header
قصة، شعر، كتابات نثرية، مسرح
Nouvelle, Poésie, Œuvres en prose, Théâtre
Fiction, Poetry, Prose writings, Drama
 
Théâtre Drama مسرح Œuvres en prose Prose writings كتابات نثرية Nouvelles Fiction قصة Poésie poetry شعر
  Théâtre Drama مسرح
 

 

مسرح الأمس...مسرح اليوم

بمناسبة مرور أربعين عاما على المسرح الحديث في السودان

ذكريات لا تنسى (1)

 

بدر الدين حسن علي

تورنتو

 

في مثل هذه الأيام من عام 1967 كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق من أجل إنطلاق حركة جديدة على خشبة المسرح القومي بأمدرمان، ترأسها باقتدار شد يد الفنان الراحل الفكي عبد الرحمن، وساعده في ذلك نخبة من الفنانين السودانيين في شتى حقول الفن والثقافة، تطوعوا جميعا للعمل من أجل مسرح سوداني أصيل .

كانت البداية صعبة جدا ومليئة بالمخاطر والمغامرة، ولكن ما من أحد كان يحفل بذلك، لقد عقدوا العزم على تحقيق الهدف، بدءا من تغيير صالة

المسرح وخشبته و"البدرون" وكل بما يحيط بالمبنى داخليا وخارجيا، مرورا بالطبع بالمكاتب وغرف المكياج والإضاءة والديكور وغيرها من مستلزمات الفن المسرحي .

ولكن كان أكثر ما يهم الفكي عبد الرحمن هو محتوى ذلك المسرح، بمعنى آخر ما هي نوع المسرحيات التي ستقدم فيه، خاصة وهو يواجه فقرا شديدا في المسرحيات السودانية التي يمكن أن تسد الفراغ، ويواجه فقرا أيضا في القوى البشرية والمادية ومواجهة ثالثة تتمثل في الجهة المشرفة على هذا العمل الكبير والممثلة في وزارة الإعلام .

لن نتوقف هنا طويلا عند تلك المصاعب والتحديات فقد كان الفكي عبد الرحمن الرجل المناسب في المكان المناسب، وكان أولئك النفر في المكان المناسب تماما، أمثال مكي سنادة، عبد الله الشريف، الحارث، محمد عثمان، عمر الفاروق، عثمان قمر الأنبياء، عثمان أحمد حمد "أبو دليبة"، محمود سراج "أبو قبورة"، الفاضل سعيد، عثمان أحمد حميدة "تورالجر"، عبدالوهاب الجعفري، عثمان النصيري، خالد المبارك، علي عبد القيوم، صالح الأمين، مهدي حسن مهدي، حيدر، فاروق، علي أمين المخزن، محمد شريف، محمد عثمان المصري، وكوكبة كبيرة من عمال الديكور والإضاءة والستارة والملابس والميكياج انضم إليهم لاحقا الفنانة ميرفت وأخواتها من الفنانات والموظفات السودانيات، وعم إسماعيل وسابو، صلاح تركاب، تحية زروق، فتحية محمد احمد، علوية، إسماعيل طه، عوض صديق، أنور محمد عثمان، محمد رضا، صلاح قولة، عمر براق، الطاهر شبيكة، عمر الخضر، عوض محمد عوض، الريح عبد القادر، الطيب المهدي، علي مهدي و ألف معذرة للذين سقطت أسماهم في هذه القائمة والذين سيأتي ذكرهم في حلقات قادمة.

كان مشهدا مألوفا ولعدة سنين أن ترى عشرات المشاهدين من وإلى المسرح القومي من أبو روف وبيت المال والموردة والمحطة الوسطى بأمدرمان بأرجلهم مما جعل وزارة المواصلات تخصص باصا لنقلهم من المحطة الوسطى بأم درمان وإلى المسرح القومي حتى أصبح الباص من أشهرها عندما أصبح من ركابه  كبار الممثلين والممثلات .

الممثل الكبير عوض صديق مثلا كان يمتلك عربة "فولكسواجن" وكان من الصعب جدا أن يصحبه أي أحد مهما كان في عربته وهو متجها إلى منزله، وكان من الصعب جدا أن تأخذ سيجارة من صندوق علبته "البنسون"  والتي على استعداد أن يرميها على الأرض للإيحاء بأنها فارغة، بل كان يصطاد السمك أو يقطف الليمون من النيل ليتجنب شراؤه من السوق .

كان صلاح تركاب يمتلك عربة ومثله أيضا مهدي حسن مهدي وعثمان قمر الأنبياء، وهذا الأخير قدت عربته بدون رخصة وصدمت بها مدخل مكاتب الفنون المسرحية والاستعراضية التي أنشأها الفكي عبد الرحمن مؤخرا وجعل من قمر الأنبياء مديرا لها، وإضطررت  أن أدفع مبلغ عشرين جنيها ثمنا لإصلاح ما لحق بها من تلف .

ولكن لم يستطع الفكي أن يجعل المسرح خاصا بتقديم المسرحيات فقد طاردته لعنة حكومة نوفمبر، وهي ذات الحكومة التي بنت المسرح عام 1959 لإشغال الناس بحفلات السمر السودانية والعربية والأجنبية، بل هي كانت الأكثر أهمية من الدراما وكانت تشكل عصب برنامج المسرح القومي لسنين طويلة وحتى عندما نشأت مباني أخرى مثل قاعة الصداقة الصينية السودانية، فانتقلت العدوى إليها وإلى مسارح الأقاليم هي أيضا .

والحقيقة أن الفكي ومجموعة كبيرة من الفنانين المسرحيين بذلوا جهدا كبيرا لجعل المسرح القومي مكانا للاستمتاع بلغة الدراما خاصة وأن عددا كبيرا من خريجي جامعة الخرطوم ومدارس التربية والتعليم ولاحقا معهد الموسيقى والمسرح قد انضموا إلى العاملين بالمسرح القومي مما كان له الأثر الكبير لتثبيت برنامج المسرحيات الدرامية، وتوفير ميزانية خاصة تصرف عليها .

كان الفكي عبد الرحمن متفهما تماما لتعقيدات الأمر، فوزارة الإعلام لم تكن تحفل بالدراما، وبذلك كانت خشبة المسرح القومي بأمدرمان تحفل بالسهرات الغنائية وفرق الفنون الشعبية والأكروبات إلى جانب المسرحيات التي تنوعت اتجاهاتها ما بين مسرحيات سودانية لحما ودما ومسرحيات عربية وإفريقية وحتى من الأدب المسرحي العالمي مما سيأتي ذكره لاحقا .

وسرعان ما اشتدت المنافسة بين مجموعة الدراما ومجموعة الغناء والسمر وهذه الأخيرة أضرت كثيرا بمسيرة المسرح القومي الذي شهدت أروقته صراعا عاتيا بدخول الأجهزة الأمنية الإستخباراتية سواء في فترة الديموقراطية الثانية أو فترة نظام مايو وما بعد ذلك .

ولا يخفى على أحد أن المسرح القومي كان أحد الأضلاع الثلاثة لما كان يطلق عليه "الحوش" أي المسرح، الإذاعة والتلفزيون إلى جانب نشاط خفيف لمركز الإنتاج السينمائي. وعلى الرغم من التعاون الواضح بين هذه الأجهزة إلا أن العبء الأكبر وقع على المسرح القومي في صدامه الشديد والعنيف ضد تدخلات الأجهزة الأمنية مما أيضا سنفصله في حلقة قادمة .

 

 

 

 

 

 

© جميع حقوق النشر محفوظة للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
TOUS DROITS RSERVS © 2005
Copyrights © 2005Sudan for all. All rights reserved

Web designers/ developers:mardisco