرة التفاوض بين [مجلس اللجنة الأمنية] و [قاف حتاء] تبدو مثيرة للاستغراب حقاً: فالأطراف المعنية تتفاوض عندما يدرك كل طرف أن عند الطرف الآخر شيئاً يريده، ويستوعب كل طرف أنه سيجني مكسباً عبر التوصُّل إلى اتفاق بهذا الخصوص. [.......] فإذا كان الهدف يتمثَّل في رضوخ المجلس لمطلب الحكومة المدنية، فإنَّ التفاوض ليس هو الطريق إلى ذلك".
واضعاً ذلك القول – والذي سبق أن نَدَّ عني شبيهٌ به – في ذهني، فإنني أقول:
على الأرجح أن يشهد مركز التفاوض، الآن، تحولاً نوعياً – غالباً ليس على مستوى الخطاب الاستهلاكي الرائج، وإنما على مستوى واقع التفاوض المتوقَّع – من "مطلب الحكومة المدنية" إلى "مطلب (رجاء؟) البيئة الأمنية". فالمجلس "العسكري" يدرك اليوم – أكثر من أي وقت مضى، وعلى الرغم من خوفه وارتباكه البائنين، المُدْرَكَين لدى قاف حتاء – أن قمة ما يُرادُ منه الآن، من قِبَل الأخيرة، هو مطلب (مِنْْحة؟) الأمن، بالإستناد إلى "مرجعية انتقالية"، يساهم هو في صكِّها. وبالنسبة إليه، وما يمثِّله طبعاً، فإن هذه المرجعية الأمنية، إنما هي إستراتيجية وجودية – ذات مكوِّنات وأبعاد، داخلية وخارجية – تتجاوز صفة الانتقال البسيط من النظام السابق/الراهن إلى النقلة المركَّبة للمنظومة. وستكون أحد الشروط، البديهية، للمجلس، تتمثَّل في ضمان ألا يتجاوز التحقيق في المذبحة الأخيرة (والمذابح السابقة؟) كباش فداءٍ. بعدها حمده في بطنه.
من جهة قاف حتاء، وعلى الرغم من الشجاعة البائنة، الأصيلة والمُدَّعاة، ذات المواقع الداخلية المتباينة والمستويات الداخلية المتفاوتة، ثمة خوف تضاعف لديها، يدركه المجلس (والوسطاء و/أو المستثمِرين). في مثل هذه الحالة، ورغم تفهُّمي وتقديري لصميمية بواعث بعضنا، إلا أن هرولة أمنيات الكثيرين منَّا صوب التفاوض لا تبدو لي أن نتائجها ستكون ناجعة، لا سيما حين يغدو مركز الأمنيات كامناً في الفوز بـ"الانتقال البسيط"، بالأحرى المبُسَّط، الذي يُراهَنُ، على نحوٍ (شبه؟) قَدَريٍّ، على أن فترته قمينة بقلْب موازين القوى – التي هي (كانت؟) مختلَّةً حقاً. بيد أن من المهم وضع نصب عَيْنٍ – واحدة فقط تكفي – لنا، أن فترة الانتقال ستأتي موسومةً، كما هي العادة، أي بسببٍ من الأمراض المتوارَثة للبنية السياسية-التنظيمية السائدة، بالمنافسات التنظيمية المعهودة، بحيث سيتم تشقيق وحدة المعتصمين وبعثرة أحلامهم. لن تكون التنظيمات موحدة – ولنا في اليوم، ناهيك عن الأمس، عِبَرة. لن يسعى تنظيم لحشد الجماهير حول هدفٍ أسمىً مماثلٍ لحُلمها الآن. لن يتذكَّر تنظيمٌ – اللهم سوى للدعاية ذات المقاس التنظيمي الخاص – ذلك-هذا الثمن - الأحمر، الأبهظ على اطلاقنا – الذي بذله ثوار اليوم، لا سيما من الشباب والشابات في أنحاء متفرقة من البلد.
أما إذا كانت قاف حتاء تريد بداية إستراتيجية، خالية من الحذلقات الإنشائية و/أو المكابرات الذاتية، فإن تلك هي: الحكومة المدنية الانتقالية – بالمعنى غير البسيط للكلمات الثلاثة. وهذه لن تُنْجَز، كما ذهب جان-بابتيست غالوبان، عن طريق التفاوض؛ إنما عن طريق الانتزاع. لا يتمثَّل مطلب الشارع الثائر في حكومة مدنية، بالمعنى التقني/الإجرائي للعبارة؛ وإنما في تأسيس شروطٍ بنائية مدنية، برؤية مختلفة عن، تكاد تكون نقيضة لـ، نماذج "الأنظمة المدنية" السابقة، ذات النزعة الكاكية؛ وهي الشروط التي ينهض عليها نظام حُكمٍ، مدنيٍّ من غير سوء، يغدو عَبْره – عَبْره فقط – تحقيق أحلامه البسيطة، وغير البسيطة أيضاً، ممكناً.
*
كلمة ليست أخيرة، بمثابة مقدمة أيضاً:
إذا كنا سنواصل التفاوض، انطلاقاً من النقطة التي توقف فيها، لماذا كان على شبابنا الثائر دفع ذلك-هذا الثمن، الأحمر، الأبهظ على اطلاقنا؟ وهل مجلس اللجنة الأمنية هو – وحده – من تجب محاكمته في هذا الشأن؟
*
سأتذكر أنني لوَّحت بهذه العين، في حينٍ ليس ببعيد.
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الاثنين نوفمبر 11, 2019 11:35 pm، تم التعديل مرة واحدة.
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب عصام حليم في صفحته في الفيسبك:
فى المؤتمر الصحفى للاصم امبارح اهتميت بحاجتين : الموقف من الدعم السريع ، ومسألة التنازلات اللى قدمتها ق ح ت .
فى الموقف من الدعم السريع واضح انو ق ح ت ( زى ما عبر اﻻصم ) موافقة على ادعاء الدعم السريع انها تابعة للقوات المسلحة .اﻻصم قال دا تعريف الدعم السريع لنفسها ، شنو البخليهو ملزم ل ق ح ت او اﻻصم ؟ الله اعلم ؛ لانو تعريف مخالف للحقيقة الواضحة والبسيطة ، وهى انها قوات مليشيا غير قانونية انشأها النظام لخدمة اغراض نظام الكيزان و رئيسه المخلوع ، متحللة من الضوابط المعروفة والقوانين المحلية والدولية التى تحكم اداء الجيوش ، ومتحررة من اﻻخلاق . وخلفت تاريخ من الجريمة البشعة والمأساة الفظيعة فى نواحى البلد التى كانت مسرح لعملياتها المجرمة لعدد يقرب من العشر سنوات . وبناء على التعريف وقبوله ، قال اﻻصم انهم ما مع حل الدعم السريع "كما يروج حاليا" !! . واتكلم عن ما سماه "احتقان سببه الدعم السريع وقوات الجنجويد اﻻخرى وقوات اخرى مختلفة قد تكون مارست اخطاء جسيمة او جرائم "؛ وكانه غير متأكد ، كان المعلومة غائبة ! احتقان ، احتقان !! اخطاء جسيمة !! او جرائم !! يا رب السماوات .
فيما يخص التنازلات ( وردت هكذا فى سؤال الصحفى ، وسماها اﻻصم مساومة سياسية ) ، ادعى اﻻصم انو اعلان الحرية والتغيير كان يبنادى بمدنية فى المجلس السيادى مع تمثيل محدود للعساكر ( ودا طبعا ما صحيح ، بل دا كان التنازل اﻻول) لكن فى مساومة سياسية وصلنا فى ق ح ت الى اقتراح خمسين % +1 للمدنيين واقترحناه للعساكر .زائدا اتخاذ القرارات باغلبية ثلثين اﻻعضاء ( واللى هى دى معلومة جديدة فى سيرة التنازل المخزى ) . برضو ببساطة اغلبية ثلثين اﻻعضاء لن تسمح للمجلس السيادى اتخاذ اى قرار على اﻻطلاق ، اﻻ اذا كانت نسبة عضوية ق ح ت فى المجلس ، تفوق او تساوى الثلثين ، ودا بيوضح انو ق ح ت لا عندها رغبة ولا قدرة تصارع من اجلها ، واﻻصم يسمى هذا مساومة سياسية
طبعا ملاحظين انو الموقف من الدعم السريع فيهو اكبر تنازل بل انصياع عديل لرغائب حميدتى ، وصل – من اجل اخفاءه - الى نوع من التزييف السياسى والفكرى لوقائع صلدة قايمة فى الواقع السياسى ؛ ففى تبرير قبول الدعم السريع ، اصبحت الدعم السريع شيئا مختلفا عن الجنجويد ، كما فى عبارة اﻻصم عن اﻻحتقان.ليس ذلك فحسب وانما الدعم السريع هى مجرد قوات زيها وزى قوات حركة تحرير السودان ( عبدالواحد ) والحركة الشعبية لتحرير السودان ( الحلو)! كلهم يتم التعامل معاهم ضمن عملية العدالة اﻻجتماعية والقانونية ، و ضمن عملية اعادة تكوين الجيش الوطنى !!
فى تقديرى المسألة كاﻻتى :
مجلس اللجنة اﻻمنيةعصابة القتلة عندو معرفة كاملة عن حالة تجانس ق ح ت كتحالف سياسى، ويعرف او يستيطن انهم ممكن اﻻعتماد على ضعفهم ( الناتج من غياب تماسكم الذاتى ) كشريك فى التفاوض فى الحصول علي اكبر قدر من التنازلات المميتة ، بينما هم مبسوطين و يسموها مساومات سياسية ضرورية
الصفات الضرورية مطلقا زى وحدة الثورة وحيويتها واستعدادها لخوض المعرك الصعبة دى متوفرة فى شارع الثورة ملموسة ومعكوسة فى الهتاف ، لكن للاسف ما قاعدة بتنعكس على موقف قوى فى التفاوض ، لا فى ارادته ،ﻻ فى الفهم وﻻ فى الممارسة ، لانو ق ح ت ما متنجاسة ، ودا مقبول كأنه القدر ، لا فى محاولة لضبطه او تجاوزه او وترقيته ، ولا فى وجهة ﻻزالة اﻻسباب والمسببين ليهو( او ممكن تكون فى ، ما معلنة ولا ناجحة) ، وديل بعضهم لايرى ضرورة لاستمرار الثورة ذاتا ، ولحدى هنا كفاية ، وحقوا امر التفاوض يترك للحكماء وعقلاء اﻻمة .
اى اتفاق عندو نتائج وناثيرات مباشرة على السياسة فى المرحلة اﻻنتقالية وبالتالى ما بعدها .
المجلس يبحث عن اقتسام سلطة بشكل ودرجة يكون عندو فيها النصيب المؤثر ، يعنى يسعى وراء صورة معدلة شكلية من " تقعد بس " .
القاعدين نشوفوا من التجمع هو عرضهم لصورة من ديناميكة الصراع مع المجلس ( فى الكلام البقولوا ناس تجمع المهنيين ) ، لكن حقيقة ما قاعدين نشوفو نحن ، هو عملية سياسية اعمق من المظهر الخارجى ليها ، هو عملية مسئولة من انتاج قضايا سياسية واساسية ذات تأثير ضخم ( لانها قايمة على توجهات المفاوضين ودرجات ومحتوى الصراع فيما يخص عملية الحياز على السلطة ) وهى عملية سياسية ح تقود الى انتاج سلطة بصفات محددة ( مجلس سيادى يشترك فيه القتلة بالتساوى ، وبرلمان يختار تلته بمشاركتهم) ،سلطة ح تأدى الى رمى اهداف الثورة ومطالب التغيير فى لجة من الغموض لزجة ومعتمة ، وح تؤدى فى النهاية الى تصفية استهدافات الثورة ، هدفا وراء التانى ، وفى المرحلة اﻻنتقالية ذاتا .
انه التناقض القاتل ، التناقض العجيب : قوى الثورة فى الشارع منسجمة ، تمثلها قيادة يعوزها اﻻنسجام وبشدة . ودا تناقض ما لصالح الثورة ، كلو كلو .
---------------
https://www.facebook.com/isam.halim.9/p ... 3509608304
فى المؤتمر الصحفى للاصم امبارح اهتميت بحاجتين : الموقف من الدعم السريع ، ومسألة التنازلات اللى قدمتها ق ح ت .
فى الموقف من الدعم السريع واضح انو ق ح ت ( زى ما عبر اﻻصم ) موافقة على ادعاء الدعم السريع انها تابعة للقوات المسلحة .اﻻصم قال دا تعريف الدعم السريع لنفسها ، شنو البخليهو ملزم ل ق ح ت او اﻻصم ؟ الله اعلم ؛ لانو تعريف مخالف للحقيقة الواضحة والبسيطة ، وهى انها قوات مليشيا غير قانونية انشأها النظام لخدمة اغراض نظام الكيزان و رئيسه المخلوع ، متحللة من الضوابط المعروفة والقوانين المحلية والدولية التى تحكم اداء الجيوش ، ومتحررة من اﻻخلاق . وخلفت تاريخ من الجريمة البشعة والمأساة الفظيعة فى نواحى البلد التى كانت مسرح لعملياتها المجرمة لعدد يقرب من العشر سنوات . وبناء على التعريف وقبوله ، قال اﻻصم انهم ما مع حل الدعم السريع "كما يروج حاليا" !! . واتكلم عن ما سماه "احتقان سببه الدعم السريع وقوات الجنجويد اﻻخرى وقوات اخرى مختلفة قد تكون مارست اخطاء جسيمة او جرائم "؛ وكانه غير متأكد ، كان المعلومة غائبة ! احتقان ، احتقان !! اخطاء جسيمة !! او جرائم !! يا رب السماوات .
فيما يخص التنازلات ( وردت هكذا فى سؤال الصحفى ، وسماها اﻻصم مساومة سياسية ) ، ادعى اﻻصم انو اعلان الحرية والتغيير كان يبنادى بمدنية فى المجلس السيادى مع تمثيل محدود للعساكر ( ودا طبعا ما صحيح ، بل دا كان التنازل اﻻول) لكن فى مساومة سياسية وصلنا فى ق ح ت الى اقتراح خمسين % +1 للمدنيين واقترحناه للعساكر .زائدا اتخاذ القرارات باغلبية ثلثين اﻻعضاء ( واللى هى دى معلومة جديدة فى سيرة التنازل المخزى ) . برضو ببساطة اغلبية ثلثين اﻻعضاء لن تسمح للمجلس السيادى اتخاذ اى قرار على اﻻطلاق ، اﻻ اذا كانت نسبة عضوية ق ح ت فى المجلس ، تفوق او تساوى الثلثين ، ودا بيوضح انو ق ح ت لا عندها رغبة ولا قدرة تصارع من اجلها ، واﻻصم يسمى هذا مساومة سياسية
طبعا ملاحظين انو الموقف من الدعم السريع فيهو اكبر تنازل بل انصياع عديل لرغائب حميدتى ، وصل – من اجل اخفاءه - الى نوع من التزييف السياسى والفكرى لوقائع صلدة قايمة فى الواقع السياسى ؛ ففى تبرير قبول الدعم السريع ، اصبحت الدعم السريع شيئا مختلفا عن الجنجويد ، كما فى عبارة اﻻصم عن اﻻحتقان.ليس ذلك فحسب وانما الدعم السريع هى مجرد قوات زيها وزى قوات حركة تحرير السودان ( عبدالواحد ) والحركة الشعبية لتحرير السودان ( الحلو)! كلهم يتم التعامل معاهم ضمن عملية العدالة اﻻجتماعية والقانونية ، و ضمن عملية اعادة تكوين الجيش الوطنى !!
فى تقديرى المسألة كاﻻتى :
مجلس اللجنة اﻻمنيةعصابة القتلة عندو معرفة كاملة عن حالة تجانس ق ح ت كتحالف سياسى، ويعرف او يستيطن انهم ممكن اﻻعتماد على ضعفهم ( الناتج من غياب تماسكم الذاتى ) كشريك فى التفاوض فى الحصول علي اكبر قدر من التنازلات المميتة ، بينما هم مبسوطين و يسموها مساومات سياسية ضرورية
الصفات الضرورية مطلقا زى وحدة الثورة وحيويتها واستعدادها لخوض المعرك الصعبة دى متوفرة فى شارع الثورة ملموسة ومعكوسة فى الهتاف ، لكن للاسف ما قاعدة بتنعكس على موقف قوى فى التفاوض ، لا فى ارادته ،ﻻ فى الفهم وﻻ فى الممارسة ، لانو ق ح ت ما متنجاسة ، ودا مقبول كأنه القدر ، لا فى محاولة لضبطه او تجاوزه او وترقيته ، ولا فى وجهة ﻻزالة اﻻسباب والمسببين ليهو( او ممكن تكون فى ، ما معلنة ولا ناجحة) ، وديل بعضهم لايرى ضرورة لاستمرار الثورة ذاتا ، ولحدى هنا كفاية ، وحقوا امر التفاوض يترك للحكماء وعقلاء اﻻمة .
اى اتفاق عندو نتائج وناثيرات مباشرة على السياسة فى المرحلة اﻻنتقالية وبالتالى ما بعدها .
المجلس يبحث عن اقتسام سلطة بشكل ودرجة يكون عندو فيها النصيب المؤثر ، يعنى يسعى وراء صورة معدلة شكلية من " تقعد بس " .
القاعدين نشوفوا من التجمع هو عرضهم لصورة من ديناميكة الصراع مع المجلس ( فى الكلام البقولوا ناس تجمع المهنيين ) ، لكن حقيقة ما قاعدين نشوفو نحن ، هو عملية سياسية اعمق من المظهر الخارجى ليها ، هو عملية مسئولة من انتاج قضايا سياسية واساسية ذات تأثير ضخم ( لانها قايمة على توجهات المفاوضين ودرجات ومحتوى الصراع فيما يخص عملية الحياز على السلطة ) وهى عملية سياسية ح تقود الى انتاج سلطة بصفات محددة ( مجلس سيادى يشترك فيه القتلة بالتساوى ، وبرلمان يختار تلته بمشاركتهم) ،سلطة ح تأدى الى رمى اهداف الثورة ومطالب التغيير فى لجة من الغموض لزجة ومعتمة ، وح تؤدى فى النهاية الى تصفية استهدافات الثورة ، هدفا وراء التانى ، وفى المرحلة اﻻنتقالية ذاتا .
انه التناقض القاتل ، التناقض العجيب : قوى الثورة فى الشارع منسجمة ، تمثلها قيادة يعوزها اﻻنسجام وبشدة . ودا تناقض ما لصالح الثورة ، كلو كلو .
---------------
https://www.facebook.com/isam.halim.9/p ... 3509608304
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب قُصي همرور في صفحته في الفيسبك:
باعتراف قحت الصريح، في مؤتمرها الصحفي بالأمس، وعلى لسان الأصم، انتقل الحراك الآن لديهم من الثورة إلى التسوية. والثورة والتسوية نقيضان لا يجتمعان.
وهذه التنازلات لـ"معس" (المجلس العسكري الانقلابي) (وهو بصريح عبارة قحت إنما هو نفسه اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ 1) لن تجعله يستجيب لمطالب الثورة، بطبيعة الحال. من يظن ذلك إنما يعبّر عن سذاجة غريبة أو محاولة مستميتة لإنكار الواقع. معس سيتجرّأ أكثر، وسيرى أن كسر ممثلي الثورة ممكن وينبغي المزيد منه، حتى يسرقها كاملة ويستفرد بالسلطة (وهو مبتغاه الأول منذ البداية).
ربما تظهر حكومة تسيير قريبا، يشكلها معس، مع وعود بانتخابات قادمة. وربما لا تظهر. لا يهم. المهم أن معس كلما عاملته قحت كشريك محتمل في الحكم كلما أدرك أكثر أنه قادر على اللعب بهم وإكمال سرقة الثورة.
الأمور دي عاوزة ليها خجة تانية الظاهر، أو ثورة تصحيحية مستقبلية. الله يستر، لكن التاريخ بيقول أنه الثورات حين تقف في منتصف الطريق وتساوم فقد تكون نتائجها أسوأ من الأوضاع السابقة لها؛ (أسوأ على الأقل من سيناريو مواصلة الثورة بصور مختلفة على مدى أطول، أي تمديد الجولة بدل خسارة المعركة كلها). وهذه الثورة جاءت والسودان أمام منعطف أن يكون أو لا يكون. بالتالي، فالثورة إما تخففت من المتخاذلين، بطريقة أو بأخرى، أو استسلمت للسرقة. من يظنون أن خيار التسوية خيار ثالث لا يُحسَدون على تلك السذاجة (أو ربما هو الإرهاق؟ إذا أحسنّا الظن)... غايتو.
----------------
https://www.facebook.com/Gussai?epa=SEARCH_BOX
باعتراف قحت الصريح، في مؤتمرها الصحفي بالأمس، وعلى لسان الأصم، انتقل الحراك الآن لديهم من الثورة إلى التسوية. والثورة والتسوية نقيضان لا يجتمعان.
وهذه التنازلات لـ"معس" (المجلس العسكري الانقلابي) (وهو بصريح عبارة قحت إنما هو نفسه اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ 1) لن تجعله يستجيب لمطالب الثورة، بطبيعة الحال. من يظن ذلك إنما يعبّر عن سذاجة غريبة أو محاولة مستميتة لإنكار الواقع. معس سيتجرّأ أكثر، وسيرى أن كسر ممثلي الثورة ممكن وينبغي المزيد منه، حتى يسرقها كاملة ويستفرد بالسلطة (وهو مبتغاه الأول منذ البداية).
ربما تظهر حكومة تسيير قريبا، يشكلها معس، مع وعود بانتخابات قادمة. وربما لا تظهر. لا يهم. المهم أن معس كلما عاملته قحت كشريك محتمل في الحكم كلما أدرك أكثر أنه قادر على اللعب بهم وإكمال سرقة الثورة.
الأمور دي عاوزة ليها خجة تانية الظاهر، أو ثورة تصحيحية مستقبلية. الله يستر، لكن التاريخ بيقول أنه الثورات حين تقف في منتصف الطريق وتساوم فقد تكون نتائجها أسوأ من الأوضاع السابقة لها؛ (أسوأ على الأقل من سيناريو مواصلة الثورة بصور مختلفة على مدى أطول، أي تمديد الجولة بدل خسارة المعركة كلها). وهذه الثورة جاءت والسودان أمام منعطف أن يكون أو لا يكون. بالتالي، فالثورة إما تخففت من المتخاذلين، بطريقة أو بأخرى، أو استسلمت للسرقة. من يظنون أن خيار التسوية خيار ثالث لا يُحسَدون على تلك السذاجة (أو ربما هو الإرهاق؟ إذا أحسنّا الظن)... غايتو.
----------------
https://www.facebook.com/Gussai?epa=SEARCH_BOX
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب قُصي همرور في صفحته في الفيسبك:
من ناحية موضوعية، نحن غير قادرين على توجيه لوم مباشر لأشخاص، ممن تصدّوا لتمثيل الجماهير الثائرة، في تجمع المهنيين وفي قحت، باعتبار أنهم قدّموا تنازلات رخيصة واستبدلوا الثورة بالتسوية، حتى الآن (وقد تتغيّر الأحداث، بفعل أزمة أخرى في طريقها للحدوث وبفعل ضغط الجماهير، عاجلا أم آجلا).
واقع الأمر أن مخرّبي الثورات وروّاد التسويات في قحت معروفين من زمان، أي أنهم لم يتغيّروا مع الظروف الأخيرة، بل هم عموما متسقين مع أدوارهم التاريخية المعروفة، مثل الزعامة الطائفية لحزب الأمة. أما بقية من مضى للتسوية، في قحت وتجمع المهنيين، مضوا لها بسبب مشاكل موضوعية في استعدادهم لتمثيل الثورة، وليس غالبا لمشاكل أساسية في أشخاصهم. كثير من قيادات قحت لبراليين وسطيين غير ثوريين، ولذلك فهم فكريا وتنظيميّا غير مؤهلين لتمثيل ثورة شعبية، وحين أتت الثورة وجدتهم غير مستعدين لقيادتها بالتأكيد، لكن لم تتوفر قيادات سياسية أخرى (مدنية) تقودهم، لأن العجز في القيادة السياسية الثورية موجود في السودان من زمان، والشعب متقدم على متقدميه بوضوح.
على سبيل المثال، الخط الزمني للتصريحات الإعلامية الضعيفة والمتراجعة للمتحدثين باسم تجمع المهنيين، أو المؤتمر السوداني، أو القوى المدنية الشريكة في قحت، ليست أسبابه عندي أن هؤلاء الأشخاص خسروا ذممهم بوعي خلال الأشهر الماضية، بل الكثير منهم لهم رصيد سياسي محترم وفي أغلب أحوالهم ناس نظيفين في المجال العام ولا تنقصهم الشجاعة الشخصية. الخط الزمني للتراجعات وضعف المواقف الثورية نابع من أنهم لم يكونوا ثوريين منذ البداية (أي ليسوا جذريين/راديكاليين، بل معظمهم أصحاب قناعات لبرالية وسطية في تفكيرهم الاجتماعي والسياسي؛ والثوري والثائر ليسوا نفس الشيء، فالثوري موقف فكري وسلوكي عام حتى قبل الثورة أو بعيدا عن ميدانها، أما الثائر فهو المشارك في الثورة وإن لم يكن ثوريّا في أفكاره أي أنه يتبنى حلول إصلاحية لا جذرية لأوضاع المجتمع ولكنه شارك فعلا وقولا في الثورة الشعبية حين هبّت) كما أن تنظيماتهم التي كانت ضعيفة فكريا وتنظيميا طيلة الثلاثين سنة الماضية لم تصبح فجأة قوية وقادرة على تمثيل ثورة شعبية جليلة كهذه.
ذلك بالإضافة لأنهم في قحت منذ البداية تحالفوا مع جهات يمينية لا مصلحة لها في الثورة الشعبية ولا حاجة؛ ومن التضليل القول بأن جميع مكوّنات قحت ذات مصلحة في زوال نظام الإنقاذ (1 او 2)، لأن المصلحة في تغيير الزعامات وبعض الترتيبات العامة لا تعادل المصلحة في تغيير النظام نفسه كاملا وما يمثّله. وواضح من دروس التاريخ أن تحالف قوى تقدمية مع أي قوى يمينية/رجعية لا يمكن أن يؤدي لنتائج تقدمية مجملا، إلا ربما عبر حصول أزمة في ذلك التحالف تعيد تعريفه وتنظيفه.
باختصار، الأوضاع عموما كانت مرتّبة، في قوانين التاريخ، بحيث أن الثورة الشعبية إذا لم تمض لنهاياتها الجذرية، وتعرّضت في منتصفها لمحاولات ناجحة في التدجين أو السرقة، فإننا غالبا سنصاب بالإحباط في معظم الرموز الذين كنّا في البداية نعتز بحضورهم وتقر أعيننا برؤيتهم في الساحات الثائرة.
رغم كل هذا، لا يملك المرء إلا أن يرى أن العالم قبل الثورة الشعبية السودانية وبعدها لا يمكن أن يكون نفس العالم، وهذا أمر سيثبّته التاريخ بغض النظر عمّا ستؤول إليه الأوضاع المؤقتة حاليا. ليس هذا تفاؤل بالضرورة، إنما إقرار بأن الأنماط القائمة جرى عليها تغيير مهم، ربما يقود لنتائج أفضل أو ربما لا يقود (في المدى المنظور)، لكن على أي حال فإن الأوضاع لا يمكن أن تعود لما كانت عليه.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157571598888243
من ناحية موضوعية، نحن غير قادرين على توجيه لوم مباشر لأشخاص، ممن تصدّوا لتمثيل الجماهير الثائرة، في تجمع المهنيين وفي قحت، باعتبار أنهم قدّموا تنازلات رخيصة واستبدلوا الثورة بالتسوية، حتى الآن (وقد تتغيّر الأحداث، بفعل أزمة أخرى في طريقها للحدوث وبفعل ضغط الجماهير، عاجلا أم آجلا).
واقع الأمر أن مخرّبي الثورات وروّاد التسويات في قحت معروفين من زمان، أي أنهم لم يتغيّروا مع الظروف الأخيرة، بل هم عموما متسقين مع أدوارهم التاريخية المعروفة، مثل الزعامة الطائفية لحزب الأمة. أما بقية من مضى للتسوية، في قحت وتجمع المهنيين، مضوا لها بسبب مشاكل موضوعية في استعدادهم لتمثيل الثورة، وليس غالبا لمشاكل أساسية في أشخاصهم. كثير من قيادات قحت لبراليين وسطيين غير ثوريين، ولذلك فهم فكريا وتنظيميّا غير مؤهلين لتمثيل ثورة شعبية، وحين أتت الثورة وجدتهم غير مستعدين لقيادتها بالتأكيد، لكن لم تتوفر قيادات سياسية أخرى (مدنية) تقودهم، لأن العجز في القيادة السياسية الثورية موجود في السودان من زمان، والشعب متقدم على متقدميه بوضوح.
على سبيل المثال، الخط الزمني للتصريحات الإعلامية الضعيفة والمتراجعة للمتحدثين باسم تجمع المهنيين، أو المؤتمر السوداني، أو القوى المدنية الشريكة في قحت، ليست أسبابه عندي أن هؤلاء الأشخاص خسروا ذممهم بوعي خلال الأشهر الماضية، بل الكثير منهم لهم رصيد سياسي محترم وفي أغلب أحوالهم ناس نظيفين في المجال العام ولا تنقصهم الشجاعة الشخصية. الخط الزمني للتراجعات وضعف المواقف الثورية نابع من أنهم لم يكونوا ثوريين منذ البداية (أي ليسوا جذريين/راديكاليين، بل معظمهم أصحاب قناعات لبرالية وسطية في تفكيرهم الاجتماعي والسياسي؛ والثوري والثائر ليسوا نفس الشيء، فالثوري موقف فكري وسلوكي عام حتى قبل الثورة أو بعيدا عن ميدانها، أما الثائر فهو المشارك في الثورة وإن لم يكن ثوريّا في أفكاره أي أنه يتبنى حلول إصلاحية لا جذرية لأوضاع المجتمع ولكنه شارك فعلا وقولا في الثورة الشعبية حين هبّت) كما أن تنظيماتهم التي كانت ضعيفة فكريا وتنظيميا طيلة الثلاثين سنة الماضية لم تصبح فجأة قوية وقادرة على تمثيل ثورة شعبية جليلة كهذه.
ذلك بالإضافة لأنهم في قحت منذ البداية تحالفوا مع جهات يمينية لا مصلحة لها في الثورة الشعبية ولا حاجة؛ ومن التضليل القول بأن جميع مكوّنات قحت ذات مصلحة في زوال نظام الإنقاذ (1 او 2)، لأن المصلحة في تغيير الزعامات وبعض الترتيبات العامة لا تعادل المصلحة في تغيير النظام نفسه كاملا وما يمثّله. وواضح من دروس التاريخ أن تحالف قوى تقدمية مع أي قوى يمينية/رجعية لا يمكن أن يؤدي لنتائج تقدمية مجملا، إلا ربما عبر حصول أزمة في ذلك التحالف تعيد تعريفه وتنظيفه.
باختصار، الأوضاع عموما كانت مرتّبة، في قوانين التاريخ، بحيث أن الثورة الشعبية إذا لم تمض لنهاياتها الجذرية، وتعرّضت في منتصفها لمحاولات ناجحة في التدجين أو السرقة، فإننا غالبا سنصاب بالإحباط في معظم الرموز الذين كنّا في البداية نعتز بحضورهم وتقر أعيننا برؤيتهم في الساحات الثائرة.
رغم كل هذا، لا يملك المرء إلا أن يرى أن العالم قبل الثورة الشعبية السودانية وبعدها لا يمكن أن يكون نفس العالم، وهذا أمر سيثبّته التاريخ بغض النظر عمّا ستؤول إليه الأوضاع المؤقتة حاليا. ليس هذا تفاؤل بالضرورة، إنما إقرار بأن الأنماط القائمة جرى عليها تغيير مهم، ربما يقود لنتائج أفضل أو ربما لا يقود (في المدى المنظور)، لكن على أي حال فإن الأوضاع لا يمكن أن تعود لما كانت عليه.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157571598888243
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب قُصي همرور في صفحته في الفيسبك:
قحت أرادت أن تقنع نفسها ومن حولها أن الاتفاق حاز على رضا شعبي مناسب، وظروف حجب الإنترنت ساعدتها في ذلك، بل ربّما سوّلت لها هذا الأمر. والذين رأوا أن الاتفاق كان قي الحقيقة فاجعة، ومن أسوأ الخواتيم الممكنة لثورة شعبية أسطورية كهذه، وأن الباطل العريان أفضل من الباطل الذي ألبسته قحت لباس شرعية إقليمية ودولية بهذا الاتفاق، قيل عنهم متشائمين، وغير واقعيين، ومعظمهم خارج البلد لا يتأثرون مباشرة بالأوضاع في الداخل.
عادت خدمة الإنترنت العامة بالأمس للسودان، وتكشّف لحدّ كبير مستوى "قبول" الاتفاق وسط من هم في الميدان ومن عاشروا هذه الثورة مباشرة طيلة شهورها الماضية. بعض من تحدثوا من الداخل قالوا في هذا الاتفاق ما هو أسوأ مما قاله من بالخارج (ربما لأن من بالخارج شعروا ببعض الحرج، وأرادوا ضبط الكلام والتشبث بآمال أخيرة، لعدة أسباب).
والمسألة في أساسها قراءة أحداث ونتائج واضحة وملموسة. وبالنسبة لمن يقرأون التاريخ فهي قراءة ومقارنات كذلك. ليست هنالك أبعاد عميقة مزعومة ولا مساحيق يمكنها أن تخفي النتائج الملموسة: اللجنة الأمنية للنظام السابق، والانقلابيون المجرمون، صاروا هم السلطة العليا في الدولة للسنتين القادمتين (على الأقل). الإنقاذ 2، امتداد النظام السابق، وطّدت حكمها. وهذه ليست المشكلة الأكبر في الحقيقة، وليست أمرا غير متوقّع، بل كان هو السيناريو الغالب الحدوث منذ البداية، لأن لدينا تجارب سابقة وحيثيات حالية تخبرنا بالمآلات المحتملة، رغم ضخامة الثورة. وهي ليست المشكلة الأكبر لأن الثورات الحقيقية لا تموت بسهولة ولكن قد تنتكس وتتراجع ثم تعود من جديد، ما دامت جذوتها ومبادئها متماسكة؛ وكل هذا ليس فترة طويلة في عمر الشعوب. المشكلة الأكبر هي أن الجهة التي فوّضها الثوّار لتمثيلها سياسيّا وإعلاميا تخاذلت، وضاقت رؤيتها وحيلتها، فأعطت الإنقاذ 2 شرعية كافية، أمام المجتمع الإقليمي والدولي. وبذلك وطّدت الإنقاذ 2 حكمها ليس بالقهر فقط وإنما بالسياسة كذلك، الأمر الذي قد يساهم في إطالة عمرها وتنفّذها أكثر من لو كانت استمرّت في الحكم بالقهر فقط. الجهة التي فوّضها الثوّار فعلت ذلك مقابل تسويات صوريّة، سرابيّة، يحسبها ظمآن الحكم ماءً، ثم اجتهدت لتقنع الشعب الذي فوّضها أن الفسيخ شربات.
لم نبهت قحت حين قلنا إنها أثبتت أنها لا تفهم معنى السلطة، في الدولة والمجتمع الحديثين، وتظنها مناصب الحكم الرسمية (بعد كل التجارب السابقة الفاشلة التي شهدوها بأنفسهم من قبل، في كل مرة كانت الإنقاذ 1 تعطي بعض رموز المعارضة بعض مناصب الحكم وتسميها شراكة في السلطة). لم نتجنّ كذلك على قيادات قحت حين قلنا إنهم ليسوا ثوريين ولكن الظروف جعلتهم يتقدّمون مواكب ثورة شعبية بطموحات تفوق خيالهم واستعدادهم. ولم نكن نبحث عن شق الصفوف الثورية حين قلنا مرارا إن على تجمع المهنيين السودانيين أن يستقل عن قحت قبل فوات الأوان، من أجل الثورة ومن أجل قحت نفسها، ويصبح بوقا للثوّار، لا قحت، قبل أن تبتلعه الأخيرة تماما ويصبح مسخا وقصة محزنة بدأت بعنفوان وها هي تكاد تنتهي بركاكة.
ثورة شعبية ساطعة، في هذا العصر القاتم، أخمد جذوتها أفندية المركز (الشيب والشبّان) ومرتزقة العسكر (الرسميين وغير الرسميين)، أو كادوا أن يخمدوها. وبذلك ربما أطالوا مدة استيطان الظلام في السودان، بنتائج لم تخف ولن تخفى على الناس وعلى التاريخ... إلا إذا استعادت الجذوة قوتها بطريقة ما (وربما بفاعلين آخرين، أقرب لنبض الثورة وطموحاتها، يخرجون من رحم تفاعلاتها ويتصدّون لمواصلة قيادتها).
بعد كل هذا، هل نخشى لومة من يلوموننا على "شق الصف"، أو على توجيه نقد قاسي لبعض أصدقائنا وزملائنا وأساتذتنا؟ ألم يستحقوه بما فعلوا؟ ألم يكن أفضل لهم، إن لم يكن هنالك خيار ثالث، ألا يتصدّوا لهذا الأمر أصلا بدل أن يتصدّوا له ثم يحبطوه هكذا؟ وألم نمد لهم في حسن الظن وفي النصح الصادق لاستدراك ما يمكن استدراكه؟ فهل خوف ملامة الأصدقاء والزملاء - وربما زعلهم وانقطاعهم - أولى أم الولاء للشعب وثورته والمبادئ التي جمعتنا بدايةً؟
--------
يروى محي الدين ابن عربي، في كتابه "المسائل لإيضاح المسائل"، إحدى القصص ذات العِبَر. يقول: "نظر شيخ ظبية وردت ماء، فرجعت خوفا من خيالها، ففعلت ذلك مرارا، ولم تشرب، فغمضت عينها، ورمت بنفسها في الماء، فشربت إلى الري، فقال الشيخ لي زمان أرجع عن المجاهدة خوفا، فمالي إلا أن أغمض العينين عن الكونين، إما وصلٌ وإما قتلٌ، ففعل فبلغ مبلغا عظيما."
والمجد والمحبة لشعوب السودان الثائرة، وشعوب افريقيا والعالم أجمع، والحياة لطموحاتها المشروعة، وإن طال السفر.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157598123493243
قحت أرادت أن تقنع نفسها ومن حولها أن الاتفاق حاز على رضا شعبي مناسب، وظروف حجب الإنترنت ساعدتها في ذلك، بل ربّما سوّلت لها هذا الأمر. والذين رأوا أن الاتفاق كان قي الحقيقة فاجعة، ومن أسوأ الخواتيم الممكنة لثورة شعبية أسطورية كهذه، وأن الباطل العريان أفضل من الباطل الذي ألبسته قحت لباس شرعية إقليمية ودولية بهذا الاتفاق، قيل عنهم متشائمين، وغير واقعيين، ومعظمهم خارج البلد لا يتأثرون مباشرة بالأوضاع في الداخل.
عادت خدمة الإنترنت العامة بالأمس للسودان، وتكشّف لحدّ كبير مستوى "قبول" الاتفاق وسط من هم في الميدان ومن عاشروا هذه الثورة مباشرة طيلة شهورها الماضية. بعض من تحدثوا من الداخل قالوا في هذا الاتفاق ما هو أسوأ مما قاله من بالخارج (ربما لأن من بالخارج شعروا ببعض الحرج، وأرادوا ضبط الكلام والتشبث بآمال أخيرة، لعدة أسباب).
والمسألة في أساسها قراءة أحداث ونتائج واضحة وملموسة. وبالنسبة لمن يقرأون التاريخ فهي قراءة ومقارنات كذلك. ليست هنالك أبعاد عميقة مزعومة ولا مساحيق يمكنها أن تخفي النتائج الملموسة: اللجنة الأمنية للنظام السابق، والانقلابيون المجرمون، صاروا هم السلطة العليا في الدولة للسنتين القادمتين (على الأقل). الإنقاذ 2، امتداد النظام السابق، وطّدت حكمها. وهذه ليست المشكلة الأكبر في الحقيقة، وليست أمرا غير متوقّع، بل كان هو السيناريو الغالب الحدوث منذ البداية، لأن لدينا تجارب سابقة وحيثيات حالية تخبرنا بالمآلات المحتملة، رغم ضخامة الثورة. وهي ليست المشكلة الأكبر لأن الثورات الحقيقية لا تموت بسهولة ولكن قد تنتكس وتتراجع ثم تعود من جديد، ما دامت جذوتها ومبادئها متماسكة؛ وكل هذا ليس فترة طويلة في عمر الشعوب. المشكلة الأكبر هي أن الجهة التي فوّضها الثوّار لتمثيلها سياسيّا وإعلاميا تخاذلت، وضاقت رؤيتها وحيلتها، فأعطت الإنقاذ 2 شرعية كافية، أمام المجتمع الإقليمي والدولي. وبذلك وطّدت الإنقاذ 2 حكمها ليس بالقهر فقط وإنما بالسياسة كذلك، الأمر الذي قد يساهم في إطالة عمرها وتنفّذها أكثر من لو كانت استمرّت في الحكم بالقهر فقط. الجهة التي فوّضها الثوّار فعلت ذلك مقابل تسويات صوريّة، سرابيّة، يحسبها ظمآن الحكم ماءً، ثم اجتهدت لتقنع الشعب الذي فوّضها أن الفسيخ شربات.
لم نبهت قحت حين قلنا إنها أثبتت أنها لا تفهم معنى السلطة، في الدولة والمجتمع الحديثين، وتظنها مناصب الحكم الرسمية (بعد كل التجارب السابقة الفاشلة التي شهدوها بأنفسهم من قبل، في كل مرة كانت الإنقاذ 1 تعطي بعض رموز المعارضة بعض مناصب الحكم وتسميها شراكة في السلطة). لم نتجنّ كذلك على قيادات قحت حين قلنا إنهم ليسوا ثوريين ولكن الظروف جعلتهم يتقدّمون مواكب ثورة شعبية بطموحات تفوق خيالهم واستعدادهم. ولم نكن نبحث عن شق الصفوف الثورية حين قلنا مرارا إن على تجمع المهنيين السودانيين أن يستقل عن قحت قبل فوات الأوان، من أجل الثورة ومن أجل قحت نفسها، ويصبح بوقا للثوّار، لا قحت، قبل أن تبتلعه الأخيرة تماما ويصبح مسخا وقصة محزنة بدأت بعنفوان وها هي تكاد تنتهي بركاكة.
ثورة شعبية ساطعة، في هذا العصر القاتم، أخمد جذوتها أفندية المركز (الشيب والشبّان) ومرتزقة العسكر (الرسميين وغير الرسميين)، أو كادوا أن يخمدوها. وبذلك ربما أطالوا مدة استيطان الظلام في السودان، بنتائج لم تخف ولن تخفى على الناس وعلى التاريخ... إلا إذا استعادت الجذوة قوتها بطريقة ما (وربما بفاعلين آخرين، أقرب لنبض الثورة وطموحاتها، يخرجون من رحم تفاعلاتها ويتصدّون لمواصلة قيادتها).
بعد كل هذا، هل نخشى لومة من يلوموننا على "شق الصف"، أو على توجيه نقد قاسي لبعض أصدقائنا وزملائنا وأساتذتنا؟ ألم يستحقوه بما فعلوا؟ ألم يكن أفضل لهم، إن لم يكن هنالك خيار ثالث، ألا يتصدّوا لهذا الأمر أصلا بدل أن يتصدّوا له ثم يحبطوه هكذا؟ وألم نمد لهم في حسن الظن وفي النصح الصادق لاستدراك ما يمكن استدراكه؟ فهل خوف ملامة الأصدقاء والزملاء - وربما زعلهم وانقطاعهم - أولى أم الولاء للشعب وثورته والمبادئ التي جمعتنا بدايةً؟
--------
يروى محي الدين ابن عربي، في كتابه "المسائل لإيضاح المسائل"، إحدى القصص ذات العِبَر. يقول: "نظر شيخ ظبية وردت ماء، فرجعت خوفا من خيالها، ففعلت ذلك مرارا، ولم تشرب، فغمضت عينها، ورمت بنفسها في الماء، فشربت إلى الري، فقال الشيخ لي زمان أرجع عن المجاهدة خوفا، فمالي إلا أن أغمض العينين عن الكونين، إما وصلٌ وإما قتلٌ، ففعل فبلغ مبلغا عظيما."
والمجد والمحبة لشعوب السودان الثائرة، وشعوب افريقيا والعالم أجمع، والحياة لطموحاتها المشروعة، وإن طال السفر.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157598123493243
و حزب العائمين في البر
و حزب" العائمين في البر"
1ــ
أسئلة عامل قارئ :
من بنى طيبة ذات الأبواب السبعة؟
الكتب لا تحوي غير اسماء الملوك.
هل حمل الملوك كتل الصخر يا ترى؟
و بابل التي حطمت مرات عديدات
من أعاد بناءها كال هذه المرات؟
و في اي المنازل كان يسكن عمّال ليما الذهبية المشرقة؟
و في المساء ـ حين اكتمل سور الصين العظيم ـ
أين ذهب البناؤون؟
على أثر " أسئلة عامل قارئ"[ بريشت، ترجمة د. محمد سليمان]
يمكن أن نتساءل مع عصام علي أيضا :
" هل قامت اﻻحزاب الموجودة فى ق ح ت بتفجير الثورة الحالية ؟
هل قام التجمع الوطنى الديمقراطى تفجير اﻻنتفاضة فى مارس/ابريل 1985 ؟
هل قام اجتماع اﻻحزاب فى الجبهة الوطنية فى 26 اكتوبر بتفجير ثورة اكتوبر 64؟
اﻻجابة فى كل الحالات : لا صلدة « ـ
إذن أين ذهب المعتصمون أمام القيادة العامة؟
و لو كان الطيب صالح حاضرا لتساءل معنا : "من أين أتى هؤلاء الناس" الذين يتفقون مع المجلس العسكري الجنجويدي
و بتظاهرون بالتضامن مع الثوار بينما أياديهم ما زالت مدهنة من الأكل على مائدة عمر البشير؟
غايتو، ربنا يجيب العواقب سليمة و يولي الأصلح و كذا..
…
2ــ
التفاؤل ، حيلة العاجز:
سلام يا عادل القصاص و مثله لقصي همرور و كمان لفضيلي جماع.
و شكرا يا عادل على مناولة مكتوب قصي همرور العامر بالأسئلة الحرجة في مسار " ثورة اليتامى "في السودان الحبيب.
و الإتفاق الذي تم بين "ق ح ت" و المجلس العسكري سيكون علامة فرز سياسي عواقبها جسيمة في منظور تطور الثورة السودانية.و الفرز السياسي يكشف عن فرز طبقي أصيل يصر على ابراز وجهه بعناد كلما غمرته امواج التضامن الوطني المتدافعةفي محافل الثورة السودانية.و،على النقيض من قصي همرور، عبر صديقنا الشاعر القدير « فضيلي جمّاع »ـ ببلاغته المعهودة ــ عن تأييد المؤيدين للإتفاق الذي جرى بين قوى الحرية و التغيير و المجلس العسكري، و ذلك على أساس أن الثورة " في حالة صعود وهبوط مستمر. وبين هذا المد والجزر ينجز الثوار أهدافاً كانت ذات مرحلة بعضاً من الحلم. لكنهم سرعان ما ينتقلون من الحلم الذي أصبح واقعاً إلى مرحلة جديدة، ربما كانت هي الأخرى حلماً عصي المنال. « ـ
حين قرأت كلام فضيلي عن "المد و الجزر" عبرت خاطري جملة من عبارات" ادب الأجاويد" من شاكلة « باركوها واقبلوا الأمر الواقع »و " السياسة هي فن الممكن" و" خير الامور اوسطها"و" الجنوح للتسامح و نبذ التطرّف الثوري" و " يوم ليك و يوم عليك" أو " انظر لنصف الكوب المملوء بدلا من نصفه الفارغ"أو " جرادة في الكف خير من ألف في السماء" و " المال تلتو" و هلمجرا،و بدا أن لي قناعة فضيلي بأن الثورة السودانية تعبر لحظة جزر و أن على الشعب أن يتصبر، تموّه وراءها احباطا كبيرا يكافحه فضيلي بمأثورات التفاؤل الديني بأن « الله كريم » و « الثورة منصورة بإذن الله »،.ربما لأن فضيلي واع، في قرارة نفسه بأنه ، في هذه اللحظة الحرجة، لا يملك سوى قوة التفاؤل الديني، سلاح الفقراء الأزلي ، في مواجهة بطش خصوم أراذل، جهروا بأنهم لا يتورعون عن قتل ثلثي الشعب ليحكموا الثلث الباقي (حسب الفتوى الرعناء ) و ظهرهم مسنود بكفيل عربسلامي جبار بلا رحمة أو ذرة من خيال سياسي سليم..
يقول فضيلي:"لكن الأجدر أن يتسلح الثائر باليقظة ، وأن يشحذ ما بداخله من همة ليواصل ! وكاتب هذه السطور بلغ به اليأس أن كتب مقالاً بعد المليونية يحذر فيه من مواصلة الحوار مع من يسعون لإضاعة الوقت وليس الوصول لاتفاق! لكنّ ممثلي الحرية والتغيير وهم يقودون المعركة من ميدان آخر أثبتوا أنني كنت على خطأ. »ـ و فضيلي لا يقول كيف أثبت له ممثلوا الحرية و التغيير أنه كان على خطأ.و اذا لا يهم في مشهده المؤيد لممثلي قوى الحرية و التغيير،لأن أولويته السياسية هي دعم ممثلي قوى الحرية و التغيير في مواجهة العدو الأكبر : المجلس العسكري و كل صوت يعلو فوق صوت المعركة هو بالضرورة صوت خائن.أو كما قال :
"
وهذا الحق المشروع الذي انتزعه شعبنا بتقديم المهج رخيصة من أجل تحرير الوطن ورفاهيته وسعادة الأجيال القادمة ، هذا المكسب – أعني قيام دولة المواطنة والحرية والعيش الكريم – ليس بالسهل.
بل أقول للمتشائمين ولاطمي الخدود ومن دبجوا المقالات بتخوين ممثلينا في معركة الحوار ، أقول لهم: كفوا عن التخوين وعن العوم في البر . « ـطبعا يصعب على فضيلي، و هو في غمرة تفاؤله الديني،أن يسمع من ينبهه إلى أن" دولة المواطنة و الحريةو العيش الكريم" التي نرنو لها كلنا ، لم تقم بعد. بل هو يستبق التنبيه بتحذير" المتشائمين و لاطمي الخدودو العائمين في البر" بأن يرعوواو يرعوا بقيدهم بلا بلا بلا..يا فضيلي ياخ و الله أنا القدامك دا، بعتبر نفسي من لاطمي الخدود على الرجال و النساء الذين 'قتلوا و هم ينادون بدولة المواطنة و الحرية و العيش الكريم، و الذين أجبروا نظام الكيزان على التراجع غير المنظم لأنهم دفعوا الثمن بدمهم. ولأن المفاوضون باسم الشعب الذين دخلوا الغرف المغلقة و اتفقوا مع مرتزقة دوائر البترودولار صاموا و فطروا على بصلة مسمومة. أما حكاية " العائمين في البر" فهي قد فسدت و فقدت صلاحيتها بالتقادم لأن جيوبوليتيك العولمة تجاوز حكاية البر و البحر دي، من زمان، و كان مكضبني شوف مرتزقة الدعم السريع في اليمن يحاربوا جنبا لجنب مع مرتزقة مجلوبين من أمريكا اللاتينية و من أوكرانيا و روسيا واسرائيل و من واق الواق الماوراها ناس و الأجر على الله.يا فضيلي أنحنا كلنا في البر الكبير الذي اسمه العالم و حربنا، ضد دوائر رأس المال المعولم، طويلة و جبهاتها بالغة التنوع و لنا فيها من الحلفاء المحتملين أقوام ناطقون بها و بغيرها، لو دعوناهم لما تأخروا عنا.لا لأنهم من أهل البر النصراني إياه و لكن لأن مصلحتهم تفرض عليهم التضامن مع حلفاء يعتد بهم في الحرب الشاملة ضد دوائر رأس المال.
3ـــ
لماذا؟ :
يقول فضيلي جماع : »
بالتوقيع على الإتفاق بين قوى الحرية والتغيير – الممثل الشرعي لثورة الملايين في السودان – والمجلس العسكري ، وهو الذراع الأمني للنظام المباد – بالتوقيع على اتفاق يقضي بنقل السلطة إلى سيادة مدنية كانت حلم الجميع على مدى ثلاثين سنة ، تكون الثورة السودانية قد أنجزت واحداً من أهم الأهداف التي دفع من أجلها خيرة أبناء وبنات شعبنا الأرواح الطاهرة ، وأبلى البعض منهم خير بلاء. حيث قضوا سني العمر بين المعتقلات والمنافي ومعسكرات اللجوء.
وهذا في حد ذاته إنجاز يقف أمامه أعداء الثورة في الداخل والخارج في ذهول. لكنه لا يعني بأي شكل أنّ الثورة قد أنجزت ما ناضل من أجله الملايين عبر ثلاثين سنة. ما حدث هو أنّ ثورة شعبنا أنجزت بعضاً مما اندلعت من أجله.
وعلى شعبنا أن يعض على هذا المكسب بالنواجذ، ونحن نتطلع إلى فجر جديد. « ـ.
و فضيلي المتفائل، بدون اية اسباب وجيهة،لا يكتفي بتصبير الشعب الممكون لكنه يهنئه بالتوقيع على هذا الإتفاق الفاسد و يصوّر مجرد فعل التوقيع كـ " إنجاز" جبار يذهل أعداء الثورة.في حين أن فضيلي ي بخبرته الطويلة بالسياسة السودانية ـ لا يجهل أن بين التوقيع على الإتفاق و سريان مفعوله في ملكوت الواقع أرض واسعة ملغومة بالإلتواءات و بالوعود الكاذبة وبالمواجهات السياسية العنيفة و الأقل عنفا، فضلا عن الإشتباكات اليومية و التحالفات الزائفة و الأوهام و غيرها من المماحكات التي تمور بها ساحة المنازعة السياسية السودانية. داخل هذا الفضاء سيكون على الشعب السوداني أن يبذل الغالي و النفيس كل يوم حتى يتمكن من حماية حقه في الحرية و السلام و العدالة و هيهات و أيهان و دين ميتين الزمان.
لا شك أن الإتفاق بين المجلس العسكري و قوى الحرية و التغيير طموح و ثوري مبدئيا . لكن بين النوايا المعلنة و الأعمال الحقيقية التي يتوقع منها الناس ان تغير من شروط حياتهم و ترفع عنهم المعاناة،مسافة من التوجس المشروع من قبل الجماهير تجاه هذا المجلس العسكري المزعوم إنتقاليا، بينما هو في حقيقته المعنوية و المادية مجرد امتداد لنظام عمر البشير الذي سام الناس انواع العسف منذ ثلاثة عقود.
و توجس السودانيين يتلخص في بضعة اسئلة بسيطة هي :
ـ إذا كان في امكان المجلس العسكري ان يستفرد بالسلطة و بشرعية محلية و دولية لمدة21 شهرا، فلماذا يزهد في استغلال السلطة لتدعيم موقعه و تمديد استفراده بالسلطة لثلاثين سنة أخرى؟
ــ إذا كان المجلس العسكري قد اعترف بمسؤوليته في مجزرة فض الإعتصام، دون أن تترتب على هذا الإعتراف محاسبة المسؤولين عن المجزرة، فما الذي يمنعه من فض اعتصامات قادمة بمجازر أشنع، يعترف بعدها بمسؤوليته ثم يواصل ـ ربما لثلاثة عقود قادمة ـ " بيزنيس آز يوشوال"؟
ــ لماذا يحل المجلس العسكري جهاز الأمن و هو نفسه جهاز الأمن؟
ـ لماذا يحل الدعم السريع و هو نفسه الدعم السريع؟
ــ و لماذا يحل كتائب الظل و هو نفسه كتائب الظل؟
ــ و لماذا يحل قوات الدفاع الشعبي و هو نفسه قوات الدفاع الشعبي؟
ــ و لماذا يوقف الحرب التي اشعلها بنفسه في أقاليم السودان المختلفة دفاعا عن مصالحه؟
ــ و لماذا يقبل بمحاكمة عمر البشير و زمرته الفاسدة و أعضاء المجلس العسكري أنفسهم صعدوا على أكتاف عمر البشير و زمرته؟
ـ و لماذا يقبلون باستقلال القضاء و هم يعلمون أن القضاء المستقل سيحاسبهم على جرائمهم الظاهرة و الخفية؟
ــ و لماذا يقبلون باعادة النظر في الإتفاقات الدولية التي أبرمها عمر البشير ـ من وراء ظهر الشعب ـ مع الجهات الأجنبية و هم ساهموا في ابرام هذه الإتفاقات و استفادوا من عائدها؟
ــ و لماذا يقبلون بسحب الجنود السودانيين من اليمن و هم قبضوا، و يقبضون كل يوم، ثمن الإسترزاق العسكري من يد الكفيل السعودي و الأماراتي؟
لماذا؟
سأعود
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب قُصي همرور في صفحته في الفيسبك:
حول اختيارات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء للفترة الانتقالية: عبدالله حمدوك مثالا
لم أتعرف على إنتاج عبدالله حمدوك بما يكفي لأتصوّر قيمة الدور الذي سيلعبه في إصلاح الأوضاع التنموية في السودان، في ظل أوضاع حوكمة مناسبة. لكن أعرف عن خلفيته المهنية والتدريبية (الأكاديمية) كما يعرف عمومنا اليوم، وكذلك شاهدت فيديو مؤخرا يتحدث فيه بصورة عامة عن الخطوط العريضة للاقتصاد التنموي في افريقيا. يمكن القول من ذلك الفيديو (الوصلة أدناه في التعليقات) إن طرح حمدوك جيد وغير جيد في نفس الوقت.
هو طرحٌ جيد لأنه يرسم خطوطا عريضة غير سيئة. بالفعل، في ظل الأوضاع الحالية لا مجال في افريقيا في المرحلة الحالية لغير نماذج "اقتصاد مختلط" مبني على خطة شاملة وبعيدة المدى، يقودها القطاع العام ومؤسسات الدولة وفق موجّهات قوية في انحيازها للنمو الداخلي (endogenous growth)، وتلك عموما معالم ما يسمى اليوم بالدولة التنموية (developmental state). بالنسبة لنا، ولمن يتفق معنا، اقترحنا نموذج الاقتصاد التعاوني كموجّه لهذه المرحلة، لأنه متسق المعالم ولأنه يفتح النافذة أمام الصعود نحو الاشتراكية المستدامة أو الموطَّنة (أي التي تقوم من الأسفل للأعلى، من القواعد المحلية والعمّالية نحو مؤسسات الدولة، بخلاف اشتراكية الدولة - من الاعلى للأسفل - التي تحيط بها مشاكل كثيرة كما أرتنا التجارب المشهودة في القرن الماضي). إذن، من موقعنا هذا (موقع الاقتصاد التعاوني)، يمكن القول إن الخطوط العريضة التي يطرحها حمدوك مقبولة في مجملها-- مع بعض التحفظ على التفاصيل، وكذلك احتمالات الاختلاف في السياسات التي تترجم هذه الخطوط العريضة (والاختلاف في السياسات قد يكون اختلافا كبيرا أحيانا، فالعبرة إنما هي في نتائج السياسات، والسياسات الخاطئة تؤدي لنتائج خاطئة وإن كانت الخطوط العريضة جيدة).
وطرحٌ كذلك غير جيد، لأنه ليس طرحا أصيلا أو نادرا، وبالتالي فهو لا يقف على أرض مستقلة، فهو نفسه حديث هيئات الأمم المتحدة منذ بدايات هذه الألفية، لكن بغير تغييرات جذرية ملموسة على أرض الواقع. فهل حمدوك يكرر فقط خطاب الامم المتحدة الحالي، بوصفه موظفا عاليا فيها، أم هو فعلا متمكّن من قضيّته هذه ولديه رؤية واضحة للسودان؟ في واقع الأمر، هيئة الأمم المتحدة غيّرت خطابها التنموي العام مؤخرا ليس لأنها عميقة الرؤية وإنما لأن التجربة الواضحة أثبتت فشل سياساتها في الحقبة الماضية، وهي السياسات التي أدت للمزيد من المشاكل التنموية في البلدان التي اختارت أن "تسمع كلام" الأمم المتحدة (في حين أن بعض البلدان التي اختارت أن تلتصق برؤاها الخاصة رغم الضغط العالمي، بواسطة الغرب وبواسطة بعض مؤسسات الأمم المتحدة، انتصرت في النهاية تنمويا، مثل ماليزيا والصين ورواند). إذن غيّرت الأمم المتحدة عموما آراءها بعد تكلفة عالية من السياسات الخاطئة التي تبنّتها قبل ذلك، وهي التكلفة التي دفعتها الشعوب النامية لا الأمم المتحدة نفسها. أذكر جيدا كيف أن بعض ممثلي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، (ومعهم ممثلي منظمة الأمم المتحدة للصناعة)، مؤخرا في تنزانيا، تحدثوا عن نيريري ورؤيته المحورية لدور القطاع العام والتعاونيات في التنمية، ووصفوها بأنها رؤية ثاقبة، في حين أنها نفس الرؤية التي ساهموا في إحباطها في أواخر سنوات نيريري في الحكم ودفعوا القيادة التي خلفته للتخلي عنها. لأجل ذلك لن يكفي حديث حمدوك العام عن الخطوط العريضة للرؤية التنموية السليمة لأقتنع بأنه يعي ما يقول ومتمكن من قضيته (وسنين خبرته الكثيرة ليست معيارا هنا، فهنالك اقتصاديون عالميون بخبرات أطول من خبرته وما زالوا أصحاب سياسات فاشلة، كما أن الخبرة المطلوبة هنا مسألة نوعية وليست كمية). قد يكون مجرد بوق للأمم المتحدة (ولامتدادها في الاتحاد الافريقي) وقد لا يكون. سنرى.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فكما ذكرنا من قبل، القصة الكبرى في هذا التحوّل في السودان هو علاقات القوى، لأن الرؤى التنموية السديدة لا تجد فرصة تنزيل على أرض الواقع مع غياب الإرادة السياسية الجادة خلفها. حاليا، ما يسمى بقسمة السلطة بين اللجنة الأمنية للنظام البائد (أو الإنقاذ 2) وقوى الحرية والتغيير، ليس بقسمة سلطة حقيقية وإنما قسمة مناصب حكم، أما سلطة الدولة الفعلية فهي حسب الاوضاع الحالية بيد ما يسمى بالمجلس العسكري (المعجا)، لأن قحت أخطأت الطريق لبناء السلطة - وظنته الوصول لمناصب حكم - وضيّعت الاستثمار الحقيقي من ما لقيته من تفويض شعبي لم يحصل في تاريخ السودان الحديث من قبل. وفق علاقات سلطة مختلة كهذه، أشك في أن يكون لمجلس الوزراء عموما - بله رئيس الوزراء وحده - سلطة حقيقية في القرارات الاقتصادية والسياسية في السودان، وبالتالي سلطة حقيقية في تحقيق رؤية تنموية معقولة، أيّا كانت.
دور رئيس الوزراء المتوقع يعتمد على شرطين: قدراته الفكرية والتنظيمية، والأوضاع الحوكمية المناسبة. إذا افترضنا أن حمدوك أو غيره يستوفي الشرط الأول، فالشرط الثاني حاليا ليس بيده.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157627113153243
حول اختيارات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء للفترة الانتقالية: عبدالله حمدوك مثالا
لم أتعرف على إنتاج عبدالله حمدوك بما يكفي لأتصوّر قيمة الدور الذي سيلعبه في إصلاح الأوضاع التنموية في السودان، في ظل أوضاع حوكمة مناسبة. لكن أعرف عن خلفيته المهنية والتدريبية (الأكاديمية) كما يعرف عمومنا اليوم، وكذلك شاهدت فيديو مؤخرا يتحدث فيه بصورة عامة عن الخطوط العريضة للاقتصاد التنموي في افريقيا. يمكن القول من ذلك الفيديو (الوصلة أدناه في التعليقات) إن طرح حمدوك جيد وغير جيد في نفس الوقت.
هو طرحٌ جيد لأنه يرسم خطوطا عريضة غير سيئة. بالفعل، في ظل الأوضاع الحالية لا مجال في افريقيا في المرحلة الحالية لغير نماذج "اقتصاد مختلط" مبني على خطة شاملة وبعيدة المدى، يقودها القطاع العام ومؤسسات الدولة وفق موجّهات قوية في انحيازها للنمو الداخلي (endogenous growth)، وتلك عموما معالم ما يسمى اليوم بالدولة التنموية (developmental state). بالنسبة لنا، ولمن يتفق معنا، اقترحنا نموذج الاقتصاد التعاوني كموجّه لهذه المرحلة، لأنه متسق المعالم ولأنه يفتح النافذة أمام الصعود نحو الاشتراكية المستدامة أو الموطَّنة (أي التي تقوم من الأسفل للأعلى، من القواعد المحلية والعمّالية نحو مؤسسات الدولة، بخلاف اشتراكية الدولة - من الاعلى للأسفل - التي تحيط بها مشاكل كثيرة كما أرتنا التجارب المشهودة في القرن الماضي). إذن، من موقعنا هذا (موقع الاقتصاد التعاوني)، يمكن القول إن الخطوط العريضة التي يطرحها حمدوك مقبولة في مجملها-- مع بعض التحفظ على التفاصيل، وكذلك احتمالات الاختلاف في السياسات التي تترجم هذه الخطوط العريضة (والاختلاف في السياسات قد يكون اختلافا كبيرا أحيانا، فالعبرة إنما هي في نتائج السياسات، والسياسات الخاطئة تؤدي لنتائج خاطئة وإن كانت الخطوط العريضة جيدة).
وطرحٌ كذلك غير جيد، لأنه ليس طرحا أصيلا أو نادرا، وبالتالي فهو لا يقف على أرض مستقلة، فهو نفسه حديث هيئات الأمم المتحدة منذ بدايات هذه الألفية، لكن بغير تغييرات جذرية ملموسة على أرض الواقع. فهل حمدوك يكرر فقط خطاب الامم المتحدة الحالي، بوصفه موظفا عاليا فيها، أم هو فعلا متمكّن من قضيّته هذه ولديه رؤية واضحة للسودان؟ في واقع الأمر، هيئة الأمم المتحدة غيّرت خطابها التنموي العام مؤخرا ليس لأنها عميقة الرؤية وإنما لأن التجربة الواضحة أثبتت فشل سياساتها في الحقبة الماضية، وهي السياسات التي أدت للمزيد من المشاكل التنموية في البلدان التي اختارت أن "تسمع كلام" الأمم المتحدة (في حين أن بعض البلدان التي اختارت أن تلتصق برؤاها الخاصة رغم الضغط العالمي، بواسطة الغرب وبواسطة بعض مؤسسات الأمم المتحدة، انتصرت في النهاية تنمويا، مثل ماليزيا والصين ورواند). إذن غيّرت الأمم المتحدة عموما آراءها بعد تكلفة عالية من السياسات الخاطئة التي تبنّتها قبل ذلك، وهي التكلفة التي دفعتها الشعوب النامية لا الأمم المتحدة نفسها. أذكر جيدا كيف أن بعض ممثلي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، (ومعهم ممثلي منظمة الأمم المتحدة للصناعة)، مؤخرا في تنزانيا، تحدثوا عن نيريري ورؤيته المحورية لدور القطاع العام والتعاونيات في التنمية، ووصفوها بأنها رؤية ثاقبة، في حين أنها نفس الرؤية التي ساهموا في إحباطها في أواخر سنوات نيريري في الحكم ودفعوا القيادة التي خلفته للتخلي عنها. لأجل ذلك لن يكفي حديث حمدوك العام عن الخطوط العريضة للرؤية التنموية السليمة لأقتنع بأنه يعي ما يقول ومتمكن من قضيته (وسنين خبرته الكثيرة ليست معيارا هنا، فهنالك اقتصاديون عالميون بخبرات أطول من خبرته وما زالوا أصحاب سياسات فاشلة، كما أن الخبرة المطلوبة هنا مسألة نوعية وليست كمية). قد يكون مجرد بوق للأمم المتحدة (ولامتدادها في الاتحاد الافريقي) وقد لا يكون. سنرى.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فكما ذكرنا من قبل، القصة الكبرى في هذا التحوّل في السودان هو علاقات القوى، لأن الرؤى التنموية السديدة لا تجد فرصة تنزيل على أرض الواقع مع غياب الإرادة السياسية الجادة خلفها. حاليا، ما يسمى بقسمة السلطة بين اللجنة الأمنية للنظام البائد (أو الإنقاذ 2) وقوى الحرية والتغيير، ليس بقسمة سلطة حقيقية وإنما قسمة مناصب حكم، أما سلطة الدولة الفعلية فهي حسب الاوضاع الحالية بيد ما يسمى بالمجلس العسكري (المعجا)، لأن قحت أخطأت الطريق لبناء السلطة - وظنته الوصول لمناصب حكم - وضيّعت الاستثمار الحقيقي من ما لقيته من تفويض شعبي لم يحصل في تاريخ السودان الحديث من قبل. وفق علاقات سلطة مختلة كهذه، أشك في أن يكون لمجلس الوزراء عموما - بله رئيس الوزراء وحده - سلطة حقيقية في القرارات الاقتصادية والسياسية في السودان، وبالتالي سلطة حقيقية في تحقيق رؤية تنموية معقولة، أيّا كانت.
دور رئيس الوزراء المتوقع يعتمد على شرطين: قدراته الفكرية والتنظيمية، والأوضاع الحوكمية المناسبة. إذا افترضنا أن حمدوك أو غيره يستوفي الشرط الأول، فالشرط الثاني حاليا ليس بيده.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157627113153243
الرّك على الرؤية
كتب قصي همرور
"..
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فكما ذكرنا من قبل، القصة الكبرى في هذا التحوّل في السودان هو علاقات القوى، لأن الرؤى التنموية السديدة لا تجد فرصة تنزيل على أرض الواقع مع غياب الإرادة السياسية الجادة خلفها. حاليا، ما يسمى بقسمة السلطة بين اللجنة الأمنية للنظام البائد (أو الإنقاذ 2) وقوى الحرية والتغيير، ليس بقسمة سلطة حقيقية وإنما قسمة مناصب حكم، أما سلطة الدولة الفعلية فهي حسب الاوضاع الحالية بيد ما يسمى بالمجلس العسكري (المعجا)، لأن قحت أخطأت الطريق لبناء السلطة - وظنته الوصول لمناصب حكم - وضيّعت الاستثمار الحقيقي من ما لقيته من تفويض شعبي لم يحصل في تاريخ السودان الحديث من قبل. وفق علاقات سلطة مختلة كهذه، أشك في أن يكون لمجلس الوزراء عموما - بله رئيس الوزراء وحده - سلطة حقيقية في القرارات الاقتصادية والسياسية في السودان، وبالتالي سلطة حقيقية في تحقيق رؤية تنموية معقولة، أيّا كانت.
"
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب عمَّار جمال في صفحته في الفيسبك:
الجرعة بتاعت حادثة زرزور (بقيت حادثة يا جن) خطوة صغيرة لإنسان المدنياااو السوداني، ولكنها قفزة كبيرة في طاقة المدنية السودانية. كيف؟
زرزور ببساطة رفع يافطة منسوبة للمجهول ليأتي الرد مشحون بالشخصنة. هذا هو درس المدنية الأكبر. نعم هتف الثوار مدنيااااو وهم يقصدون النداء بحكم مدني أو دولة مدنية (مع العلم أن لا وجود لدولة مدنية أو حكومة مدنية، لا في أدبيات السياسة ولا ممارساتها)، لكن هل بحق هذا هو المقصود بالخطأ التعبيري النبيل لصوت "مدنيااااااو". نعم صوت وليس كلمة. لأن الكلمة محددة بهوية وفضاء تعبيري، بينما الصوت يحرث في الفراغ. لهذا كانت مدنيااااو نداء، ناقص لكنه نداء تأسيسي، يحرث في صحراء مدنيتنا، قُل قحتنا المدني. مدنيااااو هي إنتاج لرغبة الشباب في فضاء مدني ليس له شرط غير الحرية. حرية غير مشروطة. تشويش كامل للحواس. لهذا كانت كولمبيا تمثلهم، بل كانوا هم نفسهم كولمبيا. أما الكرفتات الأخلاقية، فهي ترغب في إنجاز دولة مدنية دون "مدنيااااو"، أي عمليتها التأسيسية، التي دونها لن تنشأ ولن يتحرك فضاء الضمير قيد أنملة.
للأسف، وكالعادة، كان المجلس أكثر دراية بعدوه من برجوازية المدن بحليفها. لهذا هاجم الثورة من بابها الشمالي، وشارع نيلها، ولا وعيها الحاد. وحينما قصد النظام فض الاعتصام، كان من بين أهدافه القصوى الراستات والمبشتنين. المدنيااااويين. ولأن الحياة قاسية في مفارقتها الساخرة، ولكي يكتمل درس الحماقة للحمقى، كان لا بد للقدر أن يجعل من إسماعيل التاج نفسه راستا. لكن كيف لمن يحيا في الهاشتاق أن يفهم معنى الالتحام.
https://www.facebook.com/amar.jamal.77
الجرعة بتاعت حادثة زرزور (بقيت حادثة يا جن) خطوة صغيرة لإنسان المدنياااو السوداني، ولكنها قفزة كبيرة في طاقة المدنية السودانية. كيف؟
زرزور ببساطة رفع يافطة منسوبة للمجهول ليأتي الرد مشحون بالشخصنة. هذا هو درس المدنية الأكبر. نعم هتف الثوار مدنيااااو وهم يقصدون النداء بحكم مدني أو دولة مدنية (مع العلم أن لا وجود لدولة مدنية أو حكومة مدنية، لا في أدبيات السياسة ولا ممارساتها)، لكن هل بحق هذا هو المقصود بالخطأ التعبيري النبيل لصوت "مدنيااااااو". نعم صوت وليس كلمة. لأن الكلمة محددة بهوية وفضاء تعبيري، بينما الصوت يحرث في الفراغ. لهذا كانت مدنيااااو نداء، ناقص لكنه نداء تأسيسي، يحرث في صحراء مدنيتنا، قُل قحتنا المدني. مدنيااااو هي إنتاج لرغبة الشباب في فضاء مدني ليس له شرط غير الحرية. حرية غير مشروطة. تشويش كامل للحواس. لهذا كانت كولمبيا تمثلهم، بل كانوا هم نفسهم كولمبيا. أما الكرفتات الأخلاقية، فهي ترغب في إنجاز دولة مدنية دون "مدنيااااو"، أي عمليتها التأسيسية، التي دونها لن تنشأ ولن يتحرك فضاء الضمير قيد أنملة.
للأسف، وكالعادة، كان المجلس أكثر دراية بعدوه من برجوازية المدن بحليفها. لهذا هاجم الثورة من بابها الشمالي، وشارع نيلها، ولا وعيها الحاد. وحينما قصد النظام فض الاعتصام، كان من بين أهدافه القصوى الراستات والمبشتنين. المدنيااااويين. ولأن الحياة قاسية في مفارقتها الساخرة، ولكي يكتمل درس الحماقة للحمقى، كان لا بد للقدر أن يجعل من إسماعيل التاج نفسه راستا. لكن كيف لمن يحيا في الهاشتاق أن يفهم معنى الالتحام.
https://www.facebook.com/amar.jamal.77
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
كتب قُصي همرور في صفحته في الفيسبك:
منذ بدايات هذه الثورة، كان لبعضنا مواقف واضحة حول وضع النضال المسلح في الصورة الكبيرة لهذه الثورة.
في 28 يناير، كتبنا هنا: "المقاومة السلمية هي الخيار الأول والأقوى نعم، خصوصا بالنسبة للجماهير المدنية الضخمة. لكن ينبغي أن لا نحط من قيمة النضال المسلح... نحنا عندنا في السودان شعوب ومجموعات شالت السلاح لأنها اضطرت لذلك من أجل حقها في الحياة والكرامة، وديل شركاء للثوار السلميين في القضية، ودورهم في تخلقات الثورة الشعبية عموما واضح وقوي ومهم. ثم باختصار: غير صحيح أن الثورة إذا كانت محمية بالسلاح فهي بالضرورة حتنتهي بدولة قائمة على العنف والمحسوبية والفشل. غير صحيح بالمرة، والتاريخ شاهد على ذلك... التحية للمناضلين بالسلاح، شركاء الثورة الأُصَلاء، والمجد لتضحياتهم وصمودهم."
الخطاب العام، الذي يصوّر هذه الثورة على أنها حصريا لاعنفية، وأن النضال المسلّح، عبر السنوات الماضية كلها، لا نصيب له البتة في التحولات الأخيرة التي جرت، يرتكب أصحابه جريرة من حيث لا يعلمون (أو بعضهم يعلمون)، إذ بذلك يسفّهون تضحيات مجموعات كثيرة من شعوب السودان، ماتت واجتهدت وخاطرت وعانت، على مدى زمني طويل، مثل المدنيين في المدن والقرى عموما من أجل سودان أفضل. والتقليل من شأن هذه التضحيات والمساهمات فيه تكرار لحلقة رديئة، لأن المركز بذلك يقوم مرة أخرى بتهميش مساهمات الهامش وإعلاء قدحه هو (ولا يغيّر ذلك حقيقة أن مُدُنا وقرى شتى في السودان ساهمت في الحراك المدني الثائر منذ ديسمبر وحتى اليوم، بل وقبل ذلك أيضا، وبعضها في أقاليم بعيدة من الخرطوم، لأن جميعنا يعرف أن الحراك الثوري اللاعنفي منذ ديسمبر تركّز في الخرطوم في النهاية، وإن لم يبدأ بها، كما أن معظم رموز الحراك - في الإعلام والتفويض للمفاوضات مع المعجا - من عيال ورؤوس بيوت خرطومية مركزية، وهذا فيه احتكار واضح لوجه الثورة ذكرناه من قبل). إذن ينبغي الحذر من الخطاب الذي يبدو أحيانا بريئا حين يقول إن هذه الثورة ثورة لاعنفية تماما، لأن تبعات ذلك تعني أن أي شخص حمل سلاحا في السودان، من أجل قضية عادلة وبسبب ظروف قاسية، ليس له مساهمة تُذكَر في منجزات الثورة والتحوّل الإيجابي في أي مستوى.
إذا كان البعض يظن أن مجرد هتاف "كل البلد دارفور" يَجُبُّ كل سنوات التهميش والاضطهاد، والقتل والقهر المسكوت عنه، فهؤلاء واهمون، ويختزلون رصيد أجيال في هتافات لم تجد حتى الفرصة الكافية لتتحقق على أرض واقع الخرطوم نفسها، بله بقية السودان؛ تماما مثل من يظنون إن الحديث عن المشاركة الغالبة للنساء في الحراك الثوري الأخير، وتسميتهم بالكنداكات، يجبّ كل رصيد أعمار القهر والتمييز الجنسي وتأخير المرأة في السودان، وحتى الآن في تمثيل الثورة في المركز نفسه. الكثير الكثير من الثوّار في دارفور، وفي جنوب السودان (حين كان جزءا من السودان) وفي جبال النوبة والنيل الأزرق، إلخ، نساءً ورجالا، كانوا يقولون إن السودان كله واحد (كل البلد دارفور؟) وكانوا ينافحون عن رؤية لوطن أفضل للجميع بينما كانوا يحملون السلاح ويعرّضون حياتهم للخطر، في حين كان وقتها الكثير من أهالي المركز لا يؤمنون ولا يقولون "كل البلد دارفور" ولا حتى في سرّهم.
ظاهرة السعي - الواعي وغير الواعي - للهيمنة على مساحة النضال
(dominating the space of the struggle)
هي من مواريث أهل الامتيازات - أهل المركز - إذ أنهم بفعل امتيازاتهم - الإثنية والاجتماعية/التاريخية والجندرية - ينطبعون على مظنة أن الصدارة مكانهم الطبيعي حتى في حلبات النضال، ويميلون للإعلاء من حجم مساهماتهم والتقليل من مساهمات الآخرين حتى حين يكونون جميعا مناضلين في نفس الجبهة ومن أجل نفس القضايا. والكثيرون منهم، حين يُوَاجَهون بهذا الأمر، ينكرونه (وبعضهم فعلا يكون صادقا في نكرانه، أي أنهم لا يدركون أنهم حقا يفعلون ذلك). لكن، سواءً قَبِل أصحاب الامتيازات هذا النقد أم لم يقبلوه، من المهم أن يعرفوا أنهم لن يكونوا أهل النسخة الوحيدة المعتمدة من سيرة النضال، وأن نسختهم تلك مشكوك فيها لأنها مكتوبة بعيون الامتياز الانتقائية.
لذلك نكرر: هذا الحراك الثوري الأخير لاعنفي، نعم، لكن الثورة الشعبية السودانية عموما ليست "سلمية" فحسب، بل هي مليئة بمساهمة نوعية وكمية من أهل النضال المسلّح؛ كانت وما زالت.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157634588968243
منذ بدايات هذه الثورة، كان لبعضنا مواقف واضحة حول وضع النضال المسلح في الصورة الكبيرة لهذه الثورة.
في 28 يناير، كتبنا هنا: "المقاومة السلمية هي الخيار الأول والأقوى نعم، خصوصا بالنسبة للجماهير المدنية الضخمة. لكن ينبغي أن لا نحط من قيمة النضال المسلح... نحنا عندنا في السودان شعوب ومجموعات شالت السلاح لأنها اضطرت لذلك من أجل حقها في الحياة والكرامة، وديل شركاء للثوار السلميين في القضية، ودورهم في تخلقات الثورة الشعبية عموما واضح وقوي ومهم. ثم باختصار: غير صحيح أن الثورة إذا كانت محمية بالسلاح فهي بالضرورة حتنتهي بدولة قائمة على العنف والمحسوبية والفشل. غير صحيح بالمرة، والتاريخ شاهد على ذلك... التحية للمناضلين بالسلاح، شركاء الثورة الأُصَلاء، والمجد لتضحياتهم وصمودهم."
الخطاب العام، الذي يصوّر هذه الثورة على أنها حصريا لاعنفية، وأن النضال المسلّح، عبر السنوات الماضية كلها، لا نصيب له البتة في التحولات الأخيرة التي جرت، يرتكب أصحابه جريرة من حيث لا يعلمون (أو بعضهم يعلمون)، إذ بذلك يسفّهون تضحيات مجموعات كثيرة من شعوب السودان، ماتت واجتهدت وخاطرت وعانت، على مدى زمني طويل، مثل المدنيين في المدن والقرى عموما من أجل سودان أفضل. والتقليل من شأن هذه التضحيات والمساهمات فيه تكرار لحلقة رديئة، لأن المركز بذلك يقوم مرة أخرى بتهميش مساهمات الهامش وإعلاء قدحه هو (ولا يغيّر ذلك حقيقة أن مُدُنا وقرى شتى في السودان ساهمت في الحراك المدني الثائر منذ ديسمبر وحتى اليوم، بل وقبل ذلك أيضا، وبعضها في أقاليم بعيدة من الخرطوم، لأن جميعنا يعرف أن الحراك الثوري اللاعنفي منذ ديسمبر تركّز في الخرطوم في النهاية، وإن لم يبدأ بها، كما أن معظم رموز الحراك - في الإعلام والتفويض للمفاوضات مع المعجا - من عيال ورؤوس بيوت خرطومية مركزية، وهذا فيه احتكار واضح لوجه الثورة ذكرناه من قبل). إذن ينبغي الحذر من الخطاب الذي يبدو أحيانا بريئا حين يقول إن هذه الثورة ثورة لاعنفية تماما، لأن تبعات ذلك تعني أن أي شخص حمل سلاحا في السودان، من أجل قضية عادلة وبسبب ظروف قاسية، ليس له مساهمة تُذكَر في منجزات الثورة والتحوّل الإيجابي في أي مستوى.
إذا كان البعض يظن أن مجرد هتاف "كل البلد دارفور" يَجُبُّ كل سنوات التهميش والاضطهاد، والقتل والقهر المسكوت عنه، فهؤلاء واهمون، ويختزلون رصيد أجيال في هتافات لم تجد حتى الفرصة الكافية لتتحقق على أرض واقع الخرطوم نفسها، بله بقية السودان؛ تماما مثل من يظنون إن الحديث عن المشاركة الغالبة للنساء في الحراك الثوري الأخير، وتسميتهم بالكنداكات، يجبّ كل رصيد أعمار القهر والتمييز الجنسي وتأخير المرأة في السودان، وحتى الآن في تمثيل الثورة في المركز نفسه. الكثير الكثير من الثوّار في دارفور، وفي جنوب السودان (حين كان جزءا من السودان) وفي جبال النوبة والنيل الأزرق، إلخ، نساءً ورجالا، كانوا يقولون إن السودان كله واحد (كل البلد دارفور؟) وكانوا ينافحون عن رؤية لوطن أفضل للجميع بينما كانوا يحملون السلاح ويعرّضون حياتهم للخطر، في حين كان وقتها الكثير من أهالي المركز لا يؤمنون ولا يقولون "كل البلد دارفور" ولا حتى في سرّهم.
ظاهرة السعي - الواعي وغير الواعي - للهيمنة على مساحة النضال
(dominating the space of the struggle)
هي من مواريث أهل الامتيازات - أهل المركز - إذ أنهم بفعل امتيازاتهم - الإثنية والاجتماعية/التاريخية والجندرية - ينطبعون على مظنة أن الصدارة مكانهم الطبيعي حتى في حلبات النضال، ويميلون للإعلاء من حجم مساهماتهم والتقليل من مساهمات الآخرين حتى حين يكونون جميعا مناضلين في نفس الجبهة ومن أجل نفس القضايا. والكثيرون منهم، حين يُوَاجَهون بهذا الأمر، ينكرونه (وبعضهم فعلا يكون صادقا في نكرانه، أي أنهم لا يدركون أنهم حقا يفعلون ذلك). لكن، سواءً قَبِل أصحاب الامتيازات هذا النقد أم لم يقبلوه، من المهم أن يعرفوا أنهم لن يكونوا أهل النسخة الوحيدة المعتمدة من سيرة النضال، وأن نسختهم تلك مشكوك فيها لأنها مكتوبة بعيون الامتياز الانتقائية.
لذلك نكرر: هذا الحراك الثوري الأخير لاعنفي، نعم، لكن الثورة الشعبية السودانية عموما ليست "سلمية" فحسب، بل هي مليئة بمساهمة نوعية وكمية من أهل النضال المسلّح؛ كانت وما زالت.
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157634588968243
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
تركيب مائدة الواقع السوداني
قُصِي همرور
"التركيب ما كعب، كعب التركيب الكعب"
- عبدالدائم نوري، يوليو 2019
""ماركس وأنا نستحق جزءًا من الملامة حول حقيقة أن من هم أصغر منّا يضعون أحيانا تركيزهم على الجانب الاقتصادي أكثر مما يستحق. كان علينا [ماركس وأنا] أن نركّز الضوء على المبدأ الأساسي عندنا في مقابلة خصومنا الذين أنكروا ذلك المبدأ، ولم يكن لدينا دوما الوقت أو المكان أو الفرصة كيما نلقي الضوء على العناصر الأخرى الضالعة في التفاعل. لكن حين استدعى الأمر عرض حالة تاريخية، أي تقديم تطبيق/تحليل عملي على أرض الواقع التاريخي، لم تكن هنالك فرصة لخطأ كهذا. لسوء الحظ، على أي حال، حصل كثيرا [أكثر مما يجوز تحمّله] أن افترض الناس أنهم يفهمون نظرية جديدة، ويمكنهم تطبيقها فورا، منذ لحظة استيعابهم لمبادئها الأساسية؛ وحتى هذه قد لا يستوعبوها بشكل صحيح دوما. ولا يمكنني استثناء الكثير من "الماركسيين" الجُدد من هذه الملامة، إذ أن هنالك ترهات مدهشة جدا تم إنتاجها في الفترة الحاضرة كذلك..."
--فريدرك إنجلز، سبتمبر 1890
--------
في مداخلة سابقة، في مارس 2019، وصفت واقع الدولة العصرية بأنه:
"في الغالب أعقد نظام اجتماعي في التاريخ قاطبة. يتشكل من أجهزة ومؤسسات كثيرة، تتوزّع عليها سلطات، وهذه السلطات تتقاطع وتتداخل. ثم في كل جهاز ومؤسسة هنالك هياكل قائمة بذاتها ثم لديها حلقات اتصال مع مثيلاتها. الأجهزة أجسام والمؤسسات قواعد؛ وأحيانا للأجهزة وجوه ناعمة وللمؤسسات وجوه صلبة. ووفق كل هذا التعقيد تكون الإدارة وتحريك الدواليب بأيدي أشخاص متبايني النوايا والمصالح والقدرات، فيؤثر اختيارهم ومنصبهم في المواضع الحساسة في ذلك النظام على جميع الحكاية. إضافة لذلك فإن وظائف نظام الدولة العصرية أوسع نطاقا من أي مخلوق اجتماعي آخر في التاريخ: تشمل التنظير والتخطيط والتنفيذ، والرصد والتقييم، والمراجعة والبت في المسائل، ومتابعة البت، والمسؤولية عن نتائج كثيرة، مقصودة وغير مقصودة؛ كما تشمل احتكار القوة الجبرية في رقعتها والمسؤولية عنها، إلخ.
لذلك فنظام الدولة في الواقع نُظُم متعددة، متشابكة ومهيكلة بحيث يصح وصفها بالنظام الواحد تجاوزا وتجريدا فحسب، لكنها في الواقع ليست نظاما واحدا.
مع كل هذا يصبح واضحا أنه من العبث مجرد الظن أن هنالك أفراد ما، في هذا الكوكب، قادرون على إدارة الدولة العصرية إدارة مباشرة ومركزية. باختصار لم يولد بعد ذلك البشري الخارق الذي يستطيع فعلا القيام بذلك، سواء كان برضا بقية الناس أو بغير رضاهم. لكن من الممكن أن يكون هنالك رأس تنسيقي كبير، يقنع أو يوهم بقية الرؤوس المتنفّذة في بوابات نظام الدولة - لنسمّيهم "درابنة المنافذ"، والدِّربان هو البوّاب أو الحاجب - أنه يوجّههم توجيها لصيقا وأن ذلك ممكن الاستدامة. ولذلك فإن أي نظام دكتاتوري فعليا في هذا العصر إنما هو نظام "أوليغاركي" (oligarchy) في واقع الأمر، أي نظام حكم جماعة أقلية محدودة مسيطرة على بوّابات نظام الدولة (درابنة المنافذ) وتتنفّذ فيها لصالح أجندتها. ومن أجل ذلك يقال إن التخلص من أي دكتاتورية أو شمولية لا يكون بالتخلص من رأس الطاقم الحاكم فحسب – رأس الأوليغاركية – إنما بتحرير بوابات نظام الدولة من عموم الجماعة المسيطرة عليها."
--------
مما تقدّم أعلاه، ومن باب الاهتمام بفهم واقع الدولة السودانية وجذورها ومآلاتها، ومحاولة التحكم في تلك المآلات لمصلحة أغلبية شعوب السودان، خصوصا المسلوبين والمقهورين منهم، لا أجد مفرّا من استعمال المنهج المادي التاريخي (الممدود من المادية الديلكتيكية) لقراءة ذلك الواقع واستنباط النتائج منه. لكني في نفس الوقت أدرك أن سياق السودان بتعقيده وخصوصياته، لا يكفيه ذلك المنهج، ولا أعتقد أن أي شخص يفهم المادية الديلكتيكية جيدا سيتحدث عن اكتفاء ذلك المنهج بنفسه في فهم حالات متميزة، ما بعد استعمارية ولم تتوطّن فيها الرأسمالية بعد (مع ظهور ظواهر "كومبرادورية" ممتزجة مع الظواهر الموجودة مسبقا في حُلَل ثقافية تدير معادلات السلطة والثروة)، مثل الحالة السودانية.
هذه خلاصة قريبة، وقد استنتجها قديما آخرون، في حالات مشابهة، من أملكار كابرال إلى والتر رودني إلى كامباراقي (جوليوس) نيريري إلى إبراهيم (فرانز) فانون إلى إدوارد سعيد؛ إلى محمود محمد طه (الذي صرّح بوضوح أن المادية الديلكتيكية منهج سليم، ويؤخذ به، لكن مع اعتبار أنه لوحده ناقص).
--------
في كتابات كثيرة سابقة، ذكرتُ أن الواقع السوداني يستوعب منهجين فاعلين فيه سياقه، أحدهما المنهج المادي الديلكتيكي، والآخر منهج التحليل الثقافي.
الكثيرون لم يقبلوا بهذا "التركيب"، من المعسكرين (ومن غيرهما)، لظنون لا نراها مؤسسة (كما اختبرناها). لكن، ما نراه أن أهل هذين المنهجين، شاؤوا أم أبوا، يتأثر بعضهم ببعض - كما جرى فعلا من قبل - ما داموا فاعلين في محاولة فهم وحل المشكل السوداني.
من نماذج ذلك أن الكثيرين من منسوبي اليسار الماركسي السوداني، المرنين فكريّا، صاروا مؤخرا يستعملون نفس أدوات التفكيك التي يستعملها منهج التحليل الثقافي، وحتى نفس اللغة أحيانا (أو لغة قريبة منها)، سواء أشاروا لمنهج التحليل الثقافي أم لا. ومن نماذج ذلك أيضا أن خطاب التحليل الثقافي، منذ بداياته، كان وما زال، عند الناطقين المؤسسين له، يستعمل أدوات تحليل مادية تاريخية ضمن ترسانته الفكرية والتنظيمية العامة، وإن كانت معارك إثبات الوجود جعلتهم يركّزون كثيرا على تبيان مناطق الاختلاف مع المادية الديلكتيكية (وهو نفس الخطأ الذي تورّط فيه ماركس وإنجلز قديما، في مواجهة خصومهما، بتصريح إنجلز نفسه، في الاقتباس أعلاه). هذان طبقان يصلحان لمائدة واحدة--مائدة الوقع السوداني.
--------
لأجل ذلك، شعرت بالرضا مؤخرا - وهو شعور نادر هذه الأيام - حين وجدت في الوثيقة المحدثة للبيان الإعلامي لمؤتمر كوش (مانيفيستو كوش) هذه العبارة:
"إن نظرتنا للاقتصاد التعاوني لا تختلف في جوهرها عن النضال والعمل المستمر لأكثر من قرنين من أجل تحقيق الاشتراكية، لا اتباعاً للمدارس التي سبقت ولا تزال تعمل، بل تفاعلاً معها ومع تجاربها، ثم تجاوزاً لها بالنّظر إلى صيغة الاقتصاد التعاوني على أنها أنجع المقاربات لتحقيق الاشتراكية. في هذا تتفق حركة كوش مع التيار الآفروعمومي الذي نادى بتطبيق الاقتصاد التعاوني على أن في هذا التحقيق الأمثل والأنسب للاشتراكية. في هذا تثبت حركة كوش أنها حركة منفتحة ما بين التيارين الفكريين: التاريخي المادي والتاريخي الثقافي، غير منغلقة على أحدهما أو غيرهما."
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157677465153243
قُصِي همرور
"التركيب ما كعب، كعب التركيب الكعب"
- عبدالدائم نوري، يوليو 2019
""ماركس وأنا نستحق جزءًا من الملامة حول حقيقة أن من هم أصغر منّا يضعون أحيانا تركيزهم على الجانب الاقتصادي أكثر مما يستحق. كان علينا [ماركس وأنا] أن نركّز الضوء على المبدأ الأساسي عندنا في مقابلة خصومنا الذين أنكروا ذلك المبدأ، ولم يكن لدينا دوما الوقت أو المكان أو الفرصة كيما نلقي الضوء على العناصر الأخرى الضالعة في التفاعل. لكن حين استدعى الأمر عرض حالة تاريخية، أي تقديم تطبيق/تحليل عملي على أرض الواقع التاريخي، لم تكن هنالك فرصة لخطأ كهذا. لسوء الحظ، على أي حال، حصل كثيرا [أكثر مما يجوز تحمّله] أن افترض الناس أنهم يفهمون نظرية جديدة، ويمكنهم تطبيقها فورا، منذ لحظة استيعابهم لمبادئها الأساسية؛ وحتى هذه قد لا يستوعبوها بشكل صحيح دوما. ولا يمكنني استثناء الكثير من "الماركسيين" الجُدد من هذه الملامة، إذ أن هنالك ترهات مدهشة جدا تم إنتاجها في الفترة الحاضرة كذلك..."
--فريدرك إنجلز، سبتمبر 1890
--------
في مداخلة سابقة، في مارس 2019، وصفت واقع الدولة العصرية بأنه:
"في الغالب أعقد نظام اجتماعي في التاريخ قاطبة. يتشكل من أجهزة ومؤسسات كثيرة، تتوزّع عليها سلطات، وهذه السلطات تتقاطع وتتداخل. ثم في كل جهاز ومؤسسة هنالك هياكل قائمة بذاتها ثم لديها حلقات اتصال مع مثيلاتها. الأجهزة أجسام والمؤسسات قواعد؛ وأحيانا للأجهزة وجوه ناعمة وللمؤسسات وجوه صلبة. ووفق كل هذا التعقيد تكون الإدارة وتحريك الدواليب بأيدي أشخاص متبايني النوايا والمصالح والقدرات، فيؤثر اختيارهم ومنصبهم في المواضع الحساسة في ذلك النظام على جميع الحكاية. إضافة لذلك فإن وظائف نظام الدولة العصرية أوسع نطاقا من أي مخلوق اجتماعي آخر في التاريخ: تشمل التنظير والتخطيط والتنفيذ، والرصد والتقييم، والمراجعة والبت في المسائل، ومتابعة البت، والمسؤولية عن نتائج كثيرة، مقصودة وغير مقصودة؛ كما تشمل احتكار القوة الجبرية في رقعتها والمسؤولية عنها، إلخ.
لذلك فنظام الدولة في الواقع نُظُم متعددة، متشابكة ومهيكلة بحيث يصح وصفها بالنظام الواحد تجاوزا وتجريدا فحسب، لكنها في الواقع ليست نظاما واحدا.
مع كل هذا يصبح واضحا أنه من العبث مجرد الظن أن هنالك أفراد ما، في هذا الكوكب، قادرون على إدارة الدولة العصرية إدارة مباشرة ومركزية. باختصار لم يولد بعد ذلك البشري الخارق الذي يستطيع فعلا القيام بذلك، سواء كان برضا بقية الناس أو بغير رضاهم. لكن من الممكن أن يكون هنالك رأس تنسيقي كبير، يقنع أو يوهم بقية الرؤوس المتنفّذة في بوابات نظام الدولة - لنسمّيهم "درابنة المنافذ"، والدِّربان هو البوّاب أو الحاجب - أنه يوجّههم توجيها لصيقا وأن ذلك ممكن الاستدامة. ولذلك فإن أي نظام دكتاتوري فعليا في هذا العصر إنما هو نظام "أوليغاركي" (oligarchy) في واقع الأمر، أي نظام حكم جماعة أقلية محدودة مسيطرة على بوّابات نظام الدولة (درابنة المنافذ) وتتنفّذ فيها لصالح أجندتها. ومن أجل ذلك يقال إن التخلص من أي دكتاتورية أو شمولية لا يكون بالتخلص من رأس الطاقم الحاكم فحسب – رأس الأوليغاركية – إنما بتحرير بوابات نظام الدولة من عموم الجماعة المسيطرة عليها."
--------
مما تقدّم أعلاه، ومن باب الاهتمام بفهم واقع الدولة السودانية وجذورها ومآلاتها، ومحاولة التحكم في تلك المآلات لمصلحة أغلبية شعوب السودان، خصوصا المسلوبين والمقهورين منهم، لا أجد مفرّا من استعمال المنهج المادي التاريخي (الممدود من المادية الديلكتيكية) لقراءة ذلك الواقع واستنباط النتائج منه. لكني في نفس الوقت أدرك أن سياق السودان بتعقيده وخصوصياته، لا يكفيه ذلك المنهج، ولا أعتقد أن أي شخص يفهم المادية الديلكتيكية جيدا سيتحدث عن اكتفاء ذلك المنهج بنفسه في فهم حالات متميزة، ما بعد استعمارية ولم تتوطّن فيها الرأسمالية بعد (مع ظهور ظواهر "كومبرادورية" ممتزجة مع الظواهر الموجودة مسبقا في حُلَل ثقافية تدير معادلات السلطة والثروة)، مثل الحالة السودانية.
هذه خلاصة قريبة، وقد استنتجها قديما آخرون، في حالات مشابهة، من أملكار كابرال إلى والتر رودني إلى كامباراقي (جوليوس) نيريري إلى إبراهيم (فرانز) فانون إلى إدوارد سعيد؛ إلى محمود محمد طه (الذي صرّح بوضوح أن المادية الديلكتيكية منهج سليم، ويؤخذ به، لكن مع اعتبار أنه لوحده ناقص).
--------
في كتابات كثيرة سابقة، ذكرتُ أن الواقع السوداني يستوعب منهجين فاعلين فيه سياقه، أحدهما المنهج المادي الديلكتيكي، والآخر منهج التحليل الثقافي.
الكثيرون لم يقبلوا بهذا "التركيب"، من المعسكرين (ومن غيرهما)، لظنون لا نراها مؤسسة (كما اختبرناها). لكن، ما نراه أن أهل هذين المنهجين، شاؤوا أم أبوا، يتأثر بعضهم ببعض - كما جرى فعلا من قبل - ما داموا فاعلين في محاولة فهم وحل المشكل السوداني.
من نماذج ذلك أن الكثيرين من منسوبي اليسار الماركسي السوداني، المرنين فكريّا، صاروا مؤخرا يستعملون نفس أدوات التفكيك التي يستعملها منهج التحليل الثقافي، وحتى نفس اللغة أحيانا (أو لغة قريبة منها)، سواء أشاروا لمنهج التحليل الثقافي أم لا. ومن نماذج ذلك أيضا أن خطاب التحليل الثقافي، منذ بداياته، كان وما زال، عند الناطقين المؤسسين له، يستعمل أدوات تحليل مادية تاريخية ضمن ترسانته الفكرية والتنظيمية العامة، وإن كانت معارك إثبات الوجود جعلتهم يركّزون كثيرا على تبيان مناطق الاختلاف مع المادية الديلكتيكية (وهو نفس الخطأ الذي تورّط فيه ماركس وإنجلز قديما، في مواجهة خصومهما، بتصريح إنجلز نفسه، في الاقتباس أعلاه). هذان طبقان يصلحان لمائدة واحدة--مائدة الوقع السوداني.
--------
لأجل ذلك، شعرت بالرضا مؤخرا - وهو شعور نادر هذه الأيام - حين وجدت في الوثيقة المحدثة للبيان الإعلامي لمؤتمر كوش (مانيفيستو كوش) هذه العبارة:
"إن نظرتنا للاقتصاد التعاوني لا تختلف في جوهرها عن النضال والعمل المستمر لأكثر من قرنين من أجل تحقيق الاشتراكية، لا اتباعاً للمدارس التي سبقت ولا تزال تعمل، بل تفاعلاً معها ومع تجاربها، ثم تجاوزاً لها بالنّظر إلى صيغة الاقتصاد التعاوني على أنها أنجع المقاربات لتحقيق الاشتراكية. في هذا تتفق حركة كوش مع التيار الآفروعمومي الذي نادى بتطبيق الاقتصاد التعاوني على أن في هذا التحقيق الأمثل والأنسب للاشتراكية. في هذا تثبت حركة كوش أنها حركة منفتحة ما بين التيارين الفكريين: التاريخي المادي والتاريخي الثقافي، غير منغلقة على أحدهما أو غيرهما."
https://www.facebook.com/Gussai/posts/10157677465153243
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
خلال الشهور الأخيرة لشبه ديموقراطيتنا الثالثة، عبَّرتُ أكثر من مرَّة، لنفسي، وغالباً لبضعة أصدقاء حميمين، عن امتعاضي، غضبي واكتئابي السياسي بسبب ما كان يغلب على واقعنا السياسي عبر تلك الحقبة، قائلاً لي، ولذلك النفر من الأصدقاء، بأنَّ الحلَّ ربَّما يكمن في مجيء البرابرة.
كان تعبير “مجيء البرابرة” استعارةً لإحدى تأويلات قصيدة الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي، “في انتظار البرابرة”؛ فحينما يعمُّ استفحال أزمة عامة في الواقع، يشرئب الأمل نحو حلٍّ ما، مهما كان خارجياً وقاسياً. لذلك، لم أكن بالغ التوتر في صبيحة الجمعة، ٣٠ يونيو ١٩٨٩، الصبيحة التي كانت أول أيام انقلاب الجبهة الإسلامية القومية.
بالطبع لم يكن ذلك احتفاءً بالانقلاب، كنظام حكم. فأنا لم أكن – ولن أكون – انقلابياً. إنَّما كان وليدَ يأسٍ من لسان حاله يقول: “بلوة تخمهم جميعاً (حكومة ومعارضة المركز السياسي-الثقافي-الاقتصادي-الاجتماعي)!”. كان أملاً في أن يساهم ذلك الانقلاب في تمايز الصفوف السياسية على نحو يُسَهِّل استئصال الأمراض البنيوية، المركزية، المزمنة، المتوارثة، يميناً ويساراً.
وفي الواقع، كانت أنظاري اليافعة، شأنها شأن أنظارٍ أخرى قليلة، يافعة وغير يافعة، لا سيما في المركز الخرطومي وأمثاله في الأقاليم، تضع أملاً كبيراً في الحركة الشعبية لتحرير السودان. فقد كنت، وقلَّة غيري، نرى إلى الحركة كفاعلٍ رئيسٍ – وربَّما وحيدٍ – من شأنه خلخلة، وإعادة ترتيب الخريطة التنظيمية-السياسية، بما يضمن دحرجة التنظيمات الآسنة إلى القبر القمينة به.
كانت تلك نظرة رومانسية، إلى حدٍّ ما، والأهم أنَّها كانت ميكانيكية. بل ربَّما كانت مشرَّبة، بدرجة من الدرجات، بـ”آيديولوجية انقلابية” (فالانقلاب، أيُّ انقلاب سياسي، إنما هو إستراتيجية ميكانيكية رعناء للتغيير). ذلك طبعاً يتناقض مع الموقف من الانقلاب الذي صدر عني في الفقرة الثالثة من هذا المقال. لست أشعر بارتباك أو حرج هنا. فعلاوة على عداوتي، غير الخفية منذ البداية، لانقلاب الجبهة الإسلامية القومية، ساهمت تفاعلات وتطورات متباينة في أن يتأسَّس، في وجداني وذهني، موقف أكثر وضوحاً ونضجاً من الآيديولوجية الانقلابية، يمينيةً كانت أم يسارية.
من هذه التفاعلات والتطورات ما أبان لي أنَّ الحركة الشعبية – في الوقت الذي خرجت فيه، على نحو متميز ورائد – على بعض المُقعِدات الإستراتيجية للتنظيمات السياسية، اليسارية حصراً عندنا، إلا أنَّها لم تتمكَّن، مع ذلك، من التحرُّر من أبرز العيوب البنيوية، الموروثة، التي أقعدت بتلك (وما تزال تُقعِد بهذه) التنظيمات عن النمو النوعي. من ذلك – علاوةً على ضيق الأفق السياسي، الأنانية التنظيمية/الشخصية، الهُزال الثقافي وعلامات أخرى، وبقدر أعظم:
المركزية القابضة، سواء تجلَّت في القائد الواحد أو في بؤرة قيادية أو في الاثنتين معاً، مع غلبة نفوذ القائد الواحد. وهذه الخصيصة، البنيوية، تجمع تنظيماتنا اليمينية مع اليسارية في سلَّةٍ واحدة.
طبعاً هذا لا ينفي وجود فروق نوعية بين التنظيمات اليمينية واليسارية. ففي نظري، أنَّ الأخيرة أكثر تقدماً من الأولى، بالذات فيما يتعلق بتمثُّلات وتمثيلات الحداثة. والقسم الماركسي من الأخيرة أكثر تقدماً من القسم القومي العربي في أوجه عديدة، أبرزها أنَّ ارتباطه بالواقع أبعد غوراً وقراءته له أكثر نفاذاً.
ومع ذلك فإنَّني أزعم:
أنَّ جميع هذه التنظيمات إنَّما هي ابنة بنية التخلف لدينا؛ حيث الأطُر الاجتماعية-الإدارية، التي ظلَّت فاعليتها سائدة، تتمثَّل في القبيلة، العشيرة والطائفة (بما يشمل “الأسرة الحاكمة” في حالاتٍ سائدة للأُطٌر الثلاثة)؛ مما خلَّفَ تأثيرات وميكانزمات – في الوعي و/أو اللاوعي التنظيمي – ذات مستويات متفاوتة من تنظيم لآخر.
ولأنَّ تلك-هذه الفاعلية – القبلية-العشيرية-الطائفية – ظلَّت متوارثة، فإنَّ إدارة شؤون، حُكم “دولتنا” (التي هي القاسم شبه المشترك في حالتنا) نُفِّذتْ بأوامر ذلك (وهذا) الموروث، خلال حقبة شبه ديموقراطيتنا الثالثة، تلك التي تَسَبَّبَ لي واقعُها السياسي في ذلك الامتعاض، الغضب والاكتئاب.
هل يعني هذا تبرئة شبه ديموقراطيتينا اللتين سبقتا تلك الثالثة؟
قطعاً لا.
هل تلك الفاعلية، السحيقة، ما تزال مهيمنة في واقعنا السياسي اليومي، وستكون فاعلة في واقع الغد القريب لنا؟
أزعم أن نعم.
هل أنا أعاني – الآن – من امتعاضٍ، غضبٍ واكتئابٍ سياسيٍّ مماثل، بسبب ما أُرتُكِبَ، وما يزال يُرتَكَبُ، في حق ثورة ديسمبر ٢٠١٨؟
هذا مؤكد.
هل سأعاني – غداً – من امتعاضٍ، غضبٍ واكتئابٍ سياسيٍّ مماثل، بسبب حليمة التي من المتوقَّع أن تعود – لو جاء هذا الغد – لحالتها القديمة؟
هذا مُرجَّح.
هل سيكمن الحل – الآن أو غداً – في مجيء البرابرة؟
قطعا لا.
[email protected]
----------------------
https://www.medameek.com/2020/06/13/%d8 ... bW1y9aGwBo
كان تعبير “مجيء البرابرة” استعارةً لإحدى تأويلات قصيدة الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي، “في انتظار البرابرة”؛ فحينما يعمُّ استفحال أزمة عامة في الواقع، يشرئب الأمل نحو حلٍّ ما، مهما كان خارجياً وقاسياً. لذلك، لم أكن بالغ التوتر في صبيحة الجمعة، ٣٠ يونيو ١٩٨٩، الصبيحة التي كانت أول أيام انقلاب الجبهة الإسلامية القومية.
بالطبع لم يكن ذلك احتفاءً بالانقلاب، كنظام حكم. فأنا لم أكن – ولن أكون – انقلابياً. إنَّما كان وليدَ يأسٍ من لسان حاله يقول: “بلوة تخمهم جميعاً (حكومة ومعارضة المركز السياسي-الثقافي-الاقتصادي-الاجتماعي)!”. كان أملاً في أن يساهم ذلك الانقلاب في تمايز الصفوف السياسية على نحو يُسَهِّل استئصال الأمراض البنيوية، المركزية، المزمنة، المتوارثة، يميناً ويساراً.
وفي الواقع، كانت أنظاري اليافعة، شأنها شأن أنظارٍ أخرى قليلة، يافعة وغير يافعة، لا سيما في المركز الخرطومي وأمثاله في الأقاليم، تضع أملاً كبيراً في الحركة الشعبية لتحرير السودان. فقد كنت، وقلَّة غيري، نرى إلى الحركة كفاعلٍ رئيسٍ – وربَّما وحيدٍ – من شأنه خلخلة، وإعادة ترتيب الخريطة التنظيمية-السياسية، بما يضمن دحرجة التنظيمات الآسنة إلى القبر القمينة به.
كانت تلك نظرة رومانسية، إلى حدٍّ ما، والأهم أنَّها كانت ميكانيكية. بل ربَّما كانت مشرَّبة، بدرجة من الدرجات، بـ”آيديولوجية انقلابية” (فالانقلاب، أيُّ انقلاب سياسي، إنما هو إستراتيجية ميكانيكية رعناء للتغيير). ذلك طبعاً يتناقض مع الموقف من الانقلاب الذي صدر عني في الفقرة الثالثة من هذا المقال. لست أشعر بارتباك أو حرج هنا. فعلاوة على عداوتي، غير الخفية منذ البداية، لانقلاب الجبهة الإسلامية القومية، ساهمت تفاعلات وتطورات متباينة في أن يتأسَّس، في وجداني وذهني، موقف أكثر وضوحاً ونضجاً من الآيديولوجية الانقلابية، يمينيةً كانت أم يسارية.
من هذه التفاعلات والتطورات ما أبان لي أنَّ الحركة الشعبية – في الوقت الذي خرجت فيه، على نحو متميز ورائد – على بعض المُقعِدات الإستراتيجية للتنظيمات السياسية، اليسارية حصراً عندنا، إلا أنَّها لم تتمكَّن، مع ذلك، من التحرُّر من أبرز العيوب البنيوية، الموروثة، التي أقعدت بتلك (وما تزال تُقعِد بهذه) التنظيمات عن النمو النوعي. من ذلك – علاوةً على ضيق الأفق السياسي، الأنانية التنظيمية/الشخصية، الهُزال الثقافي وعلامات أخرى، وبقدر أعظم:
المركزية القابضة، سواء تجلَّت في القائد الواحد أو في بؤرة قيادية أو في الاثنتين معاً، مع غلبة نفوذ القائد الواحد. وهذه الخصيصة، البنيوية، تجمع تنظيماتنا اليمينية مع اليسارية في سلَّةٍ واحدة.
طبعاً هذا لا ينفي وجود فروق نوعية بين التنظيمات اليمينية واليسارية. ففي نظري، أنَّ الأخيرة أكثر تقدماً من الأولى، بالذات فيما يتعلق بتمثُّلات وتمثيلات الحداثة. والقسم الماركسي من الأخيرة أكثر تقدماً من القسم القومي العربي في أوجه عديدة، أبرزها أنَّ ارتباطه بالواقع أبعد غوراً وقراءته له أكثر نفاذاً.
ومع ذلك فإنَّني أزعم:
أنَّ جميع هذه التنظيمات إنَّما هي ابنة بنية التخلف لدينا؛ حيث الأطُر الاجتماعية-الإدارية، التي ظلَّت فاعليتها سائدة، تتمثَّل في القبيلة، العشيرة والطائفة (بما يشمل “الأسرة الحاكمة” في حالاتٍ سائدة للأُطٌر الثلاثة)؛ مما خلَّفَ تأثيرات وميكانزمات – في الوعي و/أو اللاوعي التنظيمي – ذات مستويات متفاوتة من تنظيم لآخر.
ولأنَّ تلك-هذه الفاعلية – القبلية-العشيرية-الطائفية – ظلَّت متوارثة، فإنَّ إدارة شؤون، حُكم “دولتنا” (التي هي القاسم شبه المشترك في حالتنا) نُفِّذتْ بأوامر ذلك (وهذا) الموروث، خلال حقبة شبه ديموقراطيتنا الثالثة، تلك التي تَسَبَّبَ لي واقعُها السياسي في ذلك الامتعاض، الغضب والاكتئاب.
هل يعني هذا تبرئة شبه ديموقراطيتينا اللتين سبقتا تلك الثالثة؟
قطعاً لا.
هل تلك الفاعلية، السحيقة، ما تزال مهيمنة في واقعنا السياسي اليومي، وستكون فاعلة في واقع الغد القريب لنا؟
أزعم أن نعم.
هل أنا أعاني – الآن – من امتعاضٍ، غضبٍ واكتئابٍ سياسيٍّ مماثل، بسبب ما أُرتُكِبَ، وما يزال يُرتَكَبُ، في حق ثورة ديسمبر ٢٠١٨؟
هذا مؤكد.
هل سأعاني – غداً – من امتعاضٍ، غضبٍ واكتئابٍ سياسيٍّ مماثل، بسبب حليمة التي من المتوقَّع أن تعود – لو جاء هذا الغد – لحالتها القديمة؟
هذا مُرجَّح.
هل سيكمن الحل – الآن أو غداً – في مجيء البرابرة؟
قطعا لا.
[email protected]
----------------------
https://www.medameek.com/2020/06/13/%d8 ... bW1y9aGwBo
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
“شوف يا صاحبي، شايفك متحمَّس تنضم للجيش الشعبي [لتحرير السودان]. لكن أول خليني أديك فكرة إنو الجيش الشعبي ده شنو. بعدها فكر كويس قبلما تخشو، عشان ما بتكون اتورطت بقرار متسرع، يمكن تندم عليه. أول حاجة، ده جيش إتكون من ناس أغلبهم نشأوا في مناطق متخلفة. وكتار منهم دخلوه لأسباب ما ثورية. مثلا في الدخلو بدوافع قبلية، في الدخلو بدوافع انفصالية، في الدخلو بدوافع إنو ما عندو حاجة تانية يعملها، زي بعض الجنقو، الصرفوا قروشهم بتاعة الحصاد، طشموا وعربدوا في مدن إثيوبية لحدي ما القروش كملت. اتلفتوا مافي شغل، مافي مصدر رزق، لقوا الجيش الشعبي قدامهم دخلوه، جزو منهم بستمر وجزو بفرتك عادي. أنا هنا ما بدين أو أعمل حكم قيمة. بعمل توصيف فيهو تفهُّم لظروف وملابسات واقع فئات وقطاعات وشرائح محددة من البشر ضمن تركيبة الجيش الشعبي. لكن برضو الجيش الشعبي فيهو ثوريين. وعشان فيهو اللمَّة دي جون قرنق بوصِّفه بـ”كرش الفيل” (ضخمة ولامَّة أي حاجة)؛ وكان ما حرفنة جون قرنق، مافي زول بقدر يلم ويشغِّل جيش زي ده. البقصدو إنو التركيبة العجيبة دي بتعني إنو الجيش الشعبي بتاعنا ده ما فيهو درجة عالية من انسجام جيوش حركات ثورية تانية، زي بعض حركات التحرر الوطني، الفيهم الزول بنضمَّ عشان قضية جامعة. التربية الثورية في كتار ما شغالين بيها، يعني في ناس لا نافعة معاهم ولا نافعة فيهم. بتلقى الفوضوي والأناني والعنصري. يعني ممكن تلقى زميل يكرهك ويضاديك لمجرد إنك أضانك حمرا. بإختصار، الجيش الشعبي حقنا ده ما جيش نموذجي، زيما ممكن تكون متصور. طبعا مافي حوافز مالية أو إجازات. غايتو الأكل في. لكن مافي لا سلطة ولا فواكه؛ إلا الصدفة تلمك فيهم في الخلا. لكن برضو بأكد ليك إنو الثوريين الجد جد موجودين، يمكن يكونوا ما كتار، لكن في. والقضية الإتكونت عشانها الحركة والجيش الشعبي قضية عادلة. لكن طريقها شاق وطويل. ومافي حاجة مضمونة. بعد ده كان داير تخُش خُشْ!”
تلك إعادة صياغة لبعض ما تذكرته من أهم ما قاله صديق قديم لي كان ضابطا (شماليا) في الجيش الشعبي لتحرير السودان لشاب يافع على إثر تكرار رغبة الأخير في الإنخراط كمقاتل في الجيش الشعبي لتحرير السودان (“لواء السودان الجديد” في ذلك الوقت، أي ذاك الإطار التنظيمي المكوَّن معظم قوامه من مقاتلين من الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي كان يتخذ من منطقة إرترية متاخمة للحدود الشرقية السودانية، أقرب لكسلا وبعض ضواحيها، معسكرا للتدريب ونقطة انطلاق للعمل العسكري الذي كان مناهضا لنظام الإنقاذ). كان ذلك الشاب فتىً سوداتريا (والسوداتري هو من تأسس وجدانه على الإنتماء لكلا البلدين، السودان وإرتريا) يتمتع بوجدان متوقُّد، مهاراتٍ طازجة وأحلام لامعة. وقد كان أراد الانضمام للواء السودان الجديد عقب تجربة مُرَّة ومحبِطة، بل صادمة، داخل ما كان يُعرَفُ في تلك الفترة بـ”قوات التحالف السودانية”، التي كان يرأسها العميد عبد العزيز خالد.
ما أود لفت الانتباه إليه هنا يتمثل في الحساسية – غير السائدة للأسف – التي نهض عليها قول صديقي، أي التي انحدر منها ذلك البروفايل الذي قدمه لذلك الشاب عن الجيش الشعبي لتحرير السودان (أو لواء السودان الجديد في تلك الحقبة، في ذلك المكان). من الواضح أن الحساسية الأخلاقية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية لذلك الصديق (التي انبنى عليها موقفه وسلوكه السياسي) لم تحضه على إتباع النموذج التجنيدي-الآيديولوجي-التسويقي السائد في تنظيماتنا السياسية. بل، على العكس، دفعته تلك الحساسية إلى توخِّي الحقيقة في عرض صورة للكيان التنظيمي الذي ينتمي إليه، على الأقل من الزاوية التي يراه بها هو، المستندة إلى خبرة سنوات طوال من الإنخراط فيه، في أكثر من موقع جغرافي ومنعطف تاريخي. فالدارج لدى أغلب أعضاء تنظيماتنا السياسية تقديم التنظيم الذي ينتسبون إليه بهيئة جذابة، بالأحرى مثالية، بحيث يبدو فيها التنظيم خاليا من المثالب، بما يتضمن أن لا شبيه لميزاته (الإيجابية في مجملها طبعا) التي قلما تتوفر في تنظيم آخر؛ بل إن الكثير من تسويقيينا التنظيميين، لا سيما ممن يجدون صعوبة في، أو يخشون، المكابرة، يعترفون بأن ثمة بعض العيوب أو المشكلات التي يعاني منها تنظيمهم؛ غير أنهم يصورون هذه العيوب أو المشكلات كـ”لازمة طبيعية”، وأحيانا ثانوية، يسهل علاجها من الداخل؛ بمعنى قلَّ أن تجد بينهم من يريك إياها كعيوب أو مشكلات بنيوية، أي متعلقة بالأساس التكويني للتنظيم، مما قد يكون بالمستطاع علاجه، مع ذلك، لكن ليس بالسهولة التي يقول بها التسويقيون.
لم تدفع تلك الصورة، شبه القاتمة، المُقلِقة على الأرجح، بذلك الشاب للإشاحة بوجهه عن لواء السودان الجديد. بل، على العكس، لقد كانت حافزا له للانضمام إليه؛ إذ شعر، من بين ما شعر، بحماس مضاعَف – حسبما عبَّر لي – للمساهمة في المهام المركَّبة لتلك المسيرة، التي كانت تتضمن تطوير عناصر البناء الداخلي أثناء الكفاح المسلح ضد نظام الإنقاذ. بتعبيرٍ تلخيصيٍّ، لقد قرر هذا الشاب أن يقبل تحدى النضال في أكثر جبهة، لكن بناءً على معرفة أولية قُدِّمَت له، بصدق وشفافية، تمرَّدت على التقاليد التسويقية أو التجنيدية السائدة، داخل وخارج الحركة الشعبية لتحرير السودان.
تقليد إخفاء الحقيقة، هو تقليد صميم عند تنظيماتنا السياسية، حاكمةً كانت أم معارضة، يبدأ من المدخل ولا ينتهي في المتن، بل يتربَّى ويكبر فيه، به وله.
*
في مستهل عام 1998، في سياق إعدادنا لإصدار العدد الأولى (والذي جُعِلَ أخيرا) من مجلة “مسارات جديدة”، ذهبت إلى معسكر لواء السودان الجديد لأجري حوارا مع قائد قوات لواء السودان الجديد، عبد العزيز الحلو. اتبعت وسيلتين لتحقيق ذلك الحوار، الأولى كتبت الأسئلة المحورية وأعطيتها للحلو لكي يتأمل فيها ويستعد للتجاوب معها بوقت كافٍ، ربما كان يومين أو ثلاثة. والثانية استصحبت جهاز تسجيل في اليوم الذي اتفقت معه على عمل الحوار، وفي ذهني أنني حتما سأستخرج أسئلة فرعية من بعض إجاباته على الأسئلة المحورية، وقد فعلتُ. وجدته قد قام بكتابة إجاباته على الأسئلة المحورية في أوراق. لذلك كان يتلو الإجابة على كل سؤال منها بعد أعدت سؤاله له أثناء التسجيل. أحد هذه الأسئلة التي كتب رده عليها، ثم تلاه، كان يتعلق باتهام نظام الإنقاذ للجيش الشعبي لتحرير السودان – كجيش أغلب قوامه البشري مقاتلون ينحدرون من خلفيات إثنية تعود لجنوب السودان – بممارسة انتهاكات لأعراف وتقاليد أهالي شرق السودان. بعد فنَّدت إجابة الحلو عدم صحة تلك المزاعم، استدرك: “على أن ذلك لا يلغي حدوث تجاوزات استثنائية فردية قليلة. لكن لدينا قانون صارم لمواجهة تلك الحالات”.
كان ذلك الإقرار – الذي يعني أنه فكر فيه جيدا قبل أن يكتبه ثم يتفوَّه به – باعثا على الاحترام.
*
كلمات مثل “جنَّد” ” يجنِّد” “تجنيد[اً]” – وأغلب، إن لم يكن كل، مشتقاتها الأخرى – من الكلمات أو المصطلحات التي تسبِّب لي حرقانا.
مرةً، في أسمرا، لامني قائد سوداني شمالي – كان وما يزال غير أصيل في “ثوريته” – في الحركة الشعبية لتحرير السودان على عدم اهتمامي بتجنيد كوادر من سودانيي أسمرا للواء السودان الجديد، على الرغم تمتعي بعلاقات اجتماعية واسعة. لست أتذكر الآن ردي عليه. لكني أجزم أنه لم يكن مما يسر مثله. على أنني أتذكر أنني قلت لصديقي، الذي افتتحت بقوله هذا المقال، بعد أن التقيه لاحقا وعبَّرت له عن استيائي من لوم ذلك القائد:
– تعرف، أنا أكره كلمة وفكرة التجنيد. لكن لو اضطريت أوافق عليها، ما حأجنَّد زول للتنظيم، حأجنَّده للحياة.
https://www.medameek.com/?p=10211&fbcli ... AHMcOPwvg/
تلك إعادة صياغة لبعض ما تذكرته من أهم ما قاله صديق قديم لي كان ضابطا (شماليا) في الجيش الشعبي لتحرير السودان لشاب يافع على إثر تكرار رغبة الأخير في الإنخراط كمقاتل في الجيش الشعبي لتحرير السودان (“لواء السودان الجديد” في ذلك الوقت، أي ذاك الإطار التنظيمي المكوَّن معظم قوامه من مقاتلين من الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي كان يتخذ من منطقة إرترية متاخمة للحدود الشرقية السودانية، أقرب لكسلا وبعض ضواحيها، معسكرا للتدريب ونقطة انطلاق للعمل العسكري الذي كان مناهضا لنظام الإنقاذ). كان ذلك الشاب فتىً سوداتريا (والسوداتري هو من تأسس وجدانه على الإنتماء لكلا البلدين، السودان وإرتريا) يتمتع بوجدان متوقُّد، مهاراتٍ طازجة وأحلام لامعة. وقد كان أراد الانضمام للواء السودان الجديد عقب تجربة مُرَّة ومحبِطة، بل صادمة، داخل ما كان يُعرَفُ في تلك الفترة بـ”قوات التحالف السودانية”، التي كان يرأسها العميد عبد العزيز خالد.
ما أود لفت الانتباه إليه هنا يتمثل في الحساسية – غير السائدة للأسف – التي نهض عليها قول صديقي، أي التي انحدر منها ذلك البروفايل الذي قدمه لذلك الشاب عن الجيش الشعبي لتحرير السودان (أو لواء السودان الجديد في تلك الحقبة، في ذلك المكان). من الواضح أن الحساسية الأخلاقية، الاجتماعية، الثقافية والفكرية لذلك الصديق (التي انبنى عليها موقفه وسلوكه السياسي) لم تحضه على إتباع النموذج التجنيدي-الآيديولوجي-التسويقي السائد في تنظيماتنا السياسية. بل، على العكس، دفعته تلك الحساسية إلى توخِّي الحقيقة في عرض صورة للكيان التنظيمي الذي ينتمي إليه، على الأقل من الزاوية التي يراه بها هو، المستندة إلى خبرة سنوات طوال من الإنخراط فيه، في أكثر من موقع جغرافي ومنعطف تاريخي. فالدارج لدى أغلب أعضاء تنظيماتنا السياسية تقديم التنظيم الذي ينتسبون إليه بهيئة جذابة، بالأحرى مثالية، بحيث يبدو فيها التنظيم خاليا من المثالب، بما يتضمن أن لا شبيه لميزاته (الإيجابية في مجملها طبعا) التي قلما تتوفر في تنظيم آخر؛ بل إن الكثير من تسويقيينا التنظيميين، لا سيما ممن يجدون صعوبة في، أو يخشون، المكابرة، يعترفون بأن ثمة بعض العيوب أو المشكلات التي يعاني منها تنظيمهم؛ غير أنهم يصورون هذه العيوب أو المشكلات كـ”لازمة طبيعية”، وأحيانا ثانوية، يسهل علاجها من الداخل؛ بمعنى قلَّ أن تجد بينهم من يريك إياها كعيوب أو مشكلات بنيوية، أي متعلقة بالأساس التكويني للتنظيم، مما قد يكون بالمستطاع علاجه، مع ذلك، لكن ليس بالسهولة التي يقول بها التسويقيون.
لم تدفع تلك الصورة، شبه القاتمة، المُقلِقة على الأرجح، بذلك الشاب للإشاحة بوجهه عن لواء السودان الجديد. بل، على العكس، لقد كانت حافزا له للانضمام إليه؛ إذ شعر، من بين ما شعر، بحماس مضاعَف – حسبما عبَّر لي – للمساهمة في المهام المركَّبة لتلك المسيرة، التي كانت تتضمن تطوير عناصر البناء الداخلي أثناء الكفاح المسلح ضد نظام الإنقاذ. بتعبيرٍ تلخيصيٍّ، لقد قرر هذا الشاب أن يقبل تحدى النضال في أكثر جبهة، لكن بناءً على معرفة أولية قُدِّمَت له، بصدق وشفافية، تمرَّدت على التقاليد التسويقية أو التجنيدية السائدة، داخل وخارج الحركة الشعبية لتحرير السودان.
تقليد إخفاء الحقيقة، هو تقليد صميم عند تنظيماتنا السياسية، حاكمةً كانت أم معارضة، يبدأ من المدخل ولا ينتهي في المتن، بل يتربَّى ويكبر فيه، به وله.
*
في مستهل عام 1998، في سياق إعدادنا لإصدار العدد الأولى (والذي جُعِلَ أخيرا) من مجلة “مسارات جديدة”، ذهبت إلى معسكر لواء السودان الجديد لأجري حوارا مع قائد قوات لواء السودان الجديد، عبد العزيز الحلو. اتبعت وسيلتين لتحقيق ذلك الحوار، الأولى كتبت الأسئلة المحورية وأعطيتها للحلو لكي يتأمل فيها ويستعد للتجاوب معها بوقت كافٍ، ربما كان يومين أو ثلاثة. والثانية استصحبت جهاز تسجيل في اليوم الذي اتفقت معه على عمل الحوار، وفي ذهني أنني حتما سأستخرج أسئلة فرعية من بعض إجاباته على الأسئلة المحورية، وقد فعلتُ. وجدته قد قام بكتابة إجاباته على الأسئلة المحورية في أوراق. لذلك كان يتلو الإجابة على كل سؤال منها بعد أعدت سؤاله له أثناء التسجيل. أحد هذه الأسئلة التي كتب رده عليها، ثم تلاه، كان يتعلق باتهام نظام الإنقاذ للجيش الشعبي لتحرير السودان – كجيش أغلب قوامه البشري مقاتلون ينحدرون من خلفيات إثنية تعود لجنوب السودان – بممارسة انتهاكات لأعراف وتقاليد أهالي شرق السودان. بعد فنَّدت إجابة الحلو عدم صحة تلك المزاعم، استدرك: “على أن ذلك لا يلغي حدوث تجاوزات استثنائية فردية قليلة. لكن لدينا قانون صارم لمواجهة تلك الحالات”.
كان ذلك الإقرار – الذي يعني أنه فكر فيه جيدا قبل أن يكتبه ثم يتفوَّه به – باعثا على الاحترام.
*
كلمات مثل “جنَّد” ” يجنِّد” “تجنيد[اً]” – وأغلب، إن لم يكن كل، مشتقاتها الأخرى – من الكلمات أو المصطلحات التي تسبِّب لي حرقانا.
مرةً، في أسمرا، لامني قائد سوداني شمالي – كان وما يزال غير أصيل في “ثوريته” – في الحركة الشعبية لتحرير السودان على عدم اهتمامي بتجنيد كوادر من سودانيي أسمرا للواء السودان الجديد، على الرغم تمتعي بعلاقات اجتماعية واسعة. لست أتذكر الآن ردي عليه. لكني أجزم أنه لم يكن مما يسر مثله. على أنني أتذكر أنني قلت لصديقي، الذي افتتحت بقوله هذا المقال، بعد أن التقيه لاحقا وعبَّرت له عن استيائي من لوم ذلك القائد:
– تعرف، أنا أكره كلمة وفكرة التجنيد. لكن لو اضطريت أوافق عليها، ما حأجنَّد زول للتنظيم، حأجنَّده للحياة.
https://www.medameek.com/?p=10211&fbcli ... AHMcOPwvg/
- عادل القصاص
- مشاركات: 1539
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm
هل أتاك حديث المزرعة؟
بقلم: علاء الدين محمود
أحزاب تحالف قوى الحرية والتغيير هي الحاضنة الأساسية للحكومة الانتقالية التي تشكّلت عقب توقيع الوثيقة بين العسكر والمدنيين، أي حديث بخلاف ذلك يُعد نوعاً من العبث بعقول الجماهير، وأي حديث يتجاوز تلك الحقيقة إنما يحاول أن ينشيء موقفاً متخيلاً زائفاً مُوازياً لما هو حقيقي ويفرضه على المشهد ليصبح العبث هو سيد الموقف، لقد ظلّ الصحفيون والناشطون الموالون لـ”قحت”، يرددون دون كلل ولا ملل، جملة رنّانة، خاطئة، لكنها أسيرة لديهم، وهي “الإتلاف الحاكم”، وذلك توصيفاً للحكومة الانتقالية، وهو وصف يريد أن يظهر تماهي الحكومة في الحاضنة، وقوة الشراكة مع العسكر، وهو بالطبع توصيف غير حقيقي، لأن الحكومة مشكلة من اختيارين، الأول هو اختيار “قحت”، للعناصر المدنية بما في ذلك رئيس الوزراء والوزراء والمدنيين في المجلس السيادي، بل وكذلك المدنيين في كل وظائف الدولة التي فتحت أمامهم بعيداً عن طرق التوظيف المعتادة والتي من المفترض أن تفتح للجميع، ولكن السادة الصحفيين وإعلام “قحت” وناشطوه، أرادوا أن يظهروا قوة الحاضنة في بدايات عمل الحكومة الانتقالية، لذلك كانوا يرددون أيضاً عبارة “شكراً حمدوك”.
الشاهد أنّ الحُرية والتّغيير هي المسؤولة تماماً من تشكيل الشق المدني واختياره في الحكومة المدنية، ويبدو من العبث تلك المُحاولات من قِبل البعض في تحميل مجموعة متخيلة، وزر الإخفاقات الحكومية، وهي إخفاقات وصلت حد الأزمة، ومنذ موكب الثلاثين من يونيو الماضي، نشطت مجموعة الناشطين التابعين لـ”قحت”، أو بعض من “قحت”، في الطرق بقوة، بعد أن كان الطرق خفيفاً على قصة “المزرعة”، وإظهارها كمتحكم في الوضع السياسي، ومسيّر لتفاصيل الوقائع اليومية في مجلس الوزراء.
والغريب أن مصلطح المزرعة هذا قد صك في مناسبة مختلفة، فهي تعود إلى لحظة المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، وكذلك ما سبق المؤتمر السادس، وما تم قبل وخلال المؤتمر من تكتلات، كان من أبرزها ذلك الذي قاده د. الشفيع خضر مع مجموعة من الزملاء الشيوعيين، وهو الذي عجّل فيما بعد برحيل الشفيع عن الحزب، رغم التكتلات الأخرى العديدة، لكن المهم في الموضوع أن مصطلح “المزرعة”، ظهر في تلك الأجواء، وهو يُشير إلى مجموعة معينة، وتصادف أن ذات المجموعة ظهرت مرة أخرى في الواجهة السياسية أثناء وعقب تشكيل الحكومة الانتقالية، من خلال شخصيات مُعيّنة مثل الشيخ خضر والشفيع خضر وغيرهما، ليس من خلال العمل مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وحده، بل وقبل اختيار حمدوك، وفي ساعة التفاوض وما قبلها، وهو عمل وتحركات تعلمها “قحت” جيداً وليست غريبة عنها، بالتالي لا صحة في أن تلك المجموعة تتولى أمر كل شيء يتعلق برئيس الوزراء بعيداً عن “قحت”، ورغم رحيل تلك المجموعة عن الحزب الشيوعي، لكن الدعاية القحتاوية تريد أن تنسبها “عنوة كدا واقتداراً”، للحزب، وذلك بتمرير حيلة أنّ هذه المجموعة حتى وإن صارت لا تنتمي إلى الحزب، لكن التكتيك هو تكتيك الحزب؛ أي أن الضرب هو ضرب أبي محجن!
والواقع أنّ “قحت” لجأت إلى قصة وشمّاعة المزرعة السعيدة بعد أن فشلت في كثير من الملفات، بسبب انشغالها بالصراعات الحزبية داخل التحالف، وانصراف كل حزب نحو توطيد مكانته ومكانة عضويته داخل الحكومة، وهنا يحضرني مصطلح آخر أكثر زيفاً وهو “حكومة التكنوقراط”؛ أي أن الحكومة الانتقالية مشكلة في الأصل من خبراء، وهذا غير حقيقي، بل هي مشكلة من محاصصة حزبية كاملة، وكل شخص في مجلس الوزراء والمجلس السيادي هو في الأصل كادر حزبي، أو شخصية وفاقية سياسية، والمضحك أن بعضهم يُطالب بأن تشكل حكومة جديدة خالية من التكنوقراط، وهذا موقف ساخرٌ جداً، ومثيرٌ للشفقة، وطبعاً يخبئ خلفه حيلة ماكرة، وهي أن تشكل حكومة جديدة من ذات التحالف بذات كوادر التحالف، المهم أن “قحت” احسّت بالخطر، خاصة في ظل عودة المواكب، أو بالأحرى موكب الثلاثين من يونيو 2020، ودخول عدد من المناطق بالولايات في اعتصام سياسي جماهيري، وما رشح من أن لجان المقاومة تعد العدة من جديد لنشر جداول المواكب الجماهيرية، مما يعني إعلان التصعيد الجماهيري، وأمام هذا الواقع حرّكت “قحت”، كوادرها للطرق مجدداً على قصة “المزرعة”، وإظهار قيادات المزرعة كحاضنة أساسية وفعلية؛ أي أن “قحت” طوال تلك الفترة لم تكن الحاضنة السياسية، وهذا بالطبع يعتبر نوعا من الهرب من المسؤوليات والتحديات.
لقد قامت “قحت” بتحريك ماكينة إعلامية من عددٍ من الصحفيين والناشطين من أجل إخراجها من الحرج العظيم، لكن جاء هذا الإخراج سيئاً جداً، وبسيناريو فقير الخيال لا يحترم عقول الجماهير، لقد نسبوا إلى المزرعة المتخيلة إمكانات تفوق مقدرة أعتى المخابرات الدولية، ووصفوا المزرعة بأنها فصيلٌ يسعى نحو التسوية!! وذلك أمر عجاب، فما هي التسوية ومع مَن ومَن الذي يسعى إليها حقيقة؟! وضمن فرضياتهم الفقيرة أن التسوية المقصودة هي مع الإسلاميين المعتدلين في النظام السابق، ولئن كان الأمر كذلك حقاً، فإن الدائرة واسعة جداً، وتشمل قوى وأحزاباً داخل “قحت” نفسها، فالمعروف أن هنالك تيارات متباينة في الموقف السياسي قبيل الثورة، فمنهم من دعا مُباشرةً إلى مفاوضة النظام ومنازلته انتخابياً، في سياق البحث عن تسوية سياسية بعد يأس ألمّ بهم من مقدرة الجماهير في صنع انتفاضة وثورة شعبية، بل كان منهم من يسخر من مفردات قديمة مثل انتفاضة وجماهير وثورة، فهذه المفردات تنتمي إلى لغة قديمة، هي اللغة التي ظلت سائدة أيام الحرب الباردة بين معسكرين، رأسمالي واشتراكي، بالتالي إمكانية التحرك على هامش التناقضات بين المعسكرين، أما وقد صار أمر العالم للمعسكر الرأسمالي وحده عبر العولمة، فمن المستحيل عودة مثل تلك المفردات والجمل الثورية، بالتالي يصبح من الضرورة اللعب السياسي وفق المعادلة الموجودة في النظام العالمي الجديد، الذي لا يعترف بغير التفاوض والهبوط الناعم، بل بعضهم قال بلسان مبين “أتحدى قيام انتفاضة أخرى في السودان”، وكل ذلك من أجل السير في طريق المنازلة الناعمة، وهو سير لا يعرف “العودة من منتصف الطريق”، لكن تلك القوى عادت من منتصف الطريق بأمر الشارع، وبأمر ثورته المجيدة التي تفجّرت في ديسمبر 2018، فكانت بمثابة جهيزة التي قطعت قول كل خطيب يختبيء وراء المنابر والخطب الرنانة، وما زال الناس يذكرون انخراط تحالف نداء السودان في أمر التسوية مع النظام، بأمر من الرافعة الدولية، وقرار الاتحاد الأفريقي رقم (456)، فالتسوية لم تكن فقط مع النظام السابق، بل ومع النظام الدولي الجديد ومشروعه الليبرالي والقبول بأدواته في التغيير السياسي التي ليس من ضمن مفرداته “ثورة”، “انتفاضة”، “جماهير”، “شارع”، فتلك هي القوى الحقيقية التي سعت ومازالت تسعى نحو التسوية، ذلك لأن تلك القوى انخرطت ببساطة في عملية التسوية مع النظام السابق عبر “خارطة الطريق” الأمريكية، بتوافق تام بينها، بل إن بعض الذين يتهمونهم بأنهم قد انفردوا بحمدوك، كانوا شركاء لهم، بل كانوا يحذرون الناس من أن أي عمل جماهيري يؤدي لذات المصائر التي حدثت في بعض دول المحيط العربي، بالتالي أقاموا فزاعات في وجه العمل الثوري، ومازالوا يفعلون، حيث إن النظام العالمي الجديد بالفعل لا يقبل بالطريق الثوري ولا الحلول الثورية، لذلك وبدلاً من الاستمرار في الفعل الثوري الجماهيري اليومي الدؤوب، فإنهم قد لجأوا للحل الأسهل وهو التوقيع على شراكة مع العسكر، وهم لجأوا لذلك الحل لأنه يناسبهم ويناسب طرقهم اللا ثورية، وهو بالفعل في حقيقة الأمر يغالط مسار الجماهير ورغبتها في ثورة كاملة.
إن الجماهير لا تعرف الشيخ خضر، ولا الشفيع خضر، هي تعرف قوى الحرية والتغيير التي تصدّت لقيادة المرحلة الانتقالية، بالتالي فإن الحساب لن يقع على الشيخ خضر ورفاقه، بل على قوى الحرية والتغيير التي وجب عليها أن تتصدّى لمهامها ومسؤولياتها وأخطائها بما يحترم عقول الجماهير، بعيدا عن توظيف الأسطورة والغرائبيات المُستلفة من عوالم السرد الروائي في العمل السياسي.
بقلم: علاء الدين محمود
أحزاب تحالف قوى الحرية والتغيير هي الحاضنة الأساسية للحكومة الانتقالية التي تشكّلت عقب توقيع الوثيقة بين العسكر والمدنيين، أي حديث بخلاف ذلك يُعد نوعاً من العبث بعقول الجماهير، وأي حديث يتجاوز تلك الحقيقة إنما يحاول أن ينشيء موقفاً متخيلاً زائفاً مُوازياً لما هو حقيقي ويفرضه على المشهد ليصبح العبث هو سيد الموقف، لقد ظلّ الصحفيون والناشطون الموالون لـ”قحت”، يرددون دون كلل ولا ملل، جملة رنّانة، خاطئة، لكنها أسيرة لديهم، وهي “الإتلاف الحاكم”، وذلك توصيفاً للحكومة الانتقالية، وهو وصف يريد أن يظهر تماهي الحكومة في الحاضنة، وقوة الشراكة مع العسكر، وهو بالطبع توصيف غير حقيقي، لأن الحكومة مشكلة من اختيارين، الأول هو اختيار “قحت”، للعناصر المدنية بما في ذلك رئيس الوزراء والوزراء والمدنيين في المجلس السيادي، بل وكذلك المدنيين في كل وظائف الدولة التي فتحت أمامهم بعيداً عن طرق التوظيف المعتادة والتي من المفترض أن تفتح للجميع، ولكن السادة الصحفيين وإعلام “قحت” وناشطوه، أرادوا أن يظهروا قوة الحاضنة في بدايات عمل الحكومة الانتقالية، لذلك كانوا يرددون أيضاً عبارة “شكراً حمدوك”.
الشاهد أنّ الحُرية والتّغيير هي المسؤولة تماماً من تشكيل الشق المدني واختياره في الحكومة المدنية، ويبدو من العبث تلك المُحاولات من قِبل البعض في تحميل مجموعة متخيلة، وزر الإخفاقات الحكومية، وهي إخفاقات وصلت حد الأزمة، ومنذ موكب الثلاثين من يونيو الماضي، نشطت مجموعة الناشطين التابعين لـ”قحت”، أو بعض من “قحت”، في الطرق بقوة، بعد أن كان الطرق خفيفاً على قصة “المزرعة”، وإظهارها كمتحكم في الوضع السياسي، ومسيّر لتفاصيل الوقائع اليومية في مجلس الوزراء.
والغريب أن مصلطح المزرعة هذا قد صك في مناسبة مختلفة، فهي تعود إلى لحظة المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، وكذلك ما سبق المؤتمر السادس، وما تم قبل وخلال المؤتمر من تكتلات، كان من أبرزها ذلك الذي قاده د. الشفيع خضر مع مجموعة من الزملاء الشيوعيين، وهو الذي عجّل فيما بعد برحيل الشفيع عن الحزب، رغم التكتلات الأخرى العديدة، لكن المهم في الموضوع أن مصطلح “المزرعة”، ظهر في تلك الأجواء، وهو يُشير إلى مجموعة معينة، وتصادف أن ذات المجموعة ظهرت مرة أخرى في الواجهة السياسية أثناء وعقب تشكيل الحكومة الانتقالية، من خلال شخصيات مُعيّنة مثل الشيخ خضر والشفيع خضر وغيرهما، ليس من خلال العمل مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وحده، بل وقبل اختيار حمدوك، وفي ساعة التفاوض وما قبلها، وهو عمل وتحركات تعلمها “قحت” جيداً وليست غريبة عنها، بالتالي لا صحة في أن تلك المجموعة تتولى أمر كل شيء يتعلق برئيس الوزراء بعيداً عن “قحت”، ورغم رحيل تلك المجموعة عن الحزب الشيوعي، لكن الدعاية القحتاوية تريد أن تنسبها “عنوة كدا واقتداراً”، للحزب، وذلك بتمرير حيلة أنّ هذه المجموعة حتى وإن صارت لا تنتمي إلى الحزب، لكن التكتيك هو تكتيك الحزب؛ أي أن الضرب هو ضرب أبي محجن!
والواقع أنّ “قحت” لجأت إلى قصة وشمّاعة المزرعة السعيدة بعد أن فشلت في كثير من الملفات، بسبب انشغالها بالصراعات الحزبية داخل التحالف، وانصراف كل حزب نحو توطيد مكانته ومكانة عضويته داخل الحكومة، وهنا يحضرني مصطلح آخر أكثر زيفاً وهو “حكومة التكنوقراط”؛ أي أن الحكومة الانتقالية مشكلة في الأصل من خبراء، وهذا غير حقيقي، بل هي مشكلة من محاصصة حزبية كاملة، وكل شخص في مجلس الوزراء والمجلس السيادي هو في الأصل كادر حزبي، أو شخصية وفاقية سياسية، والمضحك أن بعضهم يُطالب بأن تشكل حكومة جديدة خالية من التكنوقراط، وهذا موقف ساخرٌ جداً، ومثيرٌ للشفقة، وطبعاً يخبئ خلفه حيلة ماكرة، وهي أن تشكل حكومة جديدة من ذات التحالف بذات كوادر التحالف، المهم أن “قحت” احسّت بالخطر، خاصة في ظل عودة المواكب، أو بالأحرى موكب الثلاثين من يونيو 2020، ودخول عدد من المناطق بالولايات في اعتصام سياسي جماهيري، وما رشح من أن لجان المقاومة تعد العدة من جديد لنشر جداول المواكب الجماهيرية، مما يعني إعلان التصعيد الجماهيري، وأمام هذا الواقع حرّكت “قحت”، كوادرها للطرق مجدداً على قصة “المزرعة”، وإظهار قيادات المزرعة كحاضنة أساسية وفعلية؛ أي أن “قحت” طوال تلك الفترة لم تكن الحاضنة السياسية، وهذا بالطبع يعتبر نوعا من الهرب من المسؤوليات والتحديات.
لقد قامت “قحت” بتحريك ماكينة إعلامية من عددٍ من الصحفيين والناشطين من أجل إخراجها من الحرج العظيم، لكن جاء هذا الإخراج سيئاً جداً، وبسيناريو فقير الخيال لا يحترم عقول الجماهير، لقد نسبوا إلى المزرعة المتخيلة إمكانات تفوق مقدرة أعتى المخابرات الدولية، ووصفوا المزرعة بأنها فصيلٌ يسعى نحو التسوية!! وذلك أمر عجاب، فما هي التسوية ومع مَن ومَن الذي يسعى إليها حقيقة؟! وضمن فرضياتهم الفقيرة أن التسوية المقصودة هي مع الإسلاميين المعتدلين في النظام السابق، ولئن كان الأمر كذلك حقاً، فإن الدائرة واسعة جداً، وتشمل قوى وأحزاباً داخل “قحت” نفسها، فالمعروف أن هنالك تيارات متباينة في الموقف السياسي قبيل الثورة، فمنهم من دعا مُباشرةً إلى مفاوضة النظام ومنازلته انتخابياً، في سياق البحث عن تسوية سياسية بعد يأس ألمّ بهم من مقدرة الجماهير في صنع انتفاضة وثورة شعبية، بل كان منهم من يسخر من مفردات قديمة مثل انتفاضة وجماهير وثورة، فهذه المفردات تنتمي إلى لغة قديمة، هي اللغة التي ظلت سائدة أيام الحرب الباردة بين معسكرين، رأسمالي واشتراكي، بالتالي إمكانية التحرك على هامش التناقضات بين المعسكرين، أما وقد صار أمر العالم للمعسكر الرأسمالي وحده عبر العولمة، فمن المستحيل عودة مثل تلك المفردات والجمل الثورية، بالتالي يصبح من الضرورة اللعب السياسي وفق المعادلة الموجودة في النظام العالمي الجديد، الذي لا يعترف بغير التفاوض والهبوط الناعم، بل بعضهم قال بلسان مبين “أتحدى قيام انتفاضة أخرى في السودان”، وكل ذلك من أجل السير في طريق المنازلة الناعمة، وهو سير لا يعرف “العودة من منتصف الطريق”، لكن تلك القوى عادت من منتصف الطريق بأمر الشارع، وبأمر ثورته المجيدة التي تفجّرت في ديسمبر 2018، فكانت بمثابة جهيزة التي قطعت قول كل خطيب يختبيء وراء المنابر والخطب الرنانة، وما زال الناس يذكرون انخراط تحالف نداء السودان في أمر التسوية مع النظام، بأمر من الرافعة الدولية، وقرار الاتحاد الأفريقي رقم (456)، فالتسوية لم تكن فقط مع النظام السابق، بل ومع النظام الدولي الجديد ومشروعه الليبرالي والقبول بأدواته في التغيير السياسي التي ليس من ضمن مفرداته “ثورة”، “انتفاضة”، “جماهير”، “شارع”، فتلك هي القوى الحقيقية التي سعت ومازالت تسعى نحو التسوية، ذلك لأن تلك القوى انخرطت ببساطة في عملية التسوية مع النظام السابق عبر “خارطة الطريق” الأمريكية، بتوافق تام بينها، بل إن بعض الذين يتهمونهم بأنهم قد انفردوا بحمدوك، كانوا شركاء لهم، بل كانوا يحذرون الناس من أن أي عمل جماهيري يؤدي لذات المصائر التي حدثت في بعض دول المحيط العربي، بالتالي أقاموا فزاعات في وجه العمل الثوري، ومازالوا يفعلون، حيث إن النظام العالمي الجديد بالفعل لا يقبل بالطريق الثوري ولا الحلول الثورية، لذلك وبدلاً من الاستمرار في الفعل الثوري الجماهيري اليومي الدؤوب، فإنهم قد لجأوا للحل الأسهل وهو التوقيع على شراكة مع العسكر، وهم لجأوا لذلك الحل لأنه يناسبهم ويناسب طرقهم اللا ثورية، وهو بالفعل في حقيقة الأمر يغالط مسار الجماهير ورغبتها في ثورة كاملة.
إن الجماهير لا تعرف الشيخ خضر، ولا الشفيع خضر، هي تعرف قوى الحرية والتغيير التي تصدّت لقيادة المرحلة الانتقالية، بالتالي فإن الحساب لن يقع على الشيخ خضر ورفاقه، بل على قوى الحرية والتغيير التي وجب عليها أن تتصدّى لمهامها ومسؤولياتها وأخطائها بما يحترم عقول الجماهير، بعيدا عن توظيف الأسطورة والغرائبيات المُستلفة من عوالم السرد الروائي في العمل السياسي.