header
قصة، شعر، كتابات نثرية، مسرح
Nouvelle, Poésie, Œuvres en prose, Théâtre
Fiction, Poetry, Prose writings, Drama
 
Théâtre Drama مسرح Œuvres en prose Prose writings كتابات نثرية Nouvelles Fiction قصة Poésie poetry شعر
  Nouvelles Fiction قصة
 

 

أزقـــــــــة

(1)

زقــــاق ملتــــوٍ
 

 عبد المنعم الجزولي
 

 

عندما خرج ليتبول في الزقاق كعادته، لم يجد مكانا خاليا، فقد كانت كل الأماكن الصالحة للتبول مشغولة بجماهير المتبولين.

 

قطع الزقاق جيئة وذهابا مرتين، عسى أن يخلي أحدهم مكانا له. ولكن التبول كان أبدياً، والمتبولون لا ينقطع سيل بولهم، ولا يخفت خريره عند نقطة التقائه بالأرض.

 

تجنب دعوة عمر البطل له ليتبول في المساحة الضيقة جدا بين موقع تبول البطل وباب الحديد في حائط منزل الحاجة لبودة شندقاوى أو لبودة الداية كما يسمونها. ورغما من أن لبودة ليست داية قانونية، إلا أن زبوناتها كن أكثر من جملة زبائن دار الرياضة، وقد تخصصت حاجة لبودة في إعادة ما انهتك من أغشية البنات قبل الزواج وتضييق ما اتسع من فروجهن بعده!

 

كان يعلم أن البطل لن يكتف بالتفرج على قضيبه الملتوي إلى أعلى، بل سيمسك به محاولا أعادته قسراً إلى استواء القضبان. اعتذر له برفق مستقيم حيث أن البطل لا يحب الكلام الملتوي. كان بطبعه يكره الالتواء في أي شيء.

 

عمر البطل كان يشكل في أوائل الستينيات فريقا غنائياً مع دفع الله ود بتول وكان الناس يعرفونهما باسم ثنائي العوجة حيث قدما إلى المدينة من قرية ود العوجة ريفي صندقة. وظلا  يمارسان الغناء في الأفراح والنواح في الأتراح حتى مات ود بتول نتيجة تسمم كحولي. 

 

اعتذر مبتعداً عن دعوة بخيتة المكشوفة. كعادتها كانت بخيتة تتبول واقفة عند طرف برميل الزبالة. بخيتة كانت تنافس الرجال في إلقاء بولها مباشرة على بعد متر ونصف أمامها. ومن فجورها فقد أفتت بأن زواج عشة اللبوة من قسم البارى التفشكي حلال، رغم أن عشة كانت و لا تزال في عصمة بانقا النجار! بل وأفتت بإمكانية زواج ويصا عبد المسيح من فاطمة الفلاتية مدعية أن الله قال في محكم تنزيله "الرجل ما يعيبه سوى جيبه".

 

مع ارتفاع رائحة النشادر النفاذة، وكل تلك الزهور ذات الألوان والأحجام المتنوعة، تذكر مشهداً قديماً لفيلم هندي سخيف كان قد شاهده من خلال ثقب في باب من بوابات السينما المتعددة.

 

دخل أحدهم من طرف الزقاق فوق دراجة سوداء تتقدمه عينان زائغتان وحركة أرجل مترددة على بدال الدراجة، وظل يرمق ظهور المتبولين ظهراً فظهرا، حتى توقف شبه متردد خلف صالح بابتوت عند باب الزنك القديم، والذي كان كعادته عند التبول، يجلس فارداً جلبابه الفاقع الصفرة خلفه وقد ألقى عمامته باسترخاء خلفه كاشفاً عن طاقية خضراء تغطى بعضا من رأسه الأصلع. دار حديث قصير بينهما. الغريب فوق دراجته مستعداً للهروب في أية لحظة، وبابتوت لا ينقطع خرير بوله، ثم تبادلا شيئا. لفافة بنقود أو العكس، لتنطلق الدراجة و تختفي عند التواء الزقاق.

 

حدثت المعجزة، هكذا فجأة، وبدون مقدمات. حيث ترجل تور الفجة من جواد بوله، فشغر مكان. أسرع ليحتله ويفك ضائقته، ولكن حضرة المدير خرج من الباب المجاور مباشرة ولم يتردد لحظة في الاستيلاء على المكان الخالي وأطلق لبوله العنان.

 

لعن المدير والمديرين والوزراء وكافة المسؤلين. أى مدير هذا الذي يقف بسرواله الأزرق وقميصه الناصع البياض، ليتبول هكذا علناً؟ ربما لم يكن مديراً حقيقياً في السكة الحديد. ظن لوهلة أنه قد يكون مديراً لبقالة أو لمخبز أو أي شيء آخر، ولكنه بالقطع ليس مديراً في الحكومة.

 

ست ابوها، ابنة خالة أبناء عمه، خطف حياتها قطار شارد جهات السافل، كان هذا منذ زمن بعيد، ولا يذكر إن كان ذلك في المحمية أم في الدامر. لعن القطارات المتوقفة والمتحركة في كافة أرجاء المعمورة.

 

تحرك عثمان ابنعوف أثناء تبوله جهة اليمين قليلا، فظنه سيغادر المكان، وتأهب لاغتنام الفرصة، متحفزا حتى أن بعضا من قطرات البول قد بدأت بالفعل في الخروج من مكمنها. امسك نفسه بقوة، فقد أحس بان سرواله قد تبلل قليلا. ولكن ابنعوف لم يزد على تلك الحركة. لعنة الله عليك. أجئت لتتبول أم لترقص.

 

يقولون أن ابنعوف يتاجر في الزئبق الأحمر. لا بد أنه قد جمع ثروة كبيرة. لعنة الله عليك. لماذا لا تبني لنفسك مبولة خاصة وتترك لنا مجالا في زقاقنا هذا؟

عندما تحرك زكريا الأشول من مكانه وراح يعيد هندمة نفسه معلناً انتهاءه من عملية التبول، هرول نحو المكان لا يلوي على شيء، وقد بلغ البول الذبى. ولكن زكريا، ولسبب لا يعلمه احد، قرر العودة لمواصلة تبوله في نفس المكان. وعندها لم يستطع قسم السيد التحمل أكثر من ذلك. لقد تبول في ملابسه الرسمية! كان قسم السيد شرطياً سرياً، والجلباب الأبيض مكون أساسي لزيه الرسمي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

© جميع حقوق النشر محفوظة للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
TOUS DROITS RSERVS © 2005
Copyrights © 2005Sudan for all. All rights reserved

Web designers/ developers:mardisco