header
 دراسات في تاريخ السودان
Etudes sur l'Histoire du Soudan
Studies on Sudanese History
 
مقالات، دراسات، بحوث
Articles, Etudes et Recherches | Essays, Research
 

نزعة المركزة الأوربية والتدوين التاريخي للحضارة السودانية

"التحول من رؤية مصروية - أبيضية متوسطية الى رؤية سودانوية"

د. أسامة عبدالرحمن النور

(5)

مولد علم الآثار السودانوية

في عام 1970 يشهد التدوين التاريخي للسودان القديم، تحديداً عصر نبتة - مروي، نقلة جديدة دشنها ظهور كتاب "نبتة - مروي مملكتا السودان القديم" للمؤرخ الروسي ايسيدور سافتش كاتسنلسون (1). يحاول المؤلف تتبع التاريخ الاجتماعي - الاقتصادي والسياسي لمملكتي نبتة ومروي على امتداد فترة وجودهما، ويسعى الى تحديد طبيعة بنية جهاز الدولة فيهما. ويشير كاتسنلسون الى أن وضع المصادر لا يسمح له في الوقت الحالي، أي تاريخ الانتهاء من مخطوطة الكتاب في عام 1966، بمعالجة تاريخ التطور الحضاري للملكتين. ويقول بأن هذا الجانب الذى يمثل حقلاً لازال بعيداً عن الدراسة الشاملة، يحتاج الى جهود مكثفة لباحثين متخصصين في حقول معرفية متعددة. كذلك يستبعد المؤلف معالجة العلاقات المتبادلة بين الحضارة المرَّوية وبين الحضارات الأفريقية، مع تأكيده على أن هذه المسألة لا بدَّ وأن تنال القدح المعلى في البحث المستقبلي. "لا توجد بينة كافية يتكأ عليها في الوصول الى استنتاجات محددة في هذا الخصوص. قد يصبح ذلك ممكناً في القريب العاجل بفعل أعمال التنقيب التى بدأت في إثيوبيا والمناطق المجاورة.، ومن خلال تطوير ملموس لجمع وتحليل فولكلور الشعوب والقبائل التى تعيش هناك الآن وتحليله". أخيراً فإن المؤلف يقول بأن كتابه يسعى في المقام الأول لمعالجة إشكاليات التطور التاريخي لمملكتي نبتة ومروي مع بذل محاولة لتحديد طبيعة خصائص المملكتين، بالتالي مكانتهما في تاريخ العالم القديم، و"لا يجدر البحث في الكتاب عن دراسات مفصلة لجزئيات متفرقة، أو تناول لقضايا إشكالية مثل قضية التركيب الاثني، أو الكرونولوجيا، أو الجغرافيا التاريخية".

يبرر المؤلف محدودية خطة الكتاب بشح المصادر ومحدوديتها. لهذا فقد انحصر الهدف المعلن للكتاب في دراسة الخصائص العامة للاقتصاد، والعلاقات الاجتماعية، وبنية الدولة. وحيثما كان ممكناً، يلتفت المؤلف الى التغيرات التى تصيب بنية الدولة أو مجال الاقتصاد، والتى يمكن تحديدها عن طريق دراسة الآثار الكتابية والمادية. ويشير المؤلف الى أن عمله سوف يحتاج الى ادخال الكثير من التدقيقات والاضافات.

يعتقد كاتسنلسون بأنه من الجائز طرح افتراض يقول بأن اقتصاد مملكتي نبتة ومروي كان يمر بالمرحلة من التطور نفسها التى ميزت اقتصاديات الدويلات العبودية المبكرة في الشرق. بالطبع وجدت بعض الاختلافات، التى ارتبطت جزئياً بحقيقة أن السودان القديم عاش حالة تطور شديد الارتباط بالتأثيرات القوية لجارته مصر في الشمال، والى حد أقل لروما فيما بعد. ويشير المؤلف الى ضرورة الأخذ بعين الحسبان للخصائص المميزة للسودان، مثل التطور المتأخر والمحدود للزراعة المروية اصطناعياً، والبعد عن مراكز العالم القديم الرئيسة، والتجاور مع شعوب أقل تعقيداً من حيث درجة التطور، والاستغلال الطويل المدى الذى تعرضت له البلاد من قبل مصر. لهذه الأسباب مجتمعة يعزو المؤلف قوة البقايا المميزة للبنية العشائرية القبلية.

يؤكد كاتسنلسون على عدم توفر أساس موثوق يستدعي تحديد بنية الدولة في نبتة ومروي بوصفها ثيوقراطية. لا يجوز، في تقديره، اطلاق مفهوم الثيوقراطية على الأشكال المتبقية من البنية العشائرية القبلية وتجلياتها، والتى جاز وفقاً لها للكهنة اتخاذ القرار بشأن انتخاب الملك وموته، وهو ما قد يكون مجرد تناظر شكلي لا أكثر مع خصائص البنية الثيوقراطية. هذا ويقول المؤلف بأنه لا يلاحظ مطلقاً في البنى الثيوقراطية ظاهرة تأليه الملك، على الأقل كما كان عليه الحال في السودان القديم، بل حتى في مصر. ويرى أن المؤرخين بتحديدهم، على أساس سمات سطحية لوجود ثيوقراطية في السودان القديم، "يرتكبون الخطأ المنهجي نفسه الذى يقود الى رؤية المجتمع الهومري في اليونان القديمة بوصفه مجتمعاً اقطاعياً". يعترف كاتسنلسون بحقيقة أن الكهنة في نبتة ومروي كانوا يتمتعون بنفوذ واسع وتأثير كبير. وفي حالات حددوا مجرى هذه أو تلك من الأحداث. فيما يتعلق بهذا فإن المؤلف يشير الى اتفاقه مع المؤرخين اليونان والرومان القدماء. لكنه يرى بأنه لا يجوز مجارة لهم عد بنية الدولة في السودان القديم بوصفها ثيوقراطية، ذلك أنه في هذا الشكل من البنية، والتى عادة ما تنشأ في مجتمع طبقي شديد التراتب، تتركز في أيدي الكهنة كافة السلطات المدنية منها والدينية، ويعد الإله هو المصدر الأوحد للتشريع وليس الملك الذى يصدر القوانين باسم الإله. وبما أننا، على حد تعبير المؤلف، "لا نجد لا في طيبة في عهد سيادة الكاهن الأعظم للإله آمون حريحور المغتصب للسلطة الملكية، ولا في دولة يهودا في القرن الخامس ق.م. حيث انتقلت السلطة الى أيدي الحبر الأعظم، تلك الظروف التى ضمنت تأثير الكهنة في السودان القديم، وهى ظروف ناتجة من التقاليد والأعراف المميزة لبنية عشائرية قبلية". كل ذلك دفع بـ كاتسنلسون للوصول الى استنتاج مفاده أن مملكتي نبتة ومروي من الممكن عدهما في دائرة الدول العبودية الاستبدادية المبكرة، التى حافظت على قدر من بقايا البنية العشائرية القبلية. أقول بأن المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في المدرسة الماركسية الارثوذوكسية النزعة المناقضة للنزعة البنيوية الماركسية، تجد تعبيراً قوياً لها في تحديد كاتسنلسون لطابع الدولة في السودان القديم (*).

وفي عام 1977 صدر السفر الرائع لـ ويليام آدمز (2) والذى صدرت مؤخراً ترجمته العربية تحت عنوان "النوبة رواق أفريقيا" (**). وقد كتب آدمز معلقاً على كتابه قائلاً :

"يبقى هناك منظور الدراسات النوبية - وهو الذى أسهمت بنفسى فيه بقدر معتبر، عن طريق كتابى "النوبة رواق أفريقيا". استطيع أن اقول بكل إطمئنان أن هذا المنظور يطرح رؤية للتاريخ موثوقة من حيث مصطلحات الأنثروبولوجيا فى الخمسينيات، والتى كان موضوعها الرئيس (على الأقل فى أمريكا) هو الكشف عن المتفرد geist ووصفه (الترتيب كما نقول) فى كل ثقافة. قطعاً فإن قراءة متعمقة سوف تظهر ان "النوبة رواق أفريقيا" ليس تاريخاً مترابطاً كسلسلة اثنوغرافية يكون فيها كل طور متتال للتاريخ النوبي موصوفاً بمصطلحات قيمه ومصالحه السائدة. الأمر نفسه يصدق بالنسبة للتقنية التفسيرية كما استخدمت من قبل العديدين من اثنوغرافى منتصف القرن، واعتقد، انها تتلائم مع ما نصح به ابن خلدون". ويستمر آدمز .. "النوبة رواق أفريقيا، كما ذكرنى بعض النقاد، أقل موثوقية من حيث منطلقات أنثروبولوجيا الستينيات والسبعينيات، رغم أنه كتب فى تلك الفترة. لكن الأنثروبولوجيا حينها هيمن عليها تنافس المدرستين المادية الثقافوية و البنيوية، واللتين ترفضان كلتاهما أي دور مهم للإرادة الإنسانية. بطرقهما المختلفة، تفترض المدرستان ان الثقافة الإنسانية هى الى حد بعيد نتاج قوى خارج تحكم الوعى الإنساني. من مثل هذا المنظور يصبح ممكناً تصور قوانين شمولية للثقافة والتاريخ، فى حين إننى فى الفصل الختامي للكتاب عبرت عن تحفظاتي حول تطبيق مثل تلك القوانين على المسألة النوبية، كما فهمت. يبدو، إذن، ليس هناك - علم مقارن طبيعي للإنسان- واحد، لكن فى الواقع علوم عديدة نختار من بينها. ليس فقط أن هناك مدارس متضاربة فى الأنثروبولوجيا لكن الأنثروبولوجيا ككل تقدم رؤية مختلفة عن السوسيولوجيا، والاقتصاد، والعلوم السياسية، والسيكولوجيا، والتى يمكن أن يدعى (وفى حالات يفعل) كل منها أنه علم مقارن طبيعي للإنسان". ومن ثم يتساءل آدمز.. "هل يعنى هذا أن المثال العالي الخلدوني غير قادر على الإنجاز، بل ويحتمل أن يكون دعاة ما بعد الحداثة على حق؟" ويجيب بالقول "لست مستعداً بعد لمثل هذه المشورة ولا لمثل هذا اليأس. غض النظر عن خلافاتهم، أعتقد أن العلوم الاجتماعية والتاريخية الحديثة ضيقت بصورة واضحة هوة سوء الفهم حول الطبيعة الإنسانية. على الأقل تخلصت من التلميحات طويلة المدى بشأن التفوق والتدني الفطري، والذى هيمن على العديد من وجهات النظر المبكرة حول النوبة. بدءاً من الاعتراف من كوننا جميعاً من نوع الإنسان العاقل، وانه بغض النظر عما هو فطري لدينا جميعاً، فإننا على الأقل فى الطريق الى وضع النوبة الى حيث تنتمي فى الصورة التاريخية" (•).

هكذا طرح آدمز أمامه مهمة إعادة كتابة تاريخ السودان القديم من وجهة نظر أنثروبولوجية، فقدم نقداً صلباً من واقع معطيات الحضارة المادية التى كشفت عنها معاول علماء الآثار. فالكتاب دق المسمار الأخير في نعش النظريات العنصرية التى هيمنت على قطاع كبير من علماء المصريولوجيا الرواد والذين انطلقوا في تحليلهم لحضارة السودان القديم من قاعدة نظرية الإنتقال الحضاري. يقول المؤلف بأنه يجوز المجادلة بأن "نظرية الإنتقال الحضاري كانت بمثابة أداة ملائمة لدعاة الرؤية العنصرية في أواخر القرن التاسع عشر"، مشيراً الى أن "إرثها ما انفك يجد إنعكاساً في معالجات حديثة لتاريخ السودان القديم". وينطلق آدمز في معالجته من توجيه النقد لريزنر الذى يعده مسئولاً عن تقديم نظرية الهجرة عن طريق تفسير بقايا الإقامات المتعاقبة التى اكتشفها (المجموعات الأولى والثانية والثالثة الخ) بوصفها تنتمي الى مجموعات سكانية مختلفة، وارجاع أصول الأسرة الحاكمة النبتية الى سلسلة نسب ليبية، وذلك أمر لم يعتمد فيه ريزنر، باعتقاد آدمز، على أية معايير موضوعية. من ثم يؤكد آدمز بأن نظرية الهجرة لا يمكن الاتكاء عليها في تفسير تاريخ السودان القديم. ويقول المؤلف بأن فواصل الخطوط الأساسية لتاريخ السودان القديم يمكن فهمها في محتوى ارتقاء تطوري ثقافي، أى عن طريق استبعاد ليس فحسب نظرية الانتقال الحضاري بل ونظريات أخرى تقوم على أساس الحتمية (التحدي والاستجابة لـ توينبي، وفرضية الري لـ فيتفوغل، والتطورية المادية لـ ليسلي هوايت، والايكولوجية الثقافوية وغيرها••) واستبدالها بتناول يعتمد منطلقات النظرية التطورية الثقافوية. ويقول آدمز في هذا الشأن "أولاً، إنني أرى تطورات ارتقائية متعددة في المحيط المعرفي تظهر لي عالمية، لا تنعكس للوراء، كما الدفعات المتقدمة في التقنية والثقافة المادية، إلا أنني غير قادر على إرجاعها الى أية سببية خارجية. إنني أستطيع فقط أن أعللها بالنسبة لعملية ما غير متبدلة من النضج الفكري. وثانياً، لقد وجدت أن مفهوم البيئة، كعامل محدد للمصير في التاريخ الإنساني، يصعب إجراؤه عملياً في حالات محددة نحو ما يعاني منه مفهوم الثقافة".

هكذا يقدم آدمز، كما كتب محجوب التيجاني في مقدمته للترجمة العربية لكتاب آدمز، "القصة القديمة للنوبة في طريقة جديدة، حكاية متواصلة للتطور الثقافي لشعب بمفرده، وليس المهم فيها، جيئة ممثلين بأعينهم أو ذهابهم... ولأن النوبة أضحت مولجاً لتاريخ حضاري عريق، استن آدمز منهجاً فارق به علماء الآثار والتاريخ القديم لمنطقة النوبة: ذلك أنه يقدم وجهة نظر متمركزة حول النوبة في محل النظرة الواحدة المتمركزة حول مصر الفرعونية خاصة، والتى رآها منعكسة على معظم رفقائه العلماء ذوي الاختصاص في هذا المضمار".

يمثل كتاب لازلو توروك الذى صدر في عام 1979 "مملكة كوش: دليل حضارة نبتة - مروي" (3) إضافة جديدة للأدب التاريخي المتخصص. يقدم المؤلف مراجعة شاملة للمعطيات والإشكالات الأساسية للدراسات السودانوية في اطار سجل مفصل لتاريخ السودان القديم منذ نهاية الاحتلال المصري للبلاد حوالي 1100 ق.م حتى مرحلة التاريخ القديم المتأخر. يناقش المؤلف في سبعة فصول كتبت بشفافية التدوين التاريخي للسودان القديم، وجغرافيته، ونشوء الدولة السودانية، والأسرة الخامسة والعشرين، والأسس الذهنية للدولة السودانية، والسودان القديم من نهاية الأسرة الخامسة والعشرين حتى منتصف القرن الثالث ق.م.، وعصر سيادة مملكة مروي. يتصدر كل فصل من فصول الكتاب عرض قيم وشامل للمصادر الوثائقية والآثارية المادية، وتلخص العديد من الجداول كماً هائلاً من المعطيات مثل الآثار الموجودة لملوك السودان وألقابهم، والمسميات الجغرافية المعروفة، والطقوس الملكية المشهودة. ملاحظات وهوامش هائلة وببليوغرافيا شاملة تلف العمل وتقدم مرشداً للباحثين والطلاب.

يمثل عمل توروك تتويجاً لعمل دؤوب نفذه المؤلف دام على مدى ثلاثة عقود كرسه لدراسة ثقافة السودان القديم. ساعده تأهيله في مجال تاريخ الفن والدراسات القبطية، واشتراكه في تحقيق نصوص ملوك السودان القديم في أن يمتلك من الأدوات ما يمكنه من تحليل البينة النصية والايقونية الضروري لمشروع كتابه. وبما أن تلك المصادر أنتجت عن طريق نخبة دينية وحكومية ولها، فلا غرابة أن يتم التشديد في عمل توروك على تاريخ تطور الدولة السودانية. على مدى ربع قرن ظل توروك يضع الخطوط الأساسية لكتابه هذا، من خلال نشر العديد من أبحاث عالج فيها قضايا تتعلق بالتنظيم السياسي والإداري، وبالحقوق الملكية، والأيديولوجيا السياسية.

يرى توروك أن الدولة السودانية تطورت عبر عدد من الأطوار. خلال الطور الأول من تاريخ السودان القديم، وهو الطور الذى شغل النصف الثاني من الألفية الثانية السابقة للميلاد، احتلت مصر البلاد ورعت عملية تمصير المؤسسات السياسية والدينية، والنخب السودانية التى أشرفت على إدارة تلك المؤسسات. خلال الطور الثاني من تاريخ السودان– أواخر القرن الحادي عشر ق.م. حتى منتصف الثامن ق.م.– اختفت المؤسسات المصرية الإدارية والدينية الرسمية، وتفكك السودان الى مشيخات متنافسة. بقي التوجه المصري الضمني للثقافة النوبية ليعاود الظهور في الطور التكويني من تاريخ الدولة السودانية القديمة، والذى استيعدت خلاله وحدة المشيخات عن طريق أسرة الكرو، ومن ثم التوحد مع مصر تحت حكم الأسرة الخامسة والعشرين (حوالي 750-650 ق.م.).

ويعتقد توروك أن أحداث النصف الثاني من القرن الثامن ق.م.، عندما تدخل كاشتا وبيَّا في مصر وتم الاعتراف بهما فراعنة من قبل كهنة معبد آمون في طيبة، حتمت المسارات اللاحقة لتاريخ السودان القديم. بالتعاون مع كهنة الاله الأسري آمون-رع قام الملكان السودانيان بتجذير عملية تمصير الثقافة السودانية وخلق أيديولوجيا ملكية سودانية متميزة والتى يسميها توروك بـ "الأسطورة الكوشية للدولة". وفق هذه النظرة المشحونة أيديولوجياً لتاريخ السودان القديم، تم تأسيس الملكية السودانية عن طريق ميثاق متفق عليه بين الملك السوداني الأول الارا وأبيه الإلهي آمون-رع وهب كاشتا طبقاً له أخته لآمون-رع نظيراً لنيله ملكية السودان. يتم تجديد هذا الميثاق مع بداية تتويج كل ملك لاحق، عندما يستعيد الملك مراحل خلق الدولة السودانية في لحظة تتويجه عن طريق زيارة معابد آمون الرئيسة الأربعة في مملكته ويتم الاعتراف به ملكاً في كل معبد منها. بمجرد تشكلها بقيت "الأسطورة الكوشية للدولة" في قلب الحياة السياسية والفكرية الى نهاية التاريخ القديم السابق مباشرة لدخول الديانة السماوية المسيحية، رغم أن تفاصيلها تعرضت لتطور وتوسيع لاحقين. هكذا، كيف السودانيون خلال الطور الرابع الذى يمتد من منتصف القرن السابع حتى منتصف الثالث ق.م.، مؤسساتهم وأيديولوجيتهم للأوضاع الجديدة الناجمة عن فقدانهم لمصر وتحجيم حدود السودان القديم. بدأ الطور الخامس والأخير لتاريخ السودان القديم - منتصف القرن الثالث ق.م. حتى حوالي الخامس الميلادي، بتأسيس أسرة جديدة متمركزة في نبتة لينتهي باختفاء الدولة السودانية القديمة في التاريخ القديم المتأخر. سمات الدولة الأساسية تمثلت في احياء التأثير المصري فى السودان عن طريق الاتصال بمصر اليونانية - الرومانية، وتقوية المظاهر السودانية للثقافة.

يمثل كتاب توروك تركيباً جيداً، مشحوناً بفهم عميق وتبصر وتفسيرات جديدة لمعطيات معروفة. ثلاثة جوانب لهذا العمل الهائل هى مثيرة بحق. الجانب الأول هو استخدام توروك لنموذج يتضمن التحكم الانتقائي وإعادة تفسير العناصر الثقافية الأجنبية من قبل السودانيين، في شرحه لدور التأثير المصري واليوناني في تطور الثقافة السودانية. بهذا الأسلوب يتجنب توروك ثنائية التقليد - الاقتباس العقيمة والتى رافقت المناقشات السابقة للعلاقات بين مصر والسودان القديم. كانت النتيجة تفسيراً للعلاقة بينهما أشبه بعلاقة اليونان بروما أو الصين باليابان، تفسيراً يتم التشديد من خلاله على تحليل وظيفة العناصر الأجنبية في ثقافة السودان القديم، لا أصلها. الجانب الثاني هو تبني تقسيماً مرحلياً لتاريخ السودان القديم يعكس بدقة أكبر سيرورة التاريخ السياسي والفكري للسودان مما قدمته الأنساق التحليلية السابقة التى شكلت فيها العناصر الخارجية - بخاصة الغزوات المصرية أو البربرية الوتد الذى استند إليه تاريخ السودان القديم. ميزات تناول توروك تبدو واضحة بخاصة في تعليله لنقش اسبالتا الذى يشدد فيه على التطورات الداخلية وليس على الأزمة المفترضة التى تسببت فيها حملة بسامتيك الثاني في 591 (593 وفق توروك) ق.م. بوصفها نقطة مركزية لفهم عهد هذا الملك المهم (ص. 367-371). الجانب الثالث، وهو الأكثر قوة، يتمثل في إعادة التركيب المهنية العالية للأيديولوجيا الملكية في الفصل الخامس من الكتاب. هذا الفصل يكاد يكون في ذاته كتاباً- يمثل تدليلاً نموذجياً للكيفية التى تدمج بها البينة النصية مع البينة الايقونية. في هذا الفصل يؤسس توروك للمرة الأولى الموضوعات الأساسية للتاريخ الفكري للسودان القديم.

في اعتقادي أن طرح توروك ليس موثوقاً بصورة مطلقة. مثيرة للجدل مناقشته لـ "الأيديولوجيا الأسرية الكوشية" (ص. 255-262). أهمية الشرعية الملكية على أساس التعاقب الانثوي (الأمومي) هو ظاهرة مشهودة في تاريخ السودان القديم. يحاول توروك التدليل على أن إعادات التركيب الكرونولوجية لا يمكن تأسيسها على هذه الحقيقة. ويجادل كذلك، بأن السودانيين عرفوا مبدأ القرابة المتوازية "نوع - مصري للتعاقب الأبوي" بالاضافة الى مبدأ التعاقب الأمومي. يدلل على ذلك بالبينة الخاصة بوضع الملك بوصفه ابناً لآمون-رع وإدعاء النصوص السودانية القديمة بأن الملك كان وريثاً لتراث الارا. لا أعتقد بأن أي من المجادلتين مقنعة. فالأخيرة لا تحمل بالضرورة معني التحدر الأبوي من الارا في حين أن الأولى تعتمد على سوء فهم لأيديولوجيا الملكية المصرية. فرغم أن كل الفراعنة عدوا أبناءً لـ رع، فإن التاريخ المصري والنصوص من نوع "بردية وستكار" لا تترك شكاً بأن البنونة الإلهية للملك لا تفترض بالضرورة صلة قرابة دم بينه وبين سلفه. في هذا الاطار فإن حقيقة كون اسبالتا اعتقد بأن خلق خط تعاقب أنثوي زائف جسد جزءاً حيوياً لاعطاء شرعية لادعائه العرش إنما يمثل تأكيداً على مركزية مبدأ التعاقب الأمومي بالنسبة للأيدولوجيا الملكية السودانية القديمة.

إن الكتاب تركيب جيد للأبحاث الحالية ويوفر أرضية صلبة للأبحاث المستقبلية فيما يتعلق بالدولة السودانية القديمة. يصدق هذا بخاصة لمعالجة توروك للفترة النبتية، لكن معالجته للفترة المرَّوية المضغوطة في فصل واحد تفتقد وضوح التحليل وعمقه. النتيجة تقديم تعليل، يشدد على الاستمرارية بين ثقافة نبتة - مروي، لكنه يقلل من مدى الابداعات المنجزة في السودان القديم في العصر الهلنستي وأهميتها. ظاهرة مثل بروز آلهة جدد وأشكال معابد جديدة، وتبني ممارسة تقديم الخدم قرابين، وابداع الخط المرَّوي مع توسع الإقامات بامتداد المملكة، كل ذلك إنما يشير الى أن فترة مروي كانت، في الواقع، واحدة من أكثر فترات تاريخ السودان القديم ابداعاً ودينامية.

وفي عام 1979 نفسه قام توروك بتحقيق طبعة جديدة لنتائج حفريات جارستانج في موقع المدينة الملكية بمروي. يحتوي الكتاب على أبحاث جارستانج في مروي مع تعقيبات توروك الخاصة وملاحظاته بالاضافة الى طرح بعض الفرضيات بشأن أركيولوجية مروي ومعمارها (4). تحتوي أطلال مروي بوصفها عاصمة للبلاد لفترة امتدت لستمائة عام على بينة تساعد في فهم تاريخ السودان القديم وحضارته. نقب جون جارستانج في المدينة بين الأعوام 1909 و 1914، كاشفاً النقاب عن جزء كبير من "المدينة الملكية" بالاضافة الى مبان هامة خارج أسوارها بما في ذلك معبد آمون الرئيس للمدينة وما يسمى بمعبد الشمس. أعاق اندلاع الحرب العالمية الأولى نشر التقرير النهائي لأعمال التنقيب، مما ترك معرفة تلك النتائج محدودة في تقارير مبدئية سطحية والمجلد الأول غير المكتمل للتقرير النهائي. في الوقت الراهن فإن الكثير من البينة المفتاحية بما في ذلك الموضوعات وبعض يوميات أعمال التنقيب مشتتة ومفقودة بفعل الاهمال أو أنها دمرت خلال الحرب العالمية الأولى. وقد نجح توروك، بالتعاون مع مدرسة الآثار والدراسات الشرقية بجامعة ليفربول، في توفير ملخص شامل لما هو متوفر من تلك البينة من أعمال التنقيب التى أجراها جارستانج. النتيجة كتاب توروك هذا "مدينة مروي: عاصمة أفريقية قديمة"، الذى تصعب قراءته أو استخدامه لكنه يسوى الجهد الذى بذل فيه. رغم أنه قد لا يمثل تقريراً كان جارستانج يطمح لكتابته فإن شكله يشير الى منهجيته ومعالجته الآثارية. بخاصة تشديده على المباني الصروحية والكشف عن النقوش مقروءة مع ستراتيجية للتنقيب تتضمن الحفر في مناطق واسعة من الموقع مما يحول دون تطوير ستراتيجرافية شاملة عمودية أو أفقية لمدينة مروي. بالتالي فإن كتاب توروك "مدينة مروي" لا يتخذ طابع تقرير تقليدي عن موقع مرتب كرونولوجياً لكنه يحتوي كتالوجاً مفصلاً للمباني يكمله كتالوج بالمكتشفات النصوصية، واللقيا غير المحددة الموقع، والمدافن، والفخار. وبرغم المحدوديات التى فرضتها ستراتيجية تنقيبات جارستانج، فإن كتاب توروك يمثل اضافة أساسية لمعرفتنا بتاريخ السودان القديم. إذا تعرضت لبعض الأمثلة فإن مادة جارستانج تؤكد على دور وأهمية مروي مركزاً ملكياً رئيساً منذ أزمان نبتة المبكرة، وتوفر دعماً قوياً للفرضيات الحديثة بأن المدينة كانت قد تأسست على جزر نهرية وأن تطورها قد تأثر بالتحولات في هيدوجرافية النيل. أعتقد أن كتاب توروك يمثل "عملية انقاذ" لنتائج أعمال تنقيب أساسية ظننا لفترة طويلة بأنها فقدت كلياً.

بين الأعوام 1986 و 1992 بدأت أعمال المسح التى أجرتها باميلا روز وفريقها فى جزء من منطقة الصحراء ونجادها الى الشرق من قصر إبريم. كما هو معروف فإن قصر إبريم وضواحيها تمثل المنطقة الوحيدة الباقية التى يمكن الوصول إليها آثارياً بعد نشوء بحيرة ناصر في الأطراف الشمالية للسودان القديم. ركزت أعمال المسح على بقايا مواقع الإقامة التى تبعد قرابة الكيلو متر الى الشرق من القلعة الواقعة على جانبي الطريق التى تؤدي الى قصر إبريم والتى تتخذ اتجاهاً شمالياً عبر المنطقة الممسوحة. تم الكشف عن 543 موقع منفصل منها مواقع اقامة وأخرى مواقع ذات طبيعة جنائزية. فوق ذلك تم الكشف عن أكثر من المائة نقش قصير بالخطين المرَّوي واليوناني متجمعة بالقرب من منحدر في الطريق بين منطقة الإقامة وقصر إبريم. تجادل روز على أساس البينة الفخارية بأن الإقامة تأسست في الفترة الهلنستية واستمرت بشكل محدود حتى الفترتين المرَّوية وما بعد المرَّوية (ص. 148-151). تقترح روز تاريخاً يعود الى القرن الثاني - الأول ق.م. للموقع ككل، إلا أن البينة الابيجرافية المحدودة قد يمكن تفسيرها بوصفها داعمة لتاريخ يعود للقرن الأول ق.م- القرن الأول الميلادي. المزيج من المصنوعات الفخارية المرَّوية مع مصنوعات فخارية مصرية في الشقوف التى تم جمعها يشير، على أية حال، الى غلبة سكان سودانيين، لكنهم قادرين على اقتناء سلع مستوردة من مصر، احتمالاً عبر قصر إبريم.

في حين توفر نتائج المسح الآثاري للمناطق في هامش قصر إبريم معلومات مهمة تتعلق باقامة السودانيين في الأطراف الشمالية للسودان خلال الفترة الهلنستية المتأخرة، فإنها في الآن نفسه تطرح أسئلة جديدة. حتى الآن تظل مبهمة، على سبيل المثال، أهداف الإقامة، وطبيعة علاقتها بقصر إبريم، أو سبب ترك السكان – العديد منهم عارفون لليونانية والمرَّوية - مذكرات عن زيارتهم لهذه النقطة النائية. تقترح روز منطقياً أن هذه النقطة قد تكون لها أهمية دينية للحجيج المرتبطين بوحي آمون في قصر إبريم، لكنها تعترف أن اجابات واضحة لهذه وغيرها من الأسئلة التى تطرحها نتائج المسح التى أجرتها غير موجودة (ص. 113). أعتقد أن التفسيرات المستقبلية لقصر إبريم لا بدَّ وأن تأخذ في الحسبان علاقتها بالهوامش الصحراوية.

وفي عام 2000 ظهر باللغتين العربية والفرنسية كتيب جاك رينولد بمناسبة المعرض الذى أقيم في باريس لـ "الحفريات الفرنسية والفرنسية-السودانية: اسهام في تاريخ السودان" (5). الكتيب عبارة عن دليل موجز لتاريخ السودان القديم منذ اطلالة العصر الحجري الحديث وثقافاته المتنوعة بطقوسها الجنائزية المعقدة، مروراً بحضارة كرمة ونبتة ومروى. الرؤية التى يقدمها الكتيب تشدد على ذاتية الحضارة السودانية القديمة، وتتبع طورها بوصفها حضارة تعبر عن سيرورة التطور المميز للحضارات الأفريقية ما وراء الصحراء والدور الذى قامت به حلقة وصل بين المنجزات الحضارية في مصر وفي بقية القارة الى الجنوب منها.

في هذا العام 2004 صدر دليل لمعرض الآثار السودانية بالمتحف البريطاني في لندن (6) والذى أقيم بمناسبة تدشين صالة متخصصة في الآثار السودانوية بعد أن كانت آثار السودان تُعرض ضمن القسم المصري بالمتحف. يشير أحد المشرفين على الكتاب، ديريك ويلسبي، الى "أن العديدين من علماء الآثار الذين عملوا في السودان كانوا قد نالوا تدريبهم بوصفهم متخصصين في علم الآثار المصرية ونظروا لعملهم في السودان كجزء تابع لنشاطاتهم في مصر . يختلف الوضع اليوم، إذ يوجد حالياً في السودان علماء تلقوا خلفيات في مجالات متعددة للغاية. أدى هذا الى تركيز أكبر على الجذور المحلية للثقافات السودانية، وأصبح ينظر حالياً للمؤثرات من مصر خلال العصر الفرعوني وما تلاه في منظورها الصحيح بوصفها مجرد عناصر أجنبية". سعى المعرض لرسم خريطة لتطور الحضارة الإنسانية في السودان، وفق هذا المنظور، منذ أقدم تجليات الثقافات السودانية في العصر الحجري القديم حتى القرن التاسع عشر الميلادي. اتبعت الخريطة ارتقاءً كرونولوجياً، وأسهم متخصصون رواد في كتابة مقدمات عامة موجزة لكل فترة من فترات تاريخ السودان القديم. وصف المواقع التى تم التعرض لها في الدليل كتبها علماء الآثار أنفسهم الذين يقومون ولازالوا بأعمال التنقيب في تلك المواقع. وبما أن تلك المواقع لازالت تحت التنقيب فإن التقارير المنشورة في هذا الكتاب لا تعكس سوى المعرفة المبدئية بتلك المواقع. مع وجود أكثر من ثلاثين بعثة آثارية تعمل حالياً في السودان، فإن اكتشافات جديدة آخذة في الظهور مع مطلع كل عام عن مراحل تاريخ السودان القديم المختلفة.

تلك الأعمال الأخيرة تقف شاهداً على مولد الدراسات السودانوية فرعاً معرفياً مستقلاً بحقها الذاتي وبتقاليدها وإشكالياتها العلمية الخاصة. نبتة ومروي مملكتا السودان القديم لـ :كاتسنلسون، ومملكة كوش لـ توروك يمثلان دليلاً لأهداف هذا الفرع المعرفي الجديد وانجازاته. سوياً مع النوبة رواق أفريقيا لـ آدمز، توفر عرضاً لتاريخ السودان القديم وحضارته غير مشهود من حيث العمق والحنكة العلمية المهنية في أي من مناطق أفريقيا ما وراء الصحراء. انه، على كلٍ، عرض يقوم في الأساس على قاعدة التفسير وإعادة التفسير للبينة المعروفة منذ أزمان طويلة. لن يكون التقدم المستقبلي ممكناً بدون اضافة المزيد من المعطيات الجديدة عن طريق توسيع دائرة الأعمال الميدانية لتشمل جنوب السودان وجبال النوبا وأعماق دارفور وجنوب النيل الأزرق وتلال البحر الأحمر. فكما يقول كاتسنلسون "ستة عشر قرناً انقضت منذ انهيار مملكة مروي. إلا أنها لازالت تعيش، ليس فقط في الذاكرة، والتحدارات، والأساطير، والأحاجي. تراثها يظل باقياً في معتقدات، وعادات، وتقاليد شعوب السودان وثقافتهم المادية".

هوامش

* لمحاولة تأطير نظري يتأسس على مفهوم بنيوي للدولة في السودان القديم يمكن الرجوع الى بحث نشرته في العدد الثاني من مجلة الآثار والأنثروبولوجيا السودانية اركامانى الإلكترونية بعنوان "مفهوم نمط الإنتاج الآسيوي هل يصلح أداة منهجية لدراسة تاريخ مملكة نبتة - مروى؟ إطار نظرى لتحليل التاريخ الاجتماعي الاقتصادى لمملكة نبتة – مروى".

http://www.arkamani.org/vol_2/archaeology_files2/meroe_and_asiatic_mode.htm

** ويليام آدمز، النوبة رواق أفريقيا، ترجمة محجوب التيجاني محمود، شركة مطبعة الفاطيما اخوان، القاهرة 2004.

• ويليام آدمز، "اختراع النوبة"، أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا السودانية الالكترونية، العدد الثاني/ فبراير/2002

http://www.arkamani.org/vol_2/archaeology_files2/introduction.htm

•• لمزيد من الاطلاع على النظريات الأنثروبولوجية بشأن تطور التعقد الثقافي يمكن الرجوع الى كتابنا المشترك مع د. أبوبكر شلابي "الأنثروبولوجيا العامة: فروعها واتجاهاتها النظرية وطرق بحثها"، المركز القومي للبحوث والدراسات العلمية، طرابلس 2001، الصفحات 109-183.

ويمكن الرجوع الى هذه الصفحات مباشرة في موقع أركاماني مجلة الآثار والأنثروبولوجيا السودانية الالكترونية

http://www.arkamani.org/vol_2/anthropology_files_2/theory_in_anthropology.htm

المراجع

(1) Кацнельсон И.С.1970, Напата и Мерое древние царства Судана, Издательство “Наука”, Москва.

(2) Adams W.Y. 1977, Nubia. Corridor to Africa, Princeton.

(3) Török L. 1997, The Kingdom of Kush. Handbook of the Napatan-Meroitic Civilization. Leiden-New York-Cologne.

(4) Török L. 1997a, Meroe City. An Ancient African Capital. John Garstang's Excavations in the Sudan. London.

(5) جاك رينولد وآخرون، الآثار في السودان: حضارات بلاد النوبة، ترجمة صلاح الدين محمد أحمد، شركة مطابع السودان للعملة، الخرطوم 2000.

(6) Welsby D.A. and Julie R. Anderson 2004, Sudan Ancient Treasures, London: The British Museum Press.


© جميع حقوق النشر محفوظة للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
TOUS DROITS RSERVS © 2005
Copyrights © 2005Sudan for all. All rights reserved

Web designers/ developers:mardisco