نزعة المركزة الأوربية والتدوين التاريخي
للحضارة السودانية
"التحول من رؤية مصروية - أبيضية متوسطية
الى رؤية سودانوية"
د. أسامة عبدالرحمن النور*
(1)
عندما طلبت مني الأخت نجاة، والشكر والتقدير لها، الكتابة في
قضايا تاريخ الحضارة السودانية إسهاماً في هذا الموقع الثقافي، دار في خلدي
السؤال المنطقي: من أين أبدأ؟ وما هى الإشكاليات التى يتوجب طرحها على القارئ غير
المتخصص؟ وما هو المنهج الذى يكون الأفضل من حيث تقديم أحدث المعطيات المتوفرة
لنا نحن أهل التخصص في مجال علم الآثار السودانوي للقراء من غير المتخصصين؟
أخيراً قررت أن الطريقة الأفضل هى تقديم عرض نقدي لما تمت كتابته
في الفترات المختلفة حول تاريخنا الحضاري. مثل هذا التناول يساعد القارئ على
تكوين فكرة عامة عن أهم محطات التاريخ الثقافي للسودان.
ارتأيت أن أتناول الموضوع في خمس حلقات:
(1) كتابات الرواد الأوائل
(2) كتابات الجيل الثاني من الرواد
(3) التركيب الريزنري
(4) نقد التركيب الريزنري
(5) مولد علم الآثار السودانوية
(1)
كتابات الرواد الأوائل
يحتل السودان مكاناً متميزاً في التدوين التاريخي الأفريقي. ففي
الوقت الذى لازالت فيه دراسات التاريخ القديم لقارتنا الى الجنوب من الصحراء في
طورها الجنيني، فإن السودان القديم يمثل موضوعاً ثرياً فيما يتعلق بالتدوين
التاريخي وذلك لأسباب وجيهة. فالسودان هو الوحيد من بين بلدان أفريقيا السمراء ما
وراء الصحراء الذى توجد به مصادر وثائقية نصية وآثارية من النوع المعروف بالنسبة
لدارسي التاريخ القديم. أيضاً، خلافاً للبلدان الأفريقية السمراء الأخرى، تحتوى
النصوص اليونانية - الرومانية والكنسية على معلومات ثرة عن السودان القديم،
ومؤسساته، وثقافاته، وعلاقاته بمصر الفرعونية واليونانية - الرومانية. ليس
مستغرباً، إذن، أن جذب السودان القديم علماء الآثار ودارسي التاريخ القديم، منذ
تعرُف جيمس بروس في عام 1772 على موقع عاصمة السودان مروي (كبوشية).
على مدى القرنين الماضيين مثلت الدراسات السودانوية فرعاً جانبياً
لعلم الدراسات المصريولوجية. جعلت الجغرافيا وتأثير مصر القديمة على حضارة
السودان القديم هذا التوجه أمراً حتمياً. تلك الأسباب ذاتها ضمنت لعلماء
المصريولوجيا أن يضحوا مؤسسين لدراسة تاريخ السودان القديم وثقافاته. انجازات
أولئك المؤسسين الرواد كانت هائلة، وستظل أساسية بالنسبة للدراسة العلمية لتاريخ
السودان القديم. بفضل أعمال ريتشارد لبسيوس في منتصف القرن التاسع عشر، وجورج
ريزنر في بدايات القرن العشرين، تم تجميع البينة النصية والآثارية لدراسة تاريخ
السودان القديم وتنظيمها، وتم وضع اطار كرونولوجي أساسي لتاريخه.
في السنوات الختامية للقرن التاسع عشر أكمل العلامة الفرنسي
ماسبيرو عمله المؤلف من ثلاثة مجلدات والموسوم بـ التاريخ القديم لشعوب الشرق
الكلاسيكي (1) ، وهو العمل الذى يجوز وصفه بأنه الأول من نوعه من حيث اعتماده على
كل المصادر، التاريخية الوثائقية منها والآثارية المادية، المعروفة في تلك الفترة،
ومن حيث تتبعه للسيرورة التاريخية لشعوب الشرق الأدنى على مدى أربع ألفيات. لكن
تاريخ السودان القديم في هذه الدراسة الضخمة لم يجد له مكاناً أكبر مما غطته خمس
أو ست صفحات (168-171، 665-666). قطعاً فإن عنوان كتاب ماسبيرو في حد ذاته يوفر
المبرر لمثل هذا الموقف من تاريخ السودان القديم الذى كان السمة العامة لا لعمل
ماسبيرو فحسب. فالحقيقة، كما يشير الى ذلك كاتسنلسون، "أنه حتى وقت قريب عُدت
كلاسيكية وتستحق الدراسة فقط تلك الشعوب التى تركت تأثيراتها الحضارية المباشرة
على الحضارة الكلاسيكية الأوربية (اليونانية - الرومانية)، بالتالي، وعن طريق هذه
الأخيرة، تركت بصماتها على تطور الحضارة الأوربية عموماً" (2). من هنا كان أمر
طبيعي ألا تجد حضارات السودان القديم وغيرها من الحضارات الأفريقية، مثل أكسوم
على سبيل المثال، والتى وجدت على هامش العالم القديم وتأثرت بالحضارات العظيمة
للشرق الأدنى والأوسط، اهتماماً من قبل العلماء الذين هيمنت على دراساتهم نزعة
المركزة الأوربية، وأولئك كانوا هم الكثرة بل ولازالوا حتى بداية حملة انقاذ آثار
النوبة في الستينات من القرن العشرين المنصرم.
لهذا السبب، فى تقديري، لم يجد تاريخ السودان القديم مكاناً له في
أي من المؤلفات التى عالجت عموم "تاريخ العالم القديم"، والتى ظهرت في البلدان
المختلفة في القرن العشرين المنصرم. فقط من خلال ملاحظات عابرة في الفصول المكرسة
لتاريخ مصر في تلك المؤلفات نجد صدىً لبعض الأحداث الجارية في السودان (*). ولهذا
السبب لم يجذب السودان حتى العقد الأول من القرن العشرين اهتمام علماء الآثار.
فوق ذلك فإن اندلاع ثورة التحرير المهدوية التى عمت كل أرجاء السودان في نهاية
القرن التاسع عشر، جعلت منه أرضاً مغلقة أمام علماء الآثار الأوربيين. بسبب كل
ذلك أصبحت دائرة الوثائق التاريخية والآثار المادية محدودة الى حد بعيد. قام شح
الوثائق بدوره، بالطبع، في عدم تحفيز العلماء للالتفات الى تاريخ السودان الذى لم
يكن معروفاً عنه شئ، والذى باستثناء بعض الآثار المعروفة حينها لم يوفر لهم جديداً
يكتبونه.
الحق يقال، أننا نجد في بعض كتب الرحلات الوصفية للسودان، بخاصة
في النصف الأول للقرن التاسع عشر، محاولات لتقديم موجز لتاريخ السودان بالاعتماد
على المصادر المتوفرة حينها - الكتاب المقدس وكتابات المؤرخين والجغرافيين
اليونان والرومان وأسماء متفرقة لبعض ملوك نبتة ومروى. من بين تلك الكتب حري بنا
أن نذكر في المقام الأول عمل كل من لبسيوس (3)، وبركهاردت (4)، وكايو (5)،
وهوسكنس (6)، وشامبليون (7).
يبدو ليّ أنه من غير المفيد هنا أن نبدأ في عرض كل ما تناولته تلك
الأعمال، ذلك أنها متوفرة ويمكن الرجوع إليها (**). يكفي أن أتوقف عند نموذج واحد
من بينها، تحديداً عمل هوسكنس الرائع من حيث الملاحق المرفقة به والرسوم. كان
هوسكنس الأول من بين أولئك في تسليط الاهتمام على مكانة مروي، مظهراً معرفة واسعة
بالنسبة لعصره وكاشفاً عن قدرة على تحليل الوقائع. من بين الثلاثة فصول المكرسة
لمملكة مروي، خصص فصل منها لدراسة العلاقات التجارية للمملكة. يشير هوسكنس محقاً،
في تقديري، الى أن السبب الرئيس في ازدهار مروي ارتبط بخصوبة تربة أراضيها وبفضل
اسهامها الفاعل في التجارة بين أواسط أفريقيا ومصر. يلاحظ هوسكنس المستوى العالي
للثقافة والى أصالتها، ملتزماً في ذلك بقدر كبير من قوة الملاحظة والموضوعية،
خلافاً للكثيرين من العلماء الذين كتبوا في أزمان تلت مع أنهم امتلكوا قدرات
مهنية وتدريباً أفضل. يبدأ هوسكنس الفصل المكرس لتاريخ السودان بالقول "جزيرة
مروي - منطقة كلاسيكية، معروفة تقريباً لكل قارئ بوصفها مهد الفنون والمدنية".
هنا تتضح المبالغة التى تعود جذورها الى التقاليد اليونانية - الرومانية القديمة.
في رأي هوسكنس، ترجع أسباب انهيار مملكة مروي الى حقيقة أن النيل غسل الأراضي
الخصبة مما دفع الى هجرة السكان؛ كما وترجع الى نضوب مناجم الذهب التى اعتمدت
عليها رفاهية البلاد. هكذا نجد أن هوسكنس لم يك بعيداً عن الحقيقة، في تقديري.
فكما نعرف الآن، فإن أحد أسباب الأزمة التى عانت منها مملكة مروي تمثل في تآكل
التربة الناتج عن زوال الغطاء النباتي بفعل القطعان.
يحاول هوسكنس في فصلين تتبع تاريخ نبتة ومروي. استغل الى جانب
الكتاب المقدس سرود هيرودوت، وسترابو، وديدور وغيرهم. كان يعرف أسماء تهارقا،
وشبتاكا، وشباكا، وبيَّا، والذين يوردهم تحديداً وفق هذا الترتيب؛ كذلك عرف اسم
أركامانى وآخرين من ملوك مروي. يتتبع بتفصيل وقائع صراع السودانيين مع الآشوريين،
وفيما بعد صراع السودانيين مع روما. ومع أن هوسكنس لم يكن مؤرخاً متخصصاً إلا أنه
استطاع الى حد معلوم في أن يُركب كل ما كان معروفاً في عصره عن السودان القديم.
أثار اكتشاف مارييت في عام 1862 لحوليات ملوك السودان القديم في
جبل البركل اهتماماً بتاريخ البلاد التى حكموا فيها. في ستينات القرن التاسع عشر
وسبعيناته نُشرت سلسلة من تلك الحوليات المثيرة، كما ونُِشرت مقالات متفرقة
تتناولها بالتعليق: مقالات مارييت نفسه، وروجيه، وماسبيرو وآخرين (×).
تأسيساً على ملاحظات مستقاة من مسلات ملوك نبتة الأوائل ومن
معطيات أخرى (بخاصة، تطابق اسم بيَّا مع اسم ابن حريحور، وعبادة آمون الخاصة في
السودان، وادعاء حكام نبتة ومروي بحقهم الشرعي للتاج المصري)، طرح ماسبيرو فرضية
تقول بأن مؤسسي الأسرة الخامسة والعشرين كانوا أحفاداً لكهنة طيبة المصريين من
الذين اتخذوا من معابد جبل البركل مقراً لهم في أعقاب سيطرة الليبيين على السلطة
في مصر (8). فيما بعد تم تكرار هذه الفرضية، بحسبانها حقيقة موثوقة نهائية، في
التاريخ القديم لشعوب الشرق الكلاسيكية (9) ولم يتم الإقلاع عنها حتى اليوم في
بعض الكتابات رغم اثبات عدم صحتها بصورة قاطعة. تقود مثل هذه الرؤية الى نفي
إمكانية السودانيين القدماء على تأسيس دولة بقدراتهم الذاتية على الرغم من أن
تأسيسها هناك يرجع الى أزمان سابقة لنهوض نبتة، كما سوف أبين ذلك في مقال لاحق.
يصعب القاء اللوم على ماسبيرو لجهله بالحقائق التى استبانت فقط في وقت لاحق، لكنه
في الوقت نفسه لا يجب أن نرفض تقييمه الايجابي للعديد من الحقائق. يقيم ماسبيرو
مملكة نبتة مروي بحسبانها دولة ثيوقراطية. ينطلق في ذلك، أولاً، من نظريته
القائلة بأن ملوك نبتة الأوائل تأصلوا من أسرة كهنوتية، وثانياً، بأن الملك "كان
إنساناً إلهاً ولذلك يختاره الإله"، وثالثاً، أن الكهنة هم الذين يحددون موعد موت
الحاكم غير المناسب.
التطور الثقافي اللاحق للحضارة المرَّوية يوصف بأنه إعادة إحياء
متوحشة بربرية للمدنية المصرية، وهو ما أفضى إليه انحطاط التركيبة الاثنية بفعل
الاختلاط بعناصر زنجية. تتدنى اللغة، وتفسد الكتابة والفنون، وينحط مستوى الأخلاق
والعادات. فإذا كانت التقاليد الشرقية واليونانية – الرومانية ترسم صورة مثالية
لـ تهارقا وشباكا، فإنما يفسر ذلك ببعد السودان وعزلته. كل مقولات ماسبيرو تلك
تركت تأثيرها على الكتابات اللاحقة، حيث يتم تكرارها واجترارها بصيغ وتعديلات
مختلفة.
غالباً ما يكون ميوللر قد وقع تحت تأثير كتابات ماسبيرو. المثير
للدهشة حقاً أن ميوللر وضع الكتيب الأول الوحيد الكامل المكرس فقط لتاريخ السودان
القديم (10). الكتيب نُشر في عام 1904 وأصبح حالياً عتيقاً وغير جدير بعده مفيداً.
لكنه حتى في وقت صدوره لم يواكب مستوى تطور العلم التاريخي. انطلاقاً من تشابه
بعض الأسماء المتفرقة لملوك السودان الأوائل مع أسماء بعض كبار كهنة طيبة في
نهاية الدولة الحديثة، يفترض ميوللر، مجارة لـ ماسبيرو، أن أحفاد الأخيرين، الذين
استقروا في نبتة، وضعوا أساس ازدهار السودان القديم. هؤلاء السود التعساء misera
contribuens plebs لا علاقة لهم البتة بهذا الازدهار (ص.17). لهذا السبب تحديداً،
كونهم أحفاداً لكهنة آمون، ادعي ملوك نبتة شرعيتهم وضع التاج المصري على رؤوسهم.
هنا، يبدو ليّ، أن ميوللر لم يضع في حسبانه حقيقة أن ادعاء الملوك السودانيين
للتاج المزدوج أمر لم يتم إلا بعد أن استتبت سيطرتهم الكاملة على كل مصر بعد
بيَّا، ولم يكن الادعاء بحال منذ بداية تأسيس مملكة نبتة.
في رأي ميوللر، فإن التأثير المصري فقط هو الذى أبقى على حضارة
نبتة، وأن موجات المهاجرين من مصر حافظت على عدم "الانصهار الكامل مع الزنوج (Vernegerung)
والانحطاط (Verblödung)" (ص. 18). هنا يظهر بوضوح الوجه العنصري لـ ميوللر.
تأسيساً على ما أورده هيرودوت عن استقرار السمبريين القادمين من الشمال للاستقرار
في جزيرة مروي، يحاول ميوللر ارجاع أصول هؤلاء الى الجنس القوقازي (الحاميين).
بالتالي اختلطت هنا مجموعتان اثنيتان متباينتان : النوبيون السود والحاميون "الحمر-
البنيون". ثم يورد ميوللر افادة هيرودوت عن مملكتين إثيوبيتين - المروية والنبتية،
خضعت فيهما الأولى للثانية. فقط "التفكك غير المسبوق لمصر" وفر، في رأي ميوللر،
انتصار بيَّا وسمح له ولخلفائه أن يسيطروا على مصر.
معترفاً بالطاقة الحركية التى ميزت تهارقا، يؤكد ميوللر على
التنظيم الأفضل للدولة الآشورية، مشيراً الى أن ذلك تحديداً ما جلب الانتصار الى
جانب الآشوريين. رغم أن ميوللر كان قد تعرف على النصوص المرَّوية وعلى منتجات
مروي الفنية، فإنه يسلم بأن "الإثيوبيين اعتمدوا دوماً على المصريين"، فيما يتعلق
بالفنانين أو بالموظفين المتعلمين. التقليد الإغريقي بشأن الإثيوبيين المستقيمين
المحبوبين من قبل الآلهة إنما يرجع، في رأيه، الى كهنة نبتة المحافظين على
الاستقامة القديمة والذين تمتعوا بسلطات لا حدود لها. تحديداً هؤلاء الكهنة هم
الذين حددوا انتخاب الملك. هكذا تتم قراءة مسلة أسبالتا ورواية ديدور عن أركامانى.
ادخال الكتابة الألف بائية (الأبجدية)، رغم أصالتها، يرجعها ميوللر الى تأثيرات
خارجية (ص. 30). ضعف مملكة مروي يرجعه في الأساس الى الحرب مع روما في نهاية
القرن الأول ق.م.
الى جانب الطرح العنصري المباشر، فإن ميوللر يهمل كلياً كل السمات
الأصيلة لحضارة مروي، ويتجنب التعرض للعوامل الاقتصادية التى كتب عنها قبل سبعين
عام قبله هوسكنس، بخاصة تلك التى أدت الى ازدهار مملكة مروي.
بعد ثلاث سنوات من صدور كتيب ميوللر ظهر كتاب بدج "السودان المصري"
في جزأين (11). وُضع الكتاب بطريقة غير منظمة (××)، لكنه احتوى في الوقت نفسه على
كم هائل من المعلومات. منهج بدج غير معقد: انه يعيد تسجيل المعلومات الموجودة في
مصادر مختلفة - كتابات المؤرخين والجغرافيين اليونان - الرومان القدماء، حوليات
ملوك نبتة ومروي، ومن ثم ترجمة هذه الأخيرة الى الإنجليزية، وهى ترجمات لا يعتمد
عليها كثيراً. كذلك ينقل عن الأعمال الوصفية التى كتبها الرحالة المعاصرون، الذين
كان من بينهم من بحث عن الآثار القديمة، مثل فرليني. فيما يخص رؤية بدج فإنها
تمثل نموذجاً مأخوذاً عن آراء ماسبيرو.
ويقول بدج أنه وبعد التحرر من السيطرة المصرية، قام حكام نبتة
بتوسيع سلطاتهم على كل البلاد حتى منطقة النيل الأزرق، ومن بعد ذلك بدأوا، بفعل
تأثير كهنة طيبة المستقرين في السودان، في ادعاء تبعية طيبة لهم. وفي الوقت الذى
دار فيه الصراع بين الأسر المصرية العديدة، قام أسلاف بيَّا (انطلاقاً من اسم ابن
حريحور) () ومن ثم هو نفسه بتدعيم قوته واستولى على سلطات الفرعون. تأسيساً على
حوليات بيَّا ونقوش خلفائه ومصادر مختلفة أخرى، كما أشرت، يتتبع بدج نشاطاتهم
السياسية الخارجية، أي في الأساس صراعهم مع الآشوريين. وينتقل بدج الى وصف معابد
نبتة، ومروي، وقصر ود بانقا، وموقع سوبا. ويتتبع في فصلين مستخدماً المنهج نفسه
تاريخ العلاقات السودانية مع البطالسة والرومان. هكذا لا يرتقي عمل بدج الى أعلى
من تركيب إمبيريقي، لكنه يتجاوز القصور في عمل كل من ماسبيرو وميوللر المنطلقة من
نزعة عنصرية لا شك فيها.
هوامش
* أنظر على سبيل المثال "تاريخ كمبردج القديم" [الصفحات 241؛ 242؛
243]؛ وأيضاً "تاريخ القدم" لـ ادوارد ميير؛ (Meyer 1931) و"تاريخ
العالم"(Historia Mundi, Bern 1953) وغيرها.
** كل تلك الأعمال متوفرة للقراء السودانيين بمكتبة الإدارة
العامة للآثار والمتاحف القومية، هذا إن ظلت باقية بعيداً عن الدمار والتخريب
الذى طال كل ما يمت للآثار، ولمرافق البحث العلمي (مكتبة السودان بجامعة الخرطوم)
في سنوات الإنقاذ.
× لببليوغرافيا شاملة للحوليات انظر (Porter and Moss 1952:
217-218).
×× أنظر على سبيل المثال توصيف هذا العمل في العرض الذى كتبه بيتر
شيني لكتاب آركل "تاريخ السودان حتى 1821" (Sudan Notes and Records, vol. 36:
198): "كتاب بدج من جزأين المركب بطريقة سيئة، والذى أكل عليه الدهر".
بعد سنوات من صدور كتابه عدل بدج رؤيته حول الأصل العائلي لملوك
الأسرة الخامسة والعشرين وكتب بأن كاشتا - من أصل محلي (انظر المراجع Budge 1912)
وأن بيَّا، احتمالاً، أرجع نسبه الى ابن حريحور وسمي نفسه تكريماً لسلفه (انظر
المراجع Budge 1928).
المراجع
(1) Maspero G. 1895-1899, Histoire ancienne des peuples
l’Orient classique, t.1-3, Paris.
(2) Кацнельсон И.С. 1962, ‘Античные писатели о Куше’, ПС. Вып.
7(70).
(3) Lepsius R. 1952, Briefe aus Ägypten, Äthiopien und der
Halbinsel des Sinai, Berlin.
(4) Burckhardt J.L. 1919, Travels in Nubia. London.
(5)Cailliaud F. 1827, Voyage à Meroë, vol.1-4 et 2 atlases.
Paris.
(6)Hoskins G.A. 1935, Travels in Ethiopia, above the Second
Cataract of the Nile. London.
(7) Champollion F. 1835, Monuments de l”Egypte et de la Nubie
d’après les dessins exécutés sur les lieux, 1-4. Paris.
(8) Maspero G. 1887, Les momies royales de Deir el Bahari, Le
Caire, p. 746.
(9) Maspero G. 1895-1899, Histoire ancienne des peuples
l’Orient classique, t.1-3, Paris, pp. 169-170.
(10) Müller W.M. 1904, Athiopien, Leipzig.
(11) Budge E.A.W. 1907, The Egyptian Sudan, vol. I.and II,
London. id., 1912, The Annals of the Nubian Kings with a Sketch of the History
of Nubian Kingdom of Napata, London. id., 1928, A History of Ethiopia, Nubia
and Abyssinia, Vol.I, London, p. 26.
*د. أسامة عبد الرحمن النور، عالم آثار ومؤرخ.
حصل على الدكتوراه في علم الآثار المصرية Egyptology من معهد
الدراسات الشرقية- أكاديمية العلوم، موسكو. وكان موضوع أطروحته: "الجذور المحلية
للثقافة السودانية القديمة، وعلى درجة الماجستير في علم الآثار المصرية
Egyptology من جامعة شدانوف للدولة- لننجراد.
عمل أستاذاً للتاريخ القديم والآثار والحضارات الشرقية القديمة في
العديد من الجامعات والمؤسسات العلمية. شغل منصب المدير العام للهيئة العامة
للآثار والمتاحف القومية بالسودان في الفترة من عام 1987 إلى 1991.
لمزيد من التعرف على مؤلفاته من كتب ومقالات وأبحاث نُشرت في
المجلات العلمية بالعربية والإنجليزية والروسية، يمكنكم الرجوع إلى سيرته الذاتية
في موقع أركماني.
|