header
مقالات، دراسات، بحوث
Articles, Etudes et Recherches | Essays, Research
 

نزعة المركزة الأوربية والتدوين التاريخي للحضارة السودانية

"التحول من رؤية مصروية - أبيضية متوسطية الى رؤية سودانوية"

د. أسامة عبدالرحمن النور

(4)

نقد التركيب الريزنري

في كتاب كامرير عن تاريخ أبيسينا، اتبع المؤلف خطى ريزنر في إعادة تركيب تاريخ مملكة مروي التى خصص لها فصلاً من الكتاب (1). واضح أن كامرير درس المصادر والأدب الخاص بالموضوع. الشئ نفسه يمكن قوله عن كتاب ماك مايكل "تاريخ العرب في السودان" والذى جاءت مقدمته متبعة خطى ريزنر حرفياً فيما يتعلق بحضارة مروي(2).

تقريباً في الوقت نفسه جدد بدج عودته للكتابة عن تاريخ السودان القديم (3). يفترض بدج في مؤلفه الجديد بأن كهنة طيبة انتقلوا، تحت ضغط الليبيين، الى نبتة، حيث خلقت لهم السياسة السابقة لفراعنة الدولة الحديثة ظروفاً مريحة، وحيث وجدوا "ترحيباً من الشعب". تزوج الكهنة من نساء سودانيات وثبتوا بالتالي وضعهم. وهم الذين أدخلوا في أذهان السودانيين أن حدود بلادهم تمتد في الشمال الى 300-350 كيلو متر جنوبي منف. يرجع نسب الأسرة الخامسة والعشرين الى "أمير سوداني اسمه كاشتا، المتزوج من امرأة مصرية"، ويعود نسبه، احتمالاً الى ابن حريحور. كل تلك الافتراضات يطرحها بدج بدون اشارة الى حقائق أو مصادر. لا يختلف هذا الطرح عما أورده بدج في أعماله السابقة، فقط يضيف وصفاً مختصراً لأعمال التنقيب في مروي التى أجراها جارستانج وسايس، وقائمة بأسماء ملوك مروي وسنوات حكمهم، والتى سبق أن أوردها ريزنر.

لكن والحق يقال لم يتفق الجميع مع ريزنر في استنتاجاته بخاصة فيما يتعلق بأصول مملكة نبتة. هكذا، على سبيل المثال، استمر ادوارد ميير في دراسة له بعد زمن قصير من صدور تقرير ريزنر، وكذلك في الطبعة الجديدة لكتابه "تاريخ القدم" (4) في التأكيد على أن مؤسسي الأسرة الخامسة والعشرين المنشئين للدولة السودانية كانوا من كهنة طيبة وأحفادهم. قوى هذا حجج نظريته القائلة بوجود أشكال إدارة ثيوقراطية في كل من طيبة ونبتة. الى حد ما تقوم نظريته على علاقة السودانيين بعبادة الشمس.

عاد كيز أكثر من مرة لمسألة أصول مملكة نبتة والأسرة الحاكمة هناك، وتركها مفتوحة للنقاش، معتقداً بأن فرضية ريزنر وكذلك فرضية ميير تتكئان على "شواهد ضعيفة" وأن الفرضيتين بصفة عامة غير محتملتين (5). إن بيَّا وخلفائه لا يمكن بحال عدهم زنوجاً. انهم حاميون. السمات الزنجية تأخذ في الظهور فقط في الفن المرَّوي. أصبح السودانيون ورثة فكرة الثيوقراطية الطيبية، حرب ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الأوائل مع حكام مصر السفلى كانت نتاج احتجاج أرثوذوكسي من قبل مريدي عبادة آمون القديمة ضد عبادة الآلهة المحلية المتسربة من سوريا وفلسطين. أدى نقل مركز الدولة فيما بعد الى الجنوب وضعف الصلات بالحضارة المصرية الى التوحش. ومع ذلك تأخذ النزعة الوطنية في الظهور في الكتابة، واللغة، والفن. تنبع أهمية نبتة من موقعها على طرق القوافل التى تقود الى أفريقيا الاستوائية. ويقدم كييز وصفاً مشوشاً وخاطئاً لمملكة نبتة على أساس مثالي. لا يتعرض الكتاب إلا بصورة عرضية للعلاقات التجارية.

من الطبيعي أن يؤدي اندلاع الحرب العالمية الثانية الى عرقلة صدور أعمال منشورة في مجال تاريخ السودان القديم. لكنه وبمجرد أن وضعت الحرب أوزارها حتى بدأنا نلحظ تقدم واضح في هذا المجال. أدت التقارير التى نُشرت في الثلاثينات من القرن العشرين عن أعمال الاستكشاف الآثاري، وفيما بعد الظهور الى دائرة الضوء أعمال ضخمة مثل "معابد كوة" و "مدافن كوش الملكية" الى إعادة نظر وتأمل نقدي.

قبل العام 1953 كانت كل المواد ذات الصلة بتاريخ السودان القديم تنشر على صفحات المجلات المصريولوجية المتخصصة، أو من فترة لفترة، في مجلات تاريخية عامة. بدءاً من عام 1953 بدأت مصلحة الآثار السودانية في اصدار مجلة كوش المتخصصة. وأخذ في التزايد كم المجلدات سنوياً، وفي التنامي حجم المواد المنشورة فيها. ومع أن كوش ظلت مجلة صادرة عن مؤسسة حكومية سودانية إلا أنها جسدت منبراًَ عالمياً ينشر فيه العلماء السودانيون، والبريطانيون، والفرنسيون، والألمان، والايطاليون، والاسبان، والنمساويون، والسويديون، والأمريكيون، والكنديون تقارير أعمالهم الميدانية، ونشر بعض الآثار المتفرقة، والدراسات التى تتناول إشكاليات التاريخ السياسي، والكرونولوجيا، والجغرافيا التاريخية، واللسانيات.

أهمية كبيرة تحتلها التقارير الضخمة لحفريات ريزنر في المدافن الملكية في نبتة ومروي وحفريات جريفيث في كوة والتى تم تجهيزها بعد وفاتهما من قبل كل من دنهام وليمنج مكادم. وأثناء عملية تجهيز التقارير نشر دنهام في عام 1946 مقالاً (6) أدخل فيه سلسلة من التصويبات والتدقيقات على الجدول الكرونولوجي الذى ركبه ريزنر. لاحقاً قام دنهام بإعادة صياغة وتصحيح هذه الكرونولوجيا في جهد مشترك مع ليمنج مكادم، مضيفين إليها سلسلة نسب ملوك نبتة ومروي (7). هذه الكرونولوجيا، مع بعض التعديلات، لازالت معتمدة الى حد بعيد. واقترح دنهام استخدام اسم البلاد القديم كوش تجنباً للتشويش.

النقوش من كوة التى نشرها ليمنج مكادام، كما أشرت، وسعت الى حد بعيد المعلومات الشحيحة عن الأوضاع الداخلية في السودان القديم. في تعقيبات على تلك النقوش، وفي وصفه لأعمال التنقيب في معابد جم آتون (كوة) توقف مكادام لمعالجة بعض إشكالات الجغرافيا التاريخية للبلاد (). وفي بحث سونيرون ويوته الرائع والمشحون بالوثائق (8) يتم طرح هذه الاشكالات نفسها والمرتبطة بحملة بسامتيك الثاني الى السودان. يتوقف المؤلفان بتفصيل لمعالجة العلاقات بين مصر والسودان في واحدة من المراحل التى لم تصلنا منها أية أخبار، ويفسران لماذا بقيت في المخيلة الشعبية المصرية ذكرى طيبة عن ملوك الأسرة الخامسة والعشرين (9). ويثبت المؤلفان أن ملوك السودان حملوا اللقب "كور kûr"، الذى يتطابق مع "كرى qere" المروي. ويرى المؤلفان أن حملة بسامتيك الثاني في عام 591 ق.م. قد تكون حفزت مسألة نقل العاصمة من نبتة الى مروي.

وقد حفزت المعطيات الجديدة في عام 1955 آركل لوضع كتابه "تاريخ السودان منذ أقدم الفترات حتى 1821" (10)، أي حتى حملة محمد على وبداية الاستعمار التركي-المصري للسودان. في عام 1961 أعيد طبع الكتاب مع ادخال تدقيقات فرضها صدور عمل ساونيرون ويوته المشار إليه في الفقرة السابقة، وكذلك أبحاث كل من دنهام، وهنتزا في مجال الكرونولوجيا. استقبل عمل آركل بترحاب ووجد تقبلاً عاماً وسط العلماء (). من بين الـ 225 صفحة التى يتألف منها الكتاب كُرست حوالي 175 منها لتاريخ السودان القديم، أي أكثر من ثلاثة أرباعه.

لا بدَّ من اعطاء المؤلف حقه، فقد تمكن آركل، بطريقة مهنية عالية، من تلخيص كل ما توصل إليه العلم حتى لحظة صدور مؤلفه، واستخدم أبحاثة الآثارية والاثنوغرافية الخاصة. كان دنهام وكذلك أديسون قد أشارا الى خطأ نظرية الأصل الليبي لأسرة نبتة، وكذلك خطل نظرية العلماء الألمان الذين حاولوا ارجاع أصل هذه الأسرة الى كهنة طيبة المصريين. أشار آركل محقاً عن طريق إعادة تحليل الفرضيتين ونقدهما الى أن جذور أصل الدولة في السودان القديم ترجع الى حضارة كرمة المحلية.

اهتمام خاص في كتاب آركل وجه الى وصف المركبات المعمارية والصروح الهامة، وعرض براجماتي لأحداث السياسة الخارجية، وهى المعروفة بصورة أفضل طالما أنها وجدت انعكاساً لها في النقوش وفي مؤلفات المؤرخين والجغرافيين اليونان والرومان القدماء، والى تحديد التسلسل الكرونولوجي وما الى ذلك. لتفسير بعض الظواهر المتفرقة، مثل ازدهار مروي أو نهايتها،يلجأ آركل الى جانب الإشارة الى أسباب مرتبطة بالسياسة الخارجية أيضاً الى العناصر الاقتصادية،التى تسببت في اضعاف نبتة، أو في أزمة مملكة مروي. في ما يتعلق بالمسائل الأخرى يكتفي المؤلف بتقديم الوقائع، محاولاً في حالات تبيان جوهرها، ويبدو ليَّ أنني قد لا أتفق مع عدد من التفسيرات التى يقدمها. فمثلاً، يرى آركل، أن "نهاية البيت المالك المتمصر في نبتة" نتجت عن فقدان الصلة بالعالم الخارجي وتوقف تدفق الأفكار الجديدة؛ بعد ذلك بدأت البلاد في الانحطاط تدريجياً مقارنة بالماضي التليد. هنا يبدو أن آركل لم يلحظ أصالة حضارة مملكة مروي التى ازدهرت في القرون الأخيرة السابقة للميلاد. مع ذلك يجب الاتفاق مع التقييم العالي الذى ناله كتابه: ففيه لخصت كل المعلومات الأساسية الخاصة بتاريخ السودان القديم المتحصل عليها حتى بداية الستينات من القرن العشرين الماضي.

في وقت متزامن مع صدور طبعة كتاب آركل الثانية ظهرت دراسات في تاريخ السودان للمؤرخ فون بكراث، الأشبه من حيث أسلوب طرحها بالموسوعة (11). مؤلف هذه الدراسات أقل استقلالية، لكنه يمتلك معرفة جيدة بالأدب الخاص بالموضوع. يعدد بصورة مختصرة وقائع التاريخ السياسي للبلاد، من دون أن يتوقف لا لرؤية الأسباب ولا لنتائجها. من هنا فإن هذا العمل يمكن أن يخدم دليلاً لا أكثر.

أخيراً ظهر في عام 1967 الكتاب الأول المكرس خصيصاً لمملكة مروي وحضارتها والذى وضعه بيتر شيني (12). أجرى شيني أعمال ميدانية عديدة في السودان، وله العديد من الأبحاث في تاريخ السودان وآثاره. يحاول شيني، في كتابه الموجه لغير المتخصصين، أن يعطي "صورة عامة عما هو معروف لنا حتى اللحظة (صدور كتابه) عن هذا الجزء الساحر والهام من أفريقيا وعن لحظات تاريخه الحرجة". على الرغم من أن، كما يكتب شيني في مقدمة الكتاب، ظهور كتاب جامع عن مروي يمثل ضرورة فإن اكماله يحتاج الى وقت أطول. لذلك فإن شيني، آخذاً في الحسبان أهمية الاكتشافات في السنوات الأخيرة لصدور كتابه والتى تقدم اجابات عن بعض المسائل، يكتفي بتقديم النتائج المبدئية، مهملاً الوقائع الثانوية والمجادلات التفصيلية.

لا شك أن هذا الكتاب غير الكبير حجماً يقدم بطريقة مضغوطة وواضحة الوقائع الأساسية عن مملكة مروي، والموثوقة علمياً حتى لحظة صدوره. ففيه يتم بطريقة منتظمة طرح أهم قضايا التاريخ السياسي، وتعالج مسائل الكرونولوجيا، ويُقدم وصف للصروح المعمارية الأساسية (المعابد، والمدن، والمدافن)، ويتم عرض الثقافة المادية وتحديد سماتها، وتعالج النظريات المرتبطة بأصل اللغة المرَّوية وفك رموزها، ويتم الحديث عن المعتقدات الدينية والطقوس الجنائزية المرَّوية. وفي الخاتمة تعالج واحدة من أشد مسائل إشكالات تاريخ أفريقيا القديم الساخنة - مسألة صلة حضارة مروي مع حضارات القارة الأخرى. تجنب الكتاب الجوانب المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي الاقتصادي وبنية جهاز الدولة، والتى كما سنرى، تشكل النقاط الأساسية لتحديد طبيعة المجتمع المرَّوي والتى حددت سيرورته التاريخية وفق ما سنجده لاحقاً في كتابات ايسيدور سافتش كاتسنلسون. طبيعة الطرح الذى قدمه شينى براجماتية للغاية. في حالات يقدم نتائج أبحاثه الخاصة، في المقام الأول تلك المتعلقة بالسنوات الأخيرة لوجود مروي. وفي حالات يضم صوته لآراء بعض العلماء الآخرين الذين لم تكن نظرياتهم على درجة من الصحة، على سبيل المثال مطابقة خبابش بـ قمبيز، ووجود أسرة مرَّوية أولى في نبتة، والنظرية التى تقول بأنه حتى وصول نستاسن الى العرش منذ لحظة نشوء مملكة نبتة حكم خمسة وأربعون ملكاً الخ.

ويشير شيني محقاً الى خطأ تحديد حضارة مروي بوصفها حضارة ريفية بربرية لا تتعدى تقليداً للحضارة المصرية، ولم تقدم اسهاماً للحضارة الإنسانية. يحدد المؤلف هدفاً يسعى الى اثبات خطأ مثل هذه الادعاءات، والى تبيان أن الحضارة المرَّوية هى حضارة أصيلة تركت تأثيرها على تطور الفكر والحضارة المادية لأفريقيا. من ثم أقول بأن كتاب شيني يمثل ظاهرة تقدمية في التدوين التاريخي الأوربي لحضارة السودان القديم، وهو من هذا المنطلق يشهد على تطور في رؤى المؤرخين الأوروبيين والأمريكيين.

في عام 1963 أشار جادالله للمهام الأساسية التى تواجه الباحثين في تاريخ نبتة ومروي، ولخص الوضع المعرفي، تحديداً وجهات النظر الخاصة بنقاط بعينها. وأرفق بمقاله قائمة ببليوغرافية موجزة (13). السمة المميزة هى العبارة التى وردت في مقدمة مقاله "كما هو واضح من الأدب الكلاسيكي ومن الاكتشافات الآثارية الأخيرة، كانت مملكة مروي مرحلة مهمة وناصعة من تاريخ السودان الطويل، حتى بعد اختمار الازدهار استوعبت الحضارة الجديدة العناصر القادمة من مختلف الاتجاهات". ويشير المؤلف الى أن ازدهار مروي يعود الى أسباب اقتصادية، وأن حملة بسامتيك الثاني الى السودان في 591 ق.م. كانت حافزاً أدى الى نقل العاصمة. ويطرح جادالله المفاهيم الأساسية بشأن الكرونولوجيا وتاريخ تحول مروي الى عاصمة، ويتوقف أخيراً لمناقشة أسباب انهيار مملكة مروي وتحديد تاريخ الانهيار، وهو انهيار يرى جادالله أنه نتج بفعل هجوم خارجي بالاضافة الى الجفاف وما ترتب عليه من شح في المراعي.

وتزامن صدور عمل تريجر (14) مع عمل كورتو "النوبة: قصة حضارة رائعة" باللغة الإيطالية (15)، وكرس العملان للأطراف الشمالية للسودان. يتبع مؤلف العمل الأول هدفاً محصوراً وضيقاً بحيث أن الكتاب أصبح موجهاً للمتخصصين. فالمؤلف يحاول تتبع التغير في طابع الاقامة في هذه المنطقة من السودان القديم (أي تحديداً ما يسمى بالنوبة السفلى) بدءاً من الألفية الرابعة ق.م. حتى قدوم العرب في القرن الثاني عشر الميلادي. وفي رأيه أن الأطراف الشمالية للسودان القديم تقدم نموذجاً يسمح بتتبع النمو السكاني وهو ما ينعكس بالطبع على شكل الاقامة والمساكن. مثل هذه الإمكانية توفرها المصادر الكتابية والمخلفات الآثارية المادية، التى وصلت إلينا من الثقافات التى أعقب بعضها البعض على امتداد فترات طويلة. يرى تريجر بأن العناصر التى تحدد هذه أو تلك من التغيرات في حياة السكان، والتى تؤثر أيضاً على نموهم أو العكس على تناقصهم، تنحصر الى جانب التحولات في الظروف المناخية في تطور القوى المنتجة. على سبيل المثال سمح ادخال الساقية بتوسيع الرقعة المزروعة في القرن الأول ق.م.، بالتالي، أعطي إمكانية اطعام حجم أكبر من الناس (ص. 123). جمعت في الفصول الأولى معلومات معممة قيمة عن طبيعة المنطقة وسكانها، واقتصادها، وبخاصة الايكولوجيا التى حظيت بالاهتمام الأكبر. مملكتا نبتة ومروي خصص لهما تريجر عدداً من أقسام الكتاب (ص. 117-131) تتبع من خلالها التاريخ السياسي، وتناول بالدراسة حضارة الأجزاء البطلمية - الرومانية والمرَّوية من الأطراف الشمالية للسودان القديم، وسمات الاقامة وخصائصها في كل جزء من تلك الأجزاء. تعطي الجداول الارشادية التى ركبها تريجر وتحتوي على معلومات عن كل موقع اقامة في المنطقة في الفترات التاريخية المختلفة، وأيضاً الجداول التى أورد فيها تعداد السكان في العصور المختلفة الكتاب أهمية كبيرة. بعض آراء تريجر قد تكون عرضة للمجادلة، بخاصة في الأقسام المكرسة لتاريخ السودان القديم، حيث يعتمد فيها أساساً على أعمال وآراء مؤرخين آخرين هي بدورها عرضة للنقاش. إلا أن المادة الوقائعية الضخمة التى جمعها تريجر، وبخاصة الاستنتاجات التى توصل إليها بشأن عدد من السمات المميزة لتطور الأطراف الشمالية للسودان القديم، تجعل من كتابه هذا مرجعاً قيماً، رغم أنه أهمل كلياً المسائل الخاصة بالتاريخ الاجتماعي مشيراً الى أن المصادر لا تعينه في تركيب هذا التاريخ بالتحديد.

فيما يتعلق بالدليل الذى وضعه كورتو - مدير متحف تورنتو، فإنه يعرض بطريقة شعبيه لغير المتخصصين نبذة عن تاريخ السودان القديم مصحوبة بكم كبير من الصور والجداول الرائعة. يلاحظ أن المؤلف تبنى في سرده للتاريخ السياسي وأحداث السياسة الخارجية العديد من وجهات النظر التى شاخت وأصبحت غير مقبولة الآن. فعلى سبيل المثال يلتزم بالنظرية الخاصة بالأصل الطيبى الكهنوتي لملوك الأسرة الخامسة والعشرين بفعل هجرة كهنة طيبة بعد السيطرة الليبية على مصر الى نبتة. كذلك كانت الطبقة السائدة في مجتمع نبتة، في رأيه، من أصل ليبي؛ وارتبط انتقال العاصمة الى مروي في رؤيته فقط بحملة ببسامتيك الثانى وبحملة قمبيز، ولا يربط ذلك الانتقال بحال بالظروف الاقتصادية. فوق ذلك يفترض كورتو بأن أسرة مستقلة ظلت تحكم في نبتة انتهت فقط بـ نستاسن، وأن الوحدة، التى كانت مع ذلك مؤقتة، تم انجازها فقط في عهد أركامانى، وأصبحت مروي مركزاً حضارياً فقط في القرن الثالث ق.م.. التقسيم المرحلي لتاريخ مملكة نبتة - مروي يقيمه كورتو على أساس التقسيم المرحلي لتاريخ مصر. في الوقت نفسه يعترف المؤلف بالأهمية الكبيرة للحضارة المرَّوية التى قامت بدور مهم في تطور شعوب أفريقيا، كما ويشير الى القدرات العسكرية والسياسية والإدارية لحكامها.

هوامش

 للاضافات والتعديلات انظر العرض الشامل والمثير الذى كتبه كل من ليكلا ويوته على عمل مكادام (انظر المراجع Leclant and Joyotte 1952, pp. 1-39).

 انظر عرض ليكلا للكتاب في العدد الخامس من مجلة كوش Kush، 1957، الصفحات 93-102؛ وعرض بيتر شيني في مجلة السودان في مدونات Sudan Notes and Records المجلد 36، 1955، الصفحات 198-200؛ وتعقيب دنهام في Journal of North Eastern Studies رقم 3، 1957، الصفحات 211-213؛ وتعقيب اديسون في مجلة Antiquity الرقم 117، 1956، الصفحات 60-61.

المراجع

(1) Kammerer A. 1926, Essai sur l’histoire antique d’Abyssinie, Paris, pp. 67-83.

(2) MacMichael H.A. 1922, A History of the Arabs in the Sudan, vol. I, Cambridge, p. 23.

(3) Budge E.A.W. 1928, A History of Ethiopia, Nubia and Abyssinia, Vol. I, London.

(4) Meyer Ed. 1931, Geschichte des Altertums, Bd 2, Abt. 2, Stuttgart, p. 52.

(5) Kees H. 1953, Das Priestertum im ägyptischen Staat von Neuen Reich bis zur Spätzeit, Leiden-Köln, pp. 264-65.

(6) Dunham D. 1946, ‘Notes on the History of Kush, 850 BC.- 350 AD’. American Journal of Archaeology, vol. 50, No. 3, pp. 378-388.

(7) Dunham D. and M.F. Laming-Macadam 1949, ‘Names and Relationship of the Royal Family of Napata’, Journal of Egyptian Archaeology, vol. 35, pp. 139-149.

(8) Sauneron S. and J.Yoyotte 1952, La campagne nubienne de Psammetique II et sa signification historique', BIFAO, t.50, pp. 157-207.

(9) Yoyotte J. 1951, ‘Le martelage des noms royaux ethiopiens par Psammétique II’, Revue d’égyptologie, t.8, pp. 139-215.

(10) Arkell A.J. 1961, A History of the Sudan from the Earliest Times to 1821, 2nd Ed., London.

(11) Beckerath J. von. 1961, Nubien, <<Oldenburgs Abriss der Weltgeschichte. Abriss der Geschichtw antiker Randkukturen>>, herausg. Von W.D. von Barlöwen, Munchen.

(12) Shinnie, P L. 1967, Meroe: A Civilization of the Sudan. New York: Praeger.

(13) Gadallah F.F 1963, ‘Meroitic Problems, and a Comprehensive Meroitic Bibliography’, Kush, vol. 11, pp. 196-216.

(14) Trigger B.G. 1965, History and Settlement in Lower Nubia, Yale : Yale University Press.

(15) Curto S. 1965, Nubia, Storia di una civilità favolosa, Novara.

© جميع حقوق النشر محفوظة للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
TOUS DROITS RSERVS © 2005
Copyrights © 2005Sudan for all. All rights reserved

Web designers/ developers:mardisco